تحرير المجله

اشارة

شماره بازيابي : 51-81060

وضعيت نمايه سازي : اطلاعات ثبت

شماره كتابشناسي ملي : 2870819

عنوان و نام پديدآور : تحرير المجله، تاليف آيةاله فقيد محمدحسين آل كاشف الغطاء

مقطع و رشته تحصيلي : قضائي. عربي

ملاحظات: اين كتاب در كتاب فروشى نجاح در تهران و كتابفروشى فيروزآبادى در قم افست شده است.

مشخصات نشر : عراق. نجف اشرف، المكتبة المرتضوية.1359. ج 5

مشخصات ظاهري : 1146 ورق.

ص: 1

الجزء الأول القسم الأول

اشارة

ص: 2

ص: 3

مقدمة الكتاب

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

أحمدك اللهم و أشكرك، و أستعين بك مصليا على نبيك و آله و صحبه الكرام، و بعد، فقد تكرر علىّ الطلب من بعض الشباب المهذب من طلاب الحقوق ان اكتب وجيزا في الأحوال الشخصية و المعاملات المالية على طريقة فقه الإمامية و لما كانت (مجلة العدلية) أو مجلة الأحكام هي الكتاب المقرر تدريسه في معاهد الحقوق من زمن الأتراك إلى اليوم نظرت فيه فوجدته مع حسن ترتيبه و تبويبه، و غزارة مادته محتاجا الى التنقيح و التحرير، و الإشارة الى ما فيه من الزيادة و التكرير، و بيان مدارك بعض القواعد و الفروع و ذكر مبانيها حسب الفن من الأدلة و الأصول، و الكتاب المزبور على ما يظهر من أسلوبه و يغلب عليه انه كتاب فقه لا تدوين قانون أوانه (فقه قانوني: أو قانون فقه) و على كلّ، فقد أمليت هذه الخواطر و جعلتها كتحرير لذلك الكتاب.

و الغرض المهم من ذلك. (أمران). (الأول) الشرح و التعليق عليه و حل بعض. معقداته و مشكلاته و [الثاني] بيان ما ينطبق منها على

ص: 4

مذهب الإمامية و ما يفترق، و عسى في طي ذلك تستبين الموزن بين فقه سائر المذاهب الإسلامية و فقه المذهب الجعفري و ما فيه من غزارة المادة و سعة الينبوع، و كثرة الفروع، و قوة المدارك و رصانة المباني، و سمو المعاني، و مطابقة العقل و العرف في الأكثر، و مع بعد النظر، على اننا لا نبخس حق القوم، و لكل وجهة هو موليها. و كلا وعد اللّٰه الحسنى و كل واحد من اعلام فقهاء الإسلام قد استفرغ معه وجد و اجتهد و سعى و كل سعيه مشكور و نسئله تعالى ان يجعل مساعينا خالصة لوجهه الكريم، و ان يلهمنا الحق و يصون أقلامنا و أقدامنا من خطوات الخطأ و عثرات الخطايا، و يجعله مؤلفاً نافعاً و أثرا خالداً و أقصى ما أرجوه من المطالعين الأفاضل و الشباب المهذب ان يتجردوا عند النظر فيه من بعض العواطف لنا أم علينا حتى ينظروا إلى الأشياء كما هي و يعطوها حقها بمعيار العدل و الإنصاف من دون إسراف و لا إجحاف اللهم أنت ولي في الدنيا و الآخرة توفني مسلماً و ألحقني بالصالحين

ص: 5

و قد جرت عادة المؤلفين في الغالب ان يذكروا امام المقصود مقدمة تشتمل على أمور تفيد مزيد بصيرة في العلم و الكتاب و نحن بتوفيقه تعالى نذكر من باب المقدمة أموراً لعلها تنفع في الغرض إن شاء اللّه (الأول) أهم شي ء يلزم معرفته بادئ بدء. ان اللّٰه سبحانه لما تعلقت مشيئته بإيجاد هذا النوع و هو المسمى بالبشر و قضت حكمته ان يعمر به هذه الكرة التي تسمى بالأرض و يمهد له فيها وسائل الرقي باختياره الى مدارج القدس و معارج السعادة في أولاه و أخراه لذلك أودع فيه غرائز و أوضاع، و فطرة على سجايا و طباع، قمينة له بالغرض الذي خلق من اجله- فجعل فيه الشهوة و الغضب و ما يتشعب منهما من الحرص و الطمع و الطموح و التعالي و ما الى ذلك مما لسنا بعدد إحصائه، و لكن لما كان من لوازم تلك الشناشن التغالب و التكالب، و التشاحن و التطاحن، و سعي بعض في هلاك بعض و حب الأثرة و الإمرة، و كان إرخاء العنان لتلك الغرائز و تركها على رسلها مما يعود بنقض الغرض من خلق الإنسان- لا جرم احتاجت القوتان إلى قوة اخرى تكبح طغيانها، و تمسك عنانها، و تعدل أوزانها، فنفخ فيه من روحه (القوة العاقلة) لتكون هي المسيطرة على جماح تلك القوتين الجبارتين، و لما كانت قوة العقل البشري نوعا محدودة، و حظيرة إدراكاته ضيقة، و كثيراً ما تكون في كثير من البشر ضعيفه، و ما أكثر ما تتغلب واحدة من تينك القوتين على القوة العاقلة فيصبح العقل أسير الهوى و العاطفة- فكان من الضروري في العناية الأزلية مناصرة العقل بمساعد و قائد برفده في

ص: 6

مهمتين (الاولى) تعريفه مالا يصل إدراكه إليه من مقادير الخير و الشر، و مقاييس السعادة و الشقاء (الثانية) موازرته على عامليه، إذا تمردا عليه، و هما الشهوة و الغضب- الهوى و العاطفة فكان ذلك القائد و المساعد للعقل هم الأنبياء و الرسل الذين جاءوا بالشرائع الإلهية و أسباب سعادة البشر في الحياتين، و كانت عناية الشريعة الإسلامية بالأخص من بين سائر الشرائع السماوية قد اهتمت أشد الاهتمام بسن القوانين و الاحكام و حفظ هذه الحياة حتى جعلتها في كفة الحياة الأخرى بل أرجح منها فقالت (من لا معاش له لا معاد له) و قالت: ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته و لا من ترك آخرته لدنياه بل خيركم من أخذ حظا من هذه و حظا من هذه، و اعمل لدنياك .. و اعمل لآخرتك .. و فوق ذلك كله قوله تعالى وَ ابْتَغِ فِيمٰا آتٰاكَ اللّٰهُ الدّٰارَ الْآخِرَةَ وَ لٰا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيٰا.

و فاقت على الشريعتين قبلها فقالت: رهبانية ابتدعوها. و لا رهبانية في الإسلام، و على الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر، و ما عتم اليتيم الأمي صاحب الشريعة الإسلامية أن أصبح مؤسس شريعة، و مشرع قوانين، و مجدد دين، و محيي امة، و منفذ احكام، و قاضي خصام، و رافع رايات و اعلام، و قائد جيوش، و محطم عروش و امام محراب، و شاهر حراب، و مروج تجارة، و معلم زراعة و صناعة، الى غير ذلك من مقومات الحياة المشتركة، و المنافع المتكافئة، و السعادة التي تنتظم الحياتين، و تضمن الفوز في النشأتين

ص: 7

كل ذلك ليعرف البشر ارتباط هذه الحياة بالأخرى و ان السعادة هناك من هاهنا ثم لما كان من قضاء اللّٰه الأزلي و قدره المحتوم ان لإقرار لأحد في هذه الدار و انها جسر و قنطرة إلى الدار الأخرى فمات الأنبياء و هلك الحكماء و غاب الأولياء و السفراء، و لكن اللّٰه سبحانه حي لا يموت، و حكمته في خليفته لا تعطل، و لما أزمع خاتم الأنبياء على الرحيل الى حوار ربه لم يترك أمته سدى، و لم يدع الخلائق هملا، و لم تبطل بموته حجج اللّٰه و بيناته، و براهينه و آياته (فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبٰالِغَةُ) بل ترك فيهم كتاب اللّٰه و سنته يستنبط منها العلماء احكام الوقائع المتجددة، و القضايا الحادثة، و هؤلاء العلماء هم المجتهدون، و إذا كانوا من أهل الورع و الصلاح و حصلت لهم ملكة الاستنباط و استفراغ الوسع في الاستخراج فهم ورثة الأنبياء و مراجع الأمة، و خلفاء الأئمة، و مصابيح الهدى (و في الحديث) (مجاري الأمور بأيدي العلماء) و مدادهم أفضل من دماء الشهداء و من هنا نعرف ان الاجتهاد باب رحمة على العباد، و ما زال باب الاجتهاد مفتوحا عند الإمامية من عهد صاحب الرسالة إلى اليوم و لكن هذه القضية بيننا و بين إخواننا المسلمين من بقية المذاهب قد تورطت بين تفريط و إفراط (فالامامية) فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه حتى ادى ذلك الى الفوضى المضرة و صار يدعيه، حتى من لا يصح ان

ص: 8

يطلق عليه اسم المتفقة فضلا عن الفقيه، و بقية المسلمين قد سدوا باب الاجتهاد بتاتاً و اقتصروا على المذاهب الأربعة، و قد ضاع الاعتدال و الوسط في هذه الناحية كما ضاع في غيرها، و لا حول و لا قوة.

(الثاني) ان مدار العقود و المعاملات على الأموال و ليس للمال حقيقة عينية خارجية كسائر الأعيان تتمحض في المالية تمحض سائر الأنواع في حقائقها النوعية، و انما هو حقيقة اعتبارية ينتزعها العقلاء من الموجودات الخارجية التي تتقوم بها معايشهم و تسد بها حاجاتهم الضرورية و الكمالية فمثلًا الحبوب و الأطعمة مال لان البشر محتاج إليها في اقواته و حياته و هكذا كل ما كان مثل ذا من حاجات الملابس و المساكن و نحوها قد انتزع العقلاء منها معنى وصفيا عرضيا يعبر عنه بالمال و هو من المعقولات الثانوية باصطلاح الحكيم، و لما كان مدنية الإنسان لا تتم إلا بالحياة المشتركة و هي تحتاج الى المقابضة و التبادل في الأعيان و المنافع و كان التقابض بتلك الأعيان و هي العروض مما لا ينضبط أرادوا جعل معيار يرجع إليه في المعاملات و يكون هو المرجع الأعلى و الوحدة المقياسية فاختاروا الذهب و الفضة و ضربت سكة السلطان عليهما لمزيد الاعتبار في ان يكون عليهما المدار فماليتهما أمر اعتباري محض لا فرق بينهما و بين سائر المعادن و غيرها من حيث الذات و الحقيقة، و لذا في هذه العصور حاول بعض الدول قلب الاعتبار الى الورق و لكن مع الاعتماد عليهما و مهما يكن الأمر، فإن المال لما كانت حقيقته تقوم على الاعتبار فكما اعتبروا الأجناس الخارجية مالا فكذلك اعتبروا ذمة الرجل العاقل

ص: 9

الرشيد مالا و لكن مع الالتزام و التعهد فإذا التزم لك الثقة الأمين بمال في ذمته وثقت به و جعلته كمال في يدك أو صندوقك و كذا العقلاء يعتبرون ان لك مالا عنده اما من لا عهدة له و لا ذمة كالسفيه و المجنون و الصغير بل و السفلة من الناس الذين لا قيمة لأنفسهم عندهم الذي يعدك و يخلف و يحدثك فيكذب، و يلتزم لك و لا يفي بالتزامه فهؤلاء لا ذمة لهم و لا شرف و التزامهم عند العقلاء هباء و لا يتكون من التزامهم عند العرف مال: فالمال إذاً نوعان خارجي عيني و هو النقود و العروض و اعتباري فرضي، و هو ما في الذمم اعني الالتزام و العهدة و الالتزام تأثيره لا ينحصر بالمال بل يتمطى و يتسع حتى يحتضن جميع العقود بل و كافة الإيقاعات: الا ترى ان البيع إذا صهره التمحيص لم تجد خلاصته الا تعهداً و التزاما بان يكون مالك للمشتري عوض ماله الذي التزم انه لك فيترتب على هذا الالتزام مبادلة في المالين بانتقال مال كل واحد إلى الآخر و بتحقق النقل و الانتقال كأثر لذلك الالتزام و هكذا الإجارة و الجعالة بل و الإيقاع كالعتق و الإبراء بل و النكاح و الطلاق كلها تعهدات و التزامات و إبرام و نقض و حل و عقد تبانى عقلاء البشر من جميع الأمم و العناصر على اتباعها و العمل بها كقوانين لازمة. و دساتير حاسمة. يسقط عن درجة الإنسانية من لا يلتزم بها في كل عرف و لغة ثم لما انبثق نور الإسلام بشريعته الغراء أكدت و أبدت تلك الوضعية الحكيمة و القاعدة القويمة و أقرت العرف على معاملاتهم و ألزمتهم بتعهداتهم و التزاماتهم بعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و نظائرها الا

ص: 10

ما ورد النهى عنه بالخصوص كبيع الربا و بيع الضرر و أمثاله. فإن أطلقت العقد لزمك الاحتفاظ بالتزامك أبداً و ان جعلت لك خياراً أو جعله الشارع لك جاز لك نقضه إذا شئت. و حيث عرفت ان العقود ليست سوى التزامات يستبين لك انها تحقيقاً ليست سوى نسب و إضافات ضرورة ان الالتزام معنى يتقوم بملتزم و ملتزم له و ملزم به مثلا البائع و المشتري و البيع أي المعاوضة و المبادلة و ما يقارب ذلك و مفاهيم هذه العناوين اعني بيع. معاوضة. مبادلة. أيضا معاني نسبية اضافية تتقوم بطرفين عوض و معوض ثمن و مثمن. و هذان هما الركنان في عقود المعاوضات لا البائع و المشتري بخلافه في عقود المناكحات فان الأركان هناك هو الزوج و الزوجة لا المهر و توابعه إذاً فاركان العقد في الأموال مطلقا ثلاثة- الصيغة الدالة على الالتزام بالمعاملة و العوضان و هما الثمن و المثمن و في الزواج- الصيغة. و الزواج. و الزوجة. و يعتبر في كل واحد من الأركان في المقامين شروط و أوصاف لو اختل واحد منها بطل العقد. اما لو اختل شرط في غير الأركان و كانت الأركان بشروطها حاصلة لم يبطل العقد و لكن يحدث فيه خيار تخلف الشرط. و ينقلب من اللزوم الى الجواز و يكشف ذلك عن وقوعه جائزاً. فالأصل في الالتزامات الزوم الا ان يجعل الشارع أو المتعاقدان أو أحدهما فيه حق الفسخ فيكون جائزاً بالعرض أو يكون بحسب أصل جعله عند العقلاء غير لازم و مبيناً على الجواز.

و أقصى مبالغ التحقيق ان المالك حين يخرج ماله عن ملكه تارة بقطع كل

ص: 11

علاقته منه و يجعل كل سلطته له على المال لغيره و اخرى يخرجه و يترك له ناحية من تلك السلطنة الواسعة و هي حق استرداده أو حق فسخ العقد الذي وقع عليه و يكون أثره رجوع المال الى مالكه الأول على اختلاف القولين أو الاحتمالين في حقيقة الفسخ، ثم ان بقاء هذه العلقة في المال تارة بجعله أو جعل الشارع كما عرفت و اخرى تكون من خصوصيات ذات العقد و ذلك كما في العقود الجائزة بطباعها كالهبة و العارية و الوديعة و أمثالها و أكثر ما يكون ذلك في العقود التبرعية فالهبة مثلا من طبيعتها الجواز الا ان يعرض عليها ما يوجب لزومها مثل كونها معوضة أو لذي رحم عكس البيع الذي من طبيعته اللزوم الا ان يعرض عليه ما يوجب جوازه و كذا العارية من طبعها الجواز و الرجوع بها متى شاء الا ان يلزمها الشرط كما ان من طبيعتها عدم الضمان الا ان تكون عارية ذهب أو فضة و هذه الخصوصيات و الكيفيات اعتبرها الشارع و قيد بها تلك العقود العرفية و ضبطها بتلك الحدود نظرا للمصالح العام حسب علمه و إحاطته في الحقوق المشتركة و النظام الأتم.

و نحن حيث نتكلم في أحكام العقود و المعاملات ننظرها من جهتين وجهتها العرفية و وجهتها الشرعية. فنأخذ بالاعتبارات العرفية بوجه عام ثم نعقبه بالنظر في الأدلة الشرعية و مالها من التصرف الخاص من منع بات أو اعتبار بعض القيود و الخصوصيات فنتبعه ان كان و الا فالعمومات تلزمنا بما عليه العرف العام في معاملاتهم و عسى أن يأتي شي ء من شواهد ذلك إن شاء اللّه

ص: 12

(الثالث) يعرف الفقه بأنه معرفة الاحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية: و هذا التعريف سواء كان سالما من النقد أو غير سالم فهو يعطى صوره إجمالية يتميز بها هذا العلم عن غيره من العلوم. و المراد بالمكلف هو البالغ العاقل القادر. و الأدلة هي القواعد الممهدة لتحصيل معرفة الحكم الإلهي الشرعي من الكتاب و السنة و الإجماع و العقل و الأحكام الشرعية هي ما بلغه الرسول عن اللّٰه من القضايا المتعلقة باعمال المكلفين وضعا أو تكليفا. و الأحكام التكليفية هي الخمسة المشورة التي يجمعها الاقتضاء و التخيير و الحكم الوضعي هو السبب و الشرط و المقتضى و المانع و الصحة و الفساد و البطلان و العلة التامة و الاختلاف بين السبب و الشرط و بينه و بين المقتضى بالاعتبار و على كل فالأحكام الشرعية هي التي شرعها سبحانه على لسان رسوله الظاهري و الباطني لحفظ نظام الهيئة الاجتماعية للبشر و علاقتهم به جل شأنه أو علاقة بعضهم ببعض فهي إذاً لا تخلو اما ان تكون متعلقة بعمل يكون تمام الغرض منه صلة العبد بربه و نفسه. أو صلته بأبناء جنسه. (الأول) هو العبادات كالصلاة و أخواتها (و الثاني) ما يكون أهم الغرض منه ضبط النواميس و أهمها ثلاثة. النفوس. و الاعراض. و الأموال. فما تعلق بالمال من حيث كسبه و تحصيله لا يخلو اما ان يكون بقول أو عمل. و الأول اما ان يكون متقوما بطرفين أو بطرف واحد. و الأول و هو العقود اما ان يكون مقابلة مال بمال فهي عقود المعاوضات: و اما ان يكون المال من طرف واحد فهي عقود الارتفاق و المجانيات كالهبة و الصدقات و أمثالها. أما الذي

ص: 13

يتقوم بطرف واحد فهو الاسقاط و الإبراء و التعهدات الابتدائية. اما مالا يحتاج الى القول من أنواع الكسب فهو العمل و هو اما ان يكون اختيارياً أو قهرياً. فالأول كالحيازة و الاصطياد و احياء الموات و أمثالها (و الثاني) كالإرث و الوصية بناء على ما هو الأصح من عدم حاجتها الى القبول و منه الوقف على البطون بل و الزكوات و الأخماس و النذور فان جميع هذه الأنواع أسباب للملك القهري من غير قول و لا عمل و اما ما يتعلق بالاعراض فهو النكاح الذي شرع لحفظ النسل و تكوين الأسر و العائلات الذي به عمارة الدنيا و حفظ النوع البشري و يتبعه أنواع الفرقة و الطلاق و الظهار و نظائرها و اما ما يتعلق بالنفوس فقد يكون فك نفس كالعتق و أخواته و قد يكون تدارك نفس كالديات و القصاص و الحدود. و ما كانت كل هذه الوسائل يستدعي المعاشرة و المعاشرة قد تفضي إلى المعاشرة و هي تفضي إلى الخصومة لذلك جعل الشارع الحكومة و القضاء ليكون لها القول الفصل و القضاء الحاسم للخصومات فهذه جملة أبواب الفقه الذي يبحث فيه عن كل واحد من تلك العناوين و عن أحكامها و أدلتها و فروعها و قد جمعوها على الجملة في أربعة (عبادات) و هي ما يكون الغرض المهم منها الطاعة و الامتثال و النفع الآخروي و (معاملات) و هي ما يكون الغرض المهم منها المال و تتوقف على طرفين و (إيقاعات) و هي نسب و إضافات يكفي في تحقيقها طرف واحد و (احكام) و هي حدود و عقوبات و كل ذلك تقريبات يقصد منها الإشارة الإجمالية و بيان الوسائل

ص: 14

و الغايات و نقول في بيان أوسع و اجمع ان الملحوظ في الفقه هو النواميس المقدسة و الشارع المقدس بحكمته الواسعة شرع العبادات تنويراً للقلوب و تربية للأرواح. و تهذيباً للأخلاق، و أخذا بهذا النوع البشري من حضيض البهيمية الى كمال الإنسانية و الملكية، و ربط المعاملات بالعقود حفظا للوئام و ضبطاً للنظام.

و جعل القصاص و الديات احتفاظا بالنفوس، و بالجهاد و قتل المرتد حفظ الدين. و بتحريم المسكرات و حد شاربها حفظ العقل، و بتحريم الزنا و أخويه الخبيثين حفظ الأنساب و بتحريم الغصب و السرقة و قطع يد السارق حفظ الأموال و بتحريم الغيبة و البهتان و القذف و الحد عليه حفظ الاعراض، و بجعل منصب القضاء قطع التشاجر و الخصومات هذه فذلكة مهمات شريعة الدين الإسلامي و احكامه و فلسفة تشريعها و أنموذج إسرارها فهل تجد دينا أوسع و اجمع و ارصن و أتقن من هذا (الرابع) من الأمور، لن جميع مدارك الاحكام و أدلتها ترجع الى قواعد و قوانين عامة بها يستنبط الحكم من الكتاب و السنة و تابعيهما العقل و الإجماع. و الأدلة عندنا معشر الإمامية تنحصر بهذه الأربعة. اما غيرنا من فقهاء الإسلام فقد يدخلون الظن و القياس و الاستحسان مما ورد المنع الشديد في اخبار أئمتنا سلام اللّٰه عليهم عن الميل اليه فضلا عن الاعتماد عليه (و الغرض) ان العمدة في استخراج الحكم و استنباطه من الأدلة هي

ص: 15

تلك القواعد العامة و هي كثيرة ذكرت المجلة منها مائة مادة سيتضح لك فيما بعد تنقيح القول، و قد أفرد القواعد العامة بالتأليف جماعة من علمائنا الاعلام، و المطبوع المتداول منها (أربعة) (الأول) (عناوين) المير فتاح المراغي و هو نفيس في بابه جمع فيه كثيراً من القواعد الفقهية و الأصولية و أكثر من تقريرات درس أستاديه جدنا موسى بن جعفر كاشف الغطاء و أخيه علي بن جعفر (الثاني) [العوائد] لمعاصره الملا مهدي النراقي رحمه اللّٰه و هو دون الأول في الإتقان [الثالث] (تمهيد القواعد) للشهيد الثاني قدس سره (الرابع) (القواعد) للشهيد الأول رضوان اللّٰه عليه و هو أتقن الجميع، و على غزارة مادة هذه المؤلفات قد بقي كثير من القواعد العامة لم يتعرض لها و توجد جمهرتها في كتب الأصحاب متفرقة في أبواب الفقه، و على كل، فنحن نشرع بتوفيقه تعالى بذكر مواد المجلة و بيان ما عندنا من تفسير أو ملاحظة ثم نعقبها بذكر ما يحضرنا من القواعد العامة الكلية التي اعتمد عليها أصحابنا قدست أسرارهم جميعاً منها ما تيسر و حظر

ص: 16

ص: 17

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

[مائة مادّة]

(مادة 2) الأمور بمقاصدها

هذا مأخوذ من الحديث النبوي المشهور: إنما الأعمال بالنيات.

و لكل امرء ما نوى. و لكن مورد هذه الأحاديث في غير العقود و المعاملات من العبادات و العادات مثلا الإحسان إلى شخص ان كان النية و القصد منه التقرب إليه فالأجر عليه و ان كان القصد التقرب الى اللّٰه فاجره على اللّٰه و هو أول حديث في صحيح البخاري: إنما الأعمال بالنيات و ان لكل امرء ما نوى فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها أو الى امراة ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه الى آخره، و الغرض من هذه الأحاديث بيان وجه القصد لا بيان اعتبار القصد و لزومه إذ هو ضروري من العقلاء و يستحيل صدور عمل من العاقل الغير الغافل بغير قصد

ص: 18

(مادة 3) العبرة في العقود للمقاصد و المعاني: لا للألفاظ و المباني.

اعتبار القصود في العقود مما لا شك فيه و لا ريب بمعنى ان العقد إذا خلى من قصد فهو لغو بل كل كلام كذلك و لكن اناطة المدار في العقد على القصد وحده دون اللفظ غير صحيح كيف و قد ورد في السنة الصحيحة (انما يحرم الكلام و يحرم الكلام) بل لا يتحقق العقد الا باللفظ الخاص و لكن مع القصد فالقاعدة الصحيحة هنا هي ما عبر عنها فقهاؤنا بقولهم: العقود تابعة للقصود يريدون ان كل معاملة كالبيع و الإجارة و الرهن لها ألفاظ تخصها بحسب الوضع و الشرع يعبر عنها بالعقد و لكنها لا تؤثر الأثر المطلوب من ذلك العقد الا بقصد معناه من لفظه فلو لم يقصده أو قصد معنى آخر كما أو قصد من البيع الإجارة أو من الإجارة البيع و لو مجازاً كان باطلا لا ان المدار على القصد وحده دون اللفظ كما في مادة المتن اما المثال الذي ذكره و سماه بيع الوفا و يسمى عند الإمامية بيع الخيار فهو عند فقهائنا أجمع بيع حقيقة و لا يجري عليه شي ء من احكام الرهن و سيأتي تحقيق ذلك في محله إن شاء اللّٰه

(مادة 4 و 5 و 6) هذه القواعد الثلاث كلها ترجع إلى أصل واحد و هي الاستصحاب

و وجوب إبقاء ما كان على ما كان المأخوذ من أحاديث لا تنقض اليقين بالشك و بناء العقلاء على عدم رفع اليد عن الأمر الذي كان متيقنا بعروض الشك فيه و يمكن ان يرجع إليها أيضا أصل براءة الذمة المذكورة في (المادة 8) بل و إليها يرجع أيضا ما في (المادة 9) بل و (المادة 10) بل و (11) فان مرجع الجميع الى

ص: 19

الاستصحاب و قوله: الأصل اضافة الحادث إلى أقرب أوقاته هي القاعدة المعروفة عندنا بأصالة تأخر الحادث مثلا إذا شككنا ان زيدا مات في هذه السنة فيرث أباه الذي قد مات في السنة التي قبلها أو مات قبل سنتين فلا يرث نحكم باستحقاقه الإرث لأصالة تأخر الحادث و مرجع ذلك الى الاستصحاب و عدم رفع اليد عن اليقين بالشك فيه لان اليقين لا ينقض الا بيقين مثله (و القصارى) ان المتن ذكر سبع مواد و كلها ترجع إلى قاعدة واحدة كان يجب الاكتفاء بها عن الجميع و لو لم تستند تلك المواد الى الاستصحاب المدلول على حجيته في علم الأصول بالعقل و النقل لم يكن وجه للاستناد إليها و الاعتماد عليها فذكر الاستصحاب يغني عن ذكرها

أما (المادة 7) الضرر لا يكون قديما

فيظهر انها كالتقييد أو التخصيص لما قبلها فإنه لما قال القديم على قدمه قال الا الضرر فإنه لا يترك و حينئذ تكون هذه المادة هي [مادة 20] الضرر يزال فإنها تعم الضرر القديم و الحادث (و مادة 31) الضرر يدفع بقدر الإمكان فهذه ثلاث مواد تغني عنها واحدة

أما [المادة 8] و هو أصل البراءة

فهو أصل أصيل مستقل و يبتني عليه كثير من الفروع الفقهية و هو و ان كان يتداخل مع الاستصحاب في كثير من موارده و لكن جهة النظر في كل واحد تختلف عن الآخر فان حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل يقضي بلزوم الامتثال عند احتمال التكليف فيتجه البحث في ان قاعدة

ص: 20

قبح العقاب بلا بيان و أمثالها مما دل على البراءة عقلا و شرعا هل تقتضي الأمن من ضرر العقوبة أم لا في أبحاث ضافية مبسوطة في محلها من فن الأصول. أما ما ذكره في المتن من الإتلاف و الاختلاف في المقدار فاستصحاب براءة الذمة يغني عن أصل البراءة بل هو مقدم عليه كما حقق في محله و عند أهله

(مادة 12) الأصل في الكلام الحقيقة.

هذا الأصل ركن من أركان المباحث الأصولية و يعبرون عنه بأصالة الحقيقة تارة و أصالة عدم القرينة أخرى و إذا كانت في العام يعبر عنها بأصالة العموم و أصالة عدم التخصيص فإذا وردت كلمة في كلام و احتملنا ان المتكلم أراد غير معناها الحقيقي تجوزا و لا قرينة ظاهراً نقول انه أراد المعنى الحقيقي لأصالة الحقيقة و لو ادعى بعد ذلك أراد غيرها لم يقبل منه فلو اعترف مثلا انه قتل زيداً ثم قال أردت قتله الأدبي لم يسقط عنه القصاص أو الدية إلا أن تكون هناك قرينة حال أو مقال و الى هذه القاعدة تعود

(المادة 13) لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح

فان المعنى الصحيح الذي ينبغي ان تحمل هذه المادة عليه هو القاعد المعروفة عند الأصوليين من ان النص مقدم على الظاهر سواء كانت الدلالة من مقال كما في قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً مع قوله تعالى إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ أو من حال كما لو وهبه عينا فان فيه دلالة على الاذن بالقبض لكن لو منعه عن القبض سقطت تلك الدلالة و مرجع كل ذلك الى بناء العقلاء على الأخذ بالظاهر و تقديم

ص: 21

الأظهر فالأظهر حتى ينتهي إلى النص الذي لا يحتمل فيه الخلاف فمن تكلم بكلام له ظهور بالوضع أو بالقرينة و ادعى ارادة خلافه لم يقبل منه بل يؤخذ بظاهر لفظه الذي هو الطريق العقلائي للكشف عن إرادته و قصده و الى ذلك يرجع

(المادة 14) لا مساغ للاجتهاد في مورد النص

فان مثل قوله ع البيعان بالخيار ما لم يفترقا ظاهر بل نص فيما ذهبت إليه الإمامية من ثبوت الخيار بعد الإيجاب و القبول حتى يتفرق المتبايعان و هو الذي يسمونه خيار المجلس و وافقهم الشافعية على ذلك فقول الحنفية ان المراد تفرقهما في الكلام فإذا فرغا من الكلام و تم الإيجاب و القبول فلا خيار و بذلك أنكروا خيار المجلس و هو كما ترى عين الاجتهاد في مقابلة النص و بالجملة فهذه القواعد الثلاث ترجع إلى قاعدة واحدة و هي تقديم النص على الظاهر و الأظهر على الظاهر

(مادة 15) ما ثبت على خلاف القياس فغيره لا يقاس عليه.

القياس بجميع أنواعه لا عبرة به عندنا معشر الإمامية أصلًا فلو ثبت عندنا بالدليل حكم لموضوع موافقا للقياس أم مخالفا فالحكم يقتصر به على موضوعه و لا يتعدى الى غيره سواء عرفت علة الحكم أو لم تعرف و سواء كانت ظنية أو قطعية نعم لو كانت العلة منصوصة كما لو قال حرمت الخمر لإسكارها أمكن عند بعضهم تسرية الحرمة الى غير الخمر من المسكرات و ان لم يسم خمراً اما من يقول بالعمل بالقياس و حجيته فلا ريب انه لو ثبت عندهم حكم في مورد على خلاف القياس لدليل فإنه يقتصر على

ص: 22

مورده و ما عداه يبقى على حكم القياس و نظير هذا عندنا ما لو ثبت حكم على خلاف القاعدة فإنه يقتصر فيه على دليله و يرجع في أمثاله إلى حكم القاعدة مثلا ثبوت الشفعة حكم مخالف لقاعدة السلطنة فيقتصر فيه على مورده و هو عدم تعدد الشركاء فلو تعددوا فلا شفعة و هكذا كثير من هذا القبيل

(مادة 16) الاجتهاد لا ينقض بمثله:

ينبغي ان يكون المراد بهذه القاعدة ان اجتهاد مجتهد لا ينقضه اجتهاد مجتهد آخر فلو ادّى اجتهاد مجتهد الى ثبوت الدعوى بشاهد مع يمين المدعي مطلقا أو في خصوص الأموال و حكم لشخص بمال على هذا الرأي و رفعت الدعوى لمجتهد آخر لا يرى ذلك فليس له نقض ذلك لأنه مخالف لاجتهاده اما غير المجتهدين فهم مخيرون في العمل بين الأخذ برأى هذا أو ذاك تخييراً في الحدوث أو الاستدامة على القولين اما المجتهد نفسه فلا إشكال انه إذا تبدل اجتهاده فإنه ينقض اجتهاده السابق باللاحق و لكن بالنسبة إلى الحوادث المتجددة اما الغابرة فإنها تمضي على اجتهاده الأول و لا ينقضها إلا إذا تبين عنده فساد اجتهاده الأول كما لو عثر على دليل قصر في الفحص عنه فأفتى بخلافه فإنه ينكشف في الحقيقة عدم الاجتهاد لإفساده فليتدبر و الخلاصة ان الاجتهاد قد ينقض بالاجتهاد و قد لا ينقض

(مادة 17) المشقة تجلب التيسير

هذه المادة هي عين المادة التي بعدها كلاهما يرجعان إلى قاعدة

ص: 23

في العسر و الحرج المدلول عليها بقوله تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ و يُرِيدُ اللّٰهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لٰا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ- مثل ان اللّٰه سبحانه أوجب في الوضوء غسل البشرة فإذا كان على بعض أعضاء الوضوء جبيرة يعسر نزعها جاز المسح على الجبيرة عوض غسل البشرة بقاعدة نفي العسر، و مثل قبول شهادة النساء في النسب و الولادة لأن الاقتصار على شهادة الرجال في أمثال ذلك يوجب العسر و الحرج، و قبول شهادة أهل الخبرة في بعض الموضوعات و ان لم يكونوا عدولا بل و لا مسلمين و ليس من هذا الباب أصلا القرض و الحوالة و الحجر، نعم لعل حكمة تشريع بعضها كالقرض و الحوالة هو التسهيل و رفع العسر و الحرج فما ذكره في المتن و زاده بعض الشراح من الأمثلة كلها خارجة عن القاعدة كما يظهر بأدنى تدبر

(مادة 19) لا ضرر و لا ضرار.

هذه من القواعد المحكمة و الأساسية في شريعة الإسلام و هي نظير أختها قاعدة رفع الحرج حيث ان الحكمة منهما معا هو التسهيل على العباد في التشريع ليصح قوله (ع) جئتكم بالشريعة السهلة البيضاء و قد ذكروا ان هذه الكلمة من جوامع الكلم و هي إحدى معجزات بلاغته صلوات اللّٰه عليه و قد أفرد لشرحها جماعة من اعلام علمائنا رسائل خاصة بها و موجز القول فيها انها دلت على حرمة الضرر، و حرمة مقابلة الضرر بالضرر، و وجوب تدارك الضرر، تقول مثلًا لا تضر غيرك بإتلاف ماله، و لا تقابله بالضرر لو أتلف مالك، و لكن يجب عليه تدارك

ص: 24

الضرر، و دلت على معنى أوسع و أعظم بركة و نفعاً من ذلك و هو ان كل حكم في الشرع وضعي أو تكليفي يوجب ضرراً على الشخص أو النوع فهو مرفوع في الإسلام مثلا الوضوء واجب للصلاة و لكن إذا استلزم الوضوء ضررا على شخص لمرض و غيره فهو مرفوع و هكذا إذا كان لزوم البيع مع وجود العيب في الثمن يستلزم ضرراً على النوع فلزومه مرفوع و يكون العقد جائزاً و خيارياً و لعل منها الخيار إذا ظهر العيب فيما انتقل اليه و قد ظهر لك مما ذكرنا ان مادة 20 ترجع إليها بل هي إحدى مداليلها و فوائدها مثلا قاعدة السلطنة تقتضي ان له ان يبني تنوراً في سطح داره و لكن إذا كان ذلك يوجب ضرراً على جاره فالضرر يزال بقاعدة لا ضرر في الإسلام و كذا لو سد عليه منافذ الهواء و النور، و منه جبر المديون على دفع دينه و إذا امتنع فللحاكم ان يبيع بعض أمواله لأداء دينه و كثير من الفروع في الفقه تبتني على هذه القاعدة و علم أيضاً ان مادة (25 الضرر لا يزال بمثله) من مدلولات هذه القاعدة أيضاً أعني قاعدة لا ضرر و هي الأصل و الدعامة و هذه القواعد متفرعة و مبتنية عليها و لا وجه لعدها قواعد في عدادها فلا يجوز قسمة الطاحونة إذا كان في الشركة ضرر على أحد الشركاء و كان في القسمة ضرر على الآخر لان الضرر كما قدمنا لا يدفع بالضرر و كذا لا يجوز رد المعيب السابق بعد حدوث عيب آخر عند المشتري و رعاية المشتري ليس بأولى من رعاية البائع و الجميع يرجع الى الأصل (قاعدة الضرر) و انه لا يجوز مقابلة الضرر بالضرر فتدبر و لعل إليها

ص: 25

يرجع أيضاً

(مادة 21) الضرورات تبيح المحذورات

المستفادة من أمثال قوله ع ما من شي ء حرمه اللّٰه الا و قد أحله لمن اضطر اليه و الأصل فيه قوله تعالى إِلّٰا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ و فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ فإذا كان بقاء حرمه مال الغير أو حرمة أكل الميتة فيه ضرر من تلف نفس محترمة أو حيوان يموت من الجوع أو العطش فإن الحرمة ترتفع و يجوز تناول طعام الغير أو الميتة أو شرب ماء الغير بغير اذنه غايته انه يجب الضمان و كل ذلك من لوازم رفع كل ما يوجب الضرر كما عرفت، و إليها يرجع أيضا

(مادة 22) الضرورة تقدر بقدرها

و ضابط الضرورات المبيحة هي كلما يتوقف عليه حفظ نفس محترمة أو مال محترم هو أكثر من المال المتناول بما يعتد به عرفا و ان لم يضر بحاله إلى قاعدة الضرر يرجع أيضا (مادة 31) الضرر يدفع بقدر الإمكان بل و (مادة 32 و 33)

[و مادة 23) ما جاز بعذر بطل بزواله

هذه المادة لا ترجع عندنا إلى أصل تعتمد عليه و تستند اليه الا قضية ان الحكم تابع لموضوعه أو ان الضرورة تقدر بقدرها فإذا حكمنا بقبول إشارة الأخرس ثم زال خرسه زال الحكم و هو قبول إشارة الأخرس لزوال الموضوع و هو الأخرس و هكذا إذا حدث عيب في المبيع قبل القبض و كان للمشتري خيار ثم ارتفع العيب و اقبضه صحيحا فإنه يزول خياره بزوال سببه على الأصح و الخلاصة ان هذه المادة ليست متاصلة و لا بد من رجوعها إلى إحدى القواعد المتقدمة أو الآتية بل و مثلها ما في (مادة 24) إذا زال المانع بطل الممنوع، مثلا إذا كان

ص: 26

المرض مانعا من الوضوء فإذا زال المرض عاد الممنوع و هو وجوب الوضوء و إذا كان العيب الحادث عند المشتري مانعاً من الرد بالعيب القديم فإذا زال العيب الحادث و بقي القديم عاد الممنوع و هو جواز الرد بالعيب القديم و كل هذا راجع الى قضية الموضوع و الحكم أو ان الضرورة تقدر بقدرها على اختلاف الاعتبارات فأحسن التدبر

(مادة 26) يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام

و هي عين مادة 27 الضرر الأشد يزال بالأخف و كلاهما من فروع قاعدة نفي الضرر العامة فإن مقتضى نفي طبيعة الضرر على الإطلاق ان يدفع الأكثر بالأقل و الأشد بالأخف عند الدوران لأن الزائد ضرر يجب دفعه كما انها عين (مادة 28) إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما و كذا (مادة 29) يختار أهون الشرين، فهذه المواد الأربع مع الست يكون عشرة مواد مرجعها أجمع إلى قاعدة الضرر اما قوله في المتن يتفرع عن هذا (اي عن (مادة 26) يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام) منع الطبيب الجاهل فهو وهم لأن هذا المثال ليس من أمثلة الضرر فان منع الطبيب الجاهل أو العالم تفويت نفع لا احداث ضرر و المثال الصحيح لتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام هو ما لو كان في دار إنسان شجرة امتدت أغصانها إلى الشارع و أضرت بالمارة فإن قلعها أو قطع أغصانها المثمرة مثلا و ان كان ضرراً على مالكها و لكنه ضرر خاص يلزم تحمله لدفع الضرر العام و هكذا الجدار المائل للانهدام فإنه يلزم على أولياء

ص: 27

الأمر هدمه رعاية بالمارة و دفعا للضرر العام و هكذا كثير من أمثالها كما انه لو تعارض ضرر أحد الجارين مع الآخر فإنه يقدم الأخف أو لزم إضرار شخص أحد الضررين فإنه يراعي الأخف فالاخف و الاهوى فالأهون كما تشير إليه قضية سفينة و المساكين في القرآن المجيد و اما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر

(مادة 30) درء المفاسد اولى من جلب المنافع

هذه نظير القاعدة المشهورة عند الأصوليين من الإمامية و هي ان دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة و لكنها ممنوعة على إطلاقها إذ ربما يدور الأمر بين مفسدة حقيرة و منفعة كبيرة يكون إحرازها أهم من الوقوع في تلك المضرة و من هذا القبيل الكذب لإصلاح ذات البين أو استخلاص المال المباح من الظالم و ليس من هذا القبيل إنكار الوديعة إذا خاف عليها من ظالم أو الكذب لنجاة مؤمن كما توهم بعض الشراح فإنه من قبيل تعارض المفسدتين و تقديم الأخف منهما و علم مما ذكرنا انه في مقام دوران الأمر بين دفع المفسدة أو جلب المنفعة لا يمكن الحكم بقول مطلق بتقديم إحداهما على الأخرى بل لا بد من النظر في الأهم منهما في المورد الخاص و القضية الشخصية

(مادة 32) الحاجة تنزل منزلة الضرورة إلخ

هذه القاعدة لا تصح على أصول مذهب الإمامية فإن قاعدة نفي الضرر و ان كانت ترفع الأحكام الواقعية مثل وجوب الغسل و الوضوء و الصوم و سلطنة الناس على أموالهم و لكنها لا تشرع حكما و لا تجعل الباطل صحيحا

ص: 28

و انما ترفع الحرمة التكليفية بالضرورة اي العقوبة فقط لا سائر الآثار فلو كان بعض البيوع باطلا و حراما كالربا فالضرورة لا تجعله عقداً صحيحا كسائر البيوع و ان أحلته لمن اضطر اليه فلو ارتفعت الضرورة وجب رد كل مال الى صاحبه مع الإمكان و ما ذكره في المتن من بيع الوفاء ان كان في حد نفسه مع قطع النظر عن الضرورة باطلا كما ينسب إلى الحنفية حيث يعتبرونه كرهن فالضرورة لا تشرع صحته غايته انها تجوز استعماله للمضطر اليه كما يجوز الربا للمضطر، و كثرة الديون و مسيس الحاجة لا تقلب الفاسد صحيحا، و لا تجعل الباطل حقا: و لا تضع حكما عاما كيف و الضرورات تقدر بقدرها كما تقدم، و ان كان في حد ذاته مشروعا كما هو الحق عندنا معشر الإمامية و يسميه الفقهاء بيع شرط الخيار أو بيع الخيار فهو أجنبي عن المقام و الحق انه بيع صحيح كسائر البيوع الخيارية و دليله عموم المؤمنون عند شروطهم و الشرط جائز بين المسلمين الا ما أحل حراما أو حرم حلالا اما ما ذكره بعض الشراح و أطال فيه الكلام بما خلاصته ان غير المنصوص بل المنصوص على عدم مشروعيته و حظره من وسائل الحياة يجوز سلوك الطريق المنصوص على حظره عند الحاجة إليها ثم ذكر لذلك أمثلة كثيرة حتى جوز الربا و الإدانة بالربح للذود عن الحوزة مع نص القرآن بحرمته و بطلانه و كان هذا الباب مفتوح على مصراعيه عند فقهاء المذاهب الأربعة المشهورة و يسمونه باب (المصالح المرسلة) اما عند فقهائنا الإمامية فهذا الباب موصد بكل ما يتسع له المجال من الأقفال و عندنا ان حلال محمد (ص)

ص: 29

حلال الى يوم القيامة و حرامه حرام الى يوم القيامة و لا اجتهاد في موارد النص و الضرورات لا تغير الأحكام أصلا و انما ترفع عقوبة الحرام فقط و ملاك الفرق بين الفريقين ان من أصول الإمامية انه ما من واقعة الا و للّه سبحانه فيها حكم و ان جميع الحوادث الى يوم القيامة قد بين صاحب الشرع أحكامها أما بالخصوص أو العموم و كل حادثة تحدث فان وجدنا فيها نصاً خاصا عملنا به والا استخرجنا حكمها من القواعد العامة المستفادة أيضا من الكتاب و السنة أو الإجماع و لا يجوز عندنا العمل بالقياس و الاستحسان و الترجيحات الظنية و المناسبات الوقتية بل لا نستخرج حكم الوقائع الا من كتاب اللّٰه و سنة نبيه عموما أو خصوصا و لا يوجد في فقهنا شي ء مما يسمى بالمصالح المرسلة أو القياس أو الاستحسان و ليس هذا حجرا و تضيقا في الشريعة السمحة السهلة فإن باب الاجتهاد مفتوح و لكنه في دائرة محدودة لا يتناول المنصوصات و المسلمات انها من ضروريات شريعة الإسلام كحرمة الربا و الخمر و الميسر (القمار) و أمثالها نعم قد نبيح للمريض شرب الخمر إذا توقف علاجه عليه و لكن لا تجعله حكما عاما في بلد أو زمن أو نحو ذلك من المصالح الزمنية و من الغريب استشهاد المجلة بقضية أهل بخارى و حاجتهم الى بيع الوفاء الذي يدعي بعض الشراح انه منصوص على عدم جوازه و هو و هم غريب و على فرضه فكان يمكن لأهل بخارى رفع حاجتهم ببيع بعض أملاكهم بيعا قطعيا لإنقاذ القسم الباقي منها و لا يحللون ما حرم اللّٰه أو يؤجرونها مدة تفي بديونهم و الحاصل ان الحاجة المزبورة ما كان رفعها منحصرا بذلك الطريق المستلزم لتحليل ما حرم

ص: 30

اللّٰه بحيث تكون القضية من قبيل (قال اللّٰه و أقول) و ما لم تكن الضرورة منحصرة لا ترفع الحرمة قطعا فتدبر جيدا هذا المقام فإنه من مزال الاقدام أو الأقلام

(مادة 33) الاضطرار لا يبطل إلخ

قد سبق ان هذه المادة هي من بعض فروع قاعدة نفي الضرر التي يستفاد منها حرمة الضرر و وجوب تداركه و حرمة مقابلة الضرر فالاضطرار إلى أكل طعام الغير الذي هو إضرار به يلزم تداركه بضمانه لصاحبه بالمثل أو القيمة و الضرورة إنما رفعت العقوبة و لم ترفع الضمان و لا سائر الآثار

(مادة 34) ما حرم أخذه حرم إعطاؤه

هذه القضية عقلية قطعية في الجملة فإن الضرورة تقضى بان ما حرم أخذه حرمت جميع التصرفات و منها إعطاؤه و لكن ذاك حيث تكون الحرمة ثابتة حدوثا و استدامة اما لو كانت حدوثا فقط كما لو قلنا بان الموات من من أراضي الخراج لا يجوز أخذه و حيازته إلا بإذن الإمام فلو حاز أحد المسلمين أرضا مواتا و أحياها بدون اذن الامام فإنه يملكها بالاحياء لعموم من أحيا أرضا ميتة فهي له و ان فعل حراما في أخذها بدون اذنه و هكذا غنائم دار الحرب و مثلها في القطع و الضرورة.

(مادة 35) ما حرم فعله حرم طلبه

و هذا مطرد في كل حرام ذاتي كالزنا و شرب الخمر و الغصب و نحوها اما الحرام العرضي كما لو حلف أو نذر ان لا يكتب أولا بخيط و ما أشبه

ص: 31

ذلك فإنه يحرم فعله و لا يحرم طلبه بل و كذا في بعض المحرمات الذاتية مثل الصلاة على الحائض فإنها يحرم فعلها و لا يحرم طلبها و مثل بعض محرمات الإحرام بل أكثرها فإنها يحرم فعلها و لا يحرم طلبها.

(مادة 36) العادة محكمة

يعني ان العادة عامة أو خاصة تجعل حكما لإثبات حكم شرعي أي تجعل طريقا لإثبات حكم شرعي و هذا أيضا مبني على الأصل المقرر عندهم من عدم النص و فقد الدليل الشرعي على حكم جملة من الحوادث خلافا لما ذهبت إليه الإمامية من عدم خلو واقعة من الدليل على حكمها بالعموم أو الخصوص و على فرض خلو واقعة من النص فإن العادة عند الإمامية لا يعتبر بها و لا تصلح لإثبات حكم شرعي و الحديث الذي ربما يتمسك به لذلك من قوله (ع) ما رآه المسلمون حسنا فهو حسن على فرض صحته لا يدل على حجية العادة و اعتبارها دليلا شرعيا لإثبات حكم شرعي و ليس كل حسن عند الناس حسنا واقعا أو شرعا و ان حسن العمل به مداراة و مجاملة مع أبناء جنسه أو أبناء وطنه و العادة التي هي عبارة عن تكرار العمل عند طائفة أو أمة من العقلاء ليس لها أي علاقة بالشرع لتكون دليلا على حكم من احكامه و ان لم يكن فيه نص فلو كان أكل لحم الأرنب أو شرب النبيذ مثلا لم يرد فيه نص و كان عادة طائفة من المسلمين كأهل البادية مثلا على اكله فهل يمكن ان نستدل بعادتهم على حليته كلا نعم يمكن ان تكون العادة قرينة ينصرف إليها الإطلاق في مقام المعاملات و الاستعمالات فيحمل عليها كلام المتعاقدين

ص: 32

لتعيين الموضوع لا الحكم مثلا لو كان من عادة بلد ان الحمال يحمل المتاع الى باب الدار فاستوجر حمال فلا حق للمستأجر بمطالبته بإدخال المتاع الى داخل الدار و لو انعكس الأمر كان له المطالبة و ان لم يشترط ذلك في العقد فالعادة قرينة تقوم مقام اللفظ في تعيين المراد و لعل الى هذا يرجع أيضا قضية العرف العام و العرف الخاص و ان كلام المتكلم يحمل على عرفه العام أو العرف الخاص و انه لو تعارض العرف العام و الخاص فأيهما المقدم الى كثير من المباحث المحررة عند الأصوليين مما لا طائل فيه فان الاستعمالات الشخصية تختلف حسب اختلاف الموارد و ليس هناك قاعدة كلية مطردة بتقديم أحدهما على الآخر بل اللازم النظر في كل مورد وقع الشك فيه يرجع الى الأصول اللفظية المقررة في تعيين المراد فان تعارضت فإلى الأصول الحكمية من البراءة و الاستصحاب و على كل فلو جعلنا العادة من الأصول المتبعة التي يستنبط منها حكم أو موضوع فإليها يرجع مادة (37) استعمال الناس حجة و مادة (40) الحقيقة تترك بدلالة العادة و مادة (41) انما تعتبر العادة إذا أطردت أو غلبت بل هذه المادة ساقطة من أصلها فإن العادة إذا لم تطرد فلا يصدق عليها اسم العادة و مثلها مادة (42) العبرة للغالب الشائع و هذا نظير ما يوجد في كلمات بعض الأصوليين من ان الظن يلحق الشي ء بالأعم الأغلب اي الغلبة توجب الظن بان الفرد المشكوك يلحقه حكم الغالب الشائع و يأتي هذا تارة في الأقوال و اخرى في الافعال و الأحوال فلو كان غالب علماء البلد الفقهاء و وقف شخص عقاره على العلماء و شككنا بان النحوي داخل في

ص: 33

الوقف لانه من العلماء فالغلبة توجب حمل كلامه على الفقهاء و خروج النحوي و هذا يرجع الى ما سبق من ان الغلبة تكون قرينة على حمل المطلق على أشيع افراده و هو نظير المجاز المشهور حيث تكون الشهرة قرينة حالية كما ان الشيوع و الغلبة كذلك و لو كان الغالب في معاملات شخص الفساد فلو صدرت منه معاملة نشك فيها حملناها على الفساد و ان كان قاعدة حمل فعل المسلم تقتضي حمله على الصحيح و لكن الغلبة الشخصية حاكمة على الغلبة النوعية و حيث ان الغالب على البشر لا يعمرون أكثر من تسعين فلو غاب شخص و انقطعت اخباره و لم يعلم حياته و موته و قد تجاوز التسعين نحكم بموته بحكم الغلبة هذا على مشرب القوم اما عندنا معشر الإمامية فلا أثر للغلبة إلا حيث تكون قرينة و تعد من الظواهر التي لا ريب في حجيتها لبناء العقلاء كما قرر في محله من الأصول و اما الغلبة في المثال الثاني فلا اثر لها بل المرجع في مثله أصالة الصحة المستندة إلى وجوب حمل فعل المسلم على الصحيح مطلقا و في المثال الثالث المرجع الى استصحاب حياته حتى يحصل اليقين و القطع بموته و لو الى مأتي سنة غايته ان الغالب حصول اليقين مع طول المدة و انقطاع اخباره بموته اما لو لم يحصل اليقين فلا معول على الغلبة و مما ذكرنا يظهر الكلام في مادة (43) المعروف عرفا كالمشروط شرط فان مرجعها الى ان الغلبة و المعروفية توجب حمل اللفظ المطلق على المقيد و تكون الغلبة قرينة حالية على القيد أو الإطلاق فهذه المادة أيضا مستدركة و مثلها أيضا مادة (44) المعروف بين التجار و مادة (45) التعيين بالعرف كالتعيين بالنص فان ملاك جميع المواد إلى

ص: 34

قاعدة واحدة و هي ان القرينة الحالية كالقرينة المقالية يجب اتباعها و الغلبة و العرف الخاص أو العام من أقوى القرائن على توجيه الكلام فلا داعي لتكثير المواد و تضييع الحقيقة مادة (38) الممتنع عادة كالممتنع حقيقة فلو استاجره على وزن البحر أو كيل الفرات، أو إمساك الريح أو قطع المطر كانت الإجارة باطلة فإن تلك الأمور و ان لم تكن ممتنعة عقلا و لكنها ممتنعة عادة و القدرة على العمل شرط ركني في الإجارة كالقدرة على التسليم في البيع،

(مادة 39) لا ينكر تغيير الاحكام بتغيير الأزمان

قد عرفت ان من أصول مذهب الإمامية عدم تغيير الاحكام الا بتغيير الموضوعات اما بالزمان و المكان و الأشخاص فلا يتغير الحكم و دين اللّٰه واحد في حق الجميع لا تجد لسنة اللّٰه تبديلا و حلال محمد حلال الى يوم القيامة و حرامه كذلك نعم يختلف الحكم في حق الشخص الواحد باختلاف حالاته من بلوغ و رشد و حضر و سفر و فقر و غنى و ما الى ذلك من الحالات المختلفة و كلها ترجع الى تغير الموضوع فيتغير الحكم فتدبر، لا يشتبه عليك الأمر.

«مادة 40» الحقيقة تترك بدلالة العادة

هذه المادة أيضا مستدركة فإنها ترجع إلى الأخذ بالقرينة الصارفة عن الحقيقة فالعادة ان كانت قرينة في المورد الخاص من موارد الاستعمال وجب رفع اليد بها عن الحقيقة و الا فأصالة الحقيقة هي المحكمة و لا عبرة بالعادة ما لم يعلم استناد المتكلم إليها:

ص: 35

(مادة 46) إذا تعارض المانع و المقتضي يقدم المانع

هذه المادة ضرورية بل لا حاجة الى ذكرها لوضوحها فان المانع هو عبارة عن الشي ء الذي يمنع المقتضي من التأثير بل لا معنى للمعارضة بين المقتضي و المانع نعم قد يتزاحم الشيئان في التأثير فأيهما ترجح كان هو المانع للآخر

(مادة 47) التابع تابع إلخ

هذه المادة مخالفة لما عليه أكثر فقهائنا الإمامية من ان الحمل لا يتبع الحامل و حجتهم في ذلك ظاهرة و قوية فإن الحامل يعتبر ظرفا للحمل فهي كالمال و الجواهر في الصندوق فإذا باع الصندوق مالكه فهل يحتمل أحد دخول الجواهر و المتاع في البيع ما لم يصرح و كذلك النخل و الشجرة فإذا باع النخلة و عليها ثمرها فان كان قبل بدو الصلاح اعتبر الطلع الذي عليها كجزء من اجزائها كالسعف و الكرب و ان كان بعد بدو الصلاح و صيرورته بسراً و رطباً فهو مستقل و قد باع نخلا و لم يبع رطبا و ثمراً و بالجملة فالعرف نوعا يعتبر الحامل و المحمول كالظرف و المظروف كل واحد منهما له وجود مستقل عن الآخر فإن ظهرت قرينة أو كان عرف البلد الخاص على دخول أحدهما في الآخر فهو و الا فالبيع يختص بما وقع التصريح بأنه هو المبيع لا غير و من هنا ظهر وجه البحث في

[مادة] (48) التابع لا يفرد في الحكم

، فالجنين الذي في بطن الحيوان لا يباع منفرداً عن امه فان الجنين بعد ان كان في نظر العرف تابعاً و هو كذلك واقعاً و عقلا و له وجود مستقل و بطن الحامل ظرف له فما المانع من انفراده بالبيع و وقوع القصد و العقد عليه بخصوصه و هذا واضح جلي حيث لا جهالة

ص: 36

مادة (49) من ملك شيئا ملك ما هو من ضروراته،

هذه المادة لا تصلح ان تكون مادة مستقلة و لا عامة كلية مطردة بل يختلف الحال باختلاف المقامات و عرف كل بلاد بحسبه فان السرج و اللجام مثلا من ضرورات الفرس و قد يتعارف في بلاد ان ملكية الفرس لا تقتضي ملك اللجام بل يكون عارية أو إجارة أو غير ذلك نعم اليد على الفرس يد على لجامها و سرجها و اليد ظاهرة في الملكية و هذه الجهة غير الجهة الملحوظة بالمادة أما المثال الذي ذكره بعض شراح المجلة من ان مالك العقار يملك الطريق الموصل اليه فهو ضعيف ضرورة ان الطريق ان كان عاماً فصاحب العقار يملك العبور فيه كسائر الناس و لا يملك نفس الطريق و ان كان خاصا و هو الطرق المرفوعة فلها أحكامها فإن كان فيها دور متعددة فهي مشتركة بينهم على الإشاعة و المتأخر يشارك المتقدم دون العكس و ان اختصت بواحد فهي له كالحريم التابع للدار و البئر على ما هو مفصل في محله:

(مادة 50) إذا سقط الأصل سقط الفرع

لعل المراد بالأصل مثل الدين و الفرع هو الكفالة فإذا سقط الدين بإبراء و نحوه تسقط الكفالة أو مثل الطاعة و التمكين من الزوجة الذي يتفرع عليه وجوب النفقة فإذا سقطت الطاعة بالنشوز سقط الفرع و هو النفقة و ليست هي قاعدة مطردة بل تختلف الموارد و المتبع هو الدليل في كل مورد بخصوصه.

[مادة 51] الساقط لا يعود كما ان المعدوم لا يعود،

لعل الملحوظة بهذه القاعدة قضية الحقوق الساقطة مثلا إذا سقط الشارع الحق بسبب أو من له الحق أسقط حقه فإنه لا يعود فلو أسقط الشارع حق النفقة بسبب النشوز أو حق

ص: 37

المضاجعة فلو عادت المرأة إلى الطاعة لم يعد ذلك الحق الساقط بالنسبة الى ما مضى من الزمان و كذا لو أسقط الدائن دينه اي أبرأ ذمة المديون فإنه لا يعود حتى لو رضي المديون بعوده أو لم يرض من أول الأمر بسقوطه خلافاً لما توهمه بعض شراح [المجلة] من كون السقوط مشروطا برضا المديون فإنه و هم واضح الضعف ضرورة ان الحق له مستقلا و لا علاقة للمديون بثبوته و سقوطه و مهما يكن فان الحق إذا سقط لا يعود الا بسبب جديد كما ان المعدوم من الأجسام المادية لا يعود فإذا عدمت الشجرة المعينة مثلا فإنه يستحيل عودها بذاتها نعم قد يعود وجود آخر مثلها في أكثر خصوصياتها لا في جميعها ضرورة ان الزمان من جملة الخصوصيات و المشخصات و هو لا يعود قطعاً و بالجملة فالعائد وجود ثان مثل الأول لا عينه و من هنا كانت هذه القضية من أقوى الشبهات في قضية المعاد الجسماني و أعضل التفصي منها على فلاسفة الإسلام و البحث فيها موكول الى محلة.

و الخلاصة: ان الحقوق في الشرع على أقسام قسم منها ما يقبل الاسقاط كما يقبل الصلح عليه اي يصح انتقاله من صاحبه الى غيره.

و قسم يقبل الأول دون الثاني و قسم لا يقبل الاسقاط و لا الانتقال فيكون نظير الحكم الذي لا يسقط و لا ينتقل و الفرق بينهما يشكل و يحتاج الى لطف بيان و دقة نظر.

اما الأول فمثل حق الخيار و حق التحجير و حق القصاص على الأشبه و اما الثاني فمثل حق الشفعة فإنه يقبل الاسقاط و لا يقبل الانتقال إلى الأجنبي.

ص: 38

و اما الثالث فمثل حق الجلوس في المساجد و المعابد و العبور في الشوارع العامة و نحوها فإنه لا يقبل الاسقاط و لا الانتقال و قد يشتبه هذا بكونه حكما لاحقا فهو كحق الرجوع في الهبة الذي لا يقبل انتقالا و لا إسقاطاً.

أما العكس، و هو قبول الانتقال دون الاسقاط فيشكل تحققه إذ كلما جاز نقله جاز إسقاطه نعم قد يتصور في بعض الفروض نادراً مثل حق الولي بالتصرف بمال القصير فإنه قد يقال بصحة نقله إلى ثقة آخر و لا يصح إسقاطه و هو محل نظر و قد خبط بعض الشراح هنا خبطا كثيراً و على كل فالقاعدة غير عامة فان بعض الساقط في الشرعيات قد يعود مثل حق الخيار بالبيع حيث يسقط بالعيب الحادث عند المشتري فإذا زال عاد الخيار فليتأمل.

(مادة: 52) إذا بطل الشي ء بطل ما في ضمنه

و هذه المادة ترجع إلى مادة (50) إذا سقط الأصل سقط الفرع و ينبغي ان يكون المراد بها ان الشي ء إذا فسد فسد ما يبتنى عليه فإذا بطل البيع بطل ما في ضمنه من الإقباض و القبض و استحقاق المشتري لمنافع المبيع و البائع منافع الثمن و هكذا و الأمثلة كثيرة و لا حاجة الى تمثيل بعض الشراح بمن باع دمه حيث قال (لو قال رجل لآخر اقتلني فدمي حلال لك فقتله يجب على القاتل الدية لا القصاص و إذا قال اقتلني بعتك دمي بكذا فقتله يجب على القاتل الدية و القصاص لان البيع باطل و الاذن بالقتل الواقع في ضمنه باطل أيضا انتهى).

و كل هذا لا نعرف له وجها صحيحا بل يجب القصاص في المقامين

ص: 39

و لا تجب الدية في المقامين و البيع باطل مطلقا فان الحر لا يباع و العبد لا يملك نفسه حتى يبيعها و الاذن في حد نفسه باطل لا لبطلان البيع و ليس المقام من موارد الشبهة التي تدرأ بها الحدود و تنتقل إلى الدية بل الآمر يحبس مؤبداً و المباشر يقتل هذا هو الحكم في هذا الموضوع عند فقهائنا الإمامية و مستنده الأخبار المروية عن الأئمة سلام اللّٰه عليهم.

(مادة 53) إذا بطل الأصل يصار الى البدل

يعني إذا كان الأصل موجودا لم يجز العدول عنه الى البدل فإذا كان المشتري قد قبض المبيع و ظهر البيع فاسداً وجب رد عين المبيع لا بدله و هكذا المغضوب. نعم لو تلف المبيع أو المغضوب تعين الرجوع الى البدل المثل في المثلي و القيمة في القيمي.

(مادة 54) يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها-: أو في المتبوع.

هذه المادة يعبر عنها تارة بهذا اللفظ و اخرى بلفظ (يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل) و يستعملها فقهاؤنا في جملة موارد منها، توابع المبيع. كالعبد المبيع فإنه يتبعه ثياب بدنه و خاتمه و غير ذلك و الجهالة في العبد لا تغتفر و تغتفر في توابعه و هكذا في الوقف فإنه لا يجوز الوقف على المعدوم و لكن يجوز تبعا للموجود.

(مادة: 55، و مادة 56:) البقاء أسهل من الابتداء، يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء

هذه المادة و ان كانت عقلية ضرورية سواء قلنا باستغناء الباقي على

ص: 40

المؤثر أو قلنا بأن حاجة الممكن الى العلة و المؤثر حدوثه لا إمكانه و ان كان الأصح ان سبب حاجته إمكانه و مهما يكن الأمر فإن هذه القضية في الكونيات مسلمة عقلا و عرفا أما في الشرعيات فلا اثر لها عندنا أصلا الا ان ترجع الى الاستصحاب و لزوم إبقاء ما كان على ما كان و عدم نقض اليقين بالشك مما ثبت بالأدلة الشرعية القطعية نعم قد يكون لها اثر عند أهل القوانين المدنية و يعنون ان واضع القانون قد يتساهل في الشروط بالنسبة إلى البقاء بما لا يتساهل به في الابتداء و ما ذكره بعض الشراح من الأمثلة لهاتين المادتين كلها مدخولة و محل نظر و مناقشة.

(مادة: 57) لا يتم التبرع الا بالقبض

هذه القاعدة تكاد تكون إجماعية عند فقهاء الإمامية و لا تختص بالهبة بل تعم جميع العقود المجانية كالصدقات بأنواعها حتى الوقف و أخواته كالسكنى و العمرى و الرقبى و هو عندهم شرط في الصحة لا في اللزوم فلو وهب عينا فلا اثر لهبته ما لم يقبض و يكون العقد بدون القبض لغواً و هكذا الصدقة المطلقة و الوقف و أخواته نعم يستثنى من العقود التبرعية خصوص الوصية فإنها و ان كانت مجانية و لا يلزم فيها القبض فتحصل الملكية المعلقة على الموت بمجرد العقد و لكنها جائزة و له الرجوع و تلزم بالموت.

(مادة: 58) التصرف على الرعية منوط بالمصلحة

هذه المادة إنما تأتي على أصول الفقهاء الأربعة و أمثالهم اما على أصول

ص: 41

الإمامية فلا محل لها لان التصرف بالرعية انما هو حق إلهي للإمام العادل أو من ينصبه الامام و الامام العادل بالطبع لا يتصرف الا بما فيه المصلحة للأمة اما منصوبه فأمره راجع اليه و لو تصرف خلاف المصلحة كان هو الرقيب عليه و المؤدب له نعم المسئولية العامة ثابتة على كل أحد في كل تصرف حتى تصرف الإنسان في نفسه و عائلته و إليها النظر بقوله (ع) (كلكم راع و كلكم مسئول) و هو غير الملحوظ بالمادة المبحوث عنها و كان لهذه المادة اثر مهم في الأزمنة القديمة يوم كانت ارادة السلطان هي النافذة و هو الفاعل المختار الذي يسأل و لا يسأل اما اليوم و قد أصبحت أكثر الأمم دستورية و نواب الأمة هي التي تقنن القوانين التي تدور على مصالحها فإنما ينفذ من القوانين ما شرع موافقا للمصلحة لأنهم موكلون على هذا و لكن أين الوكالة و اين الموكلون و اين الوكلاء (ودع عنك نهبا صيح في حجراته.)

(مادة 59) الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة

أظهر مثال لهذه القاعدة ولاية الإنسان على ماله و أطفاله و عياله و سائر شؤنه الخاصة و لا تعارضها الولاية العامة كولاية الحاكم و الوالي بل و السلطان نعم لهؤلاء حسب الولاية العامة سلطة على الافراد و لكن في دائرة محدودة تعود أيضا الى شؤن المصالح العامة و مثل ذلك ولاية الولي على القصير فإنها مقدمة على ولاية القاضي و الحاكم و نحوهما فمع وجود الولي الخاص لا ينفذ بيع الحاكم مال الصغير و لا تزويجه و مثل ذلك ولي الوقف فإنه مقدم على من لهم الولاية العامة نعم للولي العام ان يعزل ولي الوقف

ص: 42

في ظروف خاصة كالخيانة و نحوها.

(مادة: 60) اعمال الكلام اولى من إهماله

اللازم هنا تأسيس القاعدة التي تبنى عليها هذه المادة و التي بعدها و قد تقرر في قواعد المحاورات العرفية البناء على أصول يسمونها الأصول العقلائية مثل أصالة عدم الخطاء و أصالة عدم السهو و النسيان و أصالة عدم العبث و اللغو و أصالة عدم الهزل و المزاح و كلها أصول بنت العقلاء على الاعتماد عليها في أقوالهم و أعمالهم فإذا تكلم رجل عاقل و شك بأنه سها أو غفل أو يريد الهزل و المزاح لا يعتني بشي ء من ذلك و يحمل على الإرادة الجدية و يلزم به خيراً كان كالإقرار أو إنشاء كالبيع و الهبة و الى هذه الأصول ترجع هذه المادة فإن معنى إهمال الكلام حمله على اللغو أو السهو و ما أشبه ذلك مما تنفيه الأصول العقلائية و يحكم بلزوم حمله على معناه الظاهر حقيقة كان الظاهر أو مجازا فان كان للكلام ظهور في أحدهما فهو المتبع و ان لم يكن و تردد بينهما حمل على معناه الحقيقي بأصالة الحقيقة فإن تعذر حمل على المجاز و هو مادة (61) فإن تعذر أيضا لم يكن بد من إهماله و هو مادة (62).

اما أسباب تعذر حمله على الحقيقة أو عليها و على المجاز فهو وجود المانع الشرعي كما لو قال القائل تزوجت أختي أو بنتي فإنه لا يمكن شرعا حمله على معناه الحقيقي فلا بد من حمله على بعض المعاني المجازية أو المانع العقلي كما لو قال انا أولدت أبي أو أمي تولدت منى فيحمل على المجاز أو المانع العرفي كما لو حلف ان لا يأكل من هذه النخلة فإنه يمتنع

ص: 43

الأكل من نفس النخلة و لا بدّ من حمله مجازاً شائعاً على ارادة عدم الأكل من ثمرها اما تعذر حمله على الحقيقة و المجاز فكما لو قال احدى زوجاتي طالق أو بعض مالي وقف أو بعتك بعض ما أملك و أمثالها كثيرة.

(مادة: 63) ذكر ما لا يتجزأ كذكر كله

هذه المادة ليس لها عند فقهاء الإمامية عين و لا اثر و ما ذكره الشراح من الأمثلة مثل ما لو قال انا كفيل بنصف زيد و انه يحمل على الكفالة بتمام نفسه لان زيد لا يتجزأ لا وجه له عندنا بل يعد هذا الكلام من اللغو الباطل و العقود تحتاج إلى صراحة و استعمال نصف زيد في زيد ليس بحقيقة و لا مجاز صحيح فلا تثبت به الكفالة لعدم الدلالة و مثله لو قال اشفع في البعض فإنه مناف لمشروعية الشفعة و هو دفع الشريك فهذه القاعدة ساقطة عندنا من أصلها.

(مادة: 64) المطلق يجري على إطلاقه إذا لم يقم دليل لتقييد إلخ.

هذه المادة هي عبارة عن قاعدة أصالة الإطلاق و انه متى احتمل التقييد في المطلق فالأصل عدمه اما وضعا و اما بمقدمات الحكمة و ان الحكيم لا يخل بغرضه فلو أراد التقييد لبين ذلك و المطلق هو اللفظ الدال على كلي ينطبق على كل فرد من أفراده اما على البدل أو على الاستيعاب فالأول مثل أعتق رقبة و إِنَّ الْإِنْسٰانَ لَفِي خُسْرٍ و الثاني مثل (وَ الْمُطَلَّقٰاتُ يَتَرَبَّصْنَ) و التقييد مفرداً كان أو جمعا هو حصر الكلي في حصة معينة من حصصه مثل (رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) و أكرم العلماء العدول.

ص: 44

(مادة: 65) الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر

تحرير هذه المادة و توضيحها ان البيع باعتبار المبيع كما سيأتي اما ان يكون كلياً أو جزئيا شخصيا فان كان كلياً اعتبر ضبطه و رفع الجهالة عنه بالوصف فيقول بعتك فرسا كذا عمرها و كذا لونها أشهب أو أدهم أو غير ذلك و هكذا سائر الصفات التي تؤثر في اختلاف القيم لاختلاف الرغبات و يلزم البائع تسليم ما يوافق تلك الصفات و ان كان جزئياً فلا يخلو اما ان يكون حاضراً فلا طريق لرفع الجهالة عنه الا بالمشاهدة ثم ان كان مكيلا أو موزونا أو معدودا اعتبر مع ذلك الكيل و الوزن و العدد و الا كفت المشاهدة.

و اما ان يكون غائبا حين العقد فيلزم رفع الجهالة عنه أيضا بالوصف.

فيقول: بعتك الفرس الأدهم الطويل العنق الذي هو الآن في المحل الفلاني فإن ظهر موافقا للأوصاف لزم البيع و الا تخير المشتري بين الفسخ و القبول هكذا ينبغي ان يقال في شرح هذه المادة اما ما ذكره بعض الشراح من الأمثلة و هي (1) لو باع الفرس الأشهب و قال بعتك هذا الأدهم و أشار الى الأشهب صح البيع و لغا الوصف (2) لو قال المدعي هذه السيارة الحمراء ملكي و شهد الشهود كذلك مشيرين إليها و هي صفراء تقبل الدعوى و الشهادة لأن الوصف هنا لغو (3) و لو قال شخص وكلتك على شراء هذا الثوب الأخضر فاشتراه الوكيل فإذا هو اسود صح شراؤه لموكله، فكل هذه الأمثلة لا علاقة لها بما نحن فيه بل هي من أمثلة تعارض الوصف و الإشارة و ليس هنا قاعدة مطردة في تقديم أحدهما على الآخر

ص: 45

بل تختلف الموارد باعتبار القرائن الحالية أو المقالية و مثله تعارض الاسم و الإشارة كما لو قال زوجتك بنتي هذه زينب فقال قبلت و ظهر انها هند فترجيح الإشارة هنا غير معلوم بل لعل الأقوى ترجيح الاسم و مثله لو قال بعتك عبدي هذا جوهر فطهر انه ياقوت فالأصح اما البطلان أو الخيار و الأظهر الأول.

(مادة: 66) السؤال معاد في الجواب

هذه المادة لا يترتب عليها أثر في مقام الاحكام و من المعلوم ان المدار على ظهور الكلام في الاعتراف أو الإنكار و جواب السؤال كما ذكروا في (كتاب القضاء) ان جواب المدعى عليه اما إقرار و إنكار أو سكوت و مثل السكوت قوله لا ادري و الإقرار نعم و أخواتها و الإنكار لا و نظائرها و هذان يكون السؤال فيهما معاداً سلبا أو إيجابا. أما الثالث و هو السكوت أو الشك فليس السؤال فيهما معاداً و على كل فلا يترتب اثر على كونه معاداً أو غير معاد و انما الأثر لصدق الإقرار و الإنكار قبل كل شي ء و نظير الكلام في قاعدة (67) السكوت في معرض الحاجة بيان فان السكوت لا يكون بيانا الا مع ظهور قرينة من حال أو مقال بأنه بيان سلبا أو إيجابا و منه ما ورد في الشرع في البكر و انه يلزم ان تستأمر في زواج نفسها و سكوتها رضاها فقد اعتبر الشارع سكوتها رضا بقرينة ان الغالب ان الحياء بمنعها من التصريح بالقبول فيكون السكوت قبولا و مثله ما لو سكن رجل في دار غيره و قال له صاحب الدار أريد بدل سكناك عن كل شهر ديناراً فسكت فإنه يلزم بالدينار لو استوفى المنفعة

ص: 46

شهرا و هكذا نظائرها و منه ما لو باع المرتهن العين المرهونة بحضور الراهن فإنه يعد اجازة خلافا لبعض الشراح.

[مادة: 68] دليل الشي ء في الأمور الباطنة يقوم مقامه

هذه العبارة لا تخلو من تعقيد و لعل المراد ان الأمور الخفية التي يعسر الاطلاع عليها غالبا يكتفى في الحكم بها بآثارها الظاهرة و لوازمها الحاصلة مثلا لو تزوج رجل فاولدت امرأته ولداً لستة أشهر نحكم بأنه دخل بها و ان الولد ولده فان الدخول بها لما كان امراً خفيا استدللنا بلازمه و هو الولد على فراشه و إذا وجدنا رجلا عاريا الا من الساتر في الشتاء القارص استدللنا منه انه فقير لا ثياب عنده و لا مال و الحاصل قد نستكشف الأمور الخفية من الأمارات الظاهرية و لكنها لا تفيد القطع و اليقين و انما تكون أمارة ظنية غالبية.

(مادة: 69) الكتاب كالخطاب

لا عبرة عندنا معشر الإمامية و لا نعقد العقود و المعاملات إلا بالألفاظ أو إشارة الأخرس فلو وجدنا كتاب زيد الذي نعلم بأنه خطه و توقيعه بأنه قد باع داره لا تحكم بالبيع حتى يعترف هو أو تقوم البينة أو يحصل لنا اليقين بأنه قد أوقع صيغة البيع لفظا خلافا لما يظهر من بقية المذاهب التي تعتبر الكتابة كاللفظ اما عندنا فلو كتب اني بعت و كتب الآخر اني قبلت لم يكن عندنا بيعا عقديا فان تعاطيا كان معاطاة و الا فلا شي ء.

(مادة: 70) الإشارة المعهودة للأخرس كالبيان باللسان

ص: 47

اتفقت الإمامية على ان إشارة الأخرس المفهمة لمقاصده تقوم مقام اللفظ ليس في معاملاته فقط بل حتى في عباداته و صومه و صلاته و نكاحه و طلاقه و وصيته و لعل اخبارهم بذلك مستفيضة و الظاهر اتفاق المذاهب الأربعة أيضا عليه و لكن مشروط بإفادة إشارته القطع بمراده اما مع عدم القطع فمشكل و هكذا الكلام في قبول قول المترجم عن المترجم عنه كما في مادة (71) نعم لو كان المترجم عادلا صدوقا أمكن الاعتماد على ترجمته بناءً على حجية خبر الواحد في الموضوعات كما هو الأقوى عندنا أما مادة (72) لا عبرة بالظن المتبين خطؤه فهي مستدركة فإن القطع المتبين خطؤه لا عبرة به فكيف بالظن نعم لو عمل المكلف بالأمارة الشرعية كالبينة و نحوها و انكشف خطؤها أيضا ينقض ما بنى عليه من حكم و غيره.

(مادة: 73) لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل

الأمارات الشرعية كالبينة و خبر الواحد و الإقرار غالباً أو دائماً تدور مدار حصول الوثوق و حصول الظن بمؤداها و لو نوعا و لا أقل من كونها منوطة بعدم الظن بخلافها فإذا حصل الظن بخلافها من امارة و لو حالية يشكل الاعتماد عليها و الوثوق بها و بعبارة اجلى ان أدلة حجيتها قاصرة عن شمول مثل هذا النوع منها و ذلك كالإقرار بالبيع مع قرائن قصد الحرمان فإنه لا عبرة به و كشهادة الوكيل لموكله و الأجير لمستأجره مع التهمة و الوالد لابنه فإن إطلاق أدلة البينة و ان كان شاملا في الظاهر لجميع هؤلاء و لكن يمكن دعوى انصرافها أو قصورها عن موارد التهمة و هي

ص: 48

تختلف حسب اختلاف الموارد شدة و ضعفاً و كل ذلك منوط بنظر الحاكم و وجدانه و مقدار وثوقه في الموارد الخاص و لا عبرة بالتوهم كما في مادة (74) و هو أيضا مستدرك و غني عن البيان و اي حجية في الاحتمال المجرد عن الرجحان بل لا يمكن جعله حجة شرعا و لا عقلا لانه ترجيح بلا مرجح كما لو كان الوهم أحد طرفي الشك أو ترجيح المرجوح كما لو كان خلاف المظنون و الأمثلة واضحة و كثيرة.

(مادة 75) الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان

و هذا أيضا ضروري و واضح فان الثابت بالبرهان العقلي أو الحجة الشرعية أو العيان و المشاهدة سواء في وجوب العمل و لزوم ترتيب الآثار و ان اختلفت درجة العلم و اليقين الحاصل منها نظير ما يذكره بعض العرفاء في مراتب المعرفة من علم اليقين و حق اليقين و عين اليقين فلو أقر المدعى عليه بدين امام الحاكم أو ثبت ذلك بخطه و توقيعه فالجميع يصلح لان يكون مدركا لحكم الحاكم و ان اختلفت المراتب و هذا واضح لا يحتاج الى مزيد بيان

(مادة: 76) البينة على المدعي و اليمين على من أنكر

هذا نص الحديث في بعض الروايات و هي قاعدة اساسية من القواعد الإسلامية و هي الركن الأعظم في باب الحكومة و القضاء فالمدعي هو المكلف بإقامة البينة و لا تثبت دعواه بغيرها أصالة و المنكر يكفيه في رد دعوى المدعي اليمين أصالة و لا ينافي ذلك ان المدعي قد يتوجه عليه اليمين كما في اليمين المردودة و المنكر قد تقبل منه البينة كما في تعارض البينات

ص: 49

و في باب التداعي و المراد بالبينة عند الشارع هو خصوص شهادة العدلين.

و ان كان أصل معنى البينة لغة كلما يتبين به الأمر المشتبه فمرور مائة سنة على المفقود بينة على موته و لكن لم يسمها بينة و يطلق عليها و على أمثالها من القرائن الزمانية أو المكانية و نحوها امارة، و بمقتضى هذا الحديث ان اليمين لا يكون على المدعي بحال و هو المحكي عن الحنفية و عند الإمامية و باقي المذاهب ان المدعى عليه له ان يرد اليمين على المدعي كما انه لو نكل المدعى عليه عن اليمين ردها الحاكم على المدعي حيث بعجز عن البينة و فيما لو اقام المدعي شاهدا و عجز عن الثاني فإنه يجبره بيمينه و ذلك في خصوص الحقوق المالية و بقية الكلام موكول الى محله من مباحث الفقه الواسعة.

(مادة: 77) البينة لإثبات خلاف الظاهر و اليمين لإبقاء الأصل

هذه المادة كأنها متممة للمادة السابقة في إعطاء الضابطة و التعريف للمدعي و المنكر و قد تكثرت الضوابط و التعاريف لهما و لعل الجميع يرجع الى معنى واحد و كان المجلة اعتبرت المدعي هو من يدعي خلاف الظاهر و كان من حق المقابلة أن يجعل المنكر من يدعي ما يوافق الظاهر و لعلهم أرادوا بالظاهر هنا الأصل و ان كان خلاف مصطلح الفقهاء فيكون المدار حينئذ في المدعي و المنكر على ما خالف الأصل و وافقه و لكنه لا يطرد في جميع الموارد فان من ادعى عينا في يد آخر فصاحب اليد منكر إجماعا مع ان قوله ان العين له لا يوافق الأصل نعم يوافق الظاهر و دعوى الخارج انها له تخالف الظاهر ضرورة ان اليد ظاهرة في الملكية و ظهر بهذا ان كلا من الضابطتين اعني

ص: 50

الأصل و الظاهر لا يصلح ان يكون ميزاناً مطردا للمدعي و المنكر و لذا عدل بعضهم عن ذلك و عرف المدعي انه هو الذي لو ترك ترك (بالفتح في الأول و الضم في الثاني) و هو أيضا لا يشمل كثيراً من أبواب التداعي كما لو اتفق مثلا البائع و المشتري على ان الثمن عشرة و اختلفا في ان المبيع ناقة أو بقرة إلى كثير من أمثال هذا و الأصح عندنا ان تمييز المدعي من المنكر منوط الى نظر الحاكم في القضايا الشخصية فقد يتميزان بمخالفة الأصل و موافقته. تارة و بمخالفة الظاهر و موافقته اخرى، و قد يتميزان بغيرهما أحيانا، و حينئذ يلزم كلا بوظيفته من بينة أو يمين اما في باب الأمانات فقد تنعكس القضية و يكون المدعى هو ما وافق قوله الأصل و المنكر التلف مدعيا مع ان قوله موافق الأصل و لكن عليه البينة و كذا في دعوى الرد يصدق الأمين باليمين و على منكره البينة و ان كان هذا الأخير محل خلاف كل ذلك للأدلّة الخاصة من ان الأمين ليس عليه الا اليمين و تفصيل البحث موكول الى مواضعه و أبوابه في الفقه.

(مادة: 78) البينة حجة متعدية و الإقرار حجة قاصرة

الفرق بين البينة و الإقرار ان البينة جعلها الشارع طريقا نزل مؤداها منزلة الواقع في كل ماله من الآثار فإذا شهدت بطهارة ماء كان نجسا صار الماء بمنزلة ما لو طهرته بنفسك فتشربه و تتوضأ به و ترتب عليه كل ما للماء الطاهر من اثر و هكذا لو شهدت ان الدار لزيد فتشتريها منه و تملكها و تسترهنها منه الى غير ذلك اما الإقرار فلا نظر في أدلة اعتباره

ص: 51

الى الواقع بل غايته ان المقر يلزم بإقراره بحديث إقرار العقلاء على أنفسهم جائز أو نافذ اما غير المقر فلا يلزم به ففيما لو أقر زيد بزوجية هند له و أنكرت هي فإنه يلزم بآثار الزوجية من نفقة و غيرها و لا تلزم هي بشي ء من آثار زوجيته اما لو أقام البينة عليها أو حكم الحاكم فإنها تلزم بجميع آثار زوجية و لا يبقى أي اثر لإنكارها و سره ما ذكرنا من اختلاف دليل الحجية و الاعتبار فتدبره جيداً و مما ذكرنا علم ما في مادة (79) المرأ مؤاخذ بإقراره اي ان إقراره نافذ عليه و ملزم به و من أحكام الإقرار ان الإنكار بعده لا يسمع فلو أقر بأنه مديون لزمه فلو ادعى بعد ذلك الإيفاء طولب بالبينة.

(مادة: 80) لا حجة مع التناقض لكن لا يختل معه حكم الحاكم

كان هذه المادة ناظرة إلى تعارض البينات و الحق عندنا ان البينتين إذا تعارضتا فقد تعارض الحجتان لا انهما سقطتا عن الحجية و لذا ننظر في المرجحات و نعمل بالراجح منهما نعم مع التساوي من جميع الجهات يسقط العمل بهما لاشتباه الحجة بينهما و على كل فان تعارضتا قبل الحكم لزم العمل بأرجحهما و ان ظهرت البينة المعارضة بعد الحكم فلا اثر لها نعم لو كذبت البينة نفسها أو رجع الشاهدان عن شهادتهما لم ينقض الحكم و غرمت البينة ان كان الحكم بمال أو حق مالي فلو حكم الحاكم بالقصاص فاقتص الولي ثم رجعت البينة عن شهادتها فان قالت أخطأنا غرمت الدية و ان قالت تعمدنا قتلا معا ورد الولي على ولي كل منهما نصف الدية

(مادة: 81) قد يثبت الفرع مع عدم ثبوت الأصل

ص: 52

المدار في الأحكام الشرعية سيما في باب الغرامات و الضمانات على أسباب خاصته و موازين معينة فقد تقوم الحجة على الفرع فيثبت و لا تقوم على الأصل فلا يثبت فلو ادعى رجل على آخر دينا و قلت للمدعي أنا كفيله أو انا ضامن لهذا الدين و لكن المدعى عليه أنكر كنت أنت الملزوم به و أنت فرع دون المدعى عليه و هو أصل فتثبت الكفالة و لا يثبت الدين و ذلك لحصول الحجة و هو الإقرار في الأول دون الثاني و النظائر كثيرة

(مادة: 82) المعلق بالشرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط

هذا ضروري و الا لم يكن الشرط شرطاً و ليعلم ان الشرط في لسان الفقهاء يطلق على معنين متغايرين. (أحدهما) ما يعلق عليه العقد أو الإيقاع (و الثاني) ما يتقيد به العقد أو الإيقاع و الأول هو ما يكون من قبيل جزء العلة التامة و الثاني هو ما يكون من نحو التعهد و الالتزام و هذا هو الأكثر في باب المعاملات استعمالا في لسان الشارع و المتشرعة و هو قسمان وصف و هو المحقق الوقوع في الحال أو الماضي أو الاستقبال مثل قوله بعتك ان طلعت الشمس غداً أو ان كانت طالعة حالا و هكذا و هذه في الحقيقة صورة تعليق لا تعليق حقيقي، أو حال و هو ممكن الوقوع فقد يقع و قد لا يقع مثل بعتك ان جاء ولدي غداً من السفر أو عافى اللّٰه مريضي و نحو ذلك و هذا هو التعليق الحقيقي الذي اتفقت الإمامية انه مبطل للعقود و الإيقاعات و انه لا بدّ فيها من التنجيز لأن التعليق بهذا المعنى توقيف مضمون جملة على حصول جملة أخرى و حيث ان المعلق عليه غير حاصل فعلا فالبيع غير حاصل أيضا و حصوله بعد يحتاج الى عقد جديد و العمدة في دليل البطلان هو

ص: 53

الإجماع ان تم و الا فللمناقشة فيه مجال واسع و يظهر من المجلة عدم مانعية التعليق من صحة العقد و الإيقاع سواء كان واقعا أو ممكن الوقوع و هو من حيث الاعتبار غير بعيد و لكن نقل الإجماع على بطلانه عند الإمامية مستفيض هذا موجز الكلام في الشرط بمعنى التعليق (اما الشرط بمعنى التقييد في العقد) الذي يرجع الى التعهد و الالتزام فهو الذي أشارت له المجلة في مادة (83) يلزم مراعاة الشروط بقدر الإمكان و الشرط بهذا المعنى ينقسم باعتبارات شتى إلى أقسام (أولها) ان الشرط تارة يكون ابتدائياً استقلاليا و اخرى يكون تبعا ضمنيا فالأول مثل ان تقول شرطت على نفسي ان ادفع لك مائة دينار اي تعهدت لك بذلك و كاد ان ينعقد إجماع الإمامية بأن مثل هذه الشروط الابتدائية لا يجب الوفاء بها و ان الشرط بهذا النحو وعد يستحب الوفاء به فان تم الإجماع تعبدنا به والا فللمناقشة فيه مجال و الفرق بين الوعد و الشرط يظهر بالتأمل (و الثاني) هو الالتزامات في ضمن العقود مثل بعتك داري و اشترطت لك تعليم ولدك أو خياطة ثوبك أو اشترطت لي خيار الفسخ الى كثير من أمثال ذلك و بهذا المعنى قد فسر الشرط صاحب (القاموس) و هو من بعض أخطائه حيث قال، الشرط إلزام الشي ء و التزامه في البيع و نحوه، و من المتفق عليه عند عموم المذاهب لزوم مثل هذه الشروط في الجملة و لكن انما يلزم الوفاء بالشروط الصحيحة منها لا مطلقا، اما الفاسدة فهي لغو كما أنها أنواع (أولها) المستحيلات عقلا و عادة و يلحق بها مالا فائدة فيه من اللغو و العبث كما لو اشترط عليه ان يمشي على رجل

ص: 54

واحدة أو يرفع بدية على رأسه مدة أيام (ثانيها) المحرمات شرعا ذاتية أو عرضية [ثالثها] ما ينافي مقتضى العقد مثل بعتك بشرط ان لا تملك و آجرتك بشرط ان لا تستوفى المنفعة أصلا لا مباشرة و لا تسبيباً فكل هذه الشروط باطلة بغير إشكال إنما الإشكال في أنها تفضي إلى بطلان العقد أيضا أم لا و الحق أنها تختلف فالأخير يقتضي البطلان قطعاً كما سيأتي دون الأولين فلو باعه مثلا بشرط ان يشرب الخمر بطل الشرط و صح العقد ثم الشرط بمعنى الالتزام تارة يكون عملا خارجيا و أخرى و صفا داخليا فتارة يشترط له التعليم أو الخياطة و اخرى يشترط له ان يكون العبد المبيع كاتبا أو الفرس أصيلا و تخلف الشرط في كلا الصورتين يوجب الخيار و هو المسمى بخيار تخلف الشرط و هذا أيضا موجز الكلام في الشروط بمعنى الالتزامات و التفصيل موكول الى محله في كتب الفقه و منه ظهر الكلام في مادة (84) المواعيد بصورة التعليق تكون لازمة. و فذلكة التحقيق هنا ان الوعد سواء كان معلقا أو مجرداً لا يجب الوفاء به وجوبا فقهيا نعم يجب وجوبا اخلاقيا فان الوفاء بالوعد من أجمل مكارم الأخلاق و وعد الحر [كما يقال] دين اي يجب الوفاء به سواء كان أيضا مجرداً أم معلقاً فلو قال رجل لآخر بع هذا الشي ء من فلان و ان لم يعطك الثمن انا ادفعه لك فلو لم يعطه الثمن فان كان الوعد بنحو الالتزام و التعهد وجب ان يدفع له و الا فلا، و هذا من منفرداتنا اما ظاهر المشهور فعدم الوجوب مطلقا فليتدبر.

(مادة 85) الخراج بالضمان

ص: 55

الظاهر انها كلمة نبوية كقاعدة اليد و أمثالها من جوامع كلمه القصار القليلة اللفظ الكثيرة المعنى و المراد بالخراج ما يخرج من العين من غلة و منافع و الظاهر ان الباء سببية يعني ان منافع العين تملك بسبب ضمانها و لازم هذا ان كل من عليه ضمان العين فمنافعها له غير مضمونة عليه و بهذا تمسك الحنفية لما ذهب إليه امامهم من ان الغاصب لا يضمن ما استوفاه من منافع العين المغصوبة لأنه ضامن و ضمان العين لا يجتمع مع ضمان منافعها.

و حيث تظافرت أخبار الإمامية عن أئمتهم ان الغاصب يضمن العين و المنفعة و صحيحة (أبي ولاد) عندهم مشهورة معروفة و قد تضمنت رد تلك الفتوى بأبلغ بيان لهذا التزم فقهاؤهم بتأويل هذه الجملة المتقدمة فحملها بعض اعلام المتأخرين على ما حاصله بعد توضيح و تنقيح منا، ان المراد بالضمان في النبوي هو الضمان الجعلي الاختياري ضرورة ان كل عاقل إذا ضمن ملك الغير و جعل غرامة تلفه عليه فإنما يصنع ذلك بغرض استيفاء منافعه فالخراج يكون له بسبب ضمانه الاختياري لا الضمان القهري المجعول شرعا كضمان الغاصب و لا الضمان التبعي كضمان البائع درك المبيع و المشتري درك الثمن ضرورة ان البائع هنا مع انه ضامن للمبيع و لكن منافعه لبست له بل للمشتري و هكذا في المشتري بالنسبة إلى الثمن فان الخراج هنا ليس بالضمان قطعا نعم خراج الثمن للبائع بالضمان اي بضمانه لأن تلف الثمن عليه و من ماله كما ان خراج المبيع للمشتري لأنه ضامن له و تلفه يكون عليه و من ماله فليس المراد الضمان القهري. و لا التبعي و لا الضمان التقديري كما في أعتق عبدك عني فإن الضمان عليه و منافع العبد ليست

ص: 56

له فتعين كون المراد هو الضمان الجعلي الاختياري كما في ضمان المعاملات و المعاطات فلا تصلح القاعدة دليلا على عدم ضمان الغاصب للمنافع و يمكن ان يكون المراد منها ان خراج العين بسبب ضمانها اي من كان تلف العين عليه و من ماله فخراجها و منافعها له فيكون محصلها ان خراج العين لمالك العين الذي لو تلف العين كان تلفها عليه و من ماله فيكون مفادها مفاد مادة (67) الغنم بالغرم اي غرامة العين و تلفها على من تكون له منافعها و غنيمتها و قد يعبر عنها بعبارة أخرى و هي من له الغيم فعليه الغرم و من جميع ما ذكرناه يتضح لك وجه القدح في مادة (86) الأجر و الضمان لا يجتمعان، و الحق أنهما يجتمعان و لا مانع من اجتماعهما عقلا و شرعا فالمقبوض بالسوم أو بالعقد الفاسد يضمن العين قابضها و يعطى اجرة ما استوفاه من منافعها و هكذا الغاصب و نظائره و كذا ما في-:

(مادة: 87) الغنم بالغرم

و قد سبق ان من المعلوم كون منافع الشي ء لا يملكها الإنسان إلا إذا كان مالكا أو متلقيا من المالك فمعنى هاتين المادتين أو الثلاث ان المالك له منافع الشي ء و غلته و عليه خسارته و غرامته و إليها أيضا ترجع مادة [88] النقمة بقدر النعمة و ان كانت لا شي ء عند التحقيق.

(مادة: 79) الفعل ينسب الى الفاعل لا الأمر ما لم يكن مجبراً

هذه قاعدة اساسية محكمة يحكم بها العقل و الشرع و العرف و يترتب على ذلك ان تبعات الفعل من قصاص أو ضمان أو عقوبة فهي على الفاعل لا على الآمر و ان ترتب على الآمر احكام شخصية اخرى لكونه آمراً لا لكونه

ص: 57

فاعلا نعم قد يتحمل الآمر كل تبعات الفعل بحيث لا يكون شي ء منها على الفاعل إذا كان جاهلا و قد غره الآمر و أغراه بقاعدة المغرور يرجع على من غره و كذا إذا كان صبيا أو مجنوناً و قد امره الرجل العاقل بإتلاف مال غيره أو حياته فإنه و ان رجع على الولي لكن الولي يرجع بالغرامة على الآمر اما لو كان الآمر أيضا صبيا فلا و الى هذا ترجع.

(مادة: 90) إذا اجتمع المباشر و السبب يضاف الحكم الى المباشر

و يلزم ان يستثنى من هذه الكلية ما لو كان السبب أقوى من المباشر نظير ما سبق من كذب البينة فلو شهد اثنان لرجل بان فلان قتل أباك فقتله ثم تبين تزويرها فإنهما يقتلان مع الرد و لا يقتل الفاعل لان السبب هنا أقوى من المباشر أو قال له أسرق مال فلان و الا قتلتك فسرقه فان الضمان على الآمر لأنه أقوى من المباشر السارق و هكذا نظائرها و هي كثيرة

(مادة: 91) الجواز الشرعي ينافي الضمان

ينبغي ان تكون هذه المادة ناظرة إلى الأمانات الشرعية كاللقطة و مجهول المالك و قبض مال اليتيم المصلحة أو الحفظ و كثير من أمثال ذلك فإنه قبض جائز شرعا و التصرف بغير تعدى مأذون به من الشارع و مع اذن الشارع لا ضمان لو تلفت بغير تعد أو تفريط و إذن الشارع ان لم يكن فوق إذن المالك فليس هو بأقل منه، و الحاصل ان كلا منهما مسقط الضمان و قد غفل بعض الشراح عن هذه المادة و مثل لها بالمثلة لا علاقة لها بهذه القاعدة أصلا مثل ما لو حفر أحد في ملكه حفرة فسقط فيها دابة فهلكت فلا ضمان على صاحب الحفرة فإن الضمان هنا لا مقتضى له أصلا ضرورة

ص: 58

ان تلف الدابة لا يستند الى صاحب الحفرة لا مباشرة كما هو واضح و لا تسبيبا لأن الإنسان له ان يتصرف في ملكه كيف شاء، نعم لو حفرها في غير ملكه أو في شارع عام أمكن ان يلزم بالضمان و ان يكون هو السبب ان لم يكن إهمال من صاحب الدابة و على كل فينبغي ان يكون موضوع المادة ما كان مقتضى الضمان موجوداً و لكن الإذن الشرعي يرفع الضمان كما في الأمانات فإن وضع اليد على مال الغير يقتضي الضمان و لكن الإذن الشرعي أو المالكي يرفعه فلا يجتمع الضمان و الجواز فتدبره جيداً.

(مادة: 92) المباشر ضامن و ان لم يتعمد

هذه المادة هي قاعدة الإتلاف التي يعبر عنها فقهاؤنا (بان من أتلف مال غيره فهو له ضامن) و تفترق هذه عن قاعدة اليد المشهورة بأن هذه ناظرة إلى التلف تحت اليد و تلك إلى الإتلاف و ان لم يكن تحت اليد فبينهما عموم من وجه يجتمعان و يفترقان و الإتلاف و التلف يوجبان الضمان في الجملة و ان لم يكونا عن عمد و لكن بنحو الاقتضاء و هذه القاعدة تستفاد من جملة من الاخبار و المثلة كثيرة لا تخفى و لا يشترط في الإتلاف العمد نعم يشترط ذلك في التسبيب فالمسبب للتلف ان كان متعمدا ضمن بلا اشكال و الا فإن أسند الفعل اليه عرفاً كان ضامنا و الا فلا.

أما التعدي أي عدم الإذن الشرعي أو المالكي فهو شرط في جميع أسباب الضمان و الى قضية التسبيب أشارت مادة (93) المتسبب لا يضمن الا مع العمد.

ص: 59

(مادة: 94) جناية العجماء جبار

هذه المادة على الظاهر مضمون حديث أو نصه و في بعض كتب الحديث (جرح العجماء جبار) و المعنى واحد و العجماء هي البهائم لكن إذا كانت البهيمة مملوكة و أهملها صاحبها حتى دخلت دار قوم أو زرع آخرين فاتلفته فإنه ضامن لان السبب هنا أقوى من المباشر و هذا من موارد ضمان السبب و ان لم يكن متعمدا لان التلف كان من فعله و يسند اليه و الدابة كالآلة و من هنا يظهر عدم صحة الإطلاق في المادة السابقة و هي ان المتسبب لا يضمن الا مع التعمد نعم لو ان شخصين ربط كل منهما دابته الى جنب دابة الآخر في فلاة أو في المنازل العامة كالخانات فأتلفت إحداهما الأخرى و كذا لو ربطها مالكها فأفلتت و أضرت فلا ضمان.

(مادة 95) الأمر بالتصرف في ملك الغير باطل

يعني حيث لا ولاية له على ذلك المال اما لو كان له ولاية كمتولي الوقف أو ولي اليتيم أو حاكم الشرع في مال الغائب و أمثال ذلك فالأمر بالتصرف صحيح و نافذ شرعاً و بالجملة فالبطلان يدور مدار العدوان فهذه المادة ترجع إلى التي بعدها.

(مادة: 96) لا يجوز لأحد ان يتصرف في ملك الغير بغير اذن،

و لو قال بغير اذنه أو اذن الشارع لأغنت أيضاً عن المادة التي بعدها (لا يجوز لأحد ان يأخذ مال أحد بلا سبب شرعي) و كلها ترجع الى

ص: 60

مفاد الحديث النبوي (لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه) بعد قوله تعالى (وَ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ) و أمثالها التي حرم اللّٰه سبحانه فيها الإثم و البغي و العدوان و الأمثلة واضحة كثيرة و أطهرها موارد الغصب و السرقة و الرشوة. و قد مثل لها بعض الشارحين بما إذا صالح عن الدعوى فظهر انه لا حق له بتلك الدعوى أصلًا فإن الصلح باطل و يسترد بدل الصلح ففيه مع انه ليس من أمثلة ما نحن فيه و البدل قد دفعه المصالح بطيب نفسه نمنع بطلان الصلح فإنه وقع لإسقاط الدعوى لا للحق الواقعي و هو واضح فتدبره جيداً

(مادة: 98) تبدل سبب الملك قائم مقام تبدل الذات

هذا التعبير لا يفصح عن الغرض المقصود بهذه المادة و هي ان الأسباب الشرعية مؤثرة كتأثير الأسباب الواقعية فكما انه لو وهب ماله لشخص و تلف المال لا سبيل له الى الرجوع بما وهب لزوال الموضوع فكذلك لو باع المتهب المال لم يبق للواهب حق الرجوع فيما وهب لانتقاله عنه اي هو كتلفه و كذا لو باع عينا بخيار و باعها المشتري من آخر بغير خيار فإنه لا يبقى للبائع الأول حق الرجوع و لو فسخ رجع بالمثل أو القيمة كما لو تلفت العين

(مادة: 99) من استعجل الشي ء قبل أوانه عوقب بحرمانه

أظهر مثال لهذه المادة- الوارث إذا قتل مورثه ليستعجل في إرثه فإنه يحرم شرعاً من الإرث عقوبة له بحرمانه ما استعجل فيه و كذا لو قتل الموصى له الوصي في وجه و كذا من طلق زوجته في مرض موته

ص: 61

كي لا ترث منه فإنها ترثه لو مات في الحول و لو بعد خروجها من العدة و كذا لو حابى أحد ورثته ببيع أو هبة يقصد حرمان الباقين فإنها تبطل على الأصح نعم يستثني من هذه المادة ما لو قتل الدائن مدينة بدين مؤجل كي يتعجل فإنه يحل على قاعدة الديون المؤجلة التي تحل بموت من هي عليه و مقتضى المادة ان لا يحل و كذا في منجزات المريض من بيع و نحوه محاباة لا يقصد الحرمان فإنها تصح سواء قلنا بخروجها من الثلث أو من الأصل و قد يعثر المتتبع على غير ذلك من الأمثلة في المستثنى و المستثنى منه.

(مادة: 100) من سعى في نقض مأتم من جهته فسعيه مردود عليه

هذه المادة أشبه بان ترجع إلى قاعدة عدم نفوذ الإنكار بعد الإقرار أو إلى أصالة الصحة في عمل المسلم أو مطلقاً أو ما أشبه ذلك من الأصول و القواعد و ليست هي قاعدة برأسها فإن الواهب له ان يرجع بهبته و قد تم من جهته الى كثير لا يحصى من أمثال ذلك، نعم لو باع ثم ادعى فساد المبيع لم يقبل منه و لكن لا لهذه القاعدة بل لأصالة الصحة في فعل العاقل و كذا لو أقر بدين ثم ادعى الاشتباه فإنه لا يسمع لقاعدة (لا إنكار بعد الإقرار) و هكذا و بالجملة نقض الإنسان لعمله أو قوله يختلف في القبول و عدمه باختلاف الموارد و الأصول و القواعد الجارية في كل مورد بحسبه، هذا موجز القول فيما ذكرته المجلة من القواعد العامة و قد اتضح لك جلياً ان بعضها يدخل في بعضها و بعضها مستدرك لا يترتب عليه أثر.

ص: 62

أما القواعد الاساسية منها التي تصلح لان تكون مدركاً و دليلًا على كثير من أبواب المعاملات و الإيقاعات فهي كما نتلوها عليك و إليك بيانها.

ص: 63

(1) العبرة في العقود للمقاصد و المعاني، لا للألفاظ و المباني لعل المراد بهذه المادة ان الألفاظ تتبع ما أريد و قصد منها لا ما هي دالة عليه بحسب وضعها التعييني أو التعيني فلفظ بعت مثلا و ان كان دالا بالوضع و الاستعمال على نقل الأعيان و لكن لو أريد منه نقل المنافع بدل الإجارة الموضوعة لذلك كان الاعتبار بما قصد و أراد و لو مجازا أو غلطا لا بما هو مدلول اللفظ بحسب وضعه و لكن التحقيق عندنا و هو الظاهر من بعض النصوص و متون فقهائنا ان العقود يلزم فيها استعمال الألفاظ الصريحة الدالة على معانيها بالوضع و المطابقة فلا يصح فيها المجاز و الكناية فضلا عن مخالفة الوضع الشخصي أو النوعي و استعمال البيع في الإجارة قد لا يكون صحيحاً لا حقيقة و لا مجازا فيكون غلطا و يقع العقد المزبور مثلا باطلا، نعم لا ريب ان المقصود هي الركن الأعظم في العقود و لكن بقيد الألفاظ الخاصة الموضوعة للدلالة عليها المتحدة بتلك المعاني اتحادا جعليا لا بالألفاظ الغريبة عنها.

إذ من المعلوم ان للفظ أنسا و ملابسة مع المعنى الموضوع له المستعمل فيه.

و نفورا و وحشة من المعنى الغير الموضوع له، و على كل فالصراحة اللازمة سيما في العقود اللازمة توجب استعمال الألفاظ الدالة على المعاني المقصودة بالوضع و المطابقة لا بالمجاز و الكناية فضلا عن الغلط فاللازم ان تكون المادة هكذا:

العبرة في العقود للمقاصد و المعاني مع الألفاظ و المباني و قد تقدم بعض البحث فيها في أول الكتاب

ص: 64

(2) قاعدة الاستصحاب و هي إبقاء ما كان على ما كان و دليلها اخبار لا تنقض اليقين بالشك و إليها ترجع المواد الثلاث 4- 5- 6 بل مادة 8- 10 بل و 11 (3) أصالة البراءة التي تنفرد عن الاستصحاب من بعض الوجوه (4) قاعدة لا ضرر و لا ضرار، و إليها يرجع عشر مواد أو أكثر (5) أصالة الحقيقة، (6) المشقة تجلب التيسير (7) درء المفاسد اولى من جلب المنافع (8) ما حرم أخذه. حرم إعطاؤه (9) ما حرم فعله. حرم طلبه (10) العادة محكمة- و لكن في الجملة كما عرفت و مثلها تغير الاحكام بتغير الزمان و مثلها.

(11) العبرة للغالب الشائع (12) الممتنع عادة كالممتنع حقيقة (13) إذا تعارض المقتضي و المانع يقدم المانع (14) التابع تابع هذه المادة مجملة و لعل المراد بها ان التابع في الوجود تابع في الحكم و قد عرفت انه لا يطرد (15) إذا سقط الأصل سقط الفرع (16) الساقط لا يعود كما ان المعدوم لا يعود (17) إذا بطل الأصل يصار الى البدل (18) يغتفر في التوابع ما لا يغتفر في غيرها

ص: 65

(19) البقاء أسهل من الابتداء (20) لا يتم التبرع الا بالقبض (21) التصرف على الرعية منوط بالمصلحة (22) الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان (23) البينة على المدعي و اليمين على المنكر (24) البينة حجة متعدية و الإقرار حجة قاصرة (25) الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة (26) اعمال الكلام اولى من إهماله (27) ذكر ما لا يتجزأ كذكر كله (28) المطلق يجري على إطلاقه (29) الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر (30) الكتاب كالخطاب عند فقهاء المذاهب لا عند الإمامية (31) إشارة الأخرس بيان (32) لا حجة مع الاحتمال الناشئ عن دليل (33) المعلق على شرط يجب ثبوته عند ثبوت الشرط (34) يلزم مراعاة الشرط بقدر الإمكان (35) الخراج بالضمان (36) الغنم بالغرم، (37) الفعل ينسب الى الفاعل لا الآمر ما لم يكن مجبرا (38) إذا اجتمع المباشر و السبب يضاف الحكم الى المباشر

ص: 66

(39) الجواز الشرعي ينافي الضمان (40) المباشر ضامن و ان لم يتعمد (41) المتسبب لا يضمن الا مع العمد (42) جناية العجماء جبار (43) لا يجوز التصرف بمال الغير بغير اذن (44) تبدل سبب الملك يقوم مقام الذات (45) من استعجل الشي ء قبل أوانه. عوقب بحرمانه.

هذه مهمات القواعد التي ذكرتها (المجلة) و ما عداها فتكرار أو متداخل أو عديم الفائدة، و العجب أن مؤلفيها مع انهم من أفاضل علماء عصرهم ذكروا جملة من المواد العديمة الجدوى أو القليلة الفائدة و أهملوا جمهورا من القواعد المهمة التي هي دعائم مباني العقود و الإيقاعات و أبواب المكاسب و المعاملات، و نحن نذكر منها ما يحضرنا على عفو الخاطر و العتيد في الذهن، كاستدراك على مواد المجلة من دون استقصاء و استقراء و قد يجد المتتبع أكثر منها و إليك بيانها و تندرج في فصول.

ص: 67

(الفصل الأول) (في قواعد البيع و سائر العقود)

1- كل جملة لا يحصل أثرها الا بأخرى من آخر فهي عقد و الا فإيقاع أو اذن.

هذه ضابطة التمييز بين العقد و الإيقاع و هي مطردة في الغالب و قد وقع الخلاف في بعض الأنواع انها عقد أو إيقاع كالجعالة و الوديعة و الوصية في بعض الاعتبارات و لعل منشأ الشك أو الخلاف هو عدم لزوم القبول اللفظي فيها و كفاية القبول الفعلي أو كل ما دل على الرضا بالإيجاب كما هو الشأن في جميع العقود الجائزة.

على ان الثمرة بين كون المعاملة عقدا أو إيقاعا نادرة مثلا- الوديعة.

أمانة مالكية فإن كانت عقدا فهي عقد جائز من الطرفين فللودعي ان يعزل نفسه و يحلها فتنقلب أمانة شرعية يجب المبادرة إلى ردها و ان كانت إيقاعاً فهي إذن مجرد و ليس له عزل نفسه بل تبقى أمانة مالكية حتى يستردها المالك أو يردها الودعي متى شاء، و على كل فالبحث في ذلك قليل الجدوى.

2-: كل عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول

لفظيين مع التوالي بينهما.

3-: كل إيجاب فقبوله بعد موت الموجب باطل

إلا في الوصية.

4-: كل من له القبول إذا مات قبله بطل

إلا في الوصية فإن حق

ص: 68

القبول ينتقل الى وارثه.

5- أصالة اللزوم في العقود

فكل عقد شككنا ان الشارع جعله لازما أو جائزا نبني على لزومه و إذا علمنا بأنه ذو نوعين جائز و لازم و شككنا ان العقد الذي وقع هل هو من الجائز أو اللازم نبني على انه من اللازم فإذا شككنا ان البيع الذي جرى بين زيد و عمرو هل وقع خياراً أم لا، نحكم بعدم الخيار حتى ينبت خلافه بدليل و هكذا في سائر الموارد.

كل ذلك لأصالة اللزوم في العقود المستفادة من عموم قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و أمثالها من الكتاب و السنة و هذا أصل نافع في جملة من العقود التي يشك في لزومها و جوازها.

مثل عقد المزارعة و المساقاة و عقد القرض و غيرها فان قام دليل بالخصوص على جوازها فهو المتبع و الا فأصالة اللزوم في العقود تقضي بالحكم بلزومها

6-: أصالة الصحة في العقود

و ينفع هذا الأصل أيضاً في الشبهة الحكمية و الموضوعية فلو شككنا ان عقد المغارسة أو المسابقة المستعمل عند العرف قديماً و حديثاً هل هو صحيح شرعاً أم فاسد اي أمضاه الشارع أم لا بنينا على صحته لعموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و أمثالها و لو شككنا ان بيع زيد داره من عمرو كان صحيحاً أم فاسدا بنينا على صحته لأصالة الصحة، و لعل هذا الأصل يرجع الى أصل أوسع له و هو أصالة الصحة في عمل

ص: 69

المسلم بل في عمل العقلاء فإن الأصل في كل عاقل ان لا يرتكب العمل الفاسد و ان لا يأتي إلا بالعمل الصحيح غايته ان الأصل في المسلم ان لا يعمل إلا الصحيح في دينه كما ان غيره يعمل الصحيح في عرفه و تقاليده و هذا الأصل مع انه أصل عقلائي قد أيدته الشريعة الإسلامية بالأحاديث الكثيرة المتضمنة لمثل (احمل أخاك على أحسن الوجوه و لا تظن به الا خيرا).

و يؤيده سيرة المسلمين المستمرة فإنهم لا يفتشون عن المعاملات الواقعة من المسلم في بيعه و شرائه و إجارته و زواجه و طلاقه و أمثالها سواء كانت مع مسلم أو غيره بل يبنون على صحتها و يرتبون آثار الصحة عليها أجمع إلا في مقام الخصومات فيرجع الأمر هناك الى الايمان و البينات. فهذا أصل واسع نافع يجري حتى في العبادات و الطاعات فضلا عن العقود و المعاملات و هو القاعدة السابعة،

7-: أصالة حمل المسلم على الصحيح- بل العاقل مطلقاً

نعم يقع البحث و الكلام في حدودها و قيودها و مقدار مفادها و مواردها.

8- كل مبيع تلف قبل قبضته فهو من مال بائعه

يعني ان خسارته على البائع لا المشتري و يكون العقد مفسوخاً قهرا كان لم يكن و لازم الفسخ رجوع كل مال الى صاحبه و يكون تلفه عليه و الفسخ اما من حينه أو من حين التلف و تظهر الثمرة في النماء بين العقد و التلف فعلى الأول للبائع و على الثاني للمشتري

ص: 70

9- لا بيع إلا في ملك، 10-: لا وقف إلا في في ملك، 11-: لا عتق إلا في ملك 12-: لا رهن إلا في ملك

هذه القواعد الأربع مسلمة عند فقهاء الإسلام أجمع على الظاهر، و لا يقدح في الأولى مثل بيع الفضولي و الولي و الوكيل فإنهم يبيعون للمالك نعم يشكل في بيع الغاصب لنفسه إذا اجازة المالك له أو لنفسه و يندفع بأن الإجازة ان كانت هي الناقلة فلا اشكال و ان كانت كاشفة فهي تكشف عن وقوع العقد للمالك لا للغاصب فليتأمل و ربما يشكل أيضاً في الثالثة بان الرجل لا يملك عموديه فكيف لو اشتراهما ينعتقان عليه و في مثل أعتق عبدك عني و يندفع بأن الأصحاب التزموا حفظاً لهذه القاعدة ان لا تنخرم بتحقق الملكية آناً ما بحيث لا تسع غير العتق فبالشراء يملك أباه ثم ينعتق عليه قهراً قبل ان يتصرف اي تصرف بهذا العقد و كذا في الأمر بالعتق فان المالك إذا أراد عتقه عن الآمر يكون قد نقل العبد اليه و أعتقه بالوكالة عنه و بالجملة فهذه القواعد عندنا محكمة مطردة و لا استثناء لها و كلما ورد في الشرع مما هو ظاهر في خلافها فلا بد من تأويله و رده إليها، نعم يشكل الأمر في القاعدة الأخيرة [لا رهن إلا في ملك] في استعارة العين للرهن كما هو المتعارف حتى في هذه العصور و الظاهر انه من المتفق على جوازه و تطبيقه على القواعد قد يعد من معضلات الفن حتى ان بعضهم التزم بأنه ضمان محض و هو واضح

ص: 71

الضعف فان الضمان نقل مال من ذمة إلى ذمة أو اشتراك الذمم بعهدة المال و ذمة المالك المعبر لم تكن مشغولة و لم تصر بعد العارية مشغولة و يمكن التفصي عن الإشكال بأن مفاد القاعدة هو اعتبار الملك في الرهن فلا رهن إلا في ملك أي في ملك الراهن و الراهن هنا أي في العارية هو المالك المعير لا المديون المستعير و لا مانع من ان يرهن الإنسان مال نفسه على دين غيره تبرعاً، انما الممنوع ان يرهن مال غيره على دين نفسه.

فهو رهن حقيقة و عارية صورة.

و أدق من هذا و أعمق- ان المالك كما ان له ان يجعل ذمته مشغولة بدين الغير فيكون ضمانا بمعناه المعروف و يصير المال في عهدته كذلك له ان يجعل ماله مشغولا بدين غيره و يكون دين الغير في عهدة ماله بحيث لو عجز المديون عن الوفاء يكون ماله المرهون هو الذي يفي عنه فهو قد يرجع ببعض الاعتبارات الى الضمان المصطلح و لكن ضمان ذمة المال، لا ضمان ذمة الرجال، و يصح ان تقول- للرجل تارة ان يجعل المال في ذمته و اخرى يجعل ذمته في ماله، و على هذا فإن شئت فسمه ضمانا أو عارية أو رهنا و لا مشاحة في التسمية، فتدبره و اغتنمه فإنه من منفرداتنا و للّٰه المنة.

(13) كلما يصح بيعه تصح هبته، و كلما لا يصح بيعه لا تصح هبته

طرد هذه القاعدة مما لا اشكال فيه في الجملة ضرورة ان البيع مخصوص بالأعيان المالية و جميع الأعيان المالية يصح هبتها فالقاعدة الاولى موجبة كلية مطردة و لكن عكسها غير مطرد فان المنافع لا يصح

ص: 72

بيعها و لكن تصح هبتها، و لو صح بيعها لم يكن فرق بين البيع و الإجارة، كما ان كلية الأولى قد تشكل في مثل السلم فإن الكلي الموصوف يصح بيعه و لا يصح هبته،

(14) كلما صحت إجارته صحت عاريته، و ما لا يصح- لا يصح

الظاهر ان هذه القاعدة صحيحة مطردة في عكسها و طردها فان متعلق الإجارة و العارية و ان كان هو العين و لكن باعتبار المنافع فكل عين يصح إجارتها لمنافعها صحت إعارتها لذلك و كذا العكس نعم قد يشكل في العين الموقوفة ضرورة انه يصح إجارتها، و لا يصح إعارتها و يندفع- أولا. بمنع عدم صحة إعارتها فان للمرتزقة ان يعيروها لمن شاءوا كما ان لهم ان يهبوا منافعها لمن أرادوا و ثانياً لو سلم عدم الجواز فهذا أمر عرضي و القاعدة تنظر إلى الأشياء بعناوينها الأولية لا التي تلحقها ثانياً و بالعرض فليتدبر.

(15) كلما صح بيعه صح رهنه- و ما لا- فلا-

هذه الكلية مسلمة في طردها لا اشكال فيها لان البيع كما عرفت يختص بالأعيان و كل عين ذات مالية- يصح بيعها كما يصح رهنها انما الكلام في عكسها و هي أيضاً مسلمة بناء على المشهور من عدم صحة رهن المنافع نعم يبقى الإشكال في الدين فإنه يصح بيعه و لا يصح رهنه، لاختصاص الرهن عندهم بالأعيان الخارجية و لذا جعلوا القبض شرطا في صحة الرهن عند بعض و في لزومه عند آخرين و استدلوا بقوله تعالى (فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ) و في الخبر: لا رهن الا مقبوضا فتكون القاعدة مطردة في عكسها لا في

ص: 73

طردها لأن الرهن حينئذ أضيق دائرة من البيع و في هذه القضية أبحاث دقيقة، و تحقيقات وسيعة، لا مجال لذكرها في هذا المختصر، و خلاصة ما عندنا فيها من التحقيق ان القبض لا نراه شرطا في الرهن أصلا لا في صحته و لا في لزومه و المراد بالقبض في الآية و الخبر اعتبار كون الرهن عينا صالحة للقبض فعلا اي حين العقد فإذا وقع إيجاب الرهن و قبوله وجب على الراهن تسليم العين المرهونة إلى المرتهن وثيقة على دينه كما يجب في البيع تسليم المبيع بعد العقد فالقبض من آثار العقد لا من شروطه و لا يكفي في الرهن كونها عينا فقط و ان لم تكن صالحة للقبض فعلا كما في البيع و من هنا يتجه إمكان القول بصحة رهن الدين إذا كان حالا أو اشتراط حلوله بحيث يمكن قبضه حين الرهن فاغتنم و تدبر.

(16) كلما يكال أو يوزن لا يصح بيعه قبل قبضه

و خصه الأكثر بالطعام لما روي عن النبي انه قال (من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه) و علله بعض فقهاء الجمهور بضعف الملك قبل القبض لانه لو تلف انفسخ البيع بقاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه المتقدمة فيتوالى الضمانات في شي ء واحد.

و في هذه القضية أقوال كثيرة و مباحث طويلة موكولة إلى محلها

(17) الأصل في العقود الحلول إلا مع الشرط في غير الربوي

يعني إذا باع داره بمائة دينار مثلا و أطلق أو آجرها كذلك فالأصل يقتضي تسليم الثمن نقداً الا ان يشترط تأجيلها إلا في الربويات فإن التأجيل يبطلها فلو باعه مناً من الحنطة بمثلها أو بمن من الشعير الى شهر

ص: 74

أو سنة بطل لأن الربويات يجب بيعها مثلا بمثل يدا بيد و كذا في الصرف و نظائره مما يجب فيها التقابض في المجلس و يبطلها التأجيل،

(الفصل الثاني في أحكام الشروط)

(18) الشرط جائز بين المسلمين الا ما أحل حراما أو حرم حلالا

هذه من النبويات أيضا و مثلها

(19) المؤمنون عند شروطهم الا ما خالف كتاب الهّٰو (20) الشرط أملك عليك أم لك

و هذه توضح المراد من الجواز في الاولى و (عند شروطهم في) الثانية و ان المقصود منه هو النفوذ و اللزوم (جاز بمعنى نفذ) لا الجواز بمعناه المعروف. و معنى كون المؤمن عند شرطه انه لا ينفك عن شرطه و لا يتخلف عنه بل هو ملتزم به ابدا. و في تعليق الظرف على المؤمن و إسناده إليه إشارة إلى ان الايمان يلازم الوفاء بالعهد و الالتزام و ان من لا يفي بعهده فليس بمؤمن، و بالجملة فهاتان الجملتان من جوامع كلمه صلوات اللّٰه عليه و يقع البحث و النظر في فقه الحديثين و ان المراد بما خالف كتاب اللّٰه أو أحل حراما أو حرم حلالا- ما ذا- هل هو تحليل الحرام بمعنى التشريع مثل ان يشترط عليه ان يجعل شرب الخمر المحرم على المكلف

ص: 75

له. أو يشترط عليه ان يشرب الخمر على حرمته و يتفرع على هذا انه لو شرط بائع الجارية على المشتري ان لا يطأها أو لا يمسها و نحو ذلك أو شرطت الزوجة في عقد النكاح على الزوج ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها و نحو ذلك، فهل مثل هذه الشروط باطلة لأنها تحرم حلالا أولا بل المراد تحريم الحلال الذي علم من الشرع عدم صلاحيته للتغيير و عدم تأثير شي ء عليه مثل الإرث و التسري و التزويج بأكثر من واحدة فلو شرطت عليه ان لا يورث أولاده أو لا يتسرى أو لا يتزوج بغيرها كان باطلا لانه يحرم حلالا غير صالح لان يتغير بالشرط بخلاف اشتراط ان لا يسافر بها أولا يخرجها من بيت أبيها و أمثالها من المباحات ذاتاً و تكون بالشرط واجبة الفعل أو الترك و الا لبطلت الشروط و لم يبق لها مورد و للفقهاء في هذه المشكلة مباحث مطولة و آراء متضاربة شحنوا بها مطولاتهم. و زبدة ما عندنا من الحل فيها بعد الغربلة و التمحيص- ان اشتراط شي ء من المحرمات الذاتية أو العرضية كما لو باعه و اشترط عليه شرب الخمر أو مخالفة النذر أو الصيد في الإحرام أو وطئ زوجته الحائض نظائر ذلك فهو باطل بلا إشكال لأنه شرط يحلل حراما ثم اختلفوا انه يبطل العقد أولا: و قد عرفت ان الأصح ان مثل هذه الشروط الباطلة غير مبطلة، و اما اشتراط ترك شي ء من المباح كترك الطلاق أو ترك الزواج أو عدم السفر، و ما الى ذلك من أنواع الحلال فله صورتان (الاولى) ان يكون متعلق الشروط ذوات الافعال مع قطع النظر عن أحكامها بأن يشترط في العقد نفس الفعل أو عدم الفعل

ص: 76

فيكون الفعل أو عدمه لازما بالشرط و ان كان مباحا بالذات مثل ان تشترط عليه ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها. و أمثال ذلك (الثانية) ان يكون متعلق الشروط الافعال باعتبار ما لها من الاحكام شرعا تكليفا أو وضعا فيكون الغرض من الشرط في الغاية قلب الحكم الشرعي و تغييره فتكون الشروط على هذا مشرعة مثل ان تشترط في عقد النكاح ان يجعل الزواج بغيرها أو طلاقها حراما عليه أو يجعل إرثها ثلثا من تركته لا ربعا أو ثمنا إلى أمثال ذلك من الشروط المغيرة لنفس الحكم الوضعي أو التكليفي و هذه هي الشروط التي تحرم الحلال و تخالف كتاب اللّٰه و شريعة الإسلام لا الذي هو على الصورة الاولى و الا لكانت الشروط كلها باطلة و لم يبق للشروط الصحيحة مورد كما سبق.

(21) كل شرط تقدم العقد أو تأخر فهو باطل

الشروط المتفق على لزومها بلزوم العقد بعد فرض صحتها و يكون تخلفها موجبا للخيار هي التي تقع في ضمن العقد. اما التي تتقدم فان وقع العقد مبنيا عليها كما لو قال بعتك على الشروط المتقدمة لزمت و كانت كالمذكورة في العقد و اما التي تتأخر بعده بفاصل معتد به بحيث يكون منفصلا عن العقد فلا اثر لها و لا ترتبط بالعقد أصلا

(22) شرط اللّٰه أحق و أسبق و الولاء لمن أعتق

هذه أيضا من النبويات قالها صلوات اللّٰه عليه لما اشترت عائشة بريرة و اشترط مواليها ان لهم ولائها عند عتقها فقال (ص): شرط اللّٰه أحق و أسبق، و الولاء لمن أعتق.

ص: 77

يعني ان هذا شرط يخالف ما شرعه اللّٰه في طبقات الإرث فإن أسباب الإرث نسب أو سبب و السبب اما مصاهرة أو ولاء أو امامة و الولاء هو ولاء المعتق و لا يمكن ان يتغير بالشرط فيكون لغيره كما لا تتغير سائر أسباب الإرث

(23) شرط الواقف كنص الشارع

هذه القاعدة مأخوذة من الحديث المشهور الوقوف على ما يوقفها أهلها يعني انه يجب الاقتصار عليها و عدم التعدي حسب الإمكان فلو لم يمكن أو كان في الاقتصار ضرر على الوقف أو المرتزقة جاز التعدي عنها على خلاف بين الفقهاء لا محل لذكره

(24) كل عقد شرط فيه خلاف ما يقتضيه فهو باطل

لا إشكال في ان الشرط الذي ينافي مقتضى العقد باطل بل و يبطل العقد لانه يستلزم عدم الجزم بمضمون العقد، انما الكلام و البحث في تشخيص منافي مقتضى العقد من غير المنافي و تعيين الضابطة الكلية في المقام فلو باعه العبد و شرط ان لا يعتقه أو باعه الدار و شرط عليه ان لا يبيعها أو لا يرهنها، و أمثال ذلك مما يسلب سلطنة المالك عن بعض التصرفات فإنها شروط صحيحة اتفاقا مع أنها تنافي مقتضى العقد و (التحقيق) ان المراد بالمنافي الذي يبطل و يبطل العقد هو ما ينافي جوهر العقد و حقيقته مثل ان يبيعه بشرط ان لا يملك أو بشرط ان لا يتصرف أصلا أو آجره الدار بشرط ان لا يتصرف في منافعها فان مثل هذه الشروط تعود إلى إبطال صميم العقد و تؤدي الى شبه التناقض

ص: 78

و مرجعها الى اني بعتك و ما بعتك و آجرتك و ما آجرتك، اما لو باعه و اشترط عليه ان لا يبيع أو لا يرهن أو آجره و اشترط عليه ان لا يؤجر و أمثالها فهي لا تنافي صلب العقد و حقيقته و انما تنافي إطلاقه يعني ان العقد إذا أطلق كان له السلطنة التامة المطلقة على المبيع و لو قيد كان له السلطنة المقيدة اما لو سلبه مطلق السلطة بطل و الفرق واضح بين مطلق السلطنة و السلطنة المطلقة و الشرط بالنحو الأول باطل و بالنحو الثاني صحيح و هذا في كثير من العقود و أكثر الشروط واضح، و التمييز بينهما بين و لكن قد يشكل في كثير من المقامات مثل ما لو تزوجها بشرط ان لا يطلقها فإنه شرط صحيح و لا ينافي مقتضى العقد بل ينافي إطلاقه و لو تزوجها بشرط ان لا يطأها أبدا ففي مثل هذا الشرط يقع الإشكال في انه مناف لجوهر العقد و حقيقة أولا طلاقه، و في أمثال هذا تظهر فقاهة الفقيه و قوة استنباطه و دقة نظره و لطف قريحته.

ص: 79

(الفصل الثالث) في القواعد المختصة بالخيارات و احكام الخيار

(25) البيعان بالخيار ما لم يفترقا. فإذا افترقا وجب البيع

هذه أيضاً من النبويات المتسالم على صحة روايتها عند عامة المسلمين و لعلها من المتواتر و يثبت بها أول خيار في عقد البيع و هو خيار المجلس الذي اتفقت عليه الإمامية و أكثر المذاهب استناداً الى ان ظاهر الافتراق هو التفرق بالأبدان و هو المتبادر منه لغة و عرفا فيكون معنى الحديث ان البائع و المشتري لهما الخيار بعد اجراء العقد الى ان يفترقا و ما داما مجتمعين في مجلس العقد فالخيار باق لهما فإذا تفرقا صار البيع لازما لا خيار فيه من هذه الجهة و عليه فلا مجال لإنكار خيار المجلس و حمل الحديث على معنى بعيد لا يساعد عليه عرف و لا لغة

(26) المعيوب مردود

تومي هذه القاعدة إلى خيار العيب و يمتاز عن سائر الخيارات بان المعيب ثمنا أو مثمنا يوجب الخيار بين الفسخ أو الإمضاء بالأرش و قد يتعين الأرش في بعض الموارد كما لو حدث عيب جديد يمنع من الرد و قد يتعين الفسخ أو الإمضاء بغير أرش كما لو أحاط الأرش بالثمن فإن أخذه يستوجب الجمع بين العوض و المعوض فيتعين الفسخ أو الإمضاء

ص: 80

بقبوله معيبا و لا يمكن المطالبة، و هنا مباحث جمة و تحقيقات مهمة، عسى أن تأتي الإشارة إلى يسير منها في بابها من هذا الكتاب

(27) الخيار في الحيوان ثلاثة ثم لا خيار

تفيد هذه القاعدة (و لعلها نص الحديث) خيار الحيوان و هو أحد الخيارات المشهورة و فيه جهات للبحث عند الفقهاء كثيرة منها انه هل يختص بمشتري الحيوان لم يعم بايعه، و هل يختص بعقد البيع أم يعم سائر العقود الناقلة

(28) التصرف مسقط للخيار

لا خلاف عندنا ان تصرف ذي الخيار فيما له الخيار فيه مسقط لخياره و الاخبار به مستفيضة إنما الكلام في مقدار التصرف المسقط فقيل كل تصرف حتى ركوب الدابة و لو قليلا و استخدام العبد و لو بمثل اسقني الماء. و قيل بل خصوص التصرفات التي لا تصح من غير المالك كتقبيل الجارية و بيعها و رهنها و الفقهاء هنا بين إفراط و تفريط و الا وفق بالاعتبار و الجمع بين الاخبار ان كل تصرف دال على الرضا و الالتزام بالعقد فهو مسقط للخيار و إلا فلا. فلو ركب الدابة يريد اختبارها و استخدم العبد يريد امتحانه لم يسقط خياره

(29) التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له

مثلا لو تلف الحيوان عند المشتري في الثلاثة و قلنا باختصاص الخيار به دون البائع فالتلف بمقتضى هذه القاعدة على البائع و يسترجع المشتري الثمن منه و لازمة انفساخ العقد قبل التلف آنا ما حتى يكون

ص: 81

التلف في ملك البائع و يرجع الثمن إلى المشتري حسب ما يستدعيه كل فسخ أو انفساخ و الا فليس من المعقول ان تلف مال شخص يكون ضمانه على آخر قهرا عليه و هذه القاعدة نظير أختها المتقدمة- كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه و الفرق بينهما ان التلف هناك قبل القبض و هنا بعده و الكلام في ان الفسخ من حين العقد أو من حين التلف عين ما تقدم.

(30) كل خيار فإنه يزلزل العقد

اتفق الإمامية على ان العقد الخياري يقع متزلزلا و ان كانت آثار العقد تترتب من حينه من الانتقال و الملكية و وجوب التسليم و غيرها غايته انه لو فسخ صاحب الخيار انحل العقد و رجع الثمن إلى المشتري و المثمن إلى البائع و يقع الكلام حينئذ ان الفسخ هل هو من حينه أو ينحل العقد من أصله و يترتب على ذلك قضية المنافع من حين العقد الى حين الفسخ و على الأول تكون منافع المبيع في تلك المدة للمشتري و منافع الثمن للبائع و على الثاني بالعكس و نسب الى بعض أعاظم فقهاء الإمامية ان العقد لا يؤثر إلا بعد انقضاء زمن الخيار لازما و صيرورة العقد و هو غريب شاذ و على كل فالعقد الخياري يقع مراعى فاما ان ينحل و ينتقض أو يلزم و يبرم ثم ان الجواز و اللزوم قد يتعاوران على العقد و ذلك في شرط الخيار فقد يشرط الخيار لنفسه بعد سنة في ثلاثة أيام فإذا مضت الثلاثة و لم يفسخ لزم فهو جواز بين لزومين و لو شرط له خيارا بعد خيار المجلس بشهر، مثلا فيكون لازما في الشهر فقط فهو لزوم بين

ص: 82

جوازين و ربما يتحقق أمثال هذا في غير خيار الشرط من أنواع الخيارات كما يظهر للمتتبع النبيه

(31) الأصل في الخيار الفورية

حيث قد عرفت ان الأصل في العقود اللزوم سيما البيع فلا يخرج عن هذا الأصل إلا بمقدار اليقين فإذا دل الدليل على الخيار في الجملة لزوم الاقتصار على المتيقن و هو الفور فان فسخ ذو الخيار فورا و إلا صار العقد لازما نعم لو كان في دليل الخيار دلالة على التراخي صراحة أو إطلاقا امتد زمن الخيار بمقدار ما يدل عليه الدليل و من هنا قسموا الخيار من حيث الفور و التراخي إلى ثلاثة أنواع (الأول) ما هو على التراخي اما من نفس دليل الجعل كخيار المجلس و خيار ثلاثة الحيوان و خيار ثلاثة التأخير و خيار العيب أو بجعل المتعاملين كخيار الشرط و شرط الخيار (الثاني) ما هو على الفور كخيار الرؤية على المشهور فإذا باع عينا بالوصف ثم وجدها على خلافه كان له الفسخ فورا فان لم يفسخ لزمه العقد و لكن إطلاق بعض الاخبار قد يستفاد منه التراخي على اشكال (الثالث) ما يصلح لكل منهما و هو الخيار المجعول بجعلهما كخيار الشرط كما عرفت اما خيار الغبن أو العيب فقيل على الفور و لعله المشهور و قيل على التراخي و هو الأقرب عندنا.

ص: 83

(الفصل الرابع) في الدين و الرهن و الضمان

اشارة

الدين في مقابل العين و هو اشتغال الذمة بكلي للغير أو الكلي الذي اشتغلت به الذمة للغير، مثلًا إذا اشتغلت الذمة بدرهم فهو كلي لأن كل درهم في الخارج يصلح ان يكون مصداقا له و التعيين في الوفاء للمديون، و سبب اشتغال الذمة يكون اختيارياً تارة كما في العقود مثل القرض و البيع و الإجارة و نحوها، و قهرياً اخرى كالواجبات المالية الشرعية مثل الكفارات و الضمانات و النفقات و غيرها. و يكون حالا و مؤجلا حسب الجعل. و الرهن هو الوثيقة على الدين، و يمكن جعل الوثيقة على العين كالعارية و المقبوض بالسوم و نحوها و لكن لا يسمى رهنا. اما الضمان فهو عند الجمهور اشتغال الذمم بحق واحد فهو عندهم من الضم و النون زائدة فيصح ان يقال انه ضم ذمة إلى أخرى. و عند الإمامية انتقال الحق أو نقل الحق من ذمة إلى أخرى فهو من الضمن و النون اصلية و المراد بالحق المضمون هو الدين أي الحق الثابت في الذمة فعلا أو بالقوة القريبة كدرك الثمن أو المثمن و كنفقة الزوجة مدة شهر

ص: 84

أو سنة و هذا هو الذي يصح الرهن عليه و من هنا تتجه القاعدة

(31) كلما جاز الرهن عليه جاز ضمانه

و هي كلية مطردة في طردها، اما عكسها و هو مالا يجوز الرهن عليه لا يجوز ضمانه فقد ينفض بدرك المبيع فقد قيل انه لا يجوز الرهن عليه لاستلزامه بقاء الرهن في الغالب مؤبدا لجواز ان لا يظهر له مستحق بخلاف الضمان فإنه لا محذور فيه و لا يخفى ما فيه.

(32) كل دين حال لا يتأجل

تأجيل الحال يحتاج الى سبب جديد و هو نادر منها اشتراط تأجيله في عقد لازم. و منها ضمان الغير له مؤجلا.

(33) كل دين مؤجل لا يكون حالا

الا برضاهما أو موت المديون للخبر المشهور (إذا مات الميت حلت ديونه) و سره زوال ذمته بموته فينتقل الحق في ماله و هذا نظير ما ذكرنا سابقاً من اشتغال ذمة المال لا ذمة الرجال يعني انتقل الحق من ذمته الى تركته

(34) الراهن و المرتهن ممنوعان من التصرف

الظاهر انه حديث أو مضمون حديث و الأصل و الاعتبار أيضاً يقتضي ذلك إذ لو أطلق التصرف للراهن في العين المرهونة كما كان قبل الرهن زال الوثوق، اما المرتهن فليس له الا حق استيفاء دينه من الرهن لو امتنع الراهن عن الأداء فالعين و منافعها لا تزال ملك الراهن و ان كان ممنوعا من استيفائها بنفسه

ص: 85

(35) المرهون غير مضمون الا مع التعدي أو التفريط

لان العين المرهونة عند المرتهن امانة و الامانة لا تضمن إلا بالتعدي أو الشرط

(36) المرتهن أحق برهنه

و هذه احدى فوائد الرهن فان الراهن إذا أفلس أو مات و قصرت أمواله عن ديونه يضرب الغرماء في تركته بالنسبة، و لكن المرتهن يأخذ تمام دينه من الرهن فيبيعها هو أو الورثة أو الحاكم فان زاد ضمه إلى الأموال للغرماء و ان نقص ضرب معهم بالناقص

(37) الكفيل غارم

فإذا عجز المكفول أو أعسر أو تمرد غرم الكفيل اى تعين للغرامة و هذا على رأي الجمهور في الضمان و الكفالة و اما عند الإمامية فالمكفول تبرأ ذمته من حين الضمان و ينتقل الحق إلى ذمة الضامن.

ثم ان الضمان يستعمل في اصطلاح الشرع و المتشرعة و الفقهاء في معنيين.

(الأول) ما سبق من ضم ذمة إلى ذمة أو انتقاله من ذمة إلى أخرى.

(الثاني) غرامة المال و كون خسارته عليه و لكن لما كان خسارة مال كل إنسان عليه لم يكن معني لاستعمال الضمان بهذا المعنى لأن الإنسان لا يملك على نفسه شيئا لذلك لم يستعمل الضمان فيه الا نادرا و اختص استعمال الضمان في الأكثر بما إذا تحمل إنسان خسارة تلف

ص: 86

مال غيره فيقال هو ضامن لفلان اي يملك على ذمته غرامة ماله و يمكن اندراج المعنيين تحت عنوان واحد جامع و هو ان حقيقة الضمان هو كون مال إنسان في عهدة آخر فيندرجان تحت ضمان العهدة و حيث انه على خلاف الأصل ضرورة ان الأصل عدم تحمل إنسان لعهدة مال غيره فلا يتحقق الضمان مطلقا و بأي معني كان إلا بأسباب خاصة بعضها اختياري كالضمان بالمعنى الأول و بعضها قهري و ان كانت بعض مقدماته اختيارية أو لا اختيار فيه أصلا كالضمان بالمعنى الثاني و له أسباب شرعية كثيرة و يساعد اعتبار العقلاء على سببيتها للضمان أيضاً. و أقوى تلك الأسباب و أكثرها موارد هي اليد.

(38) قاعدة اليد

المأخوذة من الحديث النبوي المشهور (على اليد ما أخذت حتى تؤدي). و هي أيضاً من النبويات البليغة و جوامع كلمه صلوات اللّٰه عليه و كتب فيها علماؤنا الأعلام رسائل منفردة و شروحا ضافية و لا مجال هنا لبسط القول فيها و خلاصته ما تدل عليه ان كل من وضع يده على مال غيره ظلماً و عدوانا أو جهلا و نسيانا أو غير ذلك فهو ضامن له اي يكون عهدة ذلك المال عليه حتى يرده الى صاحبه و لازم ضمان العهدة أي كون المال في عهدتك ان ترده الى مالكه ان كان المال موجودا و ان تلف تتداركه برد المثل أو القيمة إليه فتوديه اليه ببدله بعد تعذر عينه فاليد سبب للضمان بهذا المعنى و يتفرع على ذلك قضية ترتب الأيادي على العين الواحدة فالغاصب مثلا إذا باع العين المغصوبة ثم انتقلت من يد الى يد

ص: 87

فكل واحد منهم ضامن و لكن على البدل بمعنى ان للمالك الرجوع على اي شخص منهم و يرجع كل منهم على الآخر و يكون قرار الضمان على من تلفت العين في يده، و لنا في هذا البحث تعليقات نفيسة على كلمات الأصحاب و مباحث دقيقة في هذه القاعدة لا يسمعها هذا المختصر

(السبب الثاني) (39) قاعدة الغرور

المستفادة من بعض الأحاديث و اعتبار العقلاء المعبر عنها بقولهم:

(المغرور يرجع على من غره) فلو قدم لك شخص طعاما لتأكله مجاناً أو دابة لتركبها ثم ظهر انها لغيره فله ان يطالبك بالقيمة أو الأجرة و عليك ان تدفعها له و ترجع بما دفعت على من غرك و أغراك بأنه طعامه و قد بذله لك و هكذا أمثال ذلك في جميع الأبواب فالغرور من أسباب الضمان كاليد، و ينفك الغرور عنها في الموارد التي لا يد هناك و بينهما عموم من وجه كما لا يخفى و أبواب الغرور المجرد في البيوع و الإجارة و غيرها كثيرة، و يشبه ان يكون من باب التسبيب كالقاعدة الآتية.

(40) الإتلاف

و هو السبب الثالث من أسباب الضمان و هو ينفك أيضاً عن سابقيه و مدركه القاعدة المستفادة من الاخبار أيضاً و هي (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) و هي عامة أيضاً كقاعدة اليد، يعني ان التلف كالإتلاف يجري

ص: 88

في العالم و الجاهل و العامد و الغافل، و الناسي و الذاكر، و الصبي و البالغ نعم التلف يختص باليد و يعم السماوي و غيره. كما ان الإتلاف يعم ما لو كان تحت اليد أو لم يكن.

(41) الاحترام

من أسباب الضمان احترام عمل المسلم، فمن عمل عملا لمصلحتك مع الاذن من حاكم الشرع أو مطلقا أو أمرته بان يعمل لك عملا فقام فليس معناه انه عمله مجاناً بل عليك اجرة المثل له لان عمل المسلم محترم إلا إذا قصد التبرع أو صرح بذلك فلو اختلفا في صورة عدم التصريح فالقول قوله لأنه أعرف بقصده و لا يعلم الا قبله

(42) ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده و ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

من أسباب ضمان مال الغير قبضه بعقد معاوضة فاسد و عقود المعاوضات كلها ضمانية فالبيع مثلا صحيحه مضمون بالثمن المسمى ففاسده مضمون أيضاً، و لكن بالمثل أو القيمة فلو قبض المشتري المبيع بالبيع الفاسد و تلف في يده مع جهل البائع بالفساد كان مضمونا عليه اى على المشتري لأن البيع صحيحه مضمون، ففاسده أيضاً مضمون بمثله أو قيمته، و الهبة و أمثالها من عقود الارتفاق و المجان صحيحتها غير مضمون ففاسدها غير مضمون فلو قبضت عينا بالهبة الفاسدة لا تضمنها لان صحيحها غير مضمون ففاسدها غير مضمون. و مثلها الوقوف و الصدقات و أضرابها. و لكن التحقيق ان سبب الضمان في البيع الفاسد

ص: 89

و نظائره هو قاعدة اليد و سبب عدم الضمان في الهبة و إخوانها هو التسليط المجاني المسقط لضمان اليد كما سيأتي قريباً و البحث المستوعب في هذه القاعدة موكول الى محله و حيث عرفت أشهر أسباب الضمانات و أشيعها فاعلم أن للضمانات مسقطات أهمها و أقومها- الأمانات

(43) الائتمان مسقط للضمان

وضع اليد على مال الغير يقتضي الضمان حسب ما عرفت و لكن إذا دفعه إليك مؤتمن سواء كان بصفة الامانة المجردة كما لو كان الدفع لمصلحته فقط كالوديعة التي هي استنابة في الحفظ فقد سقط الضمان قطعا فلا ضمان بتلفها الا مع التعدي و التفريط و هما في الحقيقة إتلاف و الا فضمان اليد ساقط قطعا، أو كان أمانة مختلطة كما لو كان الدفع لمصلحة الطرفين مثل العين المستأجرة و مال القراض (المضاربة) و نظائرها أو كانت متمحضة للقابض كالعارية. فحكم الجميع عدم الضمان للائتمان و ليس على الأمين غير اليمين. فالضمانات لا تجتمع مع الأمانات أصلا و لكن بالحد الذي عرفت من الضمان فتدبره جيداً

(44) الاذن مسقط للضمان

هذا هو المسقط الثاني فإن الاذن من الشارع أو من المالك و ان لم يكن بصفة الأمانة الخاصة أو العامة يسقط الضمان كما لو اذن لك في أكل ماله أو عتق عبده عن نفسك أو ركوب دابته و عطبت ففي كل ذلك لا ضمان و ان كان مقتضى الضمان في الجميع قائما و هو اليد و لكن الاذن مانع و مثله الإذن الشرعي و هو الأمانات الشرعية لا المالكية كاللقطة

ص: 90

و مجهول المالك بل و مال اليتيم عند الولي و مال الغائب عند الحاكم و هكذا اليد تقتضي الضمان و الاذن الشرعي يسقطه فتدبر هذا.

(45) التسليط و الاقدام يسقط الاحترام

مال المسلم و عمله كما عرفت محترم و مقتض للضمان، و لكن لو عمل لك عملا بدون إذنك أو مع نهيك أو باعك بالبيع الفاسد و سلطك على المبيع مع علمه بالفساد فاتلفته أو تلف من نفسه عندك سقط الضمان عنك و لا يستحق الثمن و لا الأجرة لأن التسليط و الاقدام قد أسقط احترام ماله و عمله و إذا سقط الاحترام سقط الضمان. نعم لو كانت العين موجودة كان له استرجاعها طبعا،،، هذه أهم أسباب السقوط بعد الاسقاط و الوفاء و الدفع أو الإبراء، كما ان تلك أهم أسباب الضمان عدا ضمان الدرك و أشباهه، مما لا يندرج في عنوان الضمان بالمعنى الذي ذكرناه من كونه تلف مال شخص على آخر و ضمان العهدة يشمل الكل و يعم الجميع فتدبره.

(الفصل الخامس) في قواعد عامة متفرقة يبتني عليها جمهرة من الفروع

(46) قاعدة السلطنة

التي تستفاد من النبوي (الناس مسلطون على أموالهم) و يترتب عليها كثير من الاحكام، مثلا للإنسان أن يتصرف في داره كيف شاء

ص: 91

و يفتح شبابيك في جداره و لو مع الاشراف على جاره و ليس للجار منعه لان الناس مسلطون على أموالهم الا ان يستلزم ذلك الإضرار بالجار فيرفع لقاعدة لا ضرر الحاكمة على قاعدة السلطنة. نعم لو تعارض الضرران رفعت القضية الشخصية إلى حاكم الشرع لينظر اي الضررين أخف فيقضي به أو يجد منفذا يتخلص منه الى الجمع بين الحقين و ارتكاب أهون الأمرين

(47) قاعدة الجهالة و الغرر

اتفق الكل على ان الجهالة في العقود اللازمة كالبيع و الإجارة و نحوهما مبطلان للعقد يعني انه لا يصح مع الجهالة في أحد العوضين و التعيين و العلم شرط في صحة العقود بل الإيقاعات في الجملة فلو باعه بعشرين و لم يعينها دراهم أو دنانير أو باعه كتابا و لم يعينه بشخصيته أو بوصفه الرافع للجهالة لم يصح العقد، كما انه لو قال احدى نسائي طالق أو أحد عبيدي حر لم يقع طلاق و لا عتق، و هذا مما لا اشكال فيه عند عامة المسلمين في الجملة، و يؤيد الإجماع الشرعي و العقلائي الحديث النبوي المشهور. نهى النبي عن الغرر. أو نهى النبي عن بيع الغرر. إنما الاشكال و البحث و الجدال في ضابطة الغرر و الجهالة و قد اضطربت كلمات الفقهاء و اللغو يبن في تعريفه و تحديده و يتفرع على ذلك فروع كثيرة يختلف حكمها باختلاف معنى الغرر، و ان مجهول الوجود أو الحصول أو العين أو الصفة أو المقدار لا يصح بيعه. و سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء اللّٰه.

ص: 92

(48) قاعدة الإحسان

المستفادة من قوله تعالى (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ). و يتمسك بها في موارد كثيرة مثل ما لو أودع عندك شخص وديعة و خشيت عليها من التلف فنقلتها الى مكان حريز تأمن عليها فيه و صرفت على نقلها مالا فإنك تستحق الرجوع به على المالك، و ان لم يأذن لك فيه و لكنك محسن و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) بل يمكن القول بان لك حق سعيك و عملك لان عمل المسلم محترم ان لم تقصد التبرع. و هذا مما يساعد عليه العقل و العرف و الاعتبار سيما في اللقيطة حيوانا أو إنسانا حرا أو عبدا فيجوز بل قد يجب على الملتقط ان ينفق عليها خوف الهلاك و يرجع بها على صاحبها لو وجده بعد ذلك و من قيمتها ان لم يجده بعد سنة و لكن بمراجعة حاكم الشرع و ان كان حرا فمن عمله أو من بيت المال.

(49) قاعدة نفي السبيل

المستفادة من قوله تعالى. (لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) و فرعوا عليها عدم جواز بيع العبد المسلم و الأمة من الكافر و لا تزويجها منه فضلا عن تزويج الحرة المسلمة و الحق بعضهم به بيع المصحف منه

(50) قاعدة عموم التكليف

و يعبرون عنها بان الكفار مكلفون بالفروع كما انهم مكلفون بالأصول. و مقتضى هذه القاعدة ان الكافر إذا أسلم يجب عليه ان يقضي جميع ما فاته من بلوغه إلى إسلامه من صلوات و صيام و زكوات و غيرها و لكن يسقط عنه جميع ذلك ببركة-:

ص: 93

(51) قاعدة الجب

المستفادة من قوله صلوات اللّٰه عليه (الإسلام يجب ما قبله) و كانت معاملته (ص) مع المشركين و غيرهم من الكتابيين الذين يدخلون في دين الإسلام تشهد بذلك و لا يكلفه بقضاء شي ء مما مضى من الحقوق الإلهية و لا يبقى عليه الا حقوق البشر من الديون و نحوها. اما الحقوق المالية كالزكوات و نحوها فعند المشهور تسقط و لعل القواعد تأتى

(52) الأوصاف لا تقابل بالأعواض

الاعواض هي الأعيان القائمة في الوجود بنفسها من نقود و عروض أو ما يتحصل منها كالمنافع، و الأوصاف هي الأعراض التي لا تستقل بالوجود و انما يتقوم وجودها بوجود غيرها و ذلك كعوارض الكم و الكيف و إخوانها من المقولات و الأعيان هي التي تقابل بالمال في نظر العرف و تكون ثمنا لما هو مثلها في كونه عينا و جوهرا فالعين تقع في مقابل العين و الثمن يقع بإزاء المثمن، اما الأوصاف التي هي إعراض و ليس لها وجود مستقل فلا يقع شي ء من الثمن بإزائها كما يقع في مقابل العين و بتوزع على أبعاضها الحقيقية أو الاعتبارية، مثلا- إذا اشتريت فرسا بشرط كونها أصلية بمائة دينار أو عبدا بشرط كونه كاتبا فهي بأجمعها في مقابل العبد أو الفرس لا في مقابل العبد و كتابته فلا يتقسط شي ء من الثمن على الكتابة كما تتقسط على جوارحه، نعم الكتابة و سائر الأوصاف الحسنة في العبد و في الخيل تزيد في قيمتها أي في قيمة عينها و يظهر اثر ذلك فيما لو تخلف الوصف المشترط في العقد فان تخلفه يوجب

ص: 94

الخيار بين الفسخ أو الإمضاء بالثمن و ليس له المطالبة بالتفاوت كما في خيار العيب الذي يوجب نقصا في أصل الخلقة فيكون اما فقد جزء أو فقد ما هو بمنزلة الجزء فإن السلامة كشرط ضمني إليه ينصرف إطلاق العقد و لا يرتفع أثره إلا بالبراءة من العيوب فلو ظهر المبيع معيبا بمرض و نحوه كان للمشتري المطالبة بالأرش فوصف السلامة غير أوصاف الكمال و ربما يأتي مزيد بيان لذلك في محله بتوفيقه تعالى

(53) من أحيا أرضاً ميتة فهي له

هذا أيضا من الأحاديث النبوية المشهورة و يدل بإطلاقه ان الأرض التي ليس لها مالك مخصوص، أو لا يعرف مالكها بالخصوص المفتوحة عنوة أو غيرها إذا أحياها إنسان ملكها و هذا متفق عليه في الجملة إنما الكلام أو لا في انه هل يحتاج الإحياء إلى إذن الامام أو السلطان أم لا و وجه الأول ان الأنفال هي للإمام و الخراجية و ان كانت للمسلمين و لكن أمرها أيضاً راجع الى الامام لأنه ولي المسلمين فلا بد من استيذانه بالتصرف فيها و تقبلها منه. و وجه الثاني ان ورود أمثال قوله (ع) من أحيا أرضاً ميتة فهي له كإذن عام و تمليك للمحيي و (ثانياً) ان الاحياء هل يفيد ملكية أبدية كسائر الاملاك أم تدور مدار بقاء الاحياء فلو عادت الى الخراب خرجت عن ملكه أم لا و تحقيقه موكول الى محله

(54) النهي في العبادات يقتضي الفساد مطلقا و في المعاملات في الجملة

ص: 95

اما وجه دلالته على الفساد في العبادة فواضح ضرورة ان العبادة روحها القربة و ان يكون العمل مقربا و النهي يقتضي كونه مبغوضا و المبغوض لا يصلح ان يكون مقربا. اما في المعاملات فالنهي لا يخلو اما ان يكون لذات المعاملة أو لركنها أو غير ركن من أجزائها أو لو صفها اللازم أو لوصفها المفارق أو لأمر خارج عنها اما النهي لذاته فمثل قوله (ع) (لا تبع ما ليس عندك). و (لا بيع إلا في ملك)، و اما لأركانها فمثل قوله ثمن (الكلب سحت) فان الثمن و المثمن ركنا المعاملة، و اما لأجزائها الغير الركنية فمثل النهي عن بيع غير البالغ فإن البائع و المشتري و ان لم يكونا أركانا في المعاملة و لكنهما من جهة لزوم رضاهما جزءان لها، و اما النهي عن أوصافها اللازمة فمثل النهي عن ملك الرجل عموديه و محارمه فإن الملكية من آثار البيع اللازمة، و اما لوصفها المفارق فمثل المنع من لزوم المعاملة بخيار أو فسخ فان اللزوم وصف مفارق لها، و اما ما كان لأمر خارج فمثل النهي عن البيع وقت النداء بقوله تعالى. (فَاسْعَوْا إِلىٰ ذِكْرِ اللّٰهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ)، و مثل هذا النهي لا يقتضي الفساد قطعا كما ان النهي عن الأركان يقتضيه اتفاقا و اما الباقي فمحل خلاف و الحق ان المقامات تختلف و يلزم النظر في دليل كل مورد بخصوصه حتى يستظهر منه ان المراد من النهي هو الفساد و الحكم الوضعي أو محض الحرمة و الحكم التكليفي فمثل حديث نهي النبي (ص) عن بيع الغرر حيث ان الغرر هو الجهالة و الاقدام على الخطر و هي ترجع الى الثمن أو المثمن و هما ركنان فلا ريب في انه يدل على الفساد. و لكن مثل لا يملك الرجل عموديه

ص: 96

يحتمل الحرمة و يحتمل الفساد و يلزم في مثله التأمل و الاستعانة بالقرائن لتحصيل الحقيقة و هي من وظائف المجتهد المطلق و باقي البحث موكول الى محله

(55) كل شي ء لا يعلم الا من صاحبه فقوله مصدق فيه

الأشياء التي لا يمكن العلم بها في الغالب الا من نفس صاحبها لا محيص من لزوم تصديقه فيها و الا لوقف جريان كثير من الأمور مثلا- إذا أنفقت على الوديعة التي عندك مبلغاً لحفظها من التلف فقال لك المالك أنت متبرع و قلت قصدت الرجوع بالعوض و لم اقصد التبرع فقصدك لا يمكن العلم به عادة الا من قبلك فلو لم تصدق فيه لوقف جريان القضية و لم تنحل مثل هذه الخصومة غايته انه لسد احتمال الكذب تلزم باليمين و نظائر هذا كثيرة و لعل الى هذا ترجع قاعدة

(56) النساء مصدقات

يعني في الأمور التي لا تعلم عادة إلا منهن مما هو مختص بشئون النساء كالحيض و الحمل و الخلو من الزوج و الدخول و أمثالها فلو ادعت انها ذات زوج أو خلية أو خرجت من العدة فلا اثر لرجوع الزوج- تصدق و لا يطلب اليمين منها الا عند الخصومة

(57) الضرورة في كل شي ء إلا في الدماء

يعني ان الضرورة تبيح كل محظور الا الدماء. و الى هذا أشير في بعض الاخبار (لا تقية في الدماء) ضرورة ان التقية إنما شرعت لحفظ الدماء فلا مجال لجريانها في ضد ما شرعت له فلو قال لك الظالم اقتل

ص: 97

المؤمن مثلا (و هو غير مستحق القتل) و الا قتلتك لم يجز لك قتله نعم لو صال عليك شخص يريد قتلك جاز بل وجب عليك دفعه و لو توقف على قتله جاز. و الفرق بين المقامين واضح فالإكراه و الجبر لا اثر له في النفوس المحترمة. نعم لو قال الظالم مع قدرته أحرق بيت فلان و الا قتلتك جاز لك إحراقه و لا ضمان عليك للإكراه و السبب هنا أقوى من المباشر

(58) لا يدفع الضرر بإضرار الغير

إذا توجه الضرر عليك ابتداء فأراد الظالم مثلا ان يأخذ طعامك لا يجوز لك ان تدله على طعام جارك لتدفعه عن طعامك لانه لا يجوز ان يدفع الإنسان الضرر عن نفسه بإضرار غيره، نعم لو توجه الضرر على الغير ابتداء لا يجب عليك دفعه بإضرار نفسك فلو قال الجائر أعطني الطعام الذي عندك لفلان و الا أخذت طعامك جاز ان تعطيه ذلك الطعام و لا يجب عليك الدفع عنه بإعطاء طعامك. فاعرف ذلك

(59) الإنسان قد لا يملك شيئاً و يملك ان يملك

يظهر هذا في مثل الشفعة فإن الشريك لا يملك و لكن يملك ان يملك و في الحيازة و أمثالها

(60) القدرة على التسليم شرط في المعاوضات

و يظهر منهم اعتبار تحقق القدرة حال العقد و لكن لا نجد مانعا من كفاية حصولها و لو بعد العقد ما لم يحصل غررا و جهالة

(61) كل من صحت مباشرته لشي ء صحت وكالته الا الواجبات التعبدية

ص: 98

هذه ضابطه ما تصح الوكالة فيه شرعا و هي عامة لا يخرج منها الا العبادات البدنية و يلحق بها النكاح و اليمين و النذر و الا بلاء و اللعان و القسامة و تحمل الشهادة و أداؤها و الظهار، اما العكس اي ما تصح الوكالة فيه و لا تصح مباشرته فقد ذكر له الجمهور أمثلة كثيرة و الذي يتم منها على أصولنا، باب الوكالة على التوكيل مطلقا و منها توكيل المحل محرما في ان يوكل محلا في التزويج و توكيل المسلم ذميا ان يوكل مسلما في شراء العبد المسلم

(62) أصالة عدم تداخل الأسباب و عدم تداخل المسببات

فإذا اشتريت مثلا حيوانا و اشترطت لنفسك الخيار ثلاثة أيام لم تتداخل هذه الثلاثة في ثلاثة خيار الحيوان بل يكون لك ثلاثة أخرى غيرها لأن الأصل في كل سبب ان يكون له مسبب مستقل و لو قال لك من تجب طاعته أكرم عالما و أضف أديبا- لا يكفيك ضيافة عالم اديب في امتثال الأمرين بل لا بدّ من التعدد- هذا هو مقتضى الأصول و القواعد الأولية و قد يخرج عنها و يصح التداخل و لكن الدليل خاص كما وقع بالشرع في موارد أشهرها تداخل الأغسال فمن كان عليه غسل جنابة و غسل مس ميت و أراد ان يضم إليها غسل الجمعة كفاه عن الجميع غسل واحد سيما مع قصدها اجمع، و قد ورد في أخبارنا المعتبرة:

(إذا اجتمعت للّٰه عليك حقوق كفاك غسل واحد)، و نظيره ركعتا تحية المسجد و غير ذلك

(63) كلما جازت الإجارة على شي ء مع العلم جازت الجعالة عليه مع الجهل

ص: 99

توضيح ذلك انه لو شردت دابتك أو أبق عبدك و تريد أن تستأجر شخصاً على ردها فان كان العمل معلوما زمانا و مكانا و وصفا جاز ان تستأجره و تعين المدة لطلبها يوما أو يومين و ان كان مجهولا كما هو الغالب لم تصح الإجارة و صحت الجعالة فتقول له ان رجعت دابتي فلك كذا بل ما هو أوسع من ذلك في الجهالة فتقول من رد عبدي فله كذا

(قواعد خاصة بالإقرار)

(64) إقرار العقلاء على أنفسهم نافذ- أو جائز

و قد تقدمت الإشارة إلى موجز من القول فيها

(65) كل إقرار لا يقبل بعده الإنكار

فلو أقر لزيد بعشرة دراهم ثم أنكر أو ادعى الاشتباه أو الغلط أو أمثال ذلك لم يسمع منه

(66) كل إنكار يصح بعده الإقرار

و هذا في باب الأموال و الحقوق واضح فإنه اعتراف يلزم به و لكن يشكل في أبواب النكاح و العدد و نحوها، فلو ادعت زوجيته و أنكر ثم رجع فأقر أو أنكرت هي ثم أقرت فهل يقبل إقراره أم لا و كذا لو أنكرت رجوعه في العدة ثم أقرت بعد العدة انه رجع بها في العدة و المسألة تحتاج إلى تأمل

(67) كل من قدر على إنشاء شي ء قدر على الإقرار به أي إقراره نافذ فيه

ص: 100

و من أمثلة ذلك ما ذكروه في مسائل الرهن و فروعه انه لو اذن المرتهن للراهن في بيع العين المرهونة فباعها الراهن و ادعى المرتهن انه رجع عن الاذن قبل البيع فهو باطل و ادعى الراهن انه باع قبل الرجوع فهو صحيح قالوا ان الراهن إذا قال بعت و صدقه المرتهن ثم ادعى الرجوع قبل البيع فالقول قول الراهن و البيع صحيح، و إذا ادعى المرتهن الرجوع و صدقه الراهن ثم ادعى انه باع قبل الرجوع فالقول قول المرتهن و البيع باطل و مدرك هذا التفصيل هو القاعدة المزبورة فإن الراهن له إنشاء البيع في الصورة الأولى قبل ان يدعي المرتهن الرجوع فينفذ إقراره لان من قدر على إنشاء شي ء نفذ إقراره فيه بخلاف الصورة الثانية فإنه لما ادعى المرتهن الرجوع أولا و صدقه الراهن لم يكن للراهن ان يبيع في ذلك الوقت لان الرجوع صار محققا اما سابقاً أولا حقاً فلو أراد الراهن إنشاء البيع حينئذ لم يصح فلا يصح إقراره بتلك القاعدة أيضاً و استشكلوا في جملة فروع و لعل الى هذه القاعدة ترجع القاعدة المعروفة عند فقهائنا و أفرد فيها بعض اعلامنا المتأخرين رسالة و هي.

(68) من ملك شيئا ملك الإقرار به.

و هي غير قاعدة الإقرار المعروفة طبعا و مثلوا لها بالوصي و الوكيل و ولي الصغير و متولي الوقف فإنهم إذا أقروا ببيع مال اليتيم مثلا أو إيجاره أو إيجار الوقف و غير ذلك فإن إقراره نافذ لانه يملك البيع و الإيجار و من ملك شيئاً ملك الإقرار به و قبول هذا الإقرار مخالف لقاعدة الإقرار

ص: 101

فإن إقرار العاقل انما ينفذ على نفسه لا على غيره و الإقرار في هذه المواضع صار نافذا على الغير و لكن بذلك الملاك الذي أشارت إليه القاعدة.

و هذه لمحة موجزة من هاتين القاعدتين المفيدتين، و البسط محال الى موضعه، اما عكس الاولى و هو من لا يقدر على إنشاء شي ء لا يقبل إقراره فيه فهي مسلمة أيضاً في الجملة و يخرج منها من أقر على نفسه بالرق إذا كان مجهول النسب فإنه يقبل مع انه لا يقدر على إنشاء الرق لنفسه و عند الجمهور ان المرأة تقدر على الإقرار بالنكاح مع انها لا تقدر على إنشائه فليتأمل.

(69) كل من أقر بحق لسبب مجهول قبل تفسيره له

مثلا لو أقر بأن داري انتقلت لزيد فلو قال بعد ذلك نقلتها بالسبب الجائز كالهبة و قد رجعت بها لا بالسبب اللازم كالبيع فلا رجوع- يقبل قوله و لا يلزم بالدار استصحابا لبقاء ملك المقر له

(70) كل من أقر بمبهم يلزم بتفسيره و يقبل قوله فيه

فمن أقر بأن علي لزيد دين أو مال يلزمه الحاكم بتفسيره و لو فسره بدرهم أو أقل قبل- الا ان تكون هناك قرينة معتبرة على خلافه

(71) كل عارية امانة

اي لا تضمن بغير التعدي و التفريط و يستثني من ذلك عارية الذهب و الفضة أو مطلق العارية مع شرط الضمان

(72) كل هبة يجوز الرجوع فيها بعد القبض،

إلا إذا كان الرجوع بعد التلف أو كانت معوضة أو هبة الرحم

ص: 102

(73) كل صدقة لا يجوز الرجوع فيها بعد القبض.

اي بعد قبض مستحقها و يشمل الصدقات الواجبة كالزكوات و الكفارات و نحوها و المستحبة كالصدقة المطلقة أو الوقف و أخواته

(74) كل تصرف من المكره عقدا أو إيقاعا باطل

لان القصد و الاختيار شرط ركني في جميع المعاملات و الإيقاعات بل و العبادات

(75) كل معاملة من عقد أو غيره من غير المالك فهي فضولية

و المراد بالمالك من له حق التصرف فيشمل الوكيل و الوصي و الولي و المتولي و معاملة الفضولي في جميع الأبواب موقوفة على الإجازة على تفصيل يأتي في محله إن شاء اللّٰه

(76) القرعة لكل أمر مشكل

هذه القاعدة مشهورة في كتب الفقه و هي مستفادة من أحاديث مروية من طرق الفريقين و في بعض أخبارنا: كل أمر مجهول فيه القرعة، و لكن أصحابنا لا يعملون بها إلا في موارد مخصوصة و يقول بعضهم انها موهونة بكثرة التخصيص و يظهر من القرآن المجيد انها كانت مشروعة في الشرائع السالفة مثل قوله تعالى فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ، و قوله عز شأنه (إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ)، و قد ورد عن النبي (ص) انه استعملها في العتق حيث أعتق رجل ستة مماليك لا مال له سواهم فجزأهم و أقرع بينهم فأعتق اثنين و أرق أربعة، و يظهر من هذه الواقعة إن للقرعة مجالا واسعا. لكن الشك يقع في ان مورد القرعة هو الواقع

ص: 103

المجهول فقط كما لو طلق زوجة معينة و نسي انها هندا و زينب فتعين بالقرعة، أو يعم حتى مالا واقع له أصلا كما لو طلق احدى زوجاته أو أعتق أحد عبيده فهل تجري القرعة هنا أم لا، اما واقعة النبي (ص) فتدل على أوسع من هذا فليتأمل.

(77) لا مقاصة إلا مع اليقين و العجز عن تحصيل الحق

فلا تجوز مع الظن بالحق فضلا عن الاحتمال و الشك أو التهمة كما لا تجوز مع إمكان تحصيل الحق بطريق الحاكم العادل أو الجائر فإن تعذر و امكنه أخذ عين ماله من الجاحد أو مجانسه مثلا أو قيمة جاز له ذلك بلا توقف و ان لم يجد عين ماله و اضطر إلى أخذ جنس آخر بدلا عن ماله توقف على اذن حاكم الشرع اما الأخذ من الوديعة ففيه قولان منشؤهما روايتان عن النبي (ص) انه قال: (أد الأمانة الى من ائتمنك و لا تخن من خانك) و قوله لهند (خذي ما يكفيك و ولدك من ماله) اي من مال أبي سفيان و مال الرجل وديعة عند الزوجة

(78) كل دعوى تسمع مطلقا

خلافا لبعض فقهاء الجمهور فإنهم اشترطوا في سماع الدعوى سبق الخلطة استنادا الى ما يروى في ذيل حديث (البينة على المدعي و اليمين على من أنكر) إذا كانت بينها خلطة، و بما رووا عن على (ع) (لا يعدي الحاكم على الخصم الا ان يعلم بينهما معاملة)، و لم يثبت عند الإمامية شي ء من هذه الروايات و قولهم لو لا ذلك لاجترأ السفهاء على ذوي المروات فان وقفوا معهم في الدعوى سقطوا و ان صالحوا ذهبت

ص: 104

أموالهم مدفوع بإمكان التوكيل على ان القواعد الكلية لا تقدح فيها العوارض الجزئية

(79) الكافر لا تسمع شهادته لمسلم أو عليه مطلقا مع وجود غيره و مع عدمه إلا في الوصية كما في الآية في واقعة خاصة

اما شهادته لأهل ملته ففيه خلاف و الا صح عندنا ان ذلك منوط الى نظر الحاكم و وجدانه، و حصول ثقته و اطمينانه، حسب القضايا الشخصية و لم أجد قائلا به مع قوته،

(80) لا نذر الا في طاعة و لا يمين إلا في مباح

هاتان ضابطتان لمتعلق النذر و اليمين فان النذر عندنا لا يلزم الا في الراجح دينا أو دنيا و لا يصح في المباح المتساوي الطرفين نعم هو يصح و يلزم باليمين فعلا أو تركا و لا يصح اليمين بالمكروه أو المرجوح دنيا فضلا عن الحرام و لكن إذا حلف على فعل أو ترك ثم تبدل بعنوانه أو ظهر عدم رجحانه جاز له حل اليمين و العدول الى ما هو خير منها كما ورد في الاخبار المعتبرة. (إذا وجدت خيرا من يمينك فدعها)

ص: 105

(81) قاعدة العدل

المستفادة مما ورد فيمن أودع عنده رجل درهمين و آخر درهما و امتزجا ثم تلف درهم بلا تفريط و لم يعلم انه من صاحب الدرهم أو من صاحب الدرهمين. قال (يعطى صاحب الدرهمين درهما و نصف و لصاحب الدرهم نصف درهم) و حملها بعض فقهائنا على الصلح القهري فرارا من المخالفة القطعية، و يمكن تعميمها إلى أمثال موردها فيصح العمل بها في كل مال مردد بين شخصين أو أشخاص و لا سبيل الى تعيين صاحبه الواقعي بناء على عدم العمل بالقرعة في الحقوق و الأموال بل قد يتوسع الأخذ بها حتى فيما ليس له واقع مجهول كما لو دفع مالا الى وكيل شخصين لكل منهما عليه دين و لم يعين أحدهما أو كان عليه لشخص دينان أحدهما برهن و الآخر بلا رهن و لم يعين ما دفعه عن دين الرهن أو عن الآخر فيحتمل ان له التعيين بعد الدفع و يكون القبض موجبا للملك المراعى بالتعيين على نحو الكشف و يحتمل التوزيع كما تقتضيه قاعدة العدل. و يحتمل استصحاب شغل الذمة بكلا الدينين و استصحاب بقاء المال على ملك الدافع و يكون امانة عند القابض حتى يلحقه التعيين من الدافع فيملكه القابض و أقوى الوجوه الأول ثم الثاني. و المسألة سيالة كثيرة الأشباه و النظائر في الأموال و غيرها.

و قد ذكر الفقهاء فرع الدينين في فروع كتاب الرهن و ان الرهن إذا

ص: 106

ادعى ان ما دفعه عن دين الرهن يصدق لانه لا يعلم الا من قبله. نعم لو اعترف انه لم يعين جاءت الاحتمالات المتقدمة، و يشهد لقاعدة العدل أيضاً من طريق الجمهور ما رواه في (كنز العمال) في أبواب القضاء من ان النبي (ص) أتاه رجلان يختصمان في بعير و اقام كل واحد شاهدين انه له فجعله بينهما

(82) ذوات الأسباب لا تحصل إلا بأسبابها

جعل الشارع المقدس للعناوين الاعتبارية- المجعولة لحفظ نظام الهيئة الاجتماعية للبشر و تعاون بعضهم مع بعض. و ضبطا للمصالح المتبادلة و المنافع المشتركة. نعم جعل لتلك الروابط ضوابط و أسبابا خاصة، و أوضاع معينة، فالملكية و الزوجية. و الرقية و الحرية و أمثالها لا تتحقق بنظر الشرع و العرف الا من أسبابها التي جعلت لها عقدا و حلا فلا تعقد الا بذلك السبب الخاص و لا تحل عقدتها الا من سبيلها المعين. فأسباب نقل الملكية مثلا- البيع و الإجارة و الصلح و أمثالها و إذا عقدت بسببها الخاص لا تنحل عقدتها أيضاً إلا بأسباب مخصوصة من خيار أو فسخ أو تقابل و نحوها، و هكذا الزوجية قد جعل الشارع لها أسبابا محدودة و هي عقد الزواج مثلا و ملك اليمين و لا ثالث لهما و جعل لحل هذه العقدة و فكها مفاتيح محصورة و هي في عقد الزواج الفسخ و الطلاق و اللعان و الردة و الموت فلا تنحل عقدة النكاح الا بواحد من هذه الأسباب فلو ان الزوج بعد تمامية العقد أعلن و سجل رفض تلك الزوجية و قال اني قطعت ذلك الحبل و حللت ذلك العقد و فلانة

ص: 107

ليست زوجتي لم تخرج عن زوجيته و لا تنفصل عن حبالته الا بالطلاق و مثله مما جعله الشارع سبباً لحل تلك العقدة و لا تنحل بغيره، و هكذا الحرية و الرقية فإن الشارع جعل لرفع العبودية و الرقية سببا خاصا أو أسبابا محصورة و هي العتق مثلا أو التنكيل فلو ان المولى أعلن اني رفعت ملكيتي عن هذا العبد و أطلقته و أمثال ذلك لم تتحقق حريته الا بالسبب الخاص و هو العتق الذي لا يحصل إلا بالصيغة الخاصة و هي قوله أنت حر و ما يؤدي معناه ان قلنا بالتوسعة و كذلك ملكية زيد للدار لو قال تركت ملكيتها و رفعت يدي عنها و رفضتها لا تخرج عن ملكيته الا بان يقول وهبتها أو بعتها أو نحو ذلك، و على هذا المنوال جميع هذه العناوين الخاصة لا تزول إلا بأسبابها المقررة، و على هذا يتفرع القدح في القضية المعروفة عند بعض المتفقهة أو الفقهاء و هي ان الاعراض يوجب زوال الملكية و صحة تملك الغير و هذه قضيته غريبة لا تنطبق على القواعد الشرعية و ان كانت شائعة مشهورة و الاعراض لا يزيل ملكية و لا يثبت ملكية، نعم أقصى ما يفيده الاعراض إباحة الانتفاع بالدلالة التبعية العرفية و الا فهي أيضاً محل نظر إلا في بعض الموارد كما لو زاد عند أهل البيت طعام فألقوه في الطريق فان ظاهر الحال يقضي بإباحته لمن أخذه هذا أقصى ما يدل عليه الاعراض في أمثال هذه الوقائع اما نزع الملكية بحيث تجعله من المباحات يملكه كل من حازه- فمن اين؟

و قد يتوهم ان قاعدة سلطنة الإنسان المطلقة على ماله تقضي بان له نزع ملكيته عنه إذا أراد و حقيقة الاعراض ليس الا نزع الملكية و هو مسلط

ص: 108

على ماله كيف شاء و لكنه مدفوع بأن الملكية نحو من السلطنة و لا يعقل ان يكون الشي ء مقتضيا لعدم نفسه فثبوت السلطنة للإنسان لا يدل على ان له نفي تلك السلطنة و نتيجة العقود و المعاملات ليس نزع السلطنة بل تبديلها و تحويلها فتدبره جيداً و يبقى الكلام في مثل الالتزامات الضمنية (كالشروط) في ضمن العقود أو الاستقلالية (كالنذور) و انها هل تثبت ملكية أو ترفعها و ذلك في مثل شرط النتيجة أو نذر الغاية أو لا يصح الا شرط أسبابها و نذر مباديها و ظاهرهم الاتفاق على ان الشروط و النذور أسباب بنفسها تثبت الملكية و ترفعها كالبيع و نحوه و لعل مستندهم عموم أدلة الشروط و النذور فان تم الإجماع على ذلك فهو و الا فللتأمل فيه مجال أما الزوجية و فكها بالطلاق أو الفسخ و نحوهما فلا ريب في عدم تأثير الشروط و النذور فيها قولا واحدا و انها لا تتحقق بنحو شرط النتيجة و انما يصح تعلق النذر أو الشرط بفعل أسبابها لأنها مما علم من الشرع انها لا تحصل الا بتلك الأسباب الخالصة فاغتنم و تدبره،،، ثم ان هذه القاعدة أعني قاعدة الأسباب من منفرداتنا لم نجدها في شي ء من مؤلفات الأصحاب صراحة اللهم إلا بالإيماء و الإشارة و قد استخرجناها من فحاوي النصوص و متفرق كلماتهم كما ان المناقشة في جعل الاعراض من أسباب نزع الملكية بهذا البيان لم أجد من تعرض لها فبما وقفت عليه و لعلها محررة و لم استحضرها، و حيث بلغ الكلام بنا الى هذا المقدار من ذكر ما حضرنا من القواعد المستدركة على قواعد المجلة و قد انهيناها

ص: 109

الى اثنتين و ثمانين قاعدة و بضم ما لخصناه من قواعد المجلة يبلغ الجميع مائة و سبع عشرة قاعدة جلها أو كلها في خصوص العقود و المعاملات و ما يلحق بها من بعض موازين القضاء و حسم الخصومات و النذر و اليمين،، اما لو أردنا أن نحصي جميع القواعد التي يرجع إليها في عامة أبواب الفقه من العبادات و الوصايا و أبواب النكاح و الرضاع و الأولاد و النفقات و الطلاق و ما يلحق به من الخلع و الظهار و الإيلاء و اللعان و المطاعم و المشارب و الصيد و الذباحة و القضاء و الميراث و الشهادات لأمكن أن تنتهي إلى خمسمائة قاعدة أو أكثر، أما الشهيد الأول رضوان اللّٰه عليه فقد جمع في كتابه المعروف (بالقواعد) أكثر من ثلاثمائة قاعدة و لكن الإنصاف ان كثيرا منها لا ينطبق عليها حد القاعدة التي هي قضية كلية يعرف منها حكم جزئياتها أو مصاديقها فان بيان معنى السبب و الشرط و المانع و ان القيود بعضها توضيحية و بعضها احترازية، و ذكر الوجوه العديدة لقوله (ع) (نية لنؤمن خير من عمله) و أمثال ذلك كله مما لا يندرج في مفهوم القاعدة إلا بتكلف بعيد، و على كل فشكر اللّٰه مساعيهم و وفقنا لاتباع آثارهم في العلم النافع و العمل الصالح و لنشرع في القصد الصميم من تحرير ما في المجلة من المعاملات كالبيع و الإجارة و أمثالهما على النهج و الترتيب المسطور فيها و إبداء ما عندنا من الرأي و بيان ما يوافق مذهب الإمامية منها مما يخالفه، ثم نلحقه إذا وفق اللّٰه بجزء خاص في ما يسمونه بالأحوال الشخصية و اللّٰه

ص: 110

المستعان على أحوالنا العمومية و الشخصية و منه نستمد العناية و التوفيق

ص: 111

كتاب البيوع

اشارة

ص: 112

تمهيد مفيد

عرفت في صدر الكتاب ان الفقهاء حصروا مسائل الفقه في أربعة أنواع عبادات و معاملات و إيقاعات و احكام، أو بتعبير ثاني، عبادات و معاملات و عادات و سياسات، و الضابطة للعبادة الجامعة لجميع أنواعها هو كون العمل ذا مصلحة توجب محبوبيته للشارع فان توقفت صحته و التقرب به على نية القربة فهو عبادة بالمعنى الأخص و الا فإن كان راجحاً و مقرباً بذاته و ان لم يقصد به التقرب فهو العبادة بالمعنى الخاص و الا فإن كان بحيث يمكن التقرب به فهو العبادة بالمعنى الأعم، و الأول أي العبادة بالمعنى الأخص تنقسم إلى ثلاثة أقسام (بدنية محضة) كالصوم و الصلاة و الطهارة و الاعتكاف، و (مالية محضة) كالزكاة و الخمس و الكفارات و (جامعة للأمرين) كالحج و العمرة و الثاني أي العبادة بالمعنى الخاص فهو مثل الجهاد و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و القضاء و الشهادات و يمكن ان يكون أكثر الواجبات الكفائية أو كلها من هذا النوع، و الثالث، و هو العبادة بالمعنى الأعم- جميع الأعمال التي فيها رجحان ديني أو دنيوي فإنه لو نوى التقرب بعمل منها و اتى به للّٰه تعالى من

ص: 113

وجهه الحسن كان عبادة و على هذا فيمكن ان يكون جميع أعمال الإنسان عبادة و من هنا كان بعض الأعاظم يقول (ما عملت في عمري مباحاً قط فضلا عن المكروه أو الحرام)، و اما المعاملات فالمفهوم الجامع لها هو الإنشاء فان كان يتقوم بطرفين فهو العقود و ان تقوم بطرف واحد فهو الإيقاع، و العقود قسمان، عقود إذنية مجانية. و عقود معاوضات تعهدية التزامية و الأول مثل الوكالة و العارية و الوديعة و الهبة و نحوها و تسمية هذه عقود انما هو على اصطلاح الفقهاء لتقومها بطرفين و ان أشكل صدق العقد عليها لغة و شرعاً فلا يشملها مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لان المراد بها قطعاً العقود الالتزامية لا مطلق ما اشتمل على إيجاب و قبول و لو سلم صدق العقود عليها عرفاً و شرعاً و لكن وجوب الوفاء انما هو لهذا النوع الخاص من العقود لمناسبة الحكم و الموضوع ضرورة ان تلك العقود من طباعها عدم اللزوم و لا معنى لوجوب الوفاء بها الا على معنى آخر و ليست العقود الحقيقة سوى القسم الثاني و هي العقود الالتزامية اللازمة نعم يشكل هذا في المضاربة بناء على عدم لزومها مع انها من العقود الالتزامية، و على كل فهي أيضاً على قسمين، تقديرية و هي التي يكون حصول أثرها على تقدير خاص و ذلك كالمزارعة و المساقات و المضاربة و السبق و الرماية و الجعالة العقدية فإن الجميع و ان كان المنشأ منجزا فعلا و لكن على تقدير حصول الربح في المضاربة أو العائد في المزارعة و هكذا بخلاف القسم الثاني و هي التحقيقية فإن المنشأ منجز فعلا بكل تقدير

ص: 114

و ذلك كالبيع في تمليك الأعيان و الإجارة في تمليك المنافع فان كان تمليك العين بعوض فهو البيع و ان كان بغير عوض فهو الهبة و كذا في المنافع فان كان تمليكها بعوض فإجارة و الا فعارية بناء على كونها تمليكاً مجانياً، اما لو جعلناها اذناً و إباحة أو تمليكا للانتفاع فهي خارجة عن العقود و من هنا يظهر ان الهبة المعوضة لا يراد بها المعاوضة بين الموهوبين و الا لخرجت عن حقيقة الهبة بل المراد التعاوض بين نفس نفس الهبتين فهو تمليك مجاني مشروط بان يقابل بتمليك مجاني فلو قال وهبتك هذا بهذا بطل هبة. و هو حينئذ اما بيع صحيح بناء على عدم اختصاص حقيقته بألفاظ مخصوصة و جواز استعمال ألفاظ عقد في عقد آخر و الا فبيع فاسد و على كل لا تكون هبة، لأن الهبة مأخوذ في حقيقتها المجانية و عدم العوض للمال الموهوب اما الصلح فهو أعم من الجميع و هو عبارة عما يفيد التسالم و قطع الخصومة فقد يفيد فائدة البيع تارة و تارة فائدة الإجارة. و هكذا يختلف باختلاف موارد الاستعمال. ثم ان بعض العقود قد يجري فيها القسمان فيكون نوع منها بنحو الاذن و الإباحة و نوع بنحو العهد و الالتزام و الإلزام كالوكالة فإن القدر الجامع فيها و ان كان إباحة التصرف و لكن قسما منها يكون على نحو العقد و الالتزام و منه الوكالة بجعل و يتوقف هذا النوع على الإيجاب و القبول و يكون أثره السلطنة على التصرف بحيث لو عزل و لم يعلم الوكيل بالعزل كان تصرفه نافذاً.

اما الاذني المحض فبمجرد رجوع الموكل عن الاذن يبطل تصرف

ص: 115

الوكيل و ان لم يعلم و هذه هي الثمرة بين القسمين كما ان بعض العقود قد يكون جامعاً للجهتين فيكون من جهة عهديا التزاميا، و من جهة أخرى اذنياً صرفاً و ذلك كالإجارة فإنها من جهة تملك المستأجر المنفعة من النحو الأول و من جهة قبض العين و استيلائه عليها من النحو الثاني و هو من الأمانات المالكية و كل العقود الإذنية كالوديعة و العارية و غيرها من هذا القبيل، و لنرجع الى تحرير مواد (المجلة) في البيوع،

ص: 116

(المقدمة) في بيان الاصطلاحات الفقهية في البيوع

اشارة

(مادة 101)

الإيجاب:

كلام يصدر من أحد العاقدين لأجل إنشاء التصرف و به يوجب و يثبت التصرف، الإيجاب مصدر أوجب كما ان الوجوب مصدر وجب و مادة هذا الثلاثي و ان وردت في اللغة لمعاني كثيرة و لكن اجمعها و أوسعها بل لعل أكثرها ترجع الى واحد و هو الوقوع و السقوط و منه (فَإِذٰا وَجَبَتْ جُنُوبُهٰا) و (وجبت الشمس) و غير ذلك و الى هذا المبدأ يرجع الإيجاب المستعمل في باب العقود فان المراد به إيقاع تمليك ماله لغيره بعوض فمعنى قولك أوجب البيع اي جعله امراً واقعاً محققاً كما تقول أنت تجاه أمر واقع و هذا الإيقاع هو الذي تعبر عنه بالإنشاء فتقول إنشاء تمليك ماله أو إنشاء تمليك عين بعوض و الجميع يرجع الى الإيجاد أي الإيجاد الإنشائي الجعلي لا الإيجاد التكويني فالإيقاع الإيجابي في العقود هو الإنشاء الإيقاعي في باب الإيقاعات و كل منهما يحصل منه معنى ربطي بين اثنين و انما الفرق بينهما، (أولا) ان الطرف الآخر يقع المبدأ له و في الإنشاء الإيقاعي يقع عليه، و (ثانيا) ان الموجب يعمل عملين عن نفسه و عن الطرف الآخر فيملك

ص: 117

(بالتشديد) ماله و يتملك مال المشتري و في الإنشاء الإيقاعي يتقوم الأمر بعمل واحد و لذا لا اثر فيه لقبول الآخر و عدم قبوله بخلاف الإيجاب في العقود فإنه لما تضمن عملا يتعلق بغير الموجب احتاج الى إمضاء الآخر و موافقته على ذلك العمل المتعلق به فكأن أمر المعاملة لا يتم الا بالقبول فالقبول ليس إلا إمضاء و مطاوعة لفعل الموجب و ينحل أيضا الى تملك و تمليك و لكن من الرضا بفعل الموجب لا من فعله مباشرة فظهر من هذا البيان ان الموجب هو الذي يملك و يتملك سواء تقدم لفظه أو تأخر و القابل هو الذي يرضى و يطاوع فعل الموجب تقدم كذلك أو تأخر فقضية الموجب و القابل ليست قضية تقديم أو تأخير و انما الفرق بينهما جوهري و معنوي و حالهما يشبه في الجملة الكسر و الانكسار و ان كان أيضا بين المقامين فروق من جهات و لكن الغرض تصوير ان القبول لا يختلف تقدم أو تأخر أو تقارن فلو جوزنا تقدم القبول على الإيجاب وفاقا لبعضهم سيما بمثل اشتريت و ابتعت و نظائرها و قال الموجب بعده بعت و اشتريت و نحوهما فالأول قبول و الثاني إيجاب لأن الأول مطاوعة لعمل الثاني اما ان المطاوعة هل يصح تقدمها ليصح تقدم القبول أم لا معنى لتقدمها فلا يصح فسيأتي البحث فيه في مادة (169) إن شاء اللّٰه و جل الغرض من هذا التحقيق بيان ما في عبارة (المجلة) من الخلل في ضابطة الموجب و القابل و تمييز أحدهما عن الآخر و ربما اتضح لك ان الخلل فيها من وجهين، (الأول) في جعل المدار على الأول و الآخر و الأولية و الاخرية

ص: 118

ليس لها أثر في المقام، أصلا و (الثاني) جعل الإيجاب ما يصدر لأجل إنشاء التصرف و هذا أشد و هنا من الأول فإن الذي ينشأ بالإيجاب و القبول ليس هو التصرف بل ينشأ بهما التمليك و التملك أو النقل و الانتقال أو المبادلة بين المالين أو ما أشبه ذلك من الألفاظ التي يشار بها الى معنى واحد و هو ما يقع و يتحصل من العقد و بالعقد- و التصرف اثر ذلك المعنى أي أثر الملكية المنشأة بالعقد و تلخص من كل ما ذكرنا ان الميزان العدل ان يقال ان الإيجاب هو ما ينشأ به أحد العاقدين تمليك ماله و تملك مال غيره و القبول هو الرضا بذلك و الالتزام به،

(مادة 103)

العقد:

التزام المتعاقدين و تعهدهما امرا و هو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول العقود ألفاظ و أقوال و هي من مقولة الفعل، و الالتزام صفة نفسانية من مقولة الكيف، و الارتباط وصف قائم بالإيجاب و القبول و هو من مقولة النسب و الإضافات فلا ربط لكل واحد من هذه المفاهيم المتغايرة بالآخر و لا وجه لتفسير بعضها ببعض.

فالعقد ليس التزاما و لا ربطا و لا ارتباطاً و انما هو الإيجاب المرتبط بالقبول أي الإيجاب المقترن بقبوله. و ليس المنشأ بالإيجاب الالتزام بل الذي ينشأ به هو التمليك أو المبادلة و لازمة عقلا و شرعاً هو التعهد و الالتزام و لا شي ء منهما بمدلول للإيجاب لا بالتضمن و لا الالتزام فضلا عن المطابقة و ليس الإيجاب كما عرفت إلا جعل ملكية زيد لدارك امراً واقعاً

ص: 119

و حيث إنك أنشأت هذه الملكية و أوقعتها و جعلتها امراً واقعاً فيلزمك عقلًا و شرعاً ان تلتزم بها و لا تنقضها فالالتزام حكم من احكام العقد لا نفس العقد و لا جزء منه بل و لا لازم له بل عرض من عوارضه المفارقة و كذا الكلام في الارتباط فإنه وصف اعتباري ركني لركني العقد و هما الإيجاب و القبول لا جزء منه و لا مدلول له و انما هو معنى حرفي غير مستقل باللحاظ حتى يفسر به العقد على ان الوصف المعتبر في الإيجاب و القبول هو الربط لا الارتباط فان المتعاقدين يربطان كلا منهما بالآخر و لكنه قد يرتبط و قد لا يرتبط و حال الربط و الارتباط حال العقد و الانعقاد نظير الكسر و الانكسار فإذا كان العقد صحيحاً جامعاً للشرائط شرعاً و عرفاً تقول عقدته فانعقد و ان لم يكن كذلك تقول عقدته فلم ينعقد كما تقول كسرته فانكسر تارة و كسرته و لم ينكسر اخرى، و هكذا الربط و الارتباط و بهذا البيان يتضح المراد بمادة (104) الانعقاد تعلق كل من الإيجاب و القبول بالآخر على وجه مشروع يظهر أثره في متعلقهما، و كان حق التعبيران يقال الانعقاد وقوع الإيجاب و القبول بنحو يترتب عليه الأثر المقصود من العقد، فانعقاد البيع ان يقع الإيجاب و القبول بنحو مؤثر للملكية و انتقال المبيع إلى المشتري و الثمن إلى البائع، و انعقاد النكاح ان يكون الإيجاب و القبول مؤثرا زوجية كل من الرجل و المرأة للآخر و هذا هو الأثر المطلوب من العقد و بعبارة اجلى ان العقد مؤثر و الانعقاد اثر و الأول موضوع و الثاني حكم أو هو سبب و الأخير مسبب الى كثير من أمثال هذه العبارات الدالة على معنى واحد و من كل ذلك

ص: 120

ظهر لك ان الانعقاد ليس هو التعلق بل هو أثر الإيجاب المتعلق مع بقية الشرائط فتدبره جيداً،

(مادة 105)

البيع:

مبادلة مال بمال على وجه مخصوص و يكون منعقداً و غير منعقد شاع عند فقهاء الفريقين تعريف البيع بالمبادلة المزبورة و من المعلوم ان المراد بها الإشارة إلى حقيقة البيع من بعض وجوهها لا من كل وجه و الا فالبيع ليس مبادلة بل تبديل و ليس تبديل مال بل تبديل عين بمال لتخرج الإجارة و كيف كان فلا يراد بأمثال هذه العبارات التعريف الحقيقي إذ ليس البيع سوى مفهوم اعتباري ليس له جنس و فصل حقيقة حتى يعرف بهما و لكن يقصد بذلك الإشارة الى ذلك المفهوم بأخص لوازمه التي تحكي عنه و ينبغي أولا معرفة ان للبيع إطلاقين (أحدهما) ما هو من فعل البائع فقط حيث يقول للمشتري بعتك داري بكذا و بعته فلم يقبل و أمثال ذلك من الاستعمالات الشائعة لكثيرة و (الثاني) ما هو المركب من فعل البائع و المشتري و هما الإيجاب و القبول و هو الأكثر استعمالا سيما عند الفقهاء و المتشرعة بل و عند العرف حيث يقال (باع فلان داره) و (قد وقع البيع صحيحاً، أو وقع فاسدا) و هو مقصود المؤلفين في الفقه بقولهم كتاب البيع و عقد البيع و أمثال ذلك، و التعريف الحقيقي أو التقريبي تارة يكون بلحاظ المعنى الأول و اخرى بلحاظ المعنى الثاني،

ص: 121

و التعبير بمبادلة مال بمال لا ريب انه ناظر إلى إطلاقه بالمعنى الأول أعني فعل البائع فقط و مغزى هذه الجملة الإشارة الدقيقة الى ان جوهر البيع مبادلة بين المالين أصالة و يلزمه المبادلة بين المالكين و الملكيتين تبعاً بخلاف الإرث و الهبة فإن التبادل فيهما بين المالكين أصالة و يستلزم تبدل الملكيتين تبعاً و ليس ثمة تبادل في المال طبعاً لان المال واحد، و لكن هذه الخاصة لا تخص البيع فقط بل تعم جميع المعاوضات المالية و تحليل جذرها الدفين ان الملكية نوع من الجدة و هي نوعان، اضافة مقولية و هي من أضعف مراتب الحدة، و اضافة اشراقية و هي من أعلى مراتبها كواجدية الحق جل شأنه لمخلوقاته و المضاف هنا عين الإضافة فملكية الإنسان لأمواله عبارة عن اضافة بينه و بين المال واحد طرفيها المالك و طرفها الآخر المال و عند المعاوضة يبدل النسبة من طرف المال فيحولها من هذا المال الى مال آخر لا انه يرفع الملكية كلها أو يبدلها من طرف النسبة اليه، و ملكيته لماله و سلطنته عليه تخوله تبديله بمال آخر و تحويل نسبة هذا المال إليه بنسبة ذاك المال لا تحويل نفس الملكية و السلطنة ضرورة ان الغرض المهم في المعاوضة المالان فقط فالتبديل انما يكون بالنسبة إلى جهة المال و يتبعها جهة المالك بل يمكن ان يلاحظ عدم التبديل إلا في جهة المال فقط نظراً الى ان تلك النسبة و الإضافة إلى المالك باقية بحالها و انما تبدل طرفها الثاني:

فقد كانت مرتبطة بذلك المال و بعد البيع و المبادلة ارتبطت بالمال الأخر فهو اي البيع حقيقة تبديل مال بمال فقط لا تبديل مالك بمالك و لا تبديل ملكية بملكية، نعم هي في الهبة تبديل مالك بمالك و ملكية بأخرى

ص: 122

و كذلك في الإرث، و ما يقال من انه ليس للملكية ملكية حتى يقدر على نقلها الى الغير و ليس له على السلطنة سلطنة حتى يتمكن بها من التصرف في ذات سلطنته مدفوع بأنه لا حاجة الى ملكيه أخرى و سلطنة ثانية، لأن كلما بالعرض لا بدّ و ان ينتهي الى ما بالذات و الأشياء كلها تظهر بالنور و النور ظاهر بنفسه لا بنور آخر و الماهيات كلها توجد بالوجود و الوجود موجود بنفسه لا بوجود آخر كي يتسلسل، نعم السلطنة على الشي ء لا يمكن إسقاطها و نزعها و لكن يمكن خلعها على الغير و دفعها و هذا البحث على اختصاره من العلم المخزون فتدبره و احتفظ به و قد تجلى لك صحة ان يقال ان البيع تمليك عين بعوض و الهبة تمليك مال بلا عوض و يكون المراد بالتمليك هو ذلك التبديل المنشأ بقول البائع بعت فان لحقه القبول حصلت المبادلة واقعاً و ثم العقد و تحقق المعنى الثاني للبيع و الا فهو بيع بالإطلاق الأول فقط و لم تحصل سوى المبادلة إنشاء، و الإنشاء (كما يقال) خفيف المئونة، و هناك إطلاق ثالث للبيع يستعمل في مقام النذور و العهود و الايمان و الشروط، فإذا نذر أو حلف أو شرط في عقد لازم ان يبيع داره لا يحمل على ارادة محض الإيجاب بحيث يبرء بمجرد قوله بعت داري و ان لم يكن هناك قبول و لا على ارادة العقد اي مجموع الإيجاب و القبول فان ذلك غير داخل في قدرته بل يحمل على إرادة الإيجاب في محل القبول أي الإيجاب المتعقب بالقبول فيهئ الناذر مشترياً حتى يكون قبوله محققاً و يبرأ من نذره أو يمينه و يفي بشرطه كما قد يطلق على معنى رابع و هو اثر العقد فيقال البيع انتقال

ص: 123

المال بعوض فيكون من قبيل إطلاق السبب على المسبب، اما التقييد بالوجه المخصوص كما في (المجلة) فهو مستدرك لا فائدة فيه لأنه ان أريد به (ألفاظ بعت و شريت) و نحوهما من الصيغ و الخاصة فهو أشبه بالدور و ان أريد به معنى آخر فهو مبهم و اللازم في التعاريف الإيضاح لا الإبهام

(مادة 106)

البيع المنعقد:

هو البيع الذي ينعقد على الوجه المشروع و ينقسم الى صحيح و فاسد و نافذ و موقوف، لعل المراد بالوجه المشروع- الوجه المذكور في المادة المتقدمة يعني انه مبادلة مال بمال كي تصح القسمة و لو كان المراد بالمشروع ما هو الصحيح شرعاً لم يتجه تقسيمه المزبور كما هو واضح و على كل، فالأقسام الأربعة اصطلاح (و لا مشاحة في الاصطلاح) و لكن الأقسام الصحيحة للبيع من حيث النفوذ و عدمه ثلاثة- فإن البيع اما ان يقع صحيحا شرعا صالحا للتأثير أو يقع باطلا لا اثر له و الأول اما ان يكون أثره فعلا فيكون منجزاً أو يكون تأثيره مراعى بأمر متأخر عنه، (فالأول) هو عقد المالك الجامع للشرائط، و (الثاني) هو عقد الفضولي المراعي بالإجازة، فحق القسمة المتجهة ان يقال- البيع اما صحيح أو فاسد، و الصحيح اما نافذ أو موقوف، فالقسمة ثلاثية لا رباعية، و تعبير (المجلة) مختل حيث جعلت المقسم قسمين، عندنا ان الفاسد و الباطل سواء إذ المدار على التأثير و عدمه و هما

ص: 124

سواء في عدم التأثير و ان اختلف السبب

(مادة 107)

البيع الغير منعقد:

هو البيع الباطل كأنهم اصطلحوا على البطلان فقد الأركان مثل بيع الصغير أو المجنون أو بيع ما ليس بمال. و الفساد على فقد الشروط كعدم القدرة على التسليم أو بيع المجهول. و البطلان و الفساد عندنا شي ء واحد. كما سبق

(مادة: 108)

البيع الصحيح:

هو الجائز و المشروع ذاتاً و وصفا اي من حيث ذاته و تمامية أركانه و من حيث استجماع شرائطه و عدم موانعه.

(مادة 109)

البيع الفاسد:

هو المشروع أصلا لا وصفا يعني يكون صحيحاً باعتبار ذاته فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجية و قد تقدم تفسيره.

(مادة 110)

البيع الباطل:

لا يصح أصلا و هذا واضح بعد معرفة ان البطلان فقد الأركان

(مادة 111)

البيع الموقوف:

بيع يتعلق به حق الغير كبيع الفضولي حق المقام ان يقال ان الموقوف هو العقد الذي يتوقف تأثيره على اجازة غير العاقد اما لكونه مالكا أو لتعلق حق له في أحد العوضين و الأول كبيع الفضولي و الثاني كبيع الراهن الموقوف على اجازة المرتهن و بيع المحجور عليه لسفه أو فلس الموقوف على اجازة الولي أو الحاكم

(مادة 112)

البيع الفضولي:

هو من يتصرف بحق الغير بدون إذن شرعي لا يخفى قصور هذا التعبير بل عدم مطابقته لمعنى الفضولي و حقه ان

ص: 125

يقال هو من يتولى العقد بدون اذن لا من المالك كالوكيل و لا من الشارع كالولي

(مادة 113)

البيع النافذ:

هو الذي لا يتعلق به حق الغير و هذا تعريف بالأعم إذ ليس كل بيع لا حق فيه للغير يكون نافذا بل هو الجامع لشرائط العقد الفاقد للموانع و أخصر من ذلك هو المؤثر من حينه، و ينقسم الى لازم و غير لازم

(114)

البيع اللازم:

هو النافذ العاري عن الخيارات قد مرت الإشارة الى ان العقود من حيث الجواز و اللزوم على ثلاثة أنواع (1) لازمة من الطرفين ذاتاً كالبيع و الإجارة و الصلح و الحوالة و النكاح و الصدقة و غيرها. و قد يدخلها الفسخ و الجواز لسبب عارض و لكن هي بإطلاقها لازمة (2) ما يلزم بالنسبة الى أحد الطرفين كالرهن بالنسبة إلى الراهن لا المرتهن و الخلع بالنسبة إلى الزوج لا الزوجة (3) العقود الجائزة من الطرفين كالشركة و الوكالة و المضاربة و الوديعة و غيرها

(مادة 115)

البيع الغير اللازم:

هو البيع النافذ الذي فيه أحد الخيارات هذا تعريف بالأخص بل الغير اللازم ما يجوز لكل واحد من الطرفين أو أحدهما حله لذاته أو لخيار فيه، كي يشمل العقود الجائزة

(مادة 116)

الخيار:

كون أحد العاقدين مخيرا هذا أشبه ما يكون بتفسير الشي ء بنفسه أو يشبه كونه دور. بل الخيار كما سيأتي في بابه إن شاء اللّٰه، هو سلطنة أحدهما أو كليهما على حل العقد و فسخه مطلقا أو في حدود خاصة. أو حق استرجاع كل منهما لماله على

ص: 126

اختلاف الرائين في حقيقة معنى الخيار

(مادة 117)

البيع البات:

هو البيع القطعي هذه مستدركة فان البات ان كان هو اللازم فقد تقدم و كذا ان كان هو النافذ، و ان أرادوا به المنجز في قبال المعلق فالمعلق فاسد و البات هو الصحيح و قد تقدم أيضاً فتدبره

(مادة 118)

بيع الوفاء:

هو البيع بشرط ان البائع متى رد الثمن برد المشتري إليه المبيع و هو في حكم الجائز بالنظر الى انتفاع المشتري به و في حكم الفاسد بالنظر الى كون كل من الطرفين مقتدرا على الفسخ و في حكم الرهن بالنظر الى ان المشتري لا يقدر على بيعه الى الغير.

بيع الوفاء هو المعروف ببيع الخيار أو بيع الشرط اي شرط الخيار لا خيار الشرط و قد تقدم انه عند أصحابنا الإمامية بيع صحيح نافذ كسائر البيوع الخيارية و لا وجه للحكم بأنه بيع فاسد و كون كل من الطرفين مقتدرا على الفسخ لا يجعله فاسدا و الا لفسدت أكثر البيوع الخيارية كما ان كون المشتري لا يقدر على بيعه لا يصيره بحكم الرهن على ان عدم قدرته على البيع محل كلام و سيأتي تمام البحث فيه في محله إن شاء اللّٰه

(مادة 119)

بيع الاستغلال:

هو بيع المال وفاء على ان يستأجره البائع هذه أيضاً مستدركة و هو بيع الوفاء بعينه و لا فرق بين ان يستأجره

ص: 127

البائع أو غيره و لا ثمرة عملية في البين

(مادة 120) البيع باعتبار المبيع ينقسم إلى أربعة أقسام:

بيع المال بالثمن و بما انه أشهر البيوع يسمى بالبيع المطلق، القسم الثاني بيع الصرف و الثالث بيع المقايضة و الرابع السلم و الاستصناع لا يخفى خلل هذا التقسيم و عدم نظمه و لا وجه لإدخال السلم و رديفه هنا فاعلم- ان البيع ينقسم باعتبارات شتى إلى أقسام شتى، و قد أدخلت (المجلة) بعضها في بعض و القسمة المحررة ان يقال: ينقسم البيع باعتبار جنس العوضين إلى ثلاثة أقسام لأنها اما ان يكونا معا من النقدين- اي الذهب و الفضة المسكوكين أو كلاهما من العروض اي غير النقدين، أو أحدهما من النقدين و الآخر من غيرهما، فالأول بيع الصرف، و الثاني المقايضة، و الثالث البيع الشائع، و لا بحسن رسمه بالمطلق فان الجميع مطلق من وجه و مقيد من آخر.

ثم ينقسم (ثانياً) باعتبار تعجيل العوضين أو تأجيلهما إلى أربعة أنواع أيضاً لأنه اما ان يكونا معاً حالين معجلين و هذا لا يحتاج الى تقييد في العقد بل يكفي إرسال العقد و إطلاقه. و لنسمه البيع المرسل أو المعجل و اما ان يكون الثمن معجلا و المثمن مؤجلا و هذا بيع السلم و يدخل فيه الاستصناع كما سيأتي، أو يكون الأمر بالعكس فهو بيع النسيئة، أو يكون معاً مؤجلين و هو بيع الكلي في الذمة بالكلي و يمكن جريانه في الشخصي أيضاً و قد يحمل عليه بيع الكالي بالكالي في بعض تفاسيره.

ثم ينقسم (ثالثاً) باعتبار ذكر البائع رأس المال الذي اشترى به

ص: 128

السلعة التي يريد بيعها و عدم ذكره أيضاً الى أربعة أقسام فإنه اما ان لا يذكره أصلا كما هو الغالب و الشائع و هو (المساومة)، و اما ان يذكره و يبيع بذلك المبلغ بدون زيادة و هو (التولية)، و اما ان يزيد عليها شيئاً من الربح فهو (المرابحة)، و اما ان ينقص عنها شيئاً فهو (الوضيعة) و كان على أرباب (المجلة) ان يذكروا ذلك.

و هناك تقسيمات أخرى أيضا يأتي كل قسم في محله و بما ذكرنا ظهر تحرير مادة (121 و 122 و 123 و 124) الاستصناع و سيأتي انه اما ان يكون إجارة أو سلما

(مادة 125)

الملك:

ما ملكه الإنسان سواء كان أعيانا أو منافع هذا أيضا تفسير الشي ء بنفسه كتفسير الماء بالماء و الأحسن ان يقال: ان الملك اضافة بين الإنسان و بين الأموال تقتضي سلطنته عليها ثم الأموال أعيان و منافع و حقوق و مثله ما في-:

(مادة 126)

المال:

هو ما يميل اليه طبع الإنسان و يمكن ادخاره الى وقت الحاجة منقولا أو غير منقول.

لا تليق بالكتب العلمية مثل هذه التعاريف التي يشبه ان تكون عامية و قد عرفت في صدر الكتاب انه ليس للمال حقيقة سوى اعتبار العقلاء و ليس اعتبارهم جزافاً بل له مدرك صحيح فإنهم يجعلون للموجودات الخارجية قيمة و مالية باعتبار المنافع التي تستغل منها، و بمقدار الحاجة إليها و الانتفاع بها و الثمرات المرتبة عليها فالاطعمة انما اعتبر العقلاء لها مالية بالنظر الى ما وجدوا من مسيس الحاجة إليها و توقف حياة البشر

ص: 129

عليها و هكذا الأراضي و الحيوان و المعادن كلها كانت مالا بملاك الحاجة و المنفعة، و لما كانت مالية الشي ء عند العقلاء باعتبار المنفعة به اذن فنفس المنفعة أحق بأن تكون مالا و ان تقدر لها قيمة، و كذلك الحقوق مثل حق الشرب و الاستقاء و حق المرور بل و حق الخيار و حق الشفعة كل هذه الأمور أموال لأنها بنظر العرف ذات منفعة يبذل بإزائها المال فإن شئت فقل: ان الأموال هي الأعيان و المنافع و الحقوق، و اما المالية فهو اعتبار عقلائي في الأعيان الخارجية و منافعها و ناشئ من الحاجة إليها و اختلاف الرغبات فيها ثم جعلوا لتلك الأشياء المقومة للمعايش و التي تختلف الرغبات فيها معيارا يكون ميزاناً فاختاروا للتبادل النقدين و صيروهما المقياس العام ثم توسعوا في ذلك فجعلوا الورق و ما أشبهها من نحاس و غيره بدلا عنها و مرتكزاً عليها فالمال كما ذكرنا اعتبار محض و لكن تارة يكون بالجعل المحض و اخرى يتكون من جهة المنفعة و الحاجة و غزارة الآثار و الخواص و على كل فلا دخل للميل و عدمه في مالية الشي ء و عدمها، كما لا دخل أيضاً للادخار و عدمه فيها. فالفرس مال و ان كنت لا تميل إليها، و الوردة ليست مالا و ان كان كل أحد يميل إليها، و هكذا. نعم الغالب ان المال تميل اليه النفوس و لكن ليس هو ملاك المالية و لا دخل له في حقيقتها أصلا و ان كان يلازمها في الغالب و انما تدور المالية مدار اعتبار العقلاء الناشئ من الحاجة و المنفعة المعتد بها لا المنافع التافهة كالحشرات و القاذورات و نحوها و ان كان ينتفع بها في التسميد و نحوه فتدبر و اغتنمه.

ص: 130

(مادة 127)

المال المتقوم:

يستعمل في معنيين الأول ما يباح الانتفاع به، و الثاني: المال المحرز، فالسمك في البحر غير متقوم و إذا اصطيد صار متقوماً بالاحراز.

هذان المعنيان غير متقابلين و لا متعادلين. و هذا نظير ان تقول الإنسان اما كاتب أو أبيض مع ان الأبيض يكون كاتبا و الكاتب يكون ابيضا. و ما يباح الانتفاع به قد يكون محرزاً. و المحرز قد ينتفع به و تحرير هذه المادة على الصناعة العلمية. ان المال الذي عرفت حقيقته و هو المال المتقوم أي الذي يكون له في حد ذاته قيمة، تارة تكون ماليته فعلية و اخرى تقديرية، (فالأول) كالأعيان الذي في قبضة الإنسان المحرزة عنده و (الثاني) كالأموال التي لم يحصل الاستيلاء عليها و لم تحرز في سلطة أحد مثل السمك في البحر و المعادن في الأرض و الطيور في الهواء فإذا صيدت الطيور أو استخرج المعدن صارت ماليتها فعلية و الا فهي أموال حقيقية و لكنها تقديرية و معنى كونها مالا حقيقة له ان ملاك المالية قائم فيها و هو الحاجة و عظيم المنفعة و حيث انها لم تقع بعد في اليد فليست بمال فعلا، ثم الأموال الفعلية ان كانت بحيث يباح الانتفاع بها المنفعة المهمة منها كالأكل في اللحوم و الشرب في المايعات و اللبس في الجلود فهي ذات مالية فعلية شرعية و ان كانت لا يباح منها عند الشارع المنفعة المهمة المقصودة منها، و لكن يستبيحها من لا يلتزم بالشرع أو من يتدين بشرع يبيحها كالخمرة و لحم الخنزير و ربما يبذل الكثير من البشر المال الغزير بإزائها فهي ذات مالية

ص: 131

فعلية و لكنها غير شرعية فهي أموال غير مشروعة لا يصح بيعها و شراؤها و أي معاملة عليها لان المالك الحقيقي أسقط ماليتها و لا تصح المعاوضات عنده الا على الأموال، فالشاة المذكاة مال فعلي حقيقة شرعاً و عرفاً بخلاف الميتة فإن الشارع لما حرم أكلها و هي المنفعة المقصودة من مثلها سقطت عن المالية و ان كان فيها كما في الخمرة منافع كثيرة و لكن حرمة شرب هذا و حرمة أكل تلك في الشريعة الإسلامية المقدسة أسقطها و ان كانت ماليتها محفوظة عند من لا يتدين بهذه الشريعة أو النازغين فيها و الكاذبين في الانتساب إليها، هكذا يجب ان تحرر المسائل و للّٰه المنة

(مادة 128) و مادة (129) هاتان المادتان غنيتان عن البيان و كل أحد يعرف المال المنقول و غير المنقول

فلا حاجة الى تعريفهما.

أما الأشجار و الغروس فهي من غير المنقول بخلاف الثمار و الزروع على ان الثمرة بين المنقول و غيره في الفقه نادرة.

(مادة 130)

النقود:

جمع نقد و هو عبارة عن الذهب و الفضة لا يخفى ما فيه من التسامح فان النقود هي المسكوكات من الذهب و الفضة لا مطلق الذهب و الفضة، اما غير المسكوك منهما أو المسكوك من غيرهما فهو من العروض، و النقود يعتبر في صحة التعامل بها أمران:

سكة السلطان و الوزن المخصوص و يجري عليها حكم المعدود من جهة- و حكم الموزون من جهة أخرى فلا يصح فيها الربا كما يصح في المعدودات

ص: 132

و ان كانت تعد من المعدود و لكن الوزن الخاص ملحوظ فيه و سكتة في الغالب دليل على مقدار وزنه فتغني عن اعتباره، اما المسكوكات النحاسية و أمثالها من غير الذهب و الفضة فالأقوى انها من المعدودات فقط و الوزن غير ملحوظ فيها أصلا و ان كان الأحوط اجتناب الربا فيها فلا يجوز بيعها بالتفاضل، اما الورق و الأنواط القائمة مقام النقدين فالأقوى عندنا انها تعتبر نفوذاً فيحرم فيها التفاضل و تجب فيها الزكاة و يعتبر في بيعها التقابض في المجلس و كلما يجري على النقدين يجرى عليها،

(مادة 131)

العروض:

جمع عرض (بالتحريك) و هي ما عدا النقود و الحيوانات و المكيلات و الموزونات كالمتاع و القماش.

الظاهر ان ما عدا النقدين و الأراضي داخل في العروض سيما الأطعمة و الفواكه و الافرشة و سائر الأدوات التي يحتاج إليها في مرافق الحياة

[مادة 132]

المقدرات:

ما تتعين مقاديرها بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذراع إلخ ..

المقدرات هي ذوات الكم من الجسم التعليمي المشتمل على الأبعاد الثلاثة و ذوات الكم ان كان متصلا فاما ان يكون المطلوب منه معرفة ثقله فيعتبر بالوزن [و الكيل طريق اليه] أو المطلوب معرفة امتداده و طوله و عرضه فيعتبر مساحته بالذراع و ان كان الكم منفصلا فبالعدد فمقادير الأجسام تعرف بالكيل أو الوزن أو العدد أو الذراع و لكن الكيل يرجع الى الوزن و الذراع يرجع الى العدد فأصول المقاييس. اثنان

ص: 133

وزن: و عدد.

نعم هنا قسم آخر لم تذكره (المجلة) يغني عن الوزن و العدد و غيرهما في غير المعدود و المكيل و الموزون و هي المشاهدة كما في الأحطاب و الزروع جزة و جزتين و قطفة و قطفتين، بل و كثير من الافرشة و الألبسة كالعباء و القباء و الثياب المخيطة و الكتب و الأواني الزجاجية و غيرها و كثير من الآلات و الأدوات فكان يلزم ذكرها و لعلها أكثر من المكيل و الموزون و المعدود.

(تحرير و تحوير)

يظهر ان أصحاب (المجلة) ألفوها متأثرين بظروفهم الخاصة و المحيط الذي كانوا فيه الذي كان أكثر أهاليه ممن لا يعرفون إلا ذروا من العربية و لا يعرفون ذلك أيضاً إلا تلقيناً و تحقيناً، و قد اضطرتهم تلك الظروف ان يذكروا في (المجلة) كثيراً من المواد التي يجدها العربي الأصيل (بل و الدخيل) من الفضول و التوافه و من قبيل توضيح الواضحات مثل مادة (133) المكيل ما يكال .. (134) الموزون ما يوزن (135) المعدود ما يعد (136) المذروع ما يقاس بالذراع، و هكذا الى ان تصل المهزلة إلى مادة (160) البائع هو من يبيع (161) المشتري هو من يشتري (162) المتبايعان هما البائع و المشتري،،،

ص: 134

فهل يليق بالكتب العلمية سيما التي تدرس في المدارس العالية ان تشتمل على مثل هذه السفاسف التي هي اليوم من قبيل ما يقال (السماء فوقنا) و التي لا يترتب على نشرها أي فائدة.

(و فسر الماء بعد الجهد بالماء) و إذا كان لأصحاب (المجلة) عذر من جهة ظروفهم فأي عذر لمن يعنيهم الأمر اليوم في إبقاء هذه المواد على ما هي عليه مما لا يتناسب مع عصرنا و محيطنا، و ما العذر في ترك هذا الكتاب على علامته من دون تحرير أو تحوير، و ما دفعنا الى النهوض بهذه الاعباء إلا خدمة العلم و تسهيل السبيل إلى الأسس الرصينة لنشأتنا الحديثة و نشئتنا الناهض و تمرينهم على طلب الحقائق الجوهرية و عدم الجمود على تسطير المواد و الصناعة اللفظية، و الرصانة و المتانة هي الهدف الاسمي في كل شي ء سيما في العلوم و القضايا الحقوقية، و باللّه المستعان و هو حسبنا و نعم الوكيل و أكثر المواد المسطورة هنا أعني في ذيل هذه المقدمة من ذلك الأسلوب الواهي، و اللازم ان نقتصر على المهم النافع منه: مثل.

(مادة: 145)

المثلي:

ما يوجد مثله في السوق بدون تفاوت يعتد به، اختلف فقهاؤنا في تعريف (المثلي) و ما يقابله و هو (القيمي) و ليس المراد التعريف و الحد الحقيقي طبعاً بل القصد إعطاء الظابطة للتمييز بينه و بين القيمي حتى يستراح اليه عندالشك في موارد الضمانات حيث ان المثلي يضمن بالمثل و القيمي يضمن بالقيمة فلا بد من ضابطة

ص: 135

يتميز بها المثلي من القيمي. و قد اختلفت كلمات فقهائنا في تعريف المثلي و عرفه المشهور بأنه ما يتساوى اجزاؤه من حيث القيمة. يعني إذا كانت (حقة الحنطة) قيمتها درهم فربعها ربع درهم و هكذا بخلاف القيمي فإن الحيوان الذي تكون قيمة مجموعه ألفاً قد لا تكون قيمة نصفه مائتين و الجوهر الذي وزنه مثقال قد يكون قيمته ألفين و لكن ربعه قد لا تبلغ قيمته مائة، و بالجملة، كلما يكون لهيئته الاجتماعية مدخلية في ثمنه فهو مثلي و الا- فهو قيمي. ثم أطالوا النقوض على هذا التعريف و طال النقض و الإبرام و عرفوه بتعاريف اخرى تحريا للأقرب إلى الحقيقة مثل قولهم: «المثلي ما تماثلت اجزاؤه و تقاربت صفاته» و عرفه آخر بما تساوت أجزاؤه في الحقيقة النوعية يعني ان اسم الحقيقة النوعية كما يصدق على مقدار مجموع منه كذلك يصدق على كل واحد من أبعاضه حتى القبضة بل الحبة و الحبتان منها و لا بأس بهذا التعريف و ان كان ينتقض بكثير من القيميات كالجوهر. فان اسم النوع الصادق على مجموعه يصدق على أبعاضه. و قد اتفقوا على ان الجواهر بجميع أنواعها قيمية كما اتفقوا على ان المسكوكات بل مطلق الذهب و الفضة مثلية، و التحقيق عندنا في المقام: ان هذا البحث (اعني تعريف المثلي و القيمي) ينبغي ان يكون ساقطاً من أصله إذ لم يرد في دليل من كتاب أو سنة، هذان اللفظان حتى يلزمنا البحث عن معناهما و طلب المائز بينهما و أدلة الضمان كقاعدة اليد و غيرها لم تتعرض لبيان ما به الضمان و انما مفادها ان المال في عهدة واضع اليد أو المتلف أو الغار أو غير ذلك و قد أوضحنا ان معنى

ص: 136

الضمان هو العهدة عقلا و عرفاً بل و لغة و شرعاً و مقتضاه وجوب رد العين إذا كانت موجودة ورد الأقرب فالأقرب إليها إذا كانت تالفة و حيث ان الأقرب الى العين بعد تلفها هو المثل مطلقاً سواء كان مثلياً على مصطلحهم أو قيمياً بل تدور مدار صدق كونه مثله عند العرف فان تمكن من غير عسر و حرج من تحصيل مثله و حب ليدفعه الى المضمون له سواء كان تحصيله من الأسواق أو من البيوت أو غير ذلك و سواء أمكن بثمن المثل أو أقل أو أكثر إذا لم يبلغ الاحجاف فيلحق بالمتعذر و إذا تعذر المثل أو تعسر رجع الى القيمة، اما قيمة يوم القبض أو يوم التلف أو يوم الدفع أو أعلى القيم فيما بينها على الخلاف الذي مرت الإشارة اليه: و الفرق كالصبح واضح بين هذه الطريقة و طريقة المشهور فإنهم بعد ان قسموا الأشياء الى مثلية و قيمية أوجبوا ضمان المثل بمثله و القيمي بقيمته فلا حق للضامن بدفع المثلي عن القيمي مع التمكن. كما لا حق له بدفع القيمة عن المثل في المثلي مع تيسيره الا مع التراضي الذي هو كمعاملة جديدة.

اما على اختيارنا قالوا أجب عليه تحصيل المثل و دفعه مهما كان الشي ء و لا يهمنا كونه مثلياً أو قيمياً، فان تعذر أو تعسر لزمه دفع القيمة اما تعريف (المجلة) فيمكن تطبيقه على ما ارتأيناه، سوى ان التقييد بوجوده في السوق مستدرك، و لو عبروا عنه بما يمكن تحصيل مماثله بدون تفاوت يعتد به و بدون مشقة و إجحاف، و القيمي ما يتعذر تحصيل مثله أو يتعسر الا باجحاف لكان أقرب الى الصواب، و يؤيد ما اخترناه

ص: 137

من ان الأصل في الضمان هو المثل، قوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدىٰ)، (وَ جَزٰاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهٰا) أما القيمة فهي بدل قهري تقضي به الضرورة و الأحوال الاستثنائية فتدبره.

(مادة 152)

الثمن:
اشارة

ما يكون بدلا للمبيع و يتعلق بالذمة (مادة 153)

الثمن المسمى:

هو الذي يسميه و يعنيه المتعاقدان وقت البيع بالتراضي سواء كان مطابقاً لقيمته الحقيقية أو ناقصاً عنها أو زائداً، هاتان المادتان- مادة واحدة- لأن الذي يكون بدلا للمبيع هو المسمى الذي قد يساوي القيمة السوقية و قد ينقض و قد يزيد، ثم ان المسمى الذي يكون بدلا للمبيع قد يتعلق بالذمة و قد يكون عيناً شخصية فقصره على الأول مما لا وجه له على الظاهر، و تحرير القضية ان البيع مضافاً الى ما تقدم له من الأقسام ينقسم أيضاً باعتبار كلية العوضين أو جزئيتهما إلى أربعة أقسام لأنهما اما ان يكونا معاً عينين شخصيتين فالبيع شخصي أو يكونا معاً كليين فالبيع كلي أو يكون المبيع شخصياً و الثمن كلي في الذمة و لعله الغالب أو يكون بالعكس كما هو في السلم بالنسبة إلى المبيع فإنه كلي ابدا، اما الثمن فيصح ان يكون جزئياً و كلياً و تختلف هذه الأقسام في الأحكام سيما من حيث التلف قبل القبض ثمناً أو مثمنا، كما سيأتي كل واحد في محله.

(مادة 154)

القيمة:

هي الثمن الحقيقي للشي ء.

لعله غير خفي على النبيه ان ليس لشي ء من الأعيان المتقومة اعني الماليات قيمة حقيقة بل تختلف قيم الأعيان باختلاف المكان و الأزمان

ص: 138

و القلة و الكثرة و الرغبات المنبعثة عن الحاجة أحياناً و عن التوسع و الترفه في الأكثر فرب سلعة في بلد لها قيمة و في بلد آخر تجاورها أكثر منها أو أقل بل و في بلد واحد قد تختلف قيمة الشي ء الواحد باختلاف الأيام و الفصول، و هذا يكشف عن كون الأشياء ليس لها قيمة حقيقة بل ليس حقيقة القيمة إلا أمر اعتباري يختلف باختلاف الظروف التي ينشأ منها الاعتبار فقول (المجلة) ان القيمة هي الثمن الحقيقي ناشئ من عدم إمعان النظر، و الظاهر انهم يريدون ان الثمن الحقيقي في مقابل الثمن المسمى و هي قيمة الشي ء في حد ذاته، و لو عبروا بان ثمن الشي ء بذاته هو قيمته السوقية. أي لا ثمنه المسمى لكان أقرب الى الصواب،

(مادة 155)

المثمن:

هو الشي ء الذي يباع بالثمن هذا أيضاً مضافاً الى كونه من الواضحات لا يترتب عليه أي فائدة

(مادة 156)

الدين:

ما يثبت في الذمة كمقدار من الدراهم في ذمة الرجل، و مقدار منها ليس بحاضر. و المقدار المعين من الدراهم، أو من صبرة الحنطة الحاضرتين قبل الافراز فكلها من قبيل الدين.

و هذا أيضاً من الخلط الغريب فان الدين لغة و شرعاً و عرفاً ليس إلا الكلي الذي يتعلق بالذمة في مقابل العين التي يتحقق في الخارج وجودها الشخصي فالدين هو الكلي و المعين هو الشخص، و هذا مما لا يختلف فيه اثنان، نعم الكلي المطلق لا بقيد الإطلاق و بعبارة أصح: مطلق الكلي قسمان قسم منه في الذمة و هو الدين و أسباب تعلقه بالذمة كثيرة

ص: 139

واحد افراده عقد القرض لا القراض و قسم منه في الخارج و هو الذي يسميه فقهاؤنا (الكلي في المعين) مثل صاع من صبرة معية و شاة من قطيع معين فإنه أي الصاع أو الشاة كلي لانه صادق على كثيرين و هي كل صاع من الصبرة و جزئي لأنه في الخارج لا في الذمة و هو مردد في معين و هي الصبرة أو لقطيع و على كل حال فلا علاقة له بالدين أصلا و يظهر الفرق بينه و بين الصاع المشاع بالإشاعة الكسرية في أمور لا مجال لها هنا و ربما يأتي الإشارة إليها في موضع آخر إن شاء اللّٰه.

و ما بقي من المواد المذكورة هنا أي في المقدمة كلها واضح، و الجدير ان نشرع بعد الفراغ من مواد المقدمة في مقاصد الكتاب و أبوابه.

ص: 140

(الباب الأول) في بيان المسائل المتعلقة بعقد البيع

اشارة

و فيه خمسة فصول

(الفصل الأول) فيما يتعلق بركن البيع
(مادة 157) البيع ينعقد بإيجاب و قبول.

العناصر التي يتركب البيع منها ستة، (البائع، المشتري، المبيع، الثمن، الإيجاب، القبول).

و الأركان منها أربعة.

(الثمن و المثمن و الإيجاب و القبول) و لكل واحد من تلك العناصر شروط، أهمها بعد الشروط العامة (القصد) و معلومية العوضين بوجه يرفع الجهالة الموجبة للغرر، و هذان الأمران شروط و كنية و سيأتي ذكر باقي الشروط في الأمور المتعاقبة و قد ظهر من طي المباحث المغايرة ان حقيقة البيع سواء جعلناه تبديلا أو مبادلة أو تمليكا أو تملكا و نقلا أو انتقالا- هي من مقولة المعاني الإنشائية لا يكفي في تحققها قرارها الذهني و وجودها التصوري بل لا بدّ لها من مظهر خارجي تظهر فيه و تتحقق به و الذي يتحقق به إنشاء البيع اما قول أو فعل فالإنشاء

ص: 141

القولي هو العقد الذي يتحقق بالإيجاب و القبول، و الإنشاء الفعلي هو المعاطاة الذي سيأتي بحثها، فكان الجدير (بالمجلة) ان تقول ان البيع العقدي هو الذي ينعقد بالإيجاب و القبول لا مطلق البيع.

(مادة: 158) الإيجاب و القبول في البيع عبارة عن كل لفظين مستعملين لإنشاء البيع في عرف البلد:
اشارة

المراد بهذه المادة بيان ان البيع لا يشترط فيه صيغة خاصة بل يتحقق بكل لفظين يستعملان فيه حسب العرف الخاص أعم من كون الاستعمال على نحو الحقيقة أو المجاز بل يعم إطلاق الاستعمال حتى الغلط في العربية إذا جرى عليه عرف البلد و اخرج بقوله (لفظين) الإشارة و نحوها، و هذا من البحوث المهمة في باب البيع بل مطلق العقود، و تحريره يستدعي النظر في جهات،

الاولى-: ان البيع بل عامة العقود هل يتوقف صدق العقد عليها على إنشائها بألفاظ أو يتحقق عقديتها بإنشائها و لو بالفعل

كالتعاطي أو الإشارة أو الكتابة أو غير ذلك و قد اختلف الفقهاء في ذلك و الذين ذهبوا الى ان المعاطاة لا تفيد التمليك بنوا ذلك على اعتبار اللفظ في العقود و لخلو التعاطي عنه لا تكون المعاطاة عقداً فلا يكون مفادها التمليك بل الإباحة و الاذن و الظاهر اتفاقهم على ان إشارة القادر على اللفظ لا تكون عقداً كما ان كتابته كذلك كما اتفقوا على ان إشارة العاجز كالأخرس و كتابته تكون عقداً بنظر العرف مع العجز عن التوكيل أو مطلقاً كما هو الأقوى لأن إشارته عندهم تقوم مقام لفظه و لذا قدمها

ص: 142

الأكثر على الكتابة لأنها ليست ألفاطاً و لا تقوم مقام اللفظ، نعم هي تحكي عن الألفاظ و الألفاظ تحكي عن المعاني، و اما كفاية الفعل كالتعاطي عن القول، فسيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه، فلو قلنا بعدم صدق العقد على الفعل و نحوه من غير الألفاظ و عدم تأثير غير ما دلت السيرة على تأثيره و شككنا في اعتبار شي ء في التأثير فالمرجع طبعاً إلى أصالة عدم التأثير و لا إطلاق يرجع اليه بخلاف ما لو قلنا يعدم اختصاص صدق العقد بالألفاظ فإن المرجع بحكم الإطلاق إلى أصالة الصحة الناشئة من أصالة عدم الاعتبار.

الثانية-: بناء على اعتبار الألفاظ في صدق طبيعة العقد فهل يعتبر فيها ألفاظ مخصوصة

أو يكفي كل ما دل علي طبيعة العقد أو مما استعمل فيه مجازاً أو غلطاً و لو بالقرينة فكما يتحقق طبيعة البيع بإنشائه بالألفاظ الخاصة بالإيجاب مثل بعت و شريت أو الخاصة بالقبول مثل اشتريت و ابتعت و قبلت. كذلك يتحقق بالألفاظ الدالة عليه باللازم مثل ملكت و نقلت و عاوضت و أمثالها فإن حقيقة البيع هي المبادلة و هي من لوازم تلك العناوين بل بما هو أوسع و أبعد كاستعمال اللوازم العامة مثل خذ هذا بكذا أو هو لك بكذا و ما أشبه ذلك، و يتمطى الجواز حتى يتناول استعمال صيغة عنوان عقد خاص في عقد آخر فيستعمل البيع في الإجارة: فتقول بعتك منفعة الدار بكذا. و الإجارة بالبيع فتقول:

آجرتك الدابة ملكا بكذا. و البيع في الهبة مثل- بعتك الكتاب بلا عوض و بالعكس مثل- وهبتك الثوب بعوض كذا و يطرد هذا

ص: 143

في سائر العقود فما كانت هناك مناسبة و علاقة كان مجازا و الا كان غلطا و لا منافات عند المجوز بين غلطية اللفظ و صحة العقد لان المدار في العقد عنده على تحقق الإنشاء باللفظ مهما كان، هذا تصفية تصوير الوجوه و الأقوال على الإجمال، اما التحقيق عندنا فهو ان عناوين العقود الخاصة، كالبيع و الإجارة و الصلح و الهبة و نظائرها لا تتحقق إلا بإنشائها بالألفاظ و لا يلزم ان تكون تلك الألفاظ مشتقة من نفس ألفاظ عناوينها بل يكفي كل لفظ دل عليها في نفس ذلك الاستعمال و لو بمعونة القرينة حالية أو مقالية فالمدار على التفاهم بين المتعاملين و ان يفهم كل منهما مراد الآخر حتى يقع القبول مطابقاً للإيجاب سواء كان استعمال تلك الألفاظ فيما قصداه، صحيحاً أو غلطاً، حقيقة أو مجازا، و أفق عرف البلد أو خالفه، لان العقد ليس الا إنشاء المعنى بلفظ مفهم للمقصود بنفسه أو بالقرينة. و لا نقول: ان العقد منحصر بالإنشاء اللفظي بل نقول ان الإنشاء اللفظي عقد قطعاً بل أظهر أنواع العقد اما انه يتحقق بالإنشاء الفعلي أم لا فسيأتي تحقيقه قريبا إن شاء اللّٰه و (بالجملة) فلا نجد العرف يعتبر في حقيقة العقد أكثر من القصد إلى إيجاد المعنى باللفظ و لازم قصد إيجاده و تحقيقه التزامه به حتى في العقود الجائزة فإن العقد الجائز أيضا قد التزم الطرفان بمضمونه و لكن ما دام العقد و غاية الفرق بينه و بين اللازم ان ذاك له ان يحله متى شاء بخلاف الثاني. اما في ظرف عدم حله فيجب الوفاء به و تترتب آثاره عليه و قد أشرنا فيما سبق الى ان وجوب الوفاء في الآية يمكن ان يعم كل عقد خرج بالدليل

ص: 144

العقود الجائزة من حيث جواز حلها و ما عدا ذلك فيجب العمل على طبقها فيها و في سائر العقود و هذا هو مدرك أصالة العقود كما تقدم.

و القصارى ان العقد يتحقق عرفا بإنشاء معناه لفظا مطلقا بشرط إفهام القصد و المراد و لو بالقرينة و لكن اللزوم الشرعي و وجوب الوفاء يمكن منع شموله لكل عقد عرفي حتى ما أنشأ باللفظ الغير الموضوع لذلك العنوان و سره ان اللام في العقود التي في الآية ظاهرة في العهد لا الجنس فيكون الحكم ثابتا للعقود المعهودة في العرف الشائعة فيما بينهم لا مطلق ما يستعملونه و من المعلوم ان الشائع المتداول من العقود عندهم هو ما كان إنشاؤه بالألفاظ المنتزعة من عنوان ذلك العقد فالمتداول من عقد البيع هو ما يشتق من هذا العنوان و أخواته مثل: بعت و اشتريت، و شريت و ابتعت و قبلت لا مثل ملكت (بالتشديد) و تملكت و نقلت و عاوضت و أشباه ذلك، و هكذا عقد الإجارة فإن المتعارف المتداول ما يشتق من عنوانه كاجرت لا من لوازمها و توابعها مثل تمليك المنفعة و نحوها و هكذا الكلام في سائر العقود ذوات العناوين الخاصة كالهبة و الصلح و المزارعة و المساقات فكل عقد كان إنشاؤه بألفاظ منتزعة من عنوانه فهو لازم يجب الوفاء به و الا فشمول الدليل له غير معلوم و الأصل هنا عدم اللزوم عند الشك في شمول الدليل لعدم إحراز العموم أو الإطلاق فإن مصب العموم ضيق كما عرفت، إذاً فليس كل عقد عرفاً يجب الوفاء به شرعا بل هي تلك العقود الخاصة بعناوينها المخصوصة و منه يستبين حال استعمال الكنايات القريبة أو البعيدة مثل

ص: 145

«بارك اللّٰه لك في صفقتك» أو «شايف الخير»، و نحو ذلك مما يستعمله العرف بعد المساومة لإطلاق البيع و إظهار الموافقة، فإن قصد به القائل إنشاء البيع كما هو الغالب حيث يريدون به معني بعتك فهو عقد و لكن لزومه غير. معلوم على ان تحقق الإنشاء به محل نظر فإن إنشاء اللازم ليس إنشاء للملزوم فان الدعاء بالبركة و ان كان لازمة ان يكون له و لكنه ليس إنشاء لجعله له فهو محتاج إلى عناية أخرى بأن ينسلخ عن معنى الدعاء و يتمحض لنوع آخر من الإنشاء و ان لم يقصد النقل و التمليك فلا إشكال في عدم كفايته، هذا كله من حيث مواد الألفاظ التي تستعمل لإنشاء البيع و سائر العقود، اما من حيث الهيئات فيتضح بالنظر في-:

(الجهة الثالثة) و هي ان البيع و نحوه من العقود، لما كان من المعاني الإيجادية التي لا حقيقة لها في الخارج الا بنفس إنشائها و إيجادها

فإذا أنشئت تحققت و وجدت، و حيث ان هيئة الماضي هي الصريحة في الدلالة على الثبوت و تحقق الوقوع و مفادها الصريح تحقق نسبة وقوع الفعل من الفاعل و لذا كان بذاته مجرداً عن الزمان و انما يدل على الزمن باللازم عند الإطلاق و كثيراً ما يطلق على نسبة وقوع الفعل في المستقبل بغير عناية و تجوز مثل (إِذٰا جٰاءَ نَصْرُ اللّٰهِ) و (أَتىٰ أَمْرُ اللّٰهِ)، و نظائرها فمدلول هذه الصيغة الخاصة مطابقة هو الثبوت و التحقق فإذا استعملت في العقود من بيع و نحوه دلت صراحة على تحقق وقوع معانيها و ثبوتها فكانت هي الهيئة

ص: 146

الصريحة في إنشاء تلك المعاني المحتاجة الى ما يدل على تحقق وقوعها إذ لا حقيقة لها إلا بإنشاء ثبوتها و تحقيقها، اما هيئة المضارع فمدلولها الصميم ليس الا نسبة المبدء الى الذات اي الفعل الى الفاعل فهو كاسم الفاعل حقيقة و لذا سمي بالمضارع سوى ان الفعل يدل على نسبة المبدإ إلى الذات و تلبسها به و اسم الفاعل يدل على تلبس الذات بالمبدإ و نسبتها له فهو مترتب عليه و متأخر رتبة عنه فتقول: يضرب فهو ضارب، و هو أيضاً مجرد عن الزمان و يصلح للماضي كما في قولك: لم يضرب، و يتمحض للاستقبال كما في سوف يضرب، و يتردد بين الحال و الاستقبال كما لو تجرد. و على اي فحيث ان مدلولهما الصريح تلبس المبدأ بالذات أو تلبس الذات بالمبدإ من دون نظر الى زمان و لا الى تحقق ذلك لم يكن صريحاً في الثبوت و الوقوع و ربما يكون كل منهما دالا عليه عند الإطلاق و لكن باللازم و قد عرفت ان المعتبر في العقود الصراحة و ان إنشاء أحد المتلازمين لا يستلزم إنشاء الآخر و ان عدم الانفكاك في المتلازمين انما هو في الخارجيات لا الإنشائيات، (و القصاري) أن هيئة الماضي هي الصريحة في العقود و سيما البيع، و لذا اتفقوا قولا واحدا على تحقق العقد بها و اختلفوا في المضارع و اسم الفاعل و الحق انهما لا يصلحان لإنشاء المعاني العقدية بهما الا مع القرينة فتقول: أنا بائع تريد إنشاء البيع و تحقيقه بذلك مع القرينة الواضحة من حال أو مقال فليس هو و لا مضارعه من صيغ العقود الصريحة كالماضي و اما صيغة الأمر و الطلب مثل بعني أو زوجني و نحوهما فهي أبعد من المضارع

ص: 147

و أخيه بكثير إذ ليس هو إنشاء للبيع بل طلب إنشائه من الغير فهو استدعاء محض اما لزوماً ان كان من العالي أو التماساً و رجاء ان كان من غيره فإذا قال بعني و قلت له بعتك لا بد من ان يتبعه بقوله قبلت و الا فلا عقد، إذاً فالماضي هو المتعين في العقود و ما عداه لا يكفي إلا بتكلف و عناية لا يصح الاعتماد عليها في العقود، و ما ورد في بعض الاخبار من كفاية الطلب حيث قال: زوجنيها يا رسول اللّٰه، ان لم يكن لك بها حاجة، و ما في شراء العبد الآبق و بيع المصحف و غيرها مما هو ظاهر في كفاية المضارع و الأمر محمول على المقاولة قبل البيع تمهيداً لإجراء الصيغة لا الاكتفاء بنفس ذلك القول: نعم في خصوص الطلاق و العتق بل و الوقوف و الصدقات جعل الشارع الصيغة المخصوصة لها أسماء الصفات و اسم الفاعل مثل: أنت طالق و أنت حر و داري صدقة أو وقف كل ذلك للدليل الخاص و لا يجوز التعدي عنها الى غيرها فلا يصح داري إجارة أو مأجورة و نحو ذلك قطعاً، اما اعتبار العربية في صيغ العقود فان كان المراد به عدم كفاية الألفاظ المرادفة للبيع في اللغات الأخرى فهذا مما لا دليل عليه بل الأصح ان الأدلة العامة (ك أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (ك أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) شاملة لكل عقد في كل لغة غايته انها على نحو ما حققناه من كون الملحوظ فيها العقود المنشأة بألفاظها المأخوذة من عناوينها الخاصة سواء في لغة العرب أو غيرها، و ان كان المراد باعتبار العربية إخراج الملحون، مادة أو هيئة الخارج عن قواعد العربية فالتحقيق ان اللحن ان لم يكن مغيراً للمعنى كما لو قال: بعتك

ص: 148

(بفتح الباء أو التاء) لم يقدح، اما لو كان مغيرا كما لو أدخل الهمزة فقال. أبعتك أو شوش نظم المادة فقال جوزتك مكان زوجتك أو استعمل المشترك اللفظي أو المعنوي أو المجاز و لم ينصب قرينة فتحقق حقيقة العقد بها مشكل و على تقديره فلزومه غير معلوم ان لم يكن معلوم العدم، هذا تمام القول فيما يتعلق بهذه المادة و منه يعلم ان عرف البلدة لا خصوصية له فلو قالوا الإيجاب و القبول لفظين مستعملين لإنشاء البيع عن وضع أو قرينة لكان أصح و أوسع فتدبر و باللّه التوفيق.

(مادة 169) الإيجاب و القبول يكونان بصيغة الماضي بدون النية

كبعت و اشتريت و اي لفظ من هذين ذكر أو لا فهو إيجاب و الثاني قبول، فلو قال البائع بعت و قال المشتري اشتريت أو قال المشتري أو لا اشتريت ثم قال البائع بعت انعقد البيع و يكون لفظ بعت في الأولى إيجاباً و اشتريت في الثانية بالعكس، و ينعقد البيع أيضاً بكل لفظ ينبئ عن إنشاء التمليك و التملك كقول البائع أعطيت أو ملكت و قول المشتري أخذت أو تملكت أو رضيت و أمثال ذلك.

تضمنت هذه المادة ثلاثة أمور.

الأول:- انعقاد البيع بالماضي و قد عرفت الوجوه في انها هي الصيغة الصريحة و ما عداها بين مقطوع بعدم صحته و بين مشكوك.

الثاني:- إعادة ما سبق في مادة (101) من ان الإيجاب هو أول الكلام إلخ و تحرير هذه المسألة ان الإيجاب و القبول اما ان يقترنا أو يتقدم أحدهما على الآخر و على كلا الفرضين فأما ان يكونا بلفظ بعت

ص: 149

و قبلت أو بغيرهما و على فرض التقدم و التأخر، فأما ان يتقدم الإيجاب و يتأخر القبول أو العكس فهنا ست صور: تقدم الإيجاب على القبول و هي القدر المتيقن و المتفق على صحتها كالاتفاق ظاهرا على بطلان عكسها و هي: تقدم القبول، (الثالثة) افترانهما بصيغة بعت و قبلت و الصحة محل نظر كا (لرابعة) و هي افترانهما بغيرهما من الصيغ (الخامسة) تقدم بعت إيجاباً و تأخر اشتريت قبولا أو العكس تقدم اشتريت و تأخر بعت و لا إشكال في صحة الاولى و يشكل صحة عكسها (السادسة) التأخر و التقدم في ابتعت أو بعت أو رضيت أو العكس و حالهما حال سابقتيهما، و قد يتصور أكثر من ذلك و لكن يعرف حال كثير منهما مما ذكرنا، و (الضابطة) انه كلما كان من أحدهما قبول أو بمعناه من الرضا و الإمضاء و نحوهما فلا بد من تأخيره لما مرت الإشارة إليه من ان نحوه نحو المطاوعة و التأثر و يستحيل تحقق التأثر قبل المؤثر و الانفعال قبل الفعل كاستحالة تقدم المعلول على العلة و إذا لم يكن من أحدهما القبول و ما بمعناه مثل ابتعت و بعت و اشتريت و بعت ففي الحقيقة كل منهما موجب و قابل باختلاف الاعتبار بل يمكن الحكم بالصحة حتى مع التقارن في هذه الصيغ و يمكن فيها تطرق التفصيل بين ما إذا كان البيع صرفاً أو مقايضة فكل منهما موجب و قابل تقارنا أو تقدم أحدهما على الآخر، اما لو كان أحد العوضين سلعة و الآخر نقداً فصاحب النقد مشتريا و قابلا و صاحب السلعة بائعاً و موجباً تقدم أو تأخر على ان ترتب الثمرة على تعيين الموجب من القابل قليلة و الفائدة العملية معدومة

ص: 150

ضئيلة، الثالث:- من الأمور إعادة ما أشير إليه في المادة المتقدمة من كفاية كل ما ينبئ عن التمليك و التملك، و قد عرفت أوسع ما ينبغي من التحقيق فيه و منه يظهر لك القدح فيما ذكرته (المجلة) هنا من انعقاد البيع بمثل قول البائع أعطيت و ملكت و قول المشتري رضيت فان الإعطاء ظاهر في التمليك المجاني فهو من صيغ الهبة و لا يجوز استعماله في البيع الذي هو رأس عقود المعاوضات الا غلطاً أو مجازاً بعيداً فلا يكون عقد بيع و لو سلم فلا يكون لازماً لما عرفت و أيضاً فإن الرضا لا يصح استعماله قبولا في مطلق العقود اللازمة لأن معنى القبول فيها يتضمن معنى يستلزم التعهد و الالتزام و الرضا اذن و موافقة لا تعهد و التزام فتدبره جيداً،

(مادة 170) ينعقد البيع بصيغة المضارع إذا أريد بها الحال كابيع و اشتري و إذا أريد بها الاستقبال لا ينعقد

قد ظهر لك مما أفضنا قبل في بيانه ان المضارع لا يدل على أكثر من نسبة المبدإ إلى الذات و تلبسها به و هذا غير كونه محقق الوقوع فإن أريد منه الحال بالقرينة كان لازمة كونه محقق الوقوع فيدل على إنشاء المبادلة أو التمليك باللازم و كفايته في العقود محل نظر و هذا بخلاف الماضي فإنه صريح بالوقوع و الثبوت، فليفهم، و قد عرفت ان طلب وقوع الشي ء غير نفس وقوعه بل طلبه ظاهر في عدم تحققه و حصوله و هو عكس المقصود بالبيع و نحوه و منه يعلم مادة (171) التي هي تكرار

ص: 151

للمادة التي قبلها و مادة (172) لا ينعقد البيع بصيغة الأمر كبع و اشتر إلخ و يريد باقتضاء الحال القرينة على إرادة إنشاء البيع بصيغة الأمر و هو من قبيل استعمال الشي ء في ضده فان قولك بع طلب إنشاء وقوعه الظاهر في انه غير واقع فلو استعملته في إنشاء تحقق وقوعه كان استعمالا في شبه ضده و حاله حال المضارع بل أسوء.

(مادة 173) كما يكون الإيجاب و القبول بالمشافهة يكون بالمكاتبة أيضاً،

قد عرفت ان الكتابة عندنا لا تصلح للعقد و حالها حال الإشارة من القادر، نعم مع العجز و عدم إمكان التوكيل قد يكتفي بالكتابة و مع دوران الأمر بينها و بين الإشارة في العاجز لا يبعد رجحان الإشارة لأنها أقرب الى اللفظ كما في مادة (174) ينعقد البيع بالإشارة المعروفة للأخرس، اما الرسالة اي إرسال رسول لإجراء البيع فان كان بنحو الوكالة صح و الا فهو فضولي، و تلخص من كلها سبق ان الماضي هي الصيغة الصريحة في عامة العقود باتفاق الجميع (بدون نية) اي بطبيعتها و من غير حاجة الى قرينة كما في قرينية و الا فقصد الإنشاء لازم في الجميع و لو عبرت (المجلة) بذلك لكان أبعد عن الإبهام.

اما الأمر و المضارع فيصح استعمالهما في العقد عند أصحاب (المجلة) و لكن مع النية و قصد الحال بهما اي و مع القرينة كقول العاقد أبيعك الآن أو حالا أو نحو ذلك، اما عندنا فمشكل و كونه عقداً لازما أشكل.

ص: 152

(بيع المعاطاة) (مادة 175) حيث ان القصد الأصلي من الإيجاب و القبول هو تراضي الطرفين فينعقد البيع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي و يسمى هذا بيع التعاطي،

مثال ذلك ان يعطي المشتري للخباز مقداراً من الدراهم فيعطيه مقداراً من الخبز بدون إيجاب و قبول أو ان يعطي المشتري الثمن للبائع و يأخذ السلعة و يسكت البائع، هذا هو بيع المعاطاة المشهور، و في عبارة (المجلة) أيضا نوع من التسامح حيث جعل القصد الأصلي من العقد أي الإيجاب و القبول هو التراضي مع ان الرضا و التراضي اذن و إباحة و هو غير ما هو المقصود بالعقود فان المهم فيها هو إنشاء التمليك و المبادلة، و الرضا بتصرف الغير في ملكك معنى، و جعل مالك ملكا للغير معنى آخر، و المعاطاة التي هي أخت العقد اللفظي هي التي يقصد بها إنشاء البيع و التمليك و هذه هي التي ينبغي ان تكون محل الكلام و موضع النقض و الإبرام الا التي يراد بها الرضا و إباحة التصرف و حلية الانتفاع شبه العارية و نحوها، نعم اختلف فقهاؤنا أشد الاختلاف في موضوعها و المعنى المقصود منها في موضع النزاع كاختلافهم في حكمها فقيل هو ما قصد به المتعاطيان الإباحة و قيل ما قصد به التمليك و قيل ما تجرد عن كل منهما كما كان الأقوال في حكمها كثيرة من حيث الصحة و الفساد

ص: 153

و الجواز و اللزوم و قد تنتهي إلى ستة هي بين إفراط و تفريط فهي بيع فاسد عند بعض و بيع صحيح لازم كالبيع بالألفاظ عند آخرين و بيع صحيح و لكنه جائز و انما يلزم بتلف أحد العوضين أو كليهما و هذا هو أوسط الأقوال و أقربها إلى القواعد، و ذهب جماعة انها تفيد إباحة التصرفات اما مطلقاً أو خصوص مالا يتوقف على الملك، و صفوة ما عندنا هنا من التحقيق ان المشاهد المحسوس من حالنا بل و من حال غيرنا من صغير أو كبير في شراء حقير أو خطير حتى الطفل المميز إذا اشترى شيئاً من الأسواق لا يقصد بدفعه المال من نقود و غيرها بإزاء ما يأخذه من السلعة إلا مبادلة ذا بذاك و قطع علاقته من العين المدفوعة منه بالكلية عوض استيلائه على العين المأخوذة من الآخر فيصح على هذا تعريفها التحقيقي أو التقريبي بأنها عبارة عن ان يدفع كل من اثنين ماله الى الآخر عوض ما يدفعه الآخر له، و قد مر عليك ان إنشاء التمليك لا بدّ له من أمر خارجي يتحقق به و يكون آلة لإيجاده، و الألفاظ هي الأدوات التي يبنى العقلاء على إظهار مقاصدهم بها حكاية أو إيجادا يعني خبراً أو إنشاء، ثم في الرتبة الثاني، الأفعال فإن للأفعال ظهورا كما للأقوال و ينشأ بها المعاني الاعتبارية كما ينشأ بالأقوال فكما انك إذا قلت لشخص هذه العين لك، تارة تريد اخباره بأنها له، و تارة تريد إنشاء تمليكها له، فكذلك إذا دفعتها له و أنت ساكت قد تريد ان دفعها اليه من جهة انها ملكه و ماله العتيد، و تارة تريد إنشاء انها له فتكون من ماله الجديد، فهذا عقد و التزام ضمني و لكنه فعلي لا قولي

ص: 154

و هو مع قصد التعاوض بيع و يشمله (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ)، و لكنه ليس كالعقد القولي يجب الوفاء به لما عرفت قريباً من ان (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا تشمل الا العقود اللفظية المنشأة لعناوينها الخاصة بها فأحل اللّٰه البيع تثبت مشروعية هذا العقد و انه مؤثر، و لكن دليل اللزوم قاصر عنها فتكون جائزة و لكل من الطرفين الرجوع ما دام كل من العوضين قائما موجوداً اما مع تلفهما أو تلف أحدهما فيأتي اللزوم كما هو الشأن في جميع العقود الجائزة، كالهبة و غيرها (و سره) ان المالك سلطه على العين بجميع شؤنها و لازمة ان له جميع التصرفات حتى الناقلة و الموقوفة على الملك و لازم ذلك ان لا رجوع مع التلف أو الإتلاف لأن حق الاسترجاع انما هو مع بقاء العين و قيامها، اما مع تلفها فقد زال الموضوع و سقط الحق و لزم العقد، و من نفس عنوان هذا النوع من البيع يعلم انه لا يتحقق إلا بالتعاطي من الطرفين حقيقة أو حكما فإن المشتري إذا اعطى الثمن للبائع و أخذ السلعة و البائع ساكت فان سكوته الكاشف عن رضاه يقوم مقام عطائه كما ان أخذ المشتري يكون كإنشاء للتملك و التمليك و سكوت البائع إمضاء، و كذا دفع القصاب قطعة اللحم و أخذ المشتري لها بعد طلبه محقق للتعاطي حقيقة اما قبل أخذ المشتري لها فالبيع لم ينعقد و الاستدعاء لا يجعل المشتري ملتزماً و قد عرفت ان كلا من البائع و المشتري له العدول و الفسخ بعد تحقق البيع بالتعاطي لأنه عقد جائز فكيف لا يجوز قبل ان تتم المعاطاة التي هي بمنزلة الإيجاب و القبول و الاستدعاء لا يكون قبولا و دفع القصاب اللحم كإيجاب بلا قبول فما

ص: 155

وجه حكم (المجلة) بأنه ليس للمشتري الامتناع من قبوله و أخذه بل له الامتناع على التحقيق حتى بعد أخذه أي له الرجوع و العدول لانه بيع جائز و لا يلزم الا بتلف أحد العوضين حقيقة أو حكما كما لو باعه أو رهنه أو ما يشبه ذلك، و من الغريب قول القائل: ان الإيجاب و القبول انما اعتبرا في البيع لقيامهما مقام التعاطي حكما، فقد جعل التعاطي أصلا و الإيجاب و القبول فرعاً، مع ان الأمر بالعكس فإن الأصل في الخيريات و الإنشائيات هو اللفظ، و القول و الفعل و التعاطي فرع و تبع له باتفاق أهل العلم، و (بالجملة) فإن إنشاء التمليك بالفعل انما يكون بيعاً و يحصل به النقل و المبادلة إذا توفرت فيه جميع شروط البيع من معلومية العوضين و عدم الغرر و القدرة على التسليم و قصد المتعاقدين و رشدهما و اختيارهما الى غير ذلك من شروط البيع الآتية لا يفقد شيئاً من شرائطه و مقوماته سوى الإيجاب و القبول الذي يقوم تعاطيهما مقام هذين الركنين و يلزم فيهما كل ما يلزم في الإيجاب و القبول من التوالي و نحوه، فالتعاطي من طرف واحد كإيجاب بلا قبول أو قبول بلا إيجاب، نعم يكفي من أحدهما العطاء حقيقة و من الآخر حكما و هو كثير، و منه وضع الفلس في دكان بائع البقل أو محفظته و أخذ باقة البقل و نظائر ذلك، و منه في الإجارة دخول المغتسل الى الحمام و وضع الأجرة المعلومة في صندوق صاحب الحمام و هكذا، و مما ذكرنا يتضح أيضاً ان البيوع الفاسدة مطلقاً لا تدخل في باب المعاطاة بل لها حكم آخر ربما يأتي بيانه إن شاء اللّٰه.

ص: 156

كما يتضح ان المعاطاة على القول بإفادتها الملك أو الإباحة يصح جريانها في غير البيع من العقود جائزة أو لازمة، يعني كالإجارة أو كالهبة و لا تلزم في الإجارة أو غيرها الا بالتلف الحقيقي أو الحكمي أو القيام بالعمل فتدبره جيداً، هذا أوجز ما ينبغي ان يقال في اختصار بيع المعاطاة. و هذا أقل قليل مما ذكره فقهاؤنا سيما المتأخرين منهم في المطولات و لعله قليل يعني عن الكثير.

و من أراد ان يعرف سعة فقاهة الإمامية و دقة افكارهم و غزارة مادتهم فليرجع إلى مؤلفاتهم المبسوطة في هذا الباب.

(مادة: 176) إذا تكرر عقد البيع بتبديل الثمن أو تزييده أو تنقيصه يعتبر العقد الثاني.

فلو تبايع رجلان مالا معلوماً بمائة فرش ثم بعد انعقاد البيع تبايعا ذلك المال بدينار أو بمائة و عشرة أو بتسعين قرشاً يعتبر العقد الثاني.

في هذا الموضوع أيضاً إجمال و اشكال و تحرير ذلك حسب القواعد المتفق عليها. ان الإيجاب و القبول إذا وقعا جامعين للشرائط فقد انتقل مال كل واحد من المتبايعين الى الآخر غايته انهما ما داما في مجلس العقد يجوز لكل منهما الفسخ و حينئذ فإذا تبايعا ثانياً بمعنى ان البائع باع ثانياً ما باعه أولا فإن كان بذلك الثمن فالثاني لغو طبعاً، و ان كان بثمن آخر. و الفرض ان المشتري واحد فان قصد ضمن البيع الثاني فسخ الأول و لو بقرينة مقامية أو ظهر منهما التباني على التقابل صح

ص: 157

الثاني و انحل الأول طبعاً و ان لم يقصدا فسخاً و لا إقالة فالبيع الثاني باطل لانه باع مالا يملك على من يملك فتدبره جيداً على وضوحه.

(الفصل الثاني) في بيان لزوم موافقة القبول للإيجاب

يعني يلزم ان يقع القبول على ما وقع عليه الإيجاب جنساً و قدراً و وصفاً و غير ذلك، فلو باعه المجموع بألف ليس له ان يقبل نصفه بخمسمائة و هكذا في سائر الجهات على ما ذكروه في مادة (177)، نعم لو قبل البائع بذلك ثانياً أو اشترط القابل شرطاً لم يذكر في الإيجاب ثم قبل به الموجب ثانياً فلا يبعد في هذا و أمثاله الصحة، و «الضابطة» انه كلما كان القبول بالنسبة إلى الإيجاب من قبيل الأقل و الأكثر أو الإطلاق و التقييد صح بالقبول ثانياً، و كلما كان من قبيل المتباينين كما لو قال بعتك الدار فقال قبلت الدابة فهو باطل و لا يصح بقبول البائع ثانياً و وجهه واضح، و الظاهر ان هذا هو المشار إليه بمادة (178) تكفي موافقة القبول للإيجاب ضمنا فلو قال بعتك هذا بألف

ص: 158

قرش و قال المشتري اشتريته منك بألف و خمسمائة انعقد البيع على الألف الا انه لو قيل البائع هذه الزيادة في المجلس لزم المشتري ان يعطيه الخمسمائة التي زادها أيضاً إلخ،،، و لا فرق في هذا بين الثمن و المثمن فكما جاز الاختلاف في الثمن بذلك يجوز مثله في الثمن، فلو قال: بعتك هذين الكتابين أحدهما بمائة و الآخر بخمسين صح للمشتري ان يقول قبلت الأخير بخمسين فما ذكروه عن الامام مالك في مادة (179) لم يظهر وجهه و إذا وقفنا جموداً على ما وقع عليه الإيجاب فاللازم المنع في المقامين و لا وجه للتفكيك، نعم لو باعه أنواعاً متعددة بثمن واحد صفقة واحدة من دون تعيين ثمن لكل واحد كان الأوجه عدم الصحة لو قبل المشتري بعضها بثمن يعينه من نفسه و ان كان لا يخلو من وجه إذا رضي البائع ثانياً، فليتأمل، اما مع تكرر الإيجاب و تعيين ثمن لكل واحد فلا إشكال في صحة قبول بعض دون بعض كما في مادة (180) لأنه بحكم عقود متعددة، و اعلم ان من حق متانة التحرير ان يعقد هذا الفصل لشرائط الإيجاب و القبول فيقال، 1-: مطابقة الإيجاب للقبول.

2-: توالي الإيجاب و القبول.

3- التنجيز فيهما اي (عدم التعليق).

4-: بقاء كل من الموجب و القابل على الأهلية إلى تمام العقد فلو

ص: 159

عرض إغماء أو جنون أو موت للموجب قبل ان يتم القبول بطل العقد.

5-: العربية.

6-: الماضوية.

7-: الصراحة.

و قد تتداخل أيضاً شرائط الموجب و القابل في شروط العقد أي الإيجاب و القبول كالبلوغ و الرشد و القصد و الاختيار و الملك و عدم الحجر و عدم تعلق حق للغير كالرهن و غير ذلك.

ص: 160

(الفصل الثالث) في حق مجلس البيع
(مادة: 181) مجلس البيع هو الاجتماع الواقع لعقد البيع

مجلس البيع عبارة عن الموضع الذي جرى فيه الإيجاب و القبول من المتبايعين سواء كانا مجتمعين في محل وجهاً لوجه أو متفرقين و لو في بلدين متباعدين و اسمع كل منهما كلامه للآخر و لو بآلة كالهاتف و نحوه و يكون مجلس البيع حينئذ هو موضع كل منهما حين العقد فلو انتقلا أو أحدهما عنه فقد تفرقا، و كذا لو كانا متباعدين في صحراء و أوصل كل منهما صوته للآخر، فمجلس البيع هو موضع المتعاقدين عند العقد حقيقة لا حكما غايته انه أعم من ان يكونا مجتمعين أو متفرقين.

و على هذا يترتب خيار المجلس الذي سبق إجماله و سيأتي تفصيله.

(مادة: 182) المتبايعان بالخيار بعد الإيجاب إلى آخر المجلس

مثلا لو أوجب أحد المتبايعين البيع في مجلس البيع فقال بعت و لم يقل الآخر اشتريت على الفور بل قال ذلك متراخياً قبل انتهاء المجلس ينعقد البيع و ان طالت المدة، تنحل هذه المادة إلى قضيتين.

الاولى-: ان كلا من المتبايعين بعد الإيجاب و قبل القبول مخير بين إكمال العقد و بين إبطال ما وقع منه فالبائع له ان يعدل عن إيجابه و المشتري له ان لا يلحقه بالقبول أصلا فيبطل الإيجاب، و هو على انه

ص: 161

واضح غني عن البيان يكون حينئذ عين مادة (183)، لو صدر من أحد العاقدين قول أو فعل يدل على الاعراض بطل الإيجاب إلخ،،، و وجب الاكتفاء بتلك عن هذه.

الثانية-: ان طول المدة بين الإيجاب و القبول و طول الفاصل بينهما لا يقدح في صحة العقد، و هذه قضية مستقلة و لا تصلح ان تكون مثالا للقضية الأولى كما لا يخفى على المتدبر.

اما فقهاء الإمامية فيعتبرون التوالي بين الإيجاب و القبول لازما بحيث يكونان كالكلام الواحد الذي له هيئة اتصالية فلو حصل فصل يقدح بذلك الاتصال و لو قليلا فضلا عن الكثير بطل، و هذا من الواضحات التي يوجب تصورها تصديقها، فان الفاتحة مثلا سورة واحدة و لها هيئة اتصالية مخصوصة فإذا قيل اقرإ الفاتحة و قلت الحمد و بعد ساعة قلت للّٰه و هكذا حتى أتممتها في عشرين ساعة لا يقول العرف انه قرأ الفاتحة، و هكذا في كل ماله هيئة تأليفية و لذا قالوا: للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء و لكن ما دام مشغولا بالكلام فإذا انقطع عد كلاماً ثانياً و عليه بنوا قضية الإقرار و الاستثناء، فلو قال علي لزيد عشرة دراهم و قال بعد ساعة إلا درهما أو استثني درهما و نحو ذلك لم يقبل و يعد من قبيل الإنكار بعد الإقرار بخلاف ما لو اتصل بكلامه الأول و حيث ان العقد كجملة واحدة مركب من إيجاب و قبول مرتبط أحدهما بالآخر أشد الربط معنى و حقيقة فيلزم اتصالهما صورة و لفظاً كالإنسان المركب من أعضاء مرتبط بعضها ببعض فلو انفصلت لم يعد إنسانا فان شخصية كل إنسان

ص: 162

متقومة بتأليفه الخاص و معيار الوصل اللازم و الفصل المضر في الكلام موكول الى نظر العرف و هو يختلف حسب الموارد فالوصل بين لفظ الجلالة و أكبر أشد منه في ما بين فصول الأذان بعضها مع بعض و الفصل بين آية و اخرى أوسع منه ما بين جملة و اخرى في نفس الآية و الفصل بين كلمة و اخرى في الجملة الواحدة أضيق منه بين نفس الجمل و هكذا في أبيات الشعر بين البيت و الآخر أوسع منه بين الشطر و الشطر و الجملة منه مع الأخرى.

و «الخلاصة» ان التوالي بين الإيجاب و القبول في عامة العقود و خصوص البيع من أهم الشروط و إذا حصل الفصل المخل بالوحدة الاتصالية بطل العقد و لم ينفع القبول المتأخر، و لا يكفي اتحاد المجلس و كما ان للأقوال وحدة اتصالية كذلك للأفعال المركبة عرفية كالكتابة و الصياغة أو شرعية كالوضوء و الصلاة و أمثالها من العبادات.

(مادة 184) لو رجع أحد المتبايعين عن البيع بعد الإيجاب و قبل القبول بطل الإيجاب

هذا أيضاً تكرار يغني عنه المادة قبلها كما تغنى عن مادة (185) تكرر الإيجاب قبل القبول يبطل الإيجاب الأول إلخ،،، فهذه المواد الأربع بل الخمس كلها قضية واحدة غنية عن البيان فضلا عن هذا التكرار الممل العاري عن كل فائدة فإن عدم تأثير الإيجاب وحده قبل القبول من لوازم اعتبار القبول و تركب العقد منهما.

فما الحاجة الى هذا التطويل.

ص: 163

(الفصل الرابع) في حق البيع بالشرط

الشروط و الخيارات و الإقالة و أمثالها انما هي من توابع العقد الصحيح التام الأركان فلا يحسن بيان شي ء منها قبل استيفاء مقومات العقد و أركانه كشرائط المتعاقدين العامة كالبلوغ و العقل و ان لا يكون محجراً عليه لفلس أو سفه أو شرائط الثمن و المثمن مثل مالين متقومين مملوكين و من الغريب ان (المجلة) ذكرت بعض هذه المسائل المهمة في الباب السابع بعد أبواب الخيارات و كان الواجب استيفاء ما يتعلق بالعقد و المتعاقدين و العوضين ثم الشروع في ما يتبع العقد من الشروط و الخيارات و مهما يكن فان الشروط تقييدية و تعليقية و التعليقية باطلة لأن التنجيز عندنا شرط في عامة العقود و التعليق ينافي التنجيز إلا إذا كان صوريا صرفاً كالتعليق على محقق الوقوع مثل ان كانت الشمس اليوم طالعة فقد بعتك فإنه يصح على الأصح و ان استشكله بعض، و اما التقييدية فهي الالتزامات في ضمن الالتزامات العقدية كما سبق توضيحها في صدر الكتاب و هي اما ان يقتضيها العقد أو يقتضي خلافها أولا يقتضيها و لا يقتضي عدمها، اما الأول فلا إشكال أنه يؤكد العقد و ليس لها أي اثر فان تخلف الشرط و ان اقتضى الخيار و لكن هذا في مثل المقام اثر العقد لا الشرط فلو شرط ان لا يدفع المبيع الا عند قبض الثمن فلا

ص: 164

حق للمشتري بالمطالبة به الا عند دفع الثمن و لو لم يدفع كان للبائع الخيار بعد الانتظار إلى ثلاثة أيام كما سيأتي، و من هذا النوع اشتراط ضمان الدرك و اما التي يقتضي العقد خلافها و هي الشروط التي تنافي مقتضى العقد فقد عرفت بطلانها بل و تكون مبطلة للعقد، اما القسم الثالث فهي الشروط التي تلزم في العقود اللازمة و هي أيضاً كما عرفت قسمان شرط الفعل و شرط النتيجة و لا إشكال في صحة شرط الفعل الا ما حرم حلالا أو أحل حراما أو خالف كتاب اللّٰه تعالى على ما سبق بيانه، و ما عدا ذلك من شروط الافعال فهو لازم نافذ سواء كان مؤكداً لمقتضى العقد كما أو اشترط الرهن على الثمن المؤجل أو الكفيل عليه أو خارجا عنه بالكلية كما لو اشترط خدمة أو كتابة و نحوها، اما شرط النتيجة فمثل اشتراط حرية العبد أو وقفية داره اي صيرورتها وقفا لا ان يوقفها أو يعتق عبده، فهذه الشروط كلها صحيحة على الأصح كما أشارت (المجلة) الى بعضها في مادة (186) و مادة (187)، ثم ان من شرط صحة الشروط و لزومها في العقود اللازمة ان يكون فيها فائدة أما للمتبايعين أو لأحدهما أو لثالث اما لو خلي عن الفائدة بالكلية كان لغواً و شرطاً سفيها و على ذلك بنوا مادة (188) البيع بشرط متعارف يعني الشرط المرعي في عرف البلدة صحيح و الشرط معتبر مثلا لو باع الفروة علي ان يخيط بها الظهارة أو القفل على ان يسمره بالباب أو الثوب على ان يرقعه.

فالفائدة في هذه الشروط للبائع و مادة (189) البيع بشرط ليس

ص: 165

فيه نفع لأحد العاقدين صحيح و الشرط لغو كبيع الحيوان على ان لا يبيعه أو على ان يرسله في المرعى صحيح و الشرط لغو، و قد يتعلق للبائع غرض بهذه الشروط فتخرج عن اللغوية و كان عليهم ان يذكروا القسمين الآخرين و هو ما فيه نفع لهما أو لخصوص المشتري و هي واضحة و كثيرة، و في باب الشروط مباحث جمة، و تحقيقات مهمة، لا مجال لبسطها في المقام و قد مرت الإشارة إلى بعضها و ربما يأتي التعرض في متفرق أبواب هذا الكتاب لبعض آخر إن شاء اللّٰه.

(الفصل الخامس) في إقالة البيع
اشارة

اقحام الإقالة التي هي فسخ العقد برضاهما في غضون مباحث شروط البيع و قبل ذكر شروط العوضين و المتبايعين غير سديد

(مادة: 190) للمتبايعين ان يتقايلا المبيع برضاهما بعد انعقاده

و قد وردت الاخبار المعتبرة في تأكد استحباب الإقالة ففي النبوي (من أقال نادماً في بيعه أقال اللّٰه عثرته يوم القيمة)، و قد اختلف فقهاء المذاهب في ان الإقالة عقد جديد أو فسخ العقد الأول فمنافع المبيع من

ص: 166

حين العقد الى حين الإقالة على الأول للمشتري و منافع الثمن للبائع و على الثاني تبني القضية على انه فسخ من حينه أو حل للعقد من أصله و على الأول فكالأول و على الثاني فبالعكس.

هذا بالنسبة إلى الزيادات المنفصلة، اما المتصلة فلا كلام في تبعيتها للعين

(مادة: 191) الإقالة كالبيع تكون بالإيجاب و القبول

و لكن يكفي فيهما كل ما دل عليهما- مثلا لو قال أحدهما: أقلت البيع أو فسخته و قال الآخر: قبلت- صحت الإقالة و ينفسخ البيع، و كذا لو قال: أقلني فقال: فعلت أو رد عليه الثمن و أخذ المبيع برضا الثاني فهي إقالة فعلية نظير المعاطاة أو فرد منها كما في مادة (192) الإقالة بالتعاطي القائم مقام الإيجاب و القبول صحيحة.

(مادة: 193) يلزم اتحاد المجلس في الإقالة

- كالبيع فلو قال أحدهما:

أقلت البيع و قبل ان يقبل الآخر انفض المجلس أو صدر من أحدهما ما يدل على الاعراض قولا أو فعلا ثم قبل الآخر لا يعتبر قبوله.

قد عرفت ان اتحاد المجلس لا يكفي في البيع بل لا بدّ من التوالي الحافظ للهيئة الاتصالية، و الوحدة العرفية، و كذلك لا يكفي في الإقالة بل لا بدّ من الاتصال على منهاج ما سبق في البيع.

(مادة 194) يلزم ان يكون المبيع قائماً و موجوداً في يد المشتري وقت الإقالة فلو كان المبيع قد تلف لا تصح الإقالة.

اما بناء على كونها عقداً جديداً فاعتبار قيام العين واضح، و اما بناء على كونها فسخاً فالفسخ و ان كان ممكناً على ان يكون أثره رد العين

ص: 167

ان كانت موجودة ورد المثل أو القيمة لو كانت تالفة و لكن لما كانت الحكمة من الإقالة استدراك النادم و الفسحة له فهي انما تقتضي استرداد عينه فلو كانت تالفة فلا موضوع للإقالة مضافاً الى ظهور اخبارها بذلك و في حكم التلف نقلها بعقد لازم كبيع أو هبة أو وقف أو نحو ذلك، نعم لو كان التالف البعض صحت الإقالة في الباقي كما في مادة (195) و كذلك يعتبر قيام الثمن ان كان شخصياً لعين ما ذكرناه في المثمن، لكن لا يقدح كون الثمن كلياً كما هو الغالب في صحة الإقالة إذ لا يلزم ان يرد عليه نفس ذلك المصداق بل يكفي رد مصداق آخر يساويه و المهم من الإقالة هو استرداد العين المبيعة اي إقالة البائع لا المشتري كما أشير إليه في مادة (196).

أما الخيارات فان كانت الإقالة عقداً جديداً جرت فيها و ان كانت فسخاً و حلا للعقد الأول فلا معنى لجريانها فليتدبر.

ص: 168

(الباب الثاني) في المسائل المتعلقة بالبيع،

اشارة

و ينقسم إلى أربعة فصول

(الفصل الأول) في حق شروط المبيع و أوصافه
اشارة

حق هذا الباب ان يعنون بالمسائل المتعلقة بشرائط العوضين و ما يدخل في المبيع و احكامه و يدرج الباب الثالث فيه بزيادة فصل في الثمن.

(مادة 197) يلزم ان يكون المبيع موجوداً.

هذا ليس بشرط على الإطلاق كيف و قد عرفت ان المبيع تارة يكون شخصياً و هو لا يكون الا موجوداً و تارة يكون كلياً يضبط بالوصف و لا يكون الا معدوما، نعم لو أراد بيع الشخص الذي سيوجد مثل ان يبيعه ما ستحمله هذه الدابة أو الثمرة التي ستحملها هذه الشجرة فالبيع هنا بمقتضى القاعدة باطل و لكن لا لكونه غير موجود بل لجهالته الموجبة للغرر و الكلي يمكن ضبطه بالوصف بخلاف الجزئي و لذا صح بيع السلم و هو بيع ما ليس بموجود فعلا، فليتدبر.

لكن يمكن بيعه بالتبع كما يمكن الوقف عليه بالتبع نظير الوقف على البطون الموجودة و ما بعدها و بيع الفرس و اشتراط ما تحمله الأخرى،

ص: 169

(مادة 198) يلزم ان يكون المبيع مقدور التسليم

هذا مما لا اشكال فيه و هو موضع اتفاق في الجملة و بدونه يكون البيع غرراً فلا يجوز بيع الطير في الهواء و ان كان مملوكا إذا كان وحشيا لا يعود، و استدلوا عليه بحديث نهي النبي (ص) عن الغرر و بحديث (لا تبع ما ليس عندك) بتقريب انه ليس المراد لا تبع غير ملكك و الا لقال:

لا تبع ما ليس لك، فالتعبير بهذا الأسلوب ظاهر في ان المراد: لا تبع ما ليس لك عليه السلطنة التامة فإن الذي عندك و تحت يدك هو الذي تكون لك عليه السلطنة التامة الفعلية، و كيف كان فلا كلام في اعتبار القدرة على التسليم في الجملة. إنما الكلام في أمرين-:

الأول-: هل المعتبر القدرة على التسليم وقت البيع أو تكفي القدرة بعده، و مقتضى صحة بيع السلم و نحوه كفاية القدرة عند لزوم الدفع و التسليم لا عند إجراء الصيغة، و لكنهم مع ذلك يستشكلون في صحة بيع الآبق بغير ضميمة و بيع الثمرة قبل بروزها عاماً واحدا أو مطلقاً و يمكن الفرق بما مرت الإشارة إليه من الكلي و الشخصي فيصح في الأول دون الثاني.

الثاني-: هل يكفي قدرة المشتري على التسليم و ان كان البائع لا يقدر على التسليم فيبيع العبد الآبق لمن يقدر على قبضه و الدابة الشاردة لمن يقدر على إمساكها، فنقول: مقتضى الاعتبار بل القواعد الصحة فإن مدرك المنع هو الجهالة و الغرر و هما منتفيان في الفرض المزبور، نعم لو كان مدرك اعتبار هذا الشرط هو الإجماع و حديث (لا تبع ما ليس عندك)

ص: 170

كان الوجه عدم الصحة و مع الشك فالمرجع أصالة عدم الشرطية المستفادة من إطلاقات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و أمثالها و هذا هو الأوجه عندي و ان مال الى المنع بعض أعاظم المتأخرين منا.

(مادة 199) يلزم ان يكون المبيع مالا متقوما.

اما المال فقد عرفت حقيقته منا غير مرة و ان المالية اعتبارات عقلائية تنشأ من عموم الحاجة الى الشي ء و قوة الفائدة و المنفعة فإن أقرهم الشارع و لو بعدم الردع فهو مال شرعي أيضاً و الا فهو غير مال شرعاً و ان كان مالا عرف، و المعتبر في صحة البيع كون المبيع مالا شرعيا و لا يكفي ماليته عرفاً و لذا لا يصح بيع الخمر و الخنزير و الأصنام و الميتة بل و سائر النجسات و الأعيان المحرمة كآلات اللهو و القمار و نحوها، و عدم المالية إما لنفاسة الشي ء كالإنسان الحر و المعابد و نحوها و اما لخساسته كالقاذورات و الحشرات و أمثالها فكل هؤلاء لا يصح بيع شي ء منها لعدم ماليتها شرعاً و عرفاً أو شرعاً فقط.

(مادة 200) يلزم ان يكون المبيع معلوماً عند المشتري

لعلك عرفت من غضون ما مر عليك من المباحث في هذا التحرير ان من أهم شروط البيع عدم جهالة المبيع و بالأخرى معلومية العوضين علماً يرفع الجهالة و الغرر، و بما ان الغرر و الجهالة تبطل البيع فاللازم معلومية كل من العوضين عند كل من المتبايعين لا يختص ذلك بالمشتري و لا البائع فلو كان المبيع عند البائع مجهولا فهو أحرى بالبطلان و الغرر المنفي في الحديث النبوي مطلق فتخصيص المعلومية بالمشتري لا وجه له، و لا

ص: 171

فرق في ذلك بين كون المبيع محتاجاً للتسلم و التسليم أم لا، ثم ان المعلومية اللازمة في العوضين تعتبر في خمس جهات.

1-: الوجود. فالذي لم يحرز وجوده لا يكون ثمناً و لا مثمناً.

كالحمل في بطن الناقة و اللبن في الضرع.

2-: الحصول. فما علم وجوده و لم يعلم حصوله في اليد كالعبد الآبق و المال الغريق في البحر و ما أخذه الظالم قهراً الى كثير من أمثالها لا يقع البيع عليه.

3-: جنسه. فما لا يعلم جنسه كزبرة من المعدن لا يعلم انها حديد أم ذهب فإنها و ان كانت معلومة الوجود و الحصول و لكنها مجهولة الجنس فلا يصح المعاوضة عليها.

4-: وصفه فما كان مجهول الصفات كحنطة مجهولة الأوصاف و انها من الأعلى أو الأدنى أو الوسط لا ينعقد عليها البيع.

5-: القدر كقطعة من ذهب أو صبرة من الحنطة لا يعلم وزنها فان بيعها باطل.

أما السلامة من العيوب فليست شرطاً إذ يصح بيع المجهول من هذه الجهة اعتماداً على أصالة السلامة في الأشياء فتكون كشرط ضمني و إذا ظهر انه معيب كان مخيراً بين الفسخ و بين الإمضاء بالأرش أو بدونه و من الغريب ما وجدته هنا في بعض شروح (المجلة) ما نصه:

«اما إذا كان المبيع غير محتاج للتسلم و التسليم كمن قال لبائعه بعني المال الذي أودعته عندي فباعه إياه صح البيع و لو كان مقدار المبيع غير

ص: 172

معلوم عند الطرفين» انتهى و هو كما ترى. و قد أشارت الى بعض ما ذكرناه ..

(مادة 201) يصير المبيع معلوما ببيان أحواله و صفاته التي تميزه عن غيره

مثلا لو باعه كذا مداً من الحنطة الحورانية أو باعه أرضا مع بيان حدودها صار معلوما و صح البيع.

معلومية المبيع من سائر الجهات المعتبرة تختلف أسبابها باختلاف الأجناس و الأنواع المبيعة فالجنس و الوصف و المقدار مثلا يعرف إذا كان المبيع كليا بالذكر و الاتفاق بين المتبايعين فيقول: أبيعك طنا من الحنطة الفلانية ثم يذكر من أوصافها ماله مدخلية في اختلاف الرغبات و الأسعار و ان كان شخصيا فيعرف الأولان بالمشاهدة و الاختبار، و اما المقدار فبالكيل و الوزن و العدد و الذراع كما سيأتي و لو كان المبيع الشخصي في عرف عام أو خاص يكتفى بمشاهدته عن اعتباره و تعيين مقداره كما في حزمة الحطب و الخضراوات و قرب الماء و اسقية الألبان و كثير من أمثالها صح بيعه بالإشارة إلى عينه كما سبق و عليه تحمل-:

(مادة 202) إذا كان المبيع حاضراً في مجلس البيع تكفي الإشارة إلى عينه.

و هذا مختص بما يباع بالمشاهدة لا مطلق المبيعات فان المكيل و الموزون لا يصح بيعه لو كان حاضراً بالإشارة إليه، نعم في أمثال ما ذكرناه و في أنواع الحيوان تكفي الإشارة كما أومأت اليه (المجلة)

ص: 173

مثلا لو قال البائع للمشتري (بعتك هذا الحيوان) و المشتري يراه فقال (اشتريته) صح، نعم لو كان المكيل أو الموزون أو المعدود معلوماً عندهما فلا حاجة لوصفه أو اختباره كما ذكر في مادة (203) و من هذا القبيل الدور بل مطلق العقارات و البساتين و لا فسخ له الا إذا ظهر تغيره عما كان يعلم.

(مادة: 204) المبيع يتعين بتعيينه في العقد

- مثلا لو قال البائع:

بعتك هذه السلعة و أشار الى سلعة موجودة في المجلس و قبل المشتري لزمه تسليم تلك بعينها و ليس له ان يعطي غيرها من جنسها.

هذه خاصة البيع الشخصي فإن المبيع يتعين فيه بالعقد فلا يجوز دفع غيره حتى لو تراضيا معاً فإنها معاملة أخرى و تكون مقايضة (اي بيع سلعة بأخرى)، أما الكلي فلا يتعين بالتعيين فلو باعه وزنة حنطة ثم عينها في وزنة خارجية لم تتعين و كان له ان يدفع غيرها و لا حق للمشتري بإلزامه بدفها، نعم يتعين الكلي بالقبض فإذا قبضها المشتري لم يكن للبائع تبديلها فاغتنم هذا.

(عنوان و بيان)

ان نظم كتاب البيع عند فقهائنا في مؤلفاتهم انهم يشرعون أولا في المكاسب المحرمة كالاكتساب بالقمار و التصاوير و الأصنام و الخمر و أمثال ذلك، ثم يبدءون بكتاب البيع و تعاريفه و حقيقته و أصالة

ص: 174

اللزوم فيه و يدخلون في شرائط العقد و تقومه من الإيجاب و القبول و شروطهما و البيع الخالي منهما كبيع المعاطاة و البيع الفاسد ثم شروط العوضين، و بعد ذلك شروط المتعاقدين ثم بيع الفضولي و بعد استيفاء العقد و أركانه و اجزائه يذكرون أنواع البيع و اقسامه باعتبار المبيع و يبدءون منها ببيع الحيوان من إنسان و غيره و له احكام و شئون تخصه دون سائر المبيعات و هو كتاب مستقل، ثم بيع الثمار و لها كذلك مباحث و تحقيقات تختص بهما و لا تجري في غيرها، ثم بيع الصرف و هو بيع النقدين و أحكامه الخاصة به، ثم بيع الربا و هو بيع المكيل و الموزون مع التفاضل، ثم بيع السلم و هو بيع الكلي المؤجل، ثم بيع النسيئة بعكسه و في كل واحد منها تحقيقات أنيقة، و مباحث دقيقة، ثم يعقبون ذلك بكل واحد من أنواع الخيارات، ثم احكام القبض، ثم الخاتمة في الإقالة، و أصحاب (المجلة) و ان رتبوها أبواباً و فصولا و لكنهم لم يحسنوا التبويب و الترتيب و لم ينهجوا النهج الطبيعي الملائم للطبع و الذوق و ما يوافق الاعتبار و حسن الاختيار، و ادخلوا بعض الأنواع في بعض مع شدة الاختلاف في الاحكام، و قد رأيت كيف اقحموا الإقالة في أثناء شروط العقد و المتعاقدين الى كثير من هذا النظير، و انظر هنا كيف اردفوا الفصل الأول الذي هو في حق شروط المبيع و أوصافه بالفصل الثاني الذي أهم ما فيه بعض احكام بيع الثمار مع تباعد التناسب بين الفصلين و كان اللازم عقد فصل خاص لبيع الثمار بل عقد فصول لكل نوع يستقل بأحكام خاصة، و قد خلطوا في هذا الفصل

ص: 175

خلطاً متنافراً، و جمعوا بين احكام غير متلائمة لا تندرج في عنوان واحد فهي أضغاث من فصائل شتى، و أنواع متباينة، فبينا يذكرون بعض احكام بيع الثمرة و لما يستوفوها و إذا بهم يقفزون الى بيع غير مقدور التسليم و بيع غير المتقوم و أمثالهما مما سبق ذكره قريباً و هو مضافا الى أنه تكرار لا فائدة فيه لا يتناسب مع ما ذكر في أول الفصل من احكام بيع الثمار و هكذا كل ما في هذا الفصل من المواد لا يرتبط بعضها ببعض الا كارتباط الحصى بالياقوت باعتبار ان الجميع أحجار والا فأي مناسبة بين بيع الحصة المشاعة مادة (214) و بين بطلان البيع بما لا يعد مالا.

مادة (210) و بين صحة بيع الثمرة البارزة مادة (206) حتى يحشر الجميع في صعيد واحد، و فصل منفرد، و العنوان المذكور و هو ما يجوز بيعه و ما لا يجوز واسع لا يحصى فما الوجه لذكر وحدات من مئات.

و الغرض من كل هذا بيان ان الحق ان هذا الكتاب اعني (المجلة) فيه علم و فقاهة و لكنه مبعثر و غير محرر فهو أحوج ما يكون الى التحرير و التهذيب، اما التكرار فيه و الإعادة (فحدث و لا حرج).

و لنرجع الى نسق ما ذكروه على علاته.

ص: 176

(الفصل الثاني) فيما يجوز بيعه و مالا يجوز
(مادة 206) الثمرة التي برزت جميعها يصح بيعها و هي على شجرها، سواء كانت صالحة للأكل أم لا.

الثمرة من النخيل أو الأشجار لها ثلاث حالات- قبل ظهورها و بعد ظهورها قبل بدو صلاحها، و بعد ظهورها و بدو صلاحها، و لا اشكال و لا ريب في صحة البيع في حال ظهورها و بدو صلاحها، سواء اشترط قطعها فوراً أو بقاءها الى وقت جذاذها، و هذا هو الذي إرادته (المجلة) بهذه المادة و هو الفرد الواضح و كان اللازم التعرض للحالين الآخرين فقد ذكروا الواضح السهل و أهملوا المهم المشكل و هو بيعها قبل بدو صلاحها و بعد ظهورها، و المشهور الصحة بشرط القطع أو الإبقاء الى نضجها، و أشكل منه و هو محل الخلاف بيعها قبل ظهورها أصلا و قد تضاربت الأقوال فيه و تكثرت و بالنظر الى العام الواحد أو أكثر و مع الضميمة و عدمها تكون أمهات الأقوال ثلاثة أو أربعة.

1-: الصحة مطلقاً.

2-: العدم مطلقاً.

3-: الصحة في عامين فصاعدا، و البطلان في عام واحد.

4-: الصحة مع الضميمة مطلقاً في عام أو أكثر.

ص: 177

و هذا هو الأصح حسب القواعد لأن الأصل الاولي بطلان بيع المعدوم بل اعتبار الوجود من أول شرائط المبيع و يلزم الاقتصار في الخروج عن هذا الأصل على المتيقن و هو الصحة مع الضميمة مطلقاً و يشهد له بعض الاخبار و يؤيده ما ورد من صحة بيع الآبق مع الضميمة و أشباهه من مجهول الحصول أو الموجود و لا يبعد أيضاً صحة بيعها عامين فصاعداً و لو بدون ضميمة، كما ورد في بعض الاخبار المستفيضة و المحصل من مجموعها المنع بالفحوى من بيعها قبل الظهور عاماً واحداً، اما قبل بدو الصلاح بعد الظهور ففيها ما هو صريح بالمنع كصراحة بعضها في جواز بيعها عامين أو أكثر مطلقاً حتى مع عدم الضميمة، و قد علل الجواز في كثير منها بأنه ان لم يحمل بهذا العام حمل من قابل و هو مشعر بجوازه في العام الواحد مع الضميمة، و «تلخص» ان الأصح الجواز في عامين فصاعدا و في العام الواحد مع الضميمة أو بعد بدو الصلاح و ما عدا هذين فالأقرب المنع مطلقاً، هذا في النخيل و الأشجار، اما الخضراوات و الزرع مطلقاً سواء كان المقصود حبة كالحنطة و الشعير و الرز و الماش أو نفسه كالقصيل و ورق الحناء و أمثاله فإن كان المقصود بيع الغلة قبل ظهورها و صيرورتها سنبلا بل حنطة و شعير فهو باطل قطعاً لانه بيع معدوم، و ان كان البيع وقع على نفس الزرع و اشترط بقائه إلى أوان حصاده أو قطعه قصيلا فعلا فهو صحيح نافذ كما يصح بيع الخضراوات من الرياحين جزة و جزتين و البقل لقطة و لقطتين و الأزهار و نحوها قطفة و قطفتين و ترتفع الجهالة في كل هذه

ص: 178

الأنواع بالمشاهدة فإن أهلها و هم أهل الخبرة بمشاهدتها يعرفون مقدار عائدها و ما يرتفع منها من المنفعة و يزول الغرر و الخطر بذلك، نعم لو باعها من غير مشاهدة كان باطلا، و مما ذكرنا ظهر جواز بيع الموجود منها و ضم ما سيوجد إلى أمد معين كاسبوع أو شهر فيشتري الجميع بثمن معين كما عرفت سابقاً من ان المعدوم يجوز بيعه تبعا للموجود على قاعدة أنه يغتفر في الثواني ما لا يغتفر في الأوائل و أمثالها من القواعد المتقدمة و اليه الإشارة بمادة (207) ما تتلاحق افراده يعني ان ما لا يبرز دفعة واحدة بل شيئا بعد شي ء كالفواكه و الأزهار و الورق و الخضراوات إذا كان قد برز بعضها يصح بيع ما سيبرز مع البارز تبعا له بصفقة واحدة و كان ينبغي تقييد ذلك بالمشاهدة الرافعة للغرر في أمثال هذه الأنواع

(مادة 208) إذا باع شيئا و بين جنسه فظهر المبيع من غير ذلك الجنس بطل البيع، فلو باع زجاجا على انه الماس بطل.

للظاهر ان المقصود البيع الشخصي يعني أشار الى الزجاج و قال بعتك هذا الألماس ثم ظهر أنه زجاج و قد سبق في مادة (65) الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر ان الاختلاف في الوصف لا يقدح فلو أشار الى الأشهب و قال بعتك هذا الأدهم صح بيع الأشهب، اما في الغائب فيقدح لأن المدار في الحاضر على المشاهدة بخلاف الغائب فإن المدار فيه على الوصف إذ لا مشاهدة حتى يعول عليها، هذا في اختلاف الوصف اما مع اختلاف الجنس كما في مثال الزجاج فيظهر من (المجلة) هناك البطلان و لا يتضح وجه الفرق بين المقامين فان المدار ان كان على

ص: 179

المشاهدة و ان المقدم عند تعارض الوصف و الإشارة هو الإشارة فلازمه اطراد ذلك حتى مع اختلاف الجنس فلو أشار الى الزجاج و قال:

بعتك هذا الألماس، فاللازم التعويل على الإشارة و يبطل الجنس كما يبطل وصف الأشهب بالادهم، هذا إذا كان التعبير بنحو الإشارة، أما إذا كان على نحو الشرطية كما في هذه المادة حيث باعه الزجاج على انه الماس فالحق و ان كان كما ذكر فيها من البطلان و لكن لا فرق أيضا في قضية الشرطية بين اختلاف الجنس أو الوصف حتى في الحاضر فلو قال:

بعتك هذا الفرس على انه أشهب و هو أدهم فالحكم بالصحة محل نظر بل منع لان البيع وقع على المقيد و هو عدم عند عدم قيده فالموجود لم يقع العقد عليه و ما وقع العقد عليه غير موجود فكيف نحكم بالصحة.

و التحقيق ان تخلف الوصف يوجب الخيار بخلاف تخلف الحقيقة فإنه باطل و «بالجملة» فباب الإشارة الجنس و الوصف فيها سواء في الصحة، و باب التقييد و الشرطية سواء في البطلان أو الخيار.

و قد تقدم ما عندنا من التحقيق الذي ربما ينفع هنا فراجع.

(مادة: 209) بيع ما هو غير مقدور التسليم باطل كبيع سفينة غرقت إلخ ..

تقدم هذا البيان بعينه في مادة (198) من غير جهة افادة في الإعادة كما ان مادة (210) بيع مالا يعد مالا و الشراء به باطل تقدمت بعينها في مادة (199) و هي تغني عن مادتي (211 و 212) بيع غير المتقوم باطل و الشراء به باطل.

ص: 180

و «بالجملة» فقد ذكروا في هذا الفصل اربع مواد كلها مستدركة و لا فائدة بإعادتها، كما ان مادة (200) السابقة تغني عن مادة (213) بيع المجهول فاسد إلخ ..

(مادة 214) بيع حصة شايعة معلومة كالنصف و الثلث و العشر من عقار معين مملوك قبل الافراز صحيح.

لا اشكال و لا شبهة في صحة بيع الكسر المشاع و لكن اختصاص ذلك بالعقار لا يعلم وجهه بل يطرد في العقار و غيره و في المنقول و غيره كما ان قيد المملوك ان أريد به إخراج حصة مشاعة من غير المملوك كالوقف و نحوه فهو مما لا يقبل البيع مطلقاً لا بعضه المشاع و لا كله و الا فهو مستدرك إذ غير المملوك لا يصح بيعه و مثله قيد «قبل الإفراز» إذ الحصة الشائعة لا تكون الا قبل الإفراز اما بعد الافراز فلا إشاعة، و اخرج بالمعلومة الحصة المجهولة و هو واضح وضوح-:

(مادة 215) يصح بيع الحصة الشائعة بدون اذن الشريك

لأن الشركة لا تقتضي سلب مطلق السلطنة بل تسلب السلطنة المطلقة فمثل هذه التصرفات لا تتوقف على اذن الشريك، نعم تصرف كل واحد من الشريكين بالانتفاع بالعين موقوف على اذن الآخر، اما البيع و نحوه مما يقع على نفس حصة الشريك لا على عين المال المشترك فلا يتوقف على الاذن و لكن إشفاقاً على الشريك من ضرر مشاركة الأجنبي الذي ربما لا يلائمه جبره الشارع بحق الشفعة فحفظ بذلك حرية المالك مع مراعاة جانب الشريك ان لا يبتلى بغير الملائم، و قيد الشائعة لعله

ص: 181

احتراز عن بيع الحصة المعينة في المشاع فإنها لا تنفذ إلا بإذن الشريك أو إجازته و الا فهو فضولي بالنسبة إلى حصة شريكه.

(مادة 216) يصح بيع حق المرور و حق الشرب و حق المسيل تبعاً للأرض.

هذه الحقوق لها ثلاثة أحوال، فإن حق المرور مثلا اما ان يكون في أرضه المملوكة له فله ان يبيعه تبعاً للأرض فإنه بعض منافعها و له ان يبيعه مستقلا فيبيع هذه المنفعة الخاصة ان جوزنا بيع المنافع، و اما ان يكون في أرض الغير فله بيعه مستقلا لانه حق مالي و كل حق مالي يصح بيعه كما يصح إسقاطه، و اما ان يكون في أرض غير مملوكة كالطرق و الشوارع- عامة أو مرفوعة- فلا بيع و لا معاملة عليها مطلقاً بل هي بالحكم أشبه منها بالحق فلا تقبل النقل و الانتقال، كما لا تقبل الاسقاط بحال من الأحوال و «بالجملة» فإن الإنسان في الشوارع و أمثالها من المحلات العامة لا يملك المنفعة و انما يملك الانتفاع كما ان الناس في الماء و النار و الهواء شرع سواء، نعم في الطرق المرفوعة يمكن لأحد الشركاء مصالحة حقه لشريكه أو اتفاقهم جميعاً على مصالحته و نقله لأجنبي على اشكال أيضا، و تحقيق هذا موكول الى محله.

ص: 182

(الفصل الثالث) في بيان المسائل المتعلقة بكيفية بيع المبيع
اشارة

يظهر ان هذا الفصل يقصد به بيان المقادير و المقاييس التي تعرف بها الأعيان التي يتداولها الناس بالبيع و الشراء، و قد أعلمناك ان المقصود عند العرف من معرفة الأجسام اما كمها المتصل أو الكم المنفصل. و المقصود من الأول اما معرفة ثقل الجسم أو مساحته.

و الأول يعرف بالكيل و الوزن و هو الأصل و الكيل طريق اليه، و الثاني يعرف بالذرع، و الثالث بالعدد، و الذرع يرجع اليه فأصول المقاييس- وزن و عدد.

(مادة 217) كما يصح بيع المكيلات و الموزونات و العدديات و المذروعات كيلا و وزناً. و عدداً و ذرعا يصح بيعها جزافاً أيضاً،

مثلا لو باع صبرة حنطة أو كوم تين أو آجر أو حمل قماش جزافا صح البيع.

اتفق فقهاء الإمامية و استفاضت اخبارهم بان الأطعمة و خصوص الحنطة و الشعير بل كل مكيل و موزون عند العرف أو في زمان الشارع لا يصح بيعه الا بكيله و وزنه و ان بيعه جزافا باطل حتى مع المشاهدة، و من الغريب بل و من الجازف حكم (المجلة) بصحة بيع المكيلات و أخواتها جزافا، و هل يشك أحد ان بيع صبرة الحنطة التي لا يعرف المتبايعان وزنها أ طن أو اثنان؟ غرر و بيع الغرر بإجماع المسلمين للحديث المشهور

ص: 183

باطل.

و «بالجملة» فبيع الجزاف باطل مطلقاً و لا يصح شي ء منه لأن المعلومية شرط و الجهالة مفسدة، كما تقدم في مادة (200) و (213)، غايته ان بعض ما يباع ترتفع جهالته بمشاهدته فلا جزاف ثمة و لا غرر فبيع الحطب و كوم التين و الآجر و حمل القماش أو الفاكهة بالمشاهدة لا يعد من الجزاف أصلا و لو كان لكان باطلا قطعا، و طبيعة البيع لا تحتمل الغرر و الجهالة أصلا بل هما متضادان أبداً. نعم يحتمل الصلح و ذلك لانه مشروع لقطع الخصومة و التسالم و الرضا بالواقع كيف كان بخلاف البيع و الإجارة فإنهما من عقود التغابن و الفائدة فلا يصح منها ما يكون مظنة الخطر و الخسارة و تجويز البيع الجزافي ناشئ من عدم النباهة و ضعف الفقاهة و قصور الباع في أحكام الشريعة الإسلامية و لذا لم ينقل القول به عن أحد من فقهاء الإمامية مع كثرة اختلافاتهم في الفروع الفقهية.

و أغرب من ذلك-:

(مادة 218) لو باع حنطة على ان يكيلها بكيل معلوم أو يزنها بحجر معين صح البيع و ان لم يعلم مقدار الكيل و ثقل الحجر.

و لعمري لقد سقطوا بالبيع من مكان حالق و هووا به إلى بئر سحيق و هذه هي الفوضى بعينها، و سحق المدينة بأجمعها، و دعوى ان المشار اليه قد علم به من طريق الحس و هو أقوى طرق العلم واضحة الوهن و السقوط فان الحس و المشاهدة لم ترفع الجهالة بمقداره، و لم تفد معرفته بوزنه و عياره، و على ما ذكروه فيكون من العبث وضع الموازين

ص: 184

و المكاييل و أمثالها و ضاعت هذه الحكمة القويمة، و الفلسفة العالية، التي توخاها عقلاء البشر من تلك المقررات في أوائل التمدن الصحيح في الهيئة الاجتماعية فتدبره جيداً و لا يذهب بك الاسفاف الى هذه المداحض فان كل هذه الفروض من افراد بيع الغرر الذي هو من أوضح أنواع البيع الفاسد.

و اعلم ان الغرر المنهي عنه الموجب لفساد البيع هو النوعي لا الشخصي فلو فرضنا ان المشتري أو هو و البائع كان قوي الحدس بحيث لو نظر الى الصبرة يعرف مقدارها أو يعرف مقدار ما يكفيه نفقة لمدة من الأيام فلا يلحقه اي غرر من شرائها لم ينفع ذلك لأن المبطل هو الغرر المتحقق في نوع هذا البيع فيبطل كل افراده حتى الخالي من الغرر و لا يصح الا المعلوم مقداره من الطرق المتعارفة و هي الكيل و الوزن و العدد و رديفاتها

(مادة 219) كلما جاز بيعه منفرداً جاز استثناؤه من المبيع مثلا لو باع ثمرة شجرة و استثنى منها كذا رطلا على انه له، صح البيع.

هذه المسألة من توابع بيع الثمار و هي قضية (الثنيا) و (إيجازها) ان بائع الثمرة يجوز له ان يستثنى له منها كسراً مشاعاً ثلثاً أو ربعاً كما يجوز استثناء أرطال معلومة أربعا أو خمساً مع العلم بأن الثمرة تشتمل على أكثر من ذلك و له ان يستثني نخلات أو شجرات معينة و كل هذا يجوز بيعه منفرداً فيجوز استثناؤه لأنه معلوم من معلوم، اما لو استثنى نخلات غير معينة أو أرطالا مجهولة العدد أو كسراً مشاعا مردداً بين الكسور فهو باطل لانه لا يجوز بيعه لجهالته فلا يجوز استثناؤه، و هذا انما يتم

ص: 185

على رأى من يعتبر في المبيع عدم الجهالة.

أما «المجلة» التي جوزت بيع الجزاف فلا مورد عندها لهذه المادة لأن الجميع يجوز بيعه فيصح استثناؤه، ثم ان فقهائنا فرعوا على قضية (الثنيا) انه لو خاست الثمرة أو تلفت فان استوعب التلف فلا ريب انه على البائع و المشتري و ان تلف البعض ففي الكسر المشاع يسقط منه بحسابه و في النخلات المعينات إن أصابها التلف فقط فعلى البائع خاصة و الا فلا ينقص منها شي ء لتميز المالين و حينئذ فتلف (الثنيا) لا يلحق المبيع و تلف المبيع لا يلحق (الثنيا). و اما الأرطال المعلومة فان نزلناها على الإشاعة توزع النقص على الجميع بالنسبة و ان نزلناها على الكلي في المعين اختص النقص في المبيع و لا يلحق (الثنيا) منه شي ء و هذا هو مظهر الفرق بين المشاع و الكلي في المعين، فتدبره.

(مادة: 220) بيع المقدرات صفقة واحدة مع بيان ثمن كل فرد و قسم منها صحيح،

مثلا- لو باع صبرة حنطة أو وسق سفينة من حطب أو قطيع غنم أو قطعة من جوخ على ان كل كيل من الحنطة أو قنطار من الحطب أو رأس من الغنم أو ذراع من الجوخ بكذا صح البيع.

إذا كانت الجملة من المقدرات معلومة المقدار كيلا أو وزناً أو عدداً و هي متساوية الأجزاء كصبرة معلوم ان وزنها طغار أو قطعة جوخ معلوم ان طولها خمسون ذراعاً فباع الحنطة بأجمعها على ان كل وزنة بدينار و الجوخ كل ذراع بربع دينار صح إذ لا جهالة أصلا، اما لو كانت الصبرة مجهولة المقدار و القطعة مجهولة الذراع أو كانت معلومة و لكنها

ص: 186

غير متساوية الأبعاض لم يصح البيع كل ذراع بكذا عند فقهائنا للجهالة اي جهالة مقدار ما اشترى، و قد ذكر في كتاب الإجارة انه لو آجره سنة كل شهر بدرهم بطل، و يظهر من (المجلة) الصحة مطلقاً و ليس هو بأسوإ من صحة بيع الجزاف عندهم و بعد البيع لا يجدي الانكشاف، فليتدبر.

و ينسب إلى الحنفية صحة البيع في فرد واحد و هو تحكم، و لا يختلف الحكم عندنا بين الجنس الواحد أو الأجناس المختلفة كصبرتين حنطة و شعير، و قد عرفت ان ملاك الصحة في الجميع هو رفع الجهالة و المعلومية حال البيع بان يعلم ما ذا باع و بكم باع و المشتري كذلك و لا يبقى بينهما مجال للنزاع أو الخصومة، فاعرفه جيداً.

و من هنا تعلم مادة (221) كما يصح بيع العقار بالذراع و الجريب يصح بتعيين حدودها أيضاً، كل ذلك لما عرفت من ان ملاك الصحة ارتفاع الجهالة و هو واضح كوضوح مادة (222) انما يعتبر القدر الذي يقع عليه العقد لا غيره، و مما تقدم أيضاً يتضح ما ذكروه في مادة (223) المكيلات و العدديات المتقاربة التي ليس في تبعيضها ضرر إذا بيع جملة منها مع بيان قدرها، صح البيع سواء سمى ثمنها فقط أو فصل لكل كيل أو فرد أو رطل منها ثمناً على حدة فإذا وجد تاما عند التسليم لزم البيع و إذا ظهر ناقصا كان المشتري مخيراً ان شاء فسخ و ان شاء أخذ الموجود بحصته من الثمن و هو خيار تبعيض الصفقة، أما الزيادة فهي للبائع قطعاً و المثال واضح فلا حاجة الى التطويل

ص: 187

(مادة 224) لو باع مجموعاً من الموزونات التي في تبعيضها ضرر و بين قدره و ذكر ثمن مجموعه و حين وزنه و تسليمه ظهر ناقصا عن القدر

فالمشتري مخير ان شاء فسخ و ان شاء أخذ الموجود بجميع الثمن المسمى لأن النقص بمنزلة العيب و لا حصة للوصف من الثمن فليس للمشتري تنقيص الثمن كما هو الحكم بخيار العيب.

هذا الحكم أيضاً واضح فان النقص إذا كان بمنزلة العيب فهو مخير بين الفسخ و الإمضاء مع المطالبة بالأرش أو الإمضاء بغير أرش. فإن الأوصاف و ان كانت لا تقابل بالاعواض كما سبق في صدر الكتاب و لكن النقص ليس فقد وصف بل فقد جزء و لا ريب ان الثمن يقسط على الاجزاء و الأبعاض و ان لم يقسط على الأوصاف فالزيادة و النقيصة لها شأن و ملاحظة و لا تذهب على البائع و لا المشتري.

و «تحرير الفرع» ان المتبايعين إذا اتفقا على المعاملة على جملة مجموعة سواء كان في تبعيضها ضرر أم لا كقطعة لحم أو فص جوهر و عينا وزنه و قيمته على الجملة فإن لوحظ الوزن الذي ذكراه من باب التقييد ثم انكشف زيادته أو نقصه فاللازم الحكم حينئذ اما بالبطلان أو الخيار على اختلاف الاعتبارين من انه من قبيل المتباينين أو من قبيل تخلف الشرط و ان لوحظ على نحو الداعي اي ان المقصود بيع هذه الجملة بالثمن المعين كيف ما كان و انما ذكرا الوزن المخصوص لا على جهة التقييد بل على نحو الصفة التوضيحية لا الاحترازية و يكون من باب الخطأ في التطبيق فالبيع صحيح حتى مع انكشاف النقيصة أو الزيادة و لا خيار و ليس للبائع و لا عليه

ص: 188

شي ء، فليتدبر.

هذا و لكن الغالب كما في مثال المصاغ و الجوهر و غيرهما هو اعتبار القيدية فيكون له الخيار بين الفسخ و بين الأخذ بحسابه كما في مادة

(225) إذا بيع مجموع من الموزونات التي في تبعيضها ضرر مع بيان مقداره و بيان أثمان اقسامه و اجزائه و تفصيلها ثم ظهر وقت التسليم زائداً أو ناقصاً

إلخ .. و ان كان المثالان مختلفين و احتمال البطلان هنا بعيد بل هو مخير بين الفسخ و بين أخذ المجموع بحسابه و ربما يختلف الحكم باختلاف التعبير و القصد فإذا قال: بعتك هذه الصبرة على انها وزنه و كل حقة منها بدرهم فانكشف أنها أقل كان له الخيار بين الأخذ بحسابها أو الفسخ في الجميع، اما لو قال: بعتك هذه الجملة بقيد كونها وزنة بكذا ثم انكشف الزيادة أو النقصان توجه البطلان.

و «الحاصل» ان المقاصد و التعابير تختلف فيختلف الحكم فاللازم دقة الملاحظة في كل مورد بحسبه.

(مادة 227) إذا بيع المجموع من العدديات المتفاوتة و بين مقدار ثمن ذلك المجموع فقط فان ظهر عند التسليم تاماً لزم البيع

و إذا ظهر ناقصاً أو زائداً كان البيع في الصورتين فاسدا، مثلا- إذا بيع قطيع غنم على انه خمسون رأسا بألف و خمسمائة قرش ثم ظهر خمسة و أربعين رأسا عند التسليم أو خمسة و خمسين فالبيع فاسد.

لا يظهر وجه صحيح هنا لفساد البيع بل الصحة فيه اولى من الصحة في مادة (225) و هي إذا بيع مجموع من الموزونات التي في تبعيضها ضرر

ص: 189

إلخ .. فقد حكمت (المجلة) فيها بالصحة مع الخيار بين الفسخ و بين أخذ المجموع بحسابه فإذا كان المجموع الذي في قسمته ضرر كمنقل من نحاس لا يفسد البيع بنقصه أو زيادته فبالأولى أن يصح مالا ضرر في قسمته كقطيع الغنم، و مقتضى القاعدة أن يصح بحسابه كما صح هناك بل من المرجح أن يتعين هذا و لا يكون له خيار بينه و بين الفسخ أصلا للفرق الواضح بين الأبعاض الاعتبارية و الوحدة الحقيقة و بين الأبعاض الحقيقة و الوحدة الاعتبارية فإن قطيع الغنم ليس وحدته الا اعتبارية و انما هي وحدات واقعية اعتبر مجموعها شيئاً واحداً بخلاف المنقل فإنه واحد حقيقة و ينحل بالاعتبار الى أجزاء فالعقد على تلك الوحدات ينحل الى عقود متعددة فكل رأس من الغنم مبيع مستقل فإذا وقع العقد الواحد على خمسين و كانت خمسة و أربعين فنقص الخمسة لا يقدح في وقوع العقد على كل واحد من الخمسة و أربعين فيكون لازما لا خيار فيه و لكن بمقداره و هذا بخلاف منقل النحاس الذي هو خمسون رطلا فان العقد واحد و قد وقع على شي ء واحد غايته ان العقل يحلله إلى أبعاض و هي الأرطال و حيث انكشف عدم وجود ما وقع العقد عليه فيقتضي ان يكون فاسداً و لكن بالنظر الى التحليل الاعتباري و ان الموجود بعض المبيع فيكون له الخيار نظير تبعيض الصفقة و على كل حال فقد ظهر ان الصحة هنا اولى من الصحة هناك و ان حكم (المجلة) بان البيع في الصورتين فاسد- فاسد.

(و فذلكة الحساب في هذا الباب)

ص: 190

انك إذا بعت جملة من ذوات الكم المتصل كقطعة أرض أو طاقة قماش أو منقلة صفر و أمثال ذلك و عينت عدد الأذرع في أمثال الأولين أو الوزن في أمثال الأخير. و جعلت ثمناً واحداً للمجموع فان كان البيع كلياً ثم دفعت المصداق فظهر انه أكثر أو أقل فله ان يطالبك بالتكملة في الأول و لك ان تطالبه بالزائد في الثاني ليتحقق مصداق الكلي المبيع حسب الفرض و ليس له الفسخ، و ان كان البيع شخصياً فقلت بعتك هذه الأرض التي هي ألف فدان فظهر أنها أقل أو أكثر فله الخيار ان شاء يأخذ الموجود بحسابه بعد توزيع الثمن المسمى على الالف و ان شاء الفسخ و كذا في صورة الزيادة و يكون كبيع جديد بالنسبة إلى الزائد و له الفسخ أيضاً سواء عين للجملة ثمناً أو لكل فدان مقداراً و على هذا المنوال- بيع ذوات الكم المنفصل من المعدودات و ما يلحق بها من الأطعمة و الحبوب المكيلة و الموزونة فإن الكيل يرجع الى الوزن و الوزن يضبط أخيراً بالعدد كوزنه وزنتين و هكذا، ففي البيع الكلي و ظهور النقيصة له المطالبة بالمصداق و مع الزيادة يأخذها البائع ليبقى للمشتري حقه و هو المصداق و لا فسخ في الصورتين، اما في البيع الشخصي فكل منهما مخير بين الفسخ و بين الإمضاء بالحساب فاغتنم هذا البيان فلعلك لا تجده في غير هذا الكتاب، و منه تعرف ما في مادة

(228)، إذا بيع مجموع من العدديات- إلخ .. فإن الحكم بالخيار في صورة النقيصة كالحكم بالفساد في صورة الزيادة لا وجه له أصلا

و الحق ان البيع صحيح على جميع التقارير غايته انه مع الخيار تارة و بلا خيار

ص: 191

اخرى، كما ان مادة (229) في الصور التي يخير فيها المشتري من المواد السابقة إذا قبض المشتري المبيع مع علمه بأنه ناقص لا يخير في الفسخ بعد القبض نعم لا خيار له بالفسخ مع علمه لأن قبضه ظاهر في رضاه بالعقد و لكن له حق المطالبة بالنقيصة كما ان دفع البائع مع علمه بالزيادة لا يمنعه من الرجوع به و هو اعلم بقصده ان قال قصدت الأمانة أو غير ذلك.

(الفصل الرابع) في بيان ما يدخل في البيع بدون ذكر صريح و مالا يدخل

قد عرفت ان المرجع في مثل هذا الى العرف الخاص للمتبايعين و هو يختلف باختلاف الأمكنة و الأزمنة و العناصر و اللغات و لا يدخل تحت عنوان واحد و ضابطة مطردة فان تسالم المتبايعان على دخول شي ء أو خروجه فذاك و ان تنازعا فالمرجع الى عرفهما ان اتفق و ان اختلفا أو حصل الشك فالأصل عدم الدخول لاستصحاب بقاء ملك البائع. و قد يتفق عرف البلدان و الأمم على دخول شي ء إذا كان كالجزء من الشي ء أو جزء حقيقي كالمفتاح من القفل أو القفل اللاصق بالباب (كيلون) الذي هو كجزء منها اما مثل البقرة الحلوب فيختلف العرف في دخول

ص: 192

فلوها و عدم دخوله فقد يدخل في عرف قوم و قد يخرج في عرف آخرين ثم ان تخلف الداخل في المبيع عند الإطلاق من حيث انه يوجب الخيار فقط اوله المطالبة برد جزء ما يقابله من الثمن يرجع فيه الى العرف أيضاً فإن كان عندهم بمنزلة الجزء الحقيقي كان له قسط من الثمن كالميزاب أو الباب مثلا و الا فليس الا الخيار، و بهذا يتضح أكثر ما ذكر في هذا الفصل من المواد و ما ينبغي ان يقال فيها على الإجمال، و الى هنا انتهى الباب الثاني من أبواب البيوع المسطورة في (المجلة) و به يتم الجزء الأول من هذا الكتاب (التحرير)، و يليه إن شاء اللّٰه (الجزء الثاني) و يكون اوله (الباب الثالث) في المسائل المتعلقة بالثمن و كان العزم على إنهاء أبواب البيع كلها في هذا الجزء الذي بدأنا فيه اوليات شوال سنة 1359 و بلغنا الى هذا المقام بأقل من شهرين و قد تجاريا طبعه و تأليفه معاً في زمن واحد، و قد انتهزنا سويعات إلقاء هذه الخواطر للنشر من أنياب النوائب و حوادث الأيام و كوارث الآلام و الأسقام و تراكم الأشغال و المزعجات الروحية و البدنية و على كل فالمنة للّٰه وحده و هو حسبنا و نعم الوكيل.

ص: 193

(تدارك)

يوجد في مكتبتنا من المطبوعات القديمة كتاب (الأشباه و النظائر) للفقيه الشيخ زين بن نجيم الحنفي المصري من أهل القرن العاشر و كنا قبل برهة متمادية تصفحناه و أتينا على جملة من أبوابه و عند ما شرعنا في هذا التحرير و ذكرنا المؤلفات في القواعد العامة غاب عنا ان نذكر هذا الكتاب أو ان ننظر فيه و نستمد منه، و لما انتهينا الى ختام هذا الجزء استحضرناه من المكتبة فوجدنا ان المائة مادة التي ذكرتها (المجلة) في المقدمة جلها أو كلها بنصها و ترتيبها مأخوذ من هذا الكتاب بل و أكثر المواد في أبواب البيوع و الإجارات و ما بعدها من المعاملات أيضاً منتزع من الكتاب المزبور. و أول ما ذكر من القواعد العامة قاعدة (لا ثواب إلا بنية) (الثانية) (الأمور بمقاصدها) و هكذا بتغير يسير عما في (المجلة) و الناظر فيهما يجد في أول نظرة ان كتاب (المجلة) قد اختصر من ذلك الكتاب أو هو تحرير له. اما الكتاب في حد نفسه فالإنصاف ان فيه ثروة من القواعد العامة و الفروع النادرة و مادة من الفقاهة و الاستنباط تنبع من سعة خيال، و طول باع، و غزير اطلاع، و لكن قد خلط فيه الحابل بالنابل، و جمع بين الغث و السمين، و الركيك و المتين، حتى بلغ به الاسفاف و الضعف الى ذكر باب واسع من جملة أبوابه- في أحكام (الجان) و أنت خبير بان الفقه إذا دخلت فيه احكام الجان، فقد صار

ص: 194

أشبه شي ء بالخرافة و الهذيان، و إذا وفق اللّٰه سبحانه لتأليف الأجزاء الباقية من هذا (التحرير)، فعسى ان نتعرض لذكر النافع من هذا الكتاب فان فيه فوائد مطمورة في التوافه طمور الدر في المزابل، و هذا الكتاب عند الجمهور أشبه ما يكون بكتاب (القواعد) للشهيد الأول عند الإمامية و لكن ليس في كتاب (القواعد) احكام الجان و كثير من أمثالها من الفروع السخيفة و الفروض النادرة التي لعلها تقع و ربما لا تقع في الدهر و لا مرة، و على كل ذلك فشكر اللّٰه مساعيهم، و أثابهم على نياتهم و أعمالهم، فقد جدوا و اجتهدوا، و نفعوا و أفادوا، و نسئله ان يختم لنا بالحسنى انه ولي الإحسان، و آخر دعواهم ان الحمد للّٰه رب العالمين و قد وافق ختامه بقلم مؤلفة الضعيف العاجز.

محمد الحسين آل كاشف الغطاء صباح الجمعة.

27 ذي قعدة الحرام سنة 1359

الجزء الأول القسم الثاني

اشارة

ص: 2

ص: 3

الكتاب الأول

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

كلمة امام المقصود

ذكرنا اننا لما وجدنا مجلة (الأحكام العدلية) هي المرجع الأعلى و التي عليها المعول من زمن الأتراك إلى اليوم ليس في خصوص العراق بل في عامة الأقطار العربية و غيرها، و وجدناها لأول نظرة في أشد الحاجة الى التنقيح و التحرير كتبنا (الجزء الأول) و أجزنا للمطبعة نشره و تقديمه إلى (كلية الحقوق) و اساتذتها الاعلام و سائر علماء الحقوق و الفقه و نقباء الشرع و القانون و كافة رواد العلم و التحقيق من الطلاب و المعلمين و كانت محتويات (الجزء المتقدم) لا تعدو ان تكون واحدة من ثلاث شرح. أو انتقاد. أو استدراك. يعني شرح بعض مشكلاتها، و الإيماء الى عثراتها، و ضم بعض موادها إلى أخواتها و ليس الغرض من كل ذلك سوى ان نسد فراغاً و نكمل نقصاناً و نستدرك فائتاً، إتماماً للفائدة، و إعظاماً للمنفعة فان أجدت فيما افدت فالمنة للّٰه وحده، و الا فيكفي حسن النية، و سمو المقصود، و ما توفيقي إلا باللّه عز شأنه و من عنايته استمد التوفيق لإتمام بقية الاجزاء على النهج المتقدم أو أقوم قيلا، و انهج سبيلا، و قصار انا ان التمحيص و النقد أحب إلينا فيما نكتب من الإطراء و الحمد.

ص: 4

[تتمة كتاب البيوع]

الباب الثالث في بيان المسائل المتعلقة بالثمن
الفصل الأول في بيان المسائل المترتبة على أوصاف الثمن و أحواله
[مادة: 237] تسمية الثمن حين البيع لازمة، فلو باع بدون تسمية ثمن كان البيع فاسداً

هذا الحكم ضروري بعد الذي عرفت من ان البيع مبادلة مال بمال يعنى انه نسبة و اضافة بين مالين و هل يعقل تحقق الإضافة بدون طرفين و كذا لو كان فعلا و انفعالا فإنه فعل يتعلق بشيئين و جعل أحدهما مكان الآخر و عليه فحق التعبير ان يقال: لو باع بغير ثمن لم يقع بيع، لا انه كان فاسداً و قد تكرر بيان ان الثمن و المثمن من مقومات البيع و أركانه نعم لو كان الثمن مجهولا كان بيعاً و لكنه فاسد، فتدبره كما في.

(مادة: 238) يلزم ان يكون الثمن معلوماً.

و قد عرفت اعتبار المعلومية فيه و في المثمن في خمسة أمور. الوجود و الحصول و الجنس و الوصف و القدر. فلو حصل الجهل بشي ء منها كان البيع فاسداً.

(مادة: 239) إذا كان الثمن حاضراً فالعلم به يحصل بمشاهدته و الإشارة اليه و ان كان غائباً يحصل ببيان مقداره و وصفه.

ص: 5

المشاهدة لا تكفي إلا إذا كان الثمن أو المثمن غير مكيل و لا موزون و لا معدود و قد تقدم انه لو باع صبرة حنطة لا يعلم مقدارها فالبيع عندنا باطل و مثله الكلام في الثمن فلو اشترى منه وزنة حنطة بقبضة دراهم لا يعلم عددها كان باطلا، نعم عند أرباب (المجلة) الذين يجوزون بيع الجزاف يكون صحيحاً و لكن لا معنى حينئذ لقولهم في المادة السابقة و أمثالها مما سبق انه (يلزم ان يكون الثمن معلوماً) و دعوى انه يصير بالمشاهدة معلوماً واضحة المنع، فليتدبر.

(مادة: 240) البلد الذي يتعدد فيها نوع الدينار المتداول إذا بيع فيه شي ء بكذا دينار و لم يبين نوع الدينار يكون البيع فاسداً.

هذا صحيح و الفساد جاء من جهة الجهالة و لكن يناقضه حكمهم في المادة اللاحقة (241) إذا جرى البيع بعدد معلوم من القروش كان للمشتري ان يؤدي الثمن من اي نوع شاء إلخ .. إذ لا فرق في ذلك بين القروش و الدنانير إذا كانت أنواع كل منهما رائجة غير ممنوع تداولها سواء كانت متحدة القيمة أم لا.

(مادة: 242) إذا بين وصف الثمن وقت البيع لزم المشتري ان يؤدي الثمن من نوع النقود التي وصفها.

مثلا- لو عقد البيع على ذهب مجيدي أو انكليزى إلخ لزم ان يؤدي من النوع الذي وصفه.

هذا أيضاً صحيح و من الغريب ما في مادة «243» لا يتعين الثمن بالتعيين في العقد مثلا- لو أدى المشتري للبائع ذهباً مجيدياً في يده ثم اشترى بذلك الثمن شيئاً لا يجبر على أداء ذلك الذهب بعينه بل له ان

ص: 6

يعطي ذهباً مجيدياً من ذلك النوع غير الذي أراه إياه.

إذا كان البيع من حيث الثمن شخصياً فلا إشكال في انه يتعين و إذا لم يدفعه بعينه كان للبائع الفسخ، نعم لو كان كلياً فله ان يدفع اي فرد شاء من ذلك النوع و لا يتعين الذي كان في يده، و من هنا يعرف الحال في مادة «244» فإن البيع ان كان شخصياً تعين ما شخصه من الليرات مثلا أو أبعاضها و ان كان كلياً كان له دفع الأبعاض الا ان تنقص قيمتها عن الكل مثلا- إذ اشترى بخمسة دنانير فله ان يدفع عشرين ربع دينار الا ان يكون قيمتها أقل من خمسة دنانير مجتمعة كما يتفق ان الفرط مبذول و المجتمع عزيز و هو يختلف باختلاف الأزمان و البلدان و غيرها، فليلاحظ.

الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بالبيع بالنسيئة و التأجيل
اشارة

قد سبق ان إطلاق العقد يقتضي كون الثمن نقداً و هذا هو الأصل في العوضين كما في مادة (251) و كان حقها ان تتقدم الا ان يقيد أو يكون عرف يقتضي التأجيل كما في تلك المادة ثم ان جعل المثمن مؤجلا فهو السلم و ان جعل التأجيل في الثمن فهو النسيئة كما في مادة (245) البيع مع تأجيل الثمن و تقسيطه صحيح و يجري هذا في الكلي و في الأعيان فيجوز ان يجعل الثمن عيناً من النقود أو غيرها و يشترط تأجيل دفعها الى سنة أو أقل أو أكثر و يلزم في النسيئة تعيين المدة

ص: 7

و ضبطها بالأشهر أو السنين كما في قوله تعالى (إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى) فإذا جعله لمدة غير معلومة كمجي ء الحاج أو هبوط الأمطار أو نحو ذلك بطل البيع من أصله لبطلان ركنه و هو الثمن و منه يعلم مادة «247 و 248» و من الجهالة المفسدة ان يشترط المشتري دفع الثمن للبائع إذا باع ما اشتراه من الغير.

(مادة: 249) إذا باع نسيئة بدون مدة تنصرف المدة إلى شهر واحد فقط

يصح هذا ان كان هناك عرف خاص في بلد المتبايعين بحيث ينصرف الإطلاق اليه و الا فهو ممنوع أشد المنع و لا فرق بين الشهر و اليوم و السنة فيكون باطلا.

(مادة: 250) يعتبر ابتداء مدة التأجيل و التقسيط المذكورين في عقد البيع من وقت تسليم المبيع

فلو حبسه البائع سنة اعتبر أول السنة التي هي الأجل من يوم تسليم و للبائع حينئذ ان يطالبه بالثمن الى مضي سنة من وقت التسليم أو سنتين من حين العقد.

هذا محل منع بل مقتضى القاعدة اعتبار الابتداء من حين العقد سيما مع اشتراط تأجيل تسليم المبيع أو التماهل في قبضه من المشتري الا ان يكون عرف خاص هناك، فليتدبر.

ص: 8

الباب الرابع في بيان المسائل المتعلقة في الثمن و المثمن بعد العقد
اشارة

و يشتمل على فصلين

الفصل الأول في بيان حق تصرف البائع و المشتري بالمبيع بعد العقد و قبل القبض
(مادة: 252) البائع له ان يتصرف بثمن المبيع قبل القبض مثلا لو باع ماله من آخر بثمن معلوم له ان يحيل بثمنه دائنه.

الثمن اما ان يكون كليا في الذمة أو يكون عينا شخصية فإن كان كليا جاز ان يتصرف البائع به قبل قبضه و تعينه بان يبيعه أو يهبه من المشتري أو غيره غايته ان هبته للمشتري إسقاط و له ان يحيل دائنه عليه فيصير المشتري مشغول الذمة لدائن البائع و لا يعقل هنا التلف قبل القبض اما لو كان عيناً شخصية فإن تلفت قبل القبض كان التلف على المشتري كما عرفت سابقاً و ينحل العقد كما في تلف المبيع قبل القبض و مع وجودها فللبائع أن يتصرف بها كيف شاء قبل القبض و بعده لأنه قد ملكه بالعقد و لا تتوقف ملكيته على قبضه.

نعم هي ملكية متزلزلة و لكنها لا تمنع من التصرف و بالتصرف تكون مستقرة و لازمة كلزومها بالقبض.

ص: 9

(مادة: 253) للمشتري ان يبيع المبيع لآخر قبل قبضه ان كان عقارا و الا فلا.

لا فرق عندنا في صحة تصرفات المشتري في المبيع قبل القبض بين ان يكون عقاراً أو غيره كما عرفت من تحقق الملكية بمجرد تمامية العقد و هي كافية لصحة التصرف و أقصى ما يتصور في الفرق بين العقار و غيره ان العقار لا يعرضه التلف قبل القبض غالباً فتكون الملكية مستقرة بخلاف غيره و لكنك خبير ان هذا على فرض تسليمه لا يمنع من التصرف لان مصحح التصرف هو مطلق الملكية لا الملكية المطلقة و هو واضح.

نعم قد تقدم في بعض المواد ان الطعام بل مطلق المكيل و الموزون ورد النهي عن بيعه قبل قبضه و عمل أكثر أصحابنا بذلك و اختلفوا بين قائل بالتحريم فقط و بين قائل بالفساد أيضاً، و هذا أمر تعبدي و القواعد لا تقتضيه، فليتدبر.

الفصل الثاني
(مادة: 254) للبائع أن يزيد مقدار المبيع بعد العقد

فالمشتري إذا قبل في مجلس البيع الزيادة كان له حق المطالبة بتلك الزيادة و لا تفيد ندامة البائع فلو اشترى عشرين بطيخة بعشرين قرشاً ثم بعد العقد قال البائع أعطيك خمساً اخرى و قبل المشتري هذه الزيادة في المجلس أخذ خمساً و عشرين بطيخة بعشرين قرشاً، اما لو قبل بعد المجلس فلا يجبر البائع على إعطاء الزيادة.

ص: 10

هذا حكم كيفى و قول خرافي لا ينطبق على شي ء من الأصول و القواعد فان العقد إذا تم و وقع على صورة فقد انتهى كل شي ء و ليست الزيادة الخارجة عن العقد الا وعد مستقل له ان يفي به و له ان لا يفي، نعم حيث انهما ما داما في مجلس العقد لهما خيار المجلس فيمكنهما حل العقد الأول و إيقاعه جديداً بصيغة أخرى على الخمسة و عشرين فيجب الوفاء به و لكنه خلاف الفرض فليتدبر و مثله الكلام بعينه في مادة «255» من انه للمشتري زيادة الثمن و انه ملزوم بها و ان وقع العقد على أقل منها، و الجميع جزاف فافهم ذلك.

(مادة: 256) حط البائع مقداراً من الثمن المسمى بعد العقد صحيح و معتبر في موضع جازت فيه الزيادة إلخ

جميع هذه المواد من هذه المادة إلى آخر هذا الفصل مادة (261) لا مجال لها عندنا معشر الإمامية أصلا و العقد يلزم على ما وقع عليه من مقدار الثمن و المثمن لا يزيد بعد العقد و لا ينقص سواء حصل التقابض بينهما أم لا، و ليس الحط من الثمن بعد العقد أو الزيادة فيه أو في المثمن إلا هبة للزائد أو إسقاط من الثمن المسمى اى إبراء و هكذا، اما العقد الواقع الجامع للشرائط فلا يتغير و لا يتبدل عما وقع عليه و لا يحول و لا يزول، نعم يمكن إزالته بالفسخ من جهة خيار المجلس أو غيره من أنواع الخيارات و يعقدون عقداً آخر على الزائد أو الناقص، و ليس البيع بعد وقوعه يبقى كيفياً يتلاعب المتبايعان به كيف ما أرادا بل هو أمر إلزامي و تعهد دائمي، و عليه فقد سقط البحث في جميع تلك المواد المبنية على هذا

ص: 11

الأساس المتلاشي فتدبره جيدا.

و يترتب على ما ذكرناه من ان دفع الزيادة في الثمن أو المثمن يكون هبة ابتدائية ان له الرجوع فيها في المجلس و بعده قبل القبض و بعده الا ان يكون هناك أحد الملزمات للهبة المعروفة، اما حط بعض الثمن أو كله فقد عرفت انه إسقاط و إبراء و انما يتحقق هذا حيث يكون الثمن كلياً في الذمة اما لو كان عيناً خارجية فلا معنى للحط أصلا، و لعل الى بعض هذا تشير مادة (260) فتأملها جيداً.

ص: 12

(الباب الخامس) في بيان المسائل المتعلقة بالتسليم و التسلم
اشارة

و فيه ستة فصول

الفصل الأول في حقيقة التسليم و التسلم و كيفيتهما
(مادة: 262) القبض ليس بشرط في البيع

قد مر عليك ان العقد هو الإيجاب و القبول و إذا حصلا بالشرائط المعتبرة فقد صار المبيع للمشتري و الثمن للبائع فيجب على كل منهما ان يدفع الى الآخر المال الذي انتقل اليه فالقبض و الإقباض أي التسليم و التسلم من آثار العقد و ثمراته لا من أركانه و مقوماته إلا في موارد مخصوصة للدليل الخاص كبيع الصرف بالنسبة إلى النقدين و بيع المسلم بالنسبة إلى الثمن و الهبة فإن القبض في هذه الموارد ركن لا تحصل الملكية إلا به بخلاف سائر أنواع البيوع فإنها تحصل بالعقد و يكون المبيع في يد البائع كأمانة يجب دفعها الى صاحبها و هكذا الثمن عند المشتري، و قد سبقت الإشارة إلى انه ليس أحدهما أولى بالمبادرة بالدفع من الآخر فان تبرع أحدهما أو سبق وجب على الآخر الدفع و ان تشاحا أجبرهما الحاكم على التقابض و توهم بعض انه يجب على المشتري متى تم العقد ان يسلم الثمن إلى البائع أولا ثم يسلم البائع المبيع اليه كما نصت عليه (المجلة)

ص: 13

هنا، و بعضهم عكس فأوجب على البائع تسليم المبيع حتى يستحق قبض الثمن، و الحق ما عرفت من عدم ترجيح أحدهما على الآخر بعد حصول الملكية لكل منهما دفعة واحدة و لكل من الوجهين اعتبارات ظاهرة و لكنها غير معتبرة كما لا يخفى على المتدبر.

(مادة: 263) تسليم المبيع يحصل بالتخلية و هو ان يأذن البائع للمشتري بقبض المبيع مع عدم وجود مانع من تسلم المشتري إياه

هذه المسألة (اعني مسألة القبض) من مهمات مسائل البيوع أو أمهاتها و قد شاع في كلمات فقهاء الفريقين ان القبض هو التخلية و هو من الغرابة بمكان فإن التخلية سواء من البائع للمبيع أو من المشتري للثمن غير القبض فكيف يفسر عمل شخص بفعل الآخر فتخلية البائع مبيعه غير قبضه للثمن و قبض المشتري غير تخلية بين البائع و بين الثمن ثم ان التخلية أشبه بأمر عدمي فإنها عبارة عن عدم المنع أو عدم المانع فكيف يكون تفسيراً للقبض الذي هو أمر وجودي و هو التسلم و التسليم و «الحاصل» ان كلام الفقهاء في التخلية مشوش لا يكاد يتضح وجهه و قد جرت (المجلة) على هذا المجرى من غير إمعان و تمحيص، و تحقيق المقام ان كلا من البائع و المشتري يلزمه قبض و إقباض (أي يلزم البائع تسليم المبيع و تسلم الثمن، و يلزم المشتري تسليم الثمن و تسلم المبيع) حيث لا يكون كل منهما مقبوضاً أو بحكم المقبوض كما في الدين و نحوه، و لكن القبض و الإقباض و ان شئت فقل التسليم و التسلم من كل منهما يختلف باختلاف ما يقع عليه البيع فقد يتحقق الإقباض بالتخلية و الاذن فقط و قد

ص: 14

لا يتحقق الا يوضعه في يده أو في صندوقه كما ان القبض قد يحصل بصرف علمه بالتخلية و قد لا يحصل إلا بأخذه بيده و بين هذين الحدين أنواع و اشكال يتحقق بها القبض و الإقباض و تندرج أنواع القبض تحت عنوان واحد و هو الاستيلاء على الشي ء و السلطنة عليه كما يجمع جميع أنواع الإقباض التسليط و التمكين فقد يتحقق التسليط بصرف التخلية و قد يحتاج معها إلى شي ء آخر، و لما اختلفت الأنواع المحققة للقبض و المحققة للإقباض اختلفت تعبيرات الفقهاء و كل واحد نظر الى جهة و ناحية فعبر بها حتى بلغت الأقوال في بيان القبض حسب ما ذكره بعض اعلامنا المتأخرين على ما اتخطره إلى ثمانية و عند التحقيق فهي من باب اشتباه المصداق بالمفهوم و لكل من القبض و الإقباض مفهوم انما الاختلاف و التعدد في محققاته و مصاديقه المختلفة فاقباض أراضي الزراعة هو تخليتها و اعلام المشتري بتفريغها و هذا محقق لإقباضها و تسليط البائع كما ان علم المشتري و سكوته محقق لتسلمها و قبضها سواء تصرف فيها ببعض أنواع التصرف أم لا و لكن هذا المقدار لا يكفي في مثل الدار أو الدكان و الخان بل و البستان حتى يدفع اليه المفتاح مثلًا كما ان علم المشتري بتفريغها لا يكفي في تسلمه و قبضه حتى يأخذ المفتاح أو يتصرف بنحو من التصرفات و هكذا الى ان يصل الأمر في مثل الأمتعة و الدراهم و الدنانير التي لا يكفي في إقباضها رفع اليد عنها بل لا بد من وضعها بين يدي المشتري، و تسلمه لها ان يقبضها بيده أو يضعها في جيبه و نحو ذلك كما ان الدابة إقباضها دفع زمامها و تسلمها أخذ الزمام أو الركوب أو سوقها امامه أو أخذ اذنها و أمثال ذلك، و هكذا الكلام

ص: 15

في المكيل و الموزون و لكن ثبت بالأدلة الخاصة أن كيل الطعام قبض يعني ان المشتري إذا قال للبائع كل لي وزنة حنطة فكالها كان ذلك بمنزلة قبض المشتري فلو تلف بعد الكيل كان تلفها عليه لا على البائع و لو لا الأدلة الخاصة لم نقل بأنه قبض بل قبض الطعام و المتاع عرفاً هو نقله و حمله من مكان البائع إلى مكان آخر يختاره المشتري و على كل فالقبض الذي يترتب عليه ذلك الأثر المهم و هو برأيه البائع من الضمان هو عبارة عن التسلم و الاستيلاء الذي هو فعل المشتري لا التخلية التي هي من فعل البائع.

و «المراد» من القبض هنا هو القبض العرفي لا اللغوي الذي هو الإمساك باليد و ليس للشارع فيه اصطلاح خاص قطعاً فما هو الا القبض العرفي الذي قد عرفت جوهر معناه و جامع افراده، نعم يبقى الإشكال في موارد الشك في تحقق القبض و لا ريب ان الحكم هو عدم ترتب آثار القبض بمقتضى الاستصحاب، مثلًا- إذا اشترى مائعاً من دهن و نحوه و أخذ البائع يصبه في وعاء المشتري فاتفق ان عرض للإناء ثقب في أسفله و صار الدهن يسيل في الأرض من غير علم و لا تفريط ففي مثل هذا يقع الشك في تحقق القبض و عدمه نظراً الى ان صبه في إناء المشتري تسليم فلا ضمان عليه أوان استيلاء المشتري لم يحصل بعد فهو تلف قبل القبض فيكون على البائع، و مثله لو قال بايع الدابة للمشترى: خذها، و أرسل الزمام من يده و قبل ان يأخذها المشتري أو يركبها شردت أو ماتت، و أقصى مبالغ الدقة في هذه

ص: 16

الفروع و الفروض ان يقال: ان برأيه البائع من الضمان هل هي منوطة بتسليمه فقط أو بتسليمه و تسلم المشتري أيضاً أو ان تسلم المشتري يحصل بمجرد تسليط البائع و تمكينه أو يحتاج إلى عناية منه بتصرف أو استيلاء أو نحوه و حل هذه العقدة و ان كان لا يخلو من صعوبة و تحتاج الى مزيد تتبع و استقراء للنصوص و كلمات الأصحاب و لكن من البعيد جداً اناطة ضمان شخص و عدمه بعمل شخص آخر و عدمه فتدبر ذلك.

اما قبض البعض فلا ريب في انه يترتب عليه حكمه فإذا تلف الباقي في يد البائع كان عليه ضمانه و يثبت بعده خيار تبعيض الصفقة و جميع مواد هذا الفصل تعود واضحة بعد البيان المتقدم، نعم المادة الأخيرة (277) قبض المشتري المبيع بدون اذن البائع قبل أداء الثمن لا يكون معتبراً الا ان المشتري لو قبض بدون الاذن و هلك في يده أو تعيب يكون القبض معتبراً، فيها إجمال و تعقيد مخل بالغرض المقصود، و تحريرها- أنه لما كان من المعلوم ان الغرض من تسليم البائع المبيع هو حصوله في يد المشتري و لذا لو كان في يده قبل البيع بعارية أو وديعة سقط وجوب التسليم فكذا لو قبضه المشتري بدون اذن البائع و تسليمه فقد حصل الغرض المهم من التسليم و هو الحصول في يد المشتري و سقط الضمان عن البائع و صار تلفه على المشتري فقد صار هذا القبض معتبراً من هذه الناحية (أي ناحية سقوط الضمان)، ثم ان هذا القبض العاري عن الاذن ان كان بعد دفع الثمن إلى البائع فهو قبض معتبر من جميع الجهات و جميع

ص: 17

تصرفات المشتري فيه تكون صحيحة نافذة، اما لو كان قبل دفع الثمن فالقبض المزبور و ان كان معتبراً من حيث إسقاط الضمان و لكنه غير معتبر من حيث نفوذ تصرفات المشتري فيه فلو باع أو رهن أو وهب وقف على إجازة البائع لأن له حق حبسه الى ان يقبض الثمن فيكون تصرفات المشتري موقوفة لأنها وقعت على متعلق حق الغير فهي أشبه بالفضولي و بيع الراهن للعين المرهونة و ان لم تكن منه.

هكذا ينبغي ان تحرر المسائل و للّٰه المنة وحده.

الفصل الثاني في المواد المتعلقة بحبس المبيع

خلاصة هذا الفصل قد تقدمت في الأبواب السابقة حيث أوضحنا ان المشتري له ان يحبس الثمن حتى يقبض المبيع و للبائع ان يحبس المبيع حتى يقبض الثمن فان تبرع أحدهما فبادر الى التسليم وجب على الآخر الدفع و سقط حق الحبس و ان تشاحا أجبرهما الحاكم على التقابض، و حق الحبس طبعاً انما هو في غير بيع النسيئة بالنسبة إلى الثمن و في غير بيع السلف بالنسبة إلى المثمن و في غير الموارد التي يكون الثمن مقبوضاً للبائع أو المبيع مقبوضاً للمشتري و إذا بادر أحدهما بالتسليم فان دفع الثاني فذاك و إلا فله استرجاع ما دفع لان حق حبسه لم يسقط بالكلية بل سقوطه مراعى بدفع الآخر فإذا لم يدفع كان له الاسترداد إلا إذا صرح بإسقاطه مطلقا

ص: 18

و بهذا تظهر الخدشة في مادة (281) إذا سلم البائع المبيع قبل قبض الثمن فقد أسقط حق حبسه و ليس للبائع ان يسترد المبيع من المشتري، و باقي المواد واضحة.

الفصل الثالث في حق مكان التسليم

تحرير هذا الفصل ان المتبايعين ان علم كل منهما ان المبيع الشخصي في محل غير بلد العقد و أطلقا البيع فالإطلاق يقتضي تسليمه في محل المبيع الا ان تكون هناك قرينة أو عرف خاص يقتضي خلاف ذلك، و ان جهل كل منهما ذلك أو جهل المشتري فإطلاق العقد يقتضي تسليمه في بلد العقد كما لو كان كلياً و الا كان للمشتري الخيار فيهما، هذا كله مع الإطلاق و الا فالشرط هو المتبع و ما ذكرناه هو حاصل المواد الثلاث (285، 286، 287) و من الغريب هنا الذي لا يعرف وجهه ما نقله بعض الشراح عن بعضهم من أنه- إذا باع البائع الحنطة و هي في أرضه و اشترط تسليمها في مكان معين صح البيع و لزمه تسليمها حيث شرط الا إذا اشترط حملها و نقلها الى دار المشتري فان ذلك يفسد البيع انتهى.

اما الثمن فان كان كلياً و أطلق فحقه التسليم في بلد العقد و ان كان شخصياً فمثل ما تقدم في المبيع الشخصي و يكون الخيار للبائع مع جهله، فتدبره.

ص: 19

الفصل الرابع في مئونة التسليم و لوازم إتمامه

ليس في هذه الناحية من البيوع قاعدة مطردة يمكن الاعتماد عليها بقول مطلق و إيكال ذلك الى عرف البلد في غير موارد الشرط أتقن و أحسن كما في مادة (291) و حيث يكون هنالك عرف خاص أو عام أو شرط فلا إشكال إنما الإشكال حيث لا يكون هناك شي ء من تلك الأمور التي يصلح الاعتماد عليها و تشاحا فيمكن ان يجعل المناط ان كلما يتعلق بالمبيع فهو على البائع و كلما يتعلق بالثمن فهو على المشتري و أحسن من ذلك ان يجعل المدار على المصلحة و المنفعة فإن كانت للبائع فمصارفه عليه و ان كانت للمشتري فعليه و يعرف صاحب المصلحة بطلبها و ان كانت لهما فعليهما و لعل منه ما شاع في هذه العصور من ان اجرة كتابة الأوراق و السجلات و الطوابع بل و تسجيل البيع في (الطابو) كله على المشتري لأنه لمصلحته و إتقان ملكيته و هذه الضابطة و ان لم تكن مطردة كلية فلا إشكال في أنها توافق الغالب و لا يشذ منها الا النادر.

ص: 20

الفصل الخامس في بيان المواد المترتبة على هلاك المبيع
اشارة

تكرر ذكر هذا الحكم المستفاد من النبوي (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه) و قد مرت الإشارة إليه قريباً في مادة (277) و قد ذكرنا في الجزء الأول معنى هذه القضية و تطبيقها على القواعد و ان التلف يكشف عن انفساخ العقد قهراً حتى يرجع المبيع قبل التلف الى ملك البائع و يكون تلفه منه و مثله تلف الثمن و القاعدة الكلية هنا هكذا- كل مال تلف في يد مالكه قبل العقد فهو عليه كما ان تلفه بيد من ملكه بالعقد يكون عليه.

(مادة: 295) إذا قبض المشتري المبيع برضا البائع ثم مات مفلساً قبل أداء الثمن ليس للبائع استرداد المبيع بل يكون مثل الغرماء

اتفقت الإمامية أن المفلس الذي لا تفي أمواله بديونه و حكم الحاكم بمنعه من التصرف في أمواله ليقسمها على الغرماء بالنسبة فتوزع أمواله بالحصص الا الغريم الذي يجد عين ماله فإنه يأخذها عيناً و لا يضرب مع الغرماء و هذا و ان كان مخالفاً للقواعد و لكن النصوص و الفتاوى متطابقة عليه و يكون لازم ذلك انفساخ العقد كقضية التلف قبل القبض، اما إذا مات الرجل و كانت تركته لا تفي بديونه و وجد بعض الغرماء عين ماله فإنه لا حق له بأخذها بل يضرب مع الغرماء، نعم لو كانت أمواله تفي بديونه

ص: 21

فله أخذ عين ماله إذا أراد، و منشأ الفرق هو النصوص الخاصة عندنا و عبارة (المجلة) مطلقة و الحق هو التفصيل كما ذكرناه.

الفصل السادس فيما يتعلق بسوم الشراء و سوم النظر

هذه القضية ليست من مسائل البيوع و لكنها من هوامش البيع و رتوشه و هي مسألة مهمة و تعرف عندنا بمسألة «المقبوض بالسوم» و حاصل ما افادته (المجلة) ان المقبوض بالسوم (اي ما قبضه إنسان من المالك لينظر فيه) فاما ان يشتريه بالثمن الذي اتفقا عليه أو برده فلو اتفق أنه انه تلف في يد القابض فإنه مضمون عليه لا بالثمن الذي اتفقا عليه لعدم وقوع العقد حسب الفرض بل بالمثل ان كان مثلياً و بالقيمة ان كان قيمياً، و لا فرق عندنا في الضمان بين ان يعينا قيمته أم لا فما ذكرته (المجلة) بقولها (اما إذا أخذه بدون ان يبين و يسمي له ثمناً كان ذلك المال امانة في يد المشتري فلا يضمن إذا هلك أوضاع بلا تعد مثلًا- لو قال البائع للمشتري ثمن هذه الدابة ألف قرش اذهب بها فإن أعجبتك اشترها فأخذها ليشتريها فهلكت لزمه قيمتها للبائع، اما إذا لم يبين الثمن بل قال خذها فإن أعجبتك اشترها فأخذها على انه إذا أعجبته يقاوله و يشتريها فبهذه الصورة إذا هلكت بلا تعد لا يضمن) لا وجه له على التحقيق لوحدة ملاك الضمان و هو قاعدة اليد و من الوهم الزائف تخيل انها في الصورة الثانية

ص: 22

امانة فان البائع لم يقصد دفعها له بصفة الامانة و الوديعة، و قد سبق أول قواعد [المجلة]- ان الأمور بمقاصدها- و القصارى ان كل إنسان قبض مال غيره ليشتريه سواء اتفقا على قيمته أم لا فهو مقبوض بالسوم و مضمون على القابض بقاعدة اليد، فتدبره جيداً.

نعم لو برء القابض الذي يريد النظر للشراء من عهدة الضمان و رضى المالك فلا ضمان لو تلف بغير تعد لان المالك قد أسقط حقه و لكنه مبني على صحة إسقاط ما لم يجب كصحة ضمانه و هو محل بحث و نظر و ان كان الأصح عندنا صحته و مما ذكرنا يظهر البحث في مادة (299) ما يقبض على سوم النظر و هو ان يقبض مالا لينظر اليه أو يريه لآخر سواء بين ثمنه أم لا فيكون امانة في يد القابض فلا يضمن إذا هلك بلا تعد فان المقبوض على سوم النظر ان قبضه لينظر فيه ليشتريه فهو من المقبوض بالسوم يضمنه مطلقا إذا تلف لانه قبض معاوضة اي مبني على التعاوض و ان قبضه لا للشراء فلا ضمانه لأنه امانة و كذا قبض الدلال و السمسار لانه وكيل أو شبهه فلا ضمان مع عدم التعدي.

ص: 23

(الباب السادس) في الخيارات
اشارة

أعلم ان أبواب الخيار من أهم مباحث البيوع و هي المضمار الذي يتسابق فيه فرسان الفقاهة و مهرة التحقيق، و كثير من أعلام الإمامية أفرد لها كتباً مستقلة في التأليف، ذاك لأن فيها المجال الواسع للدقة، و عمق النظر، و براعة الصناعة و التحقيق، حيث انها تبتنى على مزيج من الأدلة من عقل و نقل، و عرف و تقاليد، يعني. شرع و اعتبار و عادة و علماء الشرع رضوان اللّٰه عليهم منا و من الجمهور في تعداد أنواع الخيارات بين مقل و مكثر، بين من ذكر ثلاثة و بين من زادها على عشرين، و المتوسطون بين من ذكر سبعة كما في (شرائع) المحقق و بين من اقتصر على سبعة كالشهيد الأول في (اللمعة الدمشقية) و «المجلة» اقتصرت أيضاً على سبعة، و حيث ان الأصل و القاعدة في البيع بل في عامة العقود عدا ما خرج بالنص القاطع هو اللزوم و عدم جواز فسخ العقد بعد وقوعه صحيحاً مستجمعاً بشرائطه، و لكن إحاطة علم الشارع الحكيم و رعاية الشريعة لدقائق الحكمة اقتضت تشريع الخيار في العقود اللازمة قلعاً لمواد الفتنة بين البشر و قطعاً لأمراس الشجار و الخصومات فيما بينهم فإن الإنسان قد تدعوه خاطرة الى بيع ماله فيجري العقد عليه باختياره ثم يندم فيتطلب العلل و التخريجات من مضايقة العقد فقد يحدث النزاع و الشجار بين المتعاقدين فشرع الخيار لقطع مادة هذا الشجار، و افساحاً

ص: 24

لمجال التروي و التفكير فيما هو الصالح. و لكن تداركا لذلك و لكي لا تذهب مكانة العقد، و تسقط قيمته بالتلاعب، حسب الخواطر و الأهواء جعل الخيار مقيداً بقيود، و محدوداً بحدود، لئلا يقع الاشتمار و الفوضى و تنعكس الآية، و تنقلب الحكمة.

و مما لاخفاء فيه ان تعدد أنواع الخيار، و اختلاف أسمائه، و تغاير نسبه و إضافاته، انما هو لاختلاف أسبابه، و البواعث التي قضت بجعله بعد ان كان هو خلاف الأصل و العمومات كما عرفت.

و الأسباب كثيرة و لكن يجمعها على التحقيق ثلاثة أنواع فان موجب الخيار اما لأمر يعود الى أحد العوضين كنقص و نحوه، و ذلك كخيار العيب و الغبن و الرؤية و التأخير و نحوها و اما لأمر يعود الى العقد من حيث حدوثه، و أصل وجوده، و هو اما ان يكون يجعل الشارع كخيار المجلس و خيار الحيوان، و اما ان يكون بجعل المتعاقدين أو أحدهما كخيار الشرط أو شرط الخيار. و بعبارة أوجز ان الخيار اما ان يكون شرعياً أو طبيعياً أو وضعياً فالأول كخيار المجلس و الحيوان، و الثاني كخيار العيب و الغبن و نحوهما فإن طبيعة العقد تقتضيه و الثالث ما يكون بوضع المتعاقدين و جعلهما كخيار الشرط أو شرط الخيار، ثم الخيارات بجميع أنواعها اما ان يكون الخيار فيها لكل واحد منهما أو لواحد منهما أو لغيرهما منفرداً عنهما أو معهما أو مع أحدهما كما يجوز ان يكون الغير جماعة أو فرداً مجموعين أو متفرقين على نحو الاختيار أو الخيار أو الاستيمار، و لكل واحد من هذه الأنحاء احكام شخصية و آثار ربما يأتي التنبيه عليها في مواردها إن شاء اللّٰه

ص: 25

الخيار

الخيار اسم مصدر من الاختيار، و أصل المادة الخير و ان اندك لحاظه في أكثر مشتقاتها و هو- لغة و عرفاً- معنى يرجع الى حرية الإرادة و عدم الملزم بأحد طرفي الفعل و الترك و ان من له الخيار له الأخذ بخير الأمرين من الفسخ و الإمضاء، و- شرعا- سلطنة على فسخ العقد، و أثره رجوع كل مال الى صاحبه في باب المعاوضات و ما يتاخمه في غيرها- أو حق استرداد العين و أثره و انحلال العقد و رجوع كل مال الى صاحبه و تظهر الثمرة بين الاعتبارين في مواضع: منها صورة تلف العين فعلى الأول يبقى الخيار لانه حق في العقد و أثره حينئذ يظهر بدفع المثل أو القيمة و على الثاني يزول لزوال موضوعه، و لذا قد يعد التلف من مسقطات الخيار عند بعض كما يسقط حق الرجوع بالهبة عند الجميع.

و «الخيار» حق مالي يصح نقله و انتقاله كما يصح إسقاطه و المصالحة عليه كعامة الحقوق المالية. و هذا هو حكمه العام الذي يلحقه من حيث كونه خياراً، كما ان لكل واحد من أنواعه أحكاما تخصه من حيث خصوصيته مثل كونه خيار مجلس أو خيار حيوان أو غير ذلك.

و حيث ان خيار المجلس مقدم طبعاً على سائر الخيارات المجعولة شرعا فالأنسب تقديمه وضعاً فنقول قد عرفت ان مستند

ص: 26

(خيار المجلس)

هو الحديث المستفيض عند عامة المسلمين (البيعان بالخيار ما لم يفترقا) و هو و غيره من أحاديثنا الخاصة مستند القول بخيار المجلس عند فقهائنا إجماعا اما فقهاء المذاهب فقد انشطروا في هذه القضية شطرين فأنكرته الحنفية و المالكية و تأول الأولون الحديث تأويلا- الطرح خير منه كاجتهاد في مقابل النص حيث قالوا على ما نقل عنهم: خيار المجلس لا يثبت الا بالشرط فإذا ثم العقد بينهما من غير شرط الخيار أصبح لازما سواء أقاما بالمجلس أو تفرقا و انما الذي للعاقد في المجلس بدون شرط هو خيار القول فإذا قال البائع بعتك فله ان يرجع قبل ان يجيبه المشتري انتهى و يحملون الحديث تارة على ان له خيار المجلس بالشرط و اخرى على ان له الرجوع قبل الإيجاب. و هذا من الغرابة بمكان فان الحديث يقول البيعان بالخيار لا البائع فقط ثم ما معنى اقحام التفرق و تعليق الخيار عليه و «بالجملة» فصراحة الحديث و وضوح معناه كاف في درهم.

أما «المالكية» فقد اعترفوا بان الحديث صحيح بل و صريح و لكنهم قالوا ان عمل أهل المدينة على خلافه و عملهم مقدم على الحديث و ان كان صحيحاً و هذا شي ء لا نعرفه و لا ندري كيف عمل أهل المدينة يطرح الحديث أو ينسخه و عهدة ذلك عليهم، و قد زادوا على الحنفية حيث أفسدوا العقد

ص: 27

مع شرط الخيار في المجلس و الحنفية أجازوه اما «الشافعية و الحنابلة» فقد عملوا بالحديث و اثبتوا لكل من المتبايعين بعد تمامية العقد خيارا في المجلس الى ان يفترقا بالأبدان فإذا افترقا وجب البيع كما في ذيل الحديث على ما في بعض الروايات و أفرط الشوافع في ثبوت هذا الخيار فقالوا لو اشترط عدمه بطل الشرط و العقد لانه من مقتضيات العقد و كل شرط ينافي مقتضى العقد باطل و مبطل و اعتدلت الحنابلة كالإمامية و قالوا انه يسقط باشتراط سقوطه فلو قال بعتك بشرط ان لا خيار لأحدنا في المجلس فقال قبلت صح العقد و الشرط و دعوى كونه منافيا لمقتضى العقد ممنوعة و انما هو مناف لإطلاقه كما سبق تحقيق ذلك في الجزء الأول و هذا اعني شرط عدمه أحد مسقطات خيار المجلس عندنا و عند الحنابلة كما ان التفرق هو المسقط الثاني و التصرف هو المسقط الثالث عندنا و عند الشافعية و الحنابلة و التلف عند بعض هو الرابع ثم ان الشافعية قصروا هذا الخيار على عقود المعاوضات بشرط ان يكون العقد مما يفسد بفساد أحد العوضين كالبيع و الإجارة لا النكاح الذي لا يفسد بفساد المهر و ان يكون على عين لازمة فيخرج الإجارة و ان لا يكون التملك قهريا فيخرج الشفعة فينحصر مورده بالبيع المطلق و السلم و الهبة المعوضة و الصلح في بعض أنواعه.

أما عندنا فحيث ان خيار المجلس من المجعولات الشرعية لا تقتضيه طبيعة العقد و لا اشترطه المتعاقدان فيتبع في سعته و ضيقه الدليل و هو يقول «البيعان» فيختص بالبيع و لم يقل المتعاوضان و نحوها حتى يعم.

و كما يسقط هذا الخيار بشرط عدمه في متن العقد كذلك يسقط

ص: 28

بإسقاطه بعد العقد قبل تفرقهما و لكن المسقط الأعظم لهذا الخيار- هو التفرق من المجلس اي مجلس العقد سواء كانا مجتمعين فيه أو متفرقين في بناء أو صحراء متقاربين أو متباعدين فلو تبايعا واحدهما في مصر و الآخر في بغداد بالهاتف و نحوه كان لهما الخيار حتى يقوم أحدهما أو كل منهما من مكانه و كذا لو كان كل واحد منهما على مركوب من دابة أو سفينة أو سيارة و جرى العقد بينهما فالخيار ثابت لهما حتى يصدق عرفا افتراقهما و لكن العبرة بالتفرق الاختياري لا القهري فلو فرق بينهما ظالم قهرا فان منعهما أيضاً من التخاير لم يسقط خيارهما الى ان يزول القهر عنهما فاما ان يفسخا العقد حينئذ أو يمضياه و ان لم يمنعهما و تفرقا بدون فسخ لزم العقد و سقط الخيار و لو أخذ أحدهما قهراً مع منعه و بقي الآخر في مجلس العقد فهل يبقى خيار كل منهما أو يزول خيارهما معا أو يبقى خيار المقهور دون الآخر وجوه أو أقوال أقربها الأول و لو كان الموجب و القابل واحداً فالمدار لو قلنا بثبوت الخيار و عدم انصراف الدليل عن مثله على قيامه من مجلس العقد، اما لو عقد و هو باق في مكانه فله ان يفسخ ان كان ذا سلطة على العقد و الفسخ هذه نبذة يسيرة من خيار المجلس و احكامه و اختلاف الفقهاء فيه و لعلماء الإمامية فيه أبحاث طويلة و تحقيقات جليلة، لا مجال لسردها في هذا المختصر

ص: 29

(الخيار الثاني) خيار الحيوان

و يظهر ان هذا الخيار من مختصات الإمامية لم أجد له ذكرا عند فقهاء المذاهب، و هو أيضا من المجعولات الشرعية و أحاديث ائمۀ أهل البيت (ع) به مستفيضة مثل رواية علي بن أسباط عن الرضا (ع) الخيار في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري و صحيحة ابن يسار قلت له ما الشرط في الحيوان قال ثلاثة أيام للمشتري قلت و ما الشرط في غير الحيوان قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا، و من هنا ذهب الأكثر إلى اختصاص هذا الخيار بالمشتري و تكاد تكون نصاً فيه صحيحة ابن رئاب عن رجل اشترى جارية لمن الخيار للمشتري أو للبائع أولهما كليهما قال الخيار لمن أشتري نظرة ثلاثة أيام فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء و لكن ذهب جماعة من الاعلام إلى ثبوته للبائع و للمشتري لصحيحة محمد بن مسلم المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان و فيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا و لعل المراد أن المنتقل اليه الحيوان بايعا كان أو مشتريا ثمنا أو مثمنا يكون له خيار و بهذا يحصل الجمع بين الاخبار كما في صحيحة أخرى لابن مسلم المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا و صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيام فإن التعبير بصاحب الحيوان مشعر بعدم الاختصاص بمشتري الحيوان بل يعم بايع ماله بالحيوان و تكون تلك الاخبار خصت المشتري بالذكر لان

ص: 30

الغالب ان الحيوان مما يشترى لا مما يشترى به و على كل فأصالة اللزوم في العقود تقضي بعدم ثبوت هذا الخيار لبائع الحيوان بغيره و الاخبار غير واضحة فيه ان لم تكن واضحة بخلافه و حكمة هذا الجعل و التشريع لا تقتضيه فإن الحكمة في هذا الحكم ان خيار المجلس لما كان عادة لا يكفي للاطلاع على خفايا مزايا الحيوان و خصوصيات صفاته فإن مشتري الفرس مثلا لا يمكنه الاطلاع عادة على كونها حرونة أو ذلولا و صعبة القياد أو سهلة إلى كثير من أمثال هذا الا باختبارها في ركوبها و الغارة عليها و لا يعرف مقدار أكلها و صبرها عن الماء الا بيومين أو ثلاث على الأقل فلذلك جعل الشارع في الحيوانات أعم من الإنسان كالعبد و الجارية أو غيره من أنواع الحيوان خيارا زائداً على خيار المجلس افساحا في المجال لكشف الحال و تفصياً عما يوجب الندم و تداركا لما يخشى من التورط و هذا كله إنما يأتي في من انتقل اليه الحيوان لا من انتقل عنه و لا يذهب بك الوهم الى ان خيار العيب يغني عن هذا الخيار فإن القضية هنا ليست قضية عيوب أو نقص في الخلقة بل قضية أوصاف تختلف بها الرغبات حسب اختلاف المشارب و الأذواق فرب شخص يرغب في الجارية السريعة الانتباه مثلا و رب أخر يكره ذلك و هكذا و النظائر كثيرة و قد اختلفوا في ان مبدأ هذا الخيار من حين العقد أو من حين التفرق و على الأول فلو مضت ثلاثة أيام و لم يفترقا زال خيار الحيوان و بقي خيار المجلس و على الثاني لو افترقا بعد ثلاثة أيام كان له ثلاثة أخرى

ص: 31

و على الأول يكون قد انتهى الخيار ان و ظاهر الأدلة قد يلوح منها الأول و الاعتبار أدل على الثاني. و يسقط هذا بشرط سقوطه في متن العقد و بإسقاطه بعد العقد و بالتصرف الدال على الرضا بالعقد و إمضائه لا مطلق التصرف، و الفروع هنا أيضاً كثيرة و المباحث واسعة و فيما ذكرنا مع اختصاره كفاية.

الخيار الثالث خيار الشرط
اشارة

و هذا الخيار مما اتفق عليه الفريقان و الأدلة عليه عموما و خصوصاً مستفيضة و يكفي من العمومات النبويان (الشرط جائز بين المسلمين) و (المؤمنون عند شروطهم) و أمثالها، و كان حق التعبير ان يعبروا عنه بشرط الخيار لا خيار الشرط لان المراد به هنا ان يشترط الخيار في ضمن عقد البيع أو غيره بان يقول: بعتك بشرط ان يكون لي خيار الفسخ إلى ثلاثة أيام أو شهر مثلا، فهو عبارة عن اشتراط الخيار، اما خيار الشرط فهو عبارة عن ان يشترط أحد المتعاقدين على الآخر شرطاً فلا يفي به فيكون له خيار تخلف الشرط فلو قال: بعتك بشرط ان تأتيني يوم الجمعة فقبل و لم يأته يوم الجمعة فإن للبائع الخيار ان يمضي العقد أو يفسخه فحق هذا ان يسمى خيار الشرط اي خيار تخلف الشرط و ما نحن فيه (شرط الخيار) و يعبر بعض فقهائنا عن ذلك بخيار الاشتراط، و مهما كان فالأمر في التسمية سهل. و المهم هنا (أولًا) ان

ص: 32

تتذكر ما مرت الإشارة إليه سابقاً من ان الخيار في العقد ليس معناه توقف العقد في تأثيره الملكية و النقل على انقضاء زمن الخيار كما قد ينسب الى بعض أعاظم علمائنا وفقا لبعض علماء الجمهور بل المتفق عليه عندنا ان العقد الصحيح إذا وقع انتقل المبيع إلى المشتري و الثمن إلى البائع غايته ان صاحب الخيار له ان يفسخ هذا العقد و يحله فتعود ملكية كل مال الى صاحبه و عليه يترتب النماء و المنافع في المدة بين العقد و الفسخ فان نماء المبيع تلك المدة إلى المشتري و نماء الثمن فيها للبائع، نعم لو اشترط كل منهما خلاف ذلك و ان تكون منافع كل مال لصاحبه الأول فيكون كما لو باعه- مسلوب المنفعة تلك المدة أمكن الجزم بالصحة و سيأتي في مادة (308) ما ينافي ما ذكرناه من كون العقد التام هو المؤثر و (ثانياً) ان مدة الخيار يجوز ان تتصل بالعقد فيشترط الخيار له من حين العقد إلى سنة، و يجوز ان تنفصل فيشترطه في شهر بعد سنة من العقد و لا مانع من صيرورة العقد جائزا بعد لزومه فان الشروط تعمل أكثر من هذا، و «ثالثاً» يجوز ان يشترطا الخيار لواحد منهما أو لكليهما أو لأجنبي معهما أو مع أحدهما على نحو الاستقلال أو الاشتراك أو المؤامرة أي يكون الشرط ان له الأمر بأن يفسخا أو يمضيا لا ان يكون له ذلك بنفسه و الى بعض هذا أشارت (المجلة) في مادة (300) يجوز ان يشترط الخيار بفسخ البيع أو إجازته مدة معلومة لكل من البائع و المشتري أو لأحدهما دون الآخر، و أهم ما في هذه المادة هو لزوم كون مدة الخيار معلومة بعدد الأيام أو الأشهر أو السنين فلو لم يعين بطل الخيار

ص: 33

بل ربما يقال ببطلان العقد أيضاً كل ذلك للغرر و بيع الغرر باطل قطعاً و ما يقال من ان الغرر موضوع عرفي و ترى العرف بالوجدان يؤجلون ديونهم و كثيراً من معاملاتهم الى الحصاد و موسم التمر أو الرز أو غيرهما و لا يعدونه غرراً و تقدم العقلاء على مثله في الكثير من المقامات مدفوع بان المعلوم من مجموع الأدلة الشرعية ان الشارع لا يصحح المعاملات التي يدخلها مثل هذه الجهالة و يتطلب المعلومية الحاسمة لكل مواد احتمال التشاح الخصومة و ان أقدم عليها العرف تسامحاً منهم ثم يقعون في الخصومة و الندامة و بعد ذلك و قد نراهم يتشاحون في اليوم أو اليومين فضلا عن الشهر و الشهرين في انقضاء الخيار و بقائه و بقاء أجل الدين و انتهائه فهم يتورطون في البدء تسامحاً و يتشاحون في النهاية شحاً و حرصا و الشارع الحكيم لا يرضى بمثل ذلك و أحكامه مبتنية على الحكمة التامة، و المصلحة العامة، و اقدام العقلاء لا يخرجه عن كونه غرراً فإنهم قد يقدمون على الغرر استرسالا و تختلف مراتب العقول و لذا العاقل الرصين لا يقدم على مثل ذلك و كم للعقلاء العاديين من هفوات و خطيئات هي مثار الفتن و الخصومات و لعل هذا مراد جدنا (كاشف الغطاء) طاب ثراه حيث يقول «دائرة الغرر في الشرع أضيق منها في العرف» و الظاهر ان مراده أنها أضيق حكما و الا فالشارع لا يجوز اي غرر كان و العرف ما أكثر ما يرتكبون مواضع الغرر، نعم قد يتسامح الشارع في بعض المواضع التي يتسامح العرف بها أيضاً مثل اختلاف المكاييل و الموازين و الحبتين و الثلاث و أمثال ذلك مما لا يكون غالباً مثاراً للخصومة و التشاح

ص: 34

و لا يعتني بنقصه و زيادته الضئيلة عامة الناس فليس المدار على مطلق الجهالة بل الجهالة التي يتطرق منها احتمال الخصومة و الجدال و الا فإن مدة خيار المجلس مجهولة و لم تقدح جهالتها لأنها ليست مظنة للتخاصم و يؤيد ما ذكرنا من مداقة الشارع في موارد الجهالة و تشديده في اعتبار المعلومية خبر غياث «لا بأس بالسلم في كيل معلوم إلى أجل معلوم لا يسلم الى دياس أو الى حصاد» .. مع ان السلم الى الحصاد و الدياس هو المتعارف عند عامة الناس لا سيما الجاهلين بأحكام الشرع، و من هنا يتضح لك عدم الفرق في الحكم بالبطلان بين عدم ذكر مدة أصلا أو ذكر مدة غير معينة فيقول: بعتك و اشترطت الخيار لي أو بذكر مدة و لا يعينها أصلا فيقول اشترطت الخيار لي في مدة أو يعينها بصفة مجهولة كمجي ء الحاج و الحصاد و نحوها، و ذهب جمع من علمائنا إلى صحة الصورتين الأوليين و جعل مدة الخيار فيها ثلاثة أيام و ادعوا ورود الاخبار بذلك و لم يعثر الباحثون في كتب الحديث و المتخصصون بعلم الدراية و الرواية على خبر واحد فضلا عن الاخبار و لعل أولئك حملوه على خيار الحيوان المقدر في الأدلة بثلاثة أيام و هو قياس لا يعملون به سيما مع وضوح الفرق بين المقامين نعم ورد من غير طرقنا ان حنان بن منقذ كان يخدع في البيع لشجة اصابته في رأسه فقال له النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم «إذا بعت أو ابتعت فقل لا خلابة و جعل له الخيار ثلاثة أيام» و هو كما ترى ضعيف سنده و أضعف من ذلك دلالته فالأصح البطلان في الجميع.

اما المادة التي بعدها مادة (201) كل من شرط له الخيار في البيع

ص: 35

يصير مخيراً بفسخ البيع أو إجازته في المدة المعينة للخيار. فكأنها بيان لصحة جعل الخيار لغيرهما و كان يكفي عنها ان بضم إلى المادة المتقدمة لفظة «أو لأجنبي» و نحوها و لا حاجة الى عقد مادة مستقلة لها. و الخيار المجعول بالشرط للأجنبي تابع لجعلهما في الكم و الكيف و سائر الجهات على نحو الأصالة في نفسه أو الوكالة عنهما أو إصدار الأمر عليهما أو على أحدهما مع اعلامهما أو إعلام أحدهما بل حتى مع عدم علم كل واحد منهما بحضورهما أو حضور أحدهما أو حضور شخص آخر أو أشخاص أو عدم حضور أحد، و كما يحصل الفسخ بالقول كما في مادة «302» يحصل بالفعل أيضاً كما لو باع البائع المبيع أولا لشخص آخر مع قصد الفسخ و الا كان لغواً كما في مادة «303 و 304» و لا نمنع الزيادة المتصلة من الفسخ طبيعية كانت كالسمن و طول القامة و قوة البدن أو غير طبيعية كالصبغ و غرس الأشجار و نحوها.

نعم لو فسخ البائع مثلا كان للمشتري قلعها أو أخذ ثمنها من الفاسخ اما المنفصلة فقد عرفت ان نماء المبيع قبل الفسخ للمشترى و نماء الثمن للبائع و إذا أجاز في البعض و فسخ في الآخر كان له خيار تبعض الصفقة.

«مادة: 305» إذا مضت مدة الخيار و لم يفسخ أو لم يجز من له الخيار لزم البيع و ثم،

سواء كان عالماً بانقضاء المدة أو جاهلا أو غافلا و سواء تركه لعذر أو لغير عذر حتى لو جن أو أغمي عليه و أفاق بعد المدة لم يكن له الفسخ لانه حق مقيد يزول بزوال موضوعه.

ص: 36

«مادة: 306» خيار الشرط لا يورث فإذا كان الخيار للبائع و مات في مدته ملك المشتري المبيع و إذا كان للمشتري فمات ملكته ورثته بلا خيار.

الظاهر ان هذا قول الحنفية أما عندنا فجميع الخيارات تورث لأنها حق مالي فيشمله النص القائل «ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) و الى هذا ذهبت الشافعية و المالكية أما غيرهم فقد فصلوا فجعلوا الإرث لبعض الخيارات دون بعض و لم نجد لهذا التفصيل من دليل غير عليل.

«مادة: 307» إذا شرط الخيار للبائع و المشتري معاً فأيهما فسخ في أثناء المدة انفسخ البيع و أبهما أجاز سقط خيار المجيز فقط و بقي الخيار للآخر الى انتهاء المدة.

أوضح و أوجز من هذا ان يقال: إذا كان الخيار لكل من البائع و المشتري فاجازة أحدهما لا تسقط حق الآخر بل له الفسخ الى انتهاء المدة.

«مادة: 308» إذا شرط الخيار للبائع فقط لا يخرج المبيع عن ملكه بل يبقى معدوداً من جملة أمواله

فإذا تلف المبيع في يد المشتري بعد قبضه فلا يلزمه الثمن المسمى بل يلزم أداء قيمته للبائع يوم قبضه.

هذا إلغاء للسبب التام عن تأثيره من دون سبب و لا مانع، و قد عرفت ان الخيار لا يمنع العقد التام عن تأثيره، غايته انه يحدث الملكية المتزلزلة لا انه لا تأثير له أصلا.

نعم هنا قاعدة أخرى تقدم ذكرها في أوائل (الجزء الأول) و هي

ص: 37

ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له، فلو كان الخيار للبائع فقط و تلف المبيع في يد المشتري فان تلفه يكون على المشتري، و قد ثبت هذا الحكم على خلاف القواعد بالنص الخاص و لا محيص من حمله على ان التلف يكشف عن تحقق الفسخ القهري قبله فيرجع ملكية المبيع إلى البائع و يكون مضموناً على المشتري بمثله أو قيمته و يأخذ ثمنه الذي دفعه و هذا تكلف و تعسف ألجأنا توجيه الدليل اليه، و لعل أرباب (المجلة) تبعاً للحنفية و غيرهم لما وجدوا ان ضمان الشي ء للغير لا يجتمع مع ملكيته و كيف يمكن كون العين ملكاً لإنسان و هو يضمن مثلها أو قيمتها لغيره لذلك التزموا في قضية التلف في زمن الخيار ان المبيع مثلا لم ينتقل عن البائع إذا كان له خيار بل هو معدود في أمواله و لهذا يضمنه المشتري لو تلف في يده و يدفع للبائع المثل أو القيمة، و لكنهم بهذا التدبير فروا من سيّئ الى أسوء و هو التزام كون العقد غير مؤثر مع انه عقد جامع للشرائط، فاقد للموانع بل و أسوء من هذا أيضاً هو ان العقد الواحد حينئذ يؤثر من ناحية و لا يؤثر من أخرى، فإن الثمن يخرج من ملك المشتري الذي لا خيار له و يدخل في ملك البائع و لكن المبيع لم يخرج من ملك البائع فوقعوا في ثلاث مخالفات، عدم تأثير العقد الصحيح، و تأثيره من جهة دون اخرى، و اجتماع العوض و المعوض في ملك شخص واحد و هو البائع، فإنه ملك الثمن و المثمن أيضاً باق في ملكه أو بقاء المال بلا مالك ان قلنا بخروج الثمن من ملك المشتري الذي لا خيار له و عدم دخوله في ملك البائع كما قال به بعض فقهائهم خلافا لصريح (المجلة)

ص: 38

و على كل حال فلا دخل لهذا بقضية بقاء المبيع على ملك البائع الذي له الخيار بعد صدور العقد الصحيح منه الذي هو حسب الفرض سبب تام للنقل و الانتقال كما مر توضيحه قريباً فليتدبر.

اما فقهاؤنا فقد عالجوا القضية بما أوردناه لك من الالتزام بالانفساخ القهري في توجيه الدليل قالوا «ان العقد يفيد الملكية للبائع ذي الخيار بالنسبة إلى الثمن و للمشتري الذي لا خيار له بالنسبة إلى المثمن على حد سواء و لكن لو تلف المال في يد من لا خيار له- أي المشتري- مثلا سقط خيار البائع و كشف التلف بحكم قاعدة (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) عن الانفساخ القهري و رجوع المبيع الى ملك البائع قبل التلف آناً ما فيكون تلفه بيد المشتري مضمونا عليه و يدفع للبائع المثل و القيمة و يسترد ثمنه المسمى بحكم الفسخ المفروض و هكذا الكلام في عكسها و كون الخيار مختصاً بالمشتري و تلف الثمن في يد البائع و هذا كما قلنا لا يخلو من تعسف و لكن لا محيص منه و هو أهون بكثير مما التزم به أرباب (المجلة) تبعاً لفقهائهم و من هذا البيان كله اتضح الكلام في مادة (309) إذا شرط الخيار للمشترى فقط خرج المبيع من ملك البائع و صار ملكاً للمشتري فإذا هلك المبيع في يد المشتري بعد قبضه أو هلك في يد البائع بعد ان قبضه منه المشتري و أودعه عنده يلزمه أداء ثمنه المسمى للبائع فإن المبيع لما استقرت عليه ملكية المشتري لعدم خيار للبائع كان تلفه عليه و يدفع للبائع الثمن المسمى، جريا على مقتضى العقد، هذا على طريقة القوم و لكن مقتضى قاعدة (ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) كون

ص: 39

التلف هنا على البائع الذي لا خيار له و يسترد المشتري منه الثمن المسمى كل هذا في التلف السماوي، اما إذا كان بإتلاف فالمتلف ان كان هو البائع و هو صاحب الخيار فهو في الحقيقة تصرف عملي، و فسخ فعلي فيجب عليه ان يرد الثمن المسمى إلى المشتري، و ان كان الخيار للمشتري فخياره باق ان شاء فسخ و استرد المسمى من البائع و ان شاء أمضى و أخذ المثل و القيمة منه، و ان كان المتلف هو المشتري و الخيار له فقد أسقط خياره بإتلاف العين و لزم العقد و استقر ملك البائع للمسمى و ان كان الخيار للبائع فهو أيضاً على خياره فان فسخ رد المسمى و أخذ المثل أو القيمة و ان أمضى استقر له ملك المسمى و ان كان المتلف أجنبيا بقي الخيار لصاحبه فان كان هو البائع و أجاز ملك المسمى و رجع المشتري بقيمة المبيع على الأجنبي و لو فسخ رد المسمى إلى المشتري و رجع بالقيمة و هل يرجع بها على الأجنبي أو على المشتري أو يتخير وجوه يظهر مداركها بالتأمل كما يظهر الحال لو كان صاحب الخيار هو المشتري فسخ أو أجاز.

بقي في المقام أمور يجدر التنبيه عليها.
الأول-: ان القدر المتيقن من مورد قاعدة (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) هو الخيارات الزمانية

أعني مالها زمان تمتد فيه مثل خيار المجلس و الشرط و الحيوان أما غير الزمانيات كخيار العيب و الغبن و الرؤية و أمثالها فيشكل جريان القاعدة فيها سيما على القول بفورية تلك الخيارات إذ ليس هناك زمان حتى يتصور وقوع التلف فيه و كلمات

ص: 40

أصحابنا في المقام مختلفة بين من يظهر منه التعميم و بين مصرح بالتخصيص و بين متوقف، و بالرجوع الى الاخبار التي تحصلت منها القاعدة يترجح منه عدم التعميم

الثاني-: ان مورد القاعدة أيضاً هو البيع الشخصي فإنه هو الذي يتضح فيه حصول التلف و عدمه،

اما الكلي فلا معنى لتلفه و اما المصداق الذي يتحقق به قبض الكلي فهو و ان كان قابلا للتلف و لكن ليس هو المبيع بل سقوط الكلي به من باب المعاملة الضمنية الارتكازية في قيامه مقام المبيع و ليس في هذه المعاملة خيار.

و (بالجملة) فما تعلق الخيار به لا يلحقه التلف و ما يلحقه التلف لا خيار فيه، اللهم الا ان يقال ان المصداق في نظر العرف هو عين الكلي المبيع فمتعلق الخيار و التلف بنظر العرف شي ء واحد و ان كانا بدقة الفلسفة شيئين فليتأمل.

و في مطولات كتب الأصحاب في هذه الأبواب بحوث سحيقة و تحقيقات دقيقة يضيق عن جرعتها لهوات هذه المختصرات.

الثالث-: في التنازع

إذا ادعى أحدهما انه شرط خياراً أو ان مدته زائدة أو ان صاحب الخيار امضى العقد و أنكر الآخر فالقول في جميع ذلك قول المنكر و إذا اتفقا على الخيار و مقدار المدة و اختلفا في انقضائها لجهل تاريخ مبدئها يقدم قول مدعي بقائها للاستصحاب و إذا تنازعا في الفسخ و الإجازة فإن كان في المدة قدم قول ذي الخيار لقاعدة (من ملك شيئاً إلخ ..) و ان كان بعدها قدم قول المنكر.

ص: 41

(استدراك و تكملة)

خيار الشرط كما عرفت هو أن يشترط البائع أو المشتري خيارا لهما أو لأحدهما أو لثالث و هو اما ان يكون مطلقا و هو الذي تقدم الكلام فيه و اما ان يكون مقيدا بحال بان يقول اشترط ان يكون لي الخيار بعد شهر ان جاء ولدي من السفر في هذا الشهر فان جاء كان له الخيار و الا فلا، و من هذا النوع البيع المضاف الى خياره المسمى عند الإمامية (ببيع الخيار) و عند فقهاء المذاهب (بيع الوفاء) و قد عقدت له (المجلة) فصلا مستقلا سيأتي، و قد سبق انه بيع صحيح عندنا يترتب عليه آثار البيع سوى أنه عقد خياري جائز،، و اعتبار رد الثمن في هذا الخيار يتصور على أنحاء (1) أن يكون الخيار تعليقاً أو توقيتاً منوط برد الثمن فلا خيار له قبل الرد و له الخيار بعده أي له حق الفسخ فلا ينفسخ ان لم يفسخ و يكون الثمن قبله عند البائع كأمانة الى أن يفسخ فيملكه و المراد بالرد إيصاله إلى البائع أو وكيله أو وليه أو وصيه أو حاكم الشرع إذا امتنع (2) ان يكون له الخيار في كل جزء من المدة المعينة مقارنا للرد و الفرق بينه و بين الذي قبله ان الخيار هناك بعد الرد فلا خيار قبله و هنا في كل زمان و لكن مع الرد (3) أن يكون الرد فسخا منه فعليا أو انفساخا قهريا بحيث متى ردا نفسخ اما لأنه إنشاء فسخ أو لأنه ينفسخ قهرا نظير شرط المسبب و النتيجة (4) أن يكون الرد شرطا لوجوب فسخ البائع فمتى رد المشتري وجب

ص: 42

على البائع أن يفسخ و يرجع الى الإقالة فان لم يفعل تسلط المشتري على الفسخ و حاصل الفرق بين هذا البيع الخياري و شرط الخيار المعروف أي المطلق هو أن المشتري في شرط الخيار يفسخ فيسترد الثمن و هنا يرد الثمن فيفسخ فالرد هنا سبب الفسخ و الفسخ هناك سبب للرد فتدبره، و في هذه الرشفة من خضم مسائل هذا البحث كفاية عن الخوض في لججها الزاخرة اما تصويره و حقيقته عند القوم فسيأتي إن شاء اللّٰه.

(الفصل الثاني) خيار الوصف
(مادة: 310) إذا باع مالًا بوصف مرغوب فظهر خاليا عن ذلك الوصف كان المشتري مخيراً ان شاء فسخ و ان شاء أخذه بجميع الثمن المسمى،

و يسمى هذا الخيار خيار الوصف، مثلا لو باع بقرة على أنها حلوب فظهرت غير حلوب يكون المشتري مخيراً، و كذا لو باع فصاً ليلا على أنه ياقوت أحمر فظهر أصفر تخير المشتري.

ليس لهذا الخيار ذكر في كتب فقهاء الإمامية المتداولة و ليس هو إلا شعبة من خيار الاشتراط التي مرت الإشارة إليه فإن الوصف المذكور في العقد ان ذكر نحو الشرط كان لازما و تخلفه يوجب الخيار و ان ذكر لا على نحو الشرطية بل على نحو التعريف أو الترغيب لم يكن تخلفه موجباً لشي ء من خيار أو غيره و كان من قبيل الدواعي التي لا اثر

ص: 43

لحصولها أو عدمه أصلا مثلا لو اشترى أرضا بداعي جعلها بستاناً يتخيل أنها صالحة لذلك فتبين انها لا تصلح إلا للزراعة لم يكن له حق الفسخ بخلاف ما لو شرط ذلك في متن العقد و قال اشتريتها بشرط صلاحيتها للبستان فان له خيار تخلف الشرط لو ظهر عدم صلاحيتها لذلك و دليله أدلة الشروط مثل (المؤمنون عند شروطهم) و غيره مما يدل على وجوب الوفاء بكل شرط مقدور لا يخلف كتاب اللّٰه و لا ينافي مقتضى العقد و نظراً لكون المقام يتأسس على دعائم الأوصاف و الشروط و في من مباحث المعاملات المهمة و لم أجد حسب ما وقفت عليه من كتب الفريقين من أعطاها حقها من البحث و التحقيق و وصل الى محدد الجهات من تخومها الشاسعة و دل على عروة اتصالها بالعقود و مكانتها منها و كيفية ارتباطها بها و الفرق بين الاولى و الثانية فنقول و اللّٰه المستعان بلطفه.

ان الأوصاف هي عبارة عن الأعراض القائمة بموضوعاتها الخارجية التي يعبر عنها الحكماء بما يكون وجودها في أنفسها عين وجودها في موضوعاتها المستقلة في أنفسها و ذلك كالكميات و الكيفيات من عوارض الأجسام و كالملكات و السجايا و الأحوال من عوارض النفوس و المدارك أما الشروط التي تستعمل في هذه المسارب و تقرن بالعقود و الأوصاف فيراد منها تارة المعنى الأعم من الأوصاف و الأحوال و المبادي و الافعال و الغايات و أحوال الغايات و النتائج، و أخرى المعنى الأخص أعني خصوص الاعمال، و قد مرت الإشارة في أوائل (الجزء الأول) الى ان هذه الأوصاف هي الدواعي و البواعث إلى الرغبة في اقتناء موصوفاتها

ص: 44

و هي و ان كانت لا تقابل بالاعواض و لكن باعتبارها تختلف الاعواض زيادة و نقصاً بل بالنظر إليها تبذل الأعواض في الأعيان فالدار انما تشتريها باعتبار صلاحيتها للسكنى و الدابة للركوب أو النسل أو المنافع الأخرى من الصوف أو اللبن و لو تجردت عن كل ذلك لم تبذل بإزائها أي ثمن و لا تنبعث بك الرغبة إلى أخذها و لا مجانا و هكذا جميع الموجودات انما تنبعث الرغبات إليها بالنظر الى صفاتها و حالاتها لا بالنظر الى ذاتها و هذه الأوصاف التي هي ملاك المالية و منشأ حصول الرغبات في الجدة و الملك قد تذكر في العقد على العين التي انبعثت الرغبة إليها باعتبار تلك الأوصاف و قد لا تذكر فان لم تذكر في العقد كانت دواعي صرفة و أغراضاً مجردة لا أثر لتخلفها و عدمه لا في خيار العقود و لا غيره (و إنما يحرم الكلام و يحلل الكلام) و ان ذكرت في متن العقد على نحو الشرطية أو على نحو التقييد فقد صارت جزء من المعاوضة الخاصة بمعنى ان الالتزام الخاص الوجداني الذي أنشأه العاقد قد تعلق بالمعاوضة بين المالين الخارجين و هما الدرهم و هذا الثوب المخيط أو العبد الكاتب مثلا و ليست الكتابة و الخياطة هنا قد التزم بها بالتزام لنفسها بل بنفس الالتزام المتعلق بالمعاوضة الذي حصل بنفس العقد فلزوم مثل هذا الوصف أو الشرط لا يحتاج الى التمسك بعموم (المؤمنون عند شروطهم) بل يكفي فيه عمومات أدلة البيع و وجوب الوفاء بالعقود و ليس مفاد العقد فيما نحن فيه الا تمليك المبيع المعين بالعوض المعين اى التزام البائع للمشتري بتمليك العبد و كونه كاتبا أو كون الثوب مخيطاً فإذا انكشف

ص: 45

عدم تحقق الوصف لم تبطل المعاوضة من رأس لأنها بين المالين المشخصين و هما حاصلان موجودان و انما يبطل اللزوم و وجوب الوفاء بالعقد لأنه إنما وقع على تلك الكيفية الخاصة أعني مبادلة المالين و كون أحدهما بتلك الصفة الخاصة لا على نحو التقييد الوحداني و لا على نحو الالتزام الاستقلالي حتى يبطل على الأول بقاعدة (المقيد عدم عند عدم قيده) بلحاظ البساطة و يكون التزاما ثانيا على الثاني بل على نحو الالتزام أو وحدة الالتزام و تعلقه بأمرين كوحدة الدال و تعدد المدلول، و وحدة الإشارة و تعدد المشار اليه و مع تخلف أحدهما لا تبطل الدلالة على الآخر. نعم حيث ان وجوب الوفاء ورد على ذلك العقد الخاص و بعد زوال الخصوصية لا يبقى وجوب الوفاء و لكن المعاوضة التي حصلت في ضمن ذلك العقد لا داعي لبطلانها بعد تحقق أركانها، فتبقى جائزة و أمرها إلى المتعاقدين أو الى من له الشرط فسخاً و إمضاء. و رفعاً و إبقاء، و معنى رضا المشتري بغير الكاتب أو غير المخيط إسقاط حقه من الوصف الذي التزم له البائع به و قضية الشروط و الأوصاف في الاعراض تشبه قضية تبعض الصفقة في الأعيان فيكون كالتزام جديد بينهما يجب الوفاء به و لذا ليس له الفسخ بعد الرضاء و إمضاء العقد، و أما الإشكال بأنه لا معنى لتعلق الالتزام بالوصف في العين الشخصية لأنه اما حاصل فلا معنى لتحصيل الحاصل أو معدوم فيستحيل الالتزام بوجوده حين العقد، فمدفوع بان الالتزام هنا ليس بمعنى فعله و تحصيله بل بمعنى كونه في العهدة يعني ان البائع يجعل على عهدته كون الوصف حاصلا في الخارج متحققاً في الموصوف و أثر

ص: 46

هذا الالتزام يظهر فيما إذا انكشف عدم تحققه بتسلط المشتري على الفسخ و يستحق استرجاع ثمنه و لا حق له بمطالبة الأرش لما عرفت مكرراً من ان الأوصاف لا تقابل بالاعواض و ان زادت بها قيمة العين بل هي قوام القيمة، أما العيوب و أخذ الأرش لها فذاك أمر آخر سيأتي تحقيق الكلام فيه إن شاء اللّٰه.

هذا كله في الأوصاف بمعنى الإعراض، اما الافعال و الغايات و هي الشروط بالمعنى الأخص كما لو باعه العبد و اشترط عليه ان يعتقه أو شرط عليه انعتاقه أو باعه الدار و اشترط عليه ان يملكه الكتاب أو يكون الكتاب ملكاً له فحقيقتها انها التزامان في عقد واحد و بعبارة أجلى ان الألفاظ حينئذ قد دلت على التزام عقدي و التزام شرطي فالشرط في ضمن العقد مثل قوله بعتك الدار و اشترطت لك ان أهبك الكتاب عبارة عن التزامين مختلفي الأسلوب و الصورة متحدي الجوهر و الحقيقة بخلاف الوصف فإنه التزام واحد بأمرين و لما كان الشرط التزاماً خارجا عن العقد لم يكف في لزومه ما دل على وجوب الوفاء بالعقد بل كانت قاعدته التي يعتمد عليها أدلة الشروط مثل (المؤمنون عند شروطهم) و بناء العقلاء و أمثالها، و هو و ان كان خارجاً عن الالتزام العقدي الا أنه مرتبط به أشد الارتباط و أثر هذا الربط ان العقد اللازم بدون حصول الشرط يعود جائزا،،، و سر ذلك ان لزوم العقد وقع منوط بحصول الشرط و مع عدم حصوله ينتفي لزومه و وصفه لا حقيقته و ذات و مرجع هذا التقييد في الحقيقة إلى تعليق لزوم العقد على حصول الشرط

ص: 47

و أدلة الشروط تقضي بلزوم هذا القيد و وجوب الوفاء به تكليفاً و وضعاً فلو امتنع من عليه الشرط من الوفاء به أو تعذر الشرط عليه كان لمن له الشرط ان يفسخ لارتفاع اللزوم بارتفاع قيده. و لو لا هذه النكتة الدقيقة و السر العميق لكان مقتضى القواعد بادئ بدء ان يبطل العقد بتمامه عند عدم حصول شرطه لأنه وقع على المجموع المركب و الكل ينتفي بانتفاء بعض اجزائه فهو نظير الشرط في باب العلل و الأسباب حيث يقولون (المشروط عدم عند عدم شرطه) و لكن من ذلك الطريق الدقيق و الوجه اللامع حكمنا مع ارتفاع الشرط ببقاء العقد الذي حقه ان يرتفع بارتفاعه و يبطل ببطلانه، و من هنا جاز ان نقول ان فساد بعض الشروط لا يستلزم فساد ما أنيطت به من العقود لأن الشروط التزامات ثانوية في التزامات العقود فالعقد و الشرط من حيث الالتزام لا هو هو و لا منفصل عنه بل متعلق فيه و مرتبط به أشد الربط،، ثم ان كان الشرط فعلا من الافعال وجب إيجاده و ان كان غاية و نتيجة كشرط صيرورة العبد حرا و الكتاب وقفاً و الدار لك ملكا و قلنا بصحة مثل هذه الشروط وجب الالتزام بتحققه و ترتيب آثاره و يكون العبد حراً كما لو أعتقه بالصيغة المخصوصة، لا ان يملك و يعتق و يوقف و مثل هذه الشروط لا يتصور تخلفها مع قابلية الموضوع نعم تخلفها يكون بنحو آخر، و لبعض اعلامنا المتقدمين كلمة في هذا البحث لعلها تشير الى بعض ما ذكرنا حيث يقول (و اشتراط ما سيوجد أمر منفصل عن العقد و قد علق عليه العقد) اهو لعل المراد علق عليه لزوم العقد و الا فالتعليق

ص: 48

في العقود مبطل عند علمائنا كلمة واحدة، فلا جرم ان المراد تعليق لزوم العقد و كثيراً ما يعبرون عن اللزوم بالعقد لارتباطهما و تلازمهما في الغالب خصوصاً في البيع.،،. و كان حق هذا البحث ان يذكر في مباحث الشروط و لكن ذكر الأوصاف التي تقابل الشروط سحبنا اليه (و الألماس يتلألأ إنما وضع) ليس مكان أحق به من مكان، فتدبره و اغتنمه فإنك لا تجد هذه الرقائق في غير هذه المهارق و المنة للّٰه وحده.

و نعود الى بحث المادة التي في متن (المجلة) إذ تقول-: إذا باع بوصف مرغوب فظهر خالياً كان المشتري مخيراً إلخ .. و أقول لملك تفطنت الى ان قضية الأوصاف لا دخل لها بالوصف المرغوب ان كان المراد المرغوبية عند النوع و في الغالب كما يظهر من تمثيلهم بالبقرة الحلوب فان باب الأوصاف و الشروط تدور مدار الرغبات الشخصية فقد يكون لإنسان غرض في الوصف الغير المرغوب عند العموم كما لو اشترط كون البقرة غير حلوب لانه يريدها للحرث أو السقي لا للبن و النسل مثلا فإذا ظهر انها حلوب كانت على خلاف رغبته و نقيض شرطه فلا يمكن إلزامه بها و قد التزم له البائع بغير هذا الوصف فلا محيص من ان يكون له الأخيار و مثل ذلك لو اشترى عبداً و اشترط كونه أميا و هو وصف غير مرغوب عند النوع فإن القراءة و الكتابة صفات كمال في العبد و غيره و لكنه يريده أميا كي لا يطلع على إسراره و مراسلاته فلو ظهر أنه يقرأ و يكتب كان له الخيار طبعا، فلا معنى بل لا وجه لتقييد الشروط و الأوصاف بكونها مرغوبة مع ان أدلة الشروط عامة و الاعتبار يساعد

ص: 49

على عمومها فافهم ذلك و تدبره، و التقييد بكونه (ليلا) غالبي لا احترازي فإن المدار في ثبوت الخيار على عدم علم المشتري ليلا كان الشراء أو نهارا

(مادة: 311) خيار الوصف يورث إلخ ..

قد عرفت ان جميع الخيارات عندنا موروثة و يحتاج كيفية إرثها و أحكام إرث الخيار و تفاصيله الى بيان واسع ربما يأتي له محل آخر إن شاء اللّٰه

(مادة: 312) المشتري الذي له خيار الوصف إذا تصرف في المبيع تصرف الملاك بطل خياره.

تقدم في القواعد العامة ان كل تصرف دال على الرضا بالعقد و إمضائه فهو مسقط سواء كان من قبيل تصرف الملاك أم لا و هذا وسط بين من قال كل تصرف مسقط و من قال خصوص تصرف الملاك مثل بيعه أو رهنه أو وقفه و نظائرها مما يتوقف صحته على الملكية أو اذن المالك. و لم تذكر (المجلة) ان خيار الوصف هل هو على الفور أو التراخي يعني هل أنه بمجرد علمه بفوات الوصف يلزمه اما الفسخ أو الإمضاء فإذا لم يبادر إلى أحدهما سقط خياره أم له ذلك متى شاء، و قد سبق ان الأصل هو الفورية في جميع الخيارات الا ما ثبت تراخيه بالدليل على التراخي سيما مع أنه لا يخلو من لزوم الضرر على البائع حيث يبقى الأمر مهملا الى وقت غير معلوم، نعم الفورية ليست على الدقة الحقيقة بل فورية عرفية لا يقدح فيها الساعة و الساعتان.

ص: 50

(الفصل الثالث) خيار النقد
اشارة

ذكرنا ان الفقهاء في تعداد أنواع الخيارات بين مقل و بين مكثر فبعضهم قصرها على ثلاثة و بعضهم زادها على عشرين و لكن أكثرها متداخلة يدخل بعضها في بعض فلو أرجعنا كل فرع إلى أصله لم تزد على ثمانية أو تسعة مما ذكروه و شاهد ذلك هذا الخيار الذي جعلوه أصلا برأسه و هو على الصورة التي ذكروها ليس إلا من فروع خيار الاشتراط فإنه عبارة عن اشتراط أداء الثمن في وقت معين و لذا لا يوجد في شي ء من كتب فقهاءنا فإنه بطبيعة إطلاق العقد مستغنى عنه ضرورة ان الإطلاق يقتضي تسليم الثمن نقداً فان لم يدفعه كان له الخيار متى شاء في المدة المعينة و في غيرها، نعم في أخبار أئمتنا سلام اللّٰه عليهم في هذا المقام خيار أصيل يعرف عند علمائنا (بخيار التأخير) و هو أن البائع مع إطلاق العقد و عدم تسليم المبيع و عدم قبض الثمن ينتظر المشتري الى ثلاثة أيام فهو في هذه الثلاثة لازم عكس خيار الحيوان ثم يصير بعد الثلاثة جائزاً ان شاء فسخ و ان شاء بقي على الانتظار مع الخيار و خيار الحيوان يصير بعدها لازماً ففي رواية على بن يقطين عن الكاظم سلام اللّٰه عليه عن الرجل يبيع البيع و لا يقبضه صاحبه و لا يقبض الثمن، قال-: الأجل بينهما ثلاثة أيام فإن اقبضه بيعه و الا فلا بيع بينهما، و عنه عليه السلام أيضاً (من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيام و لم يجئ فلا بيع له) و مثلهما أخبار أخرى كثيرة

ص: 51

و ظاهر قوله فلا بيع بينهما بطلان البيع رأسا بعد الثلاثة و لكن العلماء اجمع الأمن شذ حملوه على ارتفاع لزوم البيع و قد قلنا انه كثيرا ما يعبر عن اللزوم بالبيع أو بالعقد للتناسب و التلازم الذي بينهما و الاعتبار و الحكمة من هذا الحكم تساعد على ذلك فإن إلزام البائع بالصبر و الانتظار مع ان المبيع عنده و في ضمانه و قد انتقل الى الغير و منافعه أيضاً للغير و لم يقبض الثمن ضرر و مشقة شديدة، و تدارك ذلك يحصل بجعل الخيار فان رأى من صالحه الانتظار، و إلا فسخ بالخيار، فما أكرمها من حكمة سامية و هذا الخيار لم أجده فيما وقفت عليه من كتب القوم و لم يعرفه فقهاء المذاهب على الظاهر، و العجب من (المجلة) و غيرها من مؤلفاتهم يذكرون مثل خيار النقد و الخيانة و نحوها التي ليست بشي ء و لا يذكرون مثل هذا الخيار الرصين، و في مؤلفات أصحابنا لخيار التأخير مباحث واسعة و تحقيقات جليلة.

(مادة: 313) إذا تبايعا على ان يؤدي المشتري الثمن في وقت كذا و ان لم يؤده فلا بيع بينهما صح البيع و هذا يقال له خيار النقد.

مقتضى تعبير (المجلة) فلا بيع بينهما كما في أخبارنا- ان البيع يكون فاسدا عند عدم الأداء في الوقت و صرحت (المجلة) أيضاً في مادة

(314) إذا لم يؤد المشتري الثمن في المدة المعينة كان البيع الذي فيه خيار النقد فاسدا،

فأين الخيار إذاً فإن العقد إذا فسد عند عدم أداء المشتري للثمن في الوقت المعين لم يكن معنى لثبوت الخيار له و كيف يثبت الخيار بين الفسخ و الإمضاء لعقد قد فسد و انفسخ ثم ما معنى جعل الخيار للمشتري

ص: 52

مع ان الشرط للبائع على المشتري و ضرر الانتظار و الصبر عليه لا على المشتري و خيار المشتري الذي قد لا يفسخ و لا يؤدي الثمن بل يبقى على المماطلة لا يرفع ضرر البائع.

و (الحاصل) ان هذا كله مشوش مغشوش و خطأ في خطل لا جسم فيه و لا روح، و لا جوهر و لا معنى، و أعجب من ذلك كله مادة (315) إذا مات المشتري المخير بخيار النقد في أثناء مدة الخيار بطل البيع، فإنه إذا كان خياراً قاراً و حقاً ثابتاً، مثل خيار الوصف و الشرط فلما ذا لا ينتقل الى الوارث و على تقدير كونه وصفاً قائماً بذات المشتري لا يقبل الانتقال الى غيره مع انه ممنوع، فلما ذا يبطل البيع و لما ذا لا يكون لازماً و يؤخذ الثمن من التركة و ينتقل المبيع إلى الورثة كسائر أموال مورثهم فتدبر هذه النقوش و الرتوش جيداً.

(الفصل الرابع) خيار التعيين
اشارة

هاهنا (كما يقول العوام) تسكب العبرات، و هذا هو المحزن المؤسف ان يسف العلم هذا الاسفاف، و ما ادري كيف اشتبه الأمر على أرباب (المجلة) الأفاضل فخلطوا هذا الخلط الشاين، و خبطوا هذا الخبط المزري فان الخيار الذي يبحث عنه الفقهاء في باب المعاملات هو كما عرفت السلطنة على فسخ العقد و إبقائه لأحد المتعاقدين أو لكل منهما أو لا جنبي، و هذا الخيار الذي ذكروه هنا و سموه خيار التعيين لا علاقة له بهذا المعنى أصلا

ص: 53

اللهم الا تشابه الاسم فقط على انه فرق في الاصطلاح بين الخيار و التخيير فان الخيار المزبور عبارة عن تخيير البائع ان يدفع أحد الأشياء المعينة أو يتخير المشتري ان يأخذ ما شاء منها فأي ربط لهذا بقضية فسخ العقد أو إمضائه و لو صح لنا ان نعد هذا في الخيارات لصح لنا ان نعد من جملة الخيارات خيار الكفارة فإن المكلف بالكفارة مخير بين العتق و الإطعام و الصيام، و خيار المديون في أداء دينه و بائع الكلي مخير في دفع اي مصداق من مصاديقه. و هلم جرا الى ما لا يحصى و لا يعد، و هذه لعمر الحق مهزلة من المهازل عند أهل العلم المعقم و أرباب الفن الصحيح، و على كل، فان هذا تخيير لا خيار و لزوم في العقد لا جواز كما هو واضح لأول نظرة، هاك فانظر.

(مادة: 316) لو بين البائع أثمان شيئين أو أشياء من القيميات كلا على حده

على ان المشتري يأخذ أيا شاء بالثمن الذي بينه له و البائع يعطي أيا أراد كذلك صح البيع استحسانا و هذا يقال له خيار التعيين.

الكلام هنا يتجه الى جهتين.

الاولى-: هل ان هذا خيار على غرار سائر الخيارات المذكورة في أبواب العقود و المعاملات و قد عرفت انه أجنبي عن ذلك بالمرة فلا فسخ و لا إمضاء و لا سلطنة على عقد و لا على عين، و اقحامه هنا كاقحام المسمار في الجدار.

الثانية-: على علاته هل هو صحيح أو فاسد، و لعله مر عليك منا غير مرة ان مثل هذا البيع باطل عند جمهور الإمامية و قد اتفقوا على ان بيع عبد

ص: 54

من عبدين باطل و ان تساويا في جميع الصفات و الحيثيات و لا يقول بصحته منا الا الشاذ النادر (ان كان) كل ذلك لانه غرر و بيع الغرر باطل و قد عرفت قريباً ان دائرة الغرر شرعاً أوسع منها عرفاً، بل الحق انهما متساويان و ليس للشارع في الغرر اصطلاح خاص و وضع جديد و لكن العرف يتسامحون فيرتكبون و الشرع لا يسامح و لا يتسامح، و سبق أيضاً ان المعلومية بالعين و المقدار و الوصف و الوجود و الحصول شرط في البيع مطلقاً، إذاً فهو مضافا الى أنه أجنبي عن أنواع الخيار بالمرة بيع فاسد عندنا ليس له أي أثر و اللازم ان يكون فاسدا عند أرباب (المجلة) أيضاً بمقتضى مادة (213) المتقدمة بيع المجهول فاسد الى آخرها و هو ينطبق على ما نحن فيه تماماً بملاك مطلق الجهالة و ان كانت هناك أشد، و لكنهم هنا حكموا بالصحة و رتب بعض الشراح على المشتري أحكاماً تسعة و على البائع سبعة مثل ما في مادة (317) يلزم في خيار التعيين تعيين المدة أيضاً، و مادة (318) من له خيار التعيين يلزم عليه ان يعين الشي ء الذي يأخذه في انقضاء المدة التي عينت و لا نجد فائدة في التعرض لباقيها بعد ان كان أصل خيار التعيين لا أصل له و هو عندنا كما عرفت بيع فاسد للجهالة و لا علاقة له بمسائل الخيار بتاً.

انظر- مادة (319) خيار التعيين ينتقل الى الوارث

مثلا لو أحضر البائع ثلاثة أثواب أعلى و أوسط و ادنى من جنس واحد و بين لكل منها ثمناً على حده و باع أحدها لا على التعيين على ان المشتري في مدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام يأخذ أيها شاء بالثمن الذي تعين له و قبل المشتري على هذا

ص: 55

المنوال انعقد البيع و في انقضاء المدة المعينة يجبر المشتري على تعيين أحدهما و دفع ثمنه فلو مات قبل التعيين يكون الوارث أيضاً مجبوراً على تعيين أحدها و دفع ثمنه،،، و ليت شعري إذا كانت القضية بهذه الصورة و تنتهي إلى الجبر فأين الخيار؟

ثم إذا كانت مثل هذه الجهالة غير ضائرة في صحة العقد فتخصيص الجواز في القيميات تحكم لا وجه له و تخصيص بعضهم له بثلاثة أشياء فقط كما نقل بعض الشراح أيضاً لا وجه له.

(الفصل الخامس) خيار الرؤية
اشارة

هذا الخيار من الخيارات الاصيلة و ان أمكن اندراجه ببعض الاعتبارات في خيار الوصف أو خيار الاشتراط لأنه عبارة عن حق فسخ العقد إذا اشترى عيناً غايتة بالوصف ثم رآها على خلاف ما وصف البائع أو كان المشتري رآها قبل العقد فاشتراها على تلك الرؤية فظهر بعد العقد انها قد تغيرت فبهذا اللحاظ يمكن درجة في خيار الاشتراط ضرورة ان الوصف أو الرؤية السابقة كانت كشرط ضمني فإذا ظهر فقدانه كان له خيار تخلف الشرط، و لكن الأصحاب تبعاً للأخيار جعلوه خياراً مستقلا لأن الشرطية غير صريحة فيه و ان كانت ضمنية و سموه خيار الرؤية ففي صحيحة جميل بن دراج عن الصادق عليه السلام

ص: 56

في رجل اشترى ضيعة و كان يدخلها و يخرج منها فلما ان نقد المال صار الى الضيعة فقلبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله فقال أبو عبد اللّٰه (ع) انه لو قلب منها و نظر الى تسعة و تسعين قطعة ثم بقي قطعة لم يرها لكان له فيها خيار الرؤية، اهو معلوم ان مورد هذا الخيار هو بيع العين الغائبة و قد عرفت في القواعد العامة- قاعدة- الوصف في الحاضر لغو و في الغائب معتبر- و ذكرنا هناك ان بيع العين الغائبة لا يصح الا بالوصف لرفع الجهالة كبيع الكلي في السلم و غيره و لو باع بغير الوصف كان البيع باطلا من أصله و لو باع بالوصف صح فان ظهر موافقاً لزم و الا كان له الخيار و من هنا يظهر لك الخلل في عبارة (المجلة) مادة (320) من اشترى شيئا و لم يره كان له الخيار الى ان يراه فإذا رآه ان شاء قبله و ان شاء فسخ البيع و يقال له خيار الرؤية فإنه ظاهر في صحة شراء شي ء بغير وصف و لا رؤية و هو قطعي البطلان حتى عندهم كما ذكروا في بطلان بيع المجهول و من الغريب حكمهم ان هذا الخيار لا يورث كما في مادة [321] خيار الرؤية لا ينتقل الى الوارث فإذا مات المشتري قبل ان يرى المبيع لزم البيع و لا خيار لوارثه.

لعمرك ان هذا من أحكام الجزاف القاسية التي لا يقبلها عقل و لا ذوق فضلا عن الشرع و كيف يلزم الوارث المسكين بمبيع ما رآه مورثه و لا كان لازما عليه فتجتمع على الورثة مصيبتان فقد مورثهم و إلزامهم بمال ربما لا يرغبون فيه و لا رغب مورثهم فيه و لا يكون من صالحهم كما لو كان قد اشترى ضيعة أو مزرعة أو نحو ذلك مما له شأن في نظم

ص: 57

حياتهم، و من هنا نقول- و حقاً نقول- انه لو كان الخيار في كل نوع من أنواعه لا يورث فهذا النوع أعني خيار الرؤية يجب ان يكون موروثاً كيف و قد عرفت ان جميع أنواع الخيارات موروثة لأنها بأجمعها حق مالي فيشمله دليل [ما ترك الميت من حق فهو لوارثه] ثم ان دليل خيار الرؤية و ان كان قد ورد في خصوص المشتري إذا اشترى ما لم يره أو ما تغير عما رآه و لكن الملاك يجرى حتى إلى البائع إذا باع ما لم يره ثم رآه على غير الوصف الذي وصفه هو أو وصفه الغير له، و لذا قال أكثر أصحابنا بعمومه للبائع و المشتري و هو معقول كالقول بشموله لغير البيع من عقود المعاوضات اللازمة مثل الإجارة و الصلح و القسمة و الخلع و غيرها و يجري في غير الموافق للوصف مطلقاً سواء كان أعلى أو أدنى لما عرفت من ان الرغبات و الحاجات يختلف الناس فيها أشد الاختلاف فإذا اشترى حنطة بصفة أنها حمراء أو سوداء ثم ظهرت بيضاء و هي أعلى لا يلزم بها لأن حاجته الخاصة ربما تكون في السوداء و مما ذكرنا تعرف الخلل في مادة (322) لا خيار للبائع و لو كان لم ير المبيع مثلا لو باع رجل مالا دخل في ملكه بالإرث و كان لم يره انعقد البيع بلا خيار للبائع.

(مادة: 323) المراد من الرؤية في بحث خيار الرؤية هو الوقوف على المال و المحل الذي يعرف به المقصود الأصلي من البيع.

هذه العبارة غير وافية ببيان المقصود و ذكر المحل هنا لا محل له من الاعراب (كما يقولون) كما ان ذكر المقصود الأصلي لا يتضح به المقصود و التحقيق في المقام ان يقال ان المراد بالرؤية التي يصح معها البيع و يسقط

ص: 58

بها الخيار بالوصف الذي يقوم مقام الرؤية فيصح معه البيع حتى مع عدم الرؤية و يدور الخيار مداره وجودا و عدما هو ما يوجب العلم بالشي ء و يرفع الجهالة عنه و الغرر و لا يرتفع الغرر من الأشياء الا بالاختبار و معرفة تحقق الغرض المقصود منها و الذي من أجله يتطلبه و يريد الحصول عليه و لما كانت المقاصد و الحاجات تختلف باختلاف الأجناس و الأنواع بل باختلاف كل صنف من كل نوع، مثلا البقر قد يريدها المشتري للذبح و الا كل فيختبر سمنها و قد يريدها للحرث فيعتبر قوتها و قد يريدها للحليب فيختبر درتها و اخلافها بل أوسع من ذلك رب أشياء لا يرتفع الغرر برؤيتها بالبصر بل لا بد من شمها كالعطر من المسك و العنبر و شي ء لا يكفي شمه كالسمن و الزبد و أمثالها بل لا بدّ من ذوقه أيضا و لو اشترى فارة مسك أو جونة عطر و لم يفتحها بل شمها و عرف وزنها و اشتراها (و لكن لم ير ما فيها ببصره) لم يكن له خيار الرؤية بدعوى عدم رؤية المسك بعينه فإن رؤية كل شي ء بحسبه و كثير من الأجناس لا يكفي رؤيتها و لا شمها و لا ذوقها بل لا بدّ من لمسها و كثير منها لا بد مع ذلك من كيلها و وزنها أو عدها و هكذا،،، فليس المراد بالرؤية خصوص المشاهدة ابصرية بل المراد الاختبار الرافع للجهالة و اختبار كل شي ء بحسبه، فإذا اشتريت حقة سمن رأيتها بعينك و لكن لم تذقها و لم تشمها كانت بحكم الشي ء الذي اشتريته بغير رؤية فلك الخيار بعد الاختبار إذا لم يكن موافقاً لمقصودك و كنت تريد مثلا سمن البقر فظهر أنه سمن الغنم فلك الفسخ و هذا باب واسع لا يمكن إعطاء الضابطة له الا بما قلنا

ص: 59

من أن المراد بالرؤية الاختبار و الاختبار يختلف باختلاف الأنواع و الأجناس بل و الأصناف و الأغراض فمن اشترى شيئاً أو باعه و قد اختبره بما يليق به من الاختبار الكاشف عن الغرض المقصود منه اي غرضه الخاص لا أغراض النوع و العامة فإن هذا كما عرفت لا يجدي في باب المعاملات فلا خيار له بعد ذلك و إذا لم يختبره بما يحق له من الاختبار كان له الخيار و هذا هو مراد أرباب (المجلة) و ان قصر التعبير عنه أو لا و لكن يتضح بقولها مثلا- الكرباس و القماش الذي يكون ظاهره و باطنه متساويين يكفي رؤية ظاهره و القماش المنقوش و المدرب يلزم رؤية نقشه و دروبه و الشاة المشتراة لأجل التناسل و التوالد يلزم رؤية ثديها و الشاة المأخوذة لأجل اللحم يقتضي حس ظهرها و اليتها و المأكولات و المشروبات يلزم ان يذاق طعمها فالمشتري إذا عرف هذه الأموال على الصورة المذكورة ثم اشتراها ليس له خيار الرؤية.

(مادة: 324) الأشياء التي تباع على مقتضى انموذجها يكفي الأنموذج عنها فقط.

و حق التعبير ان يضم إليها المادة التي بعدها فيقول: فان ظهر موافقاً للأنموذج فلا خيار و الا كان له الخيار و لا حاجة الى مادة اخرى خلاصتها ذانك الكلمتان، كما ان هذا يغني عن-:

(مادة: 326) في شراء الدار و الخان و نحوهما من العقار تلزم رؤية كل بيت منها

الا انه إذا كانت بيوتها موضوعة على نسق واحد تكفي رؤية بيت واحد و هكذا كل ما هو من هذا القبيل مثل الأقمشة و الاحذية

ص: 60

و نحوها فما يظهر مخالفاً له رده و استبداله و الا فله الخيار.

فان جميع هذه المواد يمكن ان تجمع في مادة واحدة موجزة، و لا حاجة الى الإكثار و التكرار.

(مادة: 327) إذا اشتريت أشياء متفاوتة صفقة واحدة تلزم رؤية كل واحد على حدته.

و يلزم ان يضم إليها المادة التي بعدها فإنها جزء متمم لها فيقال باختصار فان رأى بعضها و لم ير الباقي ثم وجده مخالفاً لما رآه فله الخيار اما بأخذ الجميع أو رد الجميع و ليس له أخذ ما رآه و ترك الباقي. و الأصح ان له ذلك و لكن يحدث للبائع خيار تبعض الصفقة فتدبره، و لا يخفى ان الأعمى و البصير سواء في هذه الاحكام فلا يصح للأعمى ان يشتري مجهولا بل اما ان يختبره بنفسه بالنحو المستطاع له من الاختبار أو يوصف له وصفاً يرفع الجهالة كما يوصف للبصير في العين الغائبة و في السلم بالنسبة إلى الكلي فإن طابق فلا شي ء و الا فله الخيار و منه تعرف الخدشة في مادة (329) بيع الأعمى و شراؤه صحيح الا انه يخير في المال الذي يشتريه بدون ان يعلم وصفه،،، فإن شراءه بدون وصف أو اختبار عندنا باطل و كان ينبغي ان يضم إليها المادتين اللتين بعدها (330 و 331) بكلمتين و هما- فإذا اشترى بالوصف فلا خيار، يعني مع المطابقة لا مطلقاً و يسقط خياره باختباره بلمس الملموسات، و ذوق المذوقات و هكذا يكون الشراء صحيحاً لازماً- اي مع المطابقة أيضاً.

عرفت سابقاً انه يصح الشراء بالرؤية السابقة فإن ظهر التغيير كان له

ص: 61

الخيار كما في مادة (332) ثم ان الوكيل و الرسول ان كانا مفوضين على الرؤية و العقد و القبض سقط خيار الموكل برؤيتها و الا فلا- و لا وجه لاعتبار رؤية الأول دون الثاني كما في مادتي (333، 334) الوكيل بشراء شي ء و الوكيل بقبضه رؤيتهما كرؤية الأصيل ثم قال: الرسول من المشتري لأخذ المبيع و إرساله فقط لا تسقط رؤيته خيار المشتري، و الأصح ان المدار في الجميع على الاعتماد و التفويض و بدونه لا تجدي صرف الوكالة أو الرسالة فتدبره.

(مادة: 335) تصرف المشتري في المبيع تصرف الملاك يسقط خياره.
اشارة

اعلم ان التصرف اما ان يكون قبل الرؤية أو بعدها و على التقديرين فخيار الرؤية اما ان يكون فورياً أو غير فوري فإن قلنا بفوريته فكل تصرف بعد الرؤية يكون مسقطاً للخيار بالضرورة و وجهه واضح و ان قلنا بعدم فوريته فلا يسقط الا بالتصرف الدال على الرضا بالعقد و إمضائه سواء كان من قبيل تصرف الملاك مثل الرهن و العتق و نحوهما أم لا اما التصرف قبل الرؤية سواء دل على الرضا أم لا، و سواء كان من قبيل تصرف الملاك أم لا، ففي سقوط الخيار به و عدم سقوطه وجهان مبنيان على ان سبب الخيار هو العقد، و الرؤية شرط، أو ان السبب هو الرؤية و المخالفة شرط، فعلى الأول يكون التصرف الدال على الرضا مسقطاً للخيار و يكون مسقطاً فعليا كما لو أسقطه قولا، و على الثاني لا يكون التصرف مطلقاً مسقطاً لان الخيار بعد لم يحصل لعدم حصول سببه و هو الرؤية

ص: 62

فكيف يسقط قبل تحققه و تحقق سببه و كذا لو أسقطه قولا فإنه لا يسقط لذلك الوجه بعينه، هكذا ذكر الأصحاب ملخصاً و يمكن ان يقال لا مانع من سقوطه بالمسقط الفعلي فضلا عن القولي حتى لو قلنا بان سبب الخيار هو الرؤية فإنه يكفي لصحة إسقاطه بالقول أو الفعل وقوع العقد على العين الغائبة الذي فيه استعداد للحوق الخيار بحصول سببه و هو الرؤية فاستعداد العقد لحصول سبب الخيار بعده كاف في صحة إسقاطه و يكون من قبيل الدفع لا الرفع، نعم لو شرط سقوطه في العقد كما لو قال: بعتك العين الغائبة الموصوفة بكذا و اشترطت عليك سقوط خيار الرؤية بطل الشرط قطعاً و لا يبعد بطلان العقد أيضاً فيكون من الشروط الفاسدة المفسدة و سر ذلك ان العقد على العين الغائبة المجهولة إنما صح بالوصف لها الرافع للغرر و الجهالة عنها و معنى اشتراط سقوط خيار الرؤية إسقاط حق الوصف و إلغاء أثره و هو الخيار فتكون النتيجة أنه باع عينا من غير مشاهدة و لا وصف و هو من أوضح مواضع البطلان بخلاف ما لو أسقطه بعد العقد قبل الرؤية فإن العقد وقع صحيحاً بالوصف و لم يقترن بما يبطله و كان فيه استعداد لإثبات حق و هو الخيار فلا مانع من إسقاط حقه فليتدبر و لم تذكر (المجلة) مسائل الاختلاف هنا مع انها جد مهمة فلو اختلفا في مخالفته الوصف و عدمها فقال البائع مثلا: بعتك الحنطة الحمراء، و قال المشتري بل البيضاء أو قال المشتري تغيرت الدابة عما شاهدتها، و قال البائع: لم تتغير فالقول قول البائع في المقامين اما الأول فلأن المشتري يريد ان يثبت له خيارا و الأصل عدمه، و اما الثاني فلذلك و لأصالة عدم

ص: 63

تغيرها فان التغير أمر حادث فإذا شك فيه فالأصل عدمه فليتأمل.

(فرع) لو نسج مقداراً من الثوب أو الحصيرة فاشتراه على ان ينسج الباقي كالحاضر قبل يبطل للجهالة

و قيل يصح لانه بحكم الموصوف بل يحكم المشاهد، اما لو أعطاه مقداراً من الغزل على ان ينسجه كالموجود فيشتري الحاضر منه و يستأجره على نسج الباقي بتلك الكيفية فلا ينبغي الإشكال في الصحة فلو لم ينسجه على الغرار كان له الخيار.

(الفصل السادس) خيار العيب
اشارة

اضافة الخيار الى العيب كاضافته الى الغين و الى الرؤية و الى الشرط من باب اضافة المسبب الى سببه و إضافته إلى المجلس و الحيوان أشبه بإضافة الشي ء إلى محله، و الأصل في دليل هذا الخيار و خيار الغبن هو قاعدة الضرر فان لزوم العقد الواقع على المعيب ضرر على المشتري مثلا و هو لا يعلم به و لم يقدم عليه و كل حكم ضرري مرفوع بقاعدة (لا ضرر في الإسلام) فلزوم العقد على المعيب مرفوع و يمكن رده الى خيار الاشتراط فان العقلاء غالباً لا يقدمون الا على ابتياع الصحيح السليم من الأعيان و انما لا يشترطون ذلك صريحاً في العقد اعتماداً على أصالة السلامة فالسلامة في نظر كل متعاقدين شرط ضمني في العقود المطلقة التي لم

ص: 64

يؤخذ فيها البراءة من العيوب، فإذا انكشف وقوع العقد على غير السليم فقد تخلف الشرط و تخلف الشرط يوجب الخيار و عليه تحمل عبارة (المجلة)

(مادة: 336) البيع المطلق يقتضي السلامة من العيوب

يعني ان بيع المال بدون البراءة من العيوب بلا ذكر أنه معيب أو سالم يقتضي ان يكون سالماً خالياً من العيب و لكن الأصح أن خيار العيب أصل برأسه و العيب موجب للخيار بنفسه لأمن باب تخلف الشرط الضمني و لذا يعد اشتراط السلامة صريحا في العقد شرط مؤكد لإطلاق العقد وجوده كعدمه و خيار العيب يغني عنه و قد أشرنا قبل ان طبيعة العقد عند الإطلاق تقتضي وقوعه على الصحيح و ظهور العيب أو وجوده يقتضي التدارك بالخيار فجعل الشارع الخيار تأكيدا لما تقتضيه طبيعة الشي ء ذاتاً لا تأسيس في التشريع جعلا كخيار المجلس و نظيره الغين فان طبيعة عقود المعاوضات تقتضي التبادل بين الأموال على نسب متعادلة في الريح و الخسران و الزيادة و النقصان مثلا قاعدة الريح عند العقلاء في التجارة ان يكون الريح في العشرة اثنين أو ثلاثة و هذا هو المعدل التي تتراوح فيه الأرباح من الواحد الى الثلاث فلو زاد على ذلك عده التجار و العرف و إجحافاً و غبناً، و لعل علم الاقتصاد أحق و اخرى من علم الفقه بضبط هذه الموازين و تحديد هذه المقاييس ثم ان العيب انما يوجب الخيار بشروط.

الأول-: ان يكون سابقاً على العقد أو حادثا قبل قبض المشتري أو في زمن خياره اما لو حدث بعد قبضه و بعد خياره فلا يكون العيب

ص: 65

موجباً للخيار.

الثاني-: ان يكون غير عالم بالعيب قبل العقد أو حين العقد أو قبل القبض فلو عقد عليه و هو عالم بعيبه أو قبضه مع علمه بالعيب فلا خيار.

الثالث-: ان لا يكون البائع قد برء من العيوب فلو برء و ظهر معيباً لم يكن للعيب أثر في الخيار.

الرابع-: ان يكون العيب يوجب نقص القيمة فلو كان لا يوجب نقصاً أو يوجب زيادة ففي كونه موجباً للخيار خلاف و الأقرب عدم الخيار.

الخامس-: ان يكون العيب مما لا يزول بسهولة فلو كان مثل الصداع الطارئ أو الحمى الخفيفة أو الدمل العادي لم يوجب الخيار السادس-: ان يعلم به حال وجوده فلو علم به بعد زواله لم يكن له اثر.

و قد اتفق فقهاء الفريقين أو أكثرهم على ان البراءة من العيوب تمنع من تحقق خيار العيب و يكشف هذا عن كون سبب الخيار هو نفس العيب لا ظهوره و انكشافه و ليس حاله حال الرؤية التي ذكروا انه لا يصح إسقاط خيارها في العقد أو بعده لأنها إسقاط ما لم يتحقق بعد و لا ينبغي الريب ان نفس الغبن و العيب أسباب للخيار بوجودهما الواقعي لا بالعلم بهما و انما العلم كاشف و طريق لا يترتب على الواقع أثره إلا به و لعل تعبير أكثر الفقهاء ان الخيار يثبت بظهور العيب ناظر الى ما ذكرنا لا الى كون الظهور هو السبب كما تخيله بعض و من هذا القبيل عبارة (المجلة) مادة (337) ما بيع بيعاً مطلقاً إذا ظهر به عيب قديم يكون

ص: 66

المشتري مخيراً ان شاء رده و ان شاء قبله بثمنه المسمى، ثم أنه لا إشكال في ان هذا الخيار كسائر الخيارات عبارة عن سلطنة على فسخ العقد و إبقائه و لكنه يمتاز بخصوصية عن اترابه و هي ان المشتري مثلا كماله الفسخ بالعيب و استرداد الثمن له الإمساك و المطالبة بالنقيصة اي التفاوت ما بين الصحيح و المعيب المعبر عنه في كتب أصحابنا (بالأرش) و هو في أصل اللغة دية الجراحات و استعمله الفقهاء في المال المأخوذ بدلا عن النقص المضمون في بدن أو مال و لم يقدر له الشارع مقداراً معيناً على خلاف في ذلك فالمشهور عند علمائنا ان العيب يوجب الخيار للمشتري في المبيع و للبائع في الثمن بهذا الترتيب 1-: الفسخ و التراد.

2-: الإمساك بالأرش.

3-: الإمساك مجاناً.

و خالفهم آخرون فقالوا: ليس لأحدهما المطالبة بالأرش مع إمكان التراد و انما تنتقل النوبة إلى الأرش إذا امتنع الرد لأحد الأسباب المانعة التي سيأتي ذكرها و هذا هو الظاهر من أكثر فقهاء المذاهب و عليه ينبغي ان تحمل عبارة (المجلة) و ان كانت مطلقة حيث يقول في آخر المادة و ليس له ان يمسك المبيع و يأخذ ما نقصه العيب ا ه ضرورة ان استحقاق المطالبة بالأرش اى النقيصة متفق عليه في الجملة و لكن بين قائل به مع إمكان الرد و بين من خصه بصورة الامتناع فإطلاق عبارة (المجلة) غير مراد كما نصت عليه مادة (250) الآتية من انه إذا تعذر الرد له

ص: 67

المطالبة بنقصان الثمن.

(مادة: 338) العيب ما ينقص ثمن المبيع عند التجار و أرباب الخبرة.

قد ذكرنا أن أهم مباحث البيوع أبواب الخيارات. و أهم أنواع الخيار خيار الغبن و العيب، و أهم مباحث العيب و الغبن تعيين الضابطة و التعريف للعيب الموجب للخيار، و الغبن الذي هو على ذلك الغرار، و قد اضطربت كلمات علماء الفريقين في ضابطة ذلك و الكلمة الدائرة عند فقهاء المذاهب و تأثرتهم (المجلة) فيه هي ان العيب ما ينقص القيمة و هي أبعد كلمة تقال في هذا الموضوع ضرورة أن الصفات الكمالية مثل كتابة العبد و جمال الجارية و فراهة الفرس كلها تزيد في قيمة موصوفاتها و عدمها ينقص القيمة مع ان عدم كتابة العبد ليست عيباً و ان كان وجودها كمالًا و بالجملة فخلل هذا التعبير لا يخفى و ان شاع في كلمات القوم فإنه أبعد شي ء عن الحقيقة، و أتقن ما يليق من التحقيق في المقام ان يقال- لا ريب اننا إذا اعمقنا الفكر في الحقائق النوعية من حيث وجوداتها الخارجية، اعني من حيث مصاديقها المتكثرة و تحققاتها المتكررة، نجدها متقومة من أمرين.

موجودات متعددة محسوسة قد ارتبط بعضها ببعض حتى صارت كشي ء واحد، و نسميها أجزاء أو أعضاء أو ما أشبه ذلك.

و معاني نتعقلها في الذهن و لا نجد الا آثارها في الخارج و لا تحس بالحس الخارجي و انما تعرف بالحس الباطني و نسميها أوصافاً و أحوالا

ص: 68

ثم نجد في النظرة الثانية ان من تلك الاجزاء أو الأوصاف ما لا ينفك عن تلك الحقيقة فكل فرد يوجد منها فإنما يوجد ملتئما من تلك الأمور و إذا خلا فرد من بعض تلك الاجزاء يعد عند العرف و العقلاء شاذاً و خارجا عن ناموس تلك الطبيعة فيعرف بذلك أن كل واحد من تلك الاجزاء هو من مقتضيات تلك الطبيعة و لوازم تلك الحقيقة بخلاف بعض الأجزاء التي قد توجد و قد لا توجد و عدم وجودها في بعض الافراد لا يوجب عده من شواذ الحقيقة و فلتأت الطبيعة و بذلك نعرف الأجزاء الأصلية أي ما تقتضيه الحقيقة و الماهية من الاجزاء الزائدة الفرعية التي يقتضيها وجود الفرد بشخصيته لا وجود الماهية من حيث هي فنقص جزء من هذه الاجزاء لا يعد عيباً و لا نقصاً في ذلك الفرد سواء زادت به القيمة أم نقصت بخلاف الاجزاء من النوع الأول فإن فقد شي ء منها يعد نقصاً و عيباً سواء زادت القيمة بنقصه أم نقصت فنقص القيمة أجنبي عن قضية العيب بالكلية، و هكذا الكلام بالنسبة إلى الأوصاف و الأحوال نوع منها لا تنفك افراد تلك الحقيقة عنه الا شاذاً نادراً فيحكم العرف بأنه من مقتضيات تلك الطبيعة و لوازمها، و نوع آخر قد يوجد و قد لا يوجد و حيث لا يوجد لا يعد الفاقد شاذاً خارجا عن ناموسها العام،،، مثلا:

ننظر في أجزاء الإنسان فنجد الشعر على العموم جزء منه لا تنفك افراد طبيعته عنه و لكنه في حاجبه و أشفار عينيه و نحوها جزء لازم في كل فرد الا الشاذ النادر، و أما في ناصيته من القذال أو الوفرة و نحوها فغير لازم يوجد في بعض الافراد و لا يوجد في بعضها و لا يعد فقده شذوذاً

ص: 69

و ليس الأنزع كفاقد شعر الحاجبين طبعاً، و من هنا نعرف ان فقدان شعر الناصية ليس عيبا لأنه ليس خروجاً عن مقتضى الطبيعة بخلاف الأخص الذي لا ينبت الشعر على بدنه و مثل ذلك في الأوصاف فإن أجسام البشر تقتضي حسب حقيقتها ان يكون للجسم لون واحد من بياض أو سمرة أو سواد فلو وجد فرد جسمه كان ملمعا بالبياض و السمرة مثلا كان خروجاً عن مقتضى الطبيعة كالبرص و البهق و نحوهما و هكذا في كل نوع من الأنواع و كل حقيقة من الحقائق لها اقتضاء خاص من حيث الأجزاء و الأوصاف نعم قد ينقلب الأمر و تنعكس القضية فتصير هناك حقيقة ثانوية وضعية تغلب على الحقيقة الأولية الطبيعية، مثلا- الغلفة (يعني عدم الختان) من مقتضيات طبيعة الذكور و من الاجزاء التي يولد الإنسان الذكر معها و لكن الوضع بل الشرع عند المسلمين اقتضى الخروج عن هذه الحقيقة (1)


1- و نظير هذا من أمثلة الأوصاف و ان لم تكن من العيوب- اللحى- فان مقتضى طبيعة الإنسان الذكر ان تكون له لحية إذا بلغ السن المخصوص و لكن انعكست القضية بالنظر الى الحقيقة الثانوية، و صار التواضع التقليدي على حلق اللحى بحيث أوشك أن يعد مقتضى الطبيعة و الفطرة و هو كون اللحى عيباً و إزالتها كمالا، و من المستظرف هنا قول بعضهم. رأيت في جلق غزالا تجار في وصفه العيون فقلت ما الاسم قال موسى قلت نا تحلق الذقون نعم هذا زمان حلق الذقون. فانا للّٰه و اليه راجعون.

ص: 70

فصارت الحقيقة الثانوية هي (الختان) و صارت الغلفة عيباً و يشهد لهذا التحقيق الرشيق من أخبار أهل البيت عليهم السلام- قصة القاضي ابن أبي ليلى- حيث جاءه رجل بخصم له فقال: ان هذا باعني هذا الجارية فلم أجد شعراً على ركبها (بفتح اوله و ثانيه- محل نبات الشعر من العانة) و زعمت انه لم يكن لها قط، فقال له ابن أبي ليلى: ان الناس يحتالون لهذا بالحيل حتى يذهبوه فما الذي كرهت، فقال له: أيها القاضي ان كان عيباً فاقض لي به، فقال حتى أخرج إليك فإني أجد أذى في بطني، ثم دخل بيته و خرج من باب آخر فانى محمد بن مسلم (هو من خواص أصحاب الصادق و أبيه الباقر سلام اللّٰه عليهما) فقال: أي شي ء تروون عن أبي جعفر في المرأة لا تكون على (ركبها) شعر، أ يكون هذا عيباً، فقال محمد بن مسلم. اما هذا نصاً فلا أعرفه و لكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه عن النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم أنه قال (كلما كان في أصل الخلقة فزاد أو نقص فهو عيب) فقال ابن أبي ليلى. حسبك هذا- فرجع الى القوم فقضى لهم بالعيب، ا ه.

و كل هذه الاعتبارات و المعاني حقائق قائمة بنفسها ليس لزيادة القيمة و نقصها دخل في صدق كونه عيباً أو غير عيب، أ لا ترى ان الحب اي قطع آلة التناسل عيب بلا ريب لأنه خروج عن مقتضى حقيقة الإنسان الذكر و مع ذلك فهو مما يزيد قيمة المملوك قطعاً و لكن ذلك لا يخرجه عن كونه عيباً يوجب الخيار مع عدم العلم غايته انه لا موضع لطلب الأرش هنا إلا بتكلف ربما يأتي محل ذكره، و على كل حال فجعل

ص: 71

ضابط العيب هو زيادة القيمة و نقصها و ان شاع في كلمات كثير من فقهاء الفريقين و لكنه من الأوهام الشائعة و بعيد عن الحقيقة أشد البعد و قد عرفت ان جميع الصفات الكمالية وجودها يزيد في القيمة و عدمها ينقصها طبعاً، و ليست هي بعيوب قطعاً.

(مادة: 339) العيب القديم

هو ما كان موجوداً في المبيع و هو عند البائع.

هذه المادة و ما بعدها-:

(مادة: 340) العيب الذي يحدث في المبيع

و هو في يد البائع بعد العقد و قبل القبض حكمه حكم العيب القديم الذي يوجب الرد.

و (مادة: 341) إذا ذكر البائع ان للمبيع عيب كذا و كذا

و قبل المشتري مع علمه بالعيب فلا يكون له الخيار بسبب ذلك العيب.

و (مادة: 342) إذا باع مالا على انه بري ء من كل عيب ظهر فيه فلا يبقى للمشتري خيار عيب.

هذه المواد لبيان شروط تحقق خيار العيب و مع فقد واحدة لا يثبت الخيار و هي مع الاختصار- كون العيب قبل العقد أو قبل القبض و جهل المشتري به حين العقد أو قبله و عدم برأيه البائع من العيوب، أما

(مادة: 343) من اشترى مالا و قبله بجميع العيوب لا تسمع منه دعوى العيب بعد ذلك،

مثلا- لو اشترى حيواناً بجميع العيوب و قال قبلته محطماً مكسراً أعرج معيباً، فلا صلاحية له بعد ذلك ان يدعي بعيب قديم فيه.

ص: 72

و (و مادة: 344) بعد اطلاع المشتري على عيب في المبيع إذا تصرف فيه تصرف الملاك سقط خياره،

مثلا- لو عرض المبيع للبيع كان رضا بالعيب، فلا يرده بعد ذلك.

هاتان المادتان لبيان مسقطات خيار العيب، و قد أنبأناك من قبل ان أهم مباحث الخيارات التي هي أهم أبواب البيوع- خيار الغبن و خيار العيب- و أهم مباحث خيار العيب ثلاث نواحي.

1-: ضابطة العيب الذي يثبت به الخيار.

2-: مسقطات هذا الخيار.

3-: التنازع بين البائع و المشتري في وجود العيب و عدمه، و حدوثه و قدمه و أمثال ذلك.

و قد تقدم الكلام في الأولى على ابسط بيان و أتقنه، و هذا موضع القول في الناحية الثانية، و هي من ميادين السباق لفرسان التحقيق، و سيأتي الكلام على الثالثة قريباً إن شاء اللّٰه تعالى.

اما مسقطات هذا الخيار
اشارة

فهي ثلاثة.

مسقطات الرد فقط، و مسقطات الأرش فقط، و مسقطاتهما معاً،

اما مسقطات الرد
اشارة

فأمور.

الأول-: إسقاطه بعد العقد صريحاً قبل ظهور العيب أو بعده،

بأن يقول: أسقطت حق الرد لو ظهر عيب، ثم ان ظهر العيب يكون له الأرش فقط اما لو أسقط الخيار مطلقا فالظاهر سقوطهما معا.

اما لو أطلق الالتزام بالعقد فالأرش لا يسقط.

ص: 73

الثاني-: التصرف في المعيب سواء بعد ظهور العيب أو قبله

بمطلق التصرف أو خصوص التصرفات الناقلة اي الموقوفة على الملك كالبيع و الرهن و أمثالها أو خصوص ما دل على الرضا و الالتزام بالعقد احتمالات بل أقوال، فيها لتضارب كلمات العلماء أوسع مجال، و أحق ما ينبغي ان يقال هنا من التحقيق ان التصرف لا يخلو اما ان يبقى معه مجال لإمكان الرد أو ينقطع به إمكان الرد شرعاً أو عرفاً كما لو وطئ الجارية أو أحبلها أو نجز وقفية الدار أو جعلها مسجداً و نحو ذلك، و لا إشكال في ان مثل هذه التصرفات مانعة من الرد قولا واحداً و إذا ظهر العيب يتعين أخذ الأرش، و إذا بقي مجال للرد كما لو ركب الدابة أو لبس الثوب أو سكن الدار فان ظهر بهذا التصرف التزامه بالعقد و إسقاطه الرد- سقط و تعين الأرش و ان لم يظهر منه ذلك فالخيار باق بحاله ان شاء فسخ و ان شاء أمسك مجاناً أو بالأرش، و المرجع من الاخبار في هذه القضية مرسلة جميل في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد به عيناً قال: ان كان الثوب قائماً بعينه رده على صاحبه و أخذ الثمن و ان كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب، و الصحيح. أيما رجل اشترى شيئاً و به عيب أو عوار و لم يتبرأ اليه و لم ينبه فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا و علم بذلك العوار و بذلك العيب فإنه يمضي عليه البيع.

الثالث-: تلف العين أو ما هو بحكم التلف كالعتق و الرهن و نحوهما

فان الخيار يسقط هنا إجماعاً و ان لم نقل بالسقوط في سائر الخيارات عند التلف فان الرد في المرسلة المتقدمة أنيط بقيام العين و أي قيام لها مع

ص: 74

التلف أو ما بحكمه بل لو انتقل الى الغير أو انعتق العبد قهراً فلا رد لعدم قيام العين فان الظاهر منه اعتبار بقائها على ملك المشتري، نعم يمكن الحاقه بالتصرف لا بالتلف و على كل فلو عاد الى ملك المشتري فالظاهر ان الخيار لا يعود بقاعدة (الساقط لا يعود) و قيل يعود و لا يخلو من وجه ثم ان الأصحاب اتفقوا على ان وطئ الجارية عيب يمنع من الرد بالعيب القديم و الأصل في ذلك أخبار خاصة منها خبر طلحة قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل اشترى جارية فوطئها ثم رأى فيها عيباً قال: تقوم و هي صحيحة و تقوم و بها الداء ثم يرد البائع على المبتاع فضل ما بين القيمتين، و في أخرى. كان القضاء الأول في الرجل إذا اشترى الأمة فوطئها ثم ظهر على عيب ان البيع لازم و له أرش العيب، و استثنوا من هذا- الحامل- فان الحمل عيب ترد به الأمة فلو وطئها و هي حامل جاهلا أو مطلقا بردها مع نصف عشر قيمتها النكاحه إياها، و في أخرى عشر قيمتها، و تحمل على البكر حيث يتحقق الحمل مع البكارة كما قد يتفق و يشهد له رواية ثالثة. ان كانت بكراً فعشر قيمتها و ان كانت ثيبا فنصف عشر قيمتها، و ربما يخص ذلك بالحامل من مولاها فإنها أم ولد تشبثت بالحرية فلا يجوز بيعها و التفصيل موكول الى محله.

الرابع-: من مسقطات الرد بالخصوص حدوث عيب عند المشتري

و تحرير ذلك ان العيب اما ان يكون قد حدث قبل العقد و بقي الى ما بعده و اما ان يكون حدوثه بعده اما قبل القبض أو بعده و الحادث بعد القبض اما ان يكون في أثناء خيار المشتري أو في أثناء خيار البائع أو في

ص: 75

أثناء خيارهما و على جميع التقادير فاما ان يكون حدوثه بآفة سمائية أو بمباشرة بشر اما البائع أو المشتري أو أجنبي و يظهر حكم عامة هذه هذه الصور مما تقدم، و المقصود بالبيان هنا ان خصوص العيب الحادث عند المشتري بعد قبضه و انقضاء خياره مانع من الرد بالعيب المقارن للعقد سواء حدث في حينه أو قبله، و لكن إذا كان العيب من فعل البائع أو أجنبي فهو مضمون عليه لا على المشتري و لا فسخ بل يستحق المشتري أرش العيب، و المراد هنا بالعيب الحادث المانع من الرد- هو الأعم من العيوب الموجبة للأرش الموجبة للخيار حسب ما سبق و من التغيرات الحسية و المعنوية الموجبة نقصا في المالية- فمثل تبعض الصفقة و نسيان العبد الكتابة و خياطة الثوب و صبغه و قطع الأخشاب كلها مانعة من الرد ان أوجبت نقصا في المالية و ان لم تكن عيوباً اصطلاحية أو عرفية إلا إذا قلنا بان العيب مطلقاً هو ما يوجب نقص قيمة أمثاله لو لا هذا الوصف و على كل فهي كما عرفت مانعة من الرد اتفاقاً الا ما نسب الى الشيخ المفيد قدس سره من ان العيب الحادث لا يمنع الرد مطلقاً و هو خلاف المتفق عليه عند أصحابنا بل و عند أكثر فقهاء الجمهور.

نعم لو رضي البائع به على عيبه فلا إشكال لأن الحق بينهما فإذا تراضيا فلا مانع،،، هذا لب ما ينبغي ان يقال في مسقطات الرد.

اما مسقطات الأرش فقط
اشارة

فأمران.

الأول-: ما لو اشترى ربويا بمثله فظهر في أحدهما عيب،

مثلا- لو اشترى حنطة بمثلها وزنة بوزنة و ظهر في إحداهن عيب فإن أخذ

ص: 76

الأرش لا يمكن لاستلزامه الربا و اجازه بعض فقهائنا و نسبه الى بعض الشافعية بدعوى ان عدم الزيادة انما تعتبر في المتماثلين في ابتداء العقد و الأرش غرامة شرعية لا تقدح في العقد السابق حتى تغالى فجوز أخذ الأرش من جنس العوضين فضلا عن غيره و هو محل نظر فإن الأرش تدارك وصف الصحة فهو كجزء من المبيع و لذا قالوا: الأوصاف أجزاء عقيلة، اللهم الا ان يقال ان الشارع في الربويين قد ألغى وصف الصحة فصار سواء وجوده و عدمه و لذا لم يجوز وزنة ردية بنصف وزنة جيدة و ان تساويا في القيمة و إذا سقط وصف الصحة شرعا فليس الأرش سوى حكم خارجي، و المسألة معقدة و قد التبس في المقام العيب و الصحة بالجودة و الرداءة، و هي محتاجة إلى ضرب آخر من التحقيق لا يتسع له المجال

الثاني-: العيب الذي لا يوجب نقصا في القيمة بل قد تزيد به

و المثال المعروف له عند الفقهاء الخصاء في العبيد و لا يخلو من مناقشة و يمكن ان يكون منه العنب إذا فسد فإنه قد يطلب بأكثر من قيمته عنبا للتخليل أو التخمير و الأمثلة غير عزيزة.

الثالث-: ما يسقط الرد و الأرش معا،
اشارة

و هي أمور.

«أحدها» قبول المشتري كل عيب عند العقد

قديمه و حادثة و هو إسقاط لحقه فيما يقتضيه العقد على المعيب من الخيار.

«ثانيها» برأيه البائع من العيوب في العقد تفصيلا أو إجمالا،

و مرجع البراءة هنا إلى إسقاط كلما للعيب من أثر من خيار أو أرش أو غيرهما أولًا و بالذات لا ثانياً و بالعرض فلو تلف المبيع بالعيب السابق في خيار

ص: 77

المشتري لم يسقط ضمان البائع و ان توهم البعض ذلك، و لا ريب ان القدر المعلوم من صحة البراءة من العيوب السابقة على العقد، اما المتجددة الموجبة للخيار كالعيوب الحادثة قبل القبض أو الحادثة في العبد إلى سنة فيشكل صحة البراءة منها لأنها إسقاط ما لم يجب و يمكن تصحيحها بان العقد يقتضي الخيار عند حصولها و يكفي لصحة الاسقاط وجود المقتضي فليتأمل.

«ثالثها» علم المشتري بالعيب

فإن إقدامه على المعيب مع علمه يسقط حقه من الخيار لان الخيار انما جعل تداركا لجهله بالعيب فلا وجه له مع العلم.

ثم ان عد هذه الثلاثة من مسقطات الخيار مبني على ان وجود العيب بذاته مقتض للخيار فالبراءة تسقط اقتضائه، و الا فالعقد مع العلم بالعيب أو برأيه البائع منه أو قبول المشتري لم يثبت فيه خيار أصلا حتى يسقط بأحد الأمرين فهي من قبيل الدفع لا الرفع فليتدبر.

«رابعها» زوال العيب قبل العلم به

سواء كان بعد القبض أو قبله و هو بالنسبة إلى تأثيره في سقوط الرد ظاهر لأن المتبادر هو رد المعيب حال الرد لا رد ما كان معيبا، اما الأرش فقد ثبت بوجود العيب حين العقد و زواله حدث في ملك المشتري فسقوطه بعد ثبوته يحتاج الى دليل، و ربما تبنى المسألة على قاعدة (ان الزائل العائد كالذي لم يزل أو كالذي لم يعد) فيسقط الرد و الأرش على الأول و لا يسقط شي ء منهما على الثاني و لكن لا اثر لهذه القاعدة عند فقهائنا بل يتبعون في كل قضية ما يستفاد من دليلها من الكتاب و السنة.

ص: 78

«خامسها» التصرف في المعيب بعد العلم بالعيب

فإنه يسقطهما معاً اما سقوط الرد فظاهر، و أما سقوط الأرش فلأن التصرف دليل على الرضا بالمعيب، و دعوى ان الرضا بالمعيب لا يدل على الرضا بالعيب مدفوعة بأن ظاهر الرضا بالشي ء قبوله على الإطلاق، أي من دون قيد الأرش و كذا.

«السادس» و هو التصرف في المعيب الذي لم تنقص قيمته

فان الرد يسقط بالتصرف و الأرش ساقط بعدم النقص.

«سابعها» تأخير الرد و المطالبة بالأرش

بناء على فورية هذا الخيار كما لا يبعد.

و قد تذكر مسقطات أخرى و لكن ما ذكرناه أشهرها و أظهرها و جدول المسقطات عموماً كما يلي مسقطات الرد فقط.

(1) إسقاط الرد في العقد و التزام الأرش لو ظهر معيباً.

(2) تصرف المشتري في المبيع تصرفا مانعا من الرد.

(3) تلف العين عند المشتري.

(4) حدوث عيب عند المشتري و منه تبعض الصفقة.

مسقطات الأرش فقط.

(5) العقد على ربويين و قد ظهر العيب في أحدهما.

(6) العيب الذي لا يوجب نقص القيمة.

مسقطاتهما معاً

ص: 79

(7) العلم بالعيب قبل العقد (8) برأيه البائع من العيوب في متن العقد.

(9) قبول المشتري بكل عيب في متن العقد.

(10) زوال العيب قبل العلم به (11) التصرف في المعيب الذي لم ينقص العيب قيمته.

(12) حدوث العيب في المعيب الذي لم ينقصه العيب.

(13) تأخير الأخذ بالخيار فسخاً أو أرشاً أو إمضاء.

و الى بعض هذه المسقطات أشارت (المجلة) في مادة (341) المتضمنة ان قبول المشتري مسقط و مادة (342) المتضمنة برأيه البائع و مادة (343) هي عين مادة (341) و ان تضمنت عدم سماع دعواه بعد قبوله بالمعيب و مادة (344) المتضمنة ان التصرف بعد العلم بالعيب مسقط للخيار و مادة (345) المشتملة على بيان ان حدوث العيب الجديد عند المشتري يسقط الخيار بالعيب القديم، فانتصرت على ذكر أربعة من المسقطات (القبول، البراءة، التصرف، حدوث العيب الجديد) و أهملت ذكر تسعة على أن الذي ذكرته لم تميز فيه بين مسقط الرد فقط من مسقط الأرش أو مسقطهما معاً، و هذه ومضة مما ذكره أصحابنا في هذا المقام ليس لنا فيه الا طرافة البيان و حسن التحرير.

ثم ان التصرف كما أشرنا إليه سواء كان موجباً للتلف الحقيقي أو الحكمي أم لا، و سواء كان دالا على الرضا أم لا، لا يوجب الا سقوط الرد و له المطالبة بالأرش فما في (مادة 344) لو عرض المبيع للبيع بعد اطلاعه

ص: 80

على عيب قديم فيه كان عرضه للبيع رضا بالعيب إلخ، غير منقح لما عرفت ان الرضا بالمعيب ليس رضًا بالعيب فكان اللازم ان تقول لا برده و له المطالبة بالأرش.

(مادة: 346) نقصان الثمن يصير معلوماً باخبار أهل الخبرة الخالين عن الغرض،

و ذلك بان يقوم الثوب سالماً ثم معيباً فما كان بين القيمتين من التفاوت ينسب الى الثمن المسمى و على تلك النسبة يرجع المشتري على البائع بالنقصان إذا تسالم المتبايعان على وجود العيب القديم و على مقدار التفاوت بين الصحيح و المعيب فلا إشكال في انه ينقص من الثمن المسمى بمقدار ذلك التفاوت إذا كان المسمى مساوياً للقيمة كما لو كان قيمة الصحيح عشرين و هي المسمى و المعيب خمسة عشر فيرجع بالربع، اما لو كانت صحيحاً أزيد من المسمى و معيباً مساوية أو أقل، انقص من المسمى بتلك النسبة، و كذا لو كان سالماً و معيباً أنقص من المسمى، أو سالماً و معيباً أزيد من المسمى، و قد مثل لهذه الصور الأربعة في (المجلة) بقوله:

مثلا- لو اشترى ثوب قماش بستين قرشاً و بعد ان قطعه و فصله اطلع المشتري على عيب قديم فيه فقوم أهل الخبرة ذلك الثوب سالماً بستين قرشاً أيضاً و معيباً بالعيب القديم بخمسة و أربعين قرشاً كان نقصان الثمن بهذه الصورة خمسة عشر قرشاً فيرجع بها المشتري على البائع و لو أخبر أهل الخبرة ان قيمة ذلك الثوب سالماً ثمانون قرشاً و معيبا ستون قرشاً فيما ان التفاوت بين القيمتين عشرون قرشا و هي ربع الثمانين قرشا

ص: 81

فللمشتري أن يطالب بخمسة عشر قرشاً التي هي ربع الثمن المسمى و لو أخبر أهل الخبرة ان قيمة ذلك الثوب سالماً خمسون قرشاً و معيبا أربعون قرشا فبما ان التفاوت الذي بين القيمتين عشرة قروش و هي خمس الخمسين قرشا يعتبر النقصان خمس الثمن المسمى و هو اثنا عشر قرشا.

اما لو اختلفا في كونه معيبا أم لا أو اتفقا و اختلفا في التفاوت بين الصحيح و المعيب فالمرجع في المقامين الى أهل الخبرة بتلك السلعة في أصل العيب و في قدر التفاوت، و المراد بأهل الخبرة- العارف المتخصص بمزاولة تلك السلعة، الخبير بتلك الصنعة، بيعا و شراء أو عملا كالبزازين في الأقمشة و الصياغين في الحلي و هكذا، ثم الرجوع اليه و الاعتماد على قوله اما ان يكون من باب الاخبار عن القيمة السوقية، و ان هذه الحنطة تباع اليوم في السوق بكذا فهو حينئذ اما من باب الشهادة فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في الشاهد من الحس و العدالة و التعدد و ان كان من باب خبر الواحد و قلنا باعتباره في الموضوعات كفى العدل الواحد و اما ان يكون اخباراً عن رأيه و انه بحسب معرفته و مزاولته لهذا النوع يعرف مزايا أصنافه و افراده و يقول: ان هذا ينبغي ان تكون قيمته كذا من دون نظر الى ان قيمته السوقية كذلك أم لا فهو حينئذ من باب الفتوى و نظير الاجتهاد في باب الاحكام و تعيين حكم المفهوم الكلي لا يلزم فيه التعدد و لا الحس و تكفي العدالة فقط أي حصول الاطمئنان بمعرفته ثم بقوله و أما ان يكون من باب التطبيق و تعيين المصداق فقط بان يكون احكام

ص: 82

الأنواع و الكليات في السوق معلومة و انما الشك في اندراج هذا الفرد بأي الأنواع فالعارف الخبير يعين أنه من النوع الفلاني و قيمته معلومة فيكون أشبه بباب الحكومة و القضاء فلا يحتاج الى التعدد أيضاً، و يكفي الاطمئنان و الثقة، و خير هذه الوجوه الثلاثة أوسطها فإنه من باب رجوع الجاهل الى العالم، و يسمى في الأحكام فتوى و اجتهاد و في الموضوعات رجوع الى أهل الخبرة و الملاك في المقامين واحد فليتدبر.

فلو اختلف المقومون فقيل يؤخذ بالأقل للأصل و قيل بالأكثر لأنه مثبت و قيل بالقرعة لأنها لكل أمر مشكل نظراً لعدم إمكان اليمين لجهل كل من المتبايعين بالواقع حسب الفرض، و يحتمل تعين إلزام الحاكم لهم بالصلح، و الأصح لزوم الجمع و العمل بكلا القولين و لو في الجملة فإذا قال أحدهما قيمته مثلا ستة و قال الآخر أربعة أخذنا نصف الستة ثلاثة و نصف الأربعة اثنين و جعلنا القيمة خمسة و هكذا، و مدرك تعين هذه الطريقة أمران أحدهما (قاعدة العدل) التي ذكرناها في القواعد العامة.

ثانيهما-: (قاعدة ان العمل بالدليلين المتعارضين) و لو في الجملة أولى من طرح أحدهما تماماً و العمل بالآخر، و لذا حكموا بالتنصيف فيما لو تعارضت البينتان في دار بيد رجلين يدعيها كل منهما و فيه جمع بين الحقين في الجملة و حرمان واحد في الواقع من بعض حقه اولى من ارتكاب ما يوجب حرمان صاحب الحق. تماما و كل من هذين الدليلين مقنع و ان سالت أباطح الجدل باعناق

ص: 83

المناقشات و الإشكالات عليهما، ثم ان الاختلاف اما ان يكون في قيمة المعيب فقط. أو في قيمة الصحيح فقط. أو فيهما معا. فان كان الاختلاف مؤلفاً من اثنين جمعت القيمتان و أخذ النصف. و ان كان من ثلاثة أخذ الثلث و هكذا.

هذا بعد الاتفاق على العيب. اما لو اختلفا فيه فقال واحد انه صحيح لا عيب فيه. و قال الآخر: أنه معيب فلا ينبغي الإشكال في أن قول مدعي الصحة مقدم الا ان تكون هناك قرائن مقامية ترجح قول الآخر الذي هو على خلاف الأصل. و هاهنا أبحاث جمة. و تحقيقات مهمة. تطلب من مؤلفاتنا المبسوطة. و هذه ومضة من تلك البروق كافية إن شاء اللّٰه.

(مادة: 347) إذا زال العيب الحادث صار العيب موجبا للرد على البائع.

حق المعنى الصحيح ان يقال: عاد الخيار بالعيب فاما الفسخ أو الإمساك مجانا أو بالأرش، و هذا مبني على القاعدة المتقدمة في ضمن القواعد العامة- إذا زال المانع عاد الممنوع و كان العيب الجديد مانعاً فإذا زال عاد الخيار بالعيب القديم. ثم ان من المعلوم أن ما ذكروه من ان العيب الحادث عند المشتري يمنع من الرد بالعيب القديم أي الذي كان عند البائع و ان المشتري ليس له الا المطالبة بالأرش. كل ذلك معناه أن المشتري لا حق له ان يلزم البائع بقبول المعيب بالعيب الجديد و حاصله أنهما تساويا في السبب فسقط عن التأثير و ليس مراعاة أحدهما بأولى

ص: 84

من مراعاة الآخر، أما لو رضي البائع رد الثمن و أخذ المعيب الحادث و القديم، فذاك تنازل منه و ليس للمشتري أن يلزمه بالأرش بالضرورة و هو الوجه في

(مادة: 348) إذا رضي البائع أن يأخذ المبيع الذي ظهر به عيب قديم

بعد أن حدث به عيب عند المشتري و كان لم يوجد مانع للرد فلا يبقى للمشتري صلاحية الادعاء بنقصان الثمن بل يكون مجبوراً على رد المبيع إلى البائع أو قبوله،،، أما لو كان قد حصل مانع من الرد كالإسقاط أو زوال العيب قبل العلم فلا رد بل و لا أرش، أو ما أشير إليه في (المجلة) بقولها: حتى ان المشتري إذا باع المبيع بعد الاطلاع على عيبه القديم فلا يبقى له حق في أن يدعي بنقصان الثمن، مثلا- لو أن المشتري قطع الثوب الذي اشتراه أو فصله قميصاً ثم وجد به عيباً و بعد ذلك باعه فليس له ان يطلب نقصان الثمن من البائع لأن البائع له أن يقول: كنت أقبله بالعيب الحادث، فبما أن المشتري باعه كان قد أمسكه و حبسه عن البائع.

و جدير هنا بان يتفطن بأنه لا داعي لهذا التطويل الذي هو بغير جدوى و لا طائل إذ قد عرفت فيما مر عليك أن تصرف المشتري بالمعيب بعد اطلاعه على العيب يسقط أصل خياره فلا فسخ و لا أرش و لا غير ذلك و صار العقد السابق لازما فلو باعه المشتري مع علمه بعيبه فقد التزم به و مضى عليه و لا حاجة الى قول البائع إني كنت أقبله بالعيب الحادث و عدم قوله، و هذا من قبيل ما يقول أهل المعقول من باب التعليل

ص: 85

بالعرضي مع وجود الذاتي فإن عدم حقه بالمطالبة بالنقيصة من جهة تصرفه بعد الاطلاع لا من جهة قول البائع و عدم قوله.

و قد ذكرت (المجلة) في بعض موادها المتقدمة قريباً ان تعريضه للبيع مع علمه مسقط لخياره فكيف بوقوع البيع منه، و قولنا ان حدوث العيب يمنع الرد و له المطالبة بالنقصان انما هو حيث لا تصرف، اما مع التصرف و العلم فقد انتهى كل شي ء. فتدبره و لا تفوتك هذه المزايا في الزوايا.

و «القصارى» أنه قد ظهر لك من المباحث السابقة جلياً أن موضع تعين الأرش هو تصرف المشتري في المعيب قبل العلم بالعيب تصرفا يمنع من الرد. و التصرف المانع من الرد هو الذي لا يبقى معه صدق كون المعيب قائما بعينه فان النص جعل قانون الرد هو قيام العين كما في مرسلة جميل المتقدمة: ان كان الثوب قائما بعينه رده على صاحبه و ان كان قد قطع أو خيط أو صبغ رجع بنقصان العيب. ا ه. و هذا هو الذي تريد (المجلة) بيانه في مادة (349) كل موضع لا يمكن للمشترى فيه ان يرد المبيع القائم في ملكه للبائع بدون رضائه أو برضاه إذا أخرج المبيع عن ملكه (اى قبل علمه بالعيب) يرجع على بائعه بنقص الثمن، بناء عليه الزيادة المتصلة الغير متولدة. و هي ضم شي ء من مال المشتري و علاوته الى المبيع تكون مانعا من الرد. مثلا- ضم الخيط و الصبغ الى الثوب بالخياطة و غرس الشجر في الأرض من المشتري مانع من الرد. و بناء على الضابطة التي عرفتها للرد و عدم الرد تعلم ان الزيادات تختلف في ذلك من حيث

ص: 86

صدق قيام العين و عدم صدقه، و تحرير المقام يحصل بتنقيح ان الزيادة أما متصلة أو منفصلة، و المتصلة إما لانضمام جسم خارجي إليها أو بنمو من نفسها و لو بسبب خارجي، و المنفصلة اما متولدة أو غير متولدة، فالأولى كالصبغ و الخياطة و غرس الأشجار و كلها تمنع من الرد لعدم صدق قيام العين معها، أما الثانية فهي مثل سمن الدابة و كبرها و قوتها، و هذه لا تمنع من الرد ضرورة صدق قيام العين، أما الثالثة فمثل الشاة إذا ولدت و الجارية إذا حملت. بناء على ان الحامل و الحمل كالمظروف و الظرف فهي مبتنية على ان الحمل في الجارية عيب يوجب الرد كما هو المتفق عليه عند أصحابنا و حينئذ يكون حدثه عند المشتري مانعاً من الرد بعيب آخر قديم و لكنهم مع اتحاد ملاك المسألتين اختلفوا هنا بين قائل بأنه مانع مطلقا و بين من قيده بما إذا كان موجباً لنقص الجارية، و قيل ليس بعيب كما هو الأشهر في غير الجارية كالشاة و نحوها من الحيوانات و «بالجملة» فالمسئلة لا تخلو من نظر و فيها خلاف مترامي الأطراف بين أصحابنا، و إذا رجعنا إلى الضابطة و هي صدق قيام العين نجدها أشكل لعدم وضوح ان هذا المقدار من التغيير يمنع صدق قيام العين أم لا كما ان صدق العيب عليه غير معلوم فبعض يقول إنه زيادة، و آخر يقول انه زيادة و لكنها في المعنى نقيصة لأنها معرضة للخطر خصوصاً في الجارية التي يمنعها الحمل من كثير من الاعمال فضلا عن خطر الولادة و الوضع هذا في الحمل الذي ليس هو بتصرف المشتري، إماما كان بتصرفه فلا إشكال في كونه مانعاً من الرد لأن الوطء من التصرفات

ص: 87

المانعة اتفاقاً كما سبق و ان لم يكن مغيرا للعين فضلا عما إذا غيرها بالحبل و عند الشك في مورد فلا بد من الرجوع الى الأصول العامة المقررة للرجوع إليها عند الشك و عدم الدليل القاطع.

(أما الصورة الرابعة) أعني الزيادة المنفصلة كالحنطة من الأرض و التمر من النخل و الأجرة من الدار و أمثال ذلك فلا ينبغي الإشكال في انها غير مانعة من الرد مطلقا لصدق قيام العين بالضرورة و من هنا يظهر لك وجه تقييد (المجلة) الزيادة المانعة من الرد بأنها هي المتصلة الغير متولدة فإنها هي القدر المتيقن من الزيادة اما ما عداها فبين ما هو محل خلاف و بين ما هو متيقن بعدم المنع فليتدبر.

(مادة: 350) إذا وجد مانع للرد ليس للبائع ان يسترد المبيع

و لو رضي بالعيب الحادث بل يصير مجبوراً على إعطاء نقصان الثمن حتى انه بهذه الصورة لو باع المشتري المبيع بعد اطلاعه على عيب قديم فيه كان له ان يطلب نقصان الثمن من البائع و يأخذه منه، مثلا- ان مشترى الثوب لو فصل منه قميصاً و خاطه ثم اطلع على عيب قديم فيه ليس للبائع ان يسترده و لو رضي بالعيب الحادث بل يجبر على إعطاء نقصان الثمن للمشتري و لو باع المشتري هذا الثوب أيضاً لا يكون بيعه مانعاً له من طلب نقصان الثمن و ذلك لأنه حيث صار ضم الخيط الذي هو من مال المشتري للمبيع مانعاً من الرد و ليس للبائع في هذه الحالة استرداد المبيع مخيطاً فلا يكون بيع المشتري حينئذ حبساً و إمساكاً للمبيع.

هذا البيان على طوله مشوش مختل و المعنى الصحيح فيه أنه إذا تصرف

ص: 88

المشتري في المبيع قبل علمه بالعيب تصرفا مانعا من الرد فليس له إلزام البائع بأخذه، و لا للبائع ان يلزمه برده بل الوظيفة المقررة هنا أخذ الأرش. فإذا طلبه المشتري صار البائع مجبوراً على دفعه، اما لو تراضيا و اتفقا على رده فلا إشكال في صحته لأن الحق بينهما فيكون المشتري أسقط حقه من الأرش و البائع أسقط حقه من التصرف و تراضيا على الفسخ ورد كل مال الى صاحبه كالإقالة أو هي بنفسها، اما لو امتنع المشتري فليس للبائع جبره على رد العين، لا لقضية ان ضم الخيط الذي هو مال المشتري صار مانعاً بل من أجل ان مثل هذه التصرفات أعني مثل القطع و الخياطة و الصبغ تمنع صدق قيام العين الذي هو ملاك صحة الرد سواء باعه المشتري أم لا، فتدبر هذا جيداً.

(مادة: 351) ما بيع صفقة واحدة إذا ظهر بعضه معيباً

فان كان قبل القبض كان المشتري مخيراً ان شاء رد مجموعه و ان شاء قبله بجميع الثمن و ليس له ان يرد المعيب وحده و يمسك الباقي و ان كان بعد القبض فإذا لم يكن في التفريق ضرر كان له أن يرد المعيب بحصته من الثمن سالماً و ليس له ان يرد الجميع حينئذ ما لم يرض البائع و اما إذا كان في تفريقه ضرر رد الجميع أو قبل الجميع بكل الثمن مثلا لو اشترى قلنسوتين بأربعين قرشا فظهرت إحداهما معيبة قبل القبض بردهما معاً و ان كان بعد القبض يرد المعيبة وحدها بحصتها من الثمن سالمة و يمسك الثانية بما بقي من الثمن، اما لو اشترى زوجي خف فظهر أحدهما معيباً بعد القبض كان له ردهما معاً للبائع و أخذ ثمنهما منه.

ص: 89

تحرير هذه المادة على وجه التهذيب و التنقيح، بحيث تنكشف الرغوة عن اللبن الضريع. يحتاج الى مقدار من البسط في البيان فنقول و منه تعالى نستمد المعونة.

أن تبعض الصفقة لا يتحقق أو البيع صفقة واحدة لا يتحقق موضوعه طبعاً الا بتحقق تعدد ما، و التعدد اما ان يكون في الثمن أو المثمن و اما ان يكون في البائع أو يكون في المشتري فالصور اربع-:

اما (الاولى) و (الثانية) و هو ما لو اشترى شيئا واحداً بدراهم أو دنانير مثلا و ظهر العيب فيه أو في واحد منهما. أو اشترى أشياء بدينار فظهر العيب فيه أو في واحد منها فليس للبائع أو المشتري تعددا أو اتحدا ان يفسخ في المعيب منها و يقبل الصحيح بنسبته من الثمن لأن العيب ان كان في المبيع الواحد أو الثمن الواحد. فان فسخ في جزء معين منه أو مشاع استلزم الشركة و هي عيب يمنع من الرد و حينئذ فاما ان يقبل الجميع و يطالب بالأرش. و ما ان يفسخ في الجميع. و ان كان العيب في واحد من الثمن المتعدد أو المبيع المتعدد فالفسخ في المعيب المعين منها يستلزم التفريق على البائع و هو نقص مانع من الرد و قد يكون في تفريق أمواله ضرر عليه سواءً كانا من قبيل المصراعين أو الخفين. أو من قبيل الثوبين أو الكتابين المتباينين فان الضرر لا ينحصر في الأول غايته ان الضرر فيه أظهر و أكثر و لو قيل لا مانع من ان المشتري يجوز له الرد بخيار العيب و يجبر البائع دفعا لضرره بخيار تبعض الصفقة و يكون بهذا جمع بين الحقين قلنا ان هذه استحالة ظاهرة فان

ص: 90

معنى ان للمشترى الرد بالخيار ان له سلطنة إمساك الصحيح و رد المعيب فلو جعلنا للبائع أيضاً خياراً لكان معناه ان له سلب تلك السلطنة فيكون من قبيل ما يقال هذا أمر- يلزم من وجوده عدمه- فسلب سلطنته من أول الأمر بمنعه من رد المعيب و إبقاء الصحيح فقط اولى و أقوم من هذا و أقوى ان تقول: ان القدر المعلوم من أدلة خيار العيب عامة أو خاصة هو ان له الخيار في رد الجميع أو إمساك الجميع مجانا أو بالأرش، اما إمساك البعض ورد البعض فهذا مما لم ينهض عليه دليل أصلا و أصالة اللزوم في العقود تدفعه بل تمنعه، نعم لو وقع العقد على شيئين بثمنين كما لو قال:

بعتك الثوب بدينار و الكتاب بدرهم و ظهر في أحدهما عيب أمكن القول بجواز الفسخ و إمساك الآخر لأنه بحكم عقدين على شيئين و ان كان في الظاهر عقداً واحداً، و مع ذلك فلو كان في هذا التفريق ضرر على البائع و لو. نوعاً منعناه أيضا، و قد تبنى المسألة على ان المعيب عرفا أو حقيقة و لو بالاعتبار هل هو تمام المبيع و لو باعتبار جزئه فلا يجوز حينئذ إلا رد الجميع أو المعيب هو خصوص ما تعلق العيب به و هو البعض المعين فيجوز رده بخصوصه بخيار العيب و قاعدة (المعيوب مردود) اما البعض الآخر و هو الصحيح فلا سبب فيه للرد و هذا الوجه و ان كان لا يخلو من وجاهة و لكنه لا يخلو من نقاش و الأصح في وجه المنع ما ذكرناه و صرح بعض الاعلام انه لو رضي البائع يأخذ المعيب جاز لأن الحق لا يعدوهما و هذا يؤيد ما ذكرناه قريبا من ان البائع لو رضي بأخذ المعيب بالعيب الحادث صح و كان كالإقالة فتذكر

ص: 91

أما (الصورة الثالثة) فهي ما لو باع اثنان دارهما المشتركة و ظهر فيها عيب و أراد المشتري ان يفسخ حصة أحدهما فلا ينبغي الإشكال في جوازه إذ لا ضرر على أحدهما بل العقد في الحقيقة عبارة عن عقدين فلا مانع من فسخ أحدهما دون الآخر و هو واضح.

أما (الصورة الرابعة) و هي إذا اشترى اثنان دار واحد و ظهر فيها عيب و أراد أحدهما الفسخ و هنا لا إشكال في لزوم تبعض الصفقة الواحدة على البائع الواحد و لزوم الضرر عليه في تبعض داره و دخول الشريك عليه فيها فالمنع فيها لعله أظهر من سائر الصور.

و قد تزيد الصور على ما ذكرنا بتركيب بعضها مع بعض و حكم الجميع يظهر مما ذكرناه.

و أحسب انك عرفت مواضع الخدشة في هذه المادة فإن التفصيل بين ما قبل القبض و ما بعده لا وجه له و الحكم في الجميع سواء، ثم التفصيل ثانياً بين ما هو من قبيل القلنسوتين أو الخفين أيضاً لا وجه له فان نفص التفريق و تبعيض الصفقة عيب و ضرر في الغالب فهو من العيوب الحادثة المانعة من الرد و يصدق معه عدم قيام العين لأن المراد بالعين المبيع و هو المجموع لا أبعاضه فليتدبر.

و على هذه القاعدة و الملاك تتمشى-:

(مادة: 352) إذا اشترى شخص مقداراً معيناً من المكيلات و الموزونات

- بل و العدديات- و بعد قبضه وجد بعضه معيباً كان مخيراً ان شاء قبله جميعاً و ان شاء رده جميعاً.

ص: 92

اما رد المعيب و إمساك الصحيح فلا، لعدم مساعدة الدليل عليه أولا و للزوم الضرر على البائع ثانياً، و لعدم صدق قيام العين ثالثاً، و ان كان الحكم هو المنع في المكيلات و أخواتها فجريانه في غير المكيلات كالدار و العقار و الأقمشة بطريق أولى.

(مادة: 353) إذا وجد المشتري في الحنطة و الشعير و أمثالهما من الحبوب المشتراة تراباً

فان كان ذلك التراب يعد قليلا في العرف صح البيع، و ان كان كثيراً بحيث يعد عيباً عند الناس يكون المشتري مخيراً هذه المادة و التي بعدها.

(مادة: 354) البيض و الجوز و ما شاكلهما إذا ظهر بعضها فاسداً

فما لا يستكثر في العادة و العرف كالاثنين و الثلاثة في المائة يكون معفواً و ان كان الفاسد كثيرا كالعشرة في المائة كان للمشترى رد جميعه للبائع و استرداد ثمنه كاملا.

مرجعهما إلى العادة و العرف فإنهم يتسامحون بمثل هذه الأجناس تسامحاً بالصدق أو المصداق و لكن الى حد مخصوص فإذا تجاوز ذلك الحد و أخفاه البائع أو لم يعلمه المشتري كان عيباً بل ربما تنطبق عليه عناوين اخرى كالغبن و التغرير و الغش و التدليس و الخديعة و أمثالها و كلها محرمة تكليفاً كما هي محرمة وضعاً اي ذات اثر وضعي و هو استحقاق الفسخ أو أخذ التفاوت.

و ليس في الإسلام غش و لا خدع و لا خيانة، و من النبويات المشهورة (من غشنا فليس منا) و (لا غش في الإسلام) و أمثالها كثير، و على

ص: 93

كل فالتسامح في مثل الأطعمة و الجوز و البيض و البطيخ و القثاء و أمثالها مما لا اشكال فيه إذا كانت ذات كمية كثيرة لا في الواحدة و الاثنتين و الثلاث، و لكن لا يمكن تحديد ذلك التسامح و تعيين ضابطة له بأنه ثلاثة في العشرة أو أقل أو أكثر و في تراب الحنطة إنه ربع أو ثمن في الحقة أو انقص أو أزيد بل يختلف ذلك باختلاف البلدان و الأشخاص و الأزمان، على ان تحقق التسامح العرفي في مثل الجوز و البيض حتى في الواحدة و الاثنتين غير معلوم فإذا ظهرت فاسدة قد يطلبون استبدالها إلا إذا كانت واطئة القيمة جداً كفلس أو أقل، نعم لا إشكال في التسامح في مثل التراب في الحنطة و الماء في اللبن، و يمكن ان نجعل الضابطة وجوده الاستقلالي و وجوده الفنائي فإذا كان التراب بحيث يرى و يشاهد بين الحنطة كان عيباً و إذا كان فانيا بحيث لا يرى الا بعد الغربلة و التصفية كان غير قادح، و مع الشك و عدم معرفة حال العرف أو ترددهم فالمرجع إلى الأصول و هي تقتضي لزوم العقد و عدم الخيار و لكن له المطالبة بالنقيصة فليتدبر

(مادة: 355) إذا ظهر المبيع كله فاسداً لا مالية له

فلا إشكال في أن البيع من أصله فاسد لأنه يتقوم بالعوضين و مع فقد أحدهما لا بيع.

الى هنا انتهى كلام (المجلة) في مباحث خيار العيب و بقيت المسألة الثالثة من المسائل الثلاث التي ذكرنا أنها أهم ما في مباحث هذا الخيار و هي مسألة الاختلاف و التنازع بين المتعاقدين لم تذكر (المجلة) شيئاً منها مع أهميتها و كثرة فروعها، و نحن نذكر رءوس مسائل الخلاف

ص: 94

كرءوس أقلام و ندع استخراج حكمها الى (طلاب الحقوق) كتمرين عملي على قوة الاستنباط فان هذه المسائل أعنى مسائل الخصومة و الخلاف على اختلاف إشكالها و أنحائها ليس فيها نصوص خاصة، و انما يستخرج الفقهاء أحكامها من القواعد العامة التي مر عليك أكثرها في أوائل (الجزء الأول) فإن كنت أتقنت دراستها جيداً قدرت على استخراج هذه الفروع بقليل من التأمل إن شاء اللّٰه.

و المبحوث عنه من مسائل الخلاف هو خصوص ما يتعلق بالعيب، اما الخلاف في مقدار المبيع أو جنسه أو قدر الثمن أو نوعه فهذه خلافات عامة في مطلق البيوع ليس محل ذكرها هنا.

إذاً فتنحصر مسائل الخلاف في خيار العيب في ثلاث عناوين.
اشارة

الأول-: في موجب الخيار و هو العيب.

الثاني-: في مسقطة.

الثالث-: في حصول الفسخ و عدمه.

أما الأول ففي مسائل.

الاولى-: لو اختلفا في أصل حدوث العيب فادعاه المشتري و أنكره البائع، و حكمه واضح.

الثانية-: في كون الصفة الحادثة عيباً أو ليست بعيب كما لو صارت الدابة بطيئة السير أو العبد كثير النوم حيث لا يمكن الرجوع الى أهل الخبرة، أو لم يكن عندهم حل هذه العقدة، و هكذا في سائر مواضع الخلاف.

ص: 95

الثالثة-: لو اتفقا على العيب و اختلفا أنه هل كان حدوثه عند البائع فيوجب الخيار أو عند المشتري فلا خيار، فاستخراج حكمها لا يخلو من غموض و في طيها صور فتارة يعلم تاريخ العقد و يجهل تاريخ الحدوث و اخرى بالعكس، و ثالثة يجهل تاريخهما معاً.

الرابعة-: لو اتفقا على ان هذه العين معيبة بعيب قديم و لكن البائع يقول: ليست هي العين التي بعتها لك، و المشتري يقول: هي، و حكمها أيضاً غامض.

اما الثاني و هو الاختلاف في المسقط

ففي طي مسائل أيضاً.

الاولى-: لو اختلفا في علم المشتري بالعيب و عدمه و حكمه واضح.

الثانية-: لو اختلفا في برأيه البائع و عدمها و هو أوضح، و فيه رواية ان القول قول مدعي البراءة، و لكنها ضعيفة و مختصة بموردها و هي مكاتبة جعفر بن عيسى.

الثالثة-: لو اختلفا في زوال العيب قبل العلم به و استخراج حكمه يحتاج إلى تأمل الرابعة-: لو اتفقا على زوال العيب و لكن البائع يقول: هو القديم و المشتري يقول هو الجديد، و هو كسابقه.

الخامسة-: لو اختلفا بعد الاتفاق على عيب قديم في عيب مشاهد انه قديم أيضاً أو حادث عند المشتري السادسة-: لو ادعى البائع رضا المشتري بالعيب بعد علمه به أو ادعى إسقاط الخيار أو تصرفه المسقط لخياره أو حدوثه عند المشتري و أنكر

ص: 96

المشتري كل ذلك.

و أما الثالث و هو الاختلاف في الفسخ

ففيه أيضاً مسائل.

الأولى-: لو اختلفا في الفسخ بعد انقضاء زمن الخيار أو في أثنائه فادعى المشتري أنه فسخ و أنكر البائع، و إذا لم يثبت الفسخ و الفرض أن العيب الموجب محقق فهل يستحق الأرش كي لا يخلو من الحقين أم ليس له ذلك لاعترافه بالفسخ، و احتمل بعض الاعلام ان له أقل الأمرين من الأرش و ما زاد من الثمن على القيمة إن كانت زيادة لأنه بزعمه يستحق الثمن، و عليه رد القيمة ان كانت العين تالفة فيقع التقاص في القيمة من الثمن و الزائد منه ان كان أقل من الأرش أخذه و الا أخذ الأرش، فليتأمل.

الثانية-: لو اختلفا بناء على فورية خيار العيب في ان الفسخ وقع فوراً أو تأخر و في طيها أيضاً صور.

الثالثة-: لو اختلفا في علم المشتري بالخيار و جهله أو علمه بفورية هذا الخيار و عدم علمه و ذاك فيما لو ادعى المشتري بعد العلم بالعيب انه انما لم يفسخ لجهله بان له الخيار أو يعلم بان له خيار و لكن كان جاهلا بفوريته و أنكر البائع ذلك، و عليك أيها الطالب بالتأمل التام في هذا المقام فان مرجع أكثر الصور الى تعاقب الحالتين المجهولتي التاريخ أو ما تكون إحداهما معلومة التاريخ و الأخرى مجهولة، و الى الاستصحاب و أصالة تأخر الحادث و أشباه ذلك.

ص: 97

(الفصل السابع) خيار الغبن و التغرير
اشارة

و البحث فيه يقع من ثلاث نواحي- الموضوع، و الحكم، و الدليل معنى الغبن و مقداره، و تأثيره، و مدركه.

أما الأولى-: فأصله لغة الخدع

و وسطه يحرك فيكون في الرأي و يسكن فيكون في المال و المعاملة، و بهذا المعنى استعمله الشارع و المتشرعة و قيدوه ببعض الاعتبارات فقالوا: هو تمليك ماله بما يزيد على قيمته مع جهل الآخر، و هذا تعريف له من جهة الغابن، أما من جهة المغبون فيكون تملك مال بأزيد من قيمته و تخصيصه بجهل الآخر غير متجه مع انا تجد الاستعمال أوسع من ذلك عرفاً بل و لغة، الا ترى ان العارف بالشي ء قد يخدعه غيره بلباقته فيضله على علمه و يخدعه على معرفته فيكون علمه معه فلا ينفعه،

و لكن فقهاء الفريقين اعتبروا في تحقق موضوع الغبن المبحوث عنه اتصافه بشرطين.
الأول-: عدم علم المغبون بالقيمة

فلو كان عالماً و اشتراه بأكثر فلا غبن و لا خيار فيختص بالجاهل بسيطاً أو مركبا أو شاكاً أو ناسياً و يلحق به الظان على تأمل بل قيل ان الشاك الملتفت الى الضرر و لو احتمالا إذا ارتكب فهو مقدم على الضرر و هو ممنوع بل ربما يرتكب برجاء النفع و أمل السلامة كما هو الغالب في أعمال البشر فان اليقين بالنجاح متعذر أو عزيز

ص: 98

نادر، و المدار على القيمة حال العقد فلا اثر لزيادتها بعده و لو قبل علمه لأنها حصلت في ملكه و العقد وقع على غبن و لا عبرة بالزيادة و النقيصة بعد العقد اتفاقاً و الأثر لعلم الموكل لا الوكيل الا ان يكون وكيلا مطلقاً لا في العقد فقط، ثم ان اعترف الغابن بجهل المغبون فلا اشكال و ان أنكر فإن كانت بينة فكذلك و الا فالقول قوله بيمينه لانه منكر و لأصالة عدم العلم الا ان يقيم الغابن بينة على علمه أو يمينه ان ردها المغبون عليه أو يكون المغبون من أهل الخبرة بتلك السلعة بحيث يستبعد جهله بها فيتقدم الظاهر على الأصل على تأمل.

الشرط الثاني-: ان يكون التفاوت فاحشا

اي بما لا يتغابن الناس بمثله و اضطربت كلمات فقهاء الإمامية و فقهاء المذاهب أيضاً في ضابطة التفاوت الفاحش حتى حكى عن مالك ان التفاوت بالثلث لا يوجب خياراً فان زاد ثبت الخيار، و هذا إفراط، و يقابله تفريط (المجلة) فيما تقدم مادة (165) الغبن الفاحش غبن على قدر- ربع العشر في الدراهم و نصف العشر في العروض و العشر في الحيوانات و الخمس في العقار أو زيادة، و كل هذه التقادير تحكمات و افتراض بغير دليل، و لو ان زيادة العشر و نصف العشر توجب الغبن لبطلت التجارات و تعطلت المكاسب و لم يرتزق الناس بعضهم ببعض و لكن (كلا طرفي قصد الأمور ذميم) و الأحسن رد هذه الدعوى إلى محكمه العرف و أهل الاختصاص بتلك السلعة فهم يعرفون المقدار المعتدل في الربح و ما زاد عليه أو نقص يكون غبناً على البائع أو على المشتري و لا يتحقق غبن

ص: 99

عليهما في معاملة واحدة على شي ء واحد نعم يجوز ذلك في شيئين يباعان في صفقة واحدة و لكل واحد منهما ثمن كما أنبأناك فيما سبق، و لعل لعلماء الاقتصاد في هذا المقام شأن لا ينبغي ان يغفل عنه.

و «الخلاصة» انه لو تحقق في المعاملة زيادة فإن علم حالها من غبن أو عدمه و لو بالرجوع الى العرف و أهل الخبرة فذاك، و مع الشك فالمرجع إلى أصالة لزوم العقد و عدم الخيار الا ان يكون هناك ضرر و لو شخصي لا نوعي فتكون قاعدة الضرر حاكمة على أصالة اللزوم و يكون له الخيار، هذا عصارة ما ينبغي ان يقال في موضوع الغبن لغة و عرفاً و شرعا اما «الحكم و الدليل» فإنهم جعلوا الغبن بواقعة أو عند ظهوره موجباً لخيار المغبون على حد سائر الخيارات فيتخير بين الفسخ و استرجاع تمام الثمن أو الإمضاء بكل الثمن و استدلوا له (أولا) بقوله تعالى (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) بتقريب ان البيع تجارة دلت الآية على مشروعيتها و جوازها و تكون لازمة بالتراضي و حيث ان المغبون غير راض واقعا بشرائه بأكثر من قيمته فيقع البيع جائزا غير لازم لفقد شرط اللزوم و هو الرضا فله إمضاؤه و له فسخه،،، و بقاعدة الضرر (ثانياً) فان لزوم العقد على المغبون يستلزم الضرر و الخسران عليه و كل حكم يستوجب الضرر مرفوع بحكم القاعدة فاللزوم مرفوع و هو معنى الخيار ثم أيدوا ذلك بالأخبار الكثيرة الواردة بان غبن المسترسل سحت و غبن المؤمن حرام و في رواية (لا يغبن المسترسل فان غبنه لا يحل) و هكذا و الانصاف ان هذه الأدلة لا تنهض لإثبات تلك الدعوى لدى الفحص

ص: 100

و التمحيص، أما الآية الشريفة فلا تدل على أكثر من ان التجارة أي البيع و نحوه عن تراض نافذ مشروع و ليس أكلا للمال بالباطل اما انه يغير تراض يكون مشروعاً و جائزا فأجنبي عنها مضافاً الى ان المغبون قد رضي بالمعاملة في أولها و هو كاف و لا عبرة بالرضا التقديري على ما حقق في محله، و اما القاعدة فهي و ان دلت على ارتفاع اللزوم المستلزم للضرر و لكن لا تعين ان الوظيفة بعد اللزوم هو الخيار بين الفسخ أو الإمضاء بل لعل الأقرب في مفادها ان الضرر مرفوع و الضرر انما جاء من جهة الزيادة أو النقيصة فلزوم العقد بالنسبة إلى الزيادة أو النقيصة مرفوع و لازمة ان له حق استرداد الزيادة من البائع أو مطالبة المشتري بالنقيصة فيما لو باع بأقل من الثمن و يبقى العقد على لزومه بالنسبة إلى القيمة المطابقة فان لم يدفع الزيادة أو التكملة تسلط المغبون بعدها على الفسخ و هذا المقدار المسترد تدارك له و جبر و بعبارة أجلى إرجاع ماله المأخوذ منه بغير حق اليه أو التكملة لعوض ماله لا غرامة خارجية كما تخيله بعض الاعلام و لا هبة مستقلة كما تخيله آخرون، و اثر هذا ان الغابن لو بذل التفاوت لم يكن للمغبون الفسخ و حل العقد و استرداد كل الثمن كما حكم به المشهور حيث جعلوا للمغبون سلطنة الفسخ مهما كان الأمر و هو رأي لا يعتمد على حجة ظاهرة إذ ليس عندنا دليل يقول ان الغبن يوجب الخيار للمغبون حتى نأخذ بإطلاقه و ليس إلا قاعدة الضرر و قد عرفت ان الضرر يتدارك ببذل التفاوت و تبقى أصالة اللزوم في العقود بحالها فلا خيار الا بعد الامتناع عن بذل التفاوت و مع البذل فلا حق له في الفسخ، اما الاخبار الواردة

ص: 101

في غبن المسترسل فهي أيضاً أجنبية عن قضيتنا و هي إلى الأحاديث الأخلاقية أو المتكفلة لبيان الأحكام التكليفية أقرب منها الى بيان الأحكام الوضعية فالمراد منها بعد التدبر فيها حرمة غش المستنصح في الرأي و خيانة المستأمن لك. الواثق بك، و هو المعبر عنه بالمسترسل في تلك الاخبار اي المطمئن بك الغير متحذر منك. المرسل نفسه على سجيتها لديك، اما السحت و ان كان في الأموال و لكن الظاهر أن المراد منه في الخبر ان غبن المسترسل حرام كحرمة مال السحت و الحاصل ان هذه الطائفة من الاخبار بمعزل عما نحن فيه، ثم ان الغبن و التغرير مفهومان متغايران نعم هما متلازمان بحسب المعنى اللغوي العام فكل من غررته فقد خدعته و كل من خدعته غررته و لكن بحسب المعنى الخاص قد ينفك أحدهما عن الآخر فقد يتحقق الغبن و لا تغرير كما لو كان جاهلا فاشترى الشي ء بأضعافه من دون ان يكون أحد دعاه أو حبذه له و قد يتحقق التغرير دون الغبن كما لو غرره في ارتكاب عمل ساقط فارتكبه فهنا تغرير من غير غبن فعطف (المجلة) أحدهما على الآخر و تقييد الغبن بالتغرير واهن غير سديد و أوهن من ذلك اعتبار التغرير في الغبن ثم استثناء المعاملة على مال اليتيم و الوقف و بيت المال فان الغبن ان كان لا يؤثر إلا بالتغرير فهو عام و الا فالغبن موجب للخيار في الجميع و إخراج تلك المواضيع تخصيص بلا مخصص سوى الاستحسان، و باب العقود و المعاملات منوطة بقواعد عامة و أدلة كلية يتساوى فيها اليتيم و غيره و التقي و الشقي و الوقف و الملك.

ص: 102

«و بالجملة» فالمتبع هو الدليل لا الرأي و الاستحسان فافهم ذلك و التزمه. هذا إذا غبن أحدهما الآخر أو وقع أحدهما في الغبن من نفسه من دون أن يغبنه أحد- اما لو كان الغابن أجنبيا كالدلال و نحوه فالظاهر أنه لا يكون له خيار بل يرجع بالتفاوت على من غره بقاعدة (المغرور يرجع على من غره) على تأمل أيضاً،، فما في مادة (357) إذا غر أحد المتبايعين أو الدلال الآخر و تحقق ان في البيع غبناً فاحشاً فللمغبون ان يفسخ البيع حينئذ محل نظر- فان عمل الدلال أو الأجنبي لا يصحح دخول الضرر على البائع مثلا يفسخ بيعه رغماً عليه فالمسئلة محل اشكال تحتاج إلى إمعان نظر أزيد من هذا.

(مادة: 358) إذا مات من أغر بغبن فاحش فلا تنقل دعوى التغرير الى وارثه.

بل تنقل على الأصح كما عرفت مكرراً.

(مادة: 359) المشتري الذي حصل له تغرير إذا اطلع على الغبن الفاحش ثم تصرف في المبيع تصرف الملاك سقط حقه.
اشارة

هذه المادة و التي بعدها تشير (المجلة) فيها الى مسقطات خيار الغبن و تحرير ذلك و تصويره باوفى بيان

ان خيار الغبن يسقط بتلك المسقطات كسائر الخيارات
(فالأول) إسقاطه بعد العقد بعد العلم بالغبن

بلا اشكال بل و قبل العلم به و لا يرد عليه بأنه إسقاط ما لم يتحقق إذ يكفي تحققه الواقعي و اقتضاء العقد له كما في إسقاط خيار العيب قبل ظهوره الذي تقدم أنه لا مانع منه كطلاق مشكوك الزوجية و عتق مشكوك الحرية

ص: 103

الذي يدور مدار واقعه و كالبراءة من العيوب و بهذا الملاك يصح المصالحة عليه و ان لم يتحقق؟؟؟ و ان كان ضم شي ء إلى الغبن المحتمل أولى.

(الثاني)- اشتراط سقوطه في متن العقد

و لكن لا يذهبن عنك ان اشتراط السقوط في العقد و ان صح بالنسبة إلى سائر الخيارات و لكن بالنسبة الى هذا الخيار كخيار الرؤية حسب ما عرفت لا يصح لأنه يستلزم الغرر من جهة الجهل بالقيمة و يمكن تصحيحه بان المدار في الغرر المبطل ان يشتري الشي ء بقيمة مجهولة القدر أو بشي ء مجهول القيمة، اما إذا اشترى بقيمة معلومة و ان كانت زائدة على القيمة الواقعية المجهولة فلا غرر أصلا.

نعم يشكل ذلك في خيار الرؤية لأن العين الغائبة إنما صح بيعها بغير رؤية لمكان الوصف القائم مقامها و مع تخلف الوصف يكون له الخيار فاشتراط سقوطه معناه إلغاء اعتبار الوصف الذي به صح العقد و بدونه تبطل المعاملة لأنها تكون على عين غائبة بغير وصف و لا رؤية و كيف كان فالظاهر ان اشتراط سقوط خيار الغبن في العقد لا مانع منه فتدبر.

(الثالث) تصرف المغبون بأحد التصرفات المسقطة للخيار بعد علمه بالغبن

الدال على الرضا بالعقد و إمضائه جديداً و الالتزام به مع غبنه، اما التصرف قبل العلم بالغبن فلا اثر له لعدم دلالته على ذلك و مع الشك في ان تصرفه عن رضا و التزام أم لا فالمرجع الى استصحاب بقاء الخيار.

ص: 104

(الرابع) تصرف المغبون قبل العلم بالغبن تصرفاً متلفاً للعين أو بحكم التلف

كبيع أو عتق أو وقف و هو محل نظر بناء على ان التلف في سائر الخيارات لا يقتضي سقوط الخيار فما وجه سقوطه هنا بهذه التصرفات التي لا تدل على الرضا بالعقد المغبون به لعدم علمه بالغبن حسب الفرض فإلحاقه بسائر الخيارات يقتضي انه مع قيام العين و بقائها عنده على حالها يتخير بين الرد و الفسخ على اسلوبهم، و مع التلف حقيقة أو حكما يسقط الرد لزوال الموضوع و يتعين اما أخذ التفاوت كأخذ الأرش في خيار العيب مع امتناع الرد أو الفسخ و دفع قيمة العين و استرجاع الثمن كما في خيار الحيوان و الشرط و غيرهما و كلمات الأصحاب هنا غير منقحة و دليلهم غير واضح، و لهم مباحث ذات عرض عريض يكفيك منها، نخلنا لك لبابة، و فتحنا عليك بابه، و على كل فإلى هذين المسقطين أشارت (المجلة) في المادتين (359، 360) و لكنها خلطت في الأخيرة بين التلف السماوي بقولها: إذا هلك و بين حدوث العيب و بين التصرفات الغير متلفة كالبناء في العرصة، و هذه الثلاثة ليست من نمط و أحد بداهة ان التلف و حدوث العيب مسقطات مطلقاً سواء حدثت بعد العلم بالغبن أو قبله. اما بناء العرصة فإنما يسقط إذا وقع بعد العلم فكان حقه ان يذكر مع أخواته في المادة التي قبلها. و الحاصل ان تصرف المغبون ان كان قبل العلم بالغبن فالقاعدة تقتضي عدم تأثيره في إسقاط خياره لو علم غايته ان العين ان كانت موجودة و فسخ ردها و ان كانت مفقودة رد المثل أو القيمة أو أخذ التفاوت و ان كان بعد العلم فان كان دالا على

ص: 105

الرضا سقط الخيار مطلقاً سواء كان تلفاً أو بحكمه أم لا و سواء كان من قبيل تصرف الملاك أم لا هذا كله في تصرف المغبون اما تصرف الغابن فلا ريب في انه لا يسقط خيار المغبون فان فسخ و وجد عين ما له أخذها و ان لم يجدها و كان الغابن تصرف بها ببيع أو شراء أو وقف أو نحو ذلك، فهل تبطل تلك التصرفات و يسترد العين أو ينتقل حقه الى المثل و القيمة أو يفرق بين العقد الجائز فيبطل و بين اللازم فيبقى و ينتقل الى المثل أو القيمة و مثله الكلام لو وجدها مستأجرة فهل تنفسخ الإجارة أو يأخذها مسلوبة المنفعة أو يأخذ عوض المنفعة و كذا لو زاد في الغبن غرساً أو صبغاً أو مزجها بغيرها و الفروع هنا كثيرة و المسألة مشكلة و الأقرب الرجوع الى المثل أو القيمة و إبقاء تلك العقود على حالها

(الخامس من المسقطات) عند البعض التلف،

و التلف اما ان ان يكون اتفاقياً أو بمتلف فان تلف ما في يد المغبون و كان اتفاقياً فقد عرفت ان البعض (و لعله الأشهر) يسقطون الخيار معتلين بعدم إمكان الاستدراك اي زوال الموضوع و عرفت ان هذه العلة عليلة و ان التدارك يمكن بالمثل أو القيمة كما في غيره من أنواع الخيارات التي لا يسقط شي ء منها بالتلف، نعم قد تعترض هنا قاعدة (ان التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) فتزيل موضوع الخيار بانفساخ العقد قهرا، كما عرفته مفصلا، و لكنها على الظاهر مختصة بخيار المجلس و الحيوان و الشرط، و لو تلف ما يد المغبون بمتلف فاما ان يكون المتلف هو المغبون فلا إشكال في سقوط خياره حينئذ ضرورة ان تصرفه الذي هو أهون من التلف مسقط فكيف

ص: 106

بالتلف، نعم يمكن الخدشة فيه بان التصرف المسقط هو الدال على الرضا فالاتلاف ان كان عن رضا و التزام بالعقد فهو و الا فلا. و اما ان يكون الغابن فخيار المغبون بحاله فإن فسخ استرد من الغابن ما دفعه من المسمى و ان امضى أخذ منه غرامة العين- المثل أو القيمة- و ان كان المتلف أجنبيا و فسخ المغبون استرد من الغابن ثمنه المسمى و يرجع الغابن على الأجنبي بالمثل أو القيمة و ان امضى رجع على الأجنبي بالمثل أو القيمة و لو تلف ما في يد الغابن فان كان اتفاقياً سماوياً و فسخ المغبون غرم له بدل الثمن المسمى و ان امضى غرم له القيمة أو المثل و ان كان بمتلف فان كان هو الغابن بنفسه فكذلك في حالتي الفسخ و الإمضاء و ان كان المتلف هو نفس المغبون و فسخ رد العين و لا شي ء له لأنه قد أتلف ماله و ان امضى غرم للغابن المثل أو القيمة و ان كان المتلف أجنبياً و امضى المغبون رجع على المتلف بالغرامة و ان فسخ تخير بين الرجوع على الغابن لأن يده كانت قد استقرت على ماله فان غرم الغابن له رجع على الأجنبي و بين الرجوع على الأجنبي لأنه هو المتلف و قرار الضمان عليه فإذا غرم له برئت ذمة الغابن لأن المال لا يضمن مرتين.

هذه صورة مصغرة و جرعة يسيرة من عين غزبرة من فروع هذا الأصل و مصاريع هذا الباب و بقي من مسائل خيار الغبن مسألتان مهمتان تعرض لها بعض اعلامنا المتأخرين باوفى بسط من التحقيق و علقنا عليه جملة من الملاحظات و النقوش و هما قضية جريان خيار الغبن في غير البيع من عقود المعاوضات المالية اللازمة كالإجارة و الصلح و الهبة

ص: 107

المعوضة و غيرها، و أدلة هذا الخيار من الآية و قاعدة الضرر تقتضي الاطراد في الجميع و لكن الأصحاب لم يذكروه إلا في البيع و لكن هذا لا يقتضي الاختصاص مع عموم الدليل.

(الثانية) اختلف الفقهاء في ان هذا الخيار بعد العلم بالغبن هل هو على الفور أو على التراخي

و استدل الأول بما عرفت غير مرة من أصالة اللزوم في العقود و خرج منه لدفع الضرر ساعة علمه بالغبن على اليقين و يبقى ما عداه من المشكوك في عموم أصل اللزوم و قد مر عليك في نظائره انه هو الأقرب، و استدل الثاني باستصحاب الخيار الثابت حين العلم بالغبن على اليقين فيستصحب الى ما بعده من الأزمنة المشكوكة أو الافراد المشكوكة و هذه المسألة أيضاً من المسائل المعقدة و فيها تحقيقات عميقة وثيقة الارتباط بالقواعد الأصولية و عنوانها ان العام الأفرادي- الزماني أو الاحوالي- إذا تخصص بفرد أو زمان أو بحال قطعاً ثم شك في الزمان الثاني أو الحال الثاني انه محكوم بحكم الخاص أو بحكم العام- أصالة العموم تقتضي الثاني و استصحاب حكم المخصص يقتضي الأول، مثلا أصالة اللزوم تقتضي وجوب الوفاء بالعقد و الالتزام به في كل زمان و كل حال خرج حال العلم بالغبن قطعاً و أدلة خيار الغبن و نشك عند الحال الثاني في بقاء الخيار كالحال الذي قبله أو انه فرد من العام يجرى عليه حكم العموم من وجوب الوفاء و اللزوم هذا عنوان المسألة و تحقيقها يحال الى الى محله من الموسوعات و لا يصلح هنا أكثر من هذا، و بخيار الغبن انهت (المجلة) أبواب الخيار السبعة، و قد عرفت ان كلا من خيار النقد

ص: 108

و الوصف يرجع الى خيار الشرط، و خيار التعيين لا ربط له بباب الخيارات أصلًا، و هو تخيير لا خيار، و قد وقع في مثل هذا الوهم بعض شراح (المجلة) فاستدرك عليها خياراً سماه (خيار الاستحقاق) و قال انه من جملة الخيارات الا ان (المجلة) لم تبحث عنه و ان كثيراً من (الحكام) يقع في المشكلات العظيمة في دعاوي الاستحقاق و القانون المدني الفرنسي بحث عن الاستحقاق بمواد كثيرة، و فسره بما ملخصه-:

«ان المشتري إذا اشترى مبيعاً و قبل قبضه ادعاه آخر بالاستحقاق كلا أو قسما و ضبطه كدابة ضبط نصفها أو دابتين و ضبط إحديهما و لم يجز البيع انفسخ البيع في القدر المستحق و تخير المشتري مع عدم علمه بين الفسخ في الباقي أو قبوله بنسبته من الثمن» انتهى.

و قد ذكر فقهاؤنا هذه الصورة في باب (من باع ما يملك و ما لا يملك) و ان المالك إذا أجاز و قلنا بتعميم الفضولي لمثل هذا البيع ثم العقد و لا خيار للمشترى و ان لم يجز أو قلنا بأن إجازته لا تجدي صح البيع فيما يملك فقط و بطل من أصله في غيره الا انه ينفسخ و يكون للمشتري خيار بين الإمضاء في الباقي و بين الفسخ فيه، و هذا هو خيار تبعض الصفقة بعينه و القضية فرع من فروعه، و ليس هو خيار مستقل برأسه، أما ما غرمه المشتري على تقدير قبض العين الغير مملوكة للبائع و تصرفاته فيها من غرس و بناء و نحو ذلك فقد ذكروا أحكامها تفصيلا في باب (المقبوض بالعقد الفاسد) و جعلوا ضمانها على البائع ان كان المشتري جاهلا و البائع

ص: 109

عالماً، و ان كانا جاهلين أو المشتري عالماً و البائع جاهلا فالضمان على المشتري و إذا كان مغروراً من أجنبي رجع على من غره، الى تحقيقات كثيرة. و مباحث واسعة، طولا و عرضا.

ثم استدرك على (المجلة) بخيار آخر سماه (خيار الخيانة) و هو ما إذا ظهرت خيانة البائع في البيع بالمرابحة فللمشتري الخيار ان شاء ترك المبيع و ان شاء قبله بجميع الثمن المسمى، ا ه و لا ريب انك تطالب بدليل هذا الخيار فلا تجده و تلجأ إلى القاعدة من صحة العقد و لزومه بمقدار الثمن الواقعي و تسقط الزيادة التي أنت من الخيانة اللهم الا ان تتشبث بأذيال خيار الشرط و تقول ان الشرط كان بينهما ذلك و قد خالفه البائع فيتخير المشتري.

إذاً فهو من فروع خيار الشرط لا خيار مستقل، و مثل ذلك الكلام في بيع التولية لو خان في بيان مقدار الثمن فاعرف هذا و تدبره جيداً.

(الفذلكة)

ان المتحصل من خيارات (المجلة) المتأصلة خمسة.

1- خيار الشرط.

2-: خيار الوصف، ان لم ترجعه الى الشرط على بعض الوجوه.

3-: خيار الرؤية.

4-: خيار العيب.

5-: خيار الغبن و أضفنا الى هذه الأربعة ثلاثة أشرنا إليها باختصار

ص: 110

6-: خيار المجلس.

7-: خيار الحيوان.

8-: خيار التأخير.

و عليها اقتصر أكثر أرباب المتون من فقهائنا بدون خيار الوصف و في (شرائع المحقق) ذكر خمسة، و أفرد العيوب في فصل منفرد، و ذكر عدة خيارات في تضاعيف أبواب البيع و أنواعه، أما الشهيد قدس سره في (اللمعة) فذكر أربعة عشر- السبعة المتقدمة و أضاف إليها سبعة.

1-: خيار الاشتراط.

2-: خيار ما يفسد ليومه.

3-: خيار الشركة.

4-: خيار تبعض الصفقة.

5- خيار التفليس.

6-: خيار التدليس.

7-: خيار تعذر التسليم، فيما لو باع و هو قادر على التسليم ثم تعذر بعد العقد قبل القبض كما لو أبق العبد أو شردت الدابة.

و منه ما انقطع المسلم فيه عند الأجل فإن المشتري- كما سيأتي إن شاء اللّٰه- مخير بين الفسخ و استرجاع المسلم. (أى المسمى) و بين الإمضاء و أخذ القيمة.

و يمكن إرجاع بعض هذه الأربعة عشر الى بعض بتكلف كما أنه بقيت خيارات كثيرة يذكرها الفقهاء في خلال أنواع البيع و بحوثه و لم

ص: 111

يذكروا شيئاً منها في الفصل الذي عقدوه لتعداد الخيارات.

«منها» باب السلم.

و «منها» باب المرابحة- لو بان ان البائع أخبر بما زاد على الثمن أو لم يخير بالأجل فإن المشتري مخير بين الفسخ و بين الإمضاء بالثمن الواقعي أو مع الأجل و قد عرفت ما فيه.

و «منها» خيار الورثة- إذا باع مورثهم أكثر من الثلث بأقل من ثمن المثل فإنهم مخيرون بعد موته بين الإجازة و الفسخ فيما زاد على الثلث و كذا الغرماء فيما لو استوعبت الديون التركة و نحو ذلك، و الانصاف أنها خيارات أصلية و لكنها خاصة بموردها لا تتعدى بخلاف مثل خيار المجلس و الشرط و أضرابها الكثيرة الموارد الجارية في أكثر البيوع، و لذا لم يذكروها إلا في موردها الخاص.

خاتمة «أبواب الخيارات»
اشارة

قد جرت طريقة فقهائنا في الغالب بعد استيفاء البحث في كل نوع من أنواع الخيارات ان يذكروا احكام الخيار من وجهة عامة لا تختص بخيار دون خيار، و قد أغفلت (المجلة) هذا البحث مع أنه من أهم مباحث الخيار و افسح أبواب البيع في المجال، لدقة النظر فيه و سعة الخيال و قد تقدم ذكر جملة من أحكام الخيار استطراداً في الفصول السابقة

ص: 112

على سبيل الإيجاز، مثل- ان (التلف في زمن الخيار ممن لا خيار له) و عرفت ان اليقين من هذه القاعدة لا يتعدى الى أكثر من الخيارات الزمانية الامتدادية بطبيعتها كخيار المجلس و ثلاثة الحيوان و خيار الشرط اما مثل خيار الغبن و العيب و الرؤية، سيما على القول بفورية هذه الخيارات، فالقاعدة لا تتمشى فيها، فلو علم المشتري بالعيب أو الغبن مثلا. فان فسخ و تلفت العين فهي من مال البائع بالفسخ طبعاً لا بالقاعدة و ان امضى أو لم يعمل بخياره فسقط كان التلف عليه لا على البائع لصيرورة البيع لازماً و هكذا.

نعم لو تلفت العين في يد المشتري ثم ظهر أنه كان مغبوناً فيها أو معيبة لم يسقط خياره و لا خيار البائع لو كان هو المغبون أو الثمن معيباً، اما التلف بعد القبض فالظاهر ان الشهرة أو الاتفاق على انه لا يسقط الخيار و ان امضى كان التلف عليه و استقرت ملكية البائع للمسمى.

هذا من بعض ما تقدم ذكره من احكام الخيار مختصراً.

و «منها» أيضاً إرث الخيار فقد تكرر منا بيان ان كل خيار فهو موروث لأنه حق مالي فينتقل إلى الورثة بقاعدة (ما ترك الميت،،،) خلافاً (المجلة) في أكثر الخيارات تبعاً لبعض فقهاء المذاهب و على كل فلا إشكال في الإرث على المجلة. إنما الإشكال في كيفية إرثهم و هي قضية لا نخلو من غموض و صفوة الاحتمال أو الأقوال في ذلك تتصور في ثلاث صور.

الاولى-: ان يكون لكل وارث خيار مستقل في الكل كمورثه

ص: 113

فلو أجازوا جميعاً و فسخ واحد من الورثة مضى الفسخ على الجميع في الكل نظير حد قذف الجماعة الذي لو عفى الجميع الا واحد كان له استيفاء تمام الحد و يدعي القائل بهذا انه هو ظاهر القاعدة المتقدمة المستفادة من النبوي فلا يجري ذلك في المال لعدم تعقل تعدد الملكية على مال واحد بخلاف الحق.

الثانية-: استحقاق كل واحد خياراً مستقلا و لكن في نصيبه فقط فلو اختلفوا في الفسخ و الإجازة نفذ عمل كل واحد في نصيبه و يأتي حينئذ خيار تبعض الصفقة لمن عليه الخيار نظير ما لو اشترى اثنان مبيعاً لهما خيار فيه فأجاز أحدهما و فسخ الآخر، الثالثة-: استحقاق مجموع الورثة لمجموع الخيار فليس لكل واحد منهم ان يجيز لا في الكل و لا في نصيبه بل اللازم على الكل ان يتفقوا اما على الفسخ أو الإجازة لأنه حق واحد انتقل إليهم و لا يقبل التجزئة كالمال فلا محيص من جعله بتلك الكيفية و أقرب الوجوه الوسط ثم الأخير و أبعدها الأول.

و هناك تصورات أخرى بعيدة هي إلى الخيال أقرب منها إلى الحقيقة و لا يتسع المجال لأكثر من هذا، و من المسائل النظرية التي فيها عميق التحقيق في هذا البحث إرث الزوجة للخيار فيما تحرم من إرثه عندنا كالأراضي و العقارات و لنا فيه رسالة مفردة فريدة في بابها، و لو كان الخيار لأجنبي فمات فهل ينتقل الى وارثه- عموم الدليل- و إطلاقه يقتضيه و الاعتبار لا يساعد عليه، و يكفي الشك في التوقف و الاقتصار على المتيقن و هكذا

ص: 114

الكلام في العبد و ان خياره لمولاه أو لنفسه، و من أحكام الخيار التي تقدم ذكرها- سقوطه بالتصرف و كان الملحوظ هناك ان التصرف مسقط و الذي ينبغي ان يضاف اليه هنا ان التصرف كما يكون مسقطاً فيصير اجازة للبيع كذلك قد يكون فسخاً له و قد ذكر فقهاؤنا رضي اللّٰه عنهم ان تصرف ذي الخيار فيما انتقل عنه فسخ و فيما انتقل إليه اجازة و لكن كما ان التصرف لا يكون مسقطاً للخيار و اجازة إلا إذا كان دالًا على الرضا كما يستفاد من بعض أدلته كالصحيحة التي يقول فيها فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة فذلك رضًا منه و لا شرط له- اي لا خيار له- فكذلك يلزم تقييد التصرف المجعول فسخاً بما إذا كان قد قصد به الفسخ و كان له ظهور فيه لا مطلقاً، فاللازم اناطة الفسخ بالتصرف الدال عليه كاناطة الإجازة بالتصرف الدال على الرضا ضرورة ان التصرف في ماله المنتقل عنه قد يقع على وجوه شتى غير قصد الفسخ و استرداد الملكية، ثم ان بعض الاعلام استشكل في ان الفسخ هل يحصل بنفس التصرف فيكون سبباً بذاته أو هو كاشف عن حصول السبب قبله و ذكر ان كلمات بعض الأصحاب يظهر منها الأول و من آخرين يظهر الثاني و «أقول» التحقيق عندنا أنه لا هذا و لا ذاك لا سبب مستقل و لا كاشف صرف بل هو جزء السبب للفسخ نظير العقد مع القصد في تأثير النقل و الملكية و سائر الصيغ الشرعية. فالتصرف مع قصد الفسخ هو المؤثر في تحقق الفسخ شرعاً بل و عرفاً لا القصد وحده و لا التصرف وحده

ص: 115

و كلمات الأصحاب لا تأبى من ذلك و انه مع القصد سبب تام لحل العقد كما في سائر المقامات من عقود و إيقاعات، و عليه فهذا البحث مستدرك بجملته، فليتدبر.

و عليه فلو باع ما انتقل عنه أو رهن أو أوقف تكون تلك الصيغ ذات أثرين هما-: فسخ فعلي، و تمليك عقدي جديد، و توهم الدور لأنها موقوفة على الملك و هو لا يحصل الا بعد الفسخ الذي لا يحصل الا بها.

و «بعبارة أحلى» البيع موقوف على ملكه. و ملكه موقوف على بيعه الذي به يتحقق عود الملك إليه لأن به يحصل الفسخ حسب الفرض مدفوع بأنه من قبيل ما يقال (دور معية) و يكفي في صحة البيع حصول الملكية معه غايته أنه يملكه أولًا ثم يملكه (بالتشديد) ثانياً و يترتب الثاني على الأول ترتب المعلول على علته يتحدان زماناً، و يتقدم أحدهما على الآخر رتبة، و قد التزم بعض تفصياً من هذا المحذور بان قصد الفسخ الذي يتعقبه التصرف ببيع و نحوه موجب للفسخ و دخوله في ملكه واقعاً فيصح البيع و هو وجيه أيضاً و ان كان الأول أوجه و عليه يبتنى سائر التصرفات من وطئ أو أكل أو بيع أو هبة أو غير ذلك، و فرعوا على هذا ما لو باع عبداً بجارية ثم قال أعتقتها فهل هو إجازة إن قدمنا عتق الجارية أو فسخاً ان قدمنا عتق العبد، و بناء على ما ذهبوا اليه من ان الفسخ مقدم على الإجازة يقدم الثاني و يلغو الأول و لكنه محل نظر، فليتأمل.

«و من أحكام الخيار» عند الأصحاب التي لم يتقدم لها ذكر- عدم جواز تصرف غير ذي الخيار تصرفاً يمنع من استرداد العين لو تحقق

ص: 116

الفسخ فقد قال الأكثر ان خيار البائع يمنع المشتري من التصرفات الناقلة و لكن في (شرائع المحقق) رضي اللّٰه عنه ما نصه-:

«و يصح الرهن في زمن الخيار سواء كان للبائع أو للمشتري أو لهما لانتقال الميع بنفس العقد على الأشبه» ا ه.

و معلوم أنه إذا صح الرهن صح البيع و غيره من التصرفات لوحدة الملاك، و اضطربت هنا كلمات الاعلام، فبين قائل بالمنع مطلقاً، و قائل بالجواز مطلقاً، و مفصل بين العتق الذي لا يمكن فسخه لأن الحر لا يعود رقاً و بين غيره من التصرفات التي يمكن فسخها كالبيع و نحوه مما يمكن فسخه لو فسخ المالك الأول فينفسخ الثاني بفسخه، و قد احتج كل فريق لما ذهب إليه بحجة قويمة و ردها الآخر كذلك، و البسط محال الى محله.

و «لباب التحقيق» في هذا الباب و ما نصير اليه من الرأي- أن الخيارات الأصيلة كالحيوان و المجلس و نحوها من المجعولات الشرعية أصالة بناء على ما عرفت مكرراً من ان العقد الخياري يؤثر الملكية و يحصل به النقل و الانتقال كالعقد اللزومي لا فرق بينهما إلا بإمكان رفعها و اعادة الملكية السابقة و لازم تحقق الملكية المطلقة به جريان قاعدة السلطنة فله ان يتصرف في ملكه كيف شاء و لا وجه لمنعه من التصرف الا تعلق حق صاحب الخيار باسترداد العين فيكون حقه مانعاً من نقلها الى الغير أو جعلها بحيث لا يمكن استردادها كالوقف و العتق و نحوهما و ليس هو بأضعف من حق الرهن المانع من التصرف، و هذا الحق و ان كان

ص: 117

مما لا مجال لدفعه و لكن اقتضائه المنع من التصرف ممنوع فإنه لا يقتضي أكثر من رد العين ان كانت موجودة ورد بدلها ان كانت تالفة أو بحكم التالفة، و محور القضية يدور على ان العقد الخياري أثره الملكية المطلقة، و السلطنة التامة أو الملكية المقيدة و بناء على مالا ينبغي الريب فيه من الأول فإن الملكية الحاصلة بهذا العقد لا قصور فيها من حيث ذاتها و لا نقص أصلا و لا تفترق عن أختها إلا بإمكان إبقائها و رفعها و هي هي تلك الملكية بحقيقتها إذاً فلا مساغ لاحتمال عدم صحة بعض التصرفات معها فهو يتصرف بمقتضى ملكيته كيف شاء و صاحب الخيار حقه محفوظ يعمله متى شاء فان كانت العين موجودة أخذها و الا أخذ المثل أو القيمة كما لو كانت تالفة حقيقة، و هذا هو مقتضى التوفيق بين الأدلة و الجمع بين الحقوق، هذا في الخيارات الاصيلة التي لا تقييد في أدلتها، أما غيرها من الخيارات الجعلية كخيار الشرط فغراره غير ذلك الغرار. فان اشتراط البائع ان يكون له الخيار في الوقت المعين معناه أنه يريد استبقاء العين حتى يسترجعها فكأنه شرط ضمناً إبقاء العين حتى يستردها، و هذا المعنى و ان كان ملحوظاً في جميع الخيارات و لكنه فيها يشبه بالحكمة، و في خيار الشرط يشبه ان يكون علة و قيداً، فلا يصح للمشتري ان يتلف العين باختياره و يمنع البائع من حقه في رد ذات العين الذي هو متعلق غرضه لا البدل من المثل أو القيمة بخلاف تلك الخيارات الاصيلة التي جعلها الشارع فإنها لا تدل على أكثر من ان له الفسخ و حل العقد، اما ان العين يلزم

ص: 118

عليه إبقاؤها أو لا يلزم فلا تعرض فيها لذلك أصلا فيبقى على القاعدة و هي كما عرفت، و مقتضى صحة التصرفات من بيع و نحوه ان تكون واقعة على طبيعتها من اللزوم فلو فسخ البيع الأول لا ينفسخ البيع الثاني بل يرجع الفاسخ (كما عرفت) الى المثل أو القيمة، و ما يقال من ان العقد الثاني قد قام على العقد الأول فإذا انهار بفسخ صاحب الخيار انهدم الثاني لانهدام أساسه مدفوع بأنه ان أريد ابتناؤه على استمرار ملكية الأول فهو ممنوع، و ان كان المراد ابتناؤه على ملكيته في الجملة و لو حين البيع فهو حاصل.

و «بعبارة اجلى» ان البيع الثاني وقع صحيحاً بملكية البائع و لا يقدح انحلال العقد بعد ذلك الذي لا يؤثر في التصرفات السابقة لأنها وقعت جامعة مانعة من موجب كامل في محل قابل و حفظاً لحق الخيار يكون اثر فسخه أخذ البدل و إذا جاز البيع بل ما هو أشد منه من الوقف و العتق و نحوها فبالأولى جواز مثل الإجارة و العارية و نحوها مطلقاً.

و لكن في عروة السيد الأستاذ قدس سره-:

لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع ان يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار للبائع و لا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار حتى إذا فسخ البائع يمكنه ان يفسخ الإجارة و ذلك لأن اشتراط الخيار من البائع في قوة اشتراط إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه الفسخ فلا يجوز تصرف ينافي ذلك، اه-، و فيه ما لا يخفى إذ أقصى ما هناك ان يقال بأنه موقوف على الإجازة لا عدم الجواز مطلقاً بل و التحقيق

ص: 119

حسب ما عرفت الصحة مطلقاً غايته ان له المثل أو القيمة لو فسخ كما لو باع، فليتدبر.

نعم لو اشترط عليه ذلك اتجه المنع و لزم لوجوب الوفاء بالشروط

(فائدة)

شروط الأسباب و الوسائل سواء كانت إيجابية كشرط ان يبيع أو يوقف يعتق، أو سلبية كشرط ان لا يبيع أو لا يؤجر أو لا يهب يترتب عليها حكمان، تكليفي يعني لو خالف فعل حراماً، و وضعي فلو خالف وقع باطلا و تخلف الشرط هنا لا يوجب خياراً إذ لا معنى للتخلف في السلبية لما عرفت من البطلان في المخالفة، و لو امتنع عن الوفاء بالشروط الإيجابية كما لو شرط عليه ان يوقف فلم يفعل يجبره الحاكم الشرعي، فإن تعذر من كل وجه إنجازه كان له الخيار فاعرف ذلك و تدبره.

و «من احكام الخيار عند بعض فقهائنا و لم يتقدم له ذكر- انه لا يجب على البائع تسليم المبيع و لا على المشتري تسليم الثمن مدة زمن الخيار و لو تبرع أحدهما بالتسليم لم يبطل خياره و له الاسترداد و لا يجبر الآخر على التسليم، و قيل ليس له الاسترداد بعد الدفع إلا إذا فسخ، و قد يدعى الإجماع على أنه لا يجب على ذي الخيار التسليم ابتداء، و بهذا قال أكثر فقهاء المذاهب أو كلهم، و لكن هذا الحكم مخالف لما مر عليك غير مرة من تأثير العقد الخياري ملكية المشتري للمبيع و ملكية البائع للثمن و انتقال كل مال الى الآخر و مقتضى قاعدة السلطنة ان يدفع كل واحد الى الآخر ماله الذي انتقل اليه سيما مع المطالبة فكيف يجوز لكل منهما منع الآخر

ص: 120

عن ماله و (الناس مسلطون على أموالهم).

و «بالجملة» فهذا الحكم لا دليل عليه بل الدليل على خلافه واضح و الإجماع لم نتحققه.

و من جميع ما نضدناه من مباحث الخيار و أنواعه و أحكامه ظهر لك ان التلف لا يسقط الخيار في جميع أنواعه، و من المعلوم ان المراد منه التلف بعد القبض. اما التلف قبله فقد عرفت انه يوجب الانفساخ القهري فيزول موضوع الخيار بقاعدة (كل مبيع ..) اما التلف بعد القبض في زمن الخيار كتلف الحيوان بيد المشتري في الثلاثة فإن جعلنا معنى قاعدة (التلف ممن لا خيار له ..) كناية عن سلطنة المشتري على البائع فسخاً و إمضاء فلازم هذا بقاء خياره فإن أجاز استقر ملك البائع للمسمى و ان فسخ استرده و تلف المبيع من البائع فالتلف حينئذ لا يسقط الخيار و ان جعلنا معناها انه ينفسخ العقد و يدخل المبيع في ملك البائع و يتلف من ماله لم يبق وجه لبقاء الخيار بل يكون نظير التلف قبل القبض.

و «القصاري» ان هذا مبني على ما ذكرناه في أول الخيار من أنه ان كان سلطنة على العقد فالتلف لا يرفعه، و ان كان سلطنة على استرداد العين فلا معنى لبقائه بعد تلفها الا بتكلف بعيد عن الذوق و الاعتبار بل و عن الأدلة.

نعم حتى لو قلنا بأنه سلطنة على العقد يمكن دعوى كون التلف يسقط الخيار في الموارد التي علم ان المراد من تشريع الخيار رفع ضرر الصبر على العين كما في خيار العيب فلو تلفت ارتفعت حكمة تشريعه و لم يبق

ص: 121

وجه للخيار لعدم إمكان الرد و لذا يتعين الأرش هناك أو الإمساك مجاناً و الفسخ و ان أمكن على ان يكون أثره المطالبة بالمثل أو القيمة و لكنه خلاف نص الأدلة التي اناطت الرد بقيام العين و مع التلف فأين قيام العين حتى ترد لذا انحصرت القضية بالأرش و في الغبن برد التفاوت اما خيار الشرط أو خيار رد الثمن فظاهر هذين الخيارين ابتناؤهما على ان رد الثمن انما هو لاسترداد نفس العين فهو متقوم بردها ذاتاً فإذا امتنع ردها سقط الخيار طبعاً، فتلخص ان الخيارات تختلف مع التلف فبعضها يثبت معه و بعضها يسقط فلا بد من التأمل في كل مورد بخصوصه. و بقول مطلق ان الخيار ان كان هو الرد فهو ساقط بالتلف طبعاً و قطعاً. و ان كان عبارة عن الفسخ فان كانت العين موجودة أخذها و الا فالبدل و عليه فلا يسقط نوع من أنواعه بالتلف الا ما قام عليه الدليل كما في خيار العيب و نحوه.

و «من أحكام الخيار أيضاً مما لم يذكر» انه لو فسخ ذو الخيار فالعين التي في يده حسب الفرض قد دخلت في ملك الآخر كما ان ما في يد الآخر قد رجع الى ملكه فقاعدة اليد تقتضي ضمان كل منهما العين التي في يده الآخر و ليس هنا استيمان و نحوه حتى يسقط الضمان فالمقتضي موجود و المانع مفقود في حق كل واحد منهما على صاحبه و ببيان آخر ان العين في يد كل منهما كانت مضمونة قبل الفسخ بالمسمى و لما بطل المسمى بالفسخ الحادث و لم يك ائتمان لا مالكي و لا شرعي لا قبل الفسخ و لا بعده فلا محالة ينتقل الضمان الى البدل الواقعي و هو المثل أو القيمة.

ص: 122

و لنكتف بهذه الشذرات من مباحث الخيارات فقد التقطنا لك نفائس تلك المعادن المطمورة في كتب الأصحاب المغمورة بتعقيد البيان و عدم افادة التعبير، و إجادة التحرير، فجلوناها لك بحمد اللّٰه تعالى كالوذيلة الصقيلة المرصعة باللؤلؤ الناصعة، من الرأي البكر، و التحقيق الطريف، المتدافع من منابع الوجدان، و منابح البرهان. و العلم السهل الممتنع، و المنة للّٰه وحده.

ص: 123

الكتاب الثاني

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ و له الحمد

(يٰا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)

ص: 124

ص: 125

المقدمة (في الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالإجارة)

اشارة

(مادة: 404)

الأجرة و الكراء:

بدل المنفعة، و الإيجاز هو الإعطاء بالكراء، و الاستيجار الأخذ بالكراء.

أصل هذه المادة الأجر الذي يفسر في اللغة- بجزاء العمل- و هو ظاهر في العمل الذي يكون جزاء للعمل، ثم اتسع فشمل المال الذي يقع عوض العمل، ثم اتسع فتناول عوض المنفعة- أي منافع الأعيان- و غلب استعماله و استعمال مشتقاته من المزيد كآجر و المجرد كأجر و إيجار و اجارة في المعني العرفي المقتنص من ذلك المعنى اللغوي فصار يستعمل حتى تعين في لسان الشرع و المتشرعة في العقد الذي هو تمليك المنفعة بالعوض المعلوم كما هو المعروف من تعريفها عند الإمامية و سائر فقهاء المذاهب و تستعمل الإجارة تارة اسما بمعنى الأجرة و اخرى مصدر بمعنى الإيجار أو مصدر (أجر) المجرد سماعاً أو (آجر) المزيد و على كل فالأقرب ان المراد من قولهم (كتاب الإجارة) و الإجارات و نحوها هو الإيجار و ما يتحقق به هذه المعاملة شرعاً و بيان أحكامها و الأجرة و الكراء و ان اتحدا في كونهما بدل المنفعة و لكن شاع و غلب

ص: 126

استعمال الكراء في بدل منفعة الدواب و الأجرة في غيرها فيقال: كريت الدابة و اكثريتها، كما يقال آجرتها و استأجرتها، و استأجرت الدار و العبد، و لا يقال: كريت الدار، الا نادراً.

و لا أهمية في كل هذا انما المهم تعريف الإجارة شرعاً تعريفاً يطابق الحقيقة أو يقاربها، و قد عرفتها (المجلة) مادة (405) الإجارة في اللغة بمعنى الأجرة و قد استعملت في معنى الإيجار أيضاً و في اصطلاح الفقهاء بمعنى بيع المنفعة المعلومة في مقابلة عوض معلوم.

استعمال البيع في تعريف الإجارة يشبه ان يكون من قبيل تعريف الشي ء بضده فان البيع مختص بنقل الأعيان و الإجارة بنقل المنافع و هما متباينان مفهوماً و مصداقاً و كان اللازم أن يقال: هي تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم كما هو التعريف الشائع عند الأكثر فإن التمليك جنس و بإضافته إلى المنفعة خرج البيع و غيره من العقود الناقلة كالصلح و الهبة مما يحصل به تمليك الأعيان، نعم ينتقض في طرده بشموله للصلح على المنفعة و هبة المنافع هبة معوضة، و العارية المعوضة كما قيل و الجميع مدفوع بأن حقيقة الصلح التسالم و هو يقع على المعاوضة و على غيرها و حقيقة الهبة تتقوم بالمجانية و العوض ليس للعين الموهوبة بل لذات الهبة و العارية إذا دخلها العوض كانت اجارة في الجوهر سواء سميتهما عارية أو إجارة أو غيرهما، فإن الإجارة و العارية يشتر كان في أنهما تسليط على المنفعة فإن كان بعوض كان اجارة و ان كان مجانا كان عارية فالإجارة و العارية في المنافع كالبيع و الهبة في الأعيان بل

ص: 127

التحقيق ان العارية لا تمليك فيها و لا تسليط أصلا لا على العين و لا على المنفعة بل هي إباحة الانتفاع لا تمليك المنفعة و لذا لا يستطيع المستعير نقلها الى الغير بعقد أو غيره، و من هنا ينقدح الإشكال في عدها من العقود و لا تحتاج إلى إيجاب و قبول بل هي بالإيقاع أشبه و ان شاع عندهم درجها في العقود.

أما الإجارة فهي و ان كانت حسب الشائع عند الفقهاء عبارة عن تمليك المنفعة بعوض و لكنها بالنظر الا دق سلطنة على العين من حيث ملكية منافعها فهي أيضاً من مقولة الملك و الجدة ان أريد من الإجارة الأثر الحاصل و النتيجة و الغاية و ان أريد بها السبب و الوسيلة فهي العقد الذي ينشأ به التسليط على العين باعتبار ملكية منافعها و هذا هو المراد من قول الفقهاء (كتاب الإجارة) و (كتاب البيع) و نحوها. و عليه فاركان الإجارة ثلاثة- العوضان. العاقدان العقد- فيلزم البحث عن كل واحد منها و شرائطه و أحكامه و أحكام الإجارة.

اماما ذكر في (المجلة) في مقدمة الإجارة المشتملة على الاصطلاحات الفقهية فيها فهي مستدركة لا حاجة الى شي ء منها ضرورة أنه ما من عربي عريق أو لصيق الا و هو يعرف المستأجر (بالكسر) و المستأجر (بالفتح) و المأجور و الأجير و الأجرة و محل الاستغلال أي الموضع المعد للإيجار من غيره و المسترضع هو من استأجر ظئراً للرضاعة. فكل هذه المواد واضحات و توضيح الواضح من العبث فيلزم لو حررت (المجلة) و نقحت حذف كل ما هو من هذا القبيل لذا لم نذكرها.

ص: 128

(الباب الأول) «في الضوابط العمومية»

(مادة: 420) المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة.

لا يخفى ما في هذا التعبير من التسامح بل الخلل فان عقد الإجارة يتسلط على العين و لكن باعتبار المنفعة لا على المنفعة مباشرة فتقول: آجرتك الدار، و لا تقول: أجرتك المنفعة، و لو قلت: ملكتك المنفعة، فالمشهور و ان كان يظهر منهم الصحة و لكن صحته اجارة لا يخلو من نظر فإن حقيقة الإجارة تسليط على العين باعتبار المنفعة. فإن قلنا بصحته فهو عقد بنفسه.

و تحرير البحث هنا بالنظر الدقيق يتوقف على بيان أمرين مهمين.

الأول-: منافع الأعيان من عقار أو إنسان أو حيوان قبل العمل أو الاستعمال معدومة في الخارج بالضرورة، و المعدوم لا يصلح للعقد عليه أصالة و ان أمكن تبعاً و لكن المنافع مطلقاً و ان كانت معدومة حقيقة و لكن لها باعتبار العقلاء نحو من الوجود قائم بوجود الأعيان قيام المظروف بالظرف و الحال في المحل يعني قيام شي ء في شي ء و ان كان

ص: 129

واقع أمرها أنها قيام شي ء بشي ء يعني قيام الصفة بالموصوف و العرض بالمعروض و لكن العرف قد يراها بمنظار مكبر انها موجودات متأصلة مع الأعيان أو في الأعيان فيصح بهذا الاعتبار لحاظها مستقلة و إيقاع العقد عليها مباشرة بتمليك أو وصية أو صدقة و هذه المعاني لا ربط لها بالإجارة إنما الإجارة لحاظ المنافع بأحد الوجهين الأولين التي تلحظ بها المنافع قائمة بالعين قيام عروض أو قيام حلول و بهذا اللحاظ يوقعون العقد على العين باعتبار تلك الشئون القائمة بها، و قد عرفت ان هذه الشئون و المنافع هي المقومة لمالية العين و لكن تارة تندك في العين فيجري العقد على العين مطلقة مرسلة و أخرى على العين مقيدة محصلة، فالأول هو البيع و الثاني هو الإجارة، و يلحق بالأول و ان لم يكن من صميمه و حقيقته تمليك العين، و بالثاني كذلك تمليك المنفعة.

و من هنا يظهر لك التسامح في تعريفهم الإجارة بأنها تمليك المنفعة و الخلل في (المجلة) ان المعقود عليه في الإجارة هو المنفعة، بل المعقود عليه في البيع و الإجارة شي ء واحد و هو العين ليس الا، و لكن اللحاظ و الاعتبار مختلف. و هذه المعاني ارتكازية عند العقلاء و ان كان لا يحسن تحليلها و تفكيك عناصرها إلا أنا أو أنت و يغفل الكثير عنها و اللّٰه ولي التوفيق للجميع.

الثاني-: لا يذهبن بك الوهم كما توهم جماعة ان المراد بالمنفعة هنا خصوص المعاني التي لا عين لها في الخارج من الاعراض المقولية كسكنى الدار و لبس الثوب و عمل الخياطة بل المنفعة تعم حتى الأعيان إذا كانت

ص: 130

نماء لأعيان أخرى مثل الشاة و صوفها و ثمرة النخيل و الأشجار بل و يشمل نتاج الانعام و أولادها فيصح أن يؤجر الدابة و الشاة باعتبار جميع نماءاتها حتى أولادها و تؤجره النخيل باعتبار كل منفعة فيه حتى التمر و السعف و الكرب و لا يقدح في ذلك القاعدة المشهورة في ضابطة (ما يصح إجارته) انه ما لا تستهلك عينه بالانتفاع به- أو ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه فان جميع ذلك محفوظ فإن الإجارة تعلقت بالشاة و لبنها و صوفها منافع لها و ان كانت أعيانا و لا يضر استهلاكها مع بقاء عين الشاة و هكذا النخيل و الأشجار و أمثالها.

و من هنا ظهر ضعف ما توهمه بعض شراح (المجلة) حيث يقول-:

الإجارة الواقعة على الحوض لاصطياد اسماكه أو أخذ مائه و على الحرش لقطع أشجاره أو لرعي الأغنام فيه أو على الأشجار لأخذ ثمارها ..

و الأغنام لأخذ صوفها و الأبقار لأخذ حليبها- باطلة- بل الحق كما عرفت أنها جميعاً صحيحة و لا تزال السيرة جارية على إجارة الأرض لرعي الأغنام في نباتها و عشبها (شاة مرتع) و كأنه توهم ان المنفعة مختصة بالاعراض التي لا وجود لها في الخارج إلا في موضوعاتها و لم يعرف ان منفعة كل شي ء بحسبه.

(مادة: 421) الإجارة باعتبار المعقود عليه على نوعين

(النوع الأول) الوارد على منافع الأعيان و يقال للشي ء المؤجر عين المأجور و تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الأول-: إجارة العقار، الثاني-: اجارة العروض كايجار الملابس و الأواني، الثالث-: اجارة الدواب، (الثاني)

ص: 131

عقد الإجارة على العمل، و هنا يقال للمأجور أجير كاستئجار الخدمة و العملة و استئجار أرباب الحرف و الصنائع من هذا القبيل، حيث ان إعطاء السلعة للخياط مثلا ليخيط ثوباً يصير اجارة على العمل كما ان تقطيع الثوب على ان السلعة من الخياط استصناع.

سكنى الدار و ركوب الدابة كعمل الإنسان من بناء أو حياكة أو صياغة و غيرها و كثمرة البستان و نحوها- كلها تندرج في المنفعة و يجمعها انها فوائد أعيان لا نهلك العين باستهلاكها و يستعمل في عمل الإنسان انه أجير و في الدابة و الدار مستأجرة و مأجورة و ليس الاستصناع كما عرفت في مثل خياطة الثوب و تقطيعه إلا إجارة على عمل. و كل عين يجوز إيجارها و استيجارها باعتبار فائدة تحصل منها مع بقائها و لا يخرج الا ما ينحصر استيفاء فائدته بزوال عينه كالمأكولات و المشروبات و الزرع من حيث هو لا من حيث الأرض و هكذا.

(مادة: 422) الأجير على قسمين،

القسم الأول هو الأجير الخاص الذي استؤجر على أن يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف. و القسم الثاني. هو الأجير المشترك الذي ليس بمقيد بشرط ان لا يعمل لغير المستأجر كالحمال و الدلال و الخياط و الساعاتي.

هذا التقسيم غير عام و لا مستوعب و التقسيم الجامع العام في المقام ان الإجارة بجميع أنواعها لعين من الأعيان أو لحيوان أو إنسان. اما ان تكون شخصية أو كلية. و الشخصية اما ان تكون مشخصة من كل جهة أو من جهة دون أخرى- فالأقسام ثلاثة- كلية. كما لو استأجرته

ص: 132

على خياطة كلي معين بالوصف أو خياطة هذا الثوب المعين، و هذا واسع يدخل فيه أكثر الإجارات و منه الأجير المشترك المذكور في (المجلة) الذي لم يقيد بشرط ان لا يعمل لغير المستأجر كالحمال و الدلال و الخياط و الساعاتي فإنهم مأجورون على عمل كلي و هو خياطة الثوب و إصلاح الساعة مطلقاً من حيث المباشر و من حيث الوقت فلا ينافيه ان يكون مستأجراً لمتعددين كما ان صاحب الزورق و أمثاله يؤجر نفسه لإيصالك الى المحل الفلاني في زورقه فلا يقدح تعدد الإجارة فإن الإجارة وقعت على كلي في الذمة، و الذمة واسعة لا تزاحم فبما تشتمل عليه مهما تعدد (الثاني) المشخصة من جهة أو جهات مخصوصة لا من كل جهة و هذه أيضاً ملحقة بالكلي، و لكن الكلي المقيد كما لو استأجره على خياطة هذا الثوب و لكن بالنحو الخاص أو الوقت المعين و مهما تكثرت القيود و الشروط لا يخرج عن كونها كلية.

(الثالث) المشخصة من كل جهة كما لو استأجره على خياطة هذا الثوب بنفسه في هذه الساعة المعينة أو في اليوم المعين و أمثال ذلك، و هذه هي الإجارة الشخصية التي لا مجال فيها للتعدد، و الأجير هو الأجير الخاص الذي لا يجوز ان يعمل لغيره في ذلك الوقت المعين و سيأتي إن شاء اللّٰه حكم الأجير الخاص لو خالف ما استؤجر عليه، و من هذا القبيل المستأجر على الخدمة شهرا معينا أو سنة معينة أو سنين هذا بالنسبة إلى عمل الإنسان و نظيره بالنسبة إلى الأعيان من عقار أو حيوان فإنك تارة تؤجره دابة أو داراً موصوفة بأوصاف معينة فيجب ان تدفع له

ص: 133

دارا بتلك الأوصاف تكون مصداقا لذلك الكلي الذي وقعت اجارتك عليه و تارة تؤجره هذه الدابة المعينة أو الدار المعينة فهذه اجارة شخصية فلو آجرتها من غيره ثانيا وقعت باطلة أو فضولية موقوفة على إجازة المستأجر الأول لأنه ملك منافع هذه الدار المعينة، فقد ظهر من كل هذا ان الضابطة العامة و التامة هو ان الإجارة اما شخصية أو كلية و باختلافهما تختلف الاحكام و ليس المدار على الأجير الخاص أو الأجير المشترك بل على نحو الإجارة و كيفيتها.

و منه ظهر ما في مادة (432) الأجير على قسمين، الأجير الخاص الذي استؤجر على ان يعمل للمستأجر فقط كالخادم الموظف الى آخر ما ذكر، فان عدم جواز عمله للغير انما هو من جهة ان الإجارة شخصية و ان يعمل بنفسه في الوقت المعين و لو استأجره على حصول الخدمة و قضاء حوائجه المعينة في العقد جاز ان يقيم مقامه عاملا و هو يعمل للغير.

(مادة: 423) كما جاز ان يكون مستأجر الأجير الخاص شخصا واحدا كذلك يجوز ان يكون الأشخاص المتعددة

الذين هم في حكم شخص واحد مستأجري أجير خاص، بناء عليه لو استأجر أهل القرية راعيا على ان يكون مخصوصا لهم بعقد واحد يكون الراعي أجيرا خاصا و لكن لو جوزوا ان يرعى دواب غيرهم كان الراعي أجيرا مشتركا.

لا معنى للتجويز هنا الا ان يكونوا قد استأجروه على حصول العمل الخاص و هو الرعي إما مقيدا بمباشرته أو مطلقا فتكون الإجارة كلية و له ان يعمل للغير اما لو استأجروه على ان يجعل منافعه هذا الشهر أو السنة

ص: 134

مقصورة على رعي غنمهم كانت الإجارة شخصية و لا يجوز ان يرعني غنم غيرهم بل و لا يجوز له اي عمل آخر.

(مادة: 424) الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلا بالعمل.

من الواضح ان التسليم و التسلم لا زمان في الإجارة كلزومهما في البيع و لكن يمكن تحققهما بجلاء في البيع الذي هو معاوضة في الأعيان بخلافه في الإجارة التي هي تعويض على المنافع و هي لكونها تدريجية الحصول و من الاعراض الغير قارة لا يمكن تسليمها و تسلمها دفعة كالأعيان إذا فلا بد ان يكون نحو التسليم و التسلم فيها بطور آخر و هو تسليم العين التي وقعت الإجارة على منافعها فإذا استأجرت الدابة للركوب فتسليم منافع الدابة أو الدار تسليم عينها ليستوفى المنفعة منها فيسلمك الدابة و تسلمه الأجرة على نحو التقابض في البيع و ان كانت الأجرة على عمل فتسليمه ان يهيئ معدات العمل فيحضر هو أو من يتحصل به العمل و بذلك بتحقق التسليم و يستحق الأجرة و لكن جرت العادة في باب إجارة الأعمال نظرا الى احتمال عروض الموانع من الاستمرار على العمل الى تمامه ان تدفع الأجرة بعد استكماله و حقه ان يستلمها عند التهيؤ و الشروع فان الشخص هنا كالعين هناك فكما أنه إذا سلم الدار المستأجرة يستحق الأجرة كذلك هنا إذا سلم نفسه أو نفس المستأجر على العمل يستحق الأجرة و لا فرق في ذلك بين الأجير المشترك أو الخاص و عبارة (المجلة) في هذه المادة مجملة لا يعلم هل المراد ان الأجير المشترك لا يستحق الأجرة إلا بالعمل اي بعد العمل أو عند الشروع بالعمل و لكن

ص: 135

يظهر ان المراد الأول من مقابلته بالأجير الخاص في مادة (425) الأجير الخاص يستحق الأجرة إذا كان في مدة الإجارة حاضراً للعمل و لا يشترط عمله بالفعل و لكن ليس له ان يمتنع عن العمل و إذا امتنع فلا يستحق الأجرة.

و «التحقيق» ما أوضحناه لك من عدم الفرق بين الأجيرين من حيث أصل الاستحقاق بمقتضى العقد و ان جرت العادة نظرا الى تلك الملاحظة على الفرق بينهما فافهم ذلك و تدبره.

(مادة: 426) من استحق منفعة معينة بعقد الإجارة له ان يستوفي عينها أو مثلها أو ما دونها

و لكن ليس له ان يستوفي ما فوقها مثلا لو استأجر الحداد حانوتا على ان يعمل فيه صنعة الحدادة له ان يعمل فيه صنعة مساوية في المضرة لصنعة الحداد و لو استأجر دارا ليسكنها فله ان يضع أشياءه فيها و لكن ليس لمن استأجر حانوتا للعطارة ان يصنع فيه صنعة الحداد.

هذه المادة مشوشة غير وافية بإيضاح المراد و إعطاء الضابطة و كان يلزم ان تضم إليها المادة التي بعدها (427) كل ما اختلف باختلاف المستعملين يعتبر فيه التقييد مثلا- لو استكرى أحد دابة لركوبه ليس له ان يركبها غيره.

و «تحرير هذا البحث ببيان ينجلي به وجه الحقيقة.

انه يلزم في عقد الإجارة كما عرفت تعيين المنفعة أو العمل المستأجر عليه بنحو تنحسم به كل خصومة محتملة و رافع لكل غرر و جهالة، فلو

ص: 136

استأجر دابة- فكما يلزمه تعيين الزمن لركوبها و المسافة و من اين و إلى اين كذلك يلزمه ان يعين من الذي يركبها و هل هي شخصية فلا يستوفيها الا هو أو شخص معين، أو كلية يملكها هو و يستوفيها هو أو من يشاء و إذا كانت للحمل لا للركوب وجب عليه تعيين الوزن و جنس المحمول من قطن أو جديد أو طعام و كذلك إذا استأجر حانوتا يلزمه ان يعين المهنة التي يزاولها من حدادة أو نجارة أو غيرها من الصنائع التي تختلف تأثيراتها على العقارات و على الابنية و هي الأعمال التي يعتبر فيها التقييد و التعيين فإن أوضح و قيد في متن العقد تعين و ان أطلق يعني استأجر هذا الحانوت سنة معينة أو هذه السنة و لم يذكر ما يشتغل فيه أو استأجر هذه الدابة للحمل من (النجف) الى (بغداد) و لم يعين الوزن و الجنس فان كان هناك عرف ينصرف إليه الإطلاق، أو قرينة مقالية أو حالية يبتنى العقد عليها في تقييد تلك الجهات و تحديدها، تعينت و صارت بحكم المذكور في العقد، و ان لم يكن عرف أشكل صحة العقد للجهالة و الغرر الذي هما مثارا للخصومة و النزاع و تفكك الأوضاع، و لكن لو عينا صنعة أو صفة فتجاوزها فاما ان يكون التجاوز إلى صنعة أخرى تغايرها بالحقيقة كما لو عينا الحدادة فتجاوزها إلى النجارة أو استأجر الدابة لحمل وزنة من الخشب فحمل عليها وزنة من الشعير مثلا ففيها تفصيل يأتي بيانه و ان تجاوزها الى ما يغايرها بالكم فقط فان زاد كما لو حمل عليها من الخشب وزنتين كان ضامنا و لصاحب الدابة الخيار بين ان يفسخ فيأخذ أجرة المثل على الوزنتين و بين الإمضاء و يأخذ

ص: 137

أجرة المثل للوزنة الثانية، و ان حمل عليها الأنقص كما لو حمل عليها نصف وزنة صحت و ليس للمستأجر المطالبة بأجرة الباقي لأنه قد فوته باختياره و قد ظهر مما ذكرنا- ان من استأجر الحانوت لصنعة من حدادة أو غيرها ليس له ان يشتغل فيه بصنعة مساوية للحدادة في المضرة أو زائدة عليها أو ناقصة منها، نعم لو كان الاختلاف في المقدار فقط فان نقص صح و لا شي ء و ان زاد فالخيار الذي عرفت، كما ان قول (المجلة) في مادة (427) لو استكرى أحد لركوبه دابة ليس له ان يركبها غيره، انما يتم في الإجارة الخاصة الشخصية لا مطلقا و منه يستبين الخلل أيضا في مادة (428) كل ما لم يختلف باختلاف المستعملين فالتقييد فيه لغو، مثلا- لو استأجر أحد دارا على ان يسكنها له ان يسكن غيره فيها.

فان المالك إذا اشترط ان يسكنها المستأجر اما وحده أو مع عياله و لا يسكن غيره فيها لزم الشرط و صح التقييد سواء كان يختلف باختلاف المستعملين أم لا و أدلة الشروط عامة، فلو خالف كان للمالك الخيار بين الفسخ ورد المسمى و أخذ أجرة المثل و بين الإمضاء و المطالبة بالزائد- ان كان ثمة زيادة- نعم في الإجارة الكلية التي يملك فيها منفعة الدار المطلقة لا المنفعة الخاصة لا مانع من ان يسكنها من يشاء و لكن بالمقدار المتعارف أيضا بالنسبة الى ما تتحمله تلك الدار، فقول (المجلة) ان مالا يختلف- فالتقييد فيه لغو- على إطلاقه غير صحيح

(مادة:- 429) يجوز للمالك ان يؤجر حصته الشائعة من الدار المشتركة لشريكه ان كانت قابلة للقسمة أو لم تكن،

و ليس له ان

ص: 138

يؤجرها لغيره و لكن بعد المهايأة له ان يؤجر نوبته للغير و «تحرير البحث» في إجارة المشترك أي المشاع- ان المشاع ان آجر الشريكان حصتهما لثالث أو آجر أحدهما على الآخر فلا اشكال و ان آجر كل واحد منهما حصته لا جنبي فإن كان المشاع يتسع للمستأجرين فلا إشكال أيضا في صحة الاجارتين و انتفاعهما معا و لا تزاحم و ان كان لا يتسع فإن أمكن قسمته و لا ضرر يجيران عليها أو يتفقان على الإجارة لأحدهما و قسمة الإجارة بينهما و ان كان في قسمته ضرر فاما ان يتفقا على الإجارة الواحدة أيضا و إبطال الأخرى أو يجبر الحاكم المستأجرين على المهايأة الزمنية فان لم يوافق الشريكان أو المستأجران على شي ء من ذلك اجبر الحاكم الشريكين على أحد الأمرين من بيع المشاع على ثالث أو شراء أحدهما حصة الآخر، و ليكن هذا أحد أنواع ازالة الشيوع الشائع في المحاكم الرسمية في هذه العصور و هو الأمر الواقع الذي لا محيص عنه في مثل هذه الخصومات و يطرد في كل ما لا يمكن قسمته من مثل الرحى و الطاحونة و مكينة الماء و مكينة الخياطة و أمثالها و مما ذكر عرفت القدح في قول (المجلة) و ليس له- أي الشريك- ان يؤجر حصته لغير شريكه، فإنه لا مانع من إيجار الشريك حصته لمن شاء بقاعدة (الناس مسلطون،،،) غابته ان كلا من الشريكين لو آجر لأجنبي فحال المستأجرين حال المالكين لا يتصرف أحدهما بالمشاع إلا برضا الآخر فان اتفقا فذاك و ان اختلفا و تشاحا فالميزان ما ذكرنا من المهايأة أو إبطال احدى الاجارتين أو ازالة الشيوع بأمر الحاكم

ص: 139

على اختلاف الصور هذا كله في إجارة الشريكين معا أو إجارة أحدهما الآخر، و اما إجارة أحدهما فقط لأجنبي فلا يخلو اما ان يؤجر حصته من المشاع فقط أو يؤجر تمام المشاع ففي الصورة الأولى يقوم المستأجر مقام المالك الشريك تماماً فاما انتفاعهما بالعين معا أو المهايأة أو ازالة الشيوع أو القسمة على اختلاف أنحاء العين المشاعة حسب ما أشرنا له، و في الثانية تمضي الإجارة في حصته لزوما و تبقى في حصة شريكه موقوفة على الإجازة فإن حصلت نفذت و الا بطلت ثم المستأجر يكون حاله مع الشريك حال شريكه الآجر و يجري ما سبق، فتدبر هذا و اغتنمه و «الضابطة العامة» في المقام أنه متى حصل التشاح و النزاع بين لشريكين في المشاع في أنفسهما أو في اجيريهما فالمرجع هو الحاكم ليجد حلا مشروعا لقطع مشاجرتهما و رفع خصومتهما، و يختلف باختلاف الظروف و الأحوال و البيئة و الرجال.

(مادة: 430) الشيوع الطاري لا يفسد عقد الإجارة،

مثلا- لو آجر أحد داره ثم ظهر لنصفها مستحق تبقى الإجارة في نصفها الآخر الشائع هذا ليس من الشيوع الطارئ أصلا بل هو من الشيوع القديم و يمكن ان يجعل من الشيوع الطاري ما لو آجر داره ثم باع نصفها أو آجر فمات فانتقلت إلى الورثة بناء على الأصح عندنا من عدم بطلان الإجارة يموت المؤجر كعدم بطلانها بموت المستأجر، و على كل فقد عرفت ان الشريك إذا آجر تمام المشاع فهو فضولي بالنسبة إلى حصة الشريك

ص: 140

الآخر ان شاء أجاز و ان شاء فسخ سواء كانت الإشاعة معلومة من أول الأمر أو ظهرت بعد ذلك.

(مادة: 431) يسوغ للشريكين ان يؤجرا مالهما المشترك لآخر معا

مثل مادة (432) يجوز إيجار شي ء واحد لشخصين.

و كلاهما من الواضحات.

ص: 141

الباب الثاني في بيان المسائل المتعلقة بعقد الإجارة

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول

الفصل الأول في بيان مسائل ركن الإجارة
(مادة: 433) تنعقد الإجارة بالإيجاب و القبول كالبيع.

عرفت قريبا ان تحقق معنى الإجارة و أثرها و هو تملك المنفعة بالمال يقوم على ثلاثة أركان 1-: العقد 2-: العاقدين- المؤجر و المستأجر- 3-: العوضين- المنفعة و الأجرة.

اما العقد- فهو الإيجاب و القبول كما في البيع و لكن الصيغة الصريحة هي: آجرت و كريت، و القبول هو: استأجرت و قبلت و ما أشبه ذلك من الألفاظ الصريحة، اما مثل: بعتك المنفعة، أو: صالحتك أو ملكتك فهو و ان صح و كان نتيجته نتيجة الإجارة و لكن ليس هو منها بشي ء فضلا عن مثل: أعرتك و وهبتك و أضرابها و ان سبق الى و هم كثير

ص: 142

من شراح (المجلة) دخولها في الإجارة، و قد سبق ما يوضح لك ذلك فتدبره.

كما أنك عرفت في [الجزء الأول] ان الصيغة الصريحة في عامة العقود هي صيغة الماضي دون الأمر و الاستقبال كما أوضحت ذلك

مادة [435] الإجارة كالبيع أيضا تنعقد بصيغة الماضي

و لا تنعقد بصيغة المستقبل.

[مادة: 436] كما ان الإجارة تنعقد بالمشافهة كذلك تنعقد بالمكاتبة و بإشارة الأخرس.

قد تقدم في مباحث البيع أن العقود لا تصح بالكتابة، و الكتابة حاكية لا منشئه، فهي تحكي عن الألفاظ و الألفاظ تحكي عن المعاني، إما إشارة الآخرس فمع عدم إمكان التوكيل تكفي إذا أفهمت و لا يقع شي ء من العقود بالرسول و لا بالرسالة إلا إذا كان الرسول وكيلا.

(مادة: 437) تنعقد الإجارة بالتعاطي أيضا

كالركوب في بأخرة المسافرين و زوارق الشوارع و دواب الكراء من دون مقاولة فإن كانت الأجرة معلومة أعطيت و الا اجرة المثل.

إذا كانت الأجرة معلومة أو اتفقا على أجرة معينة كانت إجارة معاطاتية و الا لم تكن لا من الإجارة العقدية و لا المعاطاتية لما عرفت في البيع من ان المعاطاة يلزم ان تكون واجدة لكل ما يعتبر في البيع سوى العقد، نعم إذا استوفى المنفعة بغير تواطؤ على الأجرة و لا معلومية لزمت اجرة المثل من باب الضمان و الغرامة فتدبر.

ص: 143

(مادة: 438) السكوت في الإجارة يعد قبولا و رضاء،

مثلا- لو استأجر رجل حانوتا في الشهر بخمسين قرشا و بعد ان سكن فيه مدة شهر اتى الآجر و قال ان رضيت بستين فأسكن و الا فاخرج و رده المستأجر و قال لم ارض و استمر ساكنا يلزمه خمسون قرشا كما في السابق و ان لم يقل شيئا و لم يخرج من الحانوت و استمر ساكنا يلزمه إعطاء ستين قرشا كذلك لو قال صاحب الحانوت مائة قرش و قال المستأجر ثمانين و أبقى المالك المستأجر و بقي هو ساكنا أيضا يلزمه ثمانون و لو أصر الطرفان في كلامهما و استمر المستأجر ساكتا تلزمه اجرة المثل.

لعمرك انه حكم غريب لا يساعده الوجدان و لا البرهان فان المالك إذا قال أنا لا أرضى بان تسكن داري بستين في الشهر فان رضيت و الا فاخرج فقال الساكن لا ارضى و استمر ساكتا كيف يلزم المالك قبول الخمسين و قد صرح بعدم رضاه الا بستين.

و «بالجملة» فالمدار على قول المالك لا على رد المستأجر، فإن السكوت انما يكون رضا حيث لا يكون مسبوقا بالرد الصريح و المفروض ان المالك صرح بعدم رضاه الا بالستين و قد أمره بالخروج ان لم يرض و أي دلالة أصرح من هذا فهل يعقل ان يكون السكوت مزيلا لهذا البيان المعتمد على قاعدتي (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه) و (الناس مسلطون على أموالهم).

و «بالجملة» فهذا ليس من موارد السكوت الذي يعتمد عليه و يستند اليه بل يجب عليه في الفرض ان يدفع الستين و هكذا في نظائره.

ص: 144

نعم، الرجوع الى أجرة المثل في الصورة الأخيرة متجه كما لا يخفى و في الصورة السابقة له وجه، اما ما يقوله المستأجر فلا يلزم به المؤجر قطعا فليتدبر.

(مادة: 439) لو تقاولا بعد العقد على تبديل البدل أو تزييده أو تنزله يعتبر العقد الثاني.

المقاولة بعد تمامية العقد الأول لا تجدي و لا ترفع ما وقع عليه ذلك العقد، نعم لو فسخا العقد الأول و عقدا ثانيا يعتبر العقد الثاني و لغا الأول

(مادة: 440) الإجارة المضافة صحيحة و تلزم قبل حلول وقتها

بناء عليه ليس لأحد العاقدين فسخ الإجارة بمجرد قوله ما آن وقتها تقدم اصطلاحهم على ان الإجارة المنجزة هي الإجارة التي يتصل استحقاق المنفعة بها بزمان العقد، و المضافة هي التي يتأخر الاستحقاق فيها عن زمان العقد كما لو آجره الدار السنة التي بعد هذه السنة أو بعد هذا الشهر و هكذا، و لا ريب عندنا في صحتها و لزومها كالمنجزة، و كل إجارة إذا وقعت صحيحة لا يسوغ لأحدهما فسخها كما في مادة (441) الإجارة بعد ما انعقدت صحيحة لا يسوغ للآخر فسخها بمجرد ضم الحارج على الأجرة لكن لو آجر الوصي أو المتولي عقار اليتيم أو الوقف بأنقص من اجرة المثل تكون الإجارة فاسدة و تلزم اجرة المثل.

اما انفساخ اجارة عقار اليتيم و الوقف إذا كانت أقل من ثمن المثل فيمكن ان يكون وجهه هو ان اجرة المتولي أو الولي و الوصي منوطة بالمصلحة فإذا لم توافق المصلحة تكون باطلة و لكن مع البطلان فان

ص: 145

استوفى المستأجر المنفعة يستوفي منه اجرة المثل و الا فتؤجر بما فيه الغبطة لليتيم أو الوقف فلعلما يحصل راغب بأكثر من اجرة المثل فلا وجه للقول بها على الإطلاق.

(مادة: 442) لو ملك المستأجر عين المأجور بإرث أو هبة يزول حكم الإجارة.

أوضح مثال لهذا الفرع ما لو استأجر دارا ثم اشتراها. ثم ان شراءه لها لا يخلو اما ان يكون بعد استيفاء تمام المنفعة أو بعضها أو قبل استيفاء شي ء منها، اما الاولى فلا إشكال في صحة البيع و الإجارة و يستحق المالك ثمن العين و اجرة المنفعة و هو واضح، و أما الثانية و الثالثة فقد يقال ببطلان الإجارة فيهما بالنسبة إلى الجميع في الأخيرة و الثاني في الثانية بزعم ان الإنسان لا يدفع اجرة على الانتفاع بملكه و هو واضح الضعف فإنه لم يدفع اجرة على الانتفاع بملكه بل على منفعة ملك غيره فإنه قد تملك المنفعة ما كان يملك العين و حين ملك العين لم يبق فيها منفعة بل ملكها مسلوبة المنفعة كما لو اشترى دارا مأجورة لغيره.

و (الخلاصة) ان البيع اللاحق لا يزاحم الإجارة الصحيحة السابقة و لا يبطلها بل كلاهما صحيحان مؤثران، هذا بالنسبة العين و ذاك بالنسبة إلى المنفعة فحكم (المجلة) ببطلان الإجارة لا وجه له.

(مادة: 443) لو حدث عذر مانع لإجراء موجب العقد تنفسخ الإجارة.

المقصود بهذه المادة بيان أسباب انفساخ الإجارة و بطلانها بعد وقوعها

ص: 146

صحيحة، و قد أحسنت «المجلة» في ضابطة الانفساخ إجمالا و هي العذر المانع من اجراء موجب العقد و تفصيل ذلك ان الانفساخ أما زوال العين التي هي محل الإجارة أو زوال المستأجر الخاص على العمل، مثلا- لو استأجر هذه الدابة المعينة فماتت أو استأجره لقلع ضرسه فبرأ أو سقط أو استأجر الشخص المعين للعمل فمرض أو مات فلا إشكال في ان الإجارة تبطل في جميع هذه الفروض، و كذا لو استأجر الدكان فانهدم. ثم إن كان زوال الموضوع قبل استيفاء شي ء من المنفعة فلا إشكال في انها تنفسخ و يسقط تمام الأجرة و ان كان بعد استيفاء مقدار منها فبالنسبة كما لو ركب الدابة فماتت في منتصف الطريق فيمكن القول باستحقاق نصف الأجرة على تأمل، و لعل المقامات تختلف فيلزم التأمل في كل مورد بخصوصه و مع التخاصم فالرجوع الى الحاكم اجرى و احكم و اللّٰه اعلم.

و (من موارد الانفساخ) ما ذكر في (المجلة) من الأمثلة لو استأجر طباخا للعرس و مات أحد الزوجين، و يمكن المناقشة في المثال فان موت أحد الزوجين لا يستلزم سقوط الطبخ فليكن الطبخ للعزاء لا للهناء، نعم المثال الثاني صحيح و هو- من كان في سنه الم فاستأجر على إخراجه فزال الا لم تنفسخ الإجارة و كذلك وفاة الصبي أو الظئر لا بوفاة المسترضع و هذا البحث واسع و ستأتي له أمثلة و فروع كثيرة.

ص: 147

الفصل الثاني (في شروط انعقاد الإجارة و نفاذها)
اشارة

شروط انعقادها هي شروط الصحة، و الإجارة عندنا إذا صحت لزمت و ليس فيها خيار ذاتي كخيار المجلس في البيع و خيار الحيوان و خيار التأخير- نعم تجري فيها الخيارات العامة كخيار العيب و الغبن و نحوها كما سيأتي.

أما شرائط الصحة فتارة بالنسبة إلى العقد و اخرى إلى المتعاقدين و ثالثة إلى الأجرة و المنفعة، اما العقد فقد سبق القول فيه في الفصل الأول، و كان ينبغي ان تخص (المجلة) هذا الفصل لشرائط المتعاقدين و تخص الأول بشرائط العقد و لكنها أدخلت بعضا في بعض و خلطت في الفصلين بين شرائط هذا و ذاك ففاتها حسن التحرير و متانة التأليف، ففي مادة (444) يشترط في انعقاد الإجارة أهلية العاقدين يعني، كونهما عاقلين مميزين، ذكرت شرائط العاقدين من العقل و التمييز و أهلية التصرف بالملك أو الوكالة أو الولاية أو الوصية عن المالك و لكنها أقحمت في خلال ذلك مادة (445) المشتملة على ما هو من شرائط العقد و هو اشتراط موافقة الإيجاب و القبول و اتحاد مجلس العقد و كان حق هذا ان يذكر في الفصل الأول.

و كيف كان فلا ريب في فساد عقد المجنون حال جنونه عند الجميع و هو

ص: 148

عند الإمامية من الشرائط العامة المعتبرة في صحة كل عمل من عبادة أو معاملة و أولها العقل، و ثانيها البلوغ، و لكن بعض فقهاء المذاهب يكتفون بالتمييز عن البلوغ فتصح عندهم معاملة الصبي المميز، أما الإمامية فبين قائل بالبطلان مطلقاً و هم الأكثر و بين قائل انها موقوفة على اجازة الولي فيشبه الفضولي من هذه الجهة و ان كان العاقد مالكا، و هذا القول سديد و لعل القائل به كثير حتى من فقهاء المذاهب كالاحناف و غيرهم و قيل بنفوذه مطلقاً أو في خصوص الوصية و نحوها مما ورد النص به و القائل به منا قليل.

اما توافق الإيجاب و القبول فهو شرط ضروري و ركني فلو وقع القبول على غير ما وقع الإيجاب عليه لم يقع عقد أصلًا، اما اتحاد مجلس العقد فغير لازم لا هنا و لا في البيع انما اللازم فيهما كما مرت الإشارة إليه في البيع- الموالاة بين الإيجاب و القبول- و تحصل بحفظ الهيئة الاتصالية بينهما بحيث لا يعد القبول مبتوراً عن الإيجاب ككلام مستقل و قد أوضحناه في (الجزء الأول) مفصلًا فراجع، فإذا حصل التوالي بين الإيجاب و القبول صح العقد من هذه الجهة سواء اتحد مجلس العقد أم تعدد فلو أوجب المؤجر في غرفة ثم قاما مصطحبين إلى غرفة قريبة و قبل المستأجر حصل التوالي و ان تعدد مجلس العقد و هو واضح.

(مادة: 446) يلزم ان يكون الآجر متصرفا بما يؤجره أو وكيل المتصرف أو وليه أو وصيه،،،

هذه المادة لبيان أهم شرائط الإجارة كما كانت أهم شرائط البيع و هي اعتبار ملكية المؤجر أو وكالته أو ولايته عن

ص: 149

المالك و لكن قولها بناء عليه يلزم ان يكون الأجر إلى الآخر- لا يظهر وجهه فان هذا شرط برأسه لا علاقة له بالمادة السابقة عليه و هي موافقة الإيجاب و القبول و كان حق المعنى و التعبير ان تقول: يلزم ان يكون الآجر له حق التصرف في المأجور بملك أو ولاية أو وكالة أو وصية، و أنواع الولاية ستة.

1-: ولاية الأب و الجد على الصغير.

2-: ولاية القيم المنصوب منهما.

3-: ولاية الوصي على الثلث.

4-: متولي الوقف.

5-: الحاكم الشرعي و منصوبه على الصغير الذي لاولي له من أب أوجد أو منصوبهما و على الغائب و المجنون و الممتنع.

6-: ولاية الامام على الأراضي الخراجية و الأنفال و نحوها.

اما الأمانات فإذن لا ولاية فتدبرها.

و هذه الولايات بعضها مع بعض قد تكون طولية و قد تكون عرضية فإذا اجتمع وليان أو أكثر كأب و جد نفذ تصرف السابق منها و بطل اللاحق و إذا اقترنا بطلا حيث لا يمكن الجمع.

و من العي في البيان قولهم يلزم ان يكون الآجر متصرفاً اى مالكا للتصرف فتدبره.

(مادة: 447) انعقاد إيجار الفضولي موقوف على اجازة المتصرف،

فان كان المتصرف صغيراً أو مجنوناً فالولي أو الوصي بشرط ان يكون

ص: 150

قد أوجر بأجر مثله، لكن يشترط في صحة الإجازة قيام و بقاء أربعة أشياء- العاقدين، و المال المعقود عليه، و بدل الإجارة ان كان من العروض و إذا عدم أحد هؤلاء فلا تصح الإجازة.

يعني انها موقوفة على اجازة المالك فلو كان المالك صغيراً أو مجنوناً فالولي أو الوصي إذا كانت الإجارة ببدل المثل- و الاولى ان يقال إذا كانت الإجارة موافقة للغبطة و المصلحة إذ قد تكون الغبطة فبما دونه، و على كل فيعتبر في صحة الإجازة و نفوذها بقاء أمرين فقط- المنفعة و الأجرة- إن كانت عيناً خارجية لا ديناً في الذمّة اما العاقد الفضولي فلا أثر لبقائه و عدمه إذ هو آلة للتلقط فقط، و أما المعقود له الأصيل فالأصح أيضاً اعتبار بقائه على الأهلية من الحياة و العقل و غيرها و ان أمكن المناقشة في ذلك فليتدبر.

(الفصل الثالث) في شروط صحة الإجارة
[مادة: 448] يشترط في صحة الإجارة رضا العاقدين.

حق هذا الشرط و لو احقه من القصد و الاختيار و نظائرها أن يذكر في الفصل المتقدم الذي ذكر فيه بعض شروط العاقدين من العقل و التمييز و لا بحسن هذا التبعثر و الخلل في النظام و كان ينبغي قصر هذا الفصل على شرائط المنفعة و العوض كما هو أكثر موادة بل كلها عدا الاولى.

ثم ان جميع مواد هذا الفصل قد اشتملت على شرطين من شروط

ص: 151

المنفعة و العوض- و هما: التعيين أولًا و تعيين كل شي ء بحسبه و الغرض المهم منه بيان كل ما يكون الإخلال به موجباً للغرر أو التشاجر بين المستأجر و المؤجر، و القدرة على تسليم المنفعة أو العين المؤجرة ثانياً، فلا تصح إجارة الدابة الشاردة و العبد الآبق و أمثال ذلك.

و جميع مواد هذا الفصل قوية متينة و نحن نوردها عليك درجاً تباعاً لوضوحها و عدم حاجتها الى تعليق أو تحرير.

(مادة: 449) يلزم تعيين المأجور

بناءً عليه لا يصح إيجار أحد الحانوتين من دون تعيين.

(مادة: 450) يشترط ان تكون الأجرة معلومة. (مادة: 451) يشترط في الإجارة ان تكون المنفعة معلومة

بوجه يكون مانعاً للمنازعة.

(مادة: 452) المنفعة تكون معلومة ببيان مدة الإجارة

في أمثال الدار و الحوانيت و الظئر.

(مادة: 453) يلزم عند استئجار الدابة تعيين المنفعة

بكونها للركوب أو للحمل أو إركاب من شاء من التعميم مع بيان المسافة أو مدة الإجارة.

(مادة: 454) يلزم في استئجار الأراضي بيان كونها لأي شي ء استؤجرت

مع تعيين المدة فإن كانت للزرع يلزم بيان ما يزرع فيها أو تخيير المستأجر بأن يزرع ما شاء من التعميم.

(مادة: 455) تكون المنفعة معلومة في استئجار أهل الصنعة ببيان العمل

يعني بتعيين ما يعمل الأجير أو تعيين كيفية عمله فإن أريد صبغ الثياب

ص: 152

يلزم إراءتها للصباغ أو بيان لونها أو إعلام رقتها.

(مادة: 456) تكون المنفعة معلومة في نقل الأشياء بالإشارة

و بتعيين المحل الذي ينقل اليه مثلا- لو قيل للحمال انقل هذا الحمل الى المحل الفلاني تكون المنفعة معلومة لكون الحمل مشاهد و المسافة معلومة.

(مادة: 457) يشترط ان تكون المنفعة مقدورة الاستيفاء

بناء عليه لا يصح إيجاره الدابة الفارة.

الفصل الرابع في فساد الإجارة و بطلانها
اشارة

الفساد عندهم- غير البطلان- كما سبق في البيع فيريدون من بطلانها الخلل في أركانها، و من فسادها عدم استجماع شرائطها، و من هذا يظهر التسامح في مادة (457) تبطل الإجارة ان لم يوجد أحد شروطها مثلا- إيجار المجنون و الصبي غير المميز كاستيجارهما باطل لكن لا تنفسخ الإجارة بجنون الآجر بعد انعقادها.

،، فان فقد العقل و التمييز فقد ركن لا فقد شرط، نعم لو وقعت الإجارة صحيحة ثم عرض لأحدهما الجنون أو فقد التمييز أو الموت لم تبطل لأن الأهلية شرط حدوثا لا استدامة، و على كل حال فان هذا الاصطلاح اعني الفساد و البطلان عديم الفائدة فاقد الأثر، ضرورة ان الإجارة سواء كانت فاسدة أو باطلة ان علم المستأجر قبل الاستيفاء حرم عليه التصرف

ص: 153

و لو تصرف ضمن اجرة المثل و لو علم بعده لم يكن عليه الأجرة المثل مطلقاً فأي فرق بين الفاسدة و الباطلة في الأثر العملي، أما الأجرة المسماة فلا تلزم أيضاً على كلا التقديرين و انما اللازم اجرة المثل بعد الاستيفاء مطلقاً و لا فرق في ذلك بين مال الكبير و الصغير و الملك و الوقف و العاقل و المجنون فالكل سواء امام القاعدة و القانون و القضايا الكلية، و عليه فلا وجه لمادة (459) لا تلزم الأجرة- أي المسماة- في الإجارة الباطلة بالاستعمال و لكن يلزم المثل ان كان مال الوقف أو اليتيم و المجنون بحكم اليتيم.

فإن أجرة المثل لازمة في الباطلة و الفاسدة و في اليتيم و غيره و ظهر أيضاً سقوط مادتي (460، 461) الإجارة الفاسدة نافذة لكن الآجر يملك في الإجارة أجرة المثل و لا يملك الأجر المسمى.

فان النفوذ لا معنى فيه و لا اثر له هنا و الفاسدة و الباطلة متساويان في استحقاق بدل المثل.

(مادة: 462) فساد الإجارة ينشأ بعضه من كون البدل مجهولًا

و بعضه عن فقد شرائط الصحة الآخر ففي الصورة الأولى يلزم أجر المثل بالغاً ما بلغ و في الصورة الثانية يلزم أجر المثل بشرط ان لا يتجاوز الأجر المسمى.

هذا التفصيل غير مطرد ففي صورة جهل البدل لا ريب في لزوم اجرة المثل اما في الثانية فإن كان فساد الإجارة من جهة عدم الرضا كما لو كما لو كان مكرهاً أو غافلا أو هازلا فاللازم بالاستعمال اجرة المثل أيضاً، نعم لو كان الفساد من جهة عدم التعيين كما لو قال له: آجرتك أحد

ص: 154

الحانوتين أو إحدى الدابتين بخمسة دراهم، فان اللازم هنا أقل الأمرين منها و من بدل المثل فلو كان بدل المثل سبعة لزمت الخمسة فقط لأنه قد رضي بها حسب الفرض و لو كان بدل المثل ثلاثة تعينت هي لا الخمسة لفساد عقد الإجارة بعدم التعيين و ليس هذا من جهة الفرق بين الفساد و البطلان بل من جهة الرضا بالأقل مع بطلان العقد فتدبره جيداً، و تأمل.

ص: 155

الباب الثالث «في بيان المسائل التي تتعلق بالأجرة»

اشارة

«و يحتوي على ثلاثة فصول»

الفصل الأول عرفت ان البيع و الإجارة كليهما يقعان على العين

و لكن البيع من حيث ذاتها و رقبتها و الإجارة من حيث منافعها و غلتها، و قوام المعاملات- بل العالم كله، بالحيثيات و لو لا الحيثيات «كما قيل» بطلت الحكمة، فالمعوض في البيع هو العين لا غير، و في الإجارة المنفعة فقط، اما العوض فكل مال سواء كان عيناً أو منفعة، عروضاً أو نقوداً، فكما يصح بيع الدار بمنفعة دار اخرى كذلك يصح اجارة دار بمنفعة دار اخرى.

و (الضابط العام) في بدل الإجارة ان يكون مالا معلوماً مملوكاً طلقاً مقدوراً على تسليمه، و هذا كما يصلح ان يكون ثمناً في البيع يصلح ان يكون عوضاً في الإجارة سواء بسواء و من كل هذا يظهر الخلل في مادة «463» ما صلح ان يكون بدلا في البيع يصلح ان يكون بدلا في الإجارة، و يجوز ان يكون بدلا في الإجارة- الشي ء الذي لم يصلح ان يكون ثمناً، مثلا- يجوز ان يستأجر بستاناً في مقابلة دابة أو سكنى دار.

اي ان عوض الإجارة يقع منفعة كسكنى الدار كما يقع عيناً مثل الدابة و هذا متجه واضح و لكن الذي لا يتجه كون بعض ما يصلح بدلا في

ص: 156

الإجارة لا يصلح ان يكون ثمناً، بل الحق ما عرفت من ان كل ما يصلح عوضاً في الإجارة يصلح ثمنا في البيع و بالعكس فتدبره.

اما-: مادة (464) و مادة (465) فالمقصود منهما أمر واحد و هو اعتبار معلومية بدل الإجارة و قد عرفت سابقاً ان معلومية العوضين اللازمة في البيع تعتبر في خمس جهات-: الوجود، و الحصول، و المقدار، و الجنس، و الوصف، فان كان من المكيلات أو الموزونات عرف مقداره بكيله و وزنه و ان كان من المعدودات فبعدده و الا فبمشاهدته و هكذا، و كل هذا يجري في بدل الإجارة و بدون معلوميته بذلك النحو تقع الإجارة باطلة، و كان يلزم الاكتفاء عنهما بمادة واحدة فإن الثانية تغني عن الأولى فإنها مستدركة فيقال هكذا-: يلزم ان يكون بدل الإجارة معلوما بتعيين مقداره و وصفه ان كان من العروض أو المكيلات أو الموزونات أو العدديات المتقاربة و يلزم تسليم ما يحتاج الى الحمل و المئونة في المحل الذي شرط تسليمه فيه و ان لم يبين مكان التسليم فالمأجور ان كان عقاراً يسلم في المحل الذي هو فيه و ان كان عملًا ففي محل عمل الأجير و ان كان حمولة ففي مكان لزوم الأجرة، و اما في الأشياء التي ليست محتاجة إلى الحمل و المئونة ففي المحل الذي يختار للتسليم.

هذه القضية أيضا لا تختص بباب الإجارة و لعله سبق في مباحث البيع الإشارة الى ان ما يحتاج الى حمل و مئونة سواء كان ثمناً أو مثمنا و هنا أيضاً سواء كان مأجوراً أو اجرة فإن أطلق فالمتبع عرف البلد و ان لم يكن عرف فاللازم التعيين في العقد فان لم يعينا كان باطلا للجهالة و كل هذا

ص: 157

انما يجي ء في الأشياء المنقولة و ما يحتاج نقله إلى مئونة اما غير المنقول فلا يدخل في البحث أصلا و كذلك المنقول الذي لا مئونة في نقله كالنقود، فقول (المجلة) اما في الأشياء التي ليست محتاجة إلى الحمل و المئونة ففي المحل الذي يختار للتسليم، غير سديد كما لا يخفى، اما العمل فينصرف عند الإطلاق إلى محل العمل ان كان له محل كالدار و البستان و الا فما يقع عليه الشرط.

الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بسبب لزوم الأجرة و كيفية استحقاق الأجر و الأجرة
«مادة: 466» لا تلزم الأجرة بالعقد المطلق يعني لا يلزم تسليم بدل الإجارة بمجرد انعقادها حالا.

عرفت مكرراً ان كلا من العوضين في البيع و الإجارة يملكه الآخر بمجرد العقد و يجب على كل منهما دفع ما في يده الى الآخر فلو تشاحا أجبرهما الحاكم و يكفي في إجارة الأعيان تسليم العين لاستيفاء منفعتها و في العمل التهيؤ أو تسليم العامل نفسه و بهذا يظهر ان الملكية لا تتوقف على التسليم و القبض، نعم استقرارها يتوقف عليه فمن المتجه ما في مادة «467» يلزم الأجرة بالتعجيل، و لكن غير متجه قولها: يعني لو سلم المستأجر الأجرة نقداً ملكها الآجر، فإن الملكية كما عرفت لا تتوقف على التسليم بل يكفي العقد في تحققها، نعم انما تلزم بالتسليم و التسلم

ص: 158

فتدبر.

(مادة: 468) تلزم الأجرة بشرط التعجيل،،،

يعني لو شرط إعطاء بدل الإجارة نقداً يلزم المستأجر تسليمه ان كان عقد الإجارة وارداً على منافع الأعيان أو على العمل ففي الصورة الأولى للآجر ان يمتنع عن تسليم المأجور و لكن الخيار لمن له الشرط لا لمن هو عليه فجعل الخيار لهما في المادة غير سديد و في الصورة الثانية للأجير ان يمتنع عن العمل الى ان يستوفي الأجرة.

و على كلتا الصورتين لهما مطالبة الأجرة نقداً فان امتنع المستأجر عن الإيفاء فلهما فسخ الإجارة، هذا كله عملا بمقتضى الشرط و إذا لم يف بشرطه كان للآخر خيار تخلف الشرط إذا كان الشرط في متن العقد.

(مادة: 469) تلزم الأجرة باستيفاء المنفعة

مثلا- لو استأجر أحد دابةً على ان يركبها الى محل ثم ركبها و وصل الى ذلك المحل يستحق آجرها الأجرة.

يراد من هذه المادة و التي بعدها- (مادة: 470)- بيان أمر واضح و هو أن الأجرة التي تملك بالعقد عندنا تصير لازمة بأمرين (الأول) استيفاء المنفعة (الثاني) القدرة على الاستيفاء، فمن استأجر داراً سنة أو شهراً و صارت في يده الى تمام السنة لزمنه الأجرة سواء سكنها أم لا لان فوات المنفعة بيده بمنزلة الاستيفاء- فكان يلزم جعلهما مادة واحدة بأوجز مما ذكروه بكثير بل و تنضم إليهما مادة (471) لا يكفي

ص: 159

في الإجارة الفاسدة التمكن على استيفاء المنفعة و لا تلزم الأجرة ان لم يحصل الانتفاع حقيقة.

و سر ذلك ظاهر فإن الفاسدة أو الباطلة ليس لها أي اثر عقدي غايته انه ان استوفى المنفعة لزمه اجرة المثل ضماناً و غرامة لا عقدا و معاملة فإذا لم يستوف المنفعة فأي حق عليه؟، اما مع العقد و عدم الاستيفاء كما في الصورة المتقدمة فالعقد الزمه بالأجرة و هو قد فوت المنفعة على نفسه. ه- و (الحاصل) ان كل من استولى على مال غيره عيناً أو منفعة بغير عقد معه و لا رضا منه فهو ضامن له بمثله أو قيمته سواء كان المال معدا للاستغلال أو لا و سواء صدق عليه عنوان الغصب أم لا طالبه المالك بالأجرة أم لا، و من هنا يظهر الخلل في مادة (472) و من استعمل مال غيره من دون عقد طالبه المالك بالأجرة فإن كان معدا للاستغلال تلزمه اجرة المثل و الا فلا، لكن لو استعمله بعد مطالبة صاحب المال الأجرة و ان لم يكن معداً للاستغلال يلزمه إعطاء الأجرة لأنه باستعماله في هذا الحال يكون راضياً بإعطاء الأجرة.

فإن الأجرة لازمة على كل حال و لا وجه للفرق بين ما هو معد للاستغلال و بين غيره و لا بين المطالبة بالأجرة و بين عدمها فان مال الغير لا يحل إلا بإحراز الرضا و مع عدم إحراز الرضا فهو ضامن مطلقاً، و الرضا اللازم هو رضا المالك لا رضا مستوفي المنفعة، و الظاهر ان حكم (المجلة) بعدم الأجرة في صورة عدم العقد مستند إلى القاعدة المعروفة [الأجر و الضمان لا يجتمعان] مادة (86) و هي من القواعد المسلمة عند الحنفية و خالفهم

ص: 160

فيها الإمامية و الشافعية و قد تقدم فيها البحث مفصلا و سيأتي أيضاً في مادة [596] و- هب- أننا سلمنا بالقاعدة تماشياً و لكن ما وجه الفرق بين المعد للاستغلال و غيره و بين المطالبة بالأجرة، و عدم المطالبة و الكل سواء بحكم القاعدة؟ فاما عدم الضمان مطلقاً على أصول الحنفية و أما الضمان كذلك مطلقاً على أصول الباقين فتدبره جيداً.

(مادة: 473) قد تقدمت عيناً في مادة (468) كما أنها تغني و لو أحقها عما بعدها مادة (474) إذا شرط تأجيل البدل يلزم على الأجر أولًا تسليم المأجور و على الأجير إيفاء العمل و الأجرة لا تلزم الا بعد انقضاء المدة التي شرطت.

[مادة: 475] يلزم على الأجر أولا تسليم المأجور و على الأجير إيفاء العمل في الإجارة المطلقة

التي عقدت من دون شرط التعجيل و التأجيل على كل حال، يعني ان كان عقد الإجارة على منافع الأعيان أو على العمل.

قد عرفت ان حال الإجارة في العوضين حال البيع فكما يجب التقابض بينهما في البيع و ليس أحدهما بأولى من الآخر في السبق بعد فرض استحقاق كل منهما ما على الآخر و ان تشاحا أجبرهما الحاكم فكذلك في الإجارة فلزوم تسليم المأجور أولا على المؤجر و إيفاء العمل بعد على الأجير لا وجه له إلا مع الشرط كما في-:

(مادة: 476) ان كانت الأجرة موقوتة بوقت معين كالشهرية و السنوية مثلا يلزم ايفاؤها عند انقضاء ذلك الوقت.

ص: 161

فان المتبع في جميع هذه الفروع و الفروض هو الشرط، اما المطلقة فالحكم فيها التقابض و التعجيل من الطرفين كل بحسبه، و كذا مبدأ الوقت في الموقتة يتبع الشرط فان جعله من وقت التسليم لزم كذلك و إلا فمن وقت العقد، فلو قال استأجرت دارك سنة بدينار ادفعه بعد شهر، فالإطلاق يقتضي شهراً بعد العقد لا بعد التسليم، نعم لو لم يسلم لم يستحق الأجرة و لكن لو سلم استحق الأجرة بعد شهر عن السنة التي هي من حين العقد لا من حين التسليم، غايته ان المستأجر له الرجوع على المؤجر بقيمة ما مضى من المدة و يكون كالغاصب و لا يبعد ثبوت الخيار له، و من هنا يظهر الخلل في مادة (477) تسليم المأجور شرط في لزوم الأجرة يعني تلزم الأجرة اعتباراً من وقت التسليم فعلى هذا ليس للآجر مطالبة اجرة مدة مضت قبل التسليم و ان انقضت مدة الإجارة قبل التسليم لا يستحق الآجر شيئاً من الأجرة، يعني ان الإجارة تبطل لفوات محلها و يحتمل الصحة و الرجوع عليه بالقيمة.

و خلاصة التحقيق هنا- و ان مرت الإشارة إليه غير مرة- ان كلا من البائع و المشتري و الأجير و المستأجر عند تمامية العقد يستحق على الآخر ما وقع العقد عليه و يصير ملكاً له و لكن متزلزلا فإذا وقع القبض و الإقباض استقرت الملكية و لازمها ان لكل منهما مطالبة الآخر بالمال المنتقل منه اليه سواء أقبض أحدهما الآخر و سلمه أم لا فان استحقاق المطالبة من لوازم ذات العقد لا من لوازم تسليم أحدهما و عدم تسليمه.

و من هنا ظهر تسامح تعبير السيد الأستاذ قدس سره في عروته إذ يقول:

ص: 162

و لكن لا يستحق المؤجر مطالبته الا بتسليم العين أو العمل كما لا يستحق المستأجر مطالبتهما الا بتسليم الأجرة كما هو مقتضى المعاوضة، ا ه بل التعبير الصحيح أن كلا منهما يستحق مطالبة الآخر سواء سلم هو أم لا و هو واضح.

(مادة: 478) لو فات الانتفاع بالمأجور بالكلية سقطت الأجرة

مثلًا- لو احتاج الحمام الى التعمير و تعطل في أثناء تعميره تسقط حصته تلك المدة من الأجرة و كذلك لو انقطع ماء الرحى و تعطلت تسقط الأجرة اعتبارا من وقت انقطاع الماء و لكن لو انتفع المستأجر بغير صورة الطحن من بيت الرحى يلزمه إعطاء ما أصاب حصة ذلك الانتفاع من بدل الإجارة.

هذا البحث الأثيل لم توفه (المجلة) حقه مع انه من أهم مباحث الإجارة وقعاً، و أعمها نفعاً، و أوسعها فرعاً، و تحريره بتنقيح و اختصار- ان امتناع الانتفاع بالعين المستأجرة لا يخلو إما ان يكون لأمر قهري (أرضى أو سمائي) أو لسبب اختياري بشري أو لحادث اتفاقي اعتباري، و على جميع التقادير فاما ان يحدث بعد العقد قبل القبض أو بعده، قبل استيفاء شي ء من المنفعة أو بعد استيفاء مقدار منها فيتخرج من ذلك عدة صور.

الأولى-: ان يحدث المانع بعد العقد قبل القبض فان كان يعد تلفاً فلا إشكال في البطلان اما لقاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه ..) ان قلنا بأنها على القاعدة فتجري في غير البيع و الا فالخيار من جهة تعذر التسليم كما سيأتي.

ص: 163

الثانية-: ان يحدث بعد القبض قبل استيفاء شي ء من المنفعة فإن كان تلفاً أو بحكمه كموت العبد و تشرد الدابة و سقوط الانية في البحر كان له خيار تعذر التسليم فان المستأجر و ان قبض العين و استلام العين استلام لمنافعها فيكون التلف عليه كما في البيع لو تلف المبيع في يد المشتري و لكن حيث ان المنافع تدريجية الحصول فلا يكون استلام العين استلاماً لها الا بعد مضي تمام المدة فتكون من هذه الجهة بحكم غير المقبوض و ان كان قبضاً من حيث صيرورة الأجرة به لازمة كلزوم العقد الذي هو من آثار قبض المنفعة التي وقعت الأجرة عنها فان اختلاف الحيثية كما عرفت يصحح اختلاف الحكم، و حينئذ فإما الحكم بالانفساخ بقاعدة (التلف قبل القبض،،،) بناء على عمومها لغير البيع أو الخيار لتعذر التسليم، و إذا لم يكن تلفاً أو بحكمه كمطر أوجب انهدام الدار كلا أو بعضاً أو سيل أوجب غرق المزرعة فلا تصلح للزرع و ما أشبه ذلك، كان للمستأجر خيار العيب و لو قلنا بأنه يلزم المالك بالمبادرة إلى إصلاحه فإن أمكن بحيث لا يفوت من المنفعة زمن معتد به وجب و لا خيار و الا كان له الخيار.

الثالثة-: ان يحدث بعد استيفاء مقدار من المنفعة فإن كان المانع مما يعد تلفاً بالنسبة إلى الباقي جاءت قاعدة (التلف قبل القبض،،،) بناء على عمومها و جاء التقسيط و يكون الانفساخ حينئذ من حين حدوث المانع و استقرب السيد الأستاذ قدس سره كون الانفساخ من حين العقد فيرجع المسمى إلى المستأجر و يدفع أجرة المثل للمؤجر عن مقدار ما استوفاه من المنفعة و يدفعه أصالة اللزوم في العقد و وجوب الوفاء به

ص: 164

حسب الإمكان، و إن لم يكن تلفاً فالخيار اما للعيب أو لتعذر التسليم.

الرابعة-: ان يكون المانع من فعل بشر و هو اما المؤجر نفسه أو المستأجر نفسه أو أجنبي فإن كان هو المؤجر فالمستأجر بالخيار بين الفسخ و استرجاع المسمى و بين الإمضاء و يأخذ منه بدل مثل المنافع التي استحقها بعقد الإجارة، و ان كان هو المستأجر لزم العقد و كان بمنزلة استيفاء المنافع و ضمن للمؤجر العين و ان كان هو الأجنبي تخير المستأجر بين الفسخ و استرجاع المسمى لتعذر التسليم أو إمضاء العقد و الرجوع على الأجنبي ببدل المثل و على كلا التقديرين يضمن المتلف العين للمالك مسلوبة المنفعة و يدخل في هذا النوع غصب الغاصب، و تسلط الظالم، و انتزاع الجائز و الغاشم، و ما الى ذلك من أنواع الاستيلاء العدواني.

الخامسة-: ان يكون المانع من الانتفاع حادث اتفاقي اعتباري كما لو استأجر حانوتا في سوق ثم سقط استعمال ذلك السوق و صار الرواج في سوق آخر أو هجرت القرية التي كان بها ذلك السوق أو صار إضراب و نحوه مما يوجب سد الحوانيت مدة شهراً أو أكثر و أمثال ذلك من الحوادث الاتفاقية فالمسئلة هنا مشكلة و لا تخلو من غموض فإنه و ان لم يكن تلفاً و لكن يشبه ان يكون بحكم التلف، و إذا لم يكن عيباً فيشبه ان يكون بمنزلة العيب و مع ذلك كله فالظاهر أو الصريح من (المجلة) لزوم الأجرة-:

(مادة: 479) من استأجر حانوتاً و قبضه ثم عرض للمبيع أو الشراء

كباد ليس له ان يمتنع عن إعطاء كراء تلك المدة بقوله ان الصنعة ما راجت و الدكان بقي مسدوداً.

ص: 165

و عقدة الاشكال ما ذكرنا من ان قبض المنافع نظراً لكونها تدريجية لا يحصل بمجرد قبض العين بل لا بد من انتهاء المدة فلو تعطلت المنافع في بعض المدة كان بمنزلة التلف قبل القبض ينفسخ العقد بالنسبة اليه و يأتي التقسيط عند المشهور و الانفساخ القهري في الجميع عند السيد في العروة، و وجه الأول ان العقد ينحل الى عقود، و وجه الثاني بساطة العقد، أو ان الانفساخ من حين المانع عندهم و من حين العقد عنده، و قد عرفت ان الأصح الأول، و ثمرة المسألة لا تزال في غلاف من الخفاء و من كل ما ذكرنا ظهر لك انه لو احتاج الحانوت أو الدار أو الحمام و ما أشبهها إلى إصلاح في المدة فهي على المؤجر، فاما تسقط من الأجرة بحسابها أو يستوفى أياماً اخرى بمقدارها و من هذا الباب-:

(مادة: 480) لو استأجر زورقاً على مدة و انقضت في أثناء الطريق تمتد الإجارة إلى الوصول الى الساحل

و يعطي المستأجر أجر مثل المدة الفاضلة.

و التعبير بامتداد الإجارة تسامح بل الإجارة تنتهي بانتهاء مدتها و لكنه مأذون بالإذن الشرعي لضرورة حفظ النفس أو المال الى استعمال الزورق الى ان ينتهي إلى الساحل بأجرة المثل و تظهر الثمرة ان للمالك المؤجر ان يطالب بأجرة المثل عن الأيام الزائدة على المدة لو كانت زائدة على اجرة المسمى بخلاف ما لو قلنا بامتداد الإجارة فتدبر.

أما (مادة: 481) لو اعطى أحد داره آخر على ان يرمها و يسكنها بلا اجرة

ثم رامها و سكنها ذلك الآخر كان من قبيل العارية و مصارف

ص: 166

الأمانات لم يكن له ذلك سيما مع مطالبة المالك و كذا في عقد الإجارة فإن للمؤجر ان يحبس العين حتى يقبض الأجرة مع انه قد تعلق به حق الغير و هو المنفعة و لكنه معاوضي لا يستحقه الا بالعوض و لصاحب الحق ان يحبسه حتى يقبض العوض، فالعامل في العين سواء كان لعمله أثر كالخياطة في الثوب أو لا اثر له كحمل الطعام له ان يحبس الطعام أو الثوب حتى يقبض حقه، و اثر ذلك انه لو حبس العين لاستيفاء حقه بغير تعد و لا تفريط لا ضمان عليه في الصورتين بل لا يبعد صحة إلزامه بالأجرة و ان تلفت العين لأنها قد استقرت عليه و التلف لا يصلح لان يكون مسقطاً كما هو ظاهر، و هو نظير ما لو تلفت العين في يده بعد العمل و قبض الأجرة بغير تفريط فكما انه ليس له ان يرجع بها كذلك يجب عليه هنا دفعها و التلف لا اثر له في المقامين و من هنا ظهر الخلل في مادة (483) ليس للأجير الذي ليس لعمله اثر كالحمال و الملاح ان يحبس المستأجر فيه و بهذا الحال لو حبس الأجير المال و تلف في يده يضمن و صاحب المال في هذا مخير ان شاء ضمنه محمولًا و اعطى أجرته و ان شاء ضمن غير محمول و لم يعط أجرته.

ص: 167

التعمير عائدة اليه و ليس لصاحب الدار ان يطالبه تلك المدة بشي ء من الأجرة- خارجة عن مباحث الإجارة، فإنها عارية مشروطة بل إباحة مقيدة و لا يختص هذا بالدار بل قد يعبره الدابة للركوب و يشترط عليه علفها، بل يمكن ان يقال: ان نفقة المستعار مطلقاً على المعير إلا إذا شرط انها على المالك على ان لزوم مثل هذه الشروط الواقعة في العقود الجائزة كالعارية أو في ما يشبه الإيقاع كالإباحة محل نظر و لتحقيق ذلك مقام آخر.

الفصل الثالث في ما يصح للأجير ان يحبس المستأجر فيه في استيفاء الأجرة و ما لا يصح

(مادة: 482) يصح للأجير الذي لعمله اثر كالخياط و الصباغ و القصار ان يحبس المستأجر لاستيفاء الأجرة ان لم يشترط نسيئتها و بهذا الوصلة لو حبس ذلك المال و تلف في يده لا يضمن و بعد تلفه ليس له ان يستوفي الأجرة.

العين المأجورة لاستيفاء منفعتها أو للعمل فيها- كالدابة للركوب أو الثوب للخياطة أو الطعام للحمل- كلها امانة في يد المستأجر و العامل لكن ليس على حد سائر الأمانات بل يده عليها يد أمانة معاوضة يعني انها مقبوضة بالمعاملة و العوضية إما بالمثل أو القيمة أو المسمى و لذا جاز للبائع ان يحبس المبيع حتى يقبض الثمن و يتقابضا و لو كان على حد سائر

ص: 168

الباب الرابع في (بيان المسائل التي تتعلق بمدة الإيجار)

(مادة: 484) للمالك ان يؤجر ماله و ملكه لغيره مدة معلومة قصيرة كاليوم أو طويلة كالسنين.

هذا مما لا اشكال فيه لأن الإنسان حر في ملكه يتصرف كيف شاء و (الناس مسلطون على أموالهم) فلو أراد الرجل المسن ان يؤجر داره مائة سنة كان له ذلك سواء كانت الغبطة فيه أم لا و لكن هذا فيما هو ملكه اما ما هو ملك غيره و له الولاية عليه مثل مال الوقف و مال اليتيم و مال الغائب الذي لا وكيل له و أمثال ذلك فلا يبعد القول بان تصرف الولي فيها منوط بالمصلحة فربما لا تكون المصلحة بإجارته أكثر من سنة أو سنتين و الحاصل ان الأولياء ليس حالهم فيما لهم الولاية عليه كحالهم في أموالهم الخاصة بهم و هو واضح.

(مادة: 485) ابتداء مدة الإجارة تعتبر من الوقت الذي سمي أي عين و ذكر عند العقد.

عرفت انه لا بدّ من تعيين المدة في إجارة المنافع بل و اجارة الأعمال فإن عين ابتدائها بعد شهر أو يوم أو غير ذلك في متن العقد تعين و ان أطلق كان الابتداء من بعد العقد بلا فصل كما في مادة (486) إذا

ص: 169

لم يذكر ابتداء المدة حين العقد يعتبر من وقت العقد، فهاتان المادتان عبارة عن مادة واحدة تؤدى بأخصر عبارة و أقل ألفاظ من إحديهما.

و (مادة: 487) كما يجوز إيجار عقار على ان يكون لسنة في كل شهر أجرته كذا دراهم كذلك يصح إيجاره لسنة بكذا دراهم بدون بيان شهريته أيضاً

- فهي واضحة لا تحتاج الى بيان.

و (الضابطة) انه كلما كانت الأجرة و المنفعة و المدة معلومة صحت الإجارة، و يتفرع على لزوم تعيين المدة انه لو آجره كل شهر بكذا أو كل سنة بكذا و لم يعين مقدار الأشهر أو السنين لم تصح الإجارة لجهالة المدة، و من هذا يظهر فساد ما في مادة (494) لو استأجر عقاراً شهريته بكذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر يصح العقد، بل الأصح أنه يبطل عند أكثر فقهاء الإمامية، ثم ان إطلاق السنة عند المسلمين ينصرف إلى الهلالية الهجرية الا ان يكون المتعارف في بلد غير هذا فيحمل الإطلاق عليه كما ان منصرف الشهر هو الهلالي و عليه مادة (488) إذا عقدت الإجارة في أول الشهر على شهر واحد أو أزيد من شهر انعقدت مشاهرة، و بهذه الصورة يلزم دفع اجرة شهر كامل و إن كان الشهر ناقصاً عن ثلاثين يوماً.

و «الضابطة» ان الشهر عند الإطلاق هو الهلالي فان لم يمكن حمله عليه فهو العددي كما في مادة (489) لو اشترط على ان تكون الإجارة لشهر واحد فقط و كان قد مضى من الشهر جزء يعتبر الشهر ثلاثين.

يعني في الإجارة المنجزة لا المضافة التي تدور مدار التعيين عددياً أو

ص: 170

هلاليا كما هو واضح، و عليه أيضا تبنى مادة (490) لو اشترط ان تكون الإجارة لكذا شهور و كان قد مضى من الشهر بعضه يتم الشهر الأول الناقص على ان يكون ثلاثين يوماً من الشهر الأخير و توفى في اجرة باقي الأيام بحساب اليومية و تعتبر الشهور التي بينها بالأهلة- مثلا لو قال: في نصف رجب- أجرتك الدار ثلاثة أشهر احتسب شعبان و رمضان هلاليين ناقصين كانا أو كاملين و أكمل رجب من شوال ما يتم به ثلاثين على أنه شهر عددي و لا حاجة الى حساب اليومية لأن الغرض ان الأجرة على الشهور لا على الأيام، و يمكن ان يقال: انه يكمل الشهر على واقعة فان كان ناقصاً أكمل تسعة و عشرين و ان كان تاما أكمل ثلاثين و له وجه و الأول أوجه.

(مادة: 491) كما يعتبر الشهر الأول الناقص ثلاثين إذا اشترط

كذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر عند مضي بعض الشهر كذلك تعتبر سائر الشهور التي ستأتي ثلاثين يوماً على هذا الوجه،،، في هذه المادة من التعقيد و التطويل ما أضاع المقصود، و حاصله انه إذا آجر شهرياً من دون تعيين عدد الأشهر و كان في أثناء الشهر فالأشهر كلها تحسب عددية ثلاثين ثلاثين، و لكن هذه الإجارة عندنا فاسدة و لا بدّ من تعيين عدد الأشهر، و الحكم بصحتها في الشهر الأول و فسادها في الباقي كما سيأتي، و ينسب الى بعض فقهاء المذاهب تحكم صرف لا دليل عليه.

(مادة: 492) لو عقدت الإجارة في أول الشهر لسنة

تعتبر اثني

ص: 171

عشر شهراً.

عرفت ان الشهر عند المسلمين بإطلاقه يحمل على الأشهر الهلالية كما ان السنة اثنى عشر هلالي كما يدل عليه كريمة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنٰا عَشَرَ شَهْراً) و (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوٰاقِيتُ لِلنّٰاسِ) نعم لو كان المتعارف في بلدهم السنة الشمسية فلا شك ان الإطلاق يحمل عليها لان العرف الخاص يقدم على العرف العام و على العرف الشرعي في هذه الموضوعات، و على ما ذكرنا تبتني مادة (493) لو عقدت الإجارة لسنة و كان قد مضى من الشهر بعضه يعتبر منها شهر أياماً و باقي الشهور الإحدى عشر بالهلال، و هو مسلم لا كلام فيه، انما الكلام في ان الشهر العددي هل يحسب ثلاثين أو يحسب على ما اتفق من حال الشهر الأول من ثلاثين أو تسعة و عشرين و كما سبق قريباً.

(مادة: 494) لو استأجر عقاراً شهريته بكذا دراهم من دون بيان عدد الأشهر يصح العقد

لكن عند ختام الشهر الأول يصح لكل من الآجر و المستأجر فسخ الإجارة في اليوم الأول و ليلته من الشهر الثاني الذي يليه.

و قد عرفت ان هذا تحكم صرف لا دليل عليه فاما يبطل في الجميع أو يصح في الجميع و لا فرق بين قبض الأجرة و عدمه فإنه إذا لم يعين عدد الأشهر أو السنين أو الأيام تقع الإجارة مطلقاً و كلما ذكر في هذه المادة من الذيول و الفروع و التقاسيم عارية عن الدليل سيما قوله: و ان كان قد قبضت اجرة شهرين أو أزيد فليس لأحدهما فسخ اجارة الشهر المقبوض أجرته، فإن

ص: 172

قبض الأجرة لا يرفع ما وقع العقد عليه من الإجمال و هذا أيضاً من أحكامهم الكيفية التي يرجعون فيها الى الاستحسان مع عدم مساعدة الأدلة الشرعية.

(مادة: 495) لو استأجر أحد أجيراً على ان يعمل يوماً يعمل من طلوع الشمس الى العصر

أو الى الغروب على وفق عرف البلدة في خصوص العمل.

هذا مع الإطلاق اما مع التعيين فهو المتبع.

(مادة: 496) لو استؤجر نجار على ان يعمل عشرة أيام

تعتبر الأيام التي تلي العقد و ان كان قد استؤجر في الصيف على ان يعمل عشرة أيام لم تصح الإجارة ما لم يعين العمل اعتباراً من اي شهر و اى يوم.

لا فرق بين الصيف و غيره في ان الإطلاق يقتضي الانصراف إلى الأيام التي تلي العقد الا ان تكون هناك قرينة خاصة من حال أو مقال تمنع هذا الانصراف أو عرف خاص في البلد يقتضي خلافه، اما كون الوقت صيفاً أو شتاءً فلا اثر له في لزوم التعيين و لا في عدمه فتدبره.

ص: 173

الباب الخامس في الخيارات

اشارة

(و يشتمل على ثلاثة فصول) لعلك علمت من مباحث الخيار في البيع ان الخيار تارة يثبت من دليل خاص و اخرى يقتنص من الأدلة العامة كقاعدة الضرر و عمومات الشروط و نحوها فما قام الدليل على ثبوته في البيع اقتصر عليه و لم يتعد الى غيره من المعاملات لما عرفت من ان الخيار على خلاف الأصل و ما استفيد من العمومات أطرد في كل معاملة انطبق عليها ذلك الدليل، و حيث ان مثل خيار المجلس و الحيوان و التأخير كانت أدلتها واردة في البيع فهي مقصورة عليه و لا يجري في إجارة و لا غيرها، و اما بقية الخيارات المستفادة من الأدلة العامة و ان أيدتها الأدلة الخاصة فهي تجري في الإجارة كما تجري في البيع، و إليك بيانها و عنوانها.

1-: خيار الشرط- و منه شرط الخيار عند رد العوض أي الأجرة.

2- خيار العيب.

3- خيار الغبن.

4- خيار الاشتراط.

5- خيار تبعض الصفقة.

ص: 174

6-: تعذر التسليم 7-: التفليس.

8-: التدليس.

9-: الشركة.

10- ما يفسد ليومه.

11- خيار الوصف.

12- خيار الورثة فيما زاد على الثلث

الفصل الأول «في بيان خيار الشرط»
[مادة: 497] يجري خيار الشرط في الإجارة كما جرى في البيع

و يجوز الإيجار و الاستيجار على ان يكون أحدهما أو كلاهما مخيراً كذا أيام.

خيار الشرط في الإجارة كخيار الشرط في البيع يصح ان يجعلاه لأحدهما أو لكليهما أو لأجنبي على نحو المؤامرة أو المشاورة أو الاستقلال متصلا بالعقد أو منفصلا عنه في يوم أو أيام أو أكثر حسب ما يتفقان عليه من توزيع الأجرة لو حصل الفسخ في الأثناء أو ردها تماماً، اما مع عدم التعيين فالتوزيع- كل ذلك لعموم أدلة الشروط.

(مادة: 498) كما ان الفسخ و الإجارة على ما بين في مادة (302 و 303 و 304) يكونان قولا كذلك أيضاً يكونان فعلا

ص: 175

- بناء عليه لو كان الآجر مخيراً و تصرف في المأجور بوجه من لوازم التملك فهو فسخ فعلي و تصرف المستأجر المخير في المأجور كتصرف المستأجرين إجازة فعلية.

إذا كان للمؤجر خيار فآجر العين ثانياً من مستأجر آخر فان كان في غير زمن خياره فهو فضولي عن المستأجر و ان كان في زمن خياره فهو فسخ للإجارة الاولى، و ان كان الخيار للمستأجر و تصرف في العين المستأجرة أيام الخيار على نحو تصرف المستأجرين فهو اجازة منه لان التصرف أمارة نوعية على الرضا و الالتزام، و هذا واضح وضوح مادة (500) لو انقضت مدة الخيار قبل فسخ المخير أو إنفاذه الإجارة يسقط الخيار و تلزم الإجارة و مادة (501) مدة الخيار تعتبر من وقت العقد، يعنى مع الإطلاق، و لكن مادة (502) ابتداء مدة الإجارة يعتبر من وقت سقوط الخيار- مبني على ما سبق في البيع من ان المبيع مع خيار البائع لا يملكه المشتري إلا بعد انقضاء زمن الخيار، و عرفت انه ممنوع عند جمهور فقهاء الإمامية و شذ من نسب إليه الرأي المتقدم الذي عرفت فيما سبق ضعفه من حيث القواعد.

[مادة: 503] لو استؤجرت ارض على ان تكون كذا ذراعاً أو دونماً فخرجت زائدة أو ناقصة تصح الإجارة

و يلزم الأجر المسمى لكن المستأجر مخير حال نقصانها، له ان يفسخ الإجارة ان

ص: 176

هذه القضية فرع يبتنى على أصل كثير الفروع، و كلي متوفر المصاديق و هو باب الكميات المتصلة و المنفصلة و قد مر نظير ذلك في البيع أيضاً مثل ما لو باع قطعة قماش أو منقلة حديد أو آجر داراً على انها خمس غرف أو سيارة بناء على انها رقم كذا فتبين الخلاف في الجميع زيادة أو نقصاً فان العدد المخصوص ان كان على سبيل القيدية و التعيين و (المقيد عدم عند عدم قيده) فالإجارة ان كانت شخصية تقع باطلة و ان كانت كلية صحت و طالب بالمصداق في صورة النقص ورد الزائد في صورة الزيادة و ان كان على سبيل الشرطية و تعدد المطلوب صحت مع المخالفة ان كانت شخصية و كان له خيار تخلف الشرط و ان كانت كلية طالب بالمصداق أورد الزائد.

هذا كله قبل الاستيفاء اما بعده فعليه اجرة مثل ما استوفاه و يطالب بالمصداق أو يرد أو يفسخ على اختلاف الصور، و يظهر من (المجلة) ان له الخيار في صورة النقص و له الزائد في صورة الزيادة و هو غريب و لا ندري بأي وجه يتملكها مع ان العقد وقع على الأقل منها، و قد تقدم في مادة (226) الى (228) ما لعله ينفع هنا أيضاً فراجع.

ثم ان حال الزمان في الزيادة و النقصان حال المقادير و الأوزان في الأجناس و الأعيان فلو اكترى منه دابة على ان يوصله بها الى [بغداد] في أول رجب أو أعطاه ثوباً ليخيطه و يدفعه له ليلة العيد فتأخر عن ذلك فان كان على نحو القيدية لم يستحق الأجير شيئاً أصلا لأنه لم يأت بالمأجور عليه و لا بشي ء منه لانه بسيط لا تركيب فيه

ص: 177

و ان كان على نحو الشرطية كان له الفسخ فان فسخ استحق الأجير بدل المثل و ان امضى فالمسمى، و بهذا يظهر الخلل في مادة (505) يجوز عقد الإجارة على عمل عينت أجرته و شرط ايفاؤه في الوقت الفلاني يكون الشرط معتبراً مثلا- لو اعطى أحد إلى الخياط ثيابا على ان يفصلها و يخيطها هذا اليوم أو لو استكرى أحد ذلولا بشرط ان يوصله في عشرة أيام إلى مكة تجوز الإجارة و الآجر ان اوفى الشرط استحق الأجر المسمى و الا استحق أجر المثل بشرط ان لا يتجاوز الأجر المسمى.

(مادة: 504) لو استؤجرت ارض على ان كل دونم منها

بكذا دراهم يلزم إعطاء الأجرة بحساب الدونم إذا كانت الدونمات معلومة العدد،،، هذا إذا كانت الدونمات معلومة العدد و الا فهي باطلة كما عرفت مكررا، و لو قلنا بالصحة فهو واضح لا يحتاج الى بيان.

(مادة: 506) يصح ترديد الأجرة على صورتين أو ثلاث في العمل و العامل و الحمل و المسافة و الزمان و المكان

و يلزم إعطاء الأجرة على موجب الصورة التي تظهر فعلًا، مثلًا- لو قيل للخياط ان خطت دقيقاً فلك كذا و ان خطت خشناً فلك كذا، فأي الصورتين عمل له أجرتها أو لو استؤجر حانوت بشرط ان اجرى فيه عمل العطارة فأجرته بكذا و ان اجرى فيه عمل الحدادة فبكذا فبأي العمل اجرى فيه يعطى أجرته التي شرطت، و كذا لو استكريت دابة بشرط ان حملت حنطة فأجرتها بكذا و ان حملت حديداً فبكذا، فأيهما حمل يعطى أجرته التي عينت، أو لو قيل للمكاري استكريت منك

ص: 178

هذه الدابة إلى (چورتي) بكذا و الى (ادرنه) بكذا و الى (فلبه) فإلى أيهما ذهب المستأجر يلزمه اجرة ذلك، و كذا لو قال الآخر أجرت هذه الحجرة بكذا و هذه بكذا فبعد قبول المستأجر يلزمه أجرة الحجرة التي سكنها، و كذلك لو ساوم أحد الخياط على ان يخيط له (جبة) بشرط ان خاطها اليوم فله كذا و ان خاطها بكرة فله كذا تعتبر الشروط.

ذكر فقهاؤنا في أكثر مؤلفاتهم نظير هذه الفروض بما صورته: إذا قال: ان خطت هذا الثوب فارسياً اي (بدرز) فلك درهم و ان خطته رومياً اي (بدرزين) فلك درهمان فان قصد الإجارة بطل للجهالة و ان قصد الجعالة صح، و كذا لو قال: إذا صبغت ثوبي اليوم فلك درهم و ان صبغته غداً فنصف و القول بصحتهما إجارة أو التفصيل ضعيف و لو عمل في صورة البطلان استحق أجرة المثل.

ثم ذكروا فرضاً آخر و هو- ما لو استأجر من رجل دابته على ان يوصله الى المحل المعين في زمن معين، أو يرسل كتابه الى زيد كذلك فلم يوصله فانكان لعدم سعة الوقت و عدم إمكان الوصول فالإجارة باطلة لعدم القدرة، و ان كان الزمان واسعاً فان كان عدم الإيصال عن تقصير منه فلا يخلو اما ان يكون أخذ الإيصال الخاص على نحو القيدية بمعنى وحدة المطلوب أو على نحو الشرطية- أي التعدد- فعلى الأول البطلان و لا يستحق شيئاً، و على الثاني الصحة و الخيار، و مع الفسخ فاجرة المثل، و مثله لو استأجره لصوم الخميس فصام السبت و ان لم يكن

ص: 179

عن تقصير بل لحدوث مانع فان كان عاماً كثلج أو مطر شديد أو محاربة في الطريق فهي باطلة، و مثله ما لو كان المانع خاصاً كمرض أو ظالم أو عدو و نحو ذلك و كانت الإجارة شخصية مقيدة بالمباشرة، اما لو لم تكن شخصية فهي صحيحة و يوجه غيره للعمل و الاستيفاء و تلزمه الأجرة على كل حال.

و «بالجملة» فالمانع العام حكمه حكم التلف السماوي و كذا الخاص مع قيد المباشرة.

و بهذا تستطيع استخراج الفروع الكثيرة التي هي من هذا القبيل.

(الفصل الثاني) خيار الرؤية

[مادة: 507] للمستأجر خيار الرؤية.

(مادة: 508) رؤية المأجور كرؤية المنافع.

(مادة: 509) لو استأجر أحد عقاراً من دون ان يراه يكون مخيراً عند رؤيته.

حال خيار الرؤية في الإجارة كحاله في البيع فلو آجره داراً غايبة بالوصف ثم انكشف الخلاف كان له الخيار. اما لو رآها و استأجرها بتلك الرؤية فلا خيار بعد الاختبار إلا إذا تغيرت بعد الرؤية و قبل

ص: 180

العقد عليها، و لكن حيث ان المنافع كما عرفت غير مجتمعة الاجزاء في الوجود فلا يمكن رؤيتها لذلك صارت رؤية العين تقوم مقام رؤية المنفعة فيسقط الخيار برؤية العين و ان لم ير المنفعة كما في المادة (508) و مادة (510) من استأجر داراً كان قد رآها من قبل ليس له خيار الرؤية إلا لو تغيرت رؤيتها الاولى بانهدام محل يكون مضراً للسكنى فحينئذ يكون مخيراً، بل و حتى لو لم يكن مضراً، و كما يكون للمستأجر خيار الرؤية كذلك يكون للأجير في محل عمله حيث يكون مما تختلف مصاديقه أو أصنافه كما في مادة (511) كل عمل يختلف ذاتاً باختلاف المحل فللأجير فيه خيار الرؤية، مثلًا- لو ساوم أحد الخياط على ان يخيط له (جبة) فالخياط بالخيار عند رؤية (الجوخ) أو (الشال) الذي يخيطه، بخلاف ما لم يكن فيه اختلاف كنقل الطعام من مكان معين الى معين أو كما ذكر في مادة (512) كل عمل لا يختلف باختلاف المحل الى الآخر.

(الفصل الثالث) في خيار العيب
[مادة: 513] في الإجارة أيضاً خيار العيب كما يلحظ البيع

و لكن العيب في الإجارة لا يكون في ذات المنفعة لأنها ليست من

ص: 181

الأمور المستقلة في الوجود و انما يكون فيما تتقوم به المنفعة و هو العين فكل عيب في العين يوجب نقصاً في المنفعة المقصودة بالإجارة فهو سبب لثبوت الخيار فيها كما ذكر في مادة «514» العيب الموجب للخيار في الإجارة هو ما يكون سبباً لفوات المنافع المقصودة بالكلية أو إخلالها كفوات المنفعة المقصودة من الدار بالكلية بانهدامها و من الرحى بانقطاع ملئها، أو كاخلالها بسقوط سطح الدار أو بانهدام محل مضر للسكنى أو بانجراح ظهر الدابة فهؤلاء من العيوب الموجبة للخيار في الإجارة و اما النواقص التي لا تخل بالمنافع كانهدام بعض محال الحجرات بحيث لم يدخل الدار برد و لا مطر، و كانقطاع عرف الدابة أو ذيلها فليست موجبة للخيار في الإجارة.

(مادة: 515) لو حدث في المأجور عيب فإنه كالموجود في وقت العقد.

يفترق العيب في الإجارة عنه في البيع بأنه متى ظهر أوجب الخيار في الإجارة حتى بعد القبض و استيفاء بعض المنافع بخلافه في البيع فإنه لا اثر له بعد القبض و انقضاء الخيار فالموجود قبل العقد و الحادث بعده و الحادث بعد القبض و بعد الاستيفاء كلها توجب الخيار بين فسخها في الباقي و إمضائها و إعطاء تمام الأجرة كما في مادة (516) لو حدث في المأجور عيب فالمستأجر بالخيار ان شاء استوفى المنفعة مع العيب و اعطى تمام الأجرة و ان شاء فسخ الإجارة.

يعني انه ليس له المطالبة بالأرش كما في البيع مطلقا أو في بعض

ص: 182

الصور، و لكن التحقيق انه لا مانع منه هنا بناء على ان المطالبة بالأرش و عدم الفسخ على مقتضى قاعدة أصالة اللزوم بالعقود و انه يجب الوفاء بالعقد حسب الإمكان و الأرش غرامة للوصف أو الجزء الفائت و كذا لو زال العيب من نفسه أو ازاله المؤجر قبل فوات شي ء معتد به من المنفعة سقط الخيار كما في مادة (517) إن أزال الآجر العيب الحادث قبل فسخ المستأجر الإجارة لا يبقى للمستأجر حق الفسخ.

(مادة: 518) ان أراد المستأجر فسخ الإجارة قبل رفع العيب الحادث الذي أخل بالمنافع فله فسخها في حضور الأجر و الا فليس له فسخها في غيابه و ان فسخها في غيابه من دون ان يخبره لم يعتبر فسخه و كراء المأجور يستمر كما كان، و اما لو فاتت المنافع المقصودة بالكلية فله فسخها في غياب الآجر أيضاً و لا تلزمه الأجرة ان فسخ أو لم يفسخ كما بين في مادة (468) مثلا- لو انهدم محل يخل من الدار المأجورة فللمستأجر فسخ الإجارة لكن يلزم عليه ان يفسخها في حضور الآجر و الا فلو خرج من الدار من دون ان يخبره يلزمه إعطاء الأجرة كأنه ما خرج و اما لو انهدمت الدار بالكلية فمن دون احتياج الى حضور الأجر للمستأجر فسخها و على هذا الحال لا تلزم الأجرة.

هذا أيضاً من الحكم الجزافى، و القول بلا دليل، فإنه متى حصل سبب الفسخ كان له ان يفسخ في حضور الآجر أو غيابه، نعم يجب عليه لو فسخ وجوباً تكليفياً اعلام المؤجر دفعاً لما يحتمل من دخول

ص: 183

الضرر عليه لو لم يعلمه بالفسخ فيبقى ملكه عاطلا و تفوته اجرة تلك المدة و لكن ليس معناه ان فسخه يكون باطلا و لا اثر له مع الغياب في الأول دون الثاني.

و «بالجملة» فوجوب الاخبار لا علاقة له باعمال الخيار، و لا يتوقف أحدهما على الآخر فليتدبر.

نعم لو تعطلت الدار بالكلية انفسخت انفساخاً قهرياً لعدم الموضوع كما عرفت.

(مادة: 519) لو انهدم حائط الدار أو إحدى حجرها و لم يفسخ المستأجر الإجارة و سكن في باقيها لم يسقط شي ء من الأجرة.

فإن الانهدام و ان أوجب الخيار و لكن سكوته و سكناه فيها دليل على رضاه بالعقد و إمضائه.

[مادة: 520] لو استأجر أحد دارين بكذا دراهم و انهدمت إحداهما فله ان يترك الاثنتين معاً.

يعني يكون له الخيار ان شاء ترك الاثنتين و استرد الأجرة و ان شاء أمضي في واحدة و استرد ما يخص الثانية المنهدمة لأن الإجارة فيها باطلة ذاتاً فلا معنى لإجازة العقد بل اما الفسخ فيهما أو الإجازة في الصحيحة، فليتدبر.

و من هذا يظهر الخلل في-:

(مادة: 521) المستأجر بالخيار في دار استأجرها على ان تكون كذا حجرة و ظهرت ناقصة

إن شاء فسخ الإجارة و ان شاء قبلها بالمسمى و لكن

ص: 184

ليس له إيفاء الإجارة و تنقيص مقدار من الأجرة.

فإن القواعد تقتضي ان يكون له الخيار، و الخيار في منطقته هنا اما الفسخ في كل الدار أو الإجازة بنسبة الحجر الموجودة و تنقيص مقدار ما يخص الناقصة لأن الأجرة تتوزع على الحجر حسب الشرط فتنحل الى عقود متعددة كما في نظائرها.

نعم لو كان اللحاظ في الإجارة المذكورة على نحو البساطة كان لما ذكرته (المجلة) وجه و لكنه خلاف ما عليه التحقيق في نظائره.

ص: 185

(الباب السادس في بيان أنواع المأجور و احكامه

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول

الفصل الأول في بيان مسائل تتعلق بإجارة العقار
(مادة: 522) يجوز استيجار دار أو حانوت بدون بيان انها سكنى لأحد.

نعم هذه هي الإجارة الكلية التي يملك بها المستأجر المنفعة مطلقة غير مقيدة فله ان يستوفيها بنفسه أو بمن يفوضه عليها بإجارة أو غيرها.

و من الواضح الذي لا حاجة الى بيانه مادة (523) من آجر داره أو حانوتة و كانت فيه أمتعة و اشياؤه تصح الإجارة و يكون مجبوراً على تخليته فان هذا من ضروريات الإجارة و لوازم التسليم فلا حاجة الى بيانه.

اما- (مادة: 524) من استأجر أرضاً و لم يعين ما يزرعه فيها و لم يعمم

على ان يزرع ما شاء فإجارته فاسدة و لكن أو عين قبل الفسخ و رضي الآجر تنقلب إلى الصحة.

و هذا صحيح لما عرفت من لزوم التعيين و عدم الإجمال في الإجارة لكنها إذا فسدت للإجمال لم ينفع في صحتها التعيين أخيراً و لا يعقل ان

ص: 186

ينقلب الشي ء عما وقع عليه و يصير ما وقع فاسداً صحيحاً الا بعقد جديد فتدبره جيداً.

(مادة: 525) من استأجر أرضاً على ان يزرعها ما شاء فله ان يزرع مكرراً صيفاً و شتاء.

هذا أيضاً من فروع الإجارة الكلية كما عرفت.

(مادة: 526) لو انقضت مدة الإجارة قبل إدراك الزرع فللمستأجر ان يبقي الزرع في الأرض إلى إدراكه و يعطى اجرة المثل.

هذا إذا كان في قلع الزرع ضرر على صاحبه اما مع عدم الضرر فلصاحب الأرض ان يجبر صاحب الزرع على قلعه بل و حتى في صورة الضرر على المستأجر ليس له ان يجبر صاحب الأرض على اجرة المثل بل اللازم إرضاؤه و لو بأزيد من اجرة المثل بالاستيجار ثانياً.

(مادة: 527) يصح استيجار الدار و الحانوت مع عدم بيان كونه لأي شي ء، و اما كيفية استعماله فيرجع الى العرف و العادة.

هذا أيضاً من فروع الإجارة الكلية يستوفي المنفعة كيف شاء و حسب المتعارف في كل صنعة و مهنة على موازينها و عليه يبتني مادة (528) كما انه يصح لمن استأجر داراً مع عدم بيان كونها لأي شي ء ان يسكنها بنفسه كذلك يصح له ان يسكنها غيره أيضاً و له ان يضع فيها أشياءه و له ان يعمل فيها كل عمل لا يورث الوهن و الضرر للبناء و لكن ليس له ان يفعل ما يورث الضرر و الوهن للبناء إلا بإذن صاحبها و اما في خصوص ربط الدواب فعرف البلدة و عادتها معتبر

ص: 187

و مرعى و حكم الحانوت على هذا الوجه.

(مادة: 529) اعمال الأشياء التي تخل بالمنفعة المقصودة عائدة إلى الآجر

مثلا- تطهير الرحى على صاحبها و كذلك تعمير الدار و طرق البناء و إصلاح منافذه و إنشاء الأشياء التي تخل بالسكنى و سائر الأمور التي تتعلق بالبناء كلها لازمة.

الملحوظ بهذه المادة و ما بعدها الى آخر هذا الفصل هو بيان حكم الأحداث التي يحدثها المستأجر في العين المأجورة أو ما يلزمه من نفقاتها بالذات أو بالعرض، و تحرير هذا البحث الذي هو من مهمات بحوث الإجارة ان النفقات اللازمة على أنواع الأول-: ما يتوقف بقاء تلك العين عليها كعلف الدابة و سقيها و نفقة العبد و مداواة علله أو جرح الدابة و ما أشبه ذلك، و لا ريب في ان جميع ذلك ان لم يشترطها المؤجر على المستأجر فهي عليه فان دفعها و الا أنفق المستأجر و رجع بها على المؤجر اذن أو لم يأذن فإن امتنع جبره الحاكم على غرامتها.

الثاني-: الأحداث القائمة بالعين التي يتوقف الانتفاع بها كلا أو بعضاً عليه كنقر الرحى و تنظيف مجرى الماء أو بيت الماء أو تعمير مثل الدرج أو الباب أو نحو ذلك من مرافقها الضرورية، و لا ينبغي الاشكال انه على المالك المؤجر أيضاً.

الثالث-: الجهات الكمالية، و المحسنات الاعتبارية كتبيض غرف الدار و صبغ أبوابها و ما الى ذلك، و لا ينبغي الريب أيضاً في انها على

ص: 188

المستأجر الا ان يشترطها على المؤجر، و ان انتهت المدة فإن أمكن قلعها من دون ضرر أخذها و الا كان له أخذها بعد تدارك الضرر سواء وضعها بإذن المؤجر أو بدونه، و يلحق بهذا ما يحدثه المستأجر في المأجور من غرس أو بناء أو شبه ذلك.

الرابع-: الآلات الخارجة عن العين اللازمة عرفاً و عادة لاستيفاء المنفعة منها كالسرج و الرحل و اللجام و أمثالها للدابة، و المفتاح و القفل للدار و الحانوت و كثير من نظائرها، فالمتبع في ذلك عرف البلد و عادة قوم المتعاملين، فان اختلفوا أو لم يكن هناك عرف و لا عادة فهي على المستأجر إلا مع الشرط، و من هذا القبيل آلات الحياكة و الخياطة و الكتابة و ما على هذا المثال من الصنائع و الاعمال حتى في مثل الخيوط و الأصباغ و البنود و نحوها، ثم ان في كل مورد وجب على المؤجر الصرف و الإنفاق و لم يفعل و لم يقتدر الحاكم على إلزامه أو لم يكن حاكم فللمؤجر ان يفسخ عقد الإجارة و يسترد الأجرة إلا إذا كان قد رآها و استأجرها بذلك الحال و لم يطلب بادئ بدء إصلاحها فلو أصلحها المستأجر حين لا حق له على المؤجر كان تبرعاً منه و لا حق له بالرجوع عليه بها.

هذا كل ما ينبغي ان يقال في هذه الناحية من الإجارة و منه تعلم ما يوافق (المجلة) منها و ما يخالفها ففي مادة (531) لو أحدث المستأجر بناء في العقار المأجور أو غرس شجرة فالآجر مخير عند انقضاء مدة الإجارة ان شاء قلع البناء و الشجرة و ان شاء أبقاهما و اعطى قيمتها قليلة

ص: 189

كانت أو كثيرة،،، بل المستأجر لا الآجر مخير ان يقلع أو يبقيهما للآجر فتكون ملكا له مع أرضه و هو واضح.

الفصل الثاني في إجارة العروض
(مادة: 534) يجوز إجارة الألبسة و الأسلحة و الخيام و أمثالها من المنقولات لمدة معلومة مقابل بدل معلوم.

اجارة كلية أو شخصية، مقيدة أو مطلقة، مضافة أو منجزة:

(مادة: 535) لو استأجر ثياباً على ان يذهب بها الى محل ثم لم يذهب و لبسها في بيته أو لم يلبسها يلزمه أجرتها

لا يختص هذا بالمنقولات بل كل مأجور إذا سلمه المؤجر للمستأجر لزمنه الأجرة سواء استوفى منفعته أو عطلها فلو استلم الدار أو الدابة و لم يركب و لم يسكن. أو الإنسان المستأجر و لم يستعمله لزمته الأجرة في الجميع، كما ان مادة (536) من استأجر ثياباً على ان يلبسها بنفسه فليس له ان يلبسها غيره، لا تختص بالثياب بل يطرد ذلك في كل إجارة شخصية مقيدة بالمباشرة، إنما الإشكال المعضل في المقام ما لو استوفى المنفعة غير المستأجر الخاص فهل يستحق المؤجر أجرة المثل مع اجرة المسمى بناء على إمكان منفعتين متضادتين في وقت واحد كما مال

ص: 190

اليه أو قال به السيد الأستاذ في عروته في نظائر المقام أو عدم الإمكان فتبطل الإجارة و يستحق بدل المثل على من استوفى المنفعة لفوات المحل كما هو الأقوى عندنا لاستحالة ان يكون للشي ء الواحد منفعتان متضادتان في وقت واحد، فلو استأجر دابة لا دارة الرحى يوم الجمعة فركبها الى (بغداد) لا يعقل ان يكون لتلك الدابة تلك النفعتان و يستوفي المالك أجرتين المسمى و اجرة المثل بل المعقول بطلان اجرة ادارة الرحى المسماة و يستحق اجرة المثل، اما استحقاقهما معاً فبأي وجه يكون.؟

و يلحق بهذا فروع كثيرة من هذا القبيل مثل ما لو استأجر دابة لركوبه بنفسه فآجرها من غيره فعلى الأول يستحق المالك الأجرتين- الاولى و هي المسماة و الثانية أجرة المثل من المستأجر الثاني. و على ما اخترناه تبطل الاولى للتفويت و يستوفي من الثاني أجرة المثل أو أكثر الأمرين منها و من المسماة و نظائر هذا كثيرة.

و عكس هذا النوع اعني ما تسقط فيه كلا الأجرتين ما لو استأجر؟

على خياطة ثوبه في ساعة معينة أو يوم معين فاشتغل ذلك اليوم بعينه ببناء دار المستأجر أو نحوها مع علمه فإنه لا يستحق أجرة الخياطة لعدم الإتيان بها و لا اجرة البناء لانه متبرع لم يؤجر عليها فتدبر هذه الفرائد و اغتنمها.

ص: 191

الفصل الثالث «في إجارة الدواب»
اشارة

عرفت ان التعيين في الإجارة شرط ركني فإذا آجرك الدابة فلا بد من تعيين الدابة و المحل و الزمان و الأجرة، و من هذا يظهر التسامح في مادة (538) كما يصح استكراء دابة معينة يصح الاشتراط على المكاري الا يصال الى محل معين،،، فان استكراء الدابة المعينة لا بد معه من تعيين المحل و بدونه فالإجارة باطلة.

(مادة: 539) لو استؤجرت دابة معينة إلى محل معين و تعيب في الطريق فالمستأجر يكون مخيراً

اما بانتظارها حتى تستريح أو نقض الإجارة و دفع اجرة ما مضى من المسافة من المسمى بالنسبة و لا يجري فيه.

(مادة: 540) لو اشترط حمل معين الى محل معين و تعبت الدابة في الطريق فالمكاري مجبور على تحميله على دابة أخرى و إيصاله الى ذلك المحل

لأن الدابة هنا غير شخصية فله ان يحمله على اي دابة شاء بل له ان يحمله على اي مركوب آخر من (عربة) أو (سيارة) أو غيرهما

(مادة: 541) لا يجوز استيجار دابة من دون تعيين

و لكن ان عينت بعد العقد و قبل المستأجر يجوز و أيضاً لو استؤجرت دابة من

ص: 192

نوع على ما هو المعتاد بلا تعيين يجوز و يصرف على المتعارف المطلق مثلا- لو استؤجرت دابة من المكاري إلى محل معلوم على ما هو المعتاد بلا تعيين يلزم المكاري إيصال المستأجر على دابة الى ذلك المحل على الوجه المعتاد.

قد تكرر منا بيان ان الإجارة بدون التعيين باطلة، و التراضي بعد العقد على دابة معينة لا يجعلها مرتبطة بالعقد بل هو تراض مستقل لنفسه و يكون كإباحة و مطالعات، نعم لو كان هناك انصراف أو عرف أو عادة قام مقام التعيين و صح العقد كما ذكر في ذيل هذه المادة

[مادة: 542] لا يكفي في الإجارة تعيين اسم الخطة و المسافة

الا ان يكون اسم الخطة علماً متعارفاً لبلدة مثلا- لو استؤجرت دابة إلى العراق لا يصح ان يلزم تعيين البلدة و لكن لفظ الشام و ان كان اسم قطعة تعورف إطلاقه على بلدة دمشق إلخ ..

تعيين اسم المسافة يكفي على نحو الكلية فيجعلها في أي جهة شاء و على نحو الشخصية فيعينها في جهة مخصوصة فلو استؤجرت الدابة ليسير عليها مائة فرسخ فله ان يسير بها من الشام الى العراق و الى اي بلدة يريد من العراق.

(مادة: 543) لو استؤجرت دابة إلى مكان و كان يطلق على بلدتين فأيهما قصدت يلزم اجرة المثل.

إذا قصد إحديهما و عينه صح و تعين المسمى و الا فسدت الإجارة و تعيين بدل المثل لو استوفى المنفعة.

ص: 193

(مادة: 544) لو استكريت دابة الى بلدة يلزم إيصال مستأجرها إلى داره.

هذا غير لازم أصلا بل اللازم اتباع عرف البلد و تواضعهم فان اختلف فلا بد من التعيين في متن العقد فان لم يعين فلا حق في الإيصال إلى الدار بل الى طرف البلد و يدخلها.

(مادة: 545) من استكرى دابة إلى محل معين فليس للمستأجر ان يذهب بتلك الدابة إلى محل آخر فان تلفت الدابة يضمن.

الضمان هنا بقاعدة اليد بعد خروجه عن الأمانة فإن تلفت ضمن العين و المنافع من حين التجاوز الى حين التلف خلافاً للحنفية القائلين بأن (الأجر و الضمان لا يجتمعان) بل عندنا يضمن المنافع مطلقاً تلفت العين أم لا.

و هذه المادة تغني عن جملة من المواد التي بعدها مثل- مادة (547) لو استؤجر حيوان الى محل معين و كانت طرقه متعددة فللمستأجر أن يذهب بأي طريق شاء من الطرق التي يسلكها الناس و لو ذهب من غير الطريق الذي عينه صاحب الدابة و تلفت فان كان أصعب من الطريق الذي عينه ضمن و ان كان مساوياً أو أسهل فلا،،، بل الصحيح انه يضمن بالتجاوز مطلقاً و لا مستند لما ذكروه سوى الاستحسان و الاعتبار الذي يذهب جفاء امام القاعدة و الدليل.

و مثل مادة (548) ليس للمستأجر استعمال دابة أزيد من المدة التي استأجرها

و ان استعملها و تلفت في يده يضمن،،، فإنها تكرار محض لما

ص: 194

سبق، و هكذا مادة (549 و 550 و 551 و 552) فان الجميع فضول و تكرار بلا فائدة يلزم درجها جميعاً في مادة أو مادتين عند التحرير.

[مادة: 553] لو استكرى دابة للركوب من دون تعيين من يركبها

و لا التعميم على ان يركبها من شاء تفسد الإجارة و لكن لو عين و بين قبل الفسخ تنقلب إلى الصحة و لا يركب على تلك الدابة غير من تعين.

هذه المادة متهافتة متدافعة من جميع نواحيها فإن الإجارة إذا كانت فاسدة فما معنى الفسخ، ثم كيف ينقلب الفاسد صحيحاً و الشي ء لا ينقلب عما وقع عليه.

و «التحقيق» ان الإجارة المزبورة اي الخالية من التعيين و التعميم صحيحة و هي على حد سائر الإجارات الكلية فإنه يستأجر الدار و الدابة شهراً معيناً ليستوفي تمام منافعها اي يملك كل منفعة يمكن استيفاؤها من تلك الدار أو الدابة بأي نحو اما بنفسه أو بايجارها لغيره أو غير ذلك، كل هذا جائز و صحيح، و هذا هو مفاد كل إجارة مطلقة فإذا أرادا غير ذلك وجب التعيين و إذا لم يعينا فليس معناه انها فاسدة بل تكون مطلقة عامة ان لم يكن عرف خاص ينصرف إليه الإطلاق كما في مادة (554) و مادة (555) و كله واضح.

(مادة: 556) ليس للمستأجر ضرب دابة الكراء من دون اذن صاحبها و لو ضربها و تلفت يضمن.

بل له ان يضربها على المتعارف و ان لم يأذن صاحبها.

ص: 195

(مادة: 557) لو اذن صاحب دابة الكراء بضربها فليس للمستأجر إلا الضرب على الموضع المعتاد

مثلا- لو كان المعتاد ضربها على عرفها فضربها على رأسها و تلفت يلزم الضمان.

إذا استند التلف الى الضرب المزبور و لم يكن مأذوناً به بخصوصه اما لو استند الى سبب آخر لو لم يعلم السبب أو كان مأذوناً به فلا ضمان.

(مادة: 558) يصح الركوب على دابة استكريت للحمل.

لعل وجه ذلك عندهم ان الركوب أخف من الحمل و هو استحسان ممنوع صغرى و كبرى، و الأصح انه مع التقييد بالحمل فقط لا يجوز له الركوب و لو ركب فتلفت ضمن و اجارة الحمل بطلت و عليه اجرة المثل للركوب.

و من هذا القبيل من الاستحسان الغير حسن مادة (559) لو استكريت دابة عين نوع حملها و مقداره يصح تحميلها حملًا مماثلا له أو أهون منه في المضرة و لكن لا يصح تحميل شي ء أزيد في المضرة مثلا من استكرى دابة على ان يحملها خمسة اكيال حنطة كما يصح له ان يحملها من ماله أو مال غيره اي نوع كان خمسة اكيال حنطة كذلك يجوز ان يحملها خمسة اكيال شعير- و لكن لا يجوز العكس- يعني لأن الحنطة أصلب من الشعير، و يتضح بالمثال الثاني من [المجلة] كما لا يصح ان تحمل مائة وقية حديد دابة استكريت على ان تحمل مائة أوقية قطن.

فان ثقل كل واحد منهما و ان كان واحداً و لكن ثقل الحديد

ص: 196

يجتمع على رقعة صغيرة من ظهرها فيهده و يبهضه بخلاف القطن فإنه ينتشر على ظهرها فيهون و لا يؤذيها فإنك قد عرفت عدم جواز التجاوز عن نص موضوع العقد فان هذه الطريقة تجعل العقد واهيا و توجب الفوضى في العقود التي ما شرعت الا للضبط و الإتقان بما لا يبقى معه مجال للتلاعب و التحوير حسب تبدل الأهواء و الأغراض هذا مضافاً الى ما أنبأناك عنه غير مرة من ان القصود تختلف أشد الاختلاف فقد يكون قصد صاحب الدابة أي المؤجر تحميلها الأثقل كالحديد ليروضها و لا يرضى بوزنه من القطن لانه خلاف غرضه.

و مثل هذه المأجوريات عند الناس لا تحرز بالقياس و لا تدرك بالاستحسان، فالجمود على نص العقود هو المتعين و الا بطلت الفائدة وضاع الغرض المهم فتدبر هذا و اغتنمه.

(مادة: 560) وضع الحمل على الدابة على المكاري.

لأن المتعارف في بلادنا ذلك و قد يتعارف في بلاد خلافه فيكون هو المتبع.

(مادة: 561) نفقة المأجور على الآجر.

و قد تقدم قريباً توضيح هذا الموضوع و حكمه و ان الموجر إذا لم يدفع نفقة الدابة و لا اذن بها للمستأجر أي لو استأذنه فلم يأذن يجبره حاكم الشرع فان لم يمكن و لم يحصل الغرض ينفق المستأجر و يرجع بها على المؤجر و له حبس العين بعد المدة حتى يأخذ حقّه.

نعم لو أنفق متبرعاً فلا معنى للرجوع حينئذ، و من هذا يظهر الخلل في

ص: 197

بقية هذه المادة (و لكن لو اعطى المستأجر علف الدابة بدون اذن صاحبها تبرعاً ليس له أخذ ثمنه من صاحبها بعد)

الفصل الرابع في إجارة الآدمي
(مادة: 562) يجوز إجارة الآدمي للخدمة أو لإجراء صنعة ببيان مدة أو بتعيين العمل بصورة أخرى.

هذا البيان غير كاف و لا شاف، و تحرير هذا البحث ان إجارة الإنسان حراً أو عبداً اما ان تقع على الخدمة، و بعبارة اجلى يستأجره على ان تكون كل منافعه له فيستعمله في كل ما يريد من حوائجه و لا محيص في مثل هذه الإجارة من تعيينها بالمدة سنة معينة أو شهراً معيناً منجزة أو مضافة.

و امّا ان تقع على عمل معين مخصوص من كتابة أو خياطة أو حياكة فلا بد هنا من تحديد العمل و محل العمل اي ما يعمل فيه من خياطة ثوب أو (جبة) أو غير ذلك، اما الزمان فان عينه تعين و ان أطلق انصرف الى المتعارف و ان لم يكن فاللازم ان يعمله بعد العقد بلا فصل و يكون له الاشتغال بمقدار ما يقدر له أهل الصنعة مثلا صياغة القلادة في أسبوع و صياغة الخاتم في يوم و هكذا فان لم ينضبط بذلك بطل كونه اجارة و صح جعالة بالمسمى فان لم يكن جعالة استحق لو عمل اجرة

ص: 198

المثل كما في مادة (563) لو خدم أحد آخر على طلبة من دون مقاولة أجرة فله اجرة المثل، لانه بعدم تعيين الأجرة لم يقع اجارة و لا جعالة فله اجرة المثل سواء كان ممن يخدم بالأجرة أو لا، و لا وجه لتقييده بالأول كما في (المجلة) فان عمل المسلم محترم و هو غير متبرع حسب الفرض.

نعم لو خدم بغير طلب لم يكن له حق المطالبة بالأجرة لأنه متبرع سواء كان كبيراً أو صغيراً خلافاً لبعض من الزم بها في الثاني دون الأول و هو تحكم، و لو اختلفا في الطلب فادعاه الخادم و أنكره المخدوم حلف و لا حق الا إذا أقام الأول البينة كما في نظائرها، اما لو اعترف بالطلب و قال: قصدت ان تعمل لي متبرعاً، و قال الآخر: انا ما عملت بقصد التبرع بل يقصد الأجرة يحلف لأنه أعرف بقصده الذي عليه المدار لا على قصد الطالب و يأخذ الأجرة.

و من هذا القبيل مادة (564) لو قال أحد لآخر اعمل هذا العمل أكرمك و لم يبين مقدار ما يكرمه به فعمل العمل المأمور به استحق أجر المثل،

لما عرفت من انه ليس اجارة و لا جعالة.

و «الضابطة العامة» ان كل عمل متقوم لشخص أو في مال شخص عن اذن منه فللعامل اجرة المثل إلا إذا كان إجارة أو جعالة فالمسمى و ان كان تبرعاً فلا شي ء.

و منه مادة (565) لو استخدم العملة من دون تسمية اجرة تعطى أجرتهم ان كانت معلومة و الا فاجر المثل،

لأن الإطلاق مع المعلومية ينصرف إليها و ان كان لا يخلو من نظر و معاملة من يماثلهم على هذا

ص: 199

الوجه أيضا.

(مادة: 566) لو عقدت الإجارة على ان يعطي للأجير شيئاً من القميات لا على التعيين يلزم أجر المثل

مثلا- لو قال الأجر لآخر ان خدمتني كذا أياماً أعطيتك بقرتين لا يلزم البقر للجهالة و يلزم اجرة المثل، و لا فرق بين هذا و بين استئجار الظئر- و هي المرضعة- فلو استأجرها على ان يعمل لها ألبسه لا يصح الا إذا وصف الألبسة بما يرفع جهالتها كما يصح في الفرع المتقدم لو وصف البقرتين و ان لم توصف الألبسة و لم تعرف كانت باطلة و لو أرضعت بهذه الصورة كان لها أجر المثل، و قول (المجلة) يلزم من الدرجة الوسطى لا وجه له، و من اقيسة امام الحنفية انه قال: يجوز استيجارها بألبسة مجهولة و عوض مجهول لأن محبة الآباء الزائدة لأبنائهم تجعلهم يحنون على الظئر فيعطونها أكثر مما تستحق، لأن الإجارة لا تفسد للجهالة بل للجهالة الموجبة للنزاع و الجهالة هنا لا توجب نزاعاً، ا ه.

و هذا نظير ما يقولون: سبك مجاز بمجاز و غلط في غلط، و هو ممنوع صغرى و كبرى، فان الآباء و ان كانوا يحبون أولادهم و لكنهم يجازفون بأموالهم و يتنازعون على ما هو أقل من ذلك و الشارع قد منع من مطلق الجهالة حماية للحمى حتى لا يصل الأمر إلى الجهالة الموجبة للنزاع فتدبره جيداً.

(مادة: 567) العطية التي تعطى للخدمة من الخارج لا تحسب من الأجرة.

ص: 200

هذا واضح لا حاجة الى بيانه لأنها عطية للخادم لا للمخدوم و ان كانت على حسابه.

(مادة: 568) لو استؤجر أستاذ لتعليم علم أو صنعة فإن ذكرت مدة انعقدت الإجارة على المدة

و الأستاذ يستحق الأجرة بكونه حاضراً أو مهيأ للتعليم قرأ التلميذ أو لم يقرأ، و ان لم تذكر مدة انعقدت فاسدة و على هذه الصورة ان قرأ التلميذ فالأستاذ يستحق الأجرة و الا فلا.

يعنى يستحق اجرة المثل على تعليمه، و على هذا فاستئجار المعارف طائفة من المعلمين براتب شهري و ان لم يكن المدة معلومة بأجمعها يمكن تصحيحه بأن الإجارة حسب القصد الارتكازي و التعامل الجاري يكون على كل شهر برأسه فتكون المدة بهذا معلومة و يكون دفع الراتب عن أشهر العطلة كشرط ضمني.

و «الحاصل» ان الإجارة تقع على كل حصة من الزمن فيكفي معرفة الحصة و يقدح عدم معرفة جميع الحصص من المستقبل.

(مادة: 569) من اعطى ولده الأستاذ ليعلمه صنعة من دون ان يشترط بينهما اجرة

فبعد تعلم الصبي يعمل بعرف البلدة و عادتها و ان لم يكن عرف فاجرة المثل.

(مادة: 570) لو استأجر أهل قرية معلماً أو إماماً للصلاة أو مؤذناً و أو في خدمته يأخذ من أجرته من أهل تلك القرية.

هذا مما لا اشكال فيه فيجمعونها من افرادهم على حسب العادة فيما بينهم أو على مقدار سعة كل واحد منهم إنما الإشكال في صحة مثل هذه

ص: 201

الإجارة و هي مسألة معروفة بالإشكال و من معضلات الفن عند الفقهاء و هي مسألة أخذ الأجرة على الواجبات و حيث ان [المجلة] لم تتعرض لهذا البحث مع انه من مهمات مباحث الإجارة و كان حقه ان يذكر هنا أي في إجارة الآدمي أو في شرائط العمل المستأجر عليه، و موجز القول فيه ان الواجب لا يخلو اما ان يكون عينياً أو كفائياً و كل منهما لا يخلو اما ان يكون تعبدياً أو توصلياً و كل منهما لا يخلو اما ان يكون وجوبه أصلياً أو عرضياً و كل منهما اما ان يكون واجباً عليه أو على غيره، فالواجبات التوصلية بجميع أنواعها سواء وجبت عليه أو على غيره، يجوز أخذ الأجرة عليها مطلقاً لان معنى التوصلي هو الذي يطلب وجوده في الخارج كيف اتفق و من اي داع و سبب كان فيجوز ان يستأجرك غيرك لتطهير ثوبه أو ثوبك للصلاة و غيرها كما يجوز ان تستأجره لذلك أيضاً و كذا الكلام في سائر التوصليات و اما التعبديات و هو ما لا يصح الا بنية القربة أي لا يحصل امتثاله إلا بإتيانه بداعي التقرب اليه تعالى في امتثال امره فلا يصح أخذ الأجرة عليه حسب القاعدة لأن الإتيان به بداعي القربة يتنافى مع الإتيان به بداعي الأجرة سواء كان عينياً أو كفائياً كصلاة الظهر أو الصلاة على الميت و كذا؟؟؟؟ أو تغسيل الميت فلا معنى لاستئجار شخص يصلي عنك صلاة الظهر و يصلي على ميتك أو يغسله و الإجارة تكون باطلة لاغية.

نعم يستثنى من ذلك أخذ الأجرة للصوم و الصلاة و الحج نيابة عن

ص: 202

الميت الذي ثبت بالدليل من إجماع و غيره صحته، و قد أعضل على الأساطين تطبيق هذا الحكم على القواعد و تخريج وجه للجمع بين داعي القربة الذي تتقوم به روح العبادة و داعي الأجرة الذي لم يأت بالعمل عن الغير لولاها و هما متنافيان بالضرورة فكيف الجمع بينهما و الشرع لا يصحح المستحيل؟ و قد ذكروا لذلك وجوهاً متعددة لا يخلو أكثرها من نظر و هي موكولة إلى محلها.

و يلحق بهذا المستحبات التعبدية مطلقاً كصلاة النوافل و قراءة القرآن فلا يصح ان تستأجر من يصلي النافلة عنك أو عن نفسه أو يقرأ القرآن له أو لك أو لو لديك و لكنهم جوزوا النيابة عن الغير حي أو ميت في عامة المستحبات حتى الحج و لم يمنعوه إلا في الصوم و الصلاة عن الحي فلا يصح ان تستأجر من يصوم عنك شهر رجب أو شعبان أو يصلي لك صلاة النافلة أو صلاة التراويح.

نعم يجوز استيجاره ليزور عنك أو يحج أو يقرأ القرآن و هكذا سائر المستحبات التي تصلح فيها النيابة.

أما الواجبات الكفائية و المستحبات الكفائية فقد أشير لك انها أيضاً على قسمين، تعبدية كصلاة الميت و تغسيله، و توصلية دينية كتعليم الاحكام و تبين مسائل الحلال و الحرام و اقراء القرآن و أمثالها، و توصلية دنيوية كالصنائع و العلوم مثل علم الطب و سائر ما تتوقف عليه الحياة الاجتماعية من الحرف و المهن و الصناعات فان الجميع واجب كفائي و لكنه توصلي دنيوي ضرورة ان غرض الشارع وجوده على اي نحو اتفق ليستقيم به

ص: 203

نظام الهيئة الاجتماعية، و قد عرفت ان الأول أعني- التعبدي- لا يجوز أخذ الأجرة عليه مطلقاً، نعم تجوز الأجرة على مقدماته أو مستحباته الغير العبادية كما يجوز أخذ الأجرة على قسم التوصليات منه مطلقاً، و قد اتضح لك بهذا البيان ان أخذ الأجرة على تعليم أهل القرية و امامة الصلاة و الأذان للإعلام بالوقت لا لصلاة نفسه جائز و الإجارة صحيحة على الأقرب في رأيي و ان منع منه جماعة من العلماء و هو الا وفق بالاحتياط.

فان قيل: انه يجب قيام العالم و المؤذن و المقري بمثل هذه الشعائر الدينية و لو لا ذلك لذهب الدين و تعطلت الاحكام.

قلنا: نعم لا ريب في وجوب كل ذلك و لكن وجوباً كفائياً توصلياً لان الغرض حفظ الدين و نشر الاحكام و لا ينافيه أخذ الأجرة بعد ان كان المهم نفس وقوعها، نعم هو مكروه كراهة شديدة سيما في تعليم القرآن لقوله عليه الصلاة و السلام (أقروا القرآن و لا تأكلوا به) سواء كان من باب الفعل أو الافعال، و أشد منه إمامة الجماعة بل لا تخلو صحة الصلاة معه من اشكال، نعم لا كراهة لمن دفع ولده لمن يعلمه القرآن ان يكرمه و يحسن اليه و لكن لا بنحو الأجرة و يجوز للمعلم الأخذ خصوصاً إذا كان فقيراً و لا مهنة له سوى ذلك، و كذلك قراءة القرآن لأرواح الأموات فينبغي للناس ان يعطوهم و ينبغي بل يجب على هؤلاء القراء و المعلمين ان لا يماكسوهم.

و قد حررنا هذا البحث على جري القلم من دون تجديد مراجعة و استقراء فعليك ايها الطالب الاستقصاء التام في مظانه، و اللّٰه ولي

ص: 204

التوفيق.

(مادة: 571) الأجير الذي استأجر على ان يعمل بنفسه ليس له ان يستعمل غيره، إلخ ..

قد تكرر بيان هذا و انه من الإجارة الشخصية فلو تجاوز منطوقها، و تعدى عن نصها لم يستحق الأجرة و كان ضامناً لو تلفت العين المستأجر على العمل بها، و هي قضية مطردة سيالة في جميع الأعمال مقيدة تارة و مطلقة أخرى و لكل حكمه، و قد أشار الى المطلقة في مادة (572) لو أطلق حين الاستئجار فللمستأجر أن يستعمل غيره، و مادة (573) قول المستأجر للأجير اعمل هذا الشغل إطلاق، فلو قال للخياط: خط هذه (الجبة) بكذا، عن دون تقييد بنفسك أو بالذات و خاطها الخياط بخليفته أو خياط آخر يستحق المسمى و ان تلفت بلا تعد لا يضمن.

حيث لا تكون هناك قرينة حال أو مقال بإرادته نفس الخياط كما لو كان استاداً ماهراً أو ما أشبه ذلك و الا ضمن بدفعها للغير.

[مادة: 574] كل ما كان من توابع العمل و لم يشترط على الأجير يعتبر فيه عرف البلدة و عادتها

كما ان العادة ان الخيط على الخياط، و مثله في ان المتبع هو العرف و العادة مادة (575) يلزم الحمال إدخال الحمل الى الدار و لكن لا يضعه في محله مثلا- ليس على الحمال إخراج الحمل الى فوق الدار و لا وضع الذخيرة في الأنبار.

و مثلها- مادة (576) لا يلزم المستأجر إطعام الأجير الا ان يكون عرف البلدة كذلك.

ص: 205

و مادة (577) ان دور دلال مالا و لم يبعه ليس له اجرة

و إذا باعه دلال آخر كانت له الأجرة فقط.

(مادة: 578) لو اعطى ماله للدلال و قال: بعه بكذا دراهم، فان باعه الدلال بأزيد من ذلك فالفاضل أيضاً لصاحب المال و ليس الدلال سوى الأجرة.

و لكن الدلال في بيعه بالزائد الغير مأذون به يكون فضولياً يحتاج إلى الإجازة و تفسد الإجارة. و يستحق اجرة المثل على بيعه، و قد ورد في حديث عروة البارقي نظير هذا حيث دفع له النبي صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم درهمين ليشتري له بهما شاة فاشترى شاتين، نعم يمكن خروجه عن الفضولي بدعوى العلم بإذن الفحوى و ان المالك يرضى ببيع ماله بالزائد.

(مادة: 579) لو خرج مستحق بعد أخذ الدلال أجرته و ضبط المبيع أو رد بعيب لا تسترد اجرة الدلال.

إلا إذا كان الدلال عالماً بأنه مستحق للغير فإنه لا يستحق الأجرة على معاملة باطلة بل ربما تكون حراماً لأنها اعانة على الإثم كما لو باع مال الوقف مع علمه بوقفيته الى كثير من أمثاله.

(مادة: 580) من استأجر حصادين ليحصدوا زرعه الذي في أرضه

و بعد حصادهم مقداراً منه لو تلف الباقي بنزول الحالوب (البرد) أو بقضاء آخر فلهم ان يأخذوا من الأجر المسمى مقدار حصة ما حصدوه و ليس لهم أخذ أجر الباقي.

ص: 206

هذه المسألة سيالة كثيرة الفروع موضوعها الكميات المتصلة و المنفصلة اي القارة و غير القارة التي مرّ نظيرها في البيع و انها تنحل الى عقود متعددة فتصح في الموجود الممكن و تبطل في المفقود المتعذر بخلاف ما لو كان عقداً واحداً بسيطاً فان الكل يعدم بانعدام بعض اجزائه.

و من هذا القبيل لو استأجره على خدمة سنة فخدمه ستة أشهر و تمرض فإنه يستحق نصف الأجرة و هكذا لو استأجره على خياطة الثوب فخاط نصفه بخلاف ما لو استأجره على كون الثوب مخيطاً فإنه أمر بسيط فلو خاط بعضه لم يستحق شيئاً و يتضح هذا في مثل السفر فتارة يستأجره على المسير إلى المدينة و اخرى على كونه في المدينة، و أوضح من هذا ان يستأجره على الحج و أداء المناسك و اخرى على تفريغ ذمة أبيه من الحج الذي اشتغلت به ذمته، و مع ذلك فتمييز أحد النوعين عن الآخر في بعض المقامات من اعقد المشكلات.

(مادة: 581) كما انه للظئر فسخ الإجارة لو مرضت

(و تستحق اجرة ما مضى) كذلك للمسترضع فسخها إذا مرضت أو حملت أو ظهر بها أحد العيوب إلخ ..

و هو واضح.

ص: 207

الباب السابع في وظيفة الآجر و المستأجر بعد العقد

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول

الفصل الأول في تسليم المأجور
اشارة

تسليم العين المأجورة هو بعينه تسليم العين المبيعة الذي قد عرفت الكلام فيه في (الجزء الأول) مفصلا و ان أكثر الفقهاء فسروه بالتخلية و ذكرنا ما فيه من الخلل و التسامح و انه يختلف باختلاف الأعيان المبيعة و قد عرفت قريباً ان الإجارة أيضاً تتعلق بالعين و لكن من حيث المنفعة و تسليم المنفعة لا يكون الا بتسليم العين و هو يختلف باختلاف الأعيان أيضا و (المجلة) هنا قد تسامحت أيضاً حيث فسرته بما الى التخلية أو الاذن و هو لا يطرد في جميع المستأجرات فان تسليم مثل الحلي و الحلل لا يتحقق إلا بإقباضه يداً بيد كالنقود و هكذا في أكثر المنقولات، نعم يتم ما ذكروه في الدور و العقارات و نحوها. و بهذا يتضح القصور في مادة [582]

ص: 208

(تسليم المأجور هو عبارة عن اجازة الآجر و رخصته للمستأجر ان ينتفع به بلا مانع.)

و من توضيح الواضحات مادة (583) إذا انعقدت الإجارة الصحيحة على المدة و المسافة فيلزم تسليم المأجور للمستأجر على ان يبقى في يديه مستمراً الى انقضاء المدة أو ختام المسافة.

فإن هذا من لوازم الإجارة و بدونه لا يبقى لها معنى محصل و لا حاجة الى المثال بالكروسة و وصولها الى المحل كما ان من لوازم الإجارة و ملكية منفعة العين المأجورة تسليمها فارغة من كل ما يشغلها على ما في مادة (584) لو آجر أحد ملكه و كان فيه ماله لا تلزم الأجرة ما لم يسلمه فارغاً الا ان يكون قد باع المال للمستأجر أيضاً.

(مادة: 585) لو سلم الدار الا حجرة وضع فيها اشيائه يسقط من بدل الإجارة مقدار حصة تلك الحجرة

و المستأجر مخير في الدار (بخيار تبعض الصفقة) و ان أخلي الأجر الحجرة و سلمها قبل الفسخ تلزم الإجارة يعني لا يبقي للمستأجر حق الفسخ.

اي حيث لا يمضي زمان متقوم لعدم تسليم الحجرة و الا فاخلاؤها بعد زمان معتد به لا يسقط خياره.

ص: 209

(الفصل الثاني) في (تصرف العاقدين في المأجور بعد العقد
(مادة: 586) للمستأجر إيجار المأجور لآخر قبل القبض ان كان عقاراً و ان كان منقولا فلا

و ذكروا في وجه الفرق بينهما ان احتمال هلاك المنقول غالب و احتمال هلاك العقار نادر، و النادر لا يعتبر في الأحكام الشرعية، و هو كما ترى قياس و استحسان لا يستقيم به الميزان، فان احتمال الهلاك لا يصلح فارقا فإنه ان هلك قبل القبض و جرت فيه قاعدة (التلف قبل القبض) انفسخ العقد فيهما و الا نفذ العقد فيهما و كان تلف العين على المؤجر و تلف منافعها على المستأجر و يذهب الثمن المسمى عليه سواء كان عقاراً أو منقولا، و مقتضى ملكيته للمنفعة ان له إيجاره مطلقاً من المؤجر و من غيره، و منع بعضهم إيجاره من المؤجر لا وجه له، كما ان له بيع المبيع ثانيا للبائع و لغيره كما يجوز بيع بدل المنفعة إذا كان عيناً من المستأجر و من غيره، و إذا كان ديناً يجوز بيعه منه أيضاً و من غيره بناء على جواز بيع الدين مطلقاً كما يجوز هبته للمستأجر فيكون إبراء و من غيره بناء على تمطي الهبة من العين الى الدين و عدم اختصاصها بالأعيان فيكون

ص: 210

تمليكاً مجانياً.

(مادة: 587) للمستأجر إيجار ما لا يتفاوت استعماله و انتفاعه باختلاف الناس لآخر.

يعني انه لو استأجر دكانا أو حماما أو سفينة يجوز ان يؤجره لغيره كما يجوز إعارته للغير، اما ما يتفاوت الناس باستعماله كالدابة و الثياب فلا يجوز.

و قد عرفت مكرراً ان الملاك ليس قضية التفاوت في الاستعمال مضافاً الى انه مما لا ضابطة له فان الدار أيضاً مما يتفاوت الناس باستعمالها فيستعملها بعض بمداراة و بعض بغير مبالات، بل الميزان العدل في ذلك هو الإجارة الكلية فيجوز أو الشخصية فلا يجوز فالعبرة بالإطلاق و التقييد لا غير فتدبره.

(مادة: 588) إن آجر المستأجر بإجارة فاسدة المأجور لآخر بإجارة صحيحة يجوز

عرفت ان الإجارة الفاسدة و الباطلة سواء، و إذا كانت الإجارة فاسدة لم يترتب الأثر عليها و هو تملك المنفعة و إذا لم يملكها كيف يصح تمليكها لغيره و الفاسد لا يترتب عليه الا الفاسد لا الصحيح؟

(مادة: 589) لو آجر أحد ماله مدة معلومة لآخر بإجارة لازمة ثم آجر أيضاً تلك المدة تكراراً لغيره لا تنعقد

و لا تنفذ الإجارة الثانية و لا تعتبر.

احترز باللازمة عما لو كانت الإجارة جائزة لخيار شرط فيها و نحوه

ص: 211

فإن إيجاره ثانياً ملك المدة بعينها من آخر يعد فسخاً للأولى، و لكن مع ذلك كان ينبغي ان تقول: انها لا تنفذ بل تبقى موقوفة على إجازة المستأجر الأول و يكون المؤجر فضولياً بالنسبة إلى المستأجر الأول لا أنها لا تنعقد أصلا فتدبر.

اما لو آجر غير تلك المدة فلا مانع من توارد الإجارات المتعاقبة على العين الواحدة باختلاف الأزمنة.

(مادة: 590) لو باع الآجر المأجور بدون إذن المستأجر يكون البيع نافذاً بين البائع و المشتري و ان لم يكن نافذاً في حق المستأجر.

هذا البيان قاصر ناقص، و تحرير البحث ان المؤجر إذا باع العين المأجورة وقع النظر من جهتين.

جهة البائع و المشتري.

و جهة البيع و الإجارة، أو المؤجر و المستأجر.

اما من الجهة الأولى فإن كان المشتري عالماً حين العقد بان المبيع مأجور لزم البيع عليه و لا خيار له أصلا و لزم عليه الصير الى انتهاء مدة الإجارة و بعدها يستلم العين لانه قد اشتراها مسلوبة المنفعة، و البيع المتأخر لا يبطل الإجارة المتقدمة، و ان كان جاهلا بها ثم علم كان له الخيار ان شاء امضى البيع و صبر و ان شاء فسخ و لا حق له في فسخ الإجارة أصلا.

و اما من الجهة الثانية فقد ظهر لك انه لا تزاحم بين الإجارة السابقة و البيع اللاحق أصلا و لا سبيل للمشتري على فسخها كما لا سبيل للمستأجر

ص: 212

على فسخ البيع بل يقضي مدته ثم يدفع العين إلى المشتري.

إذاً فما معنى قول (المجلة) و ان لم يكن نافذاً في حق المستأجر؟ و كان حقه ان تقول: و ان لم يكن نافذاً في حق المشتري لو كان جاهلا، و لا حاجة بل و لا فائدة فيما فرعته على ذلك بقولها. حتى انه بعد انقضاء مدة الإجارة يلزم البيع في حق المشتري و ليس له الامتناع إلخ ..

يعني إذا كان عالماً.

الفصل الثالث في بيان مسائل تتعلق برد المأجور و إعادته

أكثر مواد هذا الفصل مع وضوحها و كونها غنية عن البيان مكررة متداخلة يغني بعضها عن بعض مثلا- مادة (591) يلزم على المستأجر رفع يده عن المأجور عند انقضاء الإجارة- هي عين مادة (592) ليس للمستأجر استعمال المأجور بعد انقضاء الإجارة، و لا اختلاف بينهما إلا في العبارة، فإن رفع اليد عبارة ثانية عن عدم الاستعمال، كما ان مادة (593) لو انقضت الإجارة و أراد الأجر قبض ماله يلزم المستأجر تسليمه إياه تكفى عنها و تدل عليها مادة (594) لا يلزم المستأجر رد المأجور و يلزم الآجر أن يأخذه عند انقضاء الإجارة إلخ.

و كذا مادة (595) إن احتاج رد المأجور الى الحمل و المئونة فاجرة

ص: 213

نقله على الآخر، و «بالجملة» فحق حسن التحرير يقضي بإلغاء هذا الفصل و جمع جميع موادة في مادة واحدة فيقال: العين المأجورة امانة في يد المستأجر و هي أمانة مالكية لا يجب ردها بل يجب تسليمها عند طلبها و على المؤجر تسلمها و لو احتاج ردها إلى أجرة فعلى المالك و لا يجوز بعد انقضاء المدة استعمالها إلا بإذن جديد فلو استعملها بدون اذن و تلفت و لو بغير تفريط ضمن و لو تلفت بغير استعمال و غير تفريط قبل الطلب فلا ضمان. الا ان يشترط على المستأجر ردها و نفقتها فيكون عليه ضمانها لو قصر في ردها أو نفقتها.

و من الغريب قول بعض الشراح: إذا اشترطا ان يكون أجرة اعادة المأجور على المستأجر فسدت الإجارة لأنه شرط مفيد للمؤجر و الشرط المفيد لأحد العاقدين يفسد الإجارة ا ه.

و ما ادري كيف صار الشرط المفيد لأحد العاقدين مفسداً للإجارة مع ان كل من يشترط شرطاً فإنه يشترطه باعتبار انه مفيد له، فهل يريد هذا القائل ان الشرط الصحيح هو ما يكون لغواً لا فائدة فيه، أو يحصره في المفيد لهما معاً و الكلا بحكم و جزاف يحكم عموم أدلة الشروط.

ص: 214

الباب الثامن (في بيان الضمانات

اشارة

و يحتوي على ثلاثة فصول)

الفصل الأول في ضمان المنفعة
(مادة: 596) لو استعمل أحد مالا بدون اذن صاحبه فهو من قبيل الغاصب

لا يلزمه أداء منافعه و لكن إذا كان مال وقف أو يتيم فعلى كل حال يلزم أجر المثل و ان كان معداً للاستغلال فعلى ان لا يكون بتأويل عقد أو ملك يلزم ضمان المنفعة يعني أجر المثل مثلا- لو سكن أحد في دار آخر مدة بدون عقد اجارة لا تلزمه الأجرة لكن ان كانت تلك الدار وفقاً أو مال يتيم فعلى كل حال يعني ان كان ثم تأويل ملك و عقد أو لم يكن يلزم أجر مثل المدة التي سكنها و كذلك ان كانت دار كراء و لم يكن ثم تأويل ملك و عقد يلزم أجر المثل و كذا لو استعمل أحد دابة الكراء بدون اذن صاحبها يلزم أجر المثل.

قد مرّ عليك كثير من فروع هذا الباب و نظائر هذا الغرض المبتني على القاعدة الاساسية عند الحنفية من ان (الأجر و الضمان لا يجتمعان) و خالفهم الشافعية و عامة الإمامية و القاعدة المزبورة مع انها لا تستند الى اي دليل شرعي و لا مدرك سوى الاستحسان و ان معنى ضمان العين دخولها في الملك و إذا دخلت العين في ملك إنسان ملك منافعها فإذا

ص: 215

استوفاها لا يضمن لانه قد ضمن عينها و هو كما ترى ممنوع صغرى و كبرى فلا الضمان ملك و لا ملك العين مستلزم ملك المنفعة و لو سلمت كل هذه الأباطيل فما وجه استثناء الوقف و مال اليتيم فلو غصب الوقف أو مال اليتيم ألا يكون ضامناً للعين فما وجه ضمان المنفعة مع ضمان العين، و هل هذا الا من قبيل ما يقال:

سطح بهواءين ثم سلمنا كل هذه التحكمات فما وجه استثناء المعد للاستغلال أيضاً إذا لم يكن بتأويل عقد أو ملك فإذا كان بتأويل الملك فلا ضمان.

أ فليس من الحكم الجزاف و الكلام الكيفي ما في مادة (597) لا يلزم ضمان المنفعة في مال استعمل بتأويل ملك و ان كان معداً للاستغلال مثلا- لو تصرف أحد الشركاء مدة في المال المشترك بدون اذن شريكه مستقلا فليس للشريك الآخر أخذ حصته لانه استعمله على انه ملكه، و هذا جزاف كما ترى في صغراه و كبراه فان الشريك حين يتصرف في كل الدار المشتركة لا يلزمه ان يقصد ان الدار بأجمعها ملكه و لو قصد فليس لقصده اي أثر فضلا عن هذا الأثر الشديد و هو إسقاط حق شريكه من منافع حصته.

«و حقاً» ان الأحناف قد تطرفوا بهذه الفتوى مدى بعيداً، و فتحوا لحلية غصب أموال الناس باباً واسعاً، حيث صار بوسع كل أحد ان يستأجر داراً أو حانوتاً أو غير ذلك ثم ينوي به الملكية فيكون غاصباً و ينتفع به مدة حسب إرادته ثم يرده الى المالك بلا اجرة و لا بدل المثل و يكون ذلك حلالًا له، و هذا حكم لا يسيغه ذوق إنسان و لا يقره عقل و لا وجدان، فكيف تقره الشريعة الإسلامية المقدسة؟

ص: 216

و مثلها بل أسوء منها مادة (598) لا يلزم ضمان المنفعة في مال استعمل بتأويل عقد و ان كان معداً للاستغلال مثلا- لو باع أحد لآخر حانوتا ملكه مشتركا بدون اذن شريكه و تصرف فيه المشتري ثم لم يجز البيع الشريك و ضبط حصته ليس له ان يطالب بأجرة حصته و ان كان معداً للاستغلال لأن المشتري استعمله بتأويل العقد يعني حيث انه تصرف فيه بعقد البيع لا يلزم ضمان المنفعة كذلك لو باع أحد لآخر رحى على انه ملكه و سلمها ثم بعد تصرف المشتري لو ظهر لها مستحق و أخذها من المشتري بعد الإثبات و الحكم ليس له ان يأخذ أجرة لتصرفه في المدة المذكورة لأن في هذا أيضاً تأويل عقد.

فإن تأويل العقد و شبهة الملكية لا تسقط الحق الصريح و ملكية الشريك القطيعة و بأي وجه مشروع أو معقول يستبيح المشتري منافع حصة الشريك الذي لم يجز العقد على ماله بغير اذنه؟ و هل هذا الا أكل مال بالباطل؟ و الشرع ينادي (لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه- الا ان تكون تجارة عن تراض) و المنافع أموال بل هي ملاك مالية الأعيان و لذا تقابل بالأموال.

و هذه الفتوى الجائرة، و الأحكام المجازفة- كلها انما جاءت من آفة العمل بالقياس، بل و القياس الوهمي أو القياس مع الفارق، أو الاستحسان المخالف للنص الصريح، و الدليل الواضح، عصمنا اللّٰه و إخواننا المسلمين من الزلل في القول و العمل.

(مادة: 599) لو استخدم أحد صغيراً بدون اذن وليه أو وصيه

ص: 217

فإذا بلغ رشده يأخذ أجر مثل خدمته و لو توفي فلورثته ان يأخذوا أجر مثل تلك المدة من ذلك الرجل.

من المعلوم ان استخدام الصغير بدون اذن وليه غير جائز، و المعاملة معه باطلة، فلو استخدمه أحد فعل حراماً بلا إشكال إنما الإشكال في ضمان تلك المنافع إذا كان الصغير حراً كما هو فرض المسألة بناء على ان منافع الحر لا تضمن اما مطلقاً أو التفصيل بين الكسوب و غيره أو تضمن مطلقاً كما هو الأقرب في رأينا لأن الحر و ان لم يكن مالا و لكن لا مانع من ان منافعه عند حصولها أو العقد عليها تكون أموالا و بهذا صح ان يؤجر نفسه، و عليه فمنافع الصغير ان استوفاها أحد بوجه مشروع أو غير مشروع تضمن و يدفع بدلها لوليه أو له بعد بلوغه و رشده أو لورثته بعد موته و لا يجوز إعطاؤها له في حال صغره و لا تحسب له و كذا لو أنفقها عليه لباساً و طعاماً فإنه يكون متبرعاً إلا إذا اذن وليه بذلك.

الفصل الثاني (في ضمان المستأجر)

عرفت ان العين المأجورة أمانة مالكية في يد المستأجر و من حكم الأمانات مطلقاً عدم الضمان بغير تعد و تفريط و قد أحسنت (المجلة) في مادة (600) المأجور امانة في يد المستأجر ان كان عقد الإجارة

ص: 218

صحيحاً أو لم يكن.

و لكنه إذا قبضه بإذن المؤجر في الفاسدة اما لو قبضها بدون اذنه فهو ضامن مع الفساد مطلقاً و يتفرع على هذه المادة- مادة (601) لا يلزم الضمان إذا تلف المأجور في يد المستأجر ما لم يكن بتقصيره أو بتعديه أو بمخالفته المأذونية.

يعنى ان أسباب الضمان ثلاثة.

1-: إتلافه بالتعدي.

2-: تقصيره في حفظه حتى تلف.

3-: مخالفته للإذن و شروط الإجارة.

فلو اشترط عليه ان لا يحمل على الدابة أكثر من وزنة فحمل عليها الأكثر فهلكت و لو بسبب آخر ضمن لانه بمخالفته الشرط خرج عن الامانة، و كان ينبغي ان يضم إلى أسباب الضمان سبب رابع و هو شرط الضمان مطلقاً و ان كان في صحة مثل هذا الشرط بحث و لكن الأقوى الصحة، و قد ذكرت (المجلة) السبب الأول في مادة (602) يلزم الضمان على المستأجر لو تلف المأجور أو طرأ على قيمته نقصان بتعديه، مثلا- لو ضرب المستأجر دابة الكراء فماتت منه أو ساقها بعنف و شدة فهلكت لزمه ضمان قيمتها.

و من هذا القبيل مادة [603] حركة المستأجر على خلاف المعتاد تعد تفريطاً و يضمن الضرر و الخسار الذي يتولد منها مثلا- لو استعمل الألبسة التي استكراها على خلاف عادة الناس و بليت يضمن- و كذلك

ص: 219

احتراق الدار بسبب إشعال النار أزيد من عادة سائر الناس.

و أشارت إلى السبب الثاني في مادة (604) لو تلف المأجور بتقصير المستأجر في المحافظة أو طرأ على قيمته نقصان يلزم الضمان، مثلا- لو ترك المستأجر دابة الكراء خالية الرأس و ضاعت يضمن لأنه أمين مكلف بحفظ الامانة فيضمن إذا قصر بالحفظ المعتاد.

و أشارت الى الثالث في مادة (605) مخالفة المستأجر مأذونيته بالتجاوز الى ما فوق المشروط توجب الضمان، و اما مخالفته بالعدول الى ما دون المشروط أو مثله لا توجبه، مثلا- لو حمل المستأجر خمسين أقة حديداً على دابة استكراها لان يحملها خمسين أقة سمناً و عطبت يضمن و اما لو حملها حمولة مساوية الدهن في المضرة أو أخف و عطبت لا يضمن.

أما مادة (606) فهي من توابع ما تقدم في مادة (591) و (592) و مادة (600) و حقها ان تذكر في إحدى تلك المواد.

الفصل الثالث (في ضمان الأجير)

هذا الفصل معقود لتلف المستأجر فيه و الذي قبله كان لبيان تلف المأجور، و حيث ان الملاك في المقامين متحد كان الأنسب بالتحرير جمعهما في مقام واحد فان تلك الأسباب بعينها هي أسباب ضمان المستأجر فيه فإذا أعطيت

ص: 220

الخياط ثوباً ليخيطه فأتلفه أو قصر في حفظه حتى تلف، أو تعدى الإذن أو الشرط كان ضامناً و كذا لو غرّه و قال يتسع لصنعه قباء فظهر خلاف ذلك، و لا فرق في ذلك بين الأجير الخاص و المشترك و لا حاجة الى تكثير الأمثلة و تكرار المواد و الفصول، و لا نجد وجهاً مقبولا أو معقولا للفرق بينهما، و ما يقال من أننا لو قلنا: بأن الأجير المشترك لا يضمن التلف الحاصل من عمله- يباشر بتقبيل اعمال فوق طاقته و يضر بالمستأجرين، ففساده غني عن البيان، و تنقيح القول على الإجمال في ضمان الأجير ما يعمل فيه ان القاعدة تقتضي عدم ضمانه كالمستأجر بالنسبة إلى العين الا مع التعدي و التفريط أو التغرير- فالقصار و النجار و البيطار و الخياط و الصائغ و سائر أرباب المهن و الصنائع حتى الحمال و المكاري للنقل و الحمل لا يضمنون ما يتلف أو يعاب بأيديهم من أموال الناس الا بالإتلاف أو الشرط أو التفريط في الحفظ أو التقصير في العمل أو التغرير بان يقول له المستأجر: ان كان هذه القطعة من القماش تكفي جبة ففصلها، فقال: نعم تكفي ففصلها فظهر انها لا تكفي و لا فرق بين ان يشترط عليه أو يسأله فيقول نعم، إذا كان مغروراً منه، اما مع عدم شي ء من هذه الأسباب فلا ضمان لأنه أمين كالعين في يد المستأجر لاستيفاء المنفعة و لكن ذهب أكثر الفقهاء الى ان الخياط و القصار إذا أفسد الثوب ضمن، و كذا الختّان و الحجام و الكحال و البيطار و كل من آجر نفسه لعمل في مال المستأجر إذا أفسده كان ضامناً و ان كان بغير قصده لعموم (من أتلف ..) و للصحيح عن الصادق (عليه السلام) في الرجل يعطي الثوب ليصبغه،

ص: 221

فقال «عليه السلام» (كل عامل أعطيته على ان يصلح فأفسد فهو ضامن) و يظهر منهم إطلاق الضمان حتى مع عدم التعدي و التفريط بل قالوا بضمان الطبيب المباشر للعلاج إذا أضر و ان كان حاذقاً الا مع أخذ البراءة و عدم التقصير و افرطوا حتى قالوا بضمان الحمال إذا عثر و زلق فوقع و انكسر ما كان يحمله كل ذلك لقاعدة الإتلاف، و صدق الإتلاف في كثير من هذه الموارد مشكل و الصحيح ناظر الى من أفسد عن تقصير و تسامح و لذا لم يحكموا في ما لو استأجر دابة لحمل متاع فعثرت و تلف أو نقص بضمان صاحبها إلا إذا كان هو السبب في عثرتها بضرب زائد أو نخس و كذا في السفينة لو غرق متاعها و سرق و إذا استؤجر لحفظ متاع فسرق لم يضمن الا مع التقصير في الحفظ أو الشرط.

نعم لو غلبه النوم فسرق قد يعد ذلك تقصيراً فيضمن لكنه مشكل، و على كل حال لو سرق لم يستحق الأجرة ان كانت الإجارة على الحفظ، اما لو كانت على النطارة و النظارة و لو لداعي الحفظ و قد قام بهما على العادة استحقها، كما ان صاحب الحمام لا يضمن الثياب لأن الأجرة انما هي للحمام فقط لا له و للحفظ، نعم لو وضعها الى جنبه بصفة الامانة وجب عليه حفظها فلو قصر في الحفظ ضمن.

و «القصارى» انك عرفت ان كلا من المستأجر و الأجير بالنسبة إلى العين و محل العمل أمين و قاعدة [الائتمان عدم الضمان] إلا إذا خرج عن الأمانة بأحد الأسباب المتقدمة فالأصل الاولي الذي يرجع

ص: 222

إليه في موارد الشك هو عدم الضمان حتى يتحقق حصول السبب و من جميع ذلك يتضح القول في مواد هذا الفصل.

اما- مادة (607) لو تلف المستأجر فيه بتعدي الأجير أو تقصيره يضمن، فلا اشكال فيها كما لا إشكال في مادة [608] تعدي الأجير هو ان يعمل عملا أو يتحرك حركة مخالفين لأمر الآجر صراحة كان أو دلالة إلخ .. و مثلها مادة [609] تقصير الأجير هو قصور في محافظة المستأجر فيه بلا عذر مثلا- لو فرت الشاة و لم يذهب الراعي لقبضها تكاسلا و إهمالا يضمن حيث انه يكون مقصراً و ان كان عدم ذهابه قد نشأ عن غلبة احتمال ضياع الشاء الباقيات عند ذهابه يكون معذوراً و لا يلزم الضمان.

انما الاشكال و المنع في المادتين الأخيرتين- مادة (610) الأجير الخاص أمين حتى انه لا يضمن المال الذي تلف في يده بغير صنعه و كذا لا يضمن المال الذي يعمله بلا تعد أيضاً.

و- مادة (611) الأجير المشترك يضمن الضرر و الخسار الذي تولد عن فعله و صنعه ان كان بتقصيره أو لم يكن.

فإن الأجير الخاص إذا كان لا يضمن لأنه أمين فالاجير المشترك أمين فحقه ان لا يضمن أيضاً فما وجه التفصيل بالضمان بينهما؟ كما عرفته قريباً موضحاً.

و الى هنا انتهت مواد (المجلة) من مباحث الإجارة

و قد بقيت مسائل مهمة لم تتعرض لها أو أشارت إليها بصورة مجملة يلزم بيانها.

اشارة

ص: 223

الاولى-: ان صورة امتناع الانتفاع بالعين المأجورة و أنواعه كثيرة

و حيث ان أكثرها قد تقدم متفرقاً في عدة مواد وجدنا من حسن التحرير ان ننظم شتاتها في سلك واحد كعقد متلائم فنقول: ان امتناع تمام الانتفاع اما ان يكون لتلف العين أو لتعيبها أو لسبب آخر مع سلامتها.

اما التلف فان كان سماوياً فهو موجب للفسخ بجميع أنواعه بعد القبض أو قبله في الأثناء أو قبل الشروع في الاستيفاء، غايته انه لو كان في الأثناء وزعت الأجرة المسماة على الماضي و الباقي بالنسبة فأخذ المستأجر حصة ما بقي و دفع للمؤجر حصة ما مضى و يمكن الفسخ في الجميع و أخذ بدل المثل عن الماضي، و ان كان بإتلاف متلف فان كان هو المؤجر ضمن المثل أو القيمة للمستأجر- يعني قيمة المنفعة- و لو قيل ان للمستأجر الخيار بين الفسخ و استرداد الأجرة المسماة أو الإمضاء و أخذ القيمة كان سديداً، و ان كان هو المستأجر ضمن العين و لزمته الأجرة المسماة و كان إتلافه بمنزلة الاستيفاء، و ان كان المتلف أجنبياً ضمن العين للمؤجر و المنفعة للمستأجر، اما في العمل فتبطل الإجارة مطلقاً لزوال الموضوع، و ان كان المانع هو العيب فهو موجب لخيار المستأجر مطلقاً سواء كان قبل العقد أو بعده قبل القبض أو بعده فلو فسخ في أثناء المدة دفع من الأجرة المسماة بالنسبة عما مضى، اما لو كان المانع غير التلف و العيب فاما ان يكون من المؤجر بامتناعه من تسليم العين و عدم التمكن من جبره بحاكم أو نحوه أو سلمها ثم انتزعها أو حال بين المستأجر و بين

ص: 224

الانتفاع فهو في الجميع ضامن للمنفعة بالمثل أو القيمة و لو قيل بالخيار للمستأجر كان أصوب، و اما ان يكون من المستأجر فإن كان لعذر كمرض يمنعه الركوب مثلا أو زوال مرض كما لو استأجره على قلع ضرسه فزال الألم و أمثال ذلك فالمسئلة مشكلة و القول بالبطلان في الابتداء أو في الأثناء للتعذر و تنزيل العذر الخاص منزلة العام قريب جداً و ان كان لا يخلو من نظر، اما لو تركها لا لعذر فقد لزمته الأجرة، و اما لو كان المانع أجنبياً كظالم أو غاصب أو غيرهما فان كان قبل القبض تخير بين الرجوع على المؤجر بالأجرة أو الرجوع على الظالم بالبدل، و ان كان بعده فلا رجوع له على المؤجر و تعين الرجوع على الأجنبي، و ان كان المانع عذراً عاماً كنزول ثلج أو قيام حرب و ما الى ذلك فالبطلان ابتداء أو في الأثناء و تتوزع الأجرة.

هذا هو التحرير الشافي المستوعب لجميع فروع القضية باختصار و يجوز ان يكون قد فاتنا شي ء و لمن يستدركه علينا المحمدة و الشكر و باللّه التوفيق.

الثانية-: لم تذكر (المجلة) بطلان الإجارة أو عدمه بموت المؤجر أو المستأجر

مع أنها من مواضع الخلاف بين فقهاء المذاهب كاختلاف فقهائنا فيها و لكن استقرت فتوى المتأخرين منا على عدم بطلانها أصلا بموت أحدهما و لا بموتهما و تنتقل الأجرة إلى ورثة المؤجر لو مات و المنفعة إلى ورثة المستأجر.

نعم في الإجارة المقيدة بالمباشرة تبطل من حين الموت لا من أصلها

ص: 225

و تتوزع الأجرة، و كذا لو آجر المرتزقة العين الموقوفة وقفاً ترتيباً و ماتوا في أثناء المدّة فإن إجارتهم تبطل لانتقال الحق إلى البطن اللاحق و ملكيتهم محدودة، إلا إذا كان إيجارهم لمصلحة الوقف فإنها تبقى الى تمام مدتها و كذا لو اوصى لرجل بالمنفعة مدة حياته و مات في أثناء الإجارة، اما الأجرة على العمل فلا تبقى بل يجب على الورثة الإتيان بالعمل المستأجر عليه، اما لو اشترط عمله بنفسه أو سكناه بذاته فمات فللمؤجر الخيار و لو كان على نحو التقييد بطلت، و لو آجر الولي الصبي مدة و بلغ في أثنائها و صار رشيداً فيحتمل البطلان في الزائد و يحتمل الصحة و يحتمل وقفها على الإجازة و هو الأقرب إلا إذا كانت مصلحته في ذلك الوقت تقتضي إجارته تلك المدة المعينة فإنها تلزم و لا حق له في فسخها، و يشبه ذلك ما لو آجر العبد و أعتقه في أثناء المدة أو آجر الدار و باعها في الأثناء كما سيأتي أو آجرت المرأة نفسها ثم تزوجت فان الجميع لازم لا فسخ فيه و نفقة العبد في تلك المدة اما على المولى الذي استوفى منافعه فيها أو في كسبه إن امكنه الكسب مع الخدمة أو على ذمته أو من بيت المال أو على المسلمين كفاية أو على مستأجره و يستوفيه منه بعد انتهاء المدة و هو الأقرب، اما الزوجة فنفقتها على الزوج مع التمكين و ان كانت الخدمة لغيره،

الثالثة-: يجوز للمؤجر بيع العين المأجورة في أثناء مدة الإجارة

فالمشتري يملك رقبة العين مسلوبة المنفعة تلك المدة و المستأجر يملك المنفعة و لا تزاحم بينهما و لكن لو كان المشتري جاهلا بالإجارة كان له الخيار لانه نقص في العين معنى و ان لم يكن نقصا صورة و ليس هو عيباً و لذا

ص: 226

ليس له المطالبة بالأرش بل اما الإمضاء و اما الفسخ كسائر الخيارات غير خيار العيب، و لو كان عالماً و أقدم فلا خيار، أما لو اعتقد أنها مثلا سنة ثم بان انها سنتان كان له الخيار على اشكال، و لو فسخ المستأجر رجعت المنفعة إلى البائع لا إلى المشتري.

نعم لو اعتقد البائع و المشتري بقاء المدة ثم انكشف انقضاؤها فالأقوى أنها للمشتري لتبعيّة المنفعة للعين سواء شرطا كونها مسلوبة المنفعة أو تبانيا عليه و لا يثبت للبائع خيار الا مع الغبن، هذا كله لو بيعت على غير المستأجر اما لو بيعت عليه فهل تنفسخ الإجارة أم تبقى؟ وجهان و تظهر الثمرة حينئذ في أمور أظهرها استحقاق الأجرة و الثمن معاً للبائع و عدمه، (ثانيها) بقاء ملكيته للمنفعة لو فسخ البيع بأحد أسبابه، (ثالثها) إرث الزوجة من المنفعة فيما لا ترث من عينه، (رابعها) رجوع المشتري بالأجرة لو تلفت العين قبل القبض و قبل انقضاء مدة الإجارة فإن تلف العين في الإجارة يوجب الرجوع بالأجرة، اما لو قلنا ببطلانها بالبيع فلا رجوع بل يرجع بالثمن فقط، و لو وقع البيع منه و الإجارة من وكيله في وقت واحد فالأقوى صحتهما معاً لقاعدة اعمال السببين و يثبت للمشتري الخيار.

(الرابعة)-: إذا تبين بطلان الإجارة قبل استيفاء شي ء فلا اشكال

و ان كان بعد الاستيفاء كان للمالك المؤجر بدل المثل عما استوفاه المستأجر من المنفعة أو ما عمله من عمل، هذا إذا كان المؤجر جاهلا، اما لو كان عالماً فالمشهور عندنا انه لا شي ء له لأنه بتسليمه مع علمه بالفساد قد سلطه و أسقط حرمة ماله و هذه عند أصحابنا قضية سيالة و قاعدة مطردة فيما كل

ص: 227

ما هو من هذا القبيل مثلا- لو سلم البائع المبيع مع علمه بفساد البيع فان كان موجوداً استرده و ان أتلفه المشتري استرد الثمن من البائع و لا يرجع عليه بشي ء لأنه سلطه على إتلاف ماله، و على هذا السبيل نهجوا في سائر العقود، و هي لعمر الحق طريقة غير مستقيمة، بل عليلة سقيمة، فإن البائع هناك و المؤجر هنا ما سلطا المشتري و المستأجر على إتلاف المال مجاناً و انما سلطاه بالعوض و كون الشارع لم يمض تلك المعاملة لا يقلب الواقع عما هو عليه من انهما لم يسلطا الا بالعوض.

و «بالجملة» فقاعدة احترام مال المسلم و أنه (لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفسه) تقتضي غرامة المال على من أتلفه إلا مع التسليط المجاني المفقود في باب المعاوضات بالضرورة و ان كانت فاسدة فالحق عندنا الضمان بالبدل في جميع العقود الفاسدة حتى لو باع المسلم ماله بالخمر و الخنزير و هكذا ذكروا في الأجرة و ان المستأجر إذا دفعها عالماً بالفساد فان كانت موجودة أخذها و ان كانت تالفة و أتلفها المؤجر فلا رجوع و العامل إذا عمل في الإجارة الفاسدة قالوا: لا يستحق المسمى لفساد الإجارة و لا بدل المثل لانه متبرع، و هذا عندي غريب لان المتبرع هو الذي يقول أو يقصد ان يعمل بلا اجرة لا الذي يعمل بقصد الأجرة و الشارع يفسدها و احكام الشارع بالصحة و الفساد لا يقلب الموضوعات الخارجية عما هي عليه، فتدبره و اغتنمه فإنه من نفائس التحقيق، و باللّه التوفيق.

الخامسة-: ان (المجلة) لم تتعرض لمسائل الخلاف و النزاع

بين

ص: 228

المستأجر و المؤجر مع أن مسائل الشجار بين المتعاقدين من أهم مباحث العقود سيما في الإجارة لكثرة الوقوع و عموم البلوى و نحن نذكر ذلك على نحو الاختصار، و النزاع فيها يقع على أنحاء.

(الأول) لو تنازعا في أصل الإجارة قدم قول منكرها بيمينه فان كان قبل استيفاء شي ء من المنفعة أو العمل فلا شي ء و ان كان بعده أو بعد شي ء منه فان كان المنكر المالك كان له اجرة المثل و لا يستحق الزائد عليها من المسمى الذي يدعيه مدعي الإجارة و ان وجب عليه باعترافه و حسب اعتقاده ان يوصله الى المالك و لو من حيث لا يعلم، و ان كان المنكر هو المتصرف قدم قوله و وجب عليه ان يدفع بدل المثل للمالك فان زاد على المسمى الذي يدعيه لم يجز له أخذه و لزم على المتصرف ان يوصله إليه بأي نحو كان.

(الثاني) لو اتفقا على ان المتصرف مأذون باستيفاء المنفعة و المالك يدعي الإجارة و الآخر يدعي العارية و أصالة الاحترام اي عدم البذل و الاذن بلا عوض تقضي بتقديم قول الأول و أصالة براءة ذمة المتصرف تقضي بتقديم قوله فيتحالفان و تثبت بعده اجرة المثل على قاعدة باب التداعي.

(الثالث) لو تنازعا في قدر الأجرة أو قدر المأجور أو مدة الإجارة أو في أصل الشرط أو في قدره يقدم قول منكر الزيادة و منكر شرط مع يمينه إلا إذا كان الشرط مما يقتضيه عقد الإجارة كالمحافظة على العين من لص أو ذئب و نحوه.

ص: 229

(الرابع) لو تنازعا في تلف العين و عدمه قدم قول منكر التلف بيمينه على قاعدة المنكر و المدعي، و لكنهم قدموا هنا قول المستأجر إذا ادعى التلف لأنه أمين، و لو تنازعا ان التلف كان عن تعد أو تفريط قدم أيضاً قول منكره مع اليمين أيضاً.

(الخامس) لو تنازعا في ان المأجور هذه الدار أو تلك أو انه دار أو دكان أو بغل أو فرس و هكذا أو ان حمل المتاع الى (بغداد) أو (البصرة) أو ان الخياطة على قباء أو قميص فكل ذلك من باب التداعي يتحالفان و تثبت اجرة المثل ان كان بعد العمل و الا فلا شي ء.

نعم لو اختلفت صورة الدعوى كما لو حمل المتاع الى بلد فأنكر المالك ان يكون هو المستأجر عليه فالقول قوله بيمينه أو خاط الخياط القماش قميصاً فأنكر الاذن أو الإجارة على ذلك فالقول أيضاً قوله و يضمن المتصرف كل نقص أو ضرر، اما لو كان قبل العمل فهو من التداعي كما ذكرنا.

(السادس) لو تنازعا في صحة الإجارة أو فسادها بعد الاتفاق على وقوع العقد قدم قول مدعي الصحة كما في سائر العقود.

(السابع) إذا اختلفا في رد العين المأجورة فمقتضى قضية ان المستأجر أمين ان يقدم قوله في الرد كما قدم في دعوى التلف و كلاهما خلاف الأصل و لكنهم هنا حكموا بتقديم قول المؤجر عملا بأصالة عدم الرد اي استصحاب بقائها عند المؤجر و لم يعملوا بهذا الأصل في قضية التلف مع ان الأمانة في المقامين ثابتة و الأصل فيهما جار و استخراج وجه

ص: 230

الفرق بينهما يحتاج الى مزيد تأمل.

(الثامن) لو اختلفا في المال المردود فقال المستأجر هذا مالك، و قال المؤجر. ليس هذا مالي، فالقول قوله بيمينه و ان قال بل مالي ذلك الشي ء كان من باب التداعي، و صور النزاع و الخلاف كثيرة ربما يتعسر ضبطها على التفصيل و لكن «الضابط» انه كلما كان النزاع بالأقل و الأكثر أو دائر بين النفي و الإثبات فالقول قول منكر الأكثر و قول النافي لا المثبت، و مدعي الأكثر يحتاج إلى إثبات من بينة و غيرها إلا إذا كان أميناً فيقدم قوله بيمينه و كل ما كان النزاع بين متباينين فهو باب التداعي و التحالف.

(التاسع) مقتضى القواعد الأولية ان من استؤجر على عمل كخياطة أو كتابة أو صوم أو صلاة و بقية شئون هذه المباحث موكولة الى (كتاب القضاء) كما انه قد بقيت من (كتاب الإجارة) عدة مسائل جد مهمة ذكرها فقهاؤنا في مؤلفاتهم المتوسطة فضلا عن الموسوعات رأينا ان ذكرها يخرج بنا الى البسط الذي ربما لا يكون مرغوباً في هذه العصور التي توفرت فيها العلوم، و تكثرت الفنون، و ازدحمت الاعمال، حتى ضاق مجال الفكر و الخيال، على سعته عن استيعابها، و لنكتف بهذا المقدار من مباحث الإجارة سائلين الحق جل شأنه أن يوفقنا لتحرير باقي كتب (المجلة) بمنه و كرمه.

اللهم عليك توكلنا و إليك أنبنا و إليك المصير.

(و يتلوه كتاب الكفالة إن شاء اللّٰه)

ص: 231

الكتاب الثالث في الكفالة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 232

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

ص: 233

المقدمة (في الاصطلاحات الفقهية الدائرة بالكفالة)

اشارة

(مادة: 612)

الكفالة:

ضم ذمة إلى ذمة، في مطالبة شي ء يعني أن يضم أحد ذاته الى ذات آخر و يلتزم أيضاً المطالبة التي لزمت في حق ذلك.

قد اجتهد نفسه هذا المعرف ليفصح عن المعنى المقصود فلم يستطع و بقيت العبارة معقدة غير وافية بالمراد.

و (تحرير البحث) ان فقهائنا يعبرون عن هذا الكتاب (بكتاب الضمان) و يخصون (كتاب الكفالة) يتعهد النفس، و إحضار الشخص، اما تعهد المال فهو الضمان، و عرفت في (الجزء الأول) ان الضمان يستعمل في لسان الشرع أو المتشرعة في معنيين.

الأول-: غرامة التالف و منه (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) و قول الحنفية (الأجر و الضمان لا يجتمعان).

الثاني-: ضم ذمة إلى ذمة- أي جعل ذمة مشغولة بما اشتغلت به ذمة

ص: 234

أخرى، بحيث يصير لصاحب الحق مطالبة أيهما شاء، و أيهما دفع تبرأ ذمته و ذمة الآخر، هذا عند فقهاء المذاهب.

اما عند الإمامية فهو نقل المال من ذمة إلى أخرى بحيث تبرأ ذمة الأول و تبقى ذمة الآخر هي المشغولة، و قد أوضحنا لك فيما سبق ان الجميع يرجع الى معنى واحد، و أصل حقيقة الضمان هو العهدة و التعهد، فغرامة التالف عبارة عن دخول البدل في عهدة المتلف و اشتغال ذمته به و هو ضمان العهدة و ضم ذمة إلى أخرى أو نقل المال من ذمة إلى ذمة و هو جعل الحق في عهدته اما معاً على سبيل البدلية كما عند القوم، أو نقلًا و تحويلًا كما عند الإمامية، و كفالة النفس أيضاً ترجع أيضاً الى ضمان العهدة يعني انك تتعهد بإحضار الشخص في الوقت المعين أو متى شاء صاحب الحق كما في مادة (613) الكفالة بالنفس هي الكفالة بشخص واحد، و ما بعدها من مادة (614) إلى مادة (620) مكررات واضحات و مادة (617) سيأتي تفصيلها في مادتي (623) و (624) و (الخلاصة) ان الكفالة أي الضمان نسبة و اضافة تتقوم بأربعة أطراف.

(1) الكفيل- و هو الضامن المتعهد.

(2) المكفول- و هو المضمون عنه أو معه.

[3] المكفول له- و هو صاحب الحق المضمون و يعبر عنه بالمضمون له.

[4] الحق المضمون- و هو المال أو النفس.

و هي عند أصحابنا عقد يتوقف على الإيجاب من الضامن و القبول

ص: 235

من المضمون له و هو صاحب الحق، اما المضمون عنه اي من عليه الحق فقيل: يعتبر قبوله أيضاً فتتقوم بإيجاب و قبولين، و قيل: لا يعتبر، اما عند أصحاب (المجلة) فيكفي إيجاب الكفيل كما سيأتي.

ص: 236

الباب الأول في «عقد الكفالة

اشارة

و يحتوي على فصلين»

الفصل الأول «في ركن الكفالة»
(مادة: 621) تنعقد الكفالة و تنفذ بإيجاب الكفيل فقط

و لكن ان شاء المكفول له ردها فله ذلك و تبقى الكفالة ما لم يردها المكفول له و بهذه الصورة لو كفل أحد و طلب المكفول له في غيابه و مات قبل وصول خبر الكفالة اليه و يطلب الكفيل بكفالته هذه و يؤاخذ بها.

ذهب جماعة من متأخري فقهائنا إلى كفاية الإيجاب و عدم لزوم القبول العقدي من المضمون له اي المكفول له بل يكفي رضاه سابقاً أولا حقاً أو مقارناً و حينئذ فلا يلزم فيه ما يلزم في سائر العقود اللازمة من صيغة خاصة و توالي الإيجاب و القبول و غير ذلك و هذا هو المعنى المعقول و لعله هو مراد أرباب (المجلة) و ان كانت العبارة قاصرة عنه فان رضا صاحب الحق أي المكفول له لا بد منه و لا يكفي عدم رده

ص: 237

و لا يلزم الكفيل بها مع عدم إحراز رضا المكفول له فلو مات قبل العلم برضاه فالكفيل غير مشغول الذمّة و قولهم: ان الكفيل يطالب بكفالته و يؤاخذ بها غير سديد كما هو واضح بأقل تأمل، بل قد يكون في بعض الظروف و الاعتبارات رضا المكفول اي المضمون عنه معتبراً أيضاً كما لو كان من ذوي الشأن و يكون عليه حزازة في ضمان هذا الضامن الذي هو أحط منه درجة عند الناس فلا ينتقل الحق من ذمته الا برضاه.

[مادة: 622] إيجاب الكفيل يعني ألفاظ الكفالة هي الكلمات التي تدل على التعهد و الالتزام في العرف و العادة

مثلا لو قال كفلت أو انا كفيل أو ضامن الكفالة،،، عقد الضمان أو الكفالة له صيغ خاصة عليه صراحة و بالمطابقة و هي- كفلت و ضمنت، و انا متعهد و انا ضامن- و له صيغ تدل عليه بالالتزام كقوله: حقك على فلان هو علي و أنا مشغول لك به، و أشباه هذا، و الجميع كاف على حد سائر العقود اللازمة عندهم و ان كان الأحوط بل الأقوى لزوم الاقتصار على الصيغ الصريحة أو القريبة منها.

اما المجازات البعيدة و استعمال ألفاظ عقد في آخر كما لو استعمل لفظ الحوالة و أراد منه الكفالة بقرينة أم بغير قرينة فالأصح عدم انعقاد تلك المعاملات الخاصة بها و عدم تحقق تلك الحقائق باستعمالها.

(مادة: 623) تكون الكفالة بالوعد المطلق أيضاً

انظر مادة (84) مثلا لو قال: ان لم يعطك فلان طلبك فانا أعطيك تكون كفالة فلو

ص: 238

لم يعطه يطالب الكفيل.

ذكرنا في تلك المادة ان المواعيد عندنا غير لازمة، نعم يستحب الوفاء بالوعد استحباباً شرعياً و يجب الوفاء به وجوباً اخلاقياً، فقوله:

ان لم يعطك فلان فانا أعطيك، و عدلا التزام و لا عقد لازم و ليس بكفالة و لا ضمان انما الضمان ان يقول: انا ملتزم أو متعهد أو ضامن و ما الى ذلك من الألفاظ الصريحة بالعهدة و إشغال الذمة.

هذا فساد من هذه الناحية و فساد من ناحية أخرى و هي ان العقود اللازمة بل مطلقاً عند الفقهاء لا تحتمل التعليق سيما الضمان فلا يصح ان يقول: انا ضامن ان رضي أبي، و انا ضامن ان لم يعطك المديون، بل يشترطون في الضمان التنجيز كما سيأتي، و استدلوا له بالإجماع تارة- و تحققه غير معلوم- و بمنافاة العقد للتعليق أخرى لأن أثر العقد يلزم ان يكون متصلا به غير منفك عنه، و فيه ان الأثر الخاص- اعنى الالتزام أو التعهد- في ذلك التقدير أيضاً متصل بالعقد غير منفك عنه فكما يجوز التوقيت في الضمان كقوله: انا ضامن بعد شهر أو بعد سنة يلزم جواز انا ضامن ان قبل أبي أو ان لم يعطك غريمك فيكون نظير ضمان العهدة في الأعيان فإنه ضمان في الحقيقة ضمان معلق على التلف كما مرت الإشارة إليه في قاعدة اليد فتدبره.

و الى الضمان الموقت أشارت مادة (624) لو قال: انا كفيل من اليوم الى الوقت الفلاني تنعقد منجزة حال كونها كفالة موقتة، و مادة (625) كما تنعقد الكفالة مطلقة تنعقد بقيد التعجيل و التأجيل يعني

ص: 239

مقيدة بالحال أو بالوقت الفلاني- كل ذلك لإطلاق أدلتها المقتضي لجوازه كما يقتضي جواز تعدد الكفلاء عرضيين كما لو كفل شخصاً واحداً جماعة، و طوليين كما لو كفل الكفيل كفيل و هكذا و يكون حال أولئك و هؤلاء حال الواجب الكفائي ان ادى واحد سقط عن الجميع و الا فالجميع ذممهم مشغولة على نحو البدلية و كما في تعاقب الأيدي على العين الواحدة كما حقق في محله و اليه أشار بمادة (626) يصح ان يكون للكفيل كفيل و مادة (627) يجوز تعدد الكفلاء.

الفصل الثاني في (بيان شرائط الكفالة)
(مادة: 628) يشترط في انعقاد الكفالة كون الكفيل عاقلا و بالغاً

بناء عليه لا تصح كفالة المجنون و المعتوه و الصبي، و لو كفل حال صبوته و أقربها بعد البلوغ لم يؤاخذ بها.

العقل و البلوغ- بل و الرشد- عندنا من الشرائط العامة التي لا يصح عقد الا باجتماعها، و اما أرباب (المجلة) فقد اكتفوا- في صحة البيع و الإجارة و هما من أقوى العقود اللازمة و أكثرها تداولا- بالعقل و التمييز فقط اي لم يعتبروا البلوغ فاعتباره هنا و عدم اعتباره هناك لا يخلو من

ص: 240

غرابة و على كل فيشترط في صحة الكفالة أي الضمان.

1-: الإيجاب و القبول.

2-: صدورهما من عاقل بالغ.

3-: كونه مختاراً فلا اثر لضمان المكره.

4-: غير محجور عليه لسفه، اما الحجر عليه لفلس فلا يمنع، لأن الحجر في الفلس يتعلق بمنعه من التصرف في أعيان أمواله لا في ذمته فهو كما لو اقترض على ذمته، و كذا يشترط عدم كون المضمون له مفلساً أو سفيهاً اما المضمون فلا يشترط فيه شي ء من ذلك.

5-: ان لا يكون مملوكاً غير مأذون من مولاه، و عن بعض فقهائنا جواز ضمانه مطلقاً كجواز دينه و يتسع به بعد العتق، و نفي القدرة عنه في قوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) منصرف إلى الأعمال المنافية لحق المولى و ليس هذا القول و ان كان المشهور على خلافه ببعيد، و لو اذن له المولى و عين في ماله أو مال عبده- ان قلنا بأنه يملك أو في ذمته تعين، و ان أطلق ففي كونه على المولى أو على ذمة العبد يتبع به بعد العتق أو في كسبه فعلا وجوه أوجهها الأول لأن الاذن في الشي ء اذن في لوازمه بعد ان كان العبد لا مال له أصلا أو محجور عليه فهو كما لو اذن له بالتزويج حيث ان المهر و النفقة على المولى و ان لم يقيد و كما لو اذن له في الاستدانة لنفقته و دعوى الفرق ممنوعة.

6-: التنجيز عند المشهور فلو علق الضمان على شرط بطل عندهم

ص: 241

اما لو علقه على وصف اي على أمر محقق الوقوع كالتوقيت صح، و قد عرفت التحقيق قريباً.

7-: كون المضمون حقاً ثابتاً في ذمة المضمون عنه سواء كان مستقراً كالفرض و العوضين في البيع المنجز، أو متزلزلا كأحد العوضين في البيع الخياري و كالمهر قبل الدخول فلو قال: أقرض فلاناً و انا ضامن أو بعه نسيئة بضماني لم يصح عند المشهور بل ادعي الإجماع عندنا على بطلان قوله: مهما أقرضت فلاناً فهو في ضماني مع انهم اتفقوا ظاهراً على الصحة فيما لو قال عند خوف غرق السفينة: ألق متاعك في البحر و علي ضمانه، و ذهب جماعة إلى صحة ضمان مال الجعالة قبل العمل مع انه حق غير ثابت فالأقوى كفاية مقتضى الثبوت و عليه فيصح ضمان النفقة المستقبلة للزوجة لأن نفس الزوجية تقتضي ثبوتها و ان لم يثبت فعلا بل يمكن القول بما هو أوسع و هو ضمان الأعيان و عدم قصره على الحق الثابت في الذمة فيصح ضمان العين المغصوبة و المقبوض بالسوم و بالعقد الفاسد و ضمان درك الثمن لو ظهر المبيع مستحقاً و درك المبيع لو ظهر الثمن مستحقاً و كل هذا من ضمان العهدة المستفاد من قاعدة اليد فيتلاقى الضمانان- ضمان العقد و ضمان اليد- في أصل واحد و فسيلة فاردة.

8-: ان لا يكون الضامن مشغول الذمة للمضمون عنه بمثل المال المضمون فإنهم ذكروا: ان التعهد اما بمال أو بنفس و الثاني هو الكفالة و الأول- اما من برئ- و هو الضمان- و اما من مشغول الذمة و هو الحوالة.

و يمكن الخدشة فيه بان ملاك الفرق بين الضمان و الحوالة ليس هو البراءة.

ص: 242

و الاشتغال بل ان المتعهد ان ابتدأ بالتعهد و لو بإذن المتعهد عنه فهو ضمان سواء كان مشغولا أو بريئاً و ان كان بتوجيه المتعهد عنه ماله من الحق إلى غيره فهو الحوالة.

و «الحاصل» ان الضمان و الحوالة معنيان متباينان بحسب الجوهر و ان اشتركا في بعض اللوازم فالضمان تعهد أعم من ان يكون بطلب أو ابتداء و ان كان الغالب الثاني، و الحوالة توجيه و تسليط على ذمة الغير فذاك تعهد ذمة لأخرى و هذه تسليط ذمة على ذمة فتدبره فإنه لا يخلو من دقة، و حينئذ فلو ضمن مشغول الذمة فإن كان بإذن المضمون عنه و بمثل ماله من الحق حصل التهاتر القهري و الا فالحق باق في ذمته كما في الضمان التبرعي.

9-: ان لا يكون في المضمون له و الحق المضمون و المضمون عنه ترديد عند الضامن و إبهام فلا يصح ان يضمن أحد الدينين و لو لشخص واحد أو على واحد و لا أحد الشخصين و لو عن دين واحد و لكن لا يلزم معرفة الدين و مقداره و لا معرفة المضمون له أو المضمون عنه بشخصه بل يكفي المعرفة الإجمالية و الإشارة إلى واقعة على ما هو عليه و ان لم يعلمه الضامن تفصيلا فيصح لو قال: ضمنت ما عليك من دين و ان لم يعلم قدره و لا من له الدين كما يجوز ان يقول ضمنت مالك على الناس من ديون أو كل من له دين على زيد فانا ضامن له و هكذا و اليه أشارت (المجلة) في مادة (630) ان كان المكفول به نفساً يشترط ان يكون معلوماً و ان كان مالا لا يشترط ان يكون معلوماً بناء عليه

ص: 243

لو قال: انا كفيل عن دين فلان الذي هو على فلان تصح الكفالة و ان لم يكن مقداره معلوماً، بل قد عرفت صحة ما هو أوسع من هذا في الجهالة.

و «الضابطة» للصحة ان يقصد شيئاً له واقع يشير اليه و لو إجمالا بخلاف ما لو لم يكن له واقع معين كأحد الدينين أو أحد الشخصين فان واقعه الترديد لا التعيين.

و الى الشرط السابع أشارت (المجلة) بمادة (631) يشترط في الكفالة بالمال ان يكون المال المكفول به مضموناً على الأصيل يعنى ان إيفائه يلزم الأصيل بناء عليه تصح الكفالة بثمن المبيع و بدل الإجارة و سائر الديون الصحيحة كذلك تصح الكفالة بالمال المغصوب،،، يتضح لك من تحريرنا القريب ضعف هذا البيان الذي لم يميز فيه بين ضمان الذمم و الأعيان فإن ثمن المبيع تارة يكون كلياً و هو المورد المتفق على صحة ضمانه و اخرى يكون شخصياً و هو مما لا معنى لضمانه عند المشهور من الفريقين إذ لا وجه عندهم لضمان العين الموجودة في الخارج و لكننا قد خرجنا لضمانها وجهاً على نحو ضمان اليد في المغصوب و نحوه الذي يتضمن نوعاً من التعليق محصله وجوب رد العين مع وجودها، و رد بدلها مع فقدها.

و قد أشارت (المجلة) هنا الى ضمان الدين صريحاً و ضمان العين بذكر المغصوب و بقي بدل الإجارة و ثمن المبيع صالحاً للأمرين و وافقت المشهور عندنا في لزوم كون المضمون حقاً ثابتاً فعلياً و لا يكفي

ص: 244

الاقتضاء و الاستعداد.

و يتحصل منها ان ضابطة ما يصح ضمانه- الدين الثابت في الذمة أو العين المضمونة ضمان يد أو ضمان معاوضة فتخرج الأمانات لأنها غير مضمونة أصلا كالعارية و الرهن فضلا عن الوديعة و الإجارة، و كذلك يخرج المبيع قبل القبض فإنه في ضمان البائع فلا دين و لا يد.

نعم يصح ضمانه بمعنى أوسع و هو التعهد بتسليمه و لو أتلف الأمين الامانة و اشتغلت ذمته ببدلها صح الضمان لانه دين، و بهذا يتضح بقية ما في هذه المادة من الأمثلة حيث تقول: و كذلك تصح الكفالة بالمال المقبوض على طريق سوم الشراء ان كان قد سمي ثمنه- و هذا من قبيل ضمان العين- و لكن لا تصح الكفالة بعين المبيع قبل القبض لانه لو تلف عين المبيع في يد البائع ينفسخ البيع و لا يكون مضموناً على البائع الا انه يلزم عليه رد ثمنه ان كان قد قبضه، و كذلك لا تصح الكفالة بعين المال المرهون و المستعار و سائر الأمانات لكونها غير مضمونة على الأصيل و لكن بعد إضاعة المكفول عن هؤلاء و استهلاكها لو قال: أنا كفيل، تصح الكفالة و أيضاً تصح الكفالة بتسليم هؤلاء و بتسليم المبيع و عند المطالبة لو لم يكن للكفيل حق حبسها من جهة يكون مجبوراً على تسليمها الا انه كما ان في الكفالة بالنفس يبرأ الكفيل بوفاء المكفول به كذلك لو تلفت هذه المذكورات لا يلزم الكفيل شي ء.

(مادة: 632) لا تجري النيابة في العقوبات

بناء عليه لا تصح الكفالة بالقصاص و سائر العقوبات و المجازات الشخصية و لكن تصح الكفالة

ص: 245

بالأرش و الدية الذين يلزمان الجارح و القاتل.

يعني ان مورد الكفالة اما مال أو نفس اما القصاص و الحدود فهي حقوق إلهية و احكام شرعية و لا معنى لضمانها، نعم يتصور فيها ضمان الشخص و تسليمه لا قامة الحد عليه أو القصاص فيكون من ضمان النفس و لا مانع منه و ان لم يصرحوا به، و لكن تصح الكفالة بالأرش قطعاً و الدية لا اللذين يلزمان القاتل و الجارح لأنهما مال و الذمة مشغولة به و ان كان سببه الجناية.

(مادة: 633) لا يشترط يسار المكفول عنه و تصح الكفالة عن المفلس أيضاً.

هذا مما لا كلام فيه و لا حاجة الى بيانه انما الكلام في اعتبار يسار الكفيل- اي الضامن- و لكن مع رضا المضمون له يسقط هذا البحث و لكن لو كان معسراً أو مفلساً و رضي المضمون له به لعدم علمه بفقره و فلسه لا يبعد بل المتعين، ان يكون له الخيار.

ص: 246

(الباب الثاني) في (بيان أحكام الكفالة

اشارة

و يحتوي على) (ثلاثة فصول)

الفصل الأول في (بيان حكم الكفالة المنجزة و المعلقة و المضافة)
(مادة: 634) حكم الكفالة هو المطالبة يعني للمكفول له حق مطالبة لمكفول به من الكفيل،

على البدل كما هو عند فقهاء المذاهب، و على التعيين عند الإمامية لأن حكم الضمان الصحيح أي الكفالة برأيه المضمون عنه من الحق و اشتغال ذمة الضامن به.

(مادة: 635) يطالب الكفيل في الكفالة المنجزة حالا ان كان الدين معجلا في حق الأصيل و عند ختام المدة المعينة ان كان مؤجلا

مثلا-:

لو قال: أحد انا كفيل عن دين فلان فللدائن ان يطالب الكفيل في الحال

ص: 247

ان كان معجلا و عند ختام مدته ان كان مؤجلا.

و هذا- أي مطابقة الضمان الدين- واضح غني عن البيان و انما الحري بالذكر جواز المخالفة فيجوز ضمان المؤجل حالا و ضمان الحال مؤجلا بذلك الأجل أو انقص أو أزيد كل ذلك لإطلاق أدلة الضمان فلا وجه لما يحكى عن بعضهم من اعتبار الأجل في الضمان كالسلم و عدم صحته حالا، و لا لقول آخر من انه لا يصح ضمان المؤجل لأنه من ضمان ما لم يجب.

(مادة: 636) اما في الكفالة التي انعقدت مضافة الى زمان مستقبل أو معلقة بشرط فلا يطالب الكفيل

ما لم يحل الزمان أو يتحقق الشرط مثلا لو قال. ان لم يعطك فان طلبك فانا كفيل بأدائه، تنعقد الكفالة مشروطة و عند المطالبة ان لم يعطه ذلك الرجل دينه يطالب الكفيل و الا لا يطالب الكفيل قبل المطالبة من الأصيل كذا لو قال: ان سرق فلان مالك فانا ضامن، تصح الكفالة و ان ثبتت سرقة ذلك الرجل يطالب الكفيل، و كذا لو كفل بشرط ان يمهل كذا أياماً اعتباراً من الوقت الذي يطالب المكفول له و أمهل من وقت المطالبة مقدار تلك الأيام فلمكفول له ان يطالب الكفيل بعد مرور الأيام المذكورة أي وقت شاء، و كذا لو قال: انا كفيل بطلبك الذي يثبت في ذمة فلان أو بالمبلغ الذي ستقرضه فلانا أو بالشي ء الذي يغصبه فلان و بثمن المال الذي ستبيعه لفلان فلا يطالب الكفيل الا بعد تحقق هذه الأحوال يعني لا يطالب الكفيل الا بعد ثبوت الطلب و الافراض و تحقق الغصب و وقوع البيع و التسليم، و كذا لو قال: انا كفيل بإحضار فلان في

ص: 248

اليوم الفلاني لا يطالب الكفيل بإحضار المكفول به قبل حلول ذلك اليوم.

أكثر هذه الأمثلة المذكورة في هذه المادة هي من باب ضمان ما لم يجب و المشهور عند فقهائنا بطلانها جميعاً و التحقيق فيها التفصيل فمثل قوله: ان لم يعطك طلبك فانا ضامن، صحيح، و مثل قوله: ان سرق فلان مالك فانا ضامن. أو بالمبلغ الذي ستقرضه فلاناً أو بالشيئ الذي يغصبه فلان و بثمن المال الذي ستبيعه لفلان- كلها باطلة و لا اثر لها حتى بعد القبض و الغصب و البيع و السرقة فان لم يكن ثابتاً وقت الضمان لا حقيقة و فعلا و لا اقتضاء و قوة بخلاف الضمان بعد البيع و الضمان على فرض عدم الدفع أو ضمان درك الثمن على فرض ظهور استحقاق المبيع و أمثالها مما يكون الحق بين ما هو ثابت فعلا اي حين الضمان و بين ما هو ثابت بالقوة لتحقق مقتضية و هو البيع المقتضي لضمان الدرك.

[مادة: 637] يلزم عند تحقق الشرط تحقق الوصف و القيد أيضاً

مثلا- لو قال كلما حكم على فلان فانا كفيل بأدائه و أقر ذلك بكذا دراهم لا يلزم أداء الكفيل ذلك ما لم يلحقه حكم الحاكم.

(مادة: 638) في الكفالة بالدرك لو ظهر للمبيع مستحق لا يؤخذ الكفيل

ما لم يحكم بعد المحاكمة على البائع برد الثمن.

(مادة: 639) لا يطالب الكفيل في الكفالة الموقتة إلا في ظرف مدة الكفالة

مثلا- لو قال انا كفيل من هذا اليوم الى شهر لا يطالب الكفيل إلا في ظرف هذا الشهر و بعد مروره يبرأ من الكفالة.

ص: 249

هذا الحكم انما يتم بناء على ان الضمان ضم ذمة إلى ذمة اما بناء على انه نقل المال من ذمة إلى أخرى بحيث تبرأ الذمة الاولى بمجرد تحقق الضمان فلا يتم بل لا يتحصل له معنى كما هو واضح.

نعم يتصور التوقيت على الطريقة الثانية بمعنى استحقاق المطالبة و تنجز الحق لا بمعنى انه بعد مرور المدة يبرء من الكفالة و ان لم يدفع فتدبره.

(مادة: 640) ليس للكفيل ان يخرج من الكفالة بعد انعقادها

و لكن له ذلك قبل ترتب الدين في ذمة المديون في الكفالة المعلقة و المضافة مثلا- كما انه ليس لمن كفل أحداً عن دينه منجزاً ان يخرج من الكفالة كذلك لو قال: كلما يثبت لك دين في ذمة فلان فانا كفيله.

تريد هذه المادة بيان حال ان عقد الكفالة من حيث الجواز و اللزوم و ان هل للكفيل الخروج و التخلي بعد انعقادها، و تحرير هذه الناحية ان عقد الضمان من العقود اللازمة من طرف الضامن و المضمون عنه سواء كان بإذنه أو لا.

نعم قد عرفت قريباً ان المضمون له إذا كان غير عالم بإعسار الضامن حين الضمان كان له الفسخ كما انه لو اشترط الضامن أو المضمون له أو هما معاً الخيار صح على نحو لا يوجب الغرر و الجهالة لعموم أدلة الشروط و المدار على اليسار الإعسار حال عقد الضمان فلو كان معسراً في ذلك الحال ثم أيسر لم يسقط الخيار و لو انعكس الأمر لم يكن له خيار.

ص: 250

هذا بعد تحقق الدين و صحة الضمان، اما المذكور في المتن من الكفالة المعلقة التي هي قبل ترتب الدين فهي باطلة عندنا كما عرفت قريباً، و على تقدير صحتها فيلزم الاطراد في منجزها و معلقها و مضافها و الحكم في اللزوم في بعض و الجواز في آخر تحكم لا وجه له سوى الاستحسان.

و أي فرق في قوله: كلما يثبت لك دين في ذمة فلان فانا كفيله بين ان يكون الدين ثابتاً فلا رجوع أو يثبت مؤخرا فيجوز الرجوع فليتدبر.

(مادة: 641) من كان كفيلا برد المال المغصوب أو المستعار

و تسليمهما لو سلمهما الى صاحبهما يرجع بأجرة نقليتهما على الغاصب و المستعير.

هذا في صورة الإطلاق اما مع التقييد و الانصراف فلا.

الفصل الثاني في (بيان حكم الكفالة بالنفس)

(مادة: 642) حكم الكفالة بالنفس هو عبارة عن إحضار المكفول به أي لأي وقت كان قد شرط تسليم المكفول به يلزم إحضاره

ص: 251

على الكفيل بطلب المكفول له ذلك الوقت فإن أحضره فيها و الا يجبر على إحضاره.

هذه العبارة كما ترى على طولها مختلة التركيب متفككة كعبارة تركية أو هندية و حق البيان ان يقال: ان الكفالة بالنفس عبارة عن التعهد و الالتزام بإحضار إنسان في وقت معين أو عند طلبه من إنسان أخر و يحصل بالإيجاب من الكفيل و القبول من المكفول له و يشترط فيه ما يشترط في غيره من صدورهما من بالغبن رشيدين مختارين غير سفيهين و في الفلس وجهان يظهران بالتأمل و يعتبر رضا الكفيل و المكفول له قطعاً بل و رضا المكفول على الأحوط بل الأقوى و إذا تم هذا العقد كان أثره وجوب إحضار الكفيل المكفول في الوقت المعين أو ما عليه من الحق ان أمكن في المكان المعين أو في بلد الكفالة مع الإطلاق و لو امتنع أجيره الحاكم و لو سلم المكفول نفسه أو مات أو أبرئه المكفول له سقطت الكفالة.

هذا موجز ما ينبغي ان يقال في عقد الكفالة و هنا تفاصيل و بحوث لا يتسع لها المجال.

ص: 252

الفصل الثالث في (بيان أحكام الكفالة بالمال)
(مادة: 643) الكفيل ضامن.

يعني انه متعهد بدفع المال اما مطلقاً كما هو عندنا أو على البدل كما هو عندهم.

(مادة: 644) الطالب مخير في مطالبته

ان شاء طالب الأصيل و ان شاء طالب الكفيل و مطالبته من أحدهما لا يسقط حق مطالبته من الأخر و بعد مطالبته من أحدهما له ان يطالب الآخر و منهما معاً.

فيها من سوء البيان و التكرار الواهن ما يمجه الذوق العربي، و هذا من لوازم الكفالة بالمعنى المعروف عند القوم من كونها عبارة عن ضم ذمة إلى اخرى، اما بالمعنى الذي عندنا فلا مجال لهذا القول و لا حق له الا بمطالبة الكفيل إما الأصيل فقد برء تماماً، و قوله و منهما معاً- اي على ان يدفع له أحدهما لا ان يدفعا معاً كما هو واضح.

(مادة: 645) لو كفل أحد المبالغ التي لزمت ذمة الكفيل بالمال حسب كفالته

فللدائن ان يطالب من شاء منهما هذا أيضاً من لوازم صحة ترامي الكفالة فلو كفل الكفيل كفيل

ص: 253

آخر كان للمكفول له مطالبة من شاء منهما و هذا واضح بعد البناء على انها ذمم ينضم بعضها الى بعض و اللاحق لا يسقط السابق، و عليه يتفرع أيضاً مادة (646) المديونون من جهة الاشتراك لو كان كل واحد منهم كفيلا للآخر يطالب كل منهم بمجموع الدين،،، اي للمكفول له مطالبة كل واحد بمجموع الدين فان كل واحد بكفالته قد صير الدين كله في ذمته.

(مادة: 647) لو كان لدين كفلاء متعددة

فإن كان كل منهم قد كفل على حده يطالب كل منهم بمجموع الدين و ان كانوا قد كفلوا معاً يطالب كل منهم بمقدار حصته من الدين و لكن لو كان قد كفل كل منهم المبلغ الذي لزم في ذمة الآخر فعلى هذا الحال يطالب كل منهم بمجموع الدين مثلا- لو كفل أحد آخر بألف ثم كفل ذلك المبلغ غيره أيضاً فللدائن ان يطالب من شاء منهما، و اما لو كفلا معاً يطالب كل منهما بنصف المبلغ المذكور الا ان يكون كل منهما قد كفل المبلغ الذي لزم ذمة الآخر فعلى ذلك الحال يطالب كل منهما بالألف.

هذه المادة أيضاً مختلة البيان مع التطويل و التكرير المخل، و تحرير هذا البحث ان تعدد الكفلاء اما ان يكون على نحو العموم الأفرادي البدلي نحو جئني بأي رجل كان، أو على نحو العموم المجموعي نحو وزع هذه المائة على هؤلاء العشرة، أو على نحو العموم الترتيبي مثل خصال الكفارة المرتبة، و على النحو الأول يتجه ما ذكرته (المجلة) بقولها: فان كان كل منهم قد كفل على حدة يطالب اي المكفول

ص: 254

له كلا منهم بمجموع الدين يعني على سبيل البدل، و على النحو الثاني ينطبق قولها: و ان كانوا قد كفلوا معاً يطالب كلا منهم بمقدار حصته من الدين اي يتوزع الدين عليهم بالحصص.

و الى هنا كمل بيان القسمين و ما بقي في هذه المادة تكرار و اعادة لهما مع تطويل ممل و بلا فائدة كما هو واضح بأدنى مراجعة، و بقي القسم الثالث لم تشر إليه أصلا و هو العموم الترتيبي و هو ما لو قال كل واحد منهم: انا كفيل لفلان ان لم يدفع هو، أو ان لم يدفع كفيله الى الوقت الفلاني و هكذا و هذا هو الضمان المتسلسل المترتب و قد يدور حتى يرجع الى الأول فتدبر.

(مادة: 648) لو اشترط في الكفالة برأيه الأصيل تنقلب إلى الحوالة.

يعني يشترط الضامن في الضمان على المضمون له ان يبرء ذمة المضمون عنه الأصيل تبرأ و تنقلب الكفالة حوالة لأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة و هذا على مذهب الجماعة واضح و أما على مذهب الأصحاب فهذا الشرط تأكيد لا تأسيس لان طبيعة الكفالة- أي الضمان تقتضي ذلك بذاتها و لو لم يشترط، و لا تنقلب إلى الحوالة لأن الحوالة عند المشهور لدى فقهائنا تحويل المال من ذمة مشغولة إلى ذمة أخرى بخلاف الضمان فإنه تحويل إلى ذمة فارغة، و قد مرت الإشارة إلى انتقاد هذا الرأي و سيأتي أيضاً تحقيقه في الحوالة ان شاء اللّٰه.

و مما ذكرنا تتضح وجهة البحث في مادة (649) الحوالة بشرط

ص: 255

عدم برأيه المحيل كفالة بناء عليه إلخ .. فإنه يصح عندهم و يكون كفالة اي ضماناً و لا يصح عندنا لان لازم الحوالة برأيه المحيل و لازم الضمان ان يكون الضامن غير مديون.

(مادة: 650) لو كفل أحد دين أحد على ان يؤديه من المال المودع عنده يجوز

و يجبر الكفيل على أدائه من ذلك المال و لو تلف المال لا يلزم الكفيل شي ء و لكن لو رد ذلك المودع بعد الكفالة يكون ضامناً.

تطبيق هذا الفرع على القواعد المحكمة، و العقود المقررة المعروفة مشكل و باب الضمان و أخواته من الكفالة و الحوالة هو تعهد الذمم على نحو الكلي لا التعهد في المال المعين الخارجي و يشبه ان يكون توكيلا من المودع للودعي ان بقي دينه من وديعته التي عنده فلو تلفت الوديعة فالدين باق و الكفيل- اي الوكيل- لا شي ء عليه طبعاً الا مع التعدي أو التفريط.

(مادة: 651) لو كفل أحد آخر عن نفسه على ان يحضره في الوقت الفلاني

و ان لم يحضره في الوقت المذكور فعليه أداء دينه فإذا لم يحضره في الوقت المعين المذكور يلزمه أداء ذلك الدين، و إذا توفي الوكيل فان سلمت الورثة المكفول به الى الوقت المعين أو المكفول به ان سلم نفسه من جهة الكفالة لا يترتب على طرف الكفيل شي ء من المال و ان لم يسلم الورثة المكفول به أو هو لم يسلم نفسه يلزم أداء المال من تركة الكفيل و لو حضر الكفيل المكفول به و اختفى المكفول له أو تغيب فليراجع الكفيل الحاكم لينصب وكيلا عوضاً عنه و يستلمه.

تضمنت هذه المادة عدة أحكام.

ص: 256

1-: انه لو كفل ان يحضر نفساً فان لم يحضره في الوقت المعين دفع ما عليه من الحق و هذا مما لا اشكال فيه عند جمهرة فقهاء الإسلام بل لعله من مقتضيات عقد الكفالة و ان لم يشترطه كما سبق، و لكن مع كل هذا الوضوح قد حاول التشكيك فيه البعض بان ذلك ليس من مقتضيات عقد الكفالة بالنفس فلو لم يرض المكفول له الا بإحضار النفس طبقاً لصريح نصها كان له ذلك و لا سبيل إلى إلزامه بقبول المال عن النفس سيما لو كان له غرض بحضور ذات الشخص أو لم يكن هناك حق ثابت بل يريد حضوره للمرافعة معه أو التفاهم أو غير ذلك من من الأغراض الخاصة، و كل ما يقال في هذا المجال و ان أمكن دفعه و الجواب عنه و لكن الإنصاف ان مثل هذه الحوادث الشخصية و الخصومات الخصوصية لا يمكن إعطاء الحكم الكلي لها بل الأسد و الأصوب إرجاعها إلى الحاكم لينظر في خصوصياتها المقامية و يحكم بما يقتضيه العدل و الاستنباط النظري من القواعد الشرعية المنطبقة على المورد الخاص فتدبره تجده ألمع من نجمة الصباح في أفق التحقيق.

2-: إذا توفي الكفيل فان سلمت الورثة المكفول به الى الوقت المعين أو المكفول به ان سلم نفسه من جهة الكفالة لا يترتب على الكفيل شي ء من المال و ان لم يسلم الورثة المكفول به إلخ .. و هذه الجمل تشتمل على أمرين.

الأول-: ان الكفالة حق على الكفيل للمكفول له ينتقل بعد موته فيكون على وارثه فللمكفول له ان يطالبهم بإحضاره.

ص: 257

الثاني-: انهم إذا لم يحضروه أو لم يسلم هو نفسه وجب على الورثة دفع المال من تركة مورثهم الكفيل و في كلا الأمرين مجال للبحث و النظر يرتكز على ان هذا الحق أو لا ليس بحق مالي حتى يتعلق بالوارث له أو عليه و ثانياً لو سلم كونه حقا مالياً فهو حق خاص متعلق بذات الكفيل كحق القذف و حق القصاص و أمثالها و ملاك القضية هنا انه ثبت بالدليل العام ان كل حق مالي للميت فهو ينتقل بموته الى وارثه و لم يثبت بوجه العموم ان كل حق عليه يكون بموته على وارثه و الأصل عدم الانتقال الا ما قام عليه الدليل في كل مورد بخصوصه.

3-: و لو احضر الكفيل المكفول به و اختفى المكفول له أو تغيب فليراجع الكفيل الحاكم لينصب وكيلا عوضاً عنه و يستلمه، لان مثل هذه الأمور العامة مرجعها الى الحاكم العام- و المراد بالأمور العامة ما يبتلي أحياناً به عامة الناس و ليس لها مرجع خاص يقوم بحل عقدتها فكان من الحكمة و حفظ النظام جعل مرجع لتمشيتها و هو الحاكم.

نعم يمكن ان يقال هنا انه لا يلزم الرجوع الى الحاكم بل يشهد الكفيل شاهدين عدلين على انه أحضره في الوقت المعين و يسقط بذلك حق المكفول له المتغيب فليتدبر.

(مادة: 652) إذا كان الدين معجلا على الأصيل في الكفالة المطلقة

ففي حق الكفيل أيضاً يثبت معجلا و ان كان مؤجلا يثبت مؤجلا. و مثلها مادة (653) و قد رجع بهما إلى أحكام كفالة المال و لا شك ان ضمان الدين مع

ص: 258

الإطلاق ينطبق على وصف الدين من سائر جهاته و خصوصياته فان كان معجلا وجب على الضامن دفعه كذلك، و ان كان مؤجلا بقي على الضامن بهذا الوصف، نعم يصح ضمان المؤجل حالا و الحال مؤجلا حسب الشرط كما يصح في المؤجل تأجيله إلى أجل آخر. كما في مادة (654) كما تصح الكفالة مؤجلة بالمدة المعلومة التي أجل بها الدين كذلك تصح مؤجلة بأزيد من تلك المدة.

[مادة: 655] لو أجل الدائن طلبه في حق الأصيل يكون مؤجلا في حق الكفيل و كفيل الكفيل أيضاً

و التأجيل في حق الكفيل الأول تأجيل في حق الكفيل الثاني أيضاً و اما تأجيله في حق الكفيل فليس بتأجيل حق الأصيل.

و ذلك واضح لأن الأصيل هو الأصل و الكفيل تابع و التابع فرع و الفرع يتبع الأصل و الأصل لا يتبع الفرع و لذا لا يتم هذا الا على معنى الضمان بمعنى الضم، اما بناء على معنى النقل و التحويل فلا يأتي شي ء من ذلك ضرورة أن الفرع قد انقلب أصلا و لم يبق له بعد براءة ذمته أي علاقة له مع غريمه فلا معنى لتأجيله و عدمه في حق الكفيل و لا كفيل الكفيل.

نعم يبقى الكلام في ان تأجيل الدين في حق الكفيل على الرأي الأول كيف يتصور مع عدم سرايته إلى الأصيل مع ان الدين واحد؟ و توجيه ذلك يمكن ان يكون بتصوير ان ذمة الأصيل هي المشغولة بالدين حقيقة و ليس على الكفيل الا حق المطالبة فإذا تأجل أصل الدين تأجلت المطالبة طبعاً اما لو تأجلت المطالبة كما لو أجل الكفيل فالدين باق على حاله من

ص: 259

تعجيل أو تأجيل، و تأجيل الكفيل أقصى أثره انه لا يطالب هو بالدين و لا ينافي ذلك ان غيره يطالب به فتدبره جيداً فإنه يحتاج الى لطف قريحة.

(مادة: 656) المديون مؤجلا لو أراد الذهاب الى ديار اخرى

و راجع الدائن الحاكم و طلب كفيلا يكون مجبوراً على إعطاء الكفيل.

في هذه المادة إجمال و إبهام و تحرير هذا البحث ان المديون لو أراد السفر من بلاد فيها دائنه فالدين لا يخلو اما ان يكون حالا أو مؤجلا فإن كان حالا فقد وجب عليه دفعه ان كان ملياً فان طالبه الدائن و لم يدفع مع عدم العذر الشرعي كان للدائن أن يرفع امره الى الحاكم كي يمنعه من السفر حتى يؤدى دينه، بل لا يبعد انه لو يسافر و الحال هكذا كان سفره معصية لا يجوز فيه التقصير.

و (بالجملة) لا يجوز له السفر الا بإرضاء دائنه بالدفع أو بالكفيل أو بغيرهما، اما لو كان الدين مؤجلا فليس له حق المطالبة بالدين و لا بالكفيل و لا بغيره، فإطلاق (المجلة) انه يكون مجبوراً على إعطاء الكفيل غير سديد، اللهم الا ان يكون رأيهم- و لو استحسانا- ان له ذلك حتى مع عدم حلول أجل الدين مخافة ان يحل الأجل و هو مسافر فيتأخر أداء الحق فليتأمل.

و لعل ما ينسب إلى الحنفية من عدم الحق للدائن أن يحبس المديون عن السفر إلا في نفقة الزوجة ناظر الى الدين قبل حلول اجله و يبقى الاستثناء على ظاهره متصلا، و وجهه ان نفقة الزوجة بالنسبة إلى الأيام المستقبلة

ص: 260

و ان كانت من قبيل المؤجل و لكن لقرب اجله و حاجة الزوجة إليه في الغالب و أهميته يكون كالحال بل أشد منه فليتدبر.

(مادة: 657) لو قال أحد لآخر اكفلني عن ديني الذي هو لفلان

فبعد ان كفل و أدى عوضاً عن الدين بحسب كفالته لو أراد الرجوع على الأصيل يرجع بالشيئ الذي كفله و لا اعتبار للمؤدي، و اما لو صالح الدائن على مقدار من الدين يرجع ببدل الصلح و ليس له الرجوع بمجموع الدين مثلا- لو كفل بالمسكوكات الخالصة و ادى مغشوشة يأخذ من الأصيل مسكوكات خالصة و بالعكس لو كفل بالمسكوكات المغشوشة وادي خالصة يأخذ من الأصيل مغشوشة كذلك لو كفل مقداراً من الدراهم و أداها صلحاً بإعطاء بعض أشياء يأخذ من الأصيل المقدار الذي كفله من الدراهم و لكن لو كفل ألفاً وادي خمسمائة صلحاً يأخذ من الأصيل خمسمائة.

هذه أيضاً من مهمات مسائل الضمان و هي مسألة رجوع الضامن على المضمون عنه و متى يرجع و بأي مقدار يرجع عليه؟ و تحرير هذا المقام على وجه الإيضاح و الاختصار ان الضامن لا يستحق الرجوع على المضمون الا بشرطين.

(الأول) ان يكون الضمان باذنه كما أشارت إليه (المجلة) لو قال أحد لآخر اكفلني عن ديني فلو كفل من غير اذنه لم يستحق الرجوع عليه لانه متبرع، نعم يبقى الكلام فيما لو كفله بغير اذنه و اطلع هو و لم يصرح بالرضا و الاذن و لم يمنع فهل السكوب من الرضا أو الأصل برأيه

ص: 261

ذمته من الحق؟ المسألة مشكلة تحتاج إلى التأمل.

(الثاني) انه لا يستحق الرجوع الا بعد الأداء فلا حق له بمطالبته المضمون عنه قبل ان يدفع الحق للمضمون له سواء كان الدين حالا أو مؤجلا كلياً أو جزئياً.

ثم بعد تحقق الشرطين يستحق الرجوع و لكن بمقدار ما دفع لا بمقدار ما ضمن فلو صالح الضامن المضمون له بأقل من دينه لم يستحق الا مقدار الصلح لا بأصل الدين فلو صالحه عن الألف بخمسمائة لا يأخذ منه الا الخمسمائة و هذا الحكم ثبت بالدليل الخاص على خلاف القاعدة و الا فإن ذمة المضمون عنه حسب الفرض قد اشتغلت للضامن بمقدار الدين كما ان ذمة الضامن قد اشتغلت للمضمون له بذلك و الصلح أو الإبراء بين الضامن و المضمون معاملة أخرى جديدة بينهما لا علاقة لها بقضية الضمان.

و «بالجملة» فبعد ان اشتغلت ذمة المضمون عنه للضامن بالمقدار المعين بعقد الضمان كيف ينقلب الى البعض بالصلح بين الضامن و المضمون له و هي معاملة أخرى أجنبية فلا بد من الالتزام بأن الذمة و ان اشتغلت بالمقدار و لكن لا يستقر و لا يلزم الا بالأداء فيستقر ما يؤدي و يسقط ما عداه و قبل الأداء يبقى مراعى و ليس هذا بعزيز النظير و ان كان مخالفاً للقاعدة فإن المهر تشتغل به ذمة الزوج و يبقى مراعى بالدخول فيلزم الجميع أو الطلاق أو الموت قبله فيسقط النصف فلا محيص من المصير اليه بعد ورود الدليل، و يتفرع على المراعاة سقوطه عن المضمون

ص: 262

عنه اجمع لو أبرأ المضمون له الضامن من أصل الدين و هو أيضاً مخالف للقاعدة و لذا لو وهبه أو ورثه أو باعه بأقل لا يتسرى الحكم المزبور لانه على خلاف القاعدة فنقتصر على مورده الخاص و هو ما إذا صالحه عنه ببعضه، اما لو صالح عنه أو باعه بعين هي أقل قيمة فلا فضلا عن الهبة و الإرث كما انه لا يجري في الحوالة و هو المراد من قول (المجلة) كذلك لو كفل مقداراً من الدراهم و أداها صلحاً بإعطاء بعض أشياء يأخذ من الأصيل المقدار الذي كفله من الدراهم و لكن لو كفل ألفاً وادي خمسمائة صلحاً يأخذ من الأصيل خمسمائة، ا ه.

و تأتي هنا شبهة الربا فليتأمل.

(مادة: 658) لو أغفل أحد آخر في ضمن عقد المعاوضة يضمن ضرره

مثلا- لو باع أحد لآخر عرصة و بعد إنشاء بناء فيها لو ظهر لها مستحق و ضبطها فللمشتري أن يأخذ قيمة البناء حين التسليم ما عدا أخذ قيمة العرصة كذلك لو قال أحد لأهل السوق: هذا الصغير ولدي بيعوه بضاعة فاني آذنته للتجارة ثم بعد ذلك لو ظهر ان الصبي ولد غيره فلأهل السوق ان يطالبوه بثمن البضاعة التي باعوها للصبي.

هذه القضية أجنبية عن (كتاب الضمان) الذي هو بمعنى ضم ذمة إلى ذمة أو تحويله من ذمة إلى أخرى و انما هو هنا بمعنى الخسارة و الغرامة أو التدارك و هما و ان كانا يرجعان إلى أصل واحد و لكن الاحكام تختلف باختلاف الخصوصيات فضلا عن الفصول، و سبب الضمان أي الغرامة هنا قاعدة الغرور (المغرور يرجع على من غره) و أهل السوق

ص: 263

و ان كان لهم حق الرجوع على من غرهم لو أتلف الصبي أموالهم و لكن قرار الضمان على الصبي المتلف بقاعدة (من أتلف) يؤخذ منه بعد بلوغه.

ص: 264

(الباب الثالث) في «البراءة من الكفالة

اشارة

و يحتوي على ثلاثة فصول»

الفصل الأول في بيان الضوابط العمومية

(مادة: 659) لو سلم المكفول به من طرف الأصيل أو الكفيل الى المكفول له يبرء الكفيل من الكفالة.

(مادة: 660) لو قال المكفول له أبرأت الكفيل أو ليس لي عند الكفيل شي ء يبرأ الكفيل.

(مادة: 661) لا تلزم برأيه الأصيل ببراءة الكفيل.

(مادة: 662) برأيه الأصيل توجب برأيه الكفيل.

هذه المواد مع وضوحها قد تقدم أكثرها، و اتضحت مداركها، و ان برأيه الأصل تستلزم برأيه الفرع دون العكس، و ذلك محصل هذه المواد الأربع.

ص: 265

الفصل الثاني في البراءة من الكفالة بالنفس
(مادة: 663) لو سلم الكفيل المكفول به في محل يمكن فيه المخاصمة

كالمصر أو القصبة إلى المكفول له يبرء الكفيل من الكفالة سواء قبل المكفول له أو لم يقبل و لو كفل على ان يسلمه في مجلس الحاكم و سلمه في الزقاق لا يبرأ من الكفالة و لكن لو سلمه بحضور ضابط يبرأ.

العبارة كما يتذوقها صاحب الذوق السليم العربي- مشوهة الخلقة و التركيب، و حاصلها ان محل تسليم الكفيل المكفول للمكفول له مع الإطلاق- بلد أو قصبة يمكن فيه المخاصمة لوجود حاكم أو محكمة أو حكومة أو ما أشبه ذلك فلو سلمه في بلد هي كذلك برء، أما مع اشتراط تسليمه في بلدة معينة فلا يبرء حتى يسلمه فيها أو في مجلس الحاكم أو غيره حسب الشرط، و الأصح انه مع الشرط هو المتبع و مع الإطلاق فالبلدة التي وقع عقد الكفالة فيها سواء كان فيها حكومة أو حاكم أم لا.

(مادة: 664) يبرء الكفيل بمجرد تسليم المكفول به بطلب المطالب،

اما لو سلمه بدون الطلب فلا يبرء ما لم يقل: سلمته بحكم الكفالة.

هذا حكم أشل بل تحكم محض فان الكفيل لا يلزمه أكثر من

ص: 266

تسليمة المكفول للمكفول له في الوقت المعين و الزمن المخصوص ان شرط شي ء منهما في العقد و لا اثر للطلب وجوداً و لا عدما الا مع الشرط أيضاً كما لا اثر لقول انه سلمه بحكم الكفالة، و أغرب من هذا ما في مادة (665) لو كفل على ان يسلمه في اليوم الفلاني و سلمه قبل ذلك اليوم يبرء من الكفالة و ان لم يقبل المكفول له،،، و ما أبعد ما بين المادتين فالأولى جعلت ما ليس بمشروط شرطاً و الثانية جعلت الشرط كغير المشروط، و ما ادري كيف صار هذا الشرط لغواً مع انه شرط سائغ و قد يتعلق به غرض عقلائي و يكون له فائدة مهمة بإحضاره في اليوم المعين فلو أحضره في غير ذلك اليوم لم يحصل غرضه؟

و كيف يلزم به مع عدم قبوله؟ و هذا واضح جداً.

(مادة: 666) لو مات المكفول به كما يبرأ الكفيل من الكفالة

كذلك يبرأ كفيل الكفيل، كذلك لو توفي الكفيل كما برء هو من لكفالة كذلك يبرأ كفيله أيضاً و لكن لا يبرأ الكفيل من الكفالة بوفاة المكفول له و يطالب وارثه.

موت المكفول يوجب بطلان الكفالة لزوال الموضوع فيبرأ الكفيل و كفيل الكفيل، و هكذا موت الكفيل فان زواله يوجب زوال ذمته و تعهده و ليس هو حق مالي مباشرة حتى ينتقل كالدين على ورثته أو على تركته.

نعم لو مات المكفول له بقي الحق على الكفيل ان يسلمه الى ورثته فإنه حق مورثهم فينتقل الى ورثته بموته.

ص: 267

الفصل الثالث في «البراءة من الكفالة بالمال»
(مادة: 667) لو توفي الدائن و كانت الوارثة منحصرة في المديون يبرء الكفيل من الكفالة.

و هذا أيضاً من قبيل زوال الموضوع أو بحكم وصول الحق فلا موضوع للكفالة، اما لو كان له وارث آخر غير مديون لم يبرء من حصة الوارث الآخر الغير مديون و هو واضح.

(مادة: 668) لو صالح الكفيل أو الأصيل الدائن على مقدار من الدين يبرآن

اشترطت برائتهما أو برأيه الأصيل فقط أو لم يشترط شي ء و ان اشترطت برأيه الكفيل فقط يبرء الكفيل فقط و يكون الطالب مخيراً ان شاء أخذ مجموع دينه من الأصيل و ان شاء أخذ بدل الصلح من الكفيل و الباقي من الأصيل.

الكفالة- أي الضمان- و ان جعلناه كما عند القوم ضم ذمة إلى ذمة، و لكن الأصل فيه هو الأصيل أي المديون المضمون عنه و الكفيل فرع له فلو أن الدائن أبرأ الأصيل أو صالحه أو أمهله سرى كل ذلك الى الفرع- اي الكفيل الضامن- بمعنى انه إذا أبرأ الدائن ذمة

ص: 268

المضمون عنه (المدين) برئت قهراً ذمة الكفيل لسقوط الدين و زوال الموضوع، و كذا لو صالحه على مقدار منه يبرآن معاً من الزائد عن مال المصالحة، و هذا يترتب قهراً سواء اشترطا برائتهما أو لم يشترطا فان هذا من اللوازم القهرية للإبراء و الاسقاط و الصلح، نعم لو أبرأ الكفيل فقط لم يبرء الأصيل لما عرفت من ان الأصل لا يتبع الفرع و برأيه الكفيل لا تستلزم برأيه الأصيل، فلو صالح الدائن الكفيل على مقدار أخذه و طالب الأصيل بالباقي أو أخذ الجميع منه لان ذمته في الأصل هي المشغولة.

[مادة: 669] لو أحال الكفيل المكفول له على أحد و قبل المكفول له و المحال عليه يبرء الكفيل و المكفول عنه أيضاً.

يعني يبرء الأصيل و الكفيل لان تحويله مع قبوله بحكم الأداء كما سيأتي في باب الحوالة إن شاء اللّٰه.

(مادة: 670) لو مات الكفيل بالمال يطالب بالمال المكفول به من تركته.

لانه حق مالي كالدين فإذا بطلت ذمة الكفيل بالموت انتقل الحق و صار في أمواله كسائر الديون.

(مادة: 671) الكفيل بثمن المبيع إذا انفسخ البيع أو ضبط المبيع بالاستحقاق أو رد بعيب يبرء من الكفالة.

كل ذلك لسقوط الحق المضمون فتسقط كفالته و التعهد به.

(مادة: 672) لو استؤجر مال الى تمام مدة معلومة

و كفل أحد

ص: 269

بدل الإجارة التي سميت تنتهي كفالفته عند انقضاء مدة الإجارة.

هذا مع الإطلاق و بناء على ان استحقاق الأجرة يكون عند انتهاء المدة و الا فيتبع الشرط و مع الإطلاق فعند تسليم العين المستأجرة فتدبره جيداً.

و اما قوله: فان انعقدت اجارة جديدة بعد ذلك على ذلك المال- لا تكون الإجارة شاملة لهذا العقد- فهو مستدرك واضح لا حاجة الى بيانه.

ص: 270

الكتاب الرابع في الحوالة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و بابين

ص: 271

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

ص: 272

المقدمة في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالحوالة

اشارة

(مادة: 673)

الحوالة:

نقل الدين من ذمة إلى ذمة أخرى.

بعد ان كان الضمان عندهم ضم ذمة إلى أخرى يتجه تعريف الحوالة بالتعبير المزبور، و أوضح منه تعبير بعضهم: بأنها نقل الدين من ذمة إلى أخرى بدين مماثل له، اما بناء على ان الضمان هو نقل المال من ذمة إلى ذمة كما هو عند الإمامية فقد قيدوا الحوالة للفرق بينها و بين الضمان بأنها تحويل المال من ذمة إلى ذمة مشغولة- أو تحويل المديون دائنه على مديونه، و ان أجزنا الحوالة على البري قلت: احالة المديون دائنه على غيره.

ص: 273

و «تحرير هذا البحث» القائم على وجه يتضح به فلق الحق و التحقيق- انه كما ان الضمان أو الكفالة باصطلاحهم كان يبتني على أربعة أركان- الضامن، و المضمون له، و المضمون عنه، و المال المضمون- فكذلك الحوالة تبتني على مثلها- المحيل، و المحال عليه، و المحال، و الحق المحال به- فالمحال عليه في باب الحوالة يوازي الضامن في باب الضمان سوى ان الضامن عندهم- كما عرفت سابقاً- يلزم ان يكون غير مشغول الذمة بما يضمنه بخلاف المحال عليه حيث يلزم ان يكون مشغول الذمة بما أحيل عليه، و جعلوا هذا هو الفرق بين الضمان و الحوالة بعد تساويهما في نقل المال من ذمة إلى أخرى و لكن في الضمان إلى ذمة بريئة و في الحوالة إلى ذمة مشغولة، و قد سبقت الإشارة إلى الخدشة في هذا الفرق و ان الضمان و الحوالة متباينان أو متغايران من حيث الجوهر و الذات و الفرق بينهما بالنحو المذكور عند الأصحاب يشبه ان يكون من قبيل التعليل بالعرضي مع وجود الذاتي فإن حقيقة الضمان تعهد و التزام اي جعل الإنسان سلطنة على نفسه سواء كان مشغول الذمة أو بريئا، و حقيقة الحوالة إزالة السلطنة عن نفسه و جعل سلطنة لغيره على غيره سواء كان أيضاً مشغول الذمة أو بريئاً و على مشغول الذمة أو بري ء، فالقضية ليست قضية اشتغال أو برأيه و ان كان الغالب في الضمان البراءة و في الحوالة الاشتغال، بل قضية الفرق بين العقدين ترجع الى جوهر الحقيقتين و ان اتفقا في أكثر الأثر، و على كل حال ففي التعريفات المزبورة للضمان أو للحوالة تسامحات واضحة، و يهون

ص: 274

الأمر ان الغرض منها الإشارة إلى الشي ء من بعض وجوهه لا الإشارة إليه من حيث حقيقته و كنهه أو كل وجوهه فليتدبر.

اما المواد من (674) إلى (677) فهي واضحة لا يتماسك عليها اي تعليق.

(مادة: 678)

الحوالة المقيدة:

هي التي قيدت بأن تعطى من مال المحيل الذي هو في ذمة المحال عليه أو في يده.

بناء على تعريفهم الحوالة بأنها نقل المال من ذمة إلى أخرى يخرج منها التحويل على مال المحيل الخارجي الذي هو في يد المحال عليه بل هو في الحقيقة ليس له أي علاقة بالحوالة و انما هو وكالة على الدفع و التسليم لا نقل مال من ذمة إلى أخرى كما هو واضح.

و اما مادة (679)

الحوالة المطلقة:

هي التي لم تقيد بأن تعطى من مال المحيل الذي هو عند المحال عليه.

هذا مبني على جواز الحوالة على البري، و تحرير البحث ان المحال عليه اما ان يكون مشغول الذمة للمحيل أولا، و الثاني هو الحوالة على البري و الأول اما ان يحيل على ذلك المال الذي له في ذمة المحال عليه أو بمال آخر مغاير، و الأول هو القدر المتيقن و المتعارف من الحوالة، و الثاني اما ان يكون الملحوظ بالمال المحول المال الذي له في ذمة المحال عليه أولا و الأول كما لو قال: أحلتك عليه بعشرة دراهم من الدنانير التي لي عليه، و يظهر من بعض اساتيذنا بطلانها و الأصح الصحة فيكون كوفاء الدين بغير الجنس كما لو كان له دنانير فوفاه بدراهم فإنه يكون كمعاملة ضمينة

ص: 275

مطوية يعني انه باعه الدراهم بالدنانير التي في ذمته، و كذا في المقام فإنه استبدل الدينار أو الدينارين بعشرة دراهم و أحال عليها و رضي الثلاثة بذلك فما المانع من صحته؟ اما لو أحال عليه بمال أخر من دون نظر الى المال الذي له بذمته فيكون كل من المحيل و المحال عليه مشغول الذمة لصاحبه فيتحاسبان فاما التهاتر أو يرد كل واحد منهما الزائد للآخر، و لو أحال عليه بمثل ما عليه جنساً و قدراً من دون نظر الى ما في ذمته فالتهاتر قهراً.

ص: 276

(الباب الأول) في بيان عقد الكفالة

اشارة

و يتسم الى فصلين

الفصل الأول (في بيان ركن الحوالة)
(مادة: 680) لو قال المحيل لدائنه: حولتك على فلان، و قبل الدائن تنعقد الحوالة.

المراد بهذا بيان ان الحوالة عقد يتركب من إيجاب المحيل بلفظ- حولتك- و قبول المحال و هو دائن المحيل و يكفي هذا في انعقاد الحوالة و كأنها تشير الى عدم اعتبار رضا المحال عليه و هو أحد الأقوال في المسألة عندنا و لكن المشهور عند فقهاء الإمامية اعتبار رضا الثلاثة بل قيل انه يعتبر قبول المحال عليه مع قبول المحال فيتركب العقد من إيجاب

ص: 277

و قبولين، و المتحصل من الأقوال هنا أربعة.

1-: اعتبار رضا الثلاثة بالإيجاب من المحيل و القبول من المحال و رضا المحال عليه و لعله المشهور.

2-: الإيجاب من المحيل و القبول من الآخرين.

3-: إيجاب المحيل و قبول المحال و عدم اعتبار رضا الثالث و لا قبوله، و هو ظاهر هذه المادة.

4-: كفاية إيجاب المحال له و المحال عليه و عدم التوقف على رضا المحيل أو قبوله كما هو صريح المادة اللاحقة.

هذا كله بناء على كون الحوالة عقداً بل من العقود اللازمة و الظاهر اتفاق جميع المذاهب على ذلك و لكن خالف فيه سيدنا الأستاذ قدس سره في عروته و جعلها هي و الضمان و الوكالة و الجعالة إيقاعات لا عقوداً فقال في (كتاب الحوالة) ما نصه:

و لكن الذي يقوى عندي انها من الإيقاع غاية الأمر اعتبار الرضا من المحتال أو منه و من المحال عليه، و هذا لا يصيره عقداً و ذلك لأنها نوع من وفاء الدين و ان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه فهذا النقل و الانتقال نوع من الوفاء و هو لا يكون عقداً و ان احتاج الى الرضا من الآخر كما في الوفاء بغير الجنس فإنه يعتبر فيه رضاء الدائن و مع ذلك هو إيقاع، و من ذلك يظهر ان الضمان أيضاً من الإيقاع فإنه نوع من الوفاء و على هذا فلا يعتبر فيهما شي ء مما يعتبر في العقود اللازمة و يتحققان بالكتابة و نحوها، بل يمكن دعوى ان الوكالة

ص: 278

أيضاً كذلك كما ان الجعالة كذلك و ان كان يعتبر فيهما الرضا من الطرف الآخر الا ترى انه لا فرق بين ان يقول: أنت مأذون في بيع داري أو قال: أنت وكيل، مع ان الأول من الإيقاع قطعاً، ا ه.

و في هذا الكلام مواقع للنظر بارزة، و مخالفات للقواعد جاهزة، و بيان ذلك يستدعي تمهيد مقدمة و هي ان الضابطة التي يمتاز بها العقود عن الإيقاعات و هي: ان كل معاملة أو عمل ذي أثر شرعي ان توقف ترتب أثره عليه على طرفين فهو عقد و ان كفى طرف واحد فهو إيقاع فالبيع و الإجارة و نحوهما عقود لان أثرها و هو ملكية الثمن للبائع و المبيع للمشتري لا يتحقق إلا بطرفين و هما المشتري و البائع- اما العتق و الطلاق فلما كان ترتب الأثر من كل منهما لا يتوقف على طرفين بل يكفي في حصوله طرف واحد فيترتب الأثر قهراً رضي الآخر أم لا، جعلنا كل واحد منهما إيقاعاً.

و على هذه الضابطة فالضمان و الحوالة و الوكالة لما كان بالضرورة و الإجماع لا يكفي في حصول آثارها- و هو انتقال المال من ذمة إلى ذمة بعمل واحد بل لا بدّ من رضا الاثنين أو الثلاثة فهي عقد لا محالة، و ليت السيد رحمه اللّٰه جاءنا بضابطة غير هذه حتى نجعلها معياراً للفرق و التمييز و نحكم بموجبها على تلك المعاملات- هي عقود أم إيقاعات؟

إذا اتضح هذا نقول:

أولا- ان جعل الحوالة نوعاً من وفاء الدين ممنوع صغرى و كبرى ضرورة ان حقيقة الحوالة انتقال الحق من ذمة إلى أخرى كما عرفت،

ص: 279

و حقيقة وفاء الدين استيفاء الحق لا نقله و وفاء الدين معاملة بين الدائن و المدين و الحوالة بينهما و بين أجنبي ثالث بينهما ثم لو سلم انها من وفاء الدين فقد ينفرد بعض الأنواع عن بعض بحكم أو أحكام و كون بعض الوفاء إيقاعاً لا يستلزم ان يكون كل وفاء كذلك الا ترى انه لو باع المديون لدائنه طعاماً مثلًا أو غيره بالدين الذي عليه و دفعه له كان وفاءً لدينه و لكنه بنحو البيع و العقد لا بنحو الإيقاع.

ثانياً-: ان جعل الوفاء من الإيقاع أيضاً مما لا محصل له فإنه على التحقيق لا عقد و لا إيقاع بل هو عمل واجب و حق لازم الأداء، نعم أصل القرض عقد و لكن الوفاء من توابعه و آثاره كوجوب دفع العين المبيعة بعد البيع الذي هو من آثار العقد و ليس هو عقد و لا إيقاع.

ثالثاً-: ان جعل النقل و الانتقال من الوفاء واضح الضعف فان الوفاء عمل المكلف و النقل و الانتقال أثر توليدي للعقد يترتب عليه قهراً.

رابعاً-: ان الوفاء بغير الجنس- عند تدقيق النظر فيه- ليس إلا معاملة ضمنية، و عقد مطوي، و الا فكيف يعقل ان يكون الطعام مثلا وفاء للدراهم أو بالعكس مع ان الوفاء يلزم ان يكون بالمثل فلا بد ان يكون هناك مبادلة بين المالين برضا صاحبي الحقين؟

خامساً-: لو سلمنا ان هذه المعاملات إيقاعات فان الإيقاع أيضاً له صيغة خاصة لا يترتب الأثر المطلوب الا بها كالطلاق و العتق و غيرهما، و الظاهر اتفاق الأصحاب على ان الإيقاع كالعقد لا يتحقق بالكتابة

ص: 280

و لا الإشارة الا من الأخرس الذي لا يستطيع الكلام.

و [بالجملة] فجعل الضمان و الحوالة من الإيقاع و هم و دعوى تحققهما بالكتابة و هم في وهم.

سادساً-: ان دعوى عدم الفرق بين ما لو قال أنت مأذون ببيع داري أو قال أنت وكيل في بيعها مع ان الأول من الإيقاع قطعاً- غريبة جداً أما (أولا) فإن الإذن ببيع الدار أو غيرها ليس عقداً و لا إيقاعاً بل هو رخصة و إباحة بخلاف الوكالة فإنها عقد يتوقف على طرفين و الفرق بينهما جلي ألا ترى انه لو اذن له و المأذون رد و لم يقبل ثم باع كان البيع صحيحاً اما لو وكله ورد ثم باع كان بيعه باطلا فسنخ الأول سنخ الحكم و سنخ الثاني سنخ الحق و ما أبعد البون بينهما و (ثانياً) لو سلم التساوي بينهما و عدم الفرق و لكن تساويهما في جهة لا يوجب تساويهما في جميع الجهات أ لا ترى ان هبة الدين و الإبراء سواء و ان كان الأول عقداً اتفاقاً من القائلين بصحته و الثاني إيقاعاً بلا ريب، فتدبر هذه النتف فإنها من الطرف و باللّه التوفيق.

(مادة: 681) يصح عقد الحوالة بين المحال له و المحال عليه وحدهما،

مثلا- لو قال أحد لآخر: خذ مالي على فلان من الدين و قدره كذا قرشاً حوالة عليك، فقال له الآخر: قبلت، أو قال له: اقبل الدين الذي لك بذمة فلان و قدره كذا قرشاً حوالة على، فقبل تصح الحوالة حتى انه لو ندم المحال عليه بعد ذلك لا تفيد ندامته.

يعني يكون المحال هو المحيل كما في المثال الأول أو المحال عليه كما في

ص: 281

المثال الثاني فيتقوم العقد من اثنين فقط، و هذا كلام غير موضح و لا منقح فان المحال عليه في المثالين ان كان عنده مال للغائب المديون فلا يصح أن يدفع حقه لدائنه الا برضاه و بعبارة اجلى لا تبرأ ذمة المحال عليه من حق غريمه الا برضاه و تحويله و لا اثر لتحويل دائنه بغير علمه و رضاه كما هو واضح و ان لم يكن عنده مال له بل كان بقبوله متبرعاً فهو و ان صح بدون علم الغائب و رضاه و لكنه خارج عن باب الحوالة و يدخل في باب الضمان سواء جعلناه ضم ذمة إلى ذمة أو نقل حق من ذمة إلى أخرى، و حينئذ فالمثالان إما حوالة باطلة أو ضمان صحيح، و قد اعتبرت مادة (682) علم المحال عليه و رضاه حيث تقول: الحوالة التي أجريت بين المحيل و المحال له وحدهما إذا أخبر بها المحال عليه فقبلها صحت و تمت مثلا- لو أحال أحد دائنه على آخر و هو في ديار اخرى فبعد اعلام المحال عليه ان قبلها تتم الحوالة اعتبرت مادة (683) علم المحال و رضاه إذ تقول الحوالة التي أجريت بين المحيل و المحال عليه تنعقد موقوفة على قبول المحال له مثلا- لو قال أحد لآخر: خذ عليك حوالة ديني الذي بذمتي لفلان و قبل المحال عليه ذلك تنعقد الحوالة موقوفة فإذا قبلها المحال له تنعقد.

ص: 282

(الفصل الثاني) (في بيان شرط الحوالة)
اشارة

عرفت ان الحوالة كالضمان تقوم على خمسة أركان- المحيل، و المحال، و المحال عليه، و الحق المحال، و الصيغة أي الإيجاب و القبول- و أشارت (المجلة) إليهما في أول الفصل المتقدم و لا يلزم ان يكون الإيجاب من مادة الحوالة و مشتقاتها بل يكفي كل ما دل عليها دلالة صريحة مثل- خذ حقك على من فلان، أو جعلت دينك على على فلان و ما أشبه ذلك، و يكفي في القبول كما دل على الرضا مثل قبلت و رضيت و نحوهما، ثم تعرضت لشرائط المحيل و المحال بمادة (684) يشترط في انعقاد الحوالة كون المحيل و المحال له عاقلين، و اشتراط العقل في الثلاثة مما لا ريب فيه عند الجميع، و كذلك اشتراط البلوغ في الثلاثة أيضاً عند الإمامية، أما (المجلة) فقد جعلته شرطاً في المحال عليه فقط و اكتفت بالتمييز فيما عداه و انه يصح حوالة الصبي المميز و تحويله و لكن لا ينفذ شي ء منهما إلا بإذن وليه، اما التحويل عليه فلا يصح و المستفاد من مجموع مادتي (684 و 685) عدم الصحة مطلقاً يعني حتى مع اذن الولي و هو تحكم واضح، أما الملائة فليست شرطاً عندنا في صحة الحوالة، نعم لو أحاله على معسر فقبل و هو غير عالم بإعساره عند القبول

ص: 283

كان له الخيار بعد العلم بين فسخ الحوالة أو إمضائها.

(مادة: 686) لا يشترط ان يكون المحال عليه مديوناً للمحيل فتصح حوالته و ان لم يكن للمحيل دين على المحال عليه.

يريد بهذا صحة الحوالة على البري و قد عرفت ان المشهور عند أصحابنا اعتبار كونه مشغول الذمة فرقاً بينها و بين الضمان و وافقهم على ذلك عموم الشافعية و الا كانت من أداء الدين تبرعاً، و قد سبق تحقيق القول في هذا الموضوع فراجع.

(مادة: 687) كل دين لا تصح الكفالة به لا تصح الحوالة به.

لعلهم يريدون بهذه القاعدة ان مالا يصح ضمانه و كفالته كالديون الغير الثابتة فعلا مثل ما لو قال له: استقرض و علي ضمان قرضك أو ما تحقق سببه كنفقة الزوجة و أمثال ذلك أو الديون التي لا تلزم شرعاً كثمن الخمر و الخنزير في الذمة فإن جميع هذه الأموال لا يصح ضمانها فلا تصح حوالتها.

اما طرد هذه المادة و هي مادة (688) كل دين تصح به الكفالة تصح حوالته أيضاً فلا يخرج منها الا الدين المجهول مقداره أو صاحبه فإنه يجوز ضمانه و لكن لا يجوز حوالته فان الدين في الحوالة يلزم ان يكون ثابتاً قاراً معلوم الجنس و المقدار و الصاحب كما صرحت به في قولها: لكن يلزم ان يكون المحال به معلوماً فلا تصح حوالة الدين المجهول مثلا- لو قال:

قبلت دينك الذي يثبت على فلان لا تصح الحوالة.

(مادة: 689) كما تصح حوالة الديون المترتبة في الذمة أصالة كذلك تصح حوالة الديون التي تترتب في الذمة من جهتي الكفالة و الحوالة.

ص: 284

يعني كما تصح الديون المرتبة في ذمتك أصالة من غير جهة الحوالة فتحيل بكل دين منها على شخص كذلك يصح ان تحول ما لزم ذمتك ذمته بالحوالة أو بالضمان و الكفالة فإذا أحال عليك دائنك تحيل محاله على مديونك و هو يحيله على مديونه و هكذا فيترامى الضمان و الحوالة و يتسلسل فيعود أو يدور.

ص: 285

(الباب الثاني) في بيان أحكام الحوالة

(مادة: 690) حكم الحوالة هو كون المحيل و كفيله من الكفالة

ان كان له كفيل و يثبت للمحال له حق مطالبة ذلك الدين من المحال عليه و إذا أحال المرتهن أحدا على الراهن فلا يبقى له حق حبس الرهن و لا صلاحية توقيفه.

كل ذلك لان الحوالة نقل الحق من ذمة إلى أخرى و معنى انتقاله من ذمة المحيل برائتها فهو أداء أو كالأداء و إذا أبرأ برء كفيله أيضاً و انفك الرهن الذي كان على الحق فلا حق للراهن في حبسه و تشتغل ذمة المحال عليه بالحق للمحال و يكون كدين جديد عليه.

(مادة: 691) لو أحال المحيل حوالة مطلقة فان لم يكن له عند المحال عليه طلب يرجع المحال عليه على المحيل بعد الأداء و ان كان له طلب يقاضيه به.

مقتضى قولهم بعد الأداء انه ليس له حق المطالبة و الرجوع قبل الأداء و لكن مقتضى ما عرفت من انه كدين جديد و ان المحال عليه صار مديوناً للمحال و دائناً للمحيل ان له حق المطالبة ان كان الأجل حالًا و لو قبل الأداء للمحال إذ لا علاقة لأحد الدينين بالآخر بعد القبول فمقتضى القواعد

ص: 286

صحة الرجوع لأنه أصبح مشغول الذمة له.

نعم ثبت خلاف هذا في الضمان على خلاف القاعدة و انه لا حق للضامن في الرجوع إلا بعد الأداء كما انه لا حق له إلا بالرجوع بمقدار ما دفع لا بمقدار الدين، أما هنا فيرجع بما اشتغلت به الذمة سواء دفع ذلك المبلغ أم دفع الأقل على مقتضى القاعدة من انه اشتغال جديد لا علاقة له بسابقة بعد تحققه، هذا إذا كان المحال عليه بريئاً، اما لو كان مشغول الذمة للمحيل فإن أحال بمثل دينه سقط بالتهاتر قهراً و الا فيتحاسبان و يأخذ كل واحد منهما حقه من الآخر.

(مادة: 692) ينقطع حق مطالبة المحيل المحال به في الحوالة المقيدة و ليس للمحال عليه بعده ان يعطي المحال به للمحيل

و ان أعطاه يضمن و بعد الضمان يرجع على المحيل و لو توفي المحيل قبل الأداء و كانت ديونه أزيد من تركته فليس لسائر الغرماء حق في المحال به.

اشتملت هذه المادة على ثلاثة أمور.

الأول-: ان الحوالة على مشغول الذمة- و هي الحوالة المقيدة عندهم- توجب براءة ذمة المحيل من دين المحال و لا حق له بمطالبة حقه من المحيل حيث انه قد انتقل إلى ذمة المحال عليه.

الثاني-: انه يترتب على ذلك عدم جواز إعطاء المحال عليه الحق للمحيل لأنه صار للمحال فلو أعطاه له ضمن للمحال و دفع الحق له ثم استرجعه من المحيل طبعاً.

الثالث-: مما يترتب على ما تقدم من الانتقال انه لو مات المحيل قبل

ص: 287

أداء المحال عليه للمحال و كانت ديونه أكثر من تركته فليس للديان ان يتدخلوا في ذلك الحق المحال و ان يجعلوه من جملة تركته كي يضرب المحال معهم بالنسبة كسائر الغرماء لان الفرض انه قد انتقل الى المحال و ملكه على المحال عليه قبل موته و لا يتوقف ذلك على الأداء و عدمه و الجميع واضح.

(مادة: 693) لا تبطل الحوالة المقيدة بان يؤدى مما في ذمة المشتري للبائع من ثمن المبيع إذا هلك المبيع قبل التسليم و سقط الثمن

أو رد بخيار الشرط أو خيار الرؤية أو خيار العيب أو أقيل البيع و يرجع المحال عليه بعد الأداء على المحيل يعني يأخذ ما اداه للمحال له من المحيل اما لو تبين برأيه المحال عليه من ذلك الدين بان استحق و أخذ المبيع فتبطل الحوالة.

تضمنت هذه المادة أيضاً أمرين مهمين أحدهما-: ان البائع إذا أحال دائنه على المشتري بالثمن ثم حصل ما يوجب فسخ البيع بإقالة أو خيار أو تلف المبيع قبل القبض فإن الحوالة تبقي بحالها و لا تنفسخ بل غايته ان البائع يغرم للمشتري مثل الثمن ان كان مثلياً و قيمته ان كان قيمياً كما في سائر موارد التصرف في أحد العوضين الذي يتعقبه فسخ بأحد الأسباب.

ثانيهما-: انه لو ظهر بعد الحوالة بطلان البيع فإن الحوالة أيضاً تكون باطلة لأنه إنما أحال بالثمن على المشتري و الفرض انه قد انكشف ان ذمته غير مشغولة بالثمن لبطلان البيع.

و (تحرير هذا) انه اما ان يحول البائع أجنبياً على المشتري بالثمن

ص: 288

أو يحول المشتري البائع به على أجنبي، اما- الأول- فلا إشكال في ان الحوالة يظهر بطلانها بعد ظهور بطلان البيع فان كان الأجنبي لم يقبض فلا شي ء و ان كان قبض استرده المشتري منه و رجع المحال على البائع بحقه ان كان له عليه حق، و دعوى الصحة بناء على صحة الحوالة على البري مدفوعة بأنه لم يحول عليه بل أحال على المال الذي في ذمته و هو الثمن و احتمال كونه من قبيل الداعي واضح الفساد فإنه في صميم العقد فلا في القصد و حده فتدبره، و اما- الثاني- فلا ينبغي الإشكال أيضاً في ان الحوالة باطلة انما الكلام في ان الأجنبي الذي دفع للبائع هل برئت ذمته من دين المشتري لأنه قد دفعه الى البائع بإذنه بل يأمره فلا حق عليه و لكن يرجع على البائع فيأخذ منه ما استلمه من الأجنبي بتحويله؟ أو ان ذمته بعد مشغولة للمشتري لأنه أحال عليه باعتبار كونه مشغول الذمة للبائع و قد انكشف عدم اشتغال ذمته له فتبطل الحوالة لفقد شرطها و هو اشتغال ذمة المحيل للمحال- أي المشتري للبائع؟ و هذا هو الأقوى، و حينئذ فيرجع المشتري على الأجنبي بحقه و يرجع الأجنبي على البائع بما دفع له اشتباهاً و بغير حق

(مادة: 694) تبطل الحوالة المقيدة بان يؤدى من مال المحيل الذي هو في يد المحال عليه امانة

إذا ظهر مستحق و أخذ ذلك المال و يعود الدين على المحيل.

ليس هذا من الحوالة المصطلحة لأنها انتقال الأموال من الذمم الى الذمم، اما التحويل على مال الوديعة و نحوها فحقيقته انه توكيل على

ص: 289

الدفع و لكن الحكم على كل حال واحد، يعني انه لو ظهر ان المال مستحق للغير و كان المحال قد دفع رجع صاحب المال عليه و يرجع هو على المحيل لانه هو السبب لدفعه و هو ظاهر كظهور:

(مادة: 695) إذا كانت الحوالة مقيدة بان يؤدى من مبلغ المحيل الذي هو في يد المحال عليه فهلك ذلك المال

فان لم يكن مضموناً بطلت الحوالة و عاد الدين على المحيل و ان كان مضموناً لا تبطل الحوالة مثلا- لو أحال أحد دائنه على آخر على ان يؤدى من دراهمه التي هي عنده امانة ثم تلفت الدراهم قبل الأداء بلا تعد تبطل الحوالة و يعود دين الدائن على المحيل و اما لو كانت تلك الدراهم مغصوبة أو أمانة مضمونة بإتلافه فلا تبطل الحوالة.

و وجهه واضح فإن الحوالة تنقلب على عوض الامانة التالفة المضمونة فيجب ان يؤدي منها و لكن كل هذا ليس من الحوالة المصطلحة في شي ء مثل:

[مادة: 696] لو أحال أحد دائنه على آخر بان يبيع مالًا معيناً له و يؤدى الدين من ثمنه و قبل المحال عليه الحوالة بهذا الشرط تصح

و يجبر المحال عليه على بيع ذلك المال و أداء دين المحيل من ثمنه.

فإنها أجنبية عن الحوالة الشرعية و لا يلزم المحال عليه العمل بها، و له ان يرفضها حتى بعد القبول بل هي وكالة على البيع، و وكالة على الدفع، و الوكالة عقد جائز من الطرفين- كما سيأتي- و لكل منهما ان يحلها و يرفضها متى شاء، و الحوالة الصحيحة هي التي تشتغل بها الذمم

ص: 290

و ينتقل المال بها من ذمة لذمة، و هذه هي اللازمة التي لا يمكن رفضها و لا تزول إلا بأسباب خاصة كالبيع و الإجارة و أمثالها فتدبره جيداً.

(مادة: 697) الحوالة المبهمة أي التي لم يبين فيها تعجيل المحال به و تأجيله

ان كان الدين فيها معجلا على المحيل تكون حوالة معجلة على المحال عليه و يلزمه الأداء في الحال و ان كان الدين مؤجلا تكون حوالة مؤجلة و يلزم الأداء بحلول الأجل.

يريدون بالحوالة المبهمة- المطلقة- أي التي لم يذكر فيها تعجيل و لا تأجيل فتكون معجلة ان كان الدين معجلا، و ان كان مؤجلا تكون الحوالة مؤجلة، فالإطلاق ينصرف الى التعجيل أصالة الا ان يكون الدين من ذاته مؤجلا، و حينئذ فإن قيدوها بالتعجيل تعجلت و الا فهي على طبق الدين حسب واقعه.

[مادة: 698] ليس للمحال عليه ان يرجع على المحيل قبل أداء الدين

و لا يرجع الا بالمحال به يعني يرجع بجنس ما أحيل عليه من الدراهم و الا فليس له الرجوع بالمؤدى مثلا- لو أحيل عليه بفضة و اعطى ذهباً يأخذ فضة و ليس له ان يطالب بالذهب و كذلك لو أداها بأموال و أشياء أخر فليس له الا أخذ ما أحيل به عنه.

أوضحنا لك قريباً ان هذا الحكم مختص بالكفالة- أي الضمان- على خلاف القاعدة للخبر و الإجماع، اما الحوالة فهي باقية على ما تقتضيه القواعد من ان له المطالبة سواء أدى أو لم يؤدى بعد ان اشتغلت ذمته للمحال و اشتغلت ذمة المحيل للمحال عليه لو كان بريئاً فكل منهما له ان يطالب

ص: 291

الآخر يحقه عند حلول الأجل و لا يناط أحد الدينين بالآخر و لا علاقة بينهما فراجع و تدبر.

و منه تعرف ما اشتملت عليه هذه المادة من الأمر الثاني و هو قولهم: و لا يرجع الا بالمحال به يعني يرجع بجنس ما أحيل عليه الى آخره، يعني لو احاله بدراهم فتراضى المحال و المحال عليه ان يدفع عوضها دنانير أو ثوباً أو غير ذلك فلا يرجع المحال عليه على المحيل الا بالدراهم لا بما تراضيا عليه.

(مادة: 699) كما يكون المحال عليه بريئاً من الدين بأداء المحال به أو بحوالته إياها على الآخر

أو بإبراء المحال له إياه كذلك يبرء من الدين لو وهبه المحال أو تصدق به عليه و قبل ذلك.

حاصل هذه المادة ان براءة ذمة المحال عليه كما تكون بأدائه المبلغ المحال أو تحويله على آخر كذلك تحصل بإبراء المحال له أو هبته له أو التصدق به عليه، و الفرق بينهما قصد القربة، أو يحتسبه عليه من الحقوق الشرعية من خمس أو زكاة أو غيرهما.

و مثل هذه الوجوه تحصل ما لو مات المحال فورثه المحال عليه فان المال ينتقل اليه و تبرأ ذمته لأن الإنسان لا يملك على نفسه شيئاً كما في مادة (700) لو توفى المحال له و كان وارثه المحال عليه لا يبقى حكم الحوالة.

ص: 292

الكتاب الخامس في الرهن

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 293

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

ص: 294

المقدمة (في بيان الاصطلاحات الفقهية) (المتعلقة بالرهن)

اشارة

(مادة: 701)

الرهن:

حبس مال و توقيفه في مقابلة حق يمكن استيفاؤه منه و يسمى ذلك المال مرهوناً أو رهناً.

عرف الرهن فقهاؤنا بما هو أخصر من هذا و ألصق بحقيقته فقالوا:

هو وثيقة على الدين، أو- وثيقة على دين المرتهن، و الأقرب الى حقيقته انه سلطنة على العين من المالك لدائنه في استيفاء دينه منها عند عدم الدفع في الأجل فهو حق مالي يتعلق بالعين للمرتهن يوجب حبسها على الراهن الى ان يصله حقه أو يستوفيه منها.

(و بعبارة اجلى) ان الحق كما يكون في ذمة الإنسان و في عهدته كذلك قد يكون في عهدة المال و ذمته، يعني في ذمة العين المالية، فالرهن في الحقيقة ضم ذمة الأعيان إلى ذمة الإنسان فالمال الذي أقرضته لزيد تارة تتعهد لك ذمته به فقط و هو الدين المطلق و تارة ذمته و ذمة العين المرهونة و هو الدين الموثوق فلك في العين حق استيفاء المال منها لا ان

ص: 295

لك مثل المال فيها كما ينسب إلى الحنفية، و فرعوا على ذلك انها لو تلفت في يد المرتهن بغير تفريط كان التلف عليهما لو زادت على الدين أو نقصت و على المرتهن لو ساوته، مثلا- لو كانت قيمتها مائتين و كان الدين مائة سقط دينه و لم يغرم للراهن شيئاً فيكون تلفها عليهما، و لو كانت قيمتها مائة فتلفها على المرتهن فقط، و لو كانت ثمانين دفع له الراهن عشرين لأن التلف- كما عرفت- عندهم استيفاء، اما عند الإمامية و باقي المذاهب فالتلف بلا تفريط على الراهن فقط مطلقاً و دين المرتهن بحاله لا يذهب منه شي ء كما لو كفل المال كفيلين و مات أحدهما فتدبره.

اما- مادة (702) إلى مادة (705) فكلها واضحة و لا حاجة الى ذكرها.

ص: 296

الباب الأول في (بيان المسائل المتعلقة بعقد الرهن)

اشارة

(و ينقسم إلى ثلاثة فصول)

الفصل الأول في (بيان المسائل المتعلقة بركن الرهن)

(مادة: 706) ينعقد الرهن بإيجاب الراهن و المرتهن و قبولهما، و لكن لا يتم الرهن و لا يلزم ما لم يكن ثم قبض الرهن، بناء عليه للراهن ان يرجع عن الرهن قبل التسليم.

اشتملت هذه المادة على أمرين مهمين من مباحث الرهن.

الأول-: ان الرهن من العقود فيحتاج تحققه إلى إيجاب و قبول، و لكن إيجاب الراهن و قبول المرتهن لا كما في (المجلة) إيجابهما و قبولهما، و كونه من العقود مما لا ينبغي الريب فيه بل لعله مما اتفق عليه فقهاء

ص: 297

المذاهب اجمع، و لكن يكفي فيهما كل ما دل على إنشاء معناهما كما نص عليه في المادة التالية (707) إيجاب الرهن و قبوله هو قول الراهن:

رهنتك هذا الشي ء في مقابلة ديني أو لفظ آخر في هذا المال و قول المرتهن قبلت أو رضيت أو لفظ آخر يدل على الرضا و لا يشترط إيراد لفظ الرهن مثلا- لو اشترى أحد شيئا و اعطى للبائع مالا و قال له أبق هذا المال عندك الى ان أعطيك ثمن المبيع يكون قد رهن ذلك المال.

الثاني-: مما اشتملت عليه المادة السابقة اشتراط قبض العين المرهونة في الرهن، و هذه المسألة من مسائل الخلاف عندنا، و المعروف فيها ثلاثة أقوال.

(الأول) انه شرط في صحة الرهن فيكون نحو اشتراطه فيه نحو اشتراطه في الهبة فلا يكون للعقد اي اثر بدونه.

(الثاني) انه شرط في لزومه فيكون العقد قبل القبض مؤثراً لتعلق حق بالعين و لكن على نحو الجواز لا اللزوم فله ان يرجع قبل القبض فيبطل العقد بخلافه بعد القبض. و هذا هو الظاهر من عبارة (المجلة) في هذه المادة.

(الثالث) انه غير شرط لا في لزومه و لا صحته و حال القبض فيه حاله في سائر عقود المعاوضات مثل البيع و الإجارة حيث يجب على كل من المتعاقدين تسليم ما وقع عليه العقد الى الآخر بمقتضى حكم المعاوضة، و لعل هذا هو الأوفق بالقواعد، و الأقرب الى مفاد الأدلة و هي عمومات الرهن و عدم المخصص لها سوى ما يتوهم من قوله تعالى (فَرِهٰانٌ مَقْبُوضَةٌ)

ص: 298

و في الحديث (لا رهن إلا مقبوضاً) و دعوى الإجماع الذي لم نتحققه، أما الآية فمن تدبر ما قبلها و ما بعد لا يجدها في مقام التعرض لشرائط الرهن و مقوماته و لا في مقام الوجوب و الا إلزام و انما هي في مقام الإرشاد إلى التوثق في الدين و أخذ الحائطة بالكتابة و الاشهاد و ما الى ذلك.

و لا يبعد ان المراد في الآية و الحديث بيان ان الرهن يلزم ان يكون عيناً يمكن قبضها حين العقد لا ديناً في الذمة، و لعل إليه الإشارة بتأنيثه في الآية أي عيناً مقبوضة.

و «بالجملة» فليس من دليل صريح في توقف عقد الرهن على القبض لا لزوماً و لا صحة، و ليس حاله بالنسبة إلى القبض الا حال سائر العقود فإذا جرى عقد الرهن إيجاباً و قبولا وجب على الراهن ان يقبض المرتهن العين المرهونة، ثم اما ان ينفقا على بقائها عنده إلى الأجل أو عند الراهن أو عند أمين ثالث بينهما، و لكن ليس للراهن بعد العقد الرجوع عن الرهن خلافاً لما في «المجلة» الموافق للمشهور عند فقهائنا، و عقد الرهن كسائر العقود يكفي فيه كل ما يدل عليه و لكن بالصراحة و لو بمعونة القرينة و لا ينعقد بالمجازات البعيدة، و الكنايات الغامضة، كما في مادة «707»

ص: 299

الفصل الثاني في «بيان شروط انعقاد الرهن»
«مادة: 708» يشترط ان يكون الراهن و المرتهن عاقلين و لا يشترط ان يكونا بالغبن حتى جاز رهن الصبي المميز و ارتهانه.

اما عند الإمامية فيشترطون البلوغ أيضاً قولا واحداً، و ان يكون مختاراً قاصداً، لا مكرهاً و لا هازلا.

«مادة: 709» يشترط ان يكون المرهون صالحاً للبيع بناء عليه يلزم ان يكون موجوداً، و مالا متقوماً، و مقدور التسليم في وقت الرهن.

لما كان الرهن بحسب حقيقته وثيقة على الدين فلازم ذلك ان يكون مالًا ذا قيمة يمكن عادة حصول الوثوق و الاطمئنان به في تأمين حق المرتهن الدائن، و حينئذ فلا يصح رهن مالا مالية له كالهوام و الحشرات، و لا رهن ما لا وجود له حال الرهن، فلا يصح رهن ما سيوجد كثمرة الشجرة و حمل الدابة و يلزم ان يكون ملكا طلقا، فلا يصح رهن الوقف و مال المفلس و تركة الميت التي تعلق بها حق الغرماء، بل لا يصح

ص: 300

أيضاً رهن العين المرهونة عند مرتهن آخر الا برضا المرتهن الأول و هكذا، و ان يكون مقدور التسليم حين الرهن، فلا يصح رهن العبد الآبق و الدابة الشاردة و المال الساقط في البحر و أمثال ذلك، و ان يكون عيناً فلا يصح رهن المنفعة، و قد جعلت «المجلة» ضابطة العين التي يصح رهنها هي العين التي يصح بيعها و لكنك عرفت في «الجزء الأول ص- 72-» التأجيل في صحة هذه الضابطة، و المناقشة في الكلية القائلة: ان «كل ما يصح بيعه يصح رهنه» و انها تنتقض بالدين الذي يصح بيعه اتفاقاً و لا يصح رهنه اتفاقاً و المشاع فإنه يصح بيعه و لا يصح رهنه اتفاقاً و المشاع فإنه يصح بيعه و لا يصح رهنه عند الأكثر إلا بعد قسمته كي يمكن قبضه فعلا، و المنافع لو قلنا بصحة بيعها و لكن لا يصح رهنها اتفاقاً و ان كان لا مانع منه عقلًا و اعتباراً.

نعم عكس القاعدة مسلم لا ريب فيه فان كل مالا يصح بيعه لا إشكال في انه لا يصح رهنه و ليس عندنا- ما يصح رهنه و لا يصح بيعه- هذا كله في شروط العين المرهونة.

و اما الحق الذي يصح الرهن عليه فقد اتفقوا على ان الحق الذي يصح الرهن عليه هو الكلي الذي استقر اشتغال الذمة به سواء كان قرضاً أو ثمن مبيع أو سلماً أو مهراً أو فدية خلع أو نفقة أو أرش جناية أو أرش معيب أو غير ذلك، هذا هو الأصل فيما يصح الرهن عليه، ثم توسعوا فجوزوه على العين كما أجازوه في الدين فقالوا: بصحة الرهن على الأعيان المضمونة كالمغصوب و درك المبيع و المقبوض بالسوم و بالعقد

ص: 301

الفاسد و هكذا سائر ما يتعلق به الضمان من الأعيان و لا يخرج إلا الأمانات لأنها غير مضمونة كما نصت عليه مادة (710) يشترط ان يكون مقابل الرهن مالًا مضموناً بناء عليه يجوز أخذ الرهن لأجل مال مغصوب و لا يصح لأجل مال الأمانة.

و تخصيصه بخصوص الديون- كما لعله الأشهر- ليس له حجة ظاهرة كتخصيصه بالحق الثابت فعلًا اي حال الرهن فلا يجوز الرهن على ما يستقرضه أو ما سيغرمه أو ما سوق يجنيه أو ما أشبه ذلك و عدم صحة الرهن على مثل هذه الحقوق المفترضة التي لم تحصل هي و لا أسبابها مما لا ريب فيه، انما الكلام فيما تحقق سببه و مقتضيه، كعقد الزواج الذي هو سبب لوجوب النفقة على الزوج و الطلاق الذي هو مقتض لوجوب نفقة العدة و أمثال ذلك، و الأصح صحة الرهن عليها و كفاية هذا المقدار من الاستعداد، لتعلق الحق، و بهذا الملاك صح الرهن على ضمان درك المبيع أو الثمن لو ظهر مستحقاً للغير.

(الفصل الثالث) في (زوائد الرهن المتصلة و في تبديل الرهن و زيادته بعد عقد الرهن)
(مادة: 711) كما ان المشتملات الداخلة في البيع بلا ذكر تدخل في الرهن

ص: 302

أيضاً كذلك لو رهنت عرصة تدخل في الرهن أشجارها و أثمارها و سائر مغروساتها و مزروعاتها و ان لم تذكر صراحة.

هذا مع الإطلاق أو العرف الخاص فواضح اما بدونهما فالمتبع التقييد.

«مادة: 712» يجوز تبديل الرهن برهن آخر،

مثلا- لو رهن أحد ساعة في مقابلة كذا دراهم دينه ثم بعد ذلك لو اتى بسيف و قال: خذ هذا بدل الساعة، و رد المرتهن الساعة و أخذ السيف يكون السيف مرهوناً مقابل ذلك المبلغ.

مدرك هذه المادة و اللتين بعدها «713 و 714» زيادة الرهن على الدين الواحد كزيادة الدين على الرهن الواحد يعني لو كان الرهن على مائة ثم أخذ من المرتهن مائة أخرى على ان يكون الرهن على المائتين أو ضم الساعة الى السيف على المائة الواحدة ان الحق بينهما فإذا تراضيا و أوقعا العقد ثانياً على الزائد أو الناقص صح ذلك لوجود المقتضى و عدم المانع.

«مادة: 715» الزائد الذي يتولد من المرهون يكون مرهوناً مع الأصل.

هذا مع الإطلاق مما لا اشكال فيه فان فوائد العين المرهونة تتبع الأصل انما الكلام انه هل يصح اشتراط إطلاقها على ان يتصرف بها الراهن كيف شاء أم لا يصح ذلك؟ وجهان من عموم أدلة الشروط و من انه مناف لمقتضى عقد الرهن فان مقتضى طبيعة عقد الرهن منع الراهن و المرتهن من التصرف و استيفاء المنافع من العين المرهونة تصرف فيها و هذا هو الأقوى.

ص: 303

(الباب الثاني) في (بيان مسائل تتعلق بالراهن) (و المرتهن)

اشارة

من خواص عقد الرهن الذي يعز النظير له فيها انه لازم من أحد الطرفين جائز من الطرف الآخر، فمن جهة الراهن لازم، و من جهة المرتهن جائز، و سره واضح لا يحتاج الى بيان، كما نصت عليه مادة (716) المرتهن له ان يفسخ الرهن وحده- اي و ان لم يرض الراهن و مادة (717) ليس للراهن فسخ عقد الرهن بدون رضا المرتهن- فإذا رضي انفسخ لأن الحق له و قد أسقطه فيسقط قهراً حتى مع عدم رضا الراهن، اما لو اتفقا معاً على الفسخ فبالطريق الاولى ينفسخ كما في مادة «718» إذا اتفق الراهن و المرتهن لهما فسخ الرهن، و لكن من الغريب قول «المجلة» هنا: و للمرتهن حبس الرهن و إمساكه الى ان يستوفى طلبه من الراهن بعد الفسخ فإنهما إذا اتفقا على الفسخ و فسخ المرتهن الذي هو صاحب الحق فأي حق له في حبس الرهن بعد الفسخ؟ و هل هذا إلا التناقض بعينه و التهافت بنفسه؟ فتدبرها جيداً فإنها نكراء.

و لازم صحة الفسخ ان يرد المرتهن العين المرهونة- لو كانت عنده- الى

ص: 304

الراهن، و يحرم عليه إمساكها بعد الطلب و يكون ضامناً لو تلفت مطلقاً، و لا يعقل ان يتوقف الفسخ على التسليم و هو من آثاره فتدبر.

(مادة: 719) يجوز ان يعطى المكفول عنه رهناً لكفيله.

هذا في كفالة المال- اى الضمان- واضح لان المكفول عنه مديون للكفيل بما كفل إذا كان بطلبه و اذنه، اما في كفالة النفس فمشكل حتى لو قلنا بصحة ضمان العين فتأمل.

(مادة: 730) يجوز ان يأخذ الدائنان من المديون رهناً ان كانا مشتركين في الدين أولا إلخ ..

هذه المادة و ما بعدها التي هي عكسها مدركهما واحد و هو حصول التوثق في كلا الصورتين و كان ينبغي جمعهما بمادة واحدة في عبارة موجزة فيقال: يصح رهن العين الواحدة على ديون متعددة لواحد أو متعدد كما يصح رهن الأشياء المتعددة على دين واحد أو متعدد لواحد أو متعدد، فتفيد معاني كثيرة في عبارة يسيرة فتدبر.

ص: 305

الباب الثالث في بيان المسائل التي تتعلق بالمرهون الرهن

اشارة

(و ينقسم الى فصلين)

الفصل الأول في (بيان مئونة المرهون)

«مادة: 722» على المرتهن ان يحفظ الرهن بنفسه أو بمن هو أمينه كعياله و شريكه و خادمه.

كان اللازم أولا بيان ان عقد الرهن ما الذي يقتضيه حسب طباعه و إطلاقه هل هو بقاء العين المرهونة عند الراهن أو المرتهن؟ أو عند ثالث أو لا اقتضاء له في شي ء من هذه الناحية؟؟ بل يتبع ما يتفقان عليه، و هذا هو الأصح و لا ينافيه اعتبار القبض عند الأكثر إذ لا ملازمة بين قبض المرتهن و بقائه عنده فان اتفقا بعد قبضه و انعقاده على وجه فهو، و ان تشاحا

ص: 306

رجعت القضية إلى حاكم الشرع فيضعه عند عدل مؤتمن و ان اتفقا على وضعه عند المرتهن وجب عليه حفظه كما في المتن في هذه المادة و مادة (723) المصارف التي تلزم لمحافظة الرهن كأجرة المحل و الناظر على المرتهن، و لكن انما تلزم على المرتهن بالشرط و الا فإطلاق العقد لا يقتضي ذلك بل الواجب عليهما ان يعينا ذلك و كون القبض لمصلحة لا يقتضي تعيين ذلك عليه ضرورة أن المصلحة مشتركة بينهما، نعم الإطلاق يقتضي كون العلف و اجرة الرعي و الراعي ان كان حيواناً- كما في مادة (724) على الراهن، و ان كان عقاراً فتعميره و سقيه و تلقيحه و تطهير خرقه و سائر مصارفه التي هي لإصلاح منافعه و بقائه عائدة إلى الراهن أيضاً فإن بذلها أو اذن المرتهن ان ينفقها استحق المرتهن الرجوع بها عليه و ان لم يأذن و لم يدفع استأذن المرتهن الحاكم و كان له حق الرجوع و ان أنفق بدون اذن الراهن و لا الحاكم كان متبرعا لا يستحق الرجوع على الراهن بشي ء كما ان الراهن لو أنفق ما يجب على المرتهن إنفاقه بدون اذنه لا يستحق الرجوع به أيضاً لأنه بحكم المتبرع كما في مادة (725) كل من الراهن و المرتهن إذا صرف على الرهن ما ليس عليه بدون اذن الآخر يكون متبرعاً و ليس له ان يطالب الآخر بما صرفه.

ص: 307

الفصل الثاني في الرهن المستعار

[مادة: 726] يجوز ان يستعير أحد مال آخر و يرهنه باذنه و يقال لهذا الرهن المستعار.

تقدم في (الجزء الأول) التعرض لهذه القضية و انها من معضلات فنّ الفقه إذ كيف يرهن إنسان على دينه مال غيره مع انه (لا رهن إلا في ملك)؟ ثم كيف بعد ذلك يباع مال إنسان قهراً عليه و يوفى به دين غيره؟ و كيف يدخل العوض في ملك غير من خرج منه المعوض؟

ثم ان العارية بطبيعتها عقد جائز للمعير ان يرجع بها متى شاء فكيف صارت هنا لازمة لا يقتدر المالك على الرجوع بها إلا بأداء الدين و هو غير مستدين، فالحكم بصحة الرهن هنا تحتاج الى علاج كل هذه المخالفات المنافية للقواعد الاساسية و محكمات الفقه، و قد سبق البحث في بعض هذه الجهات و سيأتي كثير من احكام الرهن المستعار في الفصل الثاني و كان اللازم ذكرها أجمع في هذا الفصل و كيف كان فلا ريب ان الرهن المستعار تابع سعة و ضيقا لاجارة المالك و مقدار رخصته في الإطلاق و التقييد فلو قيد ان يرهنه في زمن

ص: 308

معين أو على مقدار معين أو شخص معين يلزم الراهن الاقتصار على محل الرخصة فلو تجاوز بطل الرهن و ان أطلق المالك كان للراهن ان يرهنه كيف شاء كما نصت على ذلك مادتا (727 و 728)،، و كان ينبغي للمجلة التنبيه على ان المستعير لو تجاوز موضع الاذن و تلف المال عنده أو عند المرتهن ضمنه للمعير مطلقاً و الا فلا ضمان الا مع التعدي.

ص: 309

الباب الرابع في (بيان احكام الرهن

اشارة

و ينقسم إلى أربعة فصول)

الفصل الأول
(مادة: 729) حكم الرهن هو ان يكون للمرتهن حق حبسه الى حين فكه، و ان يكون أحق من سائر الغرماء باستيفاء الدين من الرهن إذا توفي الراهن.

إذا تم عقد الرهن يترتب عليه عدة أحكام تكليفية و وضعية، اما التكليفية فمثل حرمة تصرف كل من الراهن و المرتهن بالعين المرهونة مطلقاً الا ما يعود الى حفظ العين كسقي الدابة و علفها و نقل المتاع من محل الى آخر احفظ و أمثال ذلك، اما الوضعية فهي كثيرة (منها) حق حبس العين على الراهن و منعه من التصرف في ملكه الا برضا المرتهن، و ليس معنى الحبس ان يحبسها المرتهن عنده فان ذلك ليس من مقتضيات الرهن بل المراد حبس المالك عن التصرف فلا يصح بيعه و لا إيجاره و لا رهنه ثانياً و لا هبته إلا برضا المرتهن.

و (منها) ان الراهن لو فلسه الحاكم فالمرتهن لا يضرب مع الغرماء كاملًا فان زاد منه شي ء رده الى بقية الغرماء و ان نقص ضرب معهم

ص: 310

في بقية الأموال.

و (منها) انه لو مات الراهن فان فك الورثة الرهن و الا كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء سواء قصرت التركة عن الديون أم لا.

و (منها) انه لو امتنع الراهن عن وفاء الدين كان للمرتهن ان يرفع امره الى الحاكم فيبلغ المرهون و يدفع له دينه و بدفع الباقي للراهن ان بقي شي ء سواء كان الامتناع عن عجز أو مماطلة.

و من هذا البيان تعرف خلل عبارة (المجلة) و قصورها عن الوفاء بما يجب في هذا البحث.

(مادة: 730) لا يكون الرهن مانعاً عن مطالبة الدين و للمرتهن صلاحية مطالبته بعد قبض الرهن أيضاً.

الرهن لا يغير الدين و لا يبدله، و لا يقدمه و لا يؤخره، فهو على حاله ان كان مؤجلا فمؤجل و ان كان معجلا فمعجل و له المطالبة بدينه عند حلول اجله و لا يمنعه وجود الرهن من ذلك.

(مادة: 731) إذا أوفى مقداراً من الدين لا يلزم رد مقدار من الرهن الذي هو في مقابله،

و للمرتهن صلاحية حبس مجموع الرهن و إمساكه الى ان يستوفى تمام الدين.

نسبة الرهن الى الدين تتصور على أنحاء يمكن ان يكون قصد المتراهنين متجهاً الى واحد منها.

(الأول) نحو مقابلة المجموع بالمجموع و لازم هذا ان يفك تمام الرهن بأداء جزء من الدين و لو قليل.

ص: 311

«الثاني» ان يكون على نحو مقابلة الجميع التي تقتضي التوزيع، و لازم هذا انه كلما ادى جزء انفك من الرهن بمقداره.

«الثالث» ان يكون بنحو مقابلة الكل بالجزء و هذا عكس الأول فإن لازمة ان يبقى تمام الرهن محبوساً الى أداء تمام الدين فلو ادى تمام الدين عدا جزء يسير منه بقي الرهن بتمامه على الجزء و هو الذي ذكرته «المجلة» و الأصح ان يقال: انه إذا ظهر من قصد الراهنين أحد تلك المعاني تعين و الا- أي مع الإطلاق- فالقاعدة تقتضي الوسط على القاعدة المعروفة عندهم من ان مقابلة الجمع بالجمع تقتضي التوزيع، و لكن المشهور عندنا على الظاهر هو النحو الأخير المختار للمجلة و لعل مدركهم أنه ألصق بالتوثق و الاحتياط لاسترداد الدين و هو و ان كان كذلك و لكن تعيين هذا النحو من التوثق يحتاج الى معين و هو مفقود فليتدبر.

نعم لا اشكال فيما لو كان عليه دينان و لكل منهما رهن فان دفع دين أحدهما انفك ما يقابله من الرهن و بقي الآخر كما ذكرته بقولها: و لكن لو كان المرهون شيئين و كان تعين لكل منهما مقدار من الدين إذا أدى مقدار ما تعين لأحدهما فللراهن تخليص ذلك فقط.

«مادة: 732» لصاحب الرهن المستعار أن يؤاخذ الراهن المستعير لتخليصه و تسليمه إياه،

و إذا كان المستعير عاجزاً عن أداء الدين لفقره فللمعير أن يؤدي ذلك الدين و يستخلص ماله من الرهن.

يعني لا حق له باسترداد الرهن من المرتهن الا بان يؤدي الدين هو أو المستعير أو متبرع، و بهذا خرجت هذه العارية عن بابها، و إذا أدى

ص: 312

المعير الدين لتخليص ماله رجع به على المستعير قطعاً. و كان من حق التحرير وضع هذه المادة و مادة «735» و «736» و «737» في الفصل المتقدم المعقود لأحكام «الرهن المستعار» و اقحامها في هذا الفصل مع عدم الربط و المناسبة خلل ظاهر و كيف كان فهذا الأثر أيضاً من الأوضاع التي خالفت الأصول و القواعد التي أشرنا إليها سابقاً، و هذه القضية و ذيولها هي و التبرع بوفاء دين الغير شعبتان من شجن واحد و من التأمل في تخريج وجهه يستخرج وجه تطبيقهما جميعاً على القواعد، فاستخرجها بفكرك الثاقب، و نظرك الدقيق و اللّٰه التوفيق.

«مادة: 733» لا يبطل الرهن بوفاة الراهن و المرتهن.

بل ينتقل حق الرهن و حبس العين إلى ورثة المرتهن. كما ينتقل الدين من ذمة الراهن الى تركته فيجب على الوصي و الورثة اما فكها بأداء الدين من تركته أو دفع التركة إلى المرتهن الدائن و ان كان الوارث صغيراً فوليه و ان كان غائباً كبيراً فالحكم ان لم يمكن حضوره أو توكيله، و مما ذكرنا يظهر الخلل في مادة «734» إذا توفي الراهن فان كان وارثه كبيرا يلزمه تأدية الدين من التركة و تخليص الرهن و ان كان صغيراً أو كبيراً غائباً بغيبة بعيدة فالوصي بإذن للمرتهن ببيع الرهن و يوفي الدين من ثمنه،،، بل الوصي و قيم الصغير أو الحاكم يتولون بيع الرهن بإذن المرتهن و وفاء الدين منه.

و مادة «735» تقدم مضمونها في طي مادة (732) و حاصله: ان المعبر لا حق له بأخذ الرهن الا بعد وصول دين المرتهن اليه سواء كان

ص: 313

المستعير الراهن حياً أو ميتاً، و لكن لا يجير على أداء الدين لأن الإنسان لا يجير على أداء دين غيره و انما يجير المستعير المديون فلو كان عاجزاً فقيراً تحرجت المسألة كثيراً و لا مناص من الحكم بان الرهن يبقى عند المرتهن فاما ان يخلصه المالك المعير بأداء الدين باختياره أو يرفع المرتهن امره الى الحاكم فيبيعه لوفاء الدين بمراجعة المعير المالك.

(مادة: 736) لو توفى الراهن المستعير حال كونه مفلساً مديوناً يبقى الرهن المستعار في يد المرتهن على حاله مرهوناً

و لكن لا يباع بدون رضا المعير و إذا أراد المعير بيع الرهن و إيفاء الدين فان كان ثمنه يوفي الدين فيباع من دون نظر الى رضا المرتهن و ان كان ثمنه لا يوفى الدين فلا يباع من دون رضا المرتهن.

قد تكرر بيان ان التصرف في العين المرهونة لا يجوز الا برضا الراهن و المرتهن و يزيد هنا انه لا بد أيضاً من رضا المالك المعير و اذنه لأن العين لا تزال في ملكه و ان كان للمرتهن حق فيها، اما لو توفى الراهن المستعير مفلساً انحصر الأمر بين المعير و المرتهن فلا بد من رضاهما معاً سواء كان الرهن يوفي أم لا فقول (المجلة) فيباع من دون نظر الى رضا المرتهن- غير سديد.

«مادة: 737» لو توفى المعير و دينه أزيد من تركته يؤمر الراهن بتأدية دينه و تخليص الرهن المستعار

«اي يأمره حاكم الشرع» و ان كان عاجزاً عن تأدية الدين بسبب فقره يبقى ذلك الرهن المستعار عند المرتهن مرهوناً على حاله و لكن لورثة المعير أداء الدين و تخليصه و إذا

ص: 314

طالب غرماء المعير بيع الرهن فان كان ثمنه يوفى الدين يباع من دون نظر الى رضا المرتهن و ان كان لا يوفي فلا يباع بدون رضاه.

في هذا الفرض تصبح العين متعلقاً لجملة حقوق حق المالك المعير الذي انتقل إلى غرمائه و حق الورثة و حق المرتهن و طريق التخلص بعد عجز الراهن ان يخير الورثة بين دفع الدين و تخليص العين و بين بيعها و أداء الدين من ثمنها فان زاد من الثمن شي ء يدفع الى الغرماء أو يتقبلوها بقيمتها و يدفعون حق المرتهن فان زاد فللغرماء، هذا بناء على ما هو الأصح عندنا من ان أعيان التركة تنتقل إلى الورثة و لكن محجور عليها بحق الغرماء فتشبه العين المرهونة.

إما مادة (738 و 739 و 740) فهي مع انها تقدمت في غاية الوضوح لا تحتاج الى اي تعليق.

و أما- مادتا (741 و 742) فالمقصود منهما بيان حكم تلف العين المرهونة فهي خداج لم تستوف صور التلف كلها.

و «تحرير هذا البحث» بوجه جامع- ان تلف العين المرهونة اما ان يكون سماوياً أو بشرياً، و التلف السماوي لا محالة يوجب بطلان الرهن لزوال موضوعه و لا يلزم الراهن شي ء و يبقى الدين طلقاً بلا رهن، و اما الثاني فالمتلف اما الراهن أو المرتهن أو أجنبي فإن كان هو الراهن وجب عليه غرامة المثل أو القيمة ليكون رهناً في مكان الرهن الذي أتلفه، و ان كان هو المرتهن فالغرامة عليه و مقتضى القاعدة ان يدفع المثل أو القيمة ليكون رهناً و لكنهم حكموا هنا: انه يسقط منه بمقدار دينه

ص: 315

و كأنهم جعلوه من أسباب التهاتر و هو مع كونه من جنس الدين ليس بالبعيد و في صورة الاختلاف مشكل إلا مع التراضي، أما لو كان المتلف أجنبياً فلا إشكال في الغرامة و تكون قيمته رهناً.

(الفصل الثاني) في (تصرف الراهن و المرتهن في الرهن)

[مادة: 743] يبطل رهن الخارج الرهن بدون اذن الراهن و المرتهن عند غيره.

لعل في النسخة غلطاً، و إلا فالعبارة كما ترى مشوهة الخلقة مع شديد التعقيد، و لعل المراد ان رهن كل واحد من الراهن و المرتهن العين المرهونة عند ثالث باطل إلا برضاهما معاً- أو ان رهن الأجنبي العين المرهونة باطل إلا بإذنهما، و الأول أنسب بالفصل المعقود لتصرف الراهن و المرتهن لا لنصرف الأجنبي، و كيف كان فقد مر مكرراً- ان الراهن و المرتهن ممنوعان من مطلق التصرف في العين المرهونة سواء التصرفات الناقلة كالبيع و الهبة أو غير الناقلة كاللباس و السكنى، اما التصرفات الاستغلالية كالإجارة و بيع الثمرة و جمع الحليب و الصوف و أمثالهما فلا ينبغي الإشكال في جوازه كما ربما يظهر من كلمات الفقهاء و لكن تعود القيمة رهنا مع الأصل، و من جملة التصرفات رهن العين المرهونة عند

ص: 316

ثالث فإنه لا يجوز الا باتفاقهما، و تحرير المسألة ان الراهن- اي المستدين ثانياً- اما ان يكون هو المالك- اي الراهن الأول- و هذا لا مانع منه فإنه كما لو رهن العين الواحدة ابتداء عند شخصين على دينين فيشتركان في ان لكل من المرتهنين بل الأكثر حق الاستيفاء من العين اما عرضاً أو مرتين الأول فالأول، و اما ان يكون الراهن هو المرتهن على دين له و هذا أيضاً لا مانع منه مع الاذن و يكون من باب الرهن المستعار و يشترك المرتهن الأول و الثاني فيها، و مثله ما لو كان الراهن أجنبياً بإذنهما على دين له، ثم المرتهن اما ان يكون هو المالك- اي الراهن- و هذا مما لا معنى له أصلا إذا لا يعقل رهن المال عند مالكه، و اما ان يكون هو المرتهن الأول و هذا معقول أيضاً و يكون كرهن العين الواحدة على دينين عند واحد، و مثله ما لو كان المرتهن أجنبياً و يكون كرهن العين الواحدة عند شخصين على دينين.

و من جميع ذلك تعرف فساد ما في مادة (744) إذا رهن الراهن الرهن بإذن المرتهن عند غيره يصح الرهن الثاني و يبطل الرهن الأول،،، بل يصحان معاً لعدم التزاحم بينهما سيما مع سعة العين لكلا الدينين و مع عدم السعة فيحتمل تقديم الأول أو تقديم الثاني أو التوزيع بالنسبة، كفساد مادة «745» إذا رهن المرتهن الرهن بإذن الراهن عند الغير يبطل الرهن الأول و يصح الثاني و يكون من قبيل الرهن المستعار،،، بل يصحان معاً فان فك الراهن الأول الزم المرتهن الأول بفكه و إلا جرى عليه احكام (الرهن المستعار) المتقدمة و الا فالمرتهن الأول يسد من دينه حق المرتهن

ص: 317

الثاني عليه فان زاد رده الى المالك و هو الراهن الأول، ثم ان مقتضى توقف تصرف كل منهما على اجازة الآخر انه لو باع الراهن فإن أجاز المرتهن نفذ و بقي الثمن رهنا و ان رد فالمشتري مخير بين الصبر الى فك الرهن و بين الفسخ فعلًا الا ان يدفع الدين فينفذ، و ان باع المرتهن فأجاز الراهن كان الثمن أيضاً رهناً و ان رد بطل، و هذا خلاصة ما ذكرته (المجلة) في مادة «746» و مادة «747» زيادة و اختصارا، و كما يصح البيع برضاهما تصح العارية أيضاً بل و غيرهما من المعاملات التعاوضية، اما المجانية كالهبة فهي إبطال للرهن بلا ريب، و كما يصح إعارته برضاهما للأجنبي كذلك يصح ان يعيره أحدهما للآخر، و معنى العارية هنا إباحة الانتفاع أو تمليك المنافع فان كلا منهما ممنوع منه بدون رضا الآخر كما سبق في مادة «748» لكل من الراهن و المرتهن اعارة الرهن بإذن صاحبه،،، و لكن إعارته لا تبطل رهينته حتى يحتاج إلى إعارته الى الرهينة فلا محل لقول «المجلة» و لكل منهما إعادته إلى رهينته بعد ذلك، بل لا معنى لهذا الكلام أصلا كما لا يخفى على المتأمل كما ان قولها في مادة «749» للمرتهن ان يعير الرهن للراهن، و بهذه الصورة لو توفى الراهن فالمرتهن يكون أحق بالرهن من سائر غرماء الراهن، فان هذا الكلام مستدرك إذ العارية لم تبطل الرهن و لا اختصاص لهذه الصورة بالحكم المذكور بل في جميع صور الرهن يجري الحكم المزبور، اما الانتفاع فقد عرفت انها أيضاً محبوسة عن كل واحد منهما الا برضا الآخر فلو أباحها الراهن للمرتهن فان أباحها بثمنها حسبت من دينه و الا كانت له مجاناً فقول (المجلة)

ص: 318

و لا يسقط من الدين شي ء في مقابل هؤلاء- على إطلاقه غير صحيح- كعدم صحة الإطلاق في مادة «751» إذا أراد المرتهن الذهاب الى بلد آخر فله ان يأخذ الرهن معه إذا كان الطريق آمناً،،، بل و الصحيح انه لا يجوز ان يأخذ الرهن معه مطلقاً الا إذا خاف عليه لو أبقاه في محله و كان نقله الى بلد آخر أو محل آخر احفظ فليتدبر.

(الفصل الثالث) في بيان احكام الرهن الذي هو في يد العدل
(مادة: 752) يد العدل كيد المرتهن

يعني لو اشترط الراهن و المرتهن إيداع الرهن عند من ائتمنه و رضى الأمين و بقبضه يتم الرهن و يلزم و يقوم ذلك الأمين مقام المرتهن.

«مادة: 753» لو اشترط حين العقد قبض المرتهن الرهن

ثم لو وضعه الراهن و المرتهن بالاتفاق في يد عدل يجوز.

«مادة: 754» إذا كان الدين باقياً فليس للعدل ان يعطى الرهن الى الغير

ما لم يكن لأحد الراهن و المرتهن رضا و إذا أعطاه فله صلاحيته استرداده و إذا تلف قبل الاسترداد فالعدل يضمن.

ص: 319

«مادة: 755» إذا توفي العدل يودع الرهن عند عدل غيره

بتراضى الطرفين و إذا لم يحصل بينهما الاتفاق فالحاكم يضعه في يد عدل.

خلاصة هذا الفصل يبتني على ما سبق بيانه من ان طبيعة عقد الرهن لا تقتضي كون بقاء الرهن عند الراهن أو المرتهن أو عند ثالث فهو من هذه الجهة لا اقتضاء فان اتفقا على بقائه عند أحدهما تعين و ان تشاحا وضعه الحاكم عند عدل و لا يجوز له ان يدفعه إلى أحدهما بدون رضا الآخر بل يدفعه إليهما أو الى الحاكم لو تعذر مراجعتهما أو اتفاقهما و لو دفعه الى أحدهما و تلف ضمن للآخر، و لو مات العدل فان اتفقا فهو و الا وضعه الحاكم عند عدل آخر هذا كل ما اشتملت عليه مواد هذا الفصل مع الاختصار و حذف الفضول فإنه معاني قليلة في عبارات طويلة.

(الفصل الرابع) في (بيع الرهن)
(مادة: 756) ليس لكل من الراهن و المرتهن بيع الرهن بدون رضا صاحبه.

و هذا واضح معلوم.

(مادة: 757) إذا حل وقت أداء الدين و امتنع الراهن عن أدائه

ص: 320

فالحاكم يأمره ببيع الرهن و أداء الدين فان ابى و عائد باعه الحاكم وادي الدين.

أو يتقبله المرتهن و يحتسبه من دينه و يدفع الزائد لو كان، و مع غيبة الراهن و عدم إمكان الوصول و حلول الأجل فالمرجع الحاكم في البيع و الوفاء لولايته العامة كما في مادة (758) إذا كان الراهن غائباً و لم تعلم حياته و لا مماته فالمرتهن يراجع الحاكم على ان يبيع الرهن و يستوفي الدين.

(مادة: 759) إذا خيف فساد الرهن فللمرتهن بيعه و إبقاء ثمنه رهناً في يده

بإذن الحاكم و إذا باعه بدون اذن الحاكم يكون ضامناً كذلك لو أدرك ثمر البستان المرهون و خضرته و خيف تلفه فليس للمرتهن بيعه إلا بإذن الحاكم و إذا باعه بدون اذن الحاكم يضمن.

كل ذلك حفظاً للمال من الضياع، و الحاكم هو الولي العام.

(مادة: 760) إذا حل وقت أداء الدين يصح توكيل الراهن المرتهن

أو العدل أو غيرهما ببيع الرهن و ليس للراهن عزل ذلك الوكيل من تلك الوكالة و لا ينعزل بوفاة أحدهما أيضاً.

الوكالة عقد جائز اتفاقاً- كما سيأتي فللوكيل ان يعزل نفسه كما للموكل ان يعزله و لا دليل على لزومها هنا بالخصوص غايته انه لو عزل الوكيل يلزمه الحاكم بالبيع أو توكيل غيره و بهذا يحصل الجمع بين الحقوق كما ان الوكالة تبطل بالموت عندنا اتفاقاً سواء موت الوكيل أو الموكل و لا معنى لبقائها بعد الموت بل يلزم الورثة مع الوصي وفاء الدين من

ص: 321

التركة أو بيع العين المرهونة و الوفاء من ثمنها و ان لم يفعلوا تولى الحاكم ذلك.

«مادة: 761» الوكيل ببيع الرهن يبيع الرهن إذا حل وقت أداء الدين و يسلم ثمنه الى المرتهن فان أبي الوكيل يجبر الراهن على بيعه.

اما الوكيل فقد عزل نفسه بامتناعه عن أداء عمل الوكالة فيتعين إلزام الراهن بذلك فان ابى فالحاكم كما في «المجلة»: و إذا ابى و عاند باعه الحاكم و إذا كان الراهن أو ورثته غائبين يجبر الوكيل على بيع الرهن فإن عائد باعه الحاكم:

الى هنا انتهت مواد «المجلة» في (كتاب الرهن)، و قد أهملت بحثين مهمين من مباحثه (أحدهما) مسقطات الرهن، و (ثانيهما) باب التنازع و الخصومة، و من الحق ان تشير الى بعض مسائل كل من البحثين على سبيل الإيجاز إتماماً لفائدة.

اما- الأول- فمعلوم ان أسباب سقوط الرهن و زواله مهما تعددت و تنوعت فهي ترجع الى سببين، و هما- سقوط الدين أي براءة ذمة الراهن منه أو إسقاط المرتهن حقه من الرهن مع بقاء الدين، و حيث ان أسباب سقوط الدين كثيرة لذا تكثرت أسباب سقوط الرهن.

أولها-: الوفاء و الأداء.

ثانيها-: الاسقاط و الإبراء.

ثالثها-: موت الراهن و المرتهن هو الوارث.

رابعها-: عكسها- موت المرتهن و الراهن هو الوارث.

ص: 322

خامسها-: حوالة الدين على آخر.

سادسها-: ضمان الدين و انتقاله إلى ذمة أخرى سابعها-: بيع الدين لآخر.

ثامنها-: هبته لآخر، و ان كانت الهبة هنا ترجع إلى الإسقاط.

و ربما توجد أسباب اخرى لسقوط الدين تظهر بالاستقصاء و التأمل.

اما الثاني و هو إسقاط المرتهن حقه من الرهن فهو معنى واحد و لكن يظهر بصور مختلفة من قول أو فعل أو إشارة، بل و قد يتحقق بالكتابة أيضاً فإنه و ان كان أشبه بالإيقاع، بل هو الإيقاع حقيقة، و الإيقاع كالعقد عندنا لا يتحقق بالكتابة، و لكن حيث ان الشارع كالعرف لم يعتبروا فيه صيغة خاصة- كما اعتبروها في الطلاق و العتق و غيرهما- كفى كل ما دل عليه.

البحث (الثاني) في التنازع و الخصومة و يقع المهم منه في مسائل.

(1) إذا ادعى الدائن الرهن و أنكره المديون فالقول قوله للأصل.

(2) إذا ادعى المرتهن ان الرهن الثوب و الكتاب مثلًا و لم يعترف الراهن الا بالثوب فالقول قوله للأصل أيضاً.

(3) إذا ادعى المرتهن ان الرهن هو الثوب مثلا و قال الراهن بل الكتاب، فهذا و أمثاله يدخل في باب التداعي و يخرج من باب المدعى و المنكر فان كان لكل منهما بينة فهو من باب تعارض البينات و المرجع فيهما الى المرجحات، و ان لم تكن فالتساقط و التخيير و القول الفصل حكم الحاكم الذي ترفع اليه الدعوى المزبورة، و ان كانت البينة لأحدهما فقط كان

ص: 323

العمل عليها بلا ريب، و ان لم تكن لأحدهما بينة فالتحالف فمن حلف حكم له و ان حلفا معاً تساقطا و حكم بعدم رهن شي ء منهما و هو المعروف عندنا بالانفساخ القهري.

(4) إذا ادعى المالك المديون ان العين وديعة عند دائنه و ادعى الدائن انها رهن فالقول قول المالك بيمينه للأصل.

(5) لو ادعى المالك انها اجارة و ادعى الآخر انها رهن، فالأقرب انه من باب التداعي ان كان النزاع قبل القبض أو بعد قبض العدل، اما لو كان بعد قبض مدعي الرهينة فالأقرب ان القول قوله.

(6) إذا ادعى المرهن رد العين المرهونة و أنكر الراهن فالقول قوله للأصل.

(7) إذا ادعى المرتهن التلف و أنكر الراهن فالقول قول المرتهن بيمينه لأنه الأمين.

(8) لو اعترف بالتلف و ادعى عليه التفريط فالقول قول المرتهن أيضاً للأصل أيضاً و لأنه أمين.

(9) لو ادعى الراهن ان المرتهن أسقط حق الرهن و أنكر المرتهن فالقول قوله أيضاً.

(10) لو ادعى المرتهن ان العين رهن على الدينين و أنكر الراهن فالقول قوله للأصل أيضاً (11) لو تداعى شخصان على عين فادعى كل منهما انها رهن عنده فقط فلا يخلو اما ان تكون في يد أحدهما أو في يدهما معاً أو في يد ثالث

ص: 324

و على كل التقادير فالمالك اما ان يصدق أحدهما أو ينفيهما معا أو لا يصدق و لا ينفى أو لا يمكن مراجعته لغيبة و نحوها، فالقضية ذات صور متشعبة يدور محورها على أمرين الأول-: ان من صدقه المالك فالقول قوله بيمينه مطلقاً.

الثاني-: انه حيث لا تصديق من المالك اما لغيبة أو لسبب آخر فالقول قول صاحب اليد، و اما ان كانت اليد لهما فهو باب التداعي فمن كانت له بينة يقدم قوله و ان لم يكن بينة أو تعارضت البينتان و لا مرجح فالتحالف فمن حلف قدم قوله مع نكول الآخر و إذا حلفا حكم بالانفساخ القهري و رجعت العين الى مالكها، و مثلها ما لو كانت في يد ثالث فإنه أيضاً من باب التداعي اما البينة و اما التحالف.

[12] إذا ادعى ان العين رهن عنده فقط فادعى الآخر انها رهن عنده أيضاً كانت من باب المدعي و المنكر و الصور المتقدمة جارية هنا أيضاً و المالك مصدق حتى على صاحب اليد لأنه أحق بماله، و اعرف بنفسه، و تنقلب الخصومة بينه و بين الآخر فان كان غائباً أو لا يصدق واحداً منهما فصاحب اليد مقدم بيمينه الا ان يقيم الآخر- و هو المدعي- البينة.

هذا قليل من كثير من صور النزاع و الخصومة و المتتبع يجد أكثر من ذلك، هذا في خصوص النزاع في الرهن، اما الخصومة في الدين الذي عليه فهي أيضاً كثيرة و لكنها خارجة من هذا الكتاب و محلها [كتاب الدين].

ص: 325

و لنختم هنا (كتاب الرهن) سائلين من الحق جل شأنه أن يفك رهائن أنفسنا يوم تغلق الرهون، و تطبق السجون، و (لٰا يَنْفَعُ مٰالٌ وَ لٰا بَنُونَ إِلّٰا مَنْ أَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

تم الجزء الثاني و يليه الجزء الثالث إن شاء اللّٰه و اوّله (كتاب الأمانات الوديعة و العارية)

ص: 326

(استدراكات و ملاحظات)

كنا نحسب أو نأمل عند انتشار (الجزء الأول) من هذا الكتاب (تحرير المجلة)، و بعد إنجاز طبعه، و وقوعه بأيدي أهل الفضل، ان يكثر النقد عليه، و البحث و التنقيب في بحوثه و فوائده، نظراً لاشتراك الفقيه فيه مع الحاكم، و الحقوقي و القانوني، و الأستاذ و التلميذ، و انتفاع أكثر الطبقات به، فلم نجد شيئاً من ذلك، و لا اجعل اللوم في ذلك الا على الظروف القاسية، و الحوادث الزمنية، التي اشغلت أفكار اولي الفضل و المتخصصين بمسائل الفقه و الحقوق عن التوسع و الاضطلاع بمهمتهم و ما هو المتعين عليهم، و لا ريب ان الاضطرابات العالمية، و هذه الحروب الطاحنة، أقل تأثيرها حدوث الفتور، و خمود العزائم عن النشاط الى البحث و الاستقصاء، في المسائل النظرية و المباحث الجوهرية، الأعلى النادر ممن لا يجد لذة إلا في العلم و البحث و المطالعة و المراجعة، و لا يعوقه

ص: 327

عن تلك الشئون عائق، و لا يشغله عن تلك العوالم و المعالم شاغل، و لكنهم كانوا قليلا و (قد صاروا أقل من القليل).

و نحن- و المنة للّٰه وحده- لم يقعد بعزيمتنا، عن مواصلة البحث و الكتابة عواصف الزمن، و لم تخمد جمرة اشوافنا، لنشر العلوم، نكبات المحن، و لا عاقبا عن النشر و الطبع أزمة الورق، و ضيق مواد الاقتصاد، و ضعف الرغبات و خمود العزمات، و كان أقصى ما سمعنا من بعض الهنات، أو وجدنا من النقد في بعض الصحف التعرض لأمور تافهة لا تستحق الذكر، أسمعنا بعض عوض فلي نواصي التحقيقات الأبكار التي نشرها (الجزء الأول) في حقيقة البيع و الملكية، و الماضي و المضارع، و الأموال و العهود و الالتزامات.

نعم اسمعونا بدل التعمق في هذه الدقائق الاعتراض على قولنا ص (7) فالامامية فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه- حتى صار يدعيه من لا يصح ان يطلق عليه اسم المتفقة فضلا عن الفقيه، وليتهم علموا باننا قد كبحنا جماح القلم هنا و هناك و اكتفينا بقليل من كثير، و جرعة من غدير من ويلات هذا البلاء المبرم، و المقام مقام الشكر في اننا أسدلنا الستار، عن موبقات تلك الأطوار، و أخذنا بأدب الفرقان المجيد «خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجٰاهِلِينَ» و صرفنا أو تصرفنا في كريمة قوله عز شأنه «وَ لْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» بقوله تعالى «إِنَّكَ لٰا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يَهْدِي مَنْ يَشٰاءُ».

و ليس بت هذه النفثة من القصد في شي ء و انما استطردها بيان دواعي

ص: 328

الحرمان من فوائد النقد، و أسباب انصراف الهمم و العزائم عن هذه المغانم و ان أحد تلك الأسباب اليوم هي الظروف القاهرة، و المعارك الدائرة في أمم الغرب التي أصبحت تخرب بيوتها بأيديها و عادت مدنيتها و ثقافتها وبالًا على العالم و عليها، و لو انطباع أهل العلم على سجيتها الاولى و نفسيات أرباب الفضيلة و علماء الحقوق على رسلها السابق و نهجها القويم قبل هذه الأوضاع العالمية لما أهملت مهمة النقد الصحيح، مع غزارة فوائدها و عظيم منافعها و الحقيقة- كما يقولون- نبت البحث و اضرب الرأي بالرأي يبدو لك وجه الصواب، و تمام عقلك مع أخيك و العصمة و الكمال للّٰه وحده.

و حقاً- إن زينة الكتاب و حيلته نقده و تمحيصه، بل هو كماله و جماله، و تمامه ان يبدو عوزه و نقصه و يستقصى فليه و فحصة، سيما في مثل مؤلفنا هذا الذي كتبناه على جري القلم، و عفو الخاطر، من دون تجديد نظر أو نتيجة مباحثه أو مدارسه، بيد انه صدر في مثل هذه الظروف المزعجة، و الصروف المحرجة، و أنواع المحن و الأرزاء التي تبلد الأذهان، و تطبع الإنسان بطابع الذهول و النسيان، و بعض هذا ما يكفي للغفلة و السهو، و عروض الخطاء و الهفوات فكيف بما هو أعظم و أفظع؟ و لما نظرنا فيه بعد طبعه و نشره وجدنا فيه ما يجدر التنبيه عليه فأحببنا هنا الإشارة الى بعض ذلك على سبيل الحديث المستظرف و القول المستطرف، و نترك الباقي لأهل الفضل إذا نشطت عزائمهم، و حفزتهم عبقريتهم.

فمن ذلك في (الجزء الأول) ص 30 مادة [34] ما حرم أخذه حرم

ص: 329

إعطاؤه و قد حملنا القاعدة هناك على أخذ المال المحرم فان التصرفات فيه تكون محرمة فيحرم إعطاؤه لأنه تصرف فيه و هذا الوجه و ان كان صحيحاً في ذاته و لكنه ليس هو المقصود من القاعدة قطعاً بل القصد غيره أومأ هو أوسع منه نظراً، و أبعد أثرا.

و الذي يليق ان تحمل عليه من المعنى المفيد فائدة جديدة- هو ان الذي يحرم أخذه كالربا مثلا أو الرشوة أو القمار و إضراب ذلك كما يحرم أخذه يحرم أعطوه- فكما يحرم عليك ان تأخذ الرشوة يحرم عليك ان تعطيها للمرتشي و كما يحرم عليك ان تأخذ الربا يحرم عليك ان تستدين أو تبيع و تعطي الربا- يحرم عليك تبع وزنة حنطة بوزنه و نصف فتأخذ زيادة نصف و انه كما يحرم عليك هذا يحرم ان تشترى كذلك فتعطي نصف وزنة زيادة و تكون هذه القاعدة قريبة الأفق من معنى أختها التالية لها (ما حرم فعله حرم طلبه).

يعني كما يحرم عليك فعل الربا و الرشوة يحرم عليك ان تطلبه من غيرك و كما يحرم عليك شرب الخمر يحرم عليك ان تطلبه من غيرك و هكذا في كل حرام الا ما استثنى كما سبق.

و من ذلك إهمال جملة من القواعد المهمة.

مثل قاعدة الميسور و قاعدة الحر لا يضمن و لا يدخل تحت اليد، و قاعدة (إذا اجتمع الحرام و الحلال غلب الحرام- التي و بما ترجع إلى قاعدة درء المفاسد اولى من جلب المنافع.

و قاعدة (الدفع أهون من الرفع) و الفرض أفضل من النفل، و ما

ص: 330

كان أكثر فعلًا، فهو أكثر فضلًا.

الى كثير من أمثالها و لكن يدفع النقد في إهمالها ان جملة منها تختص بالعبادات.

و بعضها قليل الجدوى نادر المثال.

و من موارد النقد أيضاً ان بعض المباحث المهمة جاء البيان فيها ناقصاً مبتوراً و كان من حقة البسط و الإحاطة بالموضوع من جميع أطرافه و عموم اقسامه.

(مثل قاعدة التلف قبل القبض) في الجزء الأول صفحة (69) و حق تحريره ان يقال ان زوال المبيع أو الثمن بحيث يمتنع قبضه حقيقة أو حكما لا يخلو اما ان يكون من جهة التلف أو الإتلاف، و على الأول، فقد اتفقوا على ان تلف المبيع من البائع و تلف الثمن قبل إقباضه للبائع من المشتري، و النبوي المشهور «كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه» و إن كان واردا في المبيع فقط و لكن الأصحاب اتفقوا ظاهرا على إلحاق الثمن به في الحكم و ربما يظهر هذا من رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّٰه الصادق سلام اللّٰه عليه في رجل اشترى من رجل متاعا و أوجبه غير انه ترك المتاع عنده و لم يقبضه فسرق المتاع من مال من يكون قال من مال صاحب المتاع حتى يقبض المتاع و يخرجه من بيته. فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد اليه ماله.

فان قوله «عليه السلام» حتى يرد اليه ماله ظاهر في الثمن و انه في ضمان

ص: 331

المبتاع أي المشتري حتى يوصله إلى البائع.

هذا في تلف الجميع اما تلف البعض ثمنا أو مثمنا فان كان المبيع حسب اعتبار العقلاء ذو أجزاء يتقسط عليها الثمن انفسخ في التالف بنسبته من الثمن و صح في الباقي و ان كان بنظر العرف مما لا يتقسط الثمن عليها بان يكون ذلك الجزء التالف كالأوصاف التي لا تقابل بالاعواض فهو موجب لخيار المشتري بين الرد و الإمساك بمجموع الثمن و يحتمل تخييره بين الرد و بين الإمساك بالأرش و يكون كالعيب الحادث قبل العقد و ليس ببعيد هذا في التلف قبل القبض اما التلف بعده في زمن الخيار فقد تقدم البحث فيه مفصلًا.

هذا كله في التلف السماوي اعني القهري [أما الإتلاف] فإن كان المتلف هو المشتري فلا ينبغي الإشكال في انه كالقبض و مسقط لضمان البائع و يجب عليه دفع الثمن اليه قطعاً و هذا مع علمه واضح اما مع جهله فان كان مغروراً من البائع كما لو كان طعاماً و قدمه إليه بصورة الإكرام فأكله و ظهر انه هو الذي ابتاعه منه فلا ينبغي الإشكال في انه كالتلف السماوي مضمون على البائع على خلاف فيه و ان لم يكن مغروراً كما لو اكله جهلًا منه من دون ان يقدمه البائع إليه فالقضية مشكلة و الحكم بأنه من ماله و انه قبض مشكل و جعل الضمان على البائع أشكل.

و دعوى انصراف النص في القبض الى غير هذا القبض فيكون من التلف قبل القبض فضمانه على البائع- عهدتها على مدعيها و هي قابلة للمنع.

و ان كان المتلف البائع فالمسئلة ذات وجوه متعارضة بل و متكافئة

ص: 332

فاما الحكم بالانفساح و يكون الضمان على البائع تنزيلًا للإتلاف منزلة التلف و ان مرجعهما الى تعذر الإقباض و هو ملاك الحكم سواء كان من حيوان أو إنسان بحادثة سماوية أو ارضية، و اما الحكم بإبقاء العقد و تضمين البائع المثل أو القيمة لأن الحكم بالانفساخ على خلاف القاعدة فيقتصر على مورده المتيقن و هو التلف لا الإتلاف و يكون من باب إتلاف مال الغير الموجب للضمان بالمثل أو القيمة.

و اما الحكم بتخيير المشتري في باب إتلاف البائع المبيع أو البائع في إتلاف المشتري الثمن بين إمضاء العقد فيطالب بالقيمة أو فسخه فيأخذ الثمن لو أتلف المبيع أو المبيع لو أتلف الثمن.

و مدرك هذا التخيير اما ان تحقق سبب الانفساخ مع سبب الضمان يقتضي التخيير بينهما بعد عدم إمكان الجمع و اما لان التلف إذا خرج عن قاعدة التلف قبل القبض صار المبيع متعذر التسليم فيثبت الخيار اما للمشتري في تلف المبيع أو للبائع مع العكس و هو معنى التخيير بين الفسخ و استرداد ما دفع أو المضاء و المطالبة بالمثل أو القيمة و هذا هو الأوفق بالقواعد، و تجري الوجوه الثلاثة في إتلاف الأجنبي- هذا هو التحرير الوافي لهذه المسألة على اختصاره، و هكذا يجب ان تحرر المسائل و يكفي هذا المقدار من الملاحظة على الجزء الأول على سبيل النموذج و العنوان.

اما الجزء الثاني فقد تركنا إبداء الملاحظات فيه الى من ينشط له من أهل هذا الفن الشريف فن الفقه و علم الحقوق.

ص: 333

و منه نستمد التوفيق للجميع و ان يسهل لنا متابعة التأليف و النشر الى خاتمة هذا الكتاب إن شاء اللّٰه و لا شك انه يحتاج الى عدة أجزاء اخرى فعسى ان يفسح اللّٰه عز شأنه في العمر إلى إكمالها بلطفه و عناياته انه الكريم المنان و به المستعان

الجزء الثاني القسم الأول

اشارة

ص: 2

ص: 3

بسم اللّٰه و له الحمد و المجد

الكتاب السادس في الأمانات

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 4

المقدمة في بيان «الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالأمانات»

الأمانات:

«تمهيد مفيد» اعلم ان كل إنسان وقع في يده مال غيره فاما ان يكون استيلاؤه عليه بإذن المالك، أو بإذن الشارع، أو بدون اذن واحد منهما، و الأول اما ان يكون لمصلحة المالك فقط أو لمصلحة القابض أو لمصلحتهما، و من الأول الامانة بالمعنى الأخص و هي الوديعة التي هي القيام بحفظ مال الغير باذنه بغير جعل و لا فائدة، و من الثاني العارية التي هي إباحة للانتفاع أو تمليك للمنفعة بغير عوض، و من الثالث الإجارة فإنها لمنفعة المالك من حيث أخذ الأجرة و لمنفعة المستأجر من حيث استيفاء المنفعة و كل هذه تعد من الأمانات و لكن بالمعنى الخاص و هي أعم من

ص: 5

الوديعة التي هي أمانة بالمعنى الأخص، و كلها أيضا أمانات مالكية لأنها اجمع بإذن المالك، اما القسم الثاني و هو ما كان بإذن الشارع فقط فمنه اللقطة و مجهول المالك كالذي أطارته الريح الى دار إنسان و ما دخل الى ملك الغير من طائر أو حيوان و ما أشبه ذلك، و كل هذه الأنواع تعد أيضا من الأمانات و لكنها بالمعنى الأعم و هي أمانات شرعية.

و جميع الأمانات تشترك في حكم و ينفك بعضها عن بعض في حكم دون آخر، و الحكم العام المشترك بين جميع الأمانات أمران- عدم الضمان إلا بالتعدي و التفريط. و وجوب الرد الى المالك- و تفترق الشرعية عن المالكية بوجوب طلب المالك و المبادرة إلى رد ماله اليه و لو من غير طلب منه بخلاف المالكية فان الواجب دفع ماله اليه عند طلبه و لا يجب أن يتطلبه كما في الأولى.

و هناك أحكام اخرى يمتاز بها بعض الأمانات عن بعض تذكر في مواضعها، أما القسم الثالث و هو الاستيلاء على مال الغير من دون اذن المالك و لا الشارع فأظهر افراده المال المغصوب بجميع أنواعه و أسبابه من سرقة أو نهب أو خيانة أو تدليس أو نظائر ذلك، و يمتاز هذا عن القسمين السابقين بأنه مضمون مطلقاً حتى مع التلف بغير تعد و لا تفريط، و يقابله الأمانة بالمعنى الأعم الشاملة للاستيلاء على مال الغير بإذنه أو بإذن الشارع.

و حيث عرفت أنواع الأمانات يتضح لك أن (المجلة) ذكرت من أنواع الأمانات هنا خصوص الأمانة بالمعنى الأخص و هو الوديعة و العارية

ص: 6

أعني ما كان لمصلحة المالك فقط أو لمصلحة القابض فقط و ما عدا ذلك من الأنواع فهي مذكورة في خلال أبواب المعاملات بالمعنى الأعم و عبرت عن الامانة كما في مادة (762) بأنها هي الشي ء الذي يوجد عند من يتخذ أميناً، و هذا التعريف لا يخلو من فكاهة فإن الذي يتخذ أميناً عنده أشياء كثيرة فهل كلها امانة؟ و يهون هذا بناء هذه التعاريف على التساهل، و التعريف القريب للأمانة بالمعنى الخاص هو انها المال الذي صار في يد غير مالكه، بإذنه أو اذن الشارع، و الأمانة بالمعنى الأخص- اي الوديعة- هو المال الذي دفعه مالكه لغيره لينوب عنه في حفظه، و المعروف في تعريفها عندنا استنابة في الحفظ و إليها أشارت (المجلة) بقولها: سواء كان امانة بعقد الاستحفاظ كالوديعة!! و الاستحفاظ تارة يكون تمام المقصود من العقد كما في الوديعة. و اخرى يكون لازم العقد و المقصود بالعقد أصالة غيره كالإجارة و العارية و غيرهما. فالاستحفاظ ملحوظ في الجميع اما أصالة أو تبعاً و باللازم. فان كان المراد من الاستحفاظ ما هو من النوع الأول فلا وجه لكاف التشبيه فان العقد الذي لا يقصد منه الا الاستحفاظ ليس إلا الوديعة و ان كان ما يعمه و النوع الثاني لم يتجه قولها: أو كان امانة ضمن عقد كالمأجور و المستعار، بل حقه أن تقول: كالوديعة و كالمأجور و المستعار أو دخل بطريق الأمانة بيد شخص بدون عقد و لا قصد كما لو القت الريح في دار أحد مال جاره فحيث كان بدون عقد لا يكون وديعة بل أمانة فقط.

ص: 7

و بهذا ظهر ان الوديعة أخص و الأمانة أعم فإن المأجور و المستعار و الذي ألفته الريح كلها أمانة لا وديعة، غايته أن الأولين أمانة مالكية و الأخير أمانة شرعية، و منه ظهر مادة (763)

الوديعة:

هي المال الذي يوضع عند شخص لأجل الحفظ، و لا حاجة بعدها الي توضيح الواضح في مادة (764) الإيداع هو احالة المالك محافظة ماله لآخر و يسمى المستحفظ مودعا- بكسر الدال- و الذي يقبل الوديعة وديعا و مستودعا- بفتح الدال- و باصطلاح فقهائنا وديعا.

(مادة 765)

العارية:

هي المال الذي تملكت منفعته لآخر مجاناً اى بلا بدل- و يسمي معاراً و مستعاراً.

تباعدت حقيقة العارية على أكثر الفقهاء كما ضاع عليهم حقائق أكثر العقود فقال بعضهم: انها تمليك المنفعة مجاناً، و قال آخرون: انها إباحة المنفعة و إباحة الانتفاع (و الفرق بينهما نادر) و الحقيقة انها لا هذا و لا ذاك و انما هي: سلطنة خاصة على العين للانتفاع بها، كما ان الإجارة كذلك، و الفرق بينهما: ان العارية تسليط على العين بلا عوض، و الإجارة تسليط بعوض، و كلاهما تسليط على العين للانتفاع و لازم هذا إباحة المنفعة أو إباحة الانتفاع، و كأن القوم عبروا عن هذا العقد يلازمه كما هو عادتهم في أغلب العقود بل و غيرها، اما احتمال كونها تمليك المنفعة ذاتا أو لازما فهو بعيد عن التحقيق جداً و الاستدلال عليه بان المستعير له ان يعير و لو كان لا الملكية لما كان له ذلك- مدفوع بالإعارة الثانية ان كانت بإذن المعير الأول- أي المالك

ص: 8

صحت و لا تدل على الملكية، و ان كانت بغير اذنه منعنا جوازها أو تقع باطلة، بل و دفعها بغير اذن المالك الى المستعير الثاني حرام، فالحق ما ذكرنا من انه عقد أو إيقاع يفيد تسليط المالك غيره على العين للانتفاع بها مجاناً، و ليس للمستعير أن يتجاوز مقدار الاذن من المعير فلو تجاوز ضمن و فعل حراماً، و مع عدم التجاوز هي أمانة بيد المستعير لا يضمنها لو تلفت إلا بالتعدي و التقصير كما في مادة (768) الأمانة لا تكن مضمونة يعني إذا هلكت أو ضاعت بلا صنع الأمين و لا تقصير منه لا يلزمه الضمان!! و بعد ان ذكرت (المجلة) أشهر احكام الامانة و هو عدم الضمان أخذت في ذكر بعض مصاديقها و مواردها في مادة (769) إذا وجد رجل في الطريق أو في محل آخر شيئاً فأخذه على سبيل التملك يكون حكمه حكم الغاصب، و على هذا إذا هلك المال أو ضاع و لو بلا صنع أو تقصير منه يصير ضامناً!! كأنها تشير الى ان من استولى على مال الغير بغير اذنه ان أزال يده الحقة فهو غصب و ان لم يزل يده بل وصل اليه بغير القهر من الأسباب فهو بحكم الغصب و من هذا النوع من وجد مالا في الطريق- أي اللقطة- فأخذه بنية التملك فإنه و ان لم يكن غصباً أي الأخذ قهراً و لكن تترتب عليه احكام الغصب من الحرمة و الضمان مع التلف و لو بغير تعد و لا تقصير، و وجوب الرد مع عدمه، و أما لو أخذه على أن يرده لمالكه فان كان معلوما كان في يده امانة و يلزم تسليمه الى مالكه، و ان لم يكن معلوما فهو لقطة و هو في يد ملقطة أمانة.

ص: 9

و هذا البيان غير مستوعب لأقسام العنوان.

و «تحرير البحث» ان ما يقع بيد الإنسان من مال الغير بغير اذنه ان أخذه قهراً أو اختلاساً فهو الغصب، و ان أخذه بغير ذلك و بغير قصد ردّه الى مالكه فهو بحكم الغصب تترتب عليه جميع أحكامه وضعية و تكليفية، و ان أخذه بقصد رده إليه فإن كان مالكه معلوماً وجب المبادرة الى رده اليه و هو في ذلك الحال امانة لا ضمان فيه الا بالتعدي و لو توانى خرج عن الامانة و صار ضامناً مطلقاً، و ان لم يكن معلوماً فان كان قد وجده في الطريق أو في الصحراء أو غيرهما من المواضع العامة فهو اللقطة و تجري عليه أحكامها، و ان وجده في داره أو خزانته أو دكانه و نحو ذلك من المواضع الخاصة به و لا يعرف صاحبه كان من مجهول المالك و تجري عليه احكامه، و قصارى اللقطة و المجهول المالك ان مرجعهما أخيراً لحاكم الشرع.

و حيث ان اللقطة من مهمات مباحث الفقه، و هي عامة البلوى، و لم تستوف (المجلة) أحكامها مع انها من صلب الأمانات، فاللازم ان نوفيها حقها و قد تبين لك موضوعها في المجلة و تفصيله: انه عبارة عما يؤخذ من المواضع العامة من مال أو غيره من غير علم صاحبه به و لا اذنه و هو إما حيوان أو جماد و الحيوان اما إنسان أو غير إنسان، فالإنسان هو اللقيط و قد عرفوه بأنه إنسان ضائع لا كافل له و لا يستقل بنفسه و يشتمل المنبوذ و الضائع، و الحر و العبد، فالحر يرد إلى اهله، و العبد الى مالكه، و أخذه مستحب فان خيف عليه التلف وجب و إذا أخذه

ص: 10

الملتقط وجب عليه حضانته بالمعروف و ينفق عليه من بيت المال، و ان لم يكن فمن الزكاة، و الا استعان بالمسلمين، و إلا أنفق عليه و رجع به عليه بعد بلوغه، أو على اهله ان وجدهم، و هو مسلم إذا التقط في بلاد المسلمين أو في بلاد الكفر و فيها مسلم يحتمل كونه منه، و ولاؤه للإمام لا للملتقط، و لو اختلف هو و اللقيط بعد بلوغه أو أهله في أصل الإنفاق أو قدره يقدم قول الملتقط فيما يوافق المعروف و هذا من موارد تقديم الظاهر على الأصل و هو ظاهر، و لو التقطه اثنان و تشاحا أقرع بينهما و يشترط في الملتقط البلوغ و العقل بل و الرشد على الأحوط، و كونه حراً و إسلامه ان كان اللقيط مسلماً، بل و عدالته على الأحوط. فلو فقد أحد هذه لم يكن لالتقاطه اثر. و جاز للغير ان يأخذه منه. هذا كله في اللقيط- أي الإنسان الملقوط-. اما لقطة الحيوان و تعرف بالضالة و هي الدابة التي لا يعرف مالكها. فقد وردت أخبار تشعر بحرمة التقاطها و هي محمولة على الكراهة جمعاً بينهما و بين ما دل على الجواز و ترتفع الكراهة بخوف التلف عليها و ان كان صحيحاً في ماء و كلاء في غير مسبعة فالأولى تركه لامتناعه و لو أخذها فتلفت قيل يضمن و هو مسلم ان أخذها بنية التملك أو مع التفريط و الا فلا. و لو ترك من جهد في غير ماء أو كلاء كان أخذه مباحاً. فإن أنفق عليها الملتقط حتى أصلحها كانت له و ليس لمالكها لقول أمير المؤمنين سلام اللّٰه عليه ان تركها في غير ماء و لا كلاء فهي للذي أحياها و أوضح منها صحيحة ابن سنان و غيرها و العمل بها وفاقا لجمهور الأصحاب متعين و ان كانت على خلاف

ص: 11

القاعدة، و لعل الشارع جعل الاعراض هنا بالخصوص مزيلا للملكية السابقة رفقاً بالحيوان و يكون من المباحات فيملكه الملتقط بالحيازة، أما الشاة في الفلاة التي لا تمتنع من الوحش المفترس فيجوز أخذها بنية التملك كما في الخبر المشهور «هي لك أو لأخيك أو للذئب» إنما الكلام في الضمان لو ظهر صاحبها كما يدل عليه بعض الاخبار أو عدمه كما هو ظاهر إطلاق «هي لك ..» في الخبر المشهور مضافا الى الأصل و الأول أحوط ان لم يكن أقوى، و لو دفعها لحاكم الشرع برئ من الضمان قطعاً، و هل يتوقف تملكها على تعريفها سنة أو أقل أولا لإطلاق الخبر المتقدم و لعله الأقوى؟ و كذا حكم كل ما لا يمتنع من السباع بعد و أو طيران حتى مثل الدواجن كالدجاج و نحوه، و لو وجدت الشاة في العمران حبسها ثلاثة أيام فان لم يجد صاحبها باعها و تصدق بثمنها، فان ظهر مالكها و لم يمض غرم له القيمة و ليس له تملكها بل اما ان يبقيها امانة لمالكها و ينفق عليها و يقاص من لبنها و صوفها أو يبقيها و يبقى الثمن أمانة أو يتصدق به و لو دفعها أو قيمتها الى الحاكم سلم من ذلك كله.

هذا موجز الكلام في لفظة الحيوان إنسان و غير إنسان، أما لقطة المال الصامت فقد وردت جملة أخبار ظاهرة في حرمة التقاط المال في الحرم مطلقا ففي رواية عن الكاظم سلام اللّٰه عليه «لقطة الحرم لا تمس بيد و لا رجل، و لو ان الناس تركوها لجاء صاحبها و أخذها» و لكن المشهور الكراهة، و موضع البحث قصد التملك، إما أخذها لحفظها أو ردها الى صاحبها فالظاهر الاتفاق على جوازه و هو امانة لا تضمن حينئذ إلا

ص: 12

بالتفريط، ثم إذا أخذه بهذا القصد عرف به سنة فان لم يظهر تصدق به عن صاحبه و يضمن له لو ظهر بعد ذلك، و القاعدة تقتضي عدم الضمان لأنه أمانة شرعية و قد أنفقها بإذن الشارع، و لو دفعها للحاكم فلا شي ء عليه و ما ذكرناه يطرد في القليل و الكثير، أما لقطة غير الحرم فيحل منه ما كان دون الدرهم من غير تعريف، و لو ظهر مالكه و عينه باقية أخذها قطعاً فهي ملكية مراعاة، اما لو كانت تالفة ففي الضمان وجهان بل قولان أقواهما العدم لإذن الشارع بذلك التصرف و هو كإذن المالك أو أقوى أما الدرهم فما زاد فالواجب تعريفه حولا فلان لم يظهر صاحبه تخير بين ان يتملكه مَعَ الضمان لو ظهر و بين الصدقة به على مستحق الزكاة عن صاحبه و في الضمان الوجهان السابقان و عدم الضمان هنا أقوى، و بين إبقائه أمانة لمالكه فلا يضمن الا مع التفريط، و الدفع الى الحاكم الشرعي أصح و أسلم، و الحكم العام في لقطة المال من الدرهم فما زاد هو التعريف حولا فيما يمكن فيه التعريف، اما ما لا يمكن كالدراهم و الدنانير الغير المصرورة و لا في محفظة فقد يقال بسقوط تعريفها، و جواز تملكها بمجرد التقاطها و هو مشكل، و لو تحقق هذا الفرض في بعض الأموال كان من مجهول المالك و يجري عليه حكمه و لا يجوز تملكه بوجه مطلق كما انه لو وجد في المواقع العامة كالحمام أو المساجد و المعابد بدل ثيابه أو حذائه أو كتابه فإن علم انها لآخذ كتابه كانت من مجهول المالك لا اللقطة، و ان لم يعلم أو علم العدم فهي لقطة، و ما لا يبقى أو يحتاج بقاؤه إلى علاج باعه أو قومه على نفسه و حفظ قيمته و الأحوط مراجعة الحاكم في ذلك

ص: 13

لأنه الولي العام.

و أخذ اللقطة بوجه عام مكروه، و في بعض الأخبار

«لا يأخذ الضالة إلا الضالون»

و قد توجد خصوصيات مقامية تخرج عن الكراهة بل قد تصير مستحبة أو واجبة، و ذكروا: ان الكراهة تتأكد فيما تكثر منفعته و تقل قيمته كالعصا و النعل و الإداوة و أمثالها: كما تتأكد الكراهة في الفاسق و المعسر و يصح التقط المال من كل من يصح منه التكسب حتى الصبي و المجنون و يتولى حفظهما و التعريف بها الولي. و يستحب الاشهاد بل قد يحب في أخذها و ردها. مضافا الى الإعلان و الإنشاد في الحول حسب المتعارف.

و حيث ان اللقطة- كما عرفت- امانة يجب ردها الي مالكها الواقعي فلا يجوز دفعها الي مدعيها ما لم يثبت ملكه لها بالعلم أو ما يقوم مقامه شرعاً من الشاهدين العدلين. أو الشاهد و اليمين و لا يكفي إعطاء أوصافها و ان كان خفية الا مع حصول الاطمئنان بصدقه المتاخم للعلم. و إذا دفعها بالأوصاف و قدم غيره البينة انها له انتزعت من الاولى و دفعت لذي البينة و ان كانت تالفة تخير في الرجوع على الدافع أو المتلف فإن رجع على الأول رجع الأول على الثاني لأن قرار الضمان عليه. و لذا لو رجع عليه رأسا لم يرجع على الأول.

و من وجد مالا في فلاة من الأرض أو مدفونا في أرض ليس لها مالك و لم يكن عليه أثر الإسلام ملكه الواجد و ان كان في

ص: 14

أراضي الإسلام، و ان وجد عليه أثر الإسلام كان لقطة يجب تعريفها و لو كان للأرض مالك عرفه فان ادعاه دفع له و الا فلو أجده مع انتفاء أثر الإسلام و الا فهو لقطة و مثله ما يوجد في جوف الدابة أو السمكة ان كانت أهلية أما الوحشية و التي أخذت من المياه العامة جديداً لا يراجع بها المالك فان كان عليه أثر الإسلام فلقطة و الا فلو أجده، و من وجد مالًا في صندوقه أو دكانه أو داره فان كان له شريك فيه عرفه فان ادعاه أخذه بلا بينة و لا يمين، لانه مدع بلا معارض، و ان نفاه فهو لقطة لواجده، و ان لم يكن له شريك فقد ذكروا. انه يكون لمالك الدكان و الدار و نحوهما لانه من توابع ملكه و لم يجعلوه لقطة و هو محل نظر فليتأمل.

هذا موجز البحث في اللقطة موضوعاً و حكماً، و فيه على اختصاره غنى و كفاية و سيأتي لهذا البحث تتمة إن شاء اللّٰه تعالى.

و (المجلة) بمناسبة بحث الامانة استطردت الى ذكر اللقطة استطراداً خفيفاً، فلم توف حق الامانة، و لم تميز بين الأمانة الشرعية و الأمانة المالكية، كما انها لم تستوف رءوس مباحث اللقطة فضلًا عن دير لها و توابعها، و لم تخصص لها سوى مادة واحدة، و هي:

(مادة: 770) يلزم الملتقط ان يعلن أنه وجد لقطة و يحفظ المال في يده أمانة

الى أن يوجد صاحبه و إذا ظهر أحد و أثبت ان تلك اللقطة ماله لزمه تسليمها.

و في هذا أيضاً من التسامح أو الخلل ما لا يخفى، إذ ليس اللازم

ص: 15

إعلان انه وجد لقطة، بل اللازم طلب من ضاع له مال، و هو المعبر عنه بالإنشاد أي طلب صاحب المال و نشدانه في الجوامع و المحافل و الأندية العامة و نحوها، و يقول مثلا- نداء أو كتابة-: انه من ضاعت له دراهم فليراجع المحل الفلاني. و نحو ذلك، و لا يبعد ان اجرة المنادي و الناشد و ما يتصل بذلك على صاحب المال لا على الملتقط لانه محسن و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) ثم يبقى المال بيده أمانة إلى نهاية الحول أو حتى يحصل اليأس و لو قبل الحول، و النهاية هو الحول- و بعده التفاصيل السابقة، و اليه أشارت بقولها: و يحفظ المال بيده أمانة الى ان يوجد صاحبه، و إذا حضر و أثبت ان تلك اللقطة ماله لزمه تسليمها!!.

و «تحرير البحث» في موجبات تسليم اللقطة انه يجب بأمور.

أحدها-: و أقواها حكم الحاكم و ثبوت ذلك عنده، فإذا سلمها بحكم الحاكم خرج من العهدة و لم يبق عليه شي ء حتى لو ظهر خطأ الحاكم أو فساد حكمه.

ثانيها-: قيام البينة عند الملتقط نفسه فإنه يجب عليه تسليمها بشهادة العدلين أو العدل الواحد مع اليمين، و يخرج بذلك من كل تبعة.

ثالثها-: إقرار الملتقط بأنها للمدعي فإذا أقر وجب تسليمها للمقر له و لكن لا يخرج من العهدة و لو اقام آخر البينة انها له انتزعت من المقر له و دفعت لصاحب البينة و ان كانت تالفة رجع على أي منهما يشاء

ص: 16

و لا يرجع المقر على المقر له لو أخذت قيمتها منه حسب إقراره كما لا يرجع أيضاً الثاني على الأول لو أخذت منه.

رابعها-: بيان الأوصاف الخفية الموجبة للاطمئنان كما تقدم قريباً و لكن لا يخرج بها عن العهدة و حالها حال الإقرار.

و ذكر شيخنا الشهيد- أعلى اللّٰه مقامه- في «اللمعة» ما نصه-:

و لا تدفع إلا بالبينة لا بالأوصاف و ان خفيت، نعم يجوز الدفع بها ا ه.

و قد يشكل بان الدفع إذا جاز وجب فإن الأوصاف اما ان تكون امارة و حجة كالبينة فيجب الدفع و الا فلا يجوز، و يمكن دفع هذا بأن البينة حجة شرعية قاطعة يجب العمل بها بخلاف الاعتماد على الأوصاف فإنها لا تفيد سوى الظن، و أقصاه جواز العمل به ما لم ينكشف الواقع و يظهر الخلاف، فليتأمل.

(مادة: 771) إذا هلك مال شخص في يد آخر

فان كان أخذه إياه بدون اذن المالك ضمن بكل حال، و ان كان أخذ ذلك المال بإذن صاحبه لا يضمن لأنه امانة في يده إلا إذا كان أخذه على سوم الشراء و سمى الثمن فهلك المال لزمه الضمان، مثلا إذا أخذ شخص إناء «بلور» من دكان البائع بدون اذنه فوقع من يده فانكسر ضمن قيمته، و أما إذا أخذه بإذن صاحبه فوقع من يده بلا قصد أثناء النظر و انكسر فلا يلزمه الضمان، و لو وقع ذلك الإناء على آنية أخرى فانكسرت تلك الآنية أيضاً لزمه ضمانها فقط، و أما الإناء الأول فلا

ص: 17

يلزمه ضمانه لأنه امانة في يده، و أما لو قال لصاحب الدكان بكم هذا الأناة؟ فقال له: بكذا قرشا خذه، فأخذه بيده فوقع على الأرض فانكسر ضمن ثمنه، و كذا لو وقع كأس (الفقاعي) من يد أحد فانكسر و هو يشرب لا يلزمه الضمان لأنه أمانة من قبيل العارية، و أما لو وقع بسبب سوء استعماله فانكسر لزمه الضمان.

خرج من قضايا اللقطة إلى أصل باب الأمانات، و بهذا تريد (المجلة) إعطاء الضابطة الكلية، و القاعدة الأصلية لضمان اليد، و تحرير ذلك ان يقال: ان تلف مال إنسان بيد غيره لا يخلو اما ان يكون حصوله بيده كان بإذن المالك أو بإذن الشارع أو بدون اذن واحد منهما، و على الثاني فهو ضامن مطلقا سواء كان بالتعدي أو بدونه، و الأول اما ان يكون الإذن اذن معاوضة أو إذنا مجردا، و الثاني لا يوجب الضمان الا مع التعدي، و الأول يقتضي الضمان مطلقا بالمثل أو القيمة بقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) فتحصل ان الاستيلاء على مال الغير لا يخلو من ثلاثة أنواع.

(الأول) ما خلى عن الاذن مطلقا، و يدخل فيه الغصب و السرقة و الجحود و التعدي عن الامانة و الغش و التدليس و أشباه ذلك، و هو كثير و حكمه الضمان مطلقا، و منه المال المقبوض اشتباها كما لو دفع القصار ثوب زيد لغيره فتلف في يده، و لزيد حق الرجوع به على القصار حينئذ إلا مع الغرور، و كذا لو تخيل ان مال زيد ماله فأخذه فتلف في يده فإنه ضامن له بقاعدة اليد.

ص: 18

(الثاني) ما كان عن اذن و لكن أذن معاوضة و هي أما على العين باعتبار ذاتها أو عليها باعتبار بعض شئونها، و من هذا النوع الإجارة و المزرعة و المساقاة و أضرابها، و هذه تلحق بالأمانات و لا ضمان فيها الا مع التعدي و التفريط، و من الأول المقبوض بالعقد الفاسد، و المقبوض بالسوم، و هو ضماني مطلقا للقاعدة المتقدمة (ما يضمن بصحيحة ..)

(الثالث) ما كان عن اذن مجرد عن كل معاوضة و هو باب الأمانات بجميع أنواعها شرعية أو مالكية، و من أظهر أنواع الثاني الوديعة و العارية، و من أظهر أنواع الأول اللقطة و مجهول المالك و باب الحسبة كقبض عدول المؤمنين للوقف الذي لا متولي له و مال اليتيم الذي لا قيم له، و الغائب الذي لا وكيل له، حيث لا يوجد الولي العام و هو الحاكم أو الى زمن إمكان مراجعته و لا ضمان في الجميع الا مع التعدي و التفريط.

هذا تمام أنواع الاستيلاء على مال الغير و أحكامها و منه تعرف عدم استيفاء (المجلة) لأنواع هذا البحث كما يتضح بما ذكرناه من الأمثلة المدرجة في هذه المادة بقولها مثلا- إذا أخذ شخص إناء بلور إلخ ..

(مادة: 772) الاذن دلالة كالاذن صراحة،

و اما إذا وجد النهي صراحة فلا عبرة بالإذن دلالة مثلا- إذا دخل شخص دار آخر باذنه فوجد إناء معدا للشراب فهو مأذون دلالة بالشرب به فإذا أخذ ذلك الإناء ليشرب به فوقع من يده و هو يشرب فلا ضمان عليه و اما إذا نهاه صاحب الدار عن الشرب به ثم أخذه ليشرب به فوقع من

ص: 19

يده و انكسر فيضمن قيمته.

و ملاك كل ذلك القواعد المقررة في الاستعمال، و أصول الفهم و التفاهم منها قاعدة تقديم النص على الظاهر و الأظهر على الظاهر.

ص: 20

«الباب الثاني» في الوديعة

اشارة

و يشتمل على فصلين

الفصل الأول في «بيان المسائل المتعلقة بعقد الإيداع و شروطه»

،،، الوديعة كما عرفت هي الأمانة الخاصة و أحسن تعريف لها انها استنابة في الحفظ و حيث انها تتقوم بطرفين و لا يتحقق أثرها بطرف واحد لذلك كانت من العقود المتوقفة على إيجاب و قبول كما في مادة «773» ينعقد الإيداع بالإيجاب و القبول صراحة أو دلالة، و لا إشكال في انعقاده بالقول الصريح مثل: أودعتك، أو: احفظها عني و يقول الآخر: قبلت، و باللازم اجعلها عندك أو صيرها مع أموالك و أمثال ذلك مما ذكرته «المجلة» مثلا- إذا قال صاحب الوديعة أودعتك هذا الشي ء أو جعلته امانة عندك، فقال المستودع: قبلت انعقد الإيداع صراحة، و كذا لو دخل شخص خانا فقال لصاحب الخان: اين أربط دابتي، فأراه محلا فربط الدابة فيه انعقد الإيداع دلالة، و كذلك إذا وضع رجل ماله في دكان فرآه صاحب الدكان

ص: 21

و سكت ثم ترك الرجل ذلك المال و انصرف صار ذلك المال عند صاحب الدكان وديعة، و أما لو رد صاحب الدكان الإيداع بأن قال لا اقبل فلا ينعقد الإيداع حينئذ، و كذا إذا وضع رجل ماله عند جماعة على سبيل الوديعة و انصرف و هم يرونه و بقوا ساكتين صار ذلك المال وديعة عند جميعهم فإذا قاموا واحدا بعد واحد و انصرفوا من ذلك المحل فبما انه يتعين حينئذ على من بقي منهم أخيرا يصير المال وديعة عند الأخير فقط كل ذلك حيث يكون السكوت دالا على الرضا و الالتزام فيكون وديعة معاطاتية و يترتب عليها الحكم التكليفي و هو وجوب الحفظ و الوديعة العقدية و المعاطاتية سواء في عدم اللزوم كما في مادة «774» لكل من المودع و المستودع فسخ عقد الإيداع متى شاء.

و إذا فسخ أحدهما وجب رد الوديعة ان طالب بها صاحبها كما هو حكم الأمانة المالكية فإذا طلبها و لم يدفعها الودعي صار بحكم الغاصب و ضمنها مطلقا، و حيث عرفت انها عقد فيتعبر فيها ما يعتبر في سائر العقود من كونها مقدورة التسليم من عاقلين بالغين أو مميزين كما نصت عليه مادة «775» يشترط كون الوديعة قابلة لوضع اليد عليها و صالحة للقبض فلا يصح إيداع الطير في الهواء.

إلا إذا كان مما تعوّد على العود.

و مادة (776) يشترط كون المودع و المستودع عاقلين مميزين و أما كونهما بالغين فليس بشرط فلا يصح إيداع المجنون و الصبي غير المميز

ص: 22

و لا قبولهما لهما الوديعة، و أما الصبي المميز المأذون فيصح إيداعه و قبوله الوديعة.

فلو أودع الصبي أو المجنون و قبض الودعي كان غاصبا و يضمن مطلقا، اما الإيداع عند الصبي أو المجنون فان وجدها صاحبها أخذها و ان تلفت فلا ضمان أصلا لأنه هو الذي أسقط حرمة ماله، اما لو كان جاهلا بجنونه أو عدم بلوغه فلا يبعد الضمان من ماله مطلقا و إذا مات أخذه من تركته.

«الفصل الثاني» (في أحكام الوديعة و ضمانها)
(مادة: 777) الوديعة امانة في يد الوديع

بناء عليه إذا هلكت بلا تعد من المستودع و بدون صنعه و تقصيره في الحفظ فلا يلزم الضمان الا انه إذا كان الإيداع بأجرة على حفظ الوديعة أو ضاعت بسبب يمكن التحرز منه لزم المستودع ضمانها مثلا- لو وقعت الساعة المودعة من يد الوديع بلا صنعه فانكسرت لا يلزم الضمان، اما لو وطئت الساعة بالرجل أو وقع من اليد عليها شي ء فانكسرت لزم الضمان.

ص: 23

لا نعرف وجها لهذا الاستثناء فان الامانة مطلقا يجب حفظها حسب الإمكان فإذا هلكت و كان يمكنه التحرز من هلاكها فهو مقصر في حفظها و يكون ضامنا سواء كان بأجرة أو بغير اجرة، و إذا هلكت و كان لا يمكنه التحرز فهو معذور و لا ضمان عليه، فأين موضع الاستثناء؟ ثم لا يخفى ان الوديعة و الأجرة لا يجتمعان و هو أشبه بجمع الضدين أو النقيضين كقضية الهبة و العوض فإن الوديعة مأخوذ في حقيقتها اعتبار المجانية كالهبة، اما إذا أخذت الأجرة على الوديعة- اي على حفظها- فقد خرجت عن كونها وديعة و دخلت في باب الإجارة و جرى عليه أحكامها فتدبر و لا يشبه عليك الأمر، و العين المستأجرة أيضا هي أمانة يجب التحرز عن هلاكها بكل ما يمكن فلو قصر في ذلك فهو ضامن لها كضمانة للوديعة.

اما الأمثلة التي ذكرتها (المجلة) فهي تختلف حسب الظروف و الأحوال و الخصوصيات المقامية، و ليس لها ضابطة كلية، فقد يكون وقوع الساعة من يد المستودع في بعض الأحوال تقصيرا أو تفريطا يوجب الضمان و قد لا يكون كما ان وطئها بالرجل أو وقوع شي ء من اليد فينكسر قد لا يكون تقصيرا و قد يكون.

كذلك إذا أودع رجل ماله عند آخر و أعطاه اجرة على حفظه فضاع بسبب يمكن التحرز منه كالسرقة فيلزم المستودع الضمان و في هذا المثال خلل من جهات أوضحها أن السرقة تختلف فقد تكون من تساهل المسروق و عدم أخذه بالاحتياط في التحفظ

ص: 24

فيكون تقصيرا موجبا للضمان، و قد تقع مع غاية التحفظ، فالإطلاق غير متجه كما انها في المورد الذي تكون فيه موجبة للضمان لا فرق بين إعطاء الأجرة و عدمه.

و هكذا الكلام في مادة (778) إذا وقع من يد خادم المستودع شي ء على الوديعة فتلفت لزم الخادم الضمان.

فان هذا الإطلاق ليس في محله بل قد يكون تفريطا فيضمن و قد لا يكون.

(مادة: 779) فعل ما لا يرضى به المودع في حق الوديعة تعد من الفاعل.

شاع عند الفقهاء في باب الأمانات استعمال لفظي التعدي و التفريط أو التقصير، و (المجلة) كأنها تريد إعطاء الضابطة للتعدي و لكن الضابطة التي ذكرتها مع إجمالها ناقصة بتراء فان ما لا يرضى به المودع ان صرح به في العقد لزم على الودعي ان لا يتجاوزه فلو خالفه كان تعديا و الا لا يكون تعديا فيما لو كان الودعي لا يعلم ما يوافق رضا المالك و ما لا يوافقه.

و (بالجملة) فهذه الضابطة قليلة الفائدة مع انها غير جامعة.

و (و تحرير البحث) ان التعدي أفعال، و التفريط تروك فلبس الثوب و ركوب الدابة بغير الاذن أو بغير المتعارف تعدي، فلو تلفت في ذلك الحال و لو تلفا سماويا كان ضامنا لخروجه عن الأمانة بالتعدي، و لكن إهمال حفظها و عدم وضعها في مكان حريز تروك و هي

ص: 25

توجب الضمان، و اليه ترجع أكثر الأفعال فإن أخذ الوديعة معه في السفر أو لبس الثوب و أضرابه و ان كانت أفعالا و لكن ترجع الى التقصير في الحفظ و ترك التحرز.

إذا فالضابطة الكلية، و القول الجامع، هو ان يقال: ان كلما يعد عرفا إهمالا، و تركا للتحفظ و التحرز، فهو تعد و تفريط، و هو يختلف باختلاف الزمان و المكان و الأشخاص، و أنواع الأمانات في الحفظ و الفيصل فيه العرف:

نعم لا اشكال ان شرط المودع لازم فلو تعداه كان تعديا سواء كان إهمالا بنظر العرف أم لا، و بعد هذا فلا حاجة بل لا فائدة في تكثير الأمثلة، و ان أخذ الامانة معه في السفر تعد أو تفريط، أو ليس كذلك؟ و كذا إذا وضع الدابة في الإصطبل و ترك الباب مفتوحا و كذا إذا وضع الثوب أو الجوهر في الغرفة و لم يضعه في الصندوق أو الخزانة و هلم جرا.

نعم لا ريب في انه لو أنكر الوديعة خرج عن الامانة و ضمر مطلقا، و لو رجع الى الاعتراف فهل ترجع صفة الامانة فلا يضمن لو تلفت بتلك الحال تلفا سماويا أو لا ترجع فيبقى الضمان على إطلاقه؟ المسألة في غاية الاشكال و الأول أقرب من حيث القواعد، و الثاني أحوط و اللّٰه اعلم.

اما لو كان الإنكار لمصلحة كدفع ظالم، أو رد تهمة، أو خوف سارق و ما أشبه ذلك، فهو عين الامانة.

ص: 26

«مادة: 780» الوديعة يحفظها المستودع بنفسه أو يستحفظها أمينه كمال نفسه فإذا هلكت في يده أو عند أمينه فلا ضمان عليه و لا على أمينه.

اعلم ان الأصل الاولى، و القاعدة الكلية، هي حرمة كل تصرف يتصرفه المستودع في الوديعة إلا مقدار ما نص عليه المودع و اذن فيه أو كان الإطلاق أو الانصراف يقتضيه، و معنى هذا ان كل تصرف يشك المستودع في حليته فهو حرام، و لو فعله مع الشك خرج عن الامانة، و صار ضامنا حتى مع عدم التعدي و التفريط، و عليه فالقدر المتيقن لحفظ بنفسه اما الحفظ بامينه من عيال أو غيرهم فان كان من غير دفعها لهم بل كانت في حوزته- كما لو وضعها في صندوقه أو خزانته- و أمرهم بالمحافظة عليها من غير دفع لهم و تسليم فلا ينبغي الإشكال في جوازه و لا ضمان عليه و لا عليهم لو تلفت من غير تفريط، اما تسليمها لهم بغير اذن صريح أو مع الشك في رضاه فغير جائز و لو كانوا أمناء و حينئذ فلو تلفت كانت مضمونة، و للمودع الرجوع على الودعي و على أمينه الذي تلفت عنده و هو يرجع على الودعي ان كان قد غره كما لو كان جاهلا، اما مع علمه فلا رجوع و يكون قرار الضمان عليه، اما لو رجع على الودعي فلا رجوع له على أمينه مع جهله و الا رجع عليه، و من كل هذا يظهر لك الخلل في عبارة (المجلة) بإطلاق قولها فإذا هلكت في يده أو عند أمينه فلا ضمان عليه و لا على أمينه.

(مادة: 781) للمستودع ان يحفظ الوديعة في المحل الذي يحفظ فيه ماله.

ص: 27

تختلف مواضع حفظ الأموال، باختلاف أنواع الأموال، فموضع حفظ الدابة و هو الإصطبل- مثلا- غير محل حفظ الثياب و هو الصندوق أو الدولاب، و محل حفظ الدراهم و الجواهر و هو الحقيقة و صندوق الحديد غير محل حفظ الكتب و هو الخزانة، و هكذا فالواجب على الودعي أن يحفظ الوديعة في المحل المتعارف لحفظها فلو تعداه ضمن، و المراد من المحل الذي يحفظ ماله هو هذا المعنى لا انه المحل الذي يحفظ ماله و ان لم يكن من المتعارف حفظها فيه فلو تسامح في ثيابه فوضعها في الغرفة و حقها ان تحفظ في الخزانة كان ضامنا كما لا يجوز له ان يضع الوديعة أيضا في الغرفة كما هو واضح، و لو كانت داره خربة أو قصيرة الجدران فاللازم وضعها في دار اخرى و هكذا سائر الجهات و الى ما ذكر تنظر مادة (782) يلزم حفظ الوديعة في حرز مثلها، بناء عليه وضع مثل النقود و الجوهرات في إصطبل الدواب أو التبن تقصير في الحفظ و بهذه الحال إذا ضاعت الوديعة أو هلكت لزم الضمان.

(مادة: 783) إذا كان المستودع جماعة متعددين

فان لم تكن الوديعة قابلة للقسمة يحفظها أحدهم بإذن الباقين أو يجعلونها مناوبة و بهاتين الصورتين إذا هلكت الوديعة بلا تقصير فلا ضمان على أحدهم و ان كانت قابلة للقسمة يقسمها المستودعون بينهم بالسوية و كل منهم يحفظ حصته منها، و بهذه الصورة ليس لأحدهم أن يسلم

ص: 28

حصته لمستودع آخر بدون اذن المودع.،

الميزان الصحيح هنا- هو ما أشرنا إليه من ان المدار على مقدار ما يستفاد من اذن المودع و رخصته لا على قضية قابلية الوديعة للقسمة و عدم قابليتها فإنه مما لا اثر له في المقام أصلا، فإن ظهر من مقال أو حال انه يريد التوزيع أو الشركة على نحو المجموع أو الجميع البدلي أو الشمولي لزم ذلك و لا يجوز التعدي، اما لو لم يظهر خصوص بعض الوجوه فالإطلاق يقتضي وجوب تحري الأصلح في حفظها عليهم جميعا، فان وجدوا القسمة أصلح قسموها مع الإمكان و الا فالمناوبة أو غيرها من الأساليب و لا ضمان عليهم لو تلفت بغير تفريط و أقصى ما عليهم اليمين انهم قد تحروا الأصلح بقسمة أو غيرها، و مع تعين القسمة من إطلاق أو تقييد فلو دفع أحدهم حصته للآخر و هلكت من غير تعد فهل يضمن أولا؟ و على الأول فعلى من يكون الضمان على المسلم أو المستلم؟ أما أصل الضمان فلا ينبغي الإشكال في لزومه و ان نسب الى بعض فقهاء المذاهب عدمه، و لعله في غير صورة التقييد، و اما الضامن فقد جعلته (المجلة) المسلم حيث قالت:

و إذا سلمها فهلكت في يد المستودع الآخر بلا تقصير منه فلا يلزمه الضمان، بل يلزم الذي سلمه إياها ضمان حصته منها.

و يعلل ذلك بان المستلم أمين المسلم عند أبي حنيفة- و الأمين لا يضمن.

و لو صح هذا لاقتضى سقوط الضمان عنهما معا، فان المسلم أيضا

ص: 29

أمين للمالك المودع، و لكنه لما خرج عن الأمانة بالمخالفة صارت يده و ما يتفرع عنها من الأيدي ضمانية و المالك حينئذ- كما عرفت- مخير بين الرجوع على أى شاء منهما على قاعدة توارد الأيادي أو الأيدي، أما رجوع أحدهما على الآخر فقد عرفت قريبا بيانه.

(مادة: 784) الشرط الواقع في عقد الإيداع إذا كان ممكن الاجراء و مفيدا يكون معتبرا و الا فهو لغو

الذي تقتضيه القواعد كما سبق قريبا ان كل شرط يشترطه المالك المودع و يقبله الودعي و هو مقدور فهو لازم سواء كان مفيدا أو غير مفيد لان العقد وقع على هذه الصفة فيلزم العمل به و ما عداه لا رخصة فيه و لا اذن من المالك فيكون حراما و ضامنا، و لكن القوم لما كان باب الاستحسان مفتوحا عندهم على مصراعيه و كثيرا آخذون بالاستحسان و يطرحون النص فما نحن فيه يوشك ان يكون من هذا القبيل، و هو اجتهاد في مقابلة النص، و على كل فالحق هو الضمان إذا تخطى مورد الشرط، الا مع العجز عن العمل على حد ان (الضروريات تبيح المحظورات) نعم لو اشترط شرطا و تبين انه لو عمل الودعي به لا وجب تلف العين يمكن القول بلغويته و عدم وجوب اتباعه على تأمل أيضا، و لعل من هذا القبيل ما ذكرته (المجلة) بقولها:

مثلا إذا كان قد شرط وقت العقد ان يحفظ المستودع الوديعة في داره فنقلها المستودع الى محل آخر بسبب وقوع حريق في داره لا يعتبر ذلك الشرط، و بهذه الصورة

ص: 30

إذا نقلها فهلكت بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان، و كذا إذا أمر المودع المستودع بحفظ الوديعة و نهاه عن ان يسلمها لزوجته أو ابنه أو خادمه أو لمن يأمنه على حفظ مال نفسه فإذا كان ثمة أمر مجبر على تسليم الوديعة لأحد هؤلاء كان ذلك النهي غير معتبر، و بهذه الصورة أيضا إذا هلكت الوديعة بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان، و إذا سلمها بلا مجبورية فهلكت لزمه الضمان، كذلك إذا شرط ان تحفظ في حجرة معينة فحفظها المستودع في حجرة غيرها فان كان حجر تلك الدار متساوية في الحفظ لا يكون ذلك الشرط معتبرا، و حينئذ إذا هلكت الوديعة فلا ضمان و أما إذا كان بين الحجر تفاوت كان كانت احدى الحجر بنيت بالأحجار و الأخرى بالأخشاب فيعتبر الشرط و يكون المستودع مجبورا على حفظها في الحجرة التي تعينت وقت العقد و إذا وضعها في حجرة دون تلك الحجرة في الحفظ فهلكت يكون ضامنا.

فان الحريق في المثال الأول، و المجبورية المفروضة في الثاني يصلح ان يكون وجها لمخالفة الشرط، نظرا الى ان مثل هذه الشروط مقيدة بقيد عقلي ارتكازي، فإن اشتراط وضعها بالدار مقيد بما إذا كانت الدار احفظ لها، و كذا حفظه بنفسه، أما مع اليقين بتلفها لو بقيت في الدار فلا محل للشرط، و لكن لا يتم هذا في المثال الثالث فإنه إذا عين حجرة تعينت سواء تساوت الحجر أو اختلفت.

نعم لو حصل اليقين بان بقاءها في تلك الحجرة يوجب تلفها جاز أو وجب مخالفة الشرط، اما لو تساوى بقاؤها و نقلها تعين بقاؤها بالشرط

ص: 31

فتدبره جيدا.

(مادة: 785) إذا كان صاحب الوديعة غائبا غيبة منقطعة

بحيث لا يعلم موته و لا حياته يحفظها المستودع الى ان يعلم موت صاحبها أو حياته.

و لا يجوز ان يسلمها للوارث و لا لغيره، نعم يجوز ان يسلمها لحاكم الشرع لولايته العامة و قد يتعين ذلك كما لو كانت مما يفسد بالمكث و دار الأمر بين ان تملك أو تباع و يحفظ ثمنها، فان اللازم دفعها اليه ليتولى ذلك، كل هذا حيث لا يكون للمودع وكيل خاص و الا وجب دفعها اليه لا لحاكم الشرع، و لو كان بقاؤها يفضي الى هلاكها فلم يبعها و لم يدفعها لحاكم الشرع أو لوكيله الخاص ضمن بلا اشكال لتقصيره فلا وجه لما ذكرته (المجلة) بقولها في ذيل هذه المادة:

إلا أنه إذا كانت الوديعة مما يفسد بالمكث فيبيعها المستودع بإذن الحاكم و يحفظ ثمنها امانة عنده، لكن إذا لم يبعها ففسدت بالمكث لا يضمن.

(مادة: 786) الوديعة التي تحتاج إلى النفقة كالخيل و البقر نفقتها على صاحبها،

و إذا كان صاحبها غائبا فيرفع المستودع الأمر إلى الحاكم، و الحاكم حينئذ يأمر بإجراء الأنفع و الأصلح في حق صاحب الوديعة فإن كان يمكن إيجار الوديعة يؤجرها المستودع برأى الحاكم و ينفق عليها من أجرتها أو يبيعها بثمن مثلها، و إذا لم يمكن

ص: 32

إيجارها فيبيعها فورا بثمن المثل، أو ينفق عليها المستودع من ماله ثلاثة أيام ثم يبيعها بثمن مثلها، ثم يطلب نفقة تلك الأيام الثلاثة من صاحبها و إذا أنفق عليها بدون اذن الحاكم فليس له مطالبة صاحبها بما أنفقه عليها.

فلو تعسر أو تعذر مراجعة الحاكم و لم يتبرع هو و لا غيره مجانا أو بالعوض باعها بنفسه و أشهد عدلين على البيع و الثمن، و التقييد بثلاثة أيام لا وجه له، كل ذلك في الغيبة المنقطعة، أما مع إمكان مراجعة المودع و إنذاره فان لم يرسل النفقة- إلى ثلاثة أيام أو أكثر حسب اختلاف الموارد- راجع المستودع الحاكم- الى آخر ما سبق.

(مادة: 787) إذا هلكت الوديعة أو نقصت قيمتها بسبب تعدي المستودع أو تقصيره لزمه الضمان،

مثلا- إذا صرف المستودع نقود الوديعة في أمور نفسه أو استهلكها ضمنها، و بهذه الصورة إذا صرف النقود التي هي أمانة عنده على الوجه المذكور ثم وضع بدل تلك النقود في الكيس المعد لها فهلكت أو ضاعت و هو ذاهب بها ضمن قيمتها سواء كان هلاكها بسبب سرعة السير فوق الوجه المعتاد أو بسبب آخر أو بلا سبب، و كذا يضمنها إذا سرقت، و كذا إذا وقع حريق و لم ينقل الوديعة إلى محل آخر مع قدرته على ذلك فاحترقت ضمنها.

هذا كله مما لا اشكال فيه، انما فيما لو خرج عن الامانة و تاب و أعاد بدلها مثلا أو قيمة كما في (المجلة): ثم وضع بدل تلك

ص: 33

النقود في الكيس المعد لها إلخ .. فلو تلفت بعد ذلك بدون تعد فهل يضمنها لارتفاع الائتمان بذلك أو لا يضمن لأنها عادت بالقصد الثاني- قضية مشكلة- و التحقيق فيها انك عرفت قريبا ان الأمانات على ثلاثة أنواع.

الأول ما يكون القبض لمصلحة المالك فقط كالوديعة، و الوكيل بلا أجرة، و عارية الرهن، و ما في هذا السبيل.

و هذا النوع مما تكون به يد القابض كيد المالك لا ينبغي الإشكال في عدم ضمانه لو صدقه المالك بالتلف و ادعى عليه التقصير فليس عليه الا اليمين، و مثل هذا فيما لو ادعى السرقة أو الرد أو نحوهما فان القول قوله بيمينه في جميع ذلك لانه محسن و أمين و (مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) الا ان يثبت خلاف ما يقول بالبينة.

الثاني-: ما يكون لمصلحة القابض فقط، و القول هنا أيضا قول المالك لا القابض عكس الاولى، فلو خان المستعير ثم عاد لا يرتفع الضمان عنه، لانه صار كالغاصب، و صارت يده ضمانية و لا سبب لعود تلك اليد الزائلة و (الزائل لا يعود) و هذا أيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، انما الإشكال في:

الثالث-: و هو ما كان القبض فيه لمصلحة الطرفين و ذلك كالإجارة و المضاربة و الوكالة بالأجرة و ما جرى على هذا النهج، فلو تعدى المستأجر في العين المستأجرة ثم عاد الى ما استحقه بالعقد أو شرط عليه شرطا فخالفه ثم عاد الى العمل به، ثم تلفت بغير تفريط فهل يضمنها

ص: 34

لانه صار كالغاصب أو لا لانه عاد إلى الأمانة؟ المسألة جد مشكلة، و الذي ظهر لي من التتبع في كلمات فقهائنا انهم لا يرتبون احكام الامانة أصلا على هذين القسمين، حتى قبل المخالفة، فلو ادعى السرقة أو الرد أو النقص يلزمه الإثبات و لا يقبل قوله بيمينه، بل القول قول المالك، و لا يقبل قول الأمين إلا في القسم الأول الذي هو محسن و أمين نعم لو ادعى المالك عليه التفريط بعد تصديقه في التلف أمكن الحكم بقبول قوله بيمينه في جميع الأقسام الثلاثة، و وجه الفرق بين هذا و بين تلك واضح يظهر بالتأمل.

(مادة: 788) خلط الوديعة بمال آخر بحيث لا يمكن تمييزها و تفريقها عنه، بدون اذن المودع يعد تعديا،

بناء عليه لو خلط المستودع دنانير الوديعة بدنانير له أو دنانير وديعة عنده لآخر متماثلة بلا اذن فضاعت أو سرقت لزمه الضمان، و كذا لو خلطها غير المستودع على الوجه المشروح ضمن الخالط.

«تحرير هذا» ان فاعل الخلط اما المالك المودع أو المستودع أو الأجنبي فإن كان هو المالك فقد أبطل الإيداع و برئت ذمة المستودع من العهدة، و ان كان هو المستودع أو الأجنبي فلا يخلو اما ان يكون بالمماثل جنسا المساوي قيمة أو الأعلى أو الأدنى و اما ان يكون بالمغاير جنسا و على كل التقادير اما ان يمكن التمييز و الإفراز، أو يتعذر أو يتعسر، فان كان الخلط بالجنس المساوي قيمة كخلط الحنطة بالحنطة المساوية، أو الدراهم بالدراهم، فالامانة بحالها إذ

ص: 35

لم يحدث بنظر العرف ما ينافي الحفظ فيقسمها و تبقى وديعة كما كانت و لو تلفت بلا تفريط لم يضمن، و ان كان بالجنس المتفاوت كحنطة جيده برديئه أو العكس فإن أمكن القسمة بالنسبة كثلث و ثلثين فكالأول و الا فكالخلط بالمغاير إن أمكن التمييز تعين كخلط الحنطة بالشعير الذي يمكن إفراز أحدهما بالماء فالشعير يطفو و الحنطة ترسب حيث لا يضر الماء و ان لم يمكن كان بحكم التلف و يتخير المودع حينئذ بين تغريم المستودع أو الأجنبي المثل أو القيمة أو البقاء على الشركة مع تغريمه أرش النقيصة أو عيب الشركة، و إذا غرم المثل أو القيمة صار المستودع أو الأجنبي شريكا مع صاحب المال المختلط انتقالا قهريا أو شركة قهرية هذا إذا بقي المال المختلط اما لو تلف بعد الخلط فالخالط ضامن للمودع مطلقا، سواء كان هو المستودع أو الأجنبي، لأن المستودع بتصرفه الغير المأذون به خرج عن الامانة و صار ضامنا، و لا ينافيه عدم الضمان لو تلفت بعد القسمة لأن الأمانة تعود بعد القسمة و إفراز المالين فليتدبر.

ثم ان الخلط و الامتزاج اما ان يكون اختياريا أو قهريا و الاختياري اما ان يكون بإذن المودع أو بغير إذنه، اما بغير اذنه فقد تقدم و اما الواقع بإذنه أو قهرا فهو ما أنبأت عنه.

(مادة: 789) إذا خلط المستودع الوديعة بإذن صاحبها على الوجه الذي ذكر في المادة السابقة

أو اختلطت مع مال آخر بدون صنعه بحيث لا يمكن تفريق أحد المالين عن الآخر، مثلا-

ص: 36

إذا تهرى الكيس الذي فيه دنانير الوديعة داخل صندوق فيه دنانير أخر للمستودع مماثلة لها فاختلط المالان اشترك صاحب الوديعة و المستودع بمجموع الدنانير كل منهما على قدر حصته، و بهذه الصورة إذا هلكت أو ضاعت بلا تعد و لا تقصير فلا يلزم الضمان.

و حاصلها ان الوديعة إذا اختلطت بمال المستودع أو غيره بإذن المودع أو قهرا صارت شركة اختيارية أو قهرية و حكم الشركة ان تلفت- كلا أو بعضا- يكون على الشريكين و لا يضمن أحدهما للآخر إلا مع العدوان و حيث لا عدوان فلا ضمان.

و قد اختلفت مذاهب القوم، فالمنسوب الى أبي حنيفة: ان المال كله يكون للمستودع أو الأجنبي و يضمن حصة المودع و صاحبه أبو يوسف يقول: ان الكل يكون تابعا للأكثر و صاحبه يملك الجموع و يغرم للآخر.

و كلها أقاويل عارية عن الدليل، و الحق ما ذكرناه في الشركة و تجري في الفرض المزبور أحكامها.

(مادة: 790) ليس للمستودع إيداع الوديعة عند آخر بدون اذن و إذا أودعها فهلكت صار ضامنا،

ثم إذا كان هلاكها عند المستودع الثاني بتقصير أو تعد منه فالمودع مخير ان شاء ضمنها للمستودع الأول و ان شاء ضمنها للثاني فإذا ضمنها للمستودع الأول فيرجع على الثاني بما ضمنها.

ظاهر العبارة ان الضمان على المستودع الأول فقط و هو قول

ص: 37

الحنفية، لأن الثاني أمين الأول فلا رجوع عليه لا من المودع و لا من المستودع، أما بقية فقهاء المذاهب فقد ذهبوا إلى أن المودع مخير بين الرجوع على الأول أو الثاني، فإن رجع على الثاني رجع الثاني على الأول و لا عكس، و هو قول الإمامية قاطبة، على قاعدة توارد الأيدي على العين الواحدة، هذا إذا هلكت عند الثاني بغير تفريط، اما لو هلكت بتفريطه أو تعديه فللمودع الرجوع على كل منهما اتفاقا و قرار الضمان على الثاني كما صرحت هذه المادة

(مادة: 791) إذا أودع المستودع الوديعة عند آخر

بإذن المودع خرج المستودع الأول من العهدة و صار الثاني مستودعا.

فلا رجوع على الأول لو تلفت عند الثاني مطلقا.

(مادة: 792) كما انه يسوغ للمستودع استعمال الوديعة بإذن صاحبها فله ان يؤجرها أو يعيرها و ان يرهنها أيضا،

و اما لو آجرها أو أعارها لآخر أو رهنها بدون اذن صاحبها فهلكت أو نقصت قيمتها في يد المستأجر أو المستعير أو المرتهن ضمن لو اختصر كل ذلك بكلمتين لكان أصح و أفصح فقال: كل تصرف من استعمال أو عقد على الوديعة بإذن صاحبها نافذ و بدونه باطل بل و ضامن ان دفعها الى المستأجر أو المستعير، و لا حاجة الى هذه التطويلات المملة أو المخلة مثل:

(مادة: 793) إذا أقرض المستودع دراهم الوديعة لآخر بلا اذن و لم يجز صاحبها ضمنها المستودع،

و كذا

ص: 38

لو أدى المستودع دين المودع الذي بذمته من الدراهم المودعة التي بيده فلم يرض المودع ضمن أيضا.

(مادة: 794) يلزم رد الوديعة إلى صاحبها إذا طلبها

و مئونة الرد و التسليم اي مصارفهما و كلفتهما عائدة إلى المودع و إذا طلبها المودع فلم يسلمها له المستودع و هلكت أو ضاعت ضمنها المستودع لكن إذا كان عدم تسليمها وقت الطلب ناشئا عن عذر كان تكون حينئذ في محل بعيد ثم هلكت أو ضاعت فلا يلزم الضمان.

عرفت قبلا ان الوديعة أمانة مالكية فلا يجب ردها الا مع الطلب بنفسه أو وكيله فيردها له أو لوكيله في خصوص الرد و كان ينبغي ان يضم إليها.

[مادة: 795] يرد المستودع الوديعة بذاته أو على يد أمينه

و إذا أرسلها و ردها بواسطة أمينه فهلكت أو ضاعت قبل وصولها للمودع بلا تقصير فلا ضمان

(مادة: 796) إذا أودع رجلان مالا مشتركا لهما عند شخص

ثم جاء أحد الشريكين في غيبة الآخر و طلب حصته من المستودع فان كانت الوديعة من المثليات إعطاء المستودع حصته و ان كانت من القيميات لا يعطيه إياها.

منع أبو حنيفة من إعطاء أحدهما بدون حضور الآخر مطلقا و فصل صاحباه هذا التفصيل، و لعل نظرهما الى ان إعطاء حصته من المثلي كالطعام و نحوه لا ضرر فيه و قسمته ممكنة بسهولة بخلاف القيمي

ص: 39

كالعبد و الجوهر، و يؤخذ عليهما ان اللازم حينئذ جعل المدار على إمكان القسمة و عدمها لا على المثلي و القيمي إذ رب مثلي لا يمكنه كالثوب و نحوه.

و على كل فالحق هو المنع مطلقا لأن إعطاء حصة أحدهما قسمة و المستودع حسب الفرض غير مفوض عليها و لا مأذون بها فيضمن نعم لو اذنا له في ذلك صح بلا اشكال، و لو دفع لأحدهما حصته في صورة عدم الجواز فتلفت اشترك الاثنان في الباقي و استقر الضمان على من تلفت الحصة في يده و يشتركان أيضا في بدلها.

(مادة: 797) يعتبر مكان الإيداع في تسليم الوديعة

مثلا- لو أودع مال في (استانبول) يسلم في (استانبول) أيضا و لا يجبر المستودع على تسليمه في «ادرنه». و هذا واضح.

(مادة: 798) منافع الوديعة لصاحبها

مثلا- نتاج حيوان الوديعة- أي فلوه و لبنه و شعره- لصاحب الحيوان.

هذا واضح لان منافع العين لمالكها و لا فرق في ذلك بين المنافع العينية كاللبن و الصوف و النتاج و بين الاعتبارية كسكنى الدار و ركوب الدابة.

و من الغريب هنا قول بعض الشراح.

أما غير المتولدة كبدل الإيجار فهي إلى المستودع فإذا آجر المستودع الوديعة و أخذ أجرتها تكون له دون المودع و ان كانت غير طيبة و كذا إذا اتجر المستودع بالنقود المودعة و ربح بها فالربح له دون

ص: 40

المودع ا ه.

(مادة: 799) إذا كان صاحب الوديعة غائبا ففرض الحاكم من الدراهم نفقة

لمن يلزم صاحب الوديعة الإنفاق عليه بطلبه فصرف المستودع تلك النفقة المفروضة من الدراهم المودعة لا يلزم الضمان، و أما إذا صرف بدون أمر الحاكم فيضمن.

و من المعلوم ان الحاكم لا يحكم بهذا الحكم الا بعد تحقق مقدمات.

(منها) استحقاق النفقة.

و (منها) عدم إمكان مراجعة المودع.

و (منها) عدم وجود مال آخر له و هكذا.

كما انه لو تعذر أو تعسر مراجعة الحاكم كان لنفس المستودع ان ينفق منها على واجب النفقة و لكن مع أخذ الوكيل على دفع بدلها لو تبين ان المودع كان قد دفع النفقة أو كان المنفق عليه غير مستحق.

(مادة: 800) إذا عرض للمستودع جنون بحيث لا نرجي إفاقته

و لو صحوه منه و كان قد استودع مالا قبل جنونه ثم لم يوجد عنده المال المذكور بعينه كان للمودع ان يعطي كفيلا ماليا و يضمنها من مال المجنون، ثم إذا أفاق المجنون فادعى رد الوديعة لصاحبها أو هلاكها بلا تعد و لا تقصير يصدق بيمينه و يسترد ما أخذ من ماله بدل الوديعة.

هذه القضية الفرضية مرجعها الى الحاكم الذي هو ولي المجنون و هي منوطة إلى نظره، و كل تصرف يكون في ماله من غير اجازة الحاكم

ص: 41

فهو حرام باطل حتى لو وجد المودع عين ماله- أي الوديعة- لا يجوز له أخذها إلا بمراجعة الحاكم على الأحوط الا في بعض الصور.

(مادة: 801) إذا مات المستودع و وجدت الوديعة عينا في تركته تكون امانة في يد وارثه فيردها لصاحبها

و اما إذا لم توجد عينا في تركته فإن أثبت الوارث ان المستودع قد بين حال الوديعة في حياته كان قال: رددت الوديعة لصاحبها، أو قال: ضاعت بلا تعد، فلا يلزم الضمان، و كذا لو قال الوارث: نحن نعرف الوديعة، و فسرها ببيان أوصافها ثم قال: انها هلكت، أو ضاعت بعد وفاة المستودع، صدق بيمينه و لا ضمان حينئذ، و إذا مات المستودع بدون ان يبين حال الوديعة يكون مجهلا فتؤخذ الوديعة من تركته كسائر ديونه، و كذا لو قال الوارث، نحن نعرف الوديعة بدون ان يفسرها و يصفها لا يعتبر قوله: انها ضاعت، و بهذه الصورة إذا لم يثبت انها ضاعت يلزم الضمان من التركة.

لا ريب ان الوديعة كالوكالة تبطل بموت كل من المودع و المستودع و حينئذ يجب على وارث المستودع بمجرد موته ان يرد العين الى المودع كما يجب على نفس المستودع ان يردها على وارث المودع لو مات لأنها خرجت عن الأمانة المالكية و صارت شرعية فلو لم يبادر الى ردها و تلفت ضمنها مطلقا حتى مع عدم التعدي و لا يصدق بدعوى التلف من غير تفريط حتى مع يمينه بل يلزمه الإثبات لو ادعى عدم التقصير في المبادرة على تأمل

ص: 42

و على كل فإطلاق (المجلة) انها تكون امانة في يد وارثه على إطلاقه غير سديد.

و كذا قولها: لو قال الوارث نحن نعرف الوديعة و فسرها إلخ.

فلو مات المستودع و لم يعلم حال الوديعة لا تؤخذ من تركته الا بعد إقرار الورثة أو إثباتها عند حاكم الشرع و يمين المودع انه لم يسترجعها

(مادة: 802) إذا مات المودع تسلم الوديعة لوارثه

لكن لو كانت التركة مستغرقة بالدين فيرفع الأمر إلى الحاكم فان سلمها المستودع الى الوارث بدون اذن الحاكم فاستهلكها هو ضمن المستودع.

(مادة: 803) الوديعة إذا لزم ضمانها

فان كانت من المثليات تضمن بمثلها و ان كانت من القيميات تضمن بقيمة يوم لزوم الضمان.

عرفت مكررا انهم قسموا الأموال إلى مثلية و قيمية، و حكموا بأن المثلي يضمن بالمثل و القيمي بالقيمية، و عرفوا كلا منهما بتعاريف لا تخلو من نقاش، و ذكرنا ما عندنا في هذا الموضوع، و ان الأصل في ضمان كل مال هو المثل، فحيث يوجد مثله وجب مثليا كان أو قيميا و الا وجبت القيمة أيضا كذلك راجع (الجزء الأول) و لو أودع عنده سند الدين أو قبالة المهر أو صك ملكية الدار أشكل قضية الضمان، و لكن إذا كان ضياع السند يوجب فوات الدين و جحود الدائن فيمكن دعوى لزوم ضمان الدين عليه لانه قد فات

ص: 43

عليه بسببه و ان كان لا يخلو من اشكال.

و قد أهملت (المجلة) على عادتها مسائل الخلاف و التخاصم بين المودع و المستودع و غيرها و ها نحن نذكر المهم في مواد.

(1) لو ادعى في المال الذي بيد شخص أنه وديعة فأنكر فالقول قوله بيمينه.

(2) لو اعترف بالوديعة و ادعى الرد أو التلف أو عدم التفريط أو الإنفاق عليها لحفظها أو اجرة نقلها الى مكان حريز، أو ما يجرى هذا المجرى، ففي كل ذلك القول قول المستودع لما عرفت من انه محسن و أمين فيصدق بيمينه و ان كان مدعيا و لكن خرج عن قاعدة المدعي بالإحسان.

(3) لو أنكر الوديعة ثم اعترف بها و ادعى التلف لم يقبل قوله و عليه الإثبات لأنه خرج بالجحود عن الائتمان، و لكن لو ادعى ان الجحود كان لنسيان أو غرض آخر معقول يحلف على ذلك و على التلف أو الرد و يبرأ من الضمان، و هكذا لو ادعى الرد ثم ادعى التلف أو العكس (4) لو اعترف ان المال لزيد و لكنه ادعى الوديعة و تلف بلا تفريط فلا ضمان، و لو ادعى زيد انه قد غصبه منه فالقول قول المقر بيمينه، و على مدعي الغصب الإثبات.

(5) لو اعترف انه له و لكنه عارية يملك منافعها و ادعى المالك انه وديعة فمنافعها له فالقول قول مدعي العارية بيمينه على تأمل (6) لو اعترف انه له و ادعى المالك انه إجارة و ادعى

ص: 44

المعترف أنه وديعة فالقول قوله بيمينه.

(7) لو كان له عليه دين و له عنده وديعة بقدره فدفع ذلك المبلغ و قال: هو دينك و الوديعة تلفت يقبل قوله بيمينه.

(8) لو ادعى اثنان ان العين التي هي بيد زيد وديعة لهما فاما ان يصدقهما فيدفعها لهما أو يعترف بها لأحدهما المعين أو المردد أو ينكرهما معا، فان اعترف بها لمعين دفعها له و انحصرت بينه و بين الآخر الدعوى ان ادعى كل منهما الاختصاص و الا اشتركا.

و ان اعترف لأحدهما المردد بقيت بيده الى ان تنتهي الدعوى بينهما فيدفعها لمن حكم له الحاكم، و ان أنكرهما معا توجه اليمين عليه لكل واحد منهما، فان لكل حلفا و كان المال بينهما ان ادعيا الاشتراك، و الا بقي بيده أو يدفعه للحاكم الى ان تنتهي الخصومة بينهما، و ان حلف لواحد و نكل عن الآخر حلف و أخذ المال، و لو نكل حلف الآخر و أخذه (9) لو تنازعا فقال أحدهما للآخر: ان الذي دفعته لي هو ديني عليك، و قال الآخر: بل هو وديعة يلزمك ان تردها لي و المسألة لا تخلو من غموض و لا يبعد ترجيح قول مدعي الوديعة لأصالة عدم الدين و لاعترافه بان يده متفرعة و مسبوقة بيد الآخر، و مع ذلك فهي محتاجة إلى التأمل.

و لعل هناك صورا اخرى للخلاف و في ما ذكرنا كفاية.

ص: 45

الباب الثالث (في العارية)

اشارة

(و يشتمل على فصلين)

(الفصل الأول) في (المسائل المتعلقة بعقد الإعارة و شروطها)
اشارة

[و هاهنا مباحث]

(الأول) ان (المجلة) أدمجت العارية في مباحث الوديعة،

و جعلتها- أي العارية- بابا من أبواب الوديعة نظرا للقدر الجامع بينهما، و انهما من أصل واحد- و هو الامانة- و غفلوا عن البون الشاسع بينهما، و الفرق العظيم، و ان الوديعة ضد العارية تماما ضرورة أن الوديعة ائتمان المالك، و العارية ائتمان لمصلحة القابض و لهذا اختلفا في الأحكام فدعوى الرد يقبل باليمين في الوديعة، و لا يقبل في العارية، و كذا دعوى التلف و نحوه.

و «الحاصل» الاولى أفراد العارية بكتاب مستقل كما صنعه

ص: 46

عامة فقهائنا، و هذا سهل لا أهمية له، انما المهم و المشكل جدا معرفة ان العارية عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول، أو هو إيقاع يكفي فيه الصيغة من المالك، و لعل هذا يبتني على قضية تعرف حقيقة هذا العقد و انه هل هو تمليك المنافع أو إباحة و رخصة في الانتفاع لا غير فهي على الأول عقد و على الثاني إيقاع، و عند تدقيق النظر، و تعمق الفكر لا تجد العارية عند العرف تفيد أكثر من جواز الانتفاع لا أقل و لا أكثر و ليس لها نظر الى قضية التمليك أصلا، و كذا لو ان المستعير وهب المنافع أو صالح عليها أو نقلها بغير اذن المالك أو إجازته إلى الغير بأحد الأسباب الناقلة كان ذلك عدوانا منه و عملا باطلا، و لو انه ملك المنافع بالعارية لجاز له كل ذلك فليتدبر.

(الثاني) انهم ذكروا ان (العارية) تشدد و تخفف- من التعاور

بمعنى التداول من يد الى يد مثلها العارة و الجمع عواري و فعلها اعتور أو من أعاره اعارة بمعنى أخذه و ذهب بسرعة و ربما رجع الى الأول أو من عراه بمعنى قصده أو من العار و هو اروهن الجميع فان العار بائي و العارية و أوى و لذا تجمع على عواري و لا يحسن اطالة البحث في هذا فان معنى العارية استعمالا عند الشرع و العرف اجلى من كل تلك المآخذ، و له اطلاقان (أحدهما) عند المتشرعة اعني الفقهاء حيث يقولون كتاب العارية و احكام العارية و أمثال ذلك فإنهم يريدون به ذلك العقد أو الإيقاع الذي يفيد تمليك المنافع أو إباحتها مجانا (ثانيهما) عند

ص: 47

العرف حيث يقولون هذا الثوب عارية و هذا الكتاب مستعار أو عارية و يريدون به العين التي أباح المالك منافعها أو ملكها لغيره مجانا فهي تطلق على اسم المعنى مرة و على اسم العين اخرى و أصح مأخذها التعاور بمعنى التداول سواء جعلناها مصدرا أو اسم مصدر أو اسم عين.

(الثالث) ان الظاهر من مصاديق العارية المتداولة بين الناس انها إباحة الانتفاع بالعين مجانا

فهي إلى الإيقاع أقرب منها الى العقد و لكن المشهور بين الفريقين انها من العقود و هو صريح المجلة مادة «804» الإعارة تنعقد بالإيجاب و القبول و بالتعاطي مثلا لو قال شخص لآخر أعرتك مالي هذا أو قال أعطيتك إياه عارية فقال الآخر قبلت أو قبضه و لم يقل شيئا أو قال رجل لإنسان أعطني هذا المال عارية فأعطاه إياه انعقدت الإعارة، و هذا هو الذي يظهر من «المحقق» في الشرائع حيث قال رضوان اللّٰه عليه: و هي عقد ثمرته التبرع بالمنفعة- و لكنه أصاب حيث قال في آخرها: و لا يجوز اعارة العين المستعارة إلا بإذن المالك و لا إجارتها لأن المنافع ليست مملوكة للمستعير و ان كان له استيفاؤها (انتهى) و قد رد بهذا كل من توهّم أو عبر عن العارية بأنها تمليك المنفعة للمستعير و من تأمله وجده كالصريح في ان حقيقتها إيقاع و ان وقعت بصورة العقد و اشتملت على الإيجاب و القبول فإنه صورة عقد لا عقد حقيقة و لا ينبغي الريب في هذا كما لا ريب في جريان المعاطاة فيها عقدا كانت أو إيقاعا فالعقد يقع كما تشعر به هنا عبارة «المجلة»

ص: 48

بكل ما دل عليها من الألفاظ شأن العقود الجائزة عموما و ان كان أقصى ما تنتهي العارية إليه هو الأذن- و الاذن لا يحتاج إلى إيجاب و قبول، و أيضا فإن العقود التزامات و تعهدات و العارية لا التزام فيها و لا تعهد نعم لا مانع من وقوعها بصورة العقد كما عرفت. و من الغريب ان السيد الأستاد قدس سره في (العروة) تردد في جملة من العقود التي لا ينبغي الريب في عقيدتها كالضمان و الحوالة و الوكالة ثم جزم أخيرا بأنها إيقاعات و لم يذكر العارية منها و هي أحق بالذكر و الجزم بكونها إيقاعا أما تلك العقود فلا ريب في كونها عقودا و لا سيما الضمان و الحوالة، و على كل فإحراز الرضا الفعلي من المالك قولا و فعلا بانتفاع شخص بماله كاف في جواز التصرف و الانتفاع و يكون عارية و تجري عليه أحكامها سواء كانت عقدا أو إيقاعا كما صرح به المحقق في عبارته المتقدمة فتدبره جيدا.

مادة «805» سكوت المعير لا يعد قبولا

فلو طلب شخص من آخر اعارة شي ء فسكت ثم أخذه المستعير كان غاصبا،،، السكوت لا يعد قبولا و لا يدل على الرضا الا في موارد مخصوصة يكون شاهد الحال فيها دليلا على الرضا اما السكوت بذاته فلا يدل على شي ء و قد تقدم في الجزء الأول في القواعد الكلية، مادة (67) لا ينسب الى ساكت قول لكن السكوت في معرض الحاجة بيان.

و القصارى انه لا خصوصية في العارية و لا غيرها في عدم الاكتفاء بالسكوت و ان المدار في جميع موارده على القرائن الحالية فإن دلت على

ص: 49

الرضا فهو و الا فالسكوت ليس له أي أثر، و من هنا يندفع سؤال الفرق بين الوديعة و بين العارية حيث اكتفت (المجلة) بالسكوت في الأولى دون الثانية كما نصت عليه مادة (773) فان القرينة هناك دلت على الرضا لا السكوت و لو حصل في العارية لكفى لكنها في الغالب لا تحصل فافهم هذا جيدا.

ثم ان من المتفق عليه ان العارية كالوديعة عقدا كانت أو إيقاعا جائزة بمعنى ان للمعير أن يرجع متى شاء لأنها في الحقيقة ليست إلا الاذن بالتصرف كما عرفت و تعرف في مادة (806) و للمستعير أن يرجع عن الإعارة متى شاء، و مادة (807) تنفسخ الإعارة بموت المعير و المستعير.

بل يرتفع الاذن بموت أحدهما لزوال الموضوع و التعبير بالانفساخ تسامح

مادة (808) يشترط كون المستعار صالحا للانتفاع به

بناء عليه لا تصح اعارة الحيوان الناد الفار و لا استعارته،،، ان كان الحيوان الفار مما يستبعد في العادة عوده كالطير الوحشي الذي صاده ثم طار أو السمك الذي رجع الى الماء كانت العارية لغوا لعدم موضوع لها و ان كان مما يمكن عوده عادة أو يمكن و لو للمستعير تحصيله فلا مانع من صحة العارية.

مادة (809) يشترط كون المعير و المستعير عاقلين مميزين

و لا يشترط كونهما بالغين بناء عليه لا يجوز اعارة المجنون و لا الصبي غير المميز أما الصبي المأذون فيجوز إعارته و استعارته

ص: 50

اعتبار قيد التمييز بعد اعتبار قيد العقل مستدرك عند اولي التمييز اما عند الإمامية فالبلوغ معتبر في جميع المعاملات و لا يكفي التمييز إلا في موارد مخصوصة كوصية من بلغ عشرا و نحوها من اعمال البر و المعروف و يمكن على القول بأن العارية إباحة اندراجها في ذلك على تأمل.

مادة (810) القبض شرط في العارية

فلا حكم لها قبل القبض، لم نجد لفقهائنا و لا لفقهاء المذاهب نصا على هذا الشرط و بناء على كونها عقدا فحال القبض بالنسبة إليها حال سائر العقود اما بناء على كونها إباحة و رخصة فلا معنى لاعتبار القبض فيها أصلا كما هو واضح

مادة (811) يلزم تعيين المستعار

و بناء عليه إذا أعار شخص احدى دابتين بدون تعيين و لا تخيير لا تصح الإعارة بل يلزم ان يعين المعير منهما الدابة التي يريد إعارتها لكن إذا قال المعير للمستعير خذ أيهما شئت عارية و خيره صحت العارية،،، ليس معنى هذا لزوم التعيين بل معناه ان الإبهام مفسد للعارية فإذا أعاره احدى الدابتين و جعل الخيار له أو للمستعير صح لعدم الإبهام فتتوجه العارية الى ما يقع عليه الاختيار اما لو أعاره واحدة منهما من دون تعيين و لا تخيير بطلت للإبهام فتأمله فإنه لا يخلو من دقة.

ص: 51

الفصل الثاني (في بيان أحكام العارية و ضماناتها)
مادة (812) المستعير يملك منفعة العارية بدون بدل

بناء عليه ليس للمعير ان يطلب من المستعير اجرة بعد الاستعمال،،، هذا هو قوام حقيقة العارية و هو اما إباحة المنافع أو تمليكها بلا عوض و هذا هو الفارق بينها و بين الإجارة

مادة (813) العارية امانة في يد المستعير

فإذا هلكت أو ضاعت أو نقصت قيمتها بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان مثلا إذا سقطت المرآة المعارة من يد المستعير قضاء بلا عمد أو زلقت رجل المستعير فانصدمت على مرآة فانكسرت لا يلزمه الضمان و كذا لو وقع على البساط المعار شي ء فتلوث به و نقصت قيمته فلا يضمن،،، من الشائع المعروف على السنة المتفقهة عندنا ان العارية لا تضمن إلا عارية الذهب و الفضة و الا مع الشرط و هي العارية المضمونة و الظاهر ان هذا مما تفردت به الإمامية فقد تظافرت نصوص أهل البيت (ع) ان العارية لا تضمن الا ما كان من ذهب أو فضة فهي مضمونة الا ان يشترط عدم ضمانها فأسباب ضمان العارية ثلاثة (الأول) التعدي

ص: 52

و التفريط (الثاني) اشتراط ضمانها (الثالث) كونها من ذهب أو فضة و ان لم يشترط الا ان يشترط عدمه و موارد التعدي لا تعد و قد أشارت المجلة الى بعضها في مادة (814) إذا حصل من المستعير تعد أو تقصير بحق العارية ثم هلكت أو نقصت قيمتها فبأي سبب كان الهلاك أو النقص يلزم المستعير الضمان الى قولها: و كذلك إذا استعار إنسان حليا فوضعه على صبي و تركه بدون ان يكون عند الصبي من يحفظه فسرق الحلي فإن كان الصبي قادرا على حفظ الأشياء التي عليه لا يلزم الضمان و ان لم يكن قادرا لزم المستعير الضمان،،، كل ذلك لان التقصير و التجاوز يخرجه عن الامانة فيكون ضامنا مطلقا سواء كان التلف سماويا بعد ذلك أو غير سماوي كما ان وضع الحلي المستعار على الصبي بغير اذن المعير تقصير يوجب الضمان بالتلف مطلقا.

مادة (815) نفقة المستعار على المستعير،

بناء عليه لو ترك المستعير الدابة المعارة بدون علف فهلكت ضمن، تقدم في صفحة 166 من الجزء الثاني احتمال ذلك و لكنه محل نظر بل الأصل الأولي يقتضي كونها على المالك و الا كانت أشبه بالإجارة التي هي تمليك بعوض هذا مع الإطلاق اما مع الشرط فلا ريب انه هو المتبع.

مادة (816) إذا كانت الإعارة مطلقة اي لم يقيدها ..

حاصل هذه المادة و التي بعدها ان العارية تارة تقع مطلقة فتقيد بالعرف و العادة فلو تجاوزهما و عطبت ضمن و تارة تقع مقيدة فلو تجاوز القيد

ص: 53

ضمن مطلقا سواء تجاوزه إلى المساوي أو الأعلى أو الأدنى و لا حاجة الى كل ذلك التطويل، و من هنا تعرف الخلل في مادة (818) إذا قيدت الإعارة بنوع ..

فان ذكر المعير لنوع من الأنواع ان كان على نحو القيدية لا يجوز التجاوز عنه حتى إلى الأدنى و الأخف لعدم الاذن فيه غايته ان قرائن المقام غالبا تدل على ان المراد بالقيد هو التحديد بالنسبة إلى الأشد لا الأخف و ان الملحوظ رعاية العناية بالعين و المحافظة عليها اما مع الشك و عدم القرينة المفيدة للعلم فلا يجوز التعدي. و أوهى من هذا كله ما في مادة (819) إذا كان المعير أطلق الإعارة بحيث لم يعين ..

فقد مرت عليك الإشارة الى أن إطلاق العارية يقتضي اقتصار المستعير في الانتفاع بنفسه و لا يجوز التعدي إلى غيره الا ان يصرح له بالتجاوز فإن العارية سواء كانت تمليكا أو إباحة هي على خلاف الأصل لأنها تمليك مجاني، فالقدر المتيقن من قول المالك أعرتك حجرتي جواز سكناه فيها بنفسه أو مع من يتصل به عادة و لا يشمل الأجنبي قطعا و لو أعاره الفرس لا يجوز ان يدفعها المستعير ليركبها غيره الا مع تصريح المالك، و من هذا يظهر الاضطراب في مادة (820) يعتبر تعيين المنتفع في إعارة الأشياء التي تختلف باختلاف المستعملين و لا يعتبر في إعارة الأشياء التي لا تختلف به الا انه ان كان المعير نهى المستعير عن ان يعطيه لغيره فليس للمعير ان يعيره لآخر يستعمله، مثلا

ص: 54

لو قال المعير للمستعير أعرتك هذا الفرس لتركبه أنت فليس له ان يركبه خادمه، و أما لو قال له أعرتك هذا البيت لتسكنه أنت كان للمستعير ان يسكنه و ان يسكن فيه غيره، لكن إذا قال له أيضا لا تسكن فيه غيرك فليس له حينئذ ان يسكن فيه غيره.

و مجال النظر فيها من وجهين (الأول) ان اعتبار تعيين المنتفع في إعارة الأشياء التي تختلف باختلاف المستعملين ممنوع بل غايته ان المعير ان عين شخصا تعين و ان أطلق انصرف الى المستعير بنفسه و لا يجوز ان يتجاوز الى غيره (الثاني) ان جعل الفرس مما يختلف و البيت مما لا يختلف أيضا محل منع فان الساكنين أيضا يختلفون باستعمال البيوت فلو قال له أعرتك البيت فظاهر هذا اختصاص العارية به فلا يجوز ان يسكنها صديقه أو قريبه إلا بإجازة صريحة خاصة أو عامة (و القصارى) ان المتبع مقدار الأذن و أخذ المتيقن من كلامه، و كل مورد يشك فيه فالأصل عدم الجواز و عليه يبتني مادة (821) لو استعير فرس بان يركب الى محل معين الى آخرها.

فإن العارية و الأذن مع الإطلاق ينصرف الى المتعارف و يبقى غيره مشكوكا و الأصل عدم الجواز فلو تجاوز المتعارف ترتب الضمان عليه بالتلف حتى مع عدم التعدي و التفريط.

مادة «822» إذا طلب شخص من امرأة اعارة شي ء هو ملك زوجها فاعارته إياه بلا اذن الزوج فضاع

فان كان ذلك الشي ء

ص: 55

مما هو داخل البيت و في يد الزوج عادة لا يضمن المستعير و لا الزوجة أيضا و ان لم يكن ذلك الشي ء من الأشياء التي تكون في يد النساء كالفرس فالزوج مخير ان شاء ضمنه لزوجه و ان شاء ضمنه للمستعير.

العبارة مضافا الى سوء التعبير من حيث العربية في ضمنه لزوجه- قاصرة عن بيان المراد، و محصلها ان المرأة إذا أعارت شيئا من أثاث البيت الذي هو في ملك الزوج و لكنه في يدها لانه من مرافق الحياة البيتية فاعارته و تلف عند المستعير من غير تقصير فلا ضمان عليها و لا على المستعير و ان لم يكن في يدها كالفرس و الكتاب مثلا فالزوج مخير بين تضمين الزوجة و ترجع على من تلف المال بيده أو تضمين المستعير فان كان مغرورا منها رجع عليها و الا فلا و لكن عدم الرجوع في الشق الأول مشروط بوجود اذن الفحوى و قرائن الحال برضا الزوج ان تعير شيئا مما في يدها من أمواله و الا فهي ضامنه أيضا و من هنا تعرف القصور أيضا في عبارة المجلة هنا لفظا و معنى.

مادة (823) ليس للمستعير ان يؤجر العارية و لا ان يرهنها

بدون اذن المعير فإذا استعار مالا ليرهنه على دين في بلد فليس له ان يرهنه على دين في بلد أخرى فإذا رهنه فهلك لزمه الضمان.

و هذا يكشف عن عدم ملكية المستعير للمنافع و الا فلو كان مالكا لها لجاز نقلها الى غيره بإجارة و صلح أو غيرهما اما الرهن فلا يصح بدون الأذن الصريح لان الرهن يقف على المالك و المستعير غير مالك

مادة (824) للمستعير ان يودع العارية عند آخر

فإذا

ص: 56

هلكت في يد المستودع بلا تعد و لا تقصير لا يلزم الضمان مثلا إذا استعار دابة على ان يذهب بها الى محل كذا ثم يعود فوصل الى ذلك المحل فتعبت الدابة و عجزت عن المشي فأودعها عند شخص ثم هلكت حتف أنفها فلا ضمان، هذا على إطلاقه ممنوع بل هو مقيد بصورة الحاجة و الضرورة و حيث يتوقف الحفظ على إيداعها اما مع عدم ذلك فلا يجوز له ان يودعها عند الغير فإنه تصرف غير مأذون فيه فلو تلف كان مضمونا.

ثم ان المواد المذكورة هنا في المجلة من مادة (825) إلى (831) كلها واضحة لا تعليق لنا عليها سوى المادة الأخيرة «832» إذا كانت إعارة الأرض للزرع سواء كانت موقتة أو غير موقتة ليس للمعير ان يرجع بالإعارة و يسترد الأرض قبل وقت الحصاد،،، هذا يوشك ان يكون تهافتا مع المادة التي قبلها الظاهرة في أن له الرجوع في الموقتة مطلقا غايته انه يضمن التفاوت.

ثم ان العارية إذا كانت موقتة الى شهر مثلا و تأخر وقت الحصاد بعده الى شهرا و اثنين ثم رجع المعير فاللازم على المستعير اما ان يقلع الزرع و يجعله قصيلا أو يعطي اجرة المدة الباقية إلى الحصاد و كذا لو كانت غير موقتة فإن عدم التوقيت لا يجعلها لازمة على المعير بل له الرجوع متى شاء على أصل قاعدة العارية المطلقة نعم في الموقتة يمكن ان يقال انه لا يجوز له الرجوع في أثناء المدة لأن التوقيت كالتزام

ص: 57

ضمني فلا بد من الوفاء به و يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كان التزاما لكنه غير لازم و لا وقع شرطا في ضمن عقد لازم،،، الى هنا انتهت مباحث العارية (و للّٰه الحمد و المنة)

ص: 58

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

الكتاب السابع في الهبة

اشارة

يشتمل على مقدمة و بابين

ص: 59

المقدمة في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالهبة

اشارة

مادة (833)

الهبة:

تمليك مال لآخر بلا عوض و يقال لفاعله واهب، اعلم ان معنى الهبة و مشتقاتها حسب استعمالاتها اللغوية واسع الى مدى شاسع و أقرب عبارة تعرب عنه هو العطاء و النحلة المشوب برشحة من الإحسان و التفضل سواء كان المعطى مالا أو غيره عينا أو غيرها فيصح ان تقول بلا تكلف و عناية وهبتك ودي كما تقول وهبتك مالي و يصح ان تقول وهبني اللّٰه ولدا كما تقول وهبني عزا و ملكا (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي)- (وَ وَهَبْنٰا لَهُ إِسْحٰاقَ وَ يَعْقُوبَ) كلها استعمالات حقيقية لا تجوز فيها أصلا، نعم اختصت الهبة في لسان الشرع و المتشرعة بتمليك العين بلا عوض كما سيأتي و هو المراد هنا،،، و كما ان البيع و الإجارة هما أصل عقود المعاوضات أي الأصل في مبادلة المال

ص: 60

بالمال فكذلك الهبة و العارية هما الأصل في عقود المجانيات و هما أظهر و أشهر ما يقع به تمليك العين أو المنفعة بلا عوض بناء على اندراج العارية في العقود على المشهور- و ان كان الأصح عندنا ان حقيقتها اذن و إباحة كما سبق، و على كل- فالهبة هي الأصل في تمليك الأعيان بلا عوض. فالهبة في الأعيان كالعارية في المنافع، و العارية- الأصل في إباحة المنافع أو تمليكها مجانا. و قد شاع عند الفقهاء تعريف الهبة بأنها تمليك مال بلا عوض و فيه نوع تسامح و إجمال يحتاج الى توضيح و تشريح فنقول- ان تمليك المال عينا أو منفعة بل أو حقا حيث يكون من الحقوق القابلة للانتقال- اما ان يكون بإزاء عوض مالي أولا- فالأول يقع بعقد البيع و الإجارة و الصلح- و الثاني و هو التمليك بغير عوض مالي اما ان يكون بعوض لنفس التمليك فهو الهبة المعوضة فإن العوض فيها كما عرفت لنفس الهبة لا للعين الموهوبة- و من هنا دخلت الهبة المعوضة في مطلق الهبة و صارت من أقسامها.

و اما ان يتجرد عن العوض المالي فاما ان يكون بقصد الأجر و الثواب و هو الصدقة بالمعنى العام- فان كان تمليكا طلقا فهو الصدقة بالمعنى الخاص. و ان كان تمليك العين مقيدا ببقائها و دوامها اى وقوفها و عدم نقلها فهو الوقف. و ان كان للمنفعة فقط مدة عمر أحدهما أو مدة معينة فهي العمرى أو الرقبى و اما ان يتجرد حتى عن الأجر فإن كان بصورة العقد إيجابا و قبولا فهي الهبة و اما ان يكون بصورة الإرسال من غير عقد فهو الهدية و ان لم يكن لا هذا و لا ذاك فهو العطية و ان

ص: 61

كانت لرحم فهو النحلة، هذه أصول معاني هذه الألفاظ بحسب وضعها اللغوي، و قد يقوم بعضها مقام بعض بحسب استعمالها العرفي، و لكن قد اتضح لك ان تمليك المال بلا عوض الذي عرفوا به الهبة هو القدر الجامع و المقسم الكلي الذي يعم الهبة و غيرها حتى الصدقة و الوقف فضلا عن الهدية و العطية و الأمر في كل ذلك سهل انما المهم ان تعرف ان جميع هذه الأقسام داخلة في التمليك المجاني فلا يشتبه عليك الأمر بالإباحة و الرخصة و الاذن بالانتفاع فإنها اجمع أجنبية عن تلك الأنواع بالكلية و هي في قبالها حتى الرخصة في أكل المال و استهلاكه فتدبره.

و قد تحصل من جميع ذلك ان الهبة عقد يفيد تمليك المال فعلا بلا عوض له أصلا، فيخرج الهدية و العطية و النحلة لأنها ليست عقودا.

و الوصية فإنها و ان أفادت التمليك المجاني و لكن معلقا على الموت لا فعلا كما خرج بقيد عدم العوض البيع و الإجارة و الصلح و الوقوف و الصدقات و دخلت الهبة المعوضة فإنها تمليك مال بلا عوض للمال. اما الرشوة فهي عطية و لكنها عطية محرمة و العطايا المحرمة كثيرة. نعم يبقى الكلام في العارية فإن جعلناها عقد تمليك للمنافع و عممنا الهبة للمنافع تداخلتا و ان خصصنا الهبة بالأعيان أو جعلنا العارية إذنا و إباحة لا عقدا و لا تمليكا افترقتا.

(مادة: 834)

الهدية:

هي المال الذي يعطي لأحد أو يرسل إليه إكراما، و قد عرفت ان الغالب في الهدية الإرسال و هو غير العطية و قد يستعمل الهدية في مورد الإعطاء تسامحا.

ص: 62

مادة (835)

الصدقة:

هي المال الذي وهب لأجل الثواب.

يعني العطاء الذي يقصد به القرب الى اللّٰه جل شأنه و طلب المثوبة منه و لا يلزم فيها الإيجاب و القبول و تلزم بمجرد الدفع بقصد القربة مع القبض و هذه هي الصدقة بالمعنى الخاص بل الأخص الذي يمتاز عن الوقف و أخواته من الصدقات التي لا تتحقق الا بالعقد عند المشهور

مادة (836)

الإباحة:

اشارة

عبارة عن إعطاء الرخصة و الاذن لشخص ان يأكل أو يتناول شيئا بلا عوض، و هذا غير التمليك و الفرق مثل الصبح واضح فان المالك يتصرف كيف شاء و المأذون لا يتصرف الا على حد الاذن و مقدار الرخصة فلا يقدر على البيع فضلا عن غيره الا بإذن خاص.

ص: 63

الباب الأول (في بيان المسائل المتعلقة بعقد الهبة

و يشتمل على فصلين) الفصل الأول في بيان المسائل المتعلقة بركن الهبة و قبضها الكلام في الهبة يلزم ان يقع في أربع نواح- الواهب- الموهوب له العين الموهوبة- عقد الهبة و شروطه و حكمها من جواز أو لزوم أو غيرهما و قد تعرضت «المجلة» للعقد أولا و هو ركنها الأعظم في

مادة (837) تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول و تتم بالقبض،،،

اعلم ان جميع العقود المجانية التي مر عليك عناوينها لا يترتب عليها أي أثر إلا بعد القبض فهو ركنها الأعظم و شطرها أو شرطها الأهم، اي أهم حتى من الإيجاب و القبول الا ترى- ان الهبة مثلا يترتب عليها أثرها المهم و هو التمليك بغير إيجاب و قبول كما لو أنشأ الهبة بالإعطاء مع القبض فإنها تفيد الملكية كما تفيدها المعاطاة في البيع على المشهور بخلاف ما لو حصل الإيجاب و القبول بدون قبض فإنه لا اثر لهما أصلا فركنية القبض في هذه العقود أهم من ركنية الإيجاب و القبول بل ينسب الى بعض عدم الحاجة الى القبول و كفاية الإيجاب، وحده فتكون عنده من

ص: 64

الإيقاعات و هو شاذ. اما اعتبار القبض في مطلق العقود المجانية و خصوص الهبة فالظاهر انه موضع اتفاق المسلمين و عند عامة المذاهب و اخبار الفريقين به متظافرة. و في النبوي المشهور (لا تجوز الهبة إلا مقبوضة) و لعل حكمة التشريع في ذلك ان الشارع الحكيم حيث وجد المجانيات محض تفضل و إحسان و بذلا للمال بلا عوض أراد ان يعطي الواهب الباذل فسحة للرؤية. و مجالا للتدبر و ربما بدا له العدول بعد الإيجاب و القبول، فلو لزم عليه بالقول وحده لكان ضيقا و حرجا عليه و تضييعا لماله لذلك لم يكتف بالقول حتى يتبعه بالفعل اعني الدفع من الباذل و القبض من المبذول له «و لو قيل» يكفي لهذا الغرض جعل العقد جائزا فيرجع متى شاء (قلنا) أ ليس الرجوع بعد حصول الملكية قبيحا شرعا كما هو كذلك عرفا، و الراجع في هبته كالراجع في قيئه فدفعا لهذا القبح و هذه الحزازة لم يجعل العقد بنفسه مؤثرا أصلا كي لا يحتاج الى الرجوع كما في العقد الجائز فإن أقبض نفذ و الا فلا، و هذا كله بخلاف عقود المعاوضات لمكان العوض فيها بخلافه هنا فليتدبر، و ظهر بما ذكرنا ان حق التعبير في (المجلة) ان تقول: لا تنعقد الهبة بالإيجاب و القبول قبل القبض أو ما يؤدي ذلك

مادة «838» الإيجاب في الهبة هو الألفاظ المستعملة في تمليك المال مجانا كاكرمت و وهبت و أهديت.

و قد مر غير مرة ان خاصية العقود الجائزة كفاية كل لفظ يدل عليها حقيقة أو مجازا مع القرينة و قصد إنشاء معنى ذلك العقد بل يمكن

ص: 65

دعوى ذلك حتى في العقود اللازمة و انها لا تختص بصيغ خاصة كما سبق في الجزء الأول و كيف كان فالهبة و الصدقة بالمنقول لا تختص بصيغة معينة و يكفي فيها كل ما دل عليها مثل خذه و هو لك مجانا و ما أشبه ذلك و لا فرق في ذلك بين الزوج و الزوجة أو غيرهما و المدار على القرائن حالية أو مقالية بل يكفي قصد إنشاء التمليك بالفعل اعني العطاء فيكون هبة معاطاتية كما في مادة «839» تنعقد الهبة بالتعاطي أيضا،،، و لو قال بالعطاء أو الإعطاء لكان أحسن.

و انما تنعقد بالعطاء حيث تكون هناك قرينة قاطعة و الا فلا فمجرد الإعطاء لا يكفي في الحكم بأنه هبة بل يبقى على ملك الأول بالاستصحاب حتى يحصل اليقين كما ان بالعطاء تتم الهبة و لا حاجة الى القبول؟؟؟

القبض قبول فعلي كما في مادة (840) الإرسال و القبض في الهبة يقوم مقام الإيجاب و القبول لفظا، و مادة «841» القبض في الهبة كالقبول في البيع.

و كان الاولى جمع هذه المواد الثلاث في مادة واحدة بل بكلمة واحدة فتقول مثلا: تنعقد الهبة بالعقد و القبض و تتحقق أيضا بالعطاء و القبض و كل ما ذكرته المجلة هنا زيادة مستدركة.

ثم ان المشهور عند فقهاء الإمامية ان القبض المعتبر في صحة الهبة يشترط فيه ان يكون بإذن الواهب فلو قبضه المتهب بدون اذنه لم يكن له أثر في الصحة و عللوه بعلة معقولة و هي ان العين بعد العقد قبل القبض حيث انها باقية على ملك الواهب فقبض المتهب لها تصرف بمال الغير

ص: 66

بدون اذنه و هو حرام فلا يترتب عليه أثر شرعي، و هي و ان أمكن المناقشة فيها و لكنها ببعض الاعتبارات التي مرت الإشارة إليها متجهة بل و قوية، فما قواه السيد الأستاذ (ره) في ملحقات العروة من عدم لزوم الاذن هو الى الضعف أقرب منه الى القوة وفاقا لما نصت عليه (المجلة) في مادة (842) يلزم اذن الواهب صراحة أو دلالة في القبض.

و وجهه ما عرفت من بقاء ملكية الواهب فلا يجوز للمتهب قبض العين بدون اذن مالكها و لو تلفت في يده كان ضامنا و لو اعترف الواهب بالاذن و أنكر الإذن بالقبض كان القول قوله- فما ذكرته (المجلة) من اعتبار الاذن صحيح و لكن ما في مادة (843) إيجاب الواهب اذن بالقبض دلالة.

على إطلاقه ممنوع بل ان اقترن الإيجاب بقرينة تدل على الاذن كفى و الا فلا اما صرف الإيجاب فلا دلالة فيه على الاذن بالقبض أصلا بشي ء من الدلالات الثلاث إذ الدلالة فرع التلازم و لا تلازم بين الأمرين بجميع الوجوه «و دعوى» ان مقصود الواهب لما كان هو إثبات ملكية الموهوب بعقد الهبة فيكون الإيجاب تسليطا على القبض تحصيلا لمقصوده ففي الإيجاب دلالة على الاذن بالملازمة (مدفوعة) بان كون قصده إثبات الملكية إنشاء مسلم و لكن كون قصده تحقيقها بالفعل غير مسلم و الملازمة تأتي على الثاني لا الأول فتدبره.

ص: 67

و قول (المجلة) و اما إذنه صراحة فهو قوله خذ هذا المال فاني وهبتك الى آخره هو من الواضحات الغنية عن البيان انما البحث فيما ذكروه في مادة (844) إذا اذن الواهب صراحة بالقبض فيصح قبض الموهوب له المال الموهوب في مجلس الهبة و بعد الافتراق و اما إذنه بالقبض دلالة فمقيد بمجلس الهبة و لا يعتبر بعد الافتراق مثلا لو قال وهبتك هذا و قبضه الموهوب له في ذلك المجلس يصح و اما لو قبضه بعد الافتراق فلا يصح. كذلك لو قال وهبتك المال الذي هو في المحل الفلاني و لم يقل اذهب و خذه فإذا ذهب الموهوب له و أخذه لا يصح فإن التفرقة بين الاذن صراحة فيصح القبض حتى بعد الافتراق و بين الاذن دلالة فمقيد بمجلس الهبة تحكم صرف و تفرقة من غير وجه فارق إذ المدار على الاذن و وجود ما يدل عليه و بعد حصول الدلالة فأي فرق بين الكناية و التصريح و لعلها أبلغ، و الحق عندنا معشر الإمامية ان المعتبر هو الاذن فإذا حصل العلم به من اي طريق كفى في الصحة سواء قبض في مجلس الهبة أو في مجلس آخر و سواء كان الاذن في مجلس الهبة أو بعده بل ربما يظهر من بعض أخبار أئمتنا (ع) امتداد الأجل إلى الأجل فلو اذن و قبض قبل الموت صحت الهبة التي سبقت بأمد طويل.

مادة (845) للمشتري ان يهب المبيع قبل قبضه من البائع

الظرف الأخير ان تعلق بالفعل كان المعنى ان المشتري له ان

ص: 68

يهب ما اشتراه للبائع قبل قبضه منه و هذا صحيح نافذ فان المعتبر قبض الموهوب له و هو حاصل لا الواهب الذي اشترى و لم يقبض، و توهم بعضهم ان هذا يرجع الى الإقامة واضح الفساد إذ هي حل لعقد البيع و لذا يرجع بالثمن و الهبة هنا تؤكد البيع و ليست حلا له و لذا لا يرجع بالثمن و ان تعلق الظرف بالمصدر كان معناه ان المشتري له ان يهب للغير ما اشتراه قبل قبضه من بايعه فيكون أعم من الأول يعني له ان يهبه للبائع أو لغيره و هذا أيضا صحيح لما عرفت من عدم اعتبار قبض الواهب بل تتوقف على قبض الموهوب له. و عليه يتفرع مادة (846) من وهب ماله الذي هو في يد آخر تتم الهبة و لا حاجة الى القبض و التسليم مرة أخرى و المقصود بهذه المادة بيان ان قبض المتهب لازم لصحة الهبة حيث لا يكون مقبوضا له و في يده اما لو كان في يده فلا حاجة الى قبض جديد بأن يأخذه منه و يرده عليه، و القبض السابق كاف مهما كان سواء كان بوجه صحيح أو لا كالغصب و نحوه و سواء كان ضمانيا كالمقبوض بالسوم و نحوه أو غير ضماني كالأمانات و سواء كان مضمونا بالمثل أو القيمة أو المسمى كالمبيع المستأجر فالقبض السابق في جميع هذه الموارد يقوم مقام القبض الجديد في الهبة حتى لو وهب المالك غاصبه المغصوب الذي في يده صح. و ظاهر الأصحاب عدم الحاجة أيضا الى الاذن باستمرار القبض، و استدلوا بوجوه أوجهها انصراف أدلة القبض أو الاذن به عن هذه الصورة و قد ناقش السيد الأستاذ رحمه اللّٰه في تلك ثم عول على الانصراف أخيرا.

ص: 69

مادة (847) إذا وهب أحد دينه للمديون أو أبرأ ذمته من الدين و لم يرده المديون تصح الهبة و يسقط عنه الدين في الحال

قيد عدم رد المديون لا محل له أصلا، و تحرير هذا البحث ان هبة الدين اما ان تكون للمدين أو لغيره فان كانت لغيره فهي هبة محضة يلزمها القبول كما يلزمها القبض و الا فلا اثر لها بدونه كما تنص عليه المادة الآتية، و ان كانت للمديون فهي على نحوين لان الواهب يقصد تارة إسقاط الدين و إبراء ذمته منه و لا تكون له حالة منتظرة بل يوقعه ناجزا فهذا إبراء و إسقاط محض و ان وقع بصورة الهبة و لا اثر للرد و القبول في هذه الصورة أصلا لأن حقيقته إيقاع لا عقد و الإيقاعات تتحقق معانيها بمجرد إنشائها ان صدرت من أهلها و في محلها. و تارة يكون صميم قصده الهبة بمعنى انه يريد ان يملكه الدين الذي له عليه كما يملكه للغير و ينتظر قبوله و عدمه فهذه هبة محضة بأي عبارة وقعت، و هذا موضع ما يقال (ان العقود تابعة للقصود) و فيه يكون مجال للرد و القبول فان قبل المديون صح العقد و تمت الهبة لأن ما في الذمة مقبوض حقيقة أو كالمقبوض و ان رد لم يقع شي ء و بقي مشغول الذمة بالدين ففي الاولى لا موضع للرد و القبول بخلاف الثانية و لا صورة ثالثة في المقام.

و في هذه المادة خلل من وجهين (الأول) ان ظاهرها عدم لزوم القبول في هذه الهبة و لكنها ترد بالرد و هذا تهافت و كجمع بين المتنافيين (الثاني) انها جعلت الإبراء كالهبة في انها تبطل بالرد مع ان الإبراء إيقاع كما عرفت و لا معنى للرد و القبول أصلا و كان أرباب المجلة اعتبروا

ص: 70

هبة الدين للمديون ذات وجهين فمن وجه هي ترد بالرد و من أخرى إبراء فلا تحتاج الى قبول، و قد ظهر ان المدار على قصده اما هبة أو إبراء و هما معنيان متغايران و المرجع في تشخيص أحدهما ما يظهر منه من حال أو مقال فتدبره جيدا.

و على كل حال فبعد القبول يشتركان في سقوط الدين حالا كان أو مؤجلا

مادة «848» من وهب دينه الذي هو في ذمة أحد لآخر و اذنه صراحة بالقبض

بقوله اذهب فخذه فذهب الموهوب له و قبضه تتم الهبة، يعني و تبرأ ذمة المديون من دائنه و هي أشبه ما تكون بالحوالة و ان فارقتها من بعض الوجوه.

مادة (849) إذا توفي الواهب أو الموهوب له قبل القبض بطلت الهبة،

يعني لا ينتقل حق القبض إلى ورثة الموهوب له لان المال قد انتقل إلى ورثة الواهب و ليسوا هم الواهبين كما ان ورثة الموهوب له غير موهوب لهم حتى يعتبر قبولهم أو قبضهم، نعم لو جعلنا القبض بعد اذن الواهب حقا لا حكما أمكن القول بانتقاله إلى ورثة الموهوب و لا يضر انتقاله إلى ورثة الواهب فإنه قد انتقل على هذه الصفة و لكنه مشكل

مادة (850) إذا وهب أحد لابنه الكبير العاقل البالغ شيئا فيلزم التسليم،

حال الولد الكبير حال غيره من رحم و غيره في اعتبار القبض و عدم صحة الهبة بدونه و لكن الهبة إلى الصغير و المجنون لا يخلو اما ان تكون من غير الولي فلا تصح الا بقبض الولي. و اما ان تكون منه لأحدهما و هي في يده و حينئذ فيكفي قبضه و لا حاجة الى تجديد قبض.

ص: 71

و لكن الأصح اعتبار تجديد القصد بان يقصد بان الموهوب مقبوض عن الصغير الموهوب له و اما إذا و هبة ما ليس في يده فلا إشكال في اعتبار قبضه فلا يصير ملكا للصغير حتى يقبضه وليه الواهب، عنه، و الى بعض ما ذكر أشارت مادة (852) إذا وهب أحد شيئا لطفل تتم الهبة بقبض وليه أو مربية.

و لا فرق عندنا في ذلك بين المميز و غيره و ان لم يكن من البعيد كفاية قبض المميز و لا سيما بإذن وليه.

مادة (854) الهبة المضافة ليست صحيحة، مثلا لو قال وهبتك الشي ء الفلاني في رأس الشهر الآتي لم تصح.

يظهر ان مرادهم بالهبة المضافة- الهبة المعلقة على وصف محقق الوقوع كرأس الشهر الآتي أو عند طلوع الشمس أو على شرط غير معلوم الحصول مثل ان جاء ولدي من السفر يوم الجمعة، أو إذا عوفي مريضي و نحو ذلك، و قد مر عليك غير مرة ان التنجيز عندنا شرط في جميع العقود لازمها و جائزها و ان التعليق مفسد للعقد مطلقا، و عليه فان كان الشرط في الهبة ينافي تنجيزها بطل الشرط و تبطل الهبة أيضا الا من جهة ان الشرط الفاسد يفسد العقد إذ ليس المقام منه و لكن لفقد شرط العقد و هو التنجيز، اما الشرط بذاته فليس بفاسد و انما فسد من هذه الناحية، و ان كان غير مناف لتنجيزها و هي لازمة لزوم الشرط أيضا و ان كانت جائزة كان الشرط تابعا لها، و لزوم الهبة المشروطة بالعوض انما هو الدليل الخاص و الا فحقها ان تكون جائزة هي و العوض.

ص: 72

و من هنا قد تشتبه الشروط بين ما ينافي التنجيز و ما لا ينافيه مثلا لو قال وهبتك كتابي هذا بشرط ان يعود لي بعد وفاتك أو لورثتي أو قال وهبته لك بعد وفاتي فإن جعلناه وصية صح لان طبع الوصية التعليق على الموت اما الهبة فيشكل فيها ذلك كما ان الاسقاط و الإبراء لا يحتمل شيئا من التعليق أصلا فلو قال أنت بري ء من ديني بعد موتي لم يصح قطعا لأن الإبراء إيقاع كالعتق و الطلاق و لا يصح التعليق فيهما اتفاقا نعم صح ذلك في خصوص التدبير لدليله الخاص و لا يقاس عليه و على مناسبة ذكر الشروط في الهبة ذكرت «المجلة» الهبة بشرط العوض أي الهبة المعوضة في مادة (855) تصح الهبة بشرط العوض و يعتبر الشرط و قد انبأناك من قريب ان العوض في الهبة يلزم عندنا ان يكون لنفس الهبة فلو جعله للموهوب كان اما هبة فاسدة لأن حقيقة الهبة التمليك المجاني أي تمليك الموهوب بلا عوض له فلو شرط العوض له كان شرطا منافيا لطبيعة العقد فيبطل هو و العقد، و اما بيعا فاسدا بناء على عدم جواز استعمال صيغة عقد في عقد آخر أي في إنشاء حقيقة عقد آخر اما أرباب «المجلة» فيظهر منهم انهم يجعلون العوض لنفس الموهوب تبعا لأكثر فقهاءهم فيكون كما صرح به بعضهم هبة في البداية و بيعا في النهاية و يعتبرون فيها التقابض في المجلس و الاذن بعده و يسحبون عليها جملة من خصائص البيع كالشفعة و خيار الرؤية و جملة من الخيارات العامة كخيار العيب و نحوه و كل ذلك لا يستقيم على مذهب الإمامية من ان المعوضة هبة محضة لا تخرج عن طبيعة الهبة

ص: 73

بالتعويض نعم لا ريب في اعتبار التقابض فيها من الجانبين فلو أقبض أحدهما و لم يقبضه الآخر كانت جائزة و لو تقابضا لزمت من الجانبين و هو اي العوض المقبوض أحد أسباب لزوم الهبة و سيأتي بقية الملزومات و عليه يبتني الأمثلة التي ذكرت في المتن و هي: مثلا لو وهب أحد لآخر شيئا بشرط ان يعطيه كذا عوضا أو يؤدي دينه المعلوم المقدار إذا راعى الموهوب له الشرط و الا فللواهب الرجوع عن الهبة، و كذلك لو وهب أحد عقارا مملوكا لآخر بشرط ان يقوم بنفقات الواهب الى وفاته ثم ندم و أراد الرجوع عن الهبة و استرداد ذلك العقار فليس له ذلك ما دام الموهوب له راضيا بإنفاقه وفق ذلك الشرط.

و الموهوب له يملك الموهوب بمجرد دفع العوض ان كان عينا أو عملا دفعيا اما لو كان تدريجيا كالإنفاق و عدم الطلاق لو وهبته صداقها و اشترطت عدم طلاقها فإنه يملك الموهوب من حين شروعه بالعمل و تبقى الملكية مراعاة بإتمامه فيكون ملكا متزلزلا كالمبيع بالخيار فإن أتم لزمت و الا كان له حق الرجوع فلو طلقها استردت المهر منه، و لو مات الموهوب له المشروط عليه الإنفاق على الواهب الى حين موته وجب على ورثته ان يقوموا مقام أبيهم في الإنفاق عليه لانه حق مالي تعلق بذمة مورثهم كدين من ديونه فيجب عليهم تفريغ ذمته منه فان لم يفعلوا كان للواهب ان يرجع بهبته و يدفع لهم ما استوفاه من النفقة الماضية و يسترد منهم قيمة ما استوفاه مورثهم من المنافع هذا ما تقتضيه القواعد في هذا الفرع و أمثاله و قد غفل بعض الشراح عن ذلك فقال: و إذا توفي

ص: 74

الواهب يتعذر على الموهوب له أداء العوض و يكون القيام بذلك خارجا عن إمكانه و درجة اقتداره فيجب على الواهب ان يرد قيمة ما صرف عليه و يسترد ملكه على ما ارى و ان كان لا نص على ذلك بدليل ان الموهوب له إذا اشترط على نفسه إعطاء عوض مقداره عشر ليرات فاعطى بعضه و تمنع من دفع الباقي فقد قال الفقهاء بان للواهب استرداد الموهوب و رد العوض المقبوض، انتهى.

و قد أخطأ الرجل القياس و قاس مع الفارق فان في صورة الموت ينتقل الحق إلى تركته و يجب على ورثته إخراجه منها و يقوم كل واحد منهم بقسطه فإذا امتنع أو امتنعوا و لم يمكن جبرهم جاءت قضية الرد و الاسترداد كما في صورة الامتناع التي ذكرها، اما في صورة الإمكان و عدم الامتناع فيجب الوفاء بالعقد و شروطه و لا يجوز الفسخ و إذا امتنعوا أو امتنع هو فعلوا حراما، و أوجبوا للآخر خيارا فكيف يقاس هذا بذاك و هكذا حكم بقية ما ذكره من الأمثلة مثل ما لو ظهر مستحقا فان اللازم اما دفع المثل أو القيمة و المحافظة على العقد و شروطه و مع الامتناع فالاسترداد، و من الغريب انه عقب ذلك بقوله: و ليس لورثة الموهوب له ان يطلبوا بقاء الهبة و الإنفاق على الواهب من مالهم الى حين وفاته لأنهم لم يتفقوا معه في الأصل، انتهى و قد عرفت انه هو المتعين و لا يصح غيره مع إمكانه و الإنفاق يكون من التركة لا من أموالهم و لو امتنعوا يلزمون به و قوله لأنهم لم يتفقوا معه في الأصل واضح الضعف بان الاتفاق مع مورثهم يسري مفعوله

ص: 75

إليهم بل الى تركته نعم لو لم يكن له تركه فلا حق على الورثة و يتعين التراد و الحقوق المالية على المورث أو له تنتقل الى الوارث أو عليه، فلو اشترى دارا فيها خيار للبائع و مات انتقلت الدار للورثة و فيها خيار للبائع فلو فسخ يستردها منهم و ان كان الإنفاق لم يكن معهم و هكذا نظائر ذلك و ما نحن فيه من هذا القبيل.

ص: 76

الباب الثاني في بيان شرائط الهبة

اشارة

أركان الهبة التي تتحقق بها كما سبق- الواهب- الموهوب له- المال الموهوب- عقد الهبة- و حسن التحرير يقتضي ذكر شرائط كل واحد منها متميزا عن الآخر و لكن (المجلة) داخلت بعضا ببعض و تحرير البحث هنا على الإيجاز، انه يشترط في الواهب مضافا الى الشروط العامة من العقل و البلوغ و الرشد و عدم الحجر و الخلو من مرض الموت عند جماعة و القصد و الاختيار- ان يكون حرا مالكا أو مأذونا منه فلو وهب العبد أو مال الغير وقف على الإجازة، اما الموهوب له فلا يشترط فيه العقل و لا البلوغ و لا الحرية و لا الرشد بل تصح الهبة لفاقدها و يقبل عنهم الولي أو المولى و لا عبرة بقبول المجنون أو الطفل أو السفيه أو الساهي أو المكره و لا بقبضه، و أهم الشروط في الموهوب له ان يكون موجودا حال الهبة فلا تصح للمعدوم الذي سيوجد و في صحتها للجنين اشكال و لا يبعد الصحة مع قبول الولي و قبضه كالوصية له.

(اما الموهوب)

فيشترط ان يكون موجودا في العين أو في الذمة

ص: 77

و ان يكون مالا متقوما مملوكا مقدورا على قبضه لا حق فيه للغير من رهن و نحوه معينا أو متعينا لا مجهولا مطلقا أو لا واقع له فلا يصح وهبتك شيئا أو مالا و يصح وهبتك ما في الصندوق أو صاعا من صبرة أو أحد هذين الثوبين و يتعين بالقبض اما المشاع فسيأتي.

(اما عقد الهبة)

فيتقوم بالإيجاب و القبول و يشترط فيه القبض و التنجيز، هذا ما يقال في هذا المجال، و إذا عرفته و نظرت ما في المجلة يتضح لك قصور البيان و ضعف التحرير فيها و عدم الاستيفاء و قد قدمت بعض شرائط الموهوب في مادة (856) يشترط لصحة الهبة وجود الموهوب وقت الهبة و مدركه واضح فان المعدوم المطلق لا يجرى عليه تمليك و لا تملك و لا غيرهما من الاحكام الا في موارد مخصوصة يتحقق له نحو من الوجود ببعض الاعتبارات، بناء عليه لا تصح هبة عنب بستان سيدرك أو ولد فرس سيولد، مادة (857) يلزم ان يكون الموهوب مال الواهب، بناء عليه لو وهب أحد مال غيره لا تصح و لكن بعد الهبة لو أجازها صاحب المال تصح مادة (858) يلزم ان يكون الموهوب معلوما و معينا بناء عليه لو وهب أحد من المال شيئا أو من الفرسين أحدهما لا على التعيين لا تصح.

اعلم ان الهبة ليست كالبيع في لزوم المعلومية التامة للمبيع و ارتفاع الجهالة عنه من كل جهة بل حالها في ذلك أمر بين الأمرين فلا تصح الجهالة المطلقة و لا تلزم المعلومية التامة و لما كان هبة شي ء أو مال من المجهول المطلق لم يصح و لكن هبة عبد من عبدين و لا سيما إذا كانا

ص: 78

متساويين من جميع الجهات أو ثوب من ثوبين كذلك فحيث ان الجهالة المطلقة مرتفعة و لا غرر في البين إذ ليست الهبة من عقود المعاوضات و لو كانت على الفرض منها فالمفروض التساوي فالقاعدة تقتضي صحة أمثال هذه الهبات و انما لم يصح مثل ذلك لدليل خاص من إجماع و نحوه، على ان أرباب «المجلة» صححوا نظيره حتى في مثل البيع كما سبق في محله، و لو قيل بعدم الصحة فلا فرق بين ان يقول أيما أردت من هذين الفرسين أو قال وهبتك أحد هذين الفرسين و إذا كان التعيين مصححا للهبة فليكن مصححا لها في الصورتين و الا فالفرق بينهما في الحكم تحكم؟؟؟؟؟؟ غير فارق كما ان قبول التعيين في المجلس دون خارجه تحكم آخر و الكل بلا دليل (و الحق) ما عرفت من الصحة في الجميع بعد القبض سواء كان في مجلس الهبة أو في خارجه مع الاجتماع أو بعد المفارقة و كل تلك التفاصيل استحسانات لا ترتكز على وجه مستحسن هذا كله في هبة الأعيان أو المنافع لو قيل بصحة هبتها، اما هبة الديون فلا إشكال في صحة هبة المجهول منها فلو كان له دين على إنسان لا يعلم مقداره صحت هبته لأنه بمنزلة الإبراء بل لو وهبه لآخر صح بعد قبضه ان كان المديون يعرف قدره و إلا صالحة عليه و صار بمنزلة الحوالة.

و هذا كله سهل لا عقدة فيه انما الاشكال و العقدة عند الفقهاء من الفريقين (في هبة المشاع) فمنع بعضهم منه لعدم إمكان القبض حتى مع اذن الواهب لمكان مزاحمة الشريك فلا يتمكن المتهب من الاستيلاء

ص: 79

التام عليه و لا قبض بدونه، و تحرير المقام بحيث تتضح الأقسام و يتميز موضع الاشكال منها من غيره- ان الهبة في المشاع اما ان تكون لحصة مشاعة أو للحصة المشاعة- و الأول اما ان تكون العين في يد الموهوب له بإجارة أو عارية أو نحوهما أو لا تكون في يده و في الأول لا إشكال في صحة هبته لتحقق القبض و الاستيلاء حسب الفرض كما لا إشكال في الثاني إذا أقبض الواهب تمام العين للموهوب له و لو باعتبار جعله كوكيل أو أمين على الحصة الباقية. و أما الثاني و هو هبة الحصة المشاعة فإن كانت العين في يد الموهوب له أيضا فلا اشكال و كذا لو كانت بأجمعها في يد الواهب فسلطه عليها و لو بإذن الشريك، اما لو كانت بيدهما معا كما هو الغالب في المشاع و لعل هذا هو موضع الإشكال في عدم إمكان القبض و الاستيلاء التام و لكنه لا يخلو من حالين بعد اذن الواهب بالقبض بالنسبة إلى حصته الموهوبة- اما ان يأذن الشريك أيضا فيقوم المتهب مقام الواهب و تكون يده بموضع تلك اليد منضمة إلى يد الشريك و لا يعتبر في القبض أكثر من هذا فلا ينبغي الإشكال في صحته- و إما أن لا يأذن و يمنع الموهوب له من الاستيلاء على حصة شريكه الواهب فالهبة هنا و ان لم تتحقق لعدم تحقق القبض و لكن علاج هذا هو العلاج فيما لو امتنع الشريك من تمكين شريكه أ ليس هو الحاكم فيجبره اما على القسمة أو البيع أو غير ذلك مما هو محرر في محله و منع الموهوب له في الحقيقة منع لسلطة الواهب عن التطرف في ملكه و الناس مسلطون على أموالهم- و هو كما لو باع و منع المشتري فلا بد

ص: 80

لرفع هذا العدوان من الرجوع الى الحاكم و قوة السلطان و الا بقيت الهبة معلقة حتى يحصل القبض، نعم قد يقال ان الاشكال في هبة المشاع ليس من هذه الناحية بل من جهة ان هبة المشاع بجميع اقسامه لا يحصل فيه القبض المعتبر في الهبة و هو السلطنة المطلقة من غير مزاحم و لما كان المشاع ليس لأحد الشريكين فيه تلك السلطنة لمزاحمة كل منهما للآخر و تصرف كل منهما مقيد برضا الآخر فلا يصح هبته لعدم إمكان ذلك القبض المعتبر- و لكن هذه الدعوى مدفوعة بإطلاق أدلة القبض و ان قبض كل شي ء بحسبه، و كونه بحيث لا يتصرف شريكه إلا بإذنه نحو من السلطنة و لا دليل على اعتبار ذلك القبض الخاص بل الإطلاقات تدفعه و لم يذكروا ذلك في شي ء من المعاملات التي يعتبر فيها القبض كالوقف و السلم و غيره.

(و القصارى) أن عقده هذه الاشكال تنحل بكلمة واحدة و هي ان هبة المشاع يعتبر فيها اذن الواهب و اذن شريكه فان اذن و الا أجبره الحاكم «و انتهى كل شي ء».

و كان على المانعين ان يقولوا ان هبة المشاع لا تصح إلا بإذن الشركاء جميعا بقبضه الا ان يمنعوا من صحته مطلقا.

ثم لا فرق فيما ذكرنا من صحة هبة المشاع بين ان يكون قابلا للقسمة أم لا منقولا أم لا يهبه لواحد أو أكثر من واحد لصغير أو كبير رحم أو لا و الإشاعة بين اثنين أو أكثر و قد أطال بعض الشراح و أسهب في هذه التقاسيم و صحح بعضا و كله تطويل بلا طائل و ملاك المسألة ما ذكرنا

ص: 81

فتدبره و اغتنمه فلعلك لا تجده في غير هذه المهارق و المنة للّٰه وحده

مادة (859) يشترط ان يكون الواهب عاقلا بالغا

بناء عليه لا تصح هبة الصغير و المجنون و المعتوه أما الهبة لهؤلاء فصحيحة.

تقدم ذلك بل لا حاجة الى ذكره لأنهما من الشرائط العامة المعتبرة في تمام العقود بل و الإيقاعات أما المجنون فلا قصد له غالبا و اما الصغير فلا اثر لقصده إلا إذا كان مميزا فيصح بإذن وليه، و من الغريب هنا ان بعض الشراح صرح هنا بكفاية عقل السكران الذي شرب الخمر فقال انه كاف لأهلية التصرف بالهبة و هو كما ترى و عدم تعرض المجلة للسكران و تخصيص عدم الصحة بالصغير و المجنون و المعتوه يشعر بذهابهم إلى صحة هبة السكران و نحن نترك التعليق عليه للصحاة من أرباب العقول لا للسكارى و المجانين.

مادة (860) يلزم في الهبة رضا الواهب فلا يصح بالجبر و الإكراه.

هذا أيضا من الشرائط العامة التي كان الأولى ذكرها في محل واحد و الاستغناء عن إعادتها في كل عقد و معاملة نعم لو أجبره على الهبة ثم رضى بعد الإكراه أمكن القول بالصحة على تأمل شعر به متن المجلة فليتأمل.

و قد اقتصرت على هذا المقدار من الشرائط و أهملت كثيرا منها فتدبره

ص: 82

الباب الثالث (في بيان أحكام الهبة،

اشارة

و يشتمل على فصلين)

الفصل الأول في [بيان الرجوع عن الهبة]
اشارة

يعني في جواز الهبة و لزومها، و لعلك عرفت كما ان الأصل في عقود المعاوضات المبنية على التغابن هو اللزوم الا ما خرج بالدليل- فكذلك الأصل في عقود المجانيات هو الجواز الا ما خرج، و كما ان أشهر عقود المعاوضات اللازمة و أهمها هو البيع و كل فرد يشك فيه انه وقع جائزا أو لازما يبنى على لزومه و كذا لو شك في حكم نوع منه شرعا يعني ان الأصل هو اللزوم سواء كانت الشبهة مصداقية أو حكمية فكذا أهم و أشهر العقود المجانية هو الهبة و هي عكس البيع فكل نوع منها يشك ان حكمه اللزوم أو الجواز و كل فرد يشك انه من الجائز أو اللازم يبنى على جوازه للأصل فاصل الهبة بعد تحققها بالقبض هو جواز الرجوع الا ما خرج باليقين كما ان الأصل في البيع بعد تحققه بمجرد العقد هو اللزوم الا ما علم خروجه، و هذا أهم ما في هذا الفصل و قد ذكر مادة (861) يملك الموهوب له الموهوب بالقبض.

ص: 83

توطئة لما بعده و الا فهذا الحكم قد تقدم في مادة (841) و ما بعدها و من لوازم عدم الملكية إلا بالقبض ان المنافع الحاصلة ما بين العقد و القبض هي للواهب و له المنع من القبض و العدول إذا الموهوب لا يزال في ملكه لرحم كانت الهبة أو لغيره و لو توفي أحدهما قبل القبض بطل العقد و انتقل المال إلى ورثة الواهب فلو وافقوا على الهبة فلا بد من عقد جديد، و للواهب التصرف بالعين قبل القبض كيف شاء و كل هذا و نظائره متفرع على عدم تأثير العقد أي أثر سوى صلاحيته للحوق القبض فتحصل الملكية نقلا لا كشفا بخلاف إجازة الفضولي على المشهور عند المحققين، و مما ذكرنا يتضح ان هذه المادة بمدلولها تغني عن مادة (862) للواهب ان يرجع عن الهبة قبل القبض بدون رضا الموهوب له.

بل في الحقيقة لم يحصل شي ء ناجز حتى يحتاج الى الرجوع و انما هو أي العقد استعداد كما عرفت فرجوعه و عدمه سواء من حيث الأثر الفعلي و عدم القبض و الإقباض يغني عن الرجوع فلا حاجة أيضا الى مادة (863) نهي الواهب عن القبض بعد الإيجاب رجوع فإن الإيجاب بل و مع القبول لم يؤثر شيئا حتى يكون النهي رجوعا و انما الحاصل هو الاستعداد و هو باق حتى مع النهي عن القبض فلو اذن له بالقبض بعد ذلك فقبض تمت الهبة، نعم موضع الرجوع حقيقة بعد العقد و القبض في الهبة الجائزة كما في مادة (864) للواهب ان يرجع عن الهبة و الهدية بعد القبض برضا الموهوب و القيد الأخير عندنا مستدرك بل

ص: 84

في غير مواضع اللزوم مطلقا رضي الموهوب له أم لا و لو كان منوطا برضاه لكانت من العقود اللازمة كالبيع و قد عرفت ان طبيعتها الجواز عكس البيع و يدل عليه الحديث المشهور [الواهب أحق بهبته ما لم يثب عنها] و أخبارنا به مستفيضة، و الرجوع الى الحاكم كما في المجلة.

و ان لم يرض الموهوب له راجع الواهب الحاكم و للحاكم فسخ الهبة ان لم يكن ثمة مانع من موانع الرجوع التي ستذكر في المواد الآتية و ان كان مانع فلا يفسخ- فضلة مستغنى عنه فان تشخيص كونها هبة لازمة أو جائزة واضح لا حاجة فيه الى الرجوع الى الحاكم و أسباب اللزوم محصورة معلومة كما سيأتي بيانها و قد تقدم بعضها و لا خصومة حتى تحتاج إلى حكومة فالهبة ان كانت جائزة جاز الرجوع للواهب فيها رضي الموهوب له أم لا حكم الحاكم أم لم يحكم فإنه حكم كلي الهي و ليس من التطبيقات الشخصية التي تتوقف على حكم الحاكم، و كأن أرباب المجلة لم يتميز عندهم مورد حكم الحاكم عن حكم الشارع فاشتبه عليهم الأمر أو بالأحرى- لم يتضح لهم الفرق بين الفتوى و القضاء و ان كانت لازمة اي واجدة لبعض أسباب اللزوم فلا رجوع للواهب و لا حكم للحاكم.

أ فليس من الغريب مع هذا قولهم في مادة (865) لو استرد الواهب الموهوب بعد القبض بدون حكم الحاكم و قضائه و بدون رضا الموهوب له يكون غاصبا و بهذه الصورة لو تلف أو ضاع في يده يكون ضامنا.

ص: 85

و قد عرفت ان حكم الحاكم أجنبي في المقام و لا محل له أصلا و ان المدار على نوع الهبة فإن كانت جائزة له الرجوع و يأخذه قهرا من الموهوب له لأن الملكية رجعت له و لا ضمان أصلا حكم الحاكم أم لا، و ان كانت لازمة لم يجز له الرجوع الا برضا الموهوب له فيكون من قبيل الإقالة و لو أخذه بدون رضاه كان غاصبا و ضامنا لانه ملك للموهوب له حكم الحاكم أيضا أم لا- هذا هو العلم المشذب. و ما ذكرته المجلة هنا و بعض شراحها محلول العري مشبع بألوان الضعف و الركاكة،،، ثم إذا رجع الواهب في موضع الجواز فهي ملكية جديدة لا فسخ للملكية السابقة و لذا يسترجع نفس العين دون منافعها فإنها للموهوب له، و سيأتي توضيح ذلك

و قد شرعت (المجلة) في ذكر أسباب اللزوم
اشارة

و قد تقدم بعضها و هي أمور

(الأول) هبة ذي الرحم

كما في مادة «866» من وهب لأصوله و فروعه أو لأخيه و أخته أو لأولادها أو لعمه و عمته شيئا فليس له الرجوع.

و هذه الضابطة مع طولها مختلفة و كان الأصح جعل العنوان هبة ذي الرحم كما في الحديث المشهور (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها) فيشمل الخال و الخالة و أولادهم و الجد و الجدة و أخواتهم و في اخبار أهل البيت سلام اللّٰه عليهم (الهبة و النحلة يرجع فيها ان شاء الا لذي رحم) و لا يختص عندنا بالمحرم بل يعم كل ما يصدق عليه القرابة و الرحم عرفا محرما أو غير محرم لوجود لفظ القرابة في بعض الاخبار و لا فرق فيه بين الصغير و الكبير بل و المسلم و الكافر لإطلاق

ص: 86

الأدلة،،،

«الثاني» الزوجية

كما في مادة (867) لو وهب كل من الزوج و الزوجة صاحبه شيئا حال كون الزوجية قائمة بينهما فبعد التسليم ليس له الرجوع.

فعنوان الزوجة يستوجب لزوم الهبة و ان لم يكن بينهما قرابة ففي اخبارهم سلام اللّٰه عليهم «لا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته و لا المرأة فيما تهب لزوجها حيزا و لم يحز أ ليس اللّٰه تعالى يقول وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً، و قال تعالى فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً» و المراد حازها الواهب فلو وهبها شيئا قبل ان يقبضه أو قبضته هي بإذنه لم يجز له الرجوع و لا فرق فيهما بين الكبير و الصغير و العاقل و غيره و المسلم و غيره للإطلاق أيضا و لا يبعد لحوق المطلقة الرجعية بها دون البائنة،

«الثالث» التعويض

و قد سبق مفصلا في مادة (855) و اعاده هنا مادة «868» إذا اعطي للهبة عوض فقبضه الواهب فهو مانع للرجوع.

و المذكور سابقا شرطية العوض و الملحوظ هنا الأعم إذ لا فرق في اللزوم بين ان يشترط العوض في الهبة الأولى أو يكون ابتداء من الموهوب له من غير شرط عليه كما لا فرق بين وقوع الثانية بنحو الهبة أو العطية أو غيرهما و لكن يلزم في الجميع قصد العوضية أي قصد ان دفع هذا المال أو العمل عوض للواهب عن هبته فلو أعطاه لا بقصد العوضية لم تصر لازمة بل له الرجوع فيها، و مع قصد التعويض و التقابض من الطرفين فقد لزمتا معا و ليس لأحدهما

ص: 87

الرجوع فيما اعطى بدون رضا نعم لو رضيا صح و كان نظير الإقالة في البيع، و لا مانع ان يشترط الواهب ان يعوضه الموهوب و لو ببعض هبته فضلا عما لو عوضه بشي ء منها بدون الشرط و يجري عليها بعد التقابض حكم الهبة المعوضة، نعم لا محل و لا معنى للزوم فيما لو اشترط عليه ان يعوضه بها أجمع لأنه راجع الى الجواز أو الفسخ، ثم لا فرق في العوض بين ان يكون من مال الموهوب له أو من غيره كما نصت عليه (المجلة) بقولها: فلو اعطى للواهب شيئا على ان يكون عوضا لهبته فليس له الرجوع ان كان من جانب الموهوب له أو الغير اما عدم رجوع الواهب و الموهوب بعد التقابض فواضح، انما الكلام في الغير لو دفع العوض فهل له الرجوع على الموهوب له بعوض ما دفع؟ و التحقيق ان دفعه ان كان بغير طلب المتهب و لا باذنه فلا إشكال في عدم استحقاق الرجوع عليه بالبدل لانه متبرع و اما لو كان بطلبه أو بإذنه فإن طلب منه التبرع صراحة فلا رجوع أيضا و الا فله حق الرجوع و هذا الحكم مطرد في كل من دفع مالا عن غيره سواء كان مما يطلب بالحبس و الملازمة كالديون و نفقة الزوجة أو كان مما لا يطلب بذلك كالزكوات و الكفارات و النذور و نحوها.

و سواء كان مما جرت العادة برجوعه أم لا فإن الأصل في دفع المال عن شخص بطلبه ضمانه لأصالة احترام مال المسلم الا ان يتبرع به صريحا فيسقط حرمته، و التفاصيل المذكورة هنا في كتب القوم لا تعتمد على دليل.

ص: 88

مادة (869) إذا كان الموهوب أرضا و أحدث الموهوب له فيه بناء أو غرس شجرا أو حصل للموهوب زيادة متصلة
اشارة

مثل كونه حيوانا ضعيفا و سمن بتربية الموهوب له أو تبدل اسمه بتغيير الموهوب له ككونه حنطة و جعله دقيقا فليس للواهب الرجوع و اما الزيادة المنفصلة فلا تمنع من الرجوع.

(هذا هو السبب الرابع) من أسباب اللزوم و عدم الرجوع و حقه ان يعنون بعنوان التصرف و التغيير، و هي من المسائل الخلافية عند فقهائنا بل و عند غيرهم في الجملة، و تحرير البحث فيها- ان العين الموهوبة اما ان تتغير عند الموهوب له عما كانت عليه عند الواهب أو لا و التغيير اما ان يكون زيادة أو نقيصة و كل منهما اما ان يكون زيادة أو نقيصة متصلة أو منفصلة و المتصلة سوقية أو عينية و العينية اما ان تكون بفعل الواهب أو الموهوب له أو أجنبي أو سماوي فالزيادة السوقية أو النقيصة و ان حصلت في ملك الموهوب له و لكن لا ينبغي الإشكال في انها غير مانعة من الرجوع أصلا- لأن معيار صحة الرجوع عندنا هو معيار الرجوع في باب خيار العيب و هو كما في الاخبار هنا و هناك كون المال الموهوب أو المبيع قائما بعينه و لا اشكال ان ارتفاع القيمة و هبوطها لا يمنع صدق كونها قائمة بعينها كما لا إشكال في ان الزيادة و النقيصة العينية تمنع من ذلك سواء كانت بفعل إنسان مطلقا أو بسبب سماوي، و اما إذا لم تتغير فاما ان يكون قد تصرف بها بما لا يوجب التغيير.

كركوب الدابة و ليس الثوب و مطالعة الكتاب أولا و الثاني هو القدر

ص: 89

المتيقن لجواز الرجوع كما لا ينبغي الإشكال في صحة الرجوع في الأول أيضا لصدق كونها قائمة بعينها و اما المنفصلة فإن أوجبت تغيير العين كما لو هزلت الدابة بالولادة فلا رجوع و ان لم توجب التغيير صح الرجوع لأنها قائمة بعينها كما في (المجلة) فلو حملت الفرس التي وهبها أحد لغيره فليس له الرجوع عن الهبة لكن له الرجوع بعد الولادة و بهذه الصورة يكون فلوها للموهوب له.

اما الأقوال في أصل مسألة التصرف فهي عندنا ثلاثة (1) مطلق التصرف مانع من الرجوع حتى مثل لبس الثوب و ركوب الدابة و لعل مدركهم ظواهر الأخبار المانعة من الرجوع بالهبة مثل (الراجع في هبته كالراجع في قيئه) التي لا محيص من حملها على الكراهة و الا لزم كون الهبة مطلقا لازمة حتى مع عدم التصرف فالدليل أعم من المدعى مضافا الى كونه مصادما للضرورة في أن الأصل في الهبة الجواز (2) بعكسه و هو ان مطلق التصرف لا يمنع الرجوع و لعل مدركهم استصحاب الجواز و هو منقطع بالدليل و كلاهما إفراط و تفريط (3) الوسط و هو خيرها التفصيل بين النافل كالبيع و الصلح و نحوها أو المغير كطحن الحنطة و خياطة الثوب و غرس الأرض أو بنائها دارا و بين ما ليس بناقل و لا مغير كلبس الثوب و نحوه و هذا هو الذي يساعد عليه الدليل و المعيار المذكور في الاخبار، ففي صحيحة الحلبي إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله ان يرجع فيها و الا فليس.

بقي في المقام أمور مهمة يلزم التنبيه عليها
اشارة

ص: 90

(1) قد عرفت ان انتقال العين من ملك الموهوب له الى آخر يمنع من الرجوع

كما في مادة «870» إذا باع الموهوب له الموهوب أو أخرجه عن ملكه بالهبة و التسليم فلا يبقى للواهب صلاحية الرجوع. و هذا مما لا اشكال فيه انما الإشكال لو عادت الى ملكه ثانيا بشراء أو إقالة أو إرث أو غير ذلك فهل يعود جواز الرجوع أم لا وجهان- من ان المانع إذا زال يعود الممنوع و من ان مناط جواز الرجوع بقاء العين في يد الموهوب له على ما كانت و الفرض هنا انها قد تغيرت صفة ملكيتها «و بعبارة اجلى» ان حق الرجوع كان في تلك الملكية الحاصلة بالهبة و قد زالت و هذه ملكية جديدة لم يتحقق فيها حق الرجوع لأحد، و بعبارة ثالثة أو وجه آخر ان الواهب له حق الرجوع في الملكية التي نشأت منه و هذه ملكية.

اخرى لا سلطة له عليها، و من هنا ذهب السيد الأستاذ قدس سره الى المنع من الرجوع و لكن اللازم بين ما إذا كانت الملكية العائدة هي الأولى كما في الإقالة و الفسخ فله الرجوع، و بين ما لو كانت غيرها كشراء و نحوه فلا رجوع، و مع ذلك فالمسألة من أصلها لا تخلو من نظر لان رجوع الموهوب الى الموهوب له على حاله يحقق صدق قيام الهبة بعينها المحقق لموضوع الرجوع شرعا و المدار فيه على صدق القيام و العرف ينظر الى تغير العين و عدم تغيرها لا إلى الملكية و تبدلها و عدم تبدلها أما قضية ان الملكية العائدة هي الزائلة أم غيرها فلا اثر له في المقام أصلا بل المدار على صدق القيام و عدمه.

«2» لو شك ان العين هل تغيرت أم هي قائمة بحالها

اما للشك

ص: 91

في ان تبدلها من تلك الحال الى الحال التي هي فيه فلا يوجب صدق عدم القيام أو من جهة الشك في أصل التبدل فالظاهر انه لا رجوع لعدم إحراز تحقق الموضوع و مع الشك في تحقق الموضوع لا مجرى للاستصحاب نعم يمكن ان يقال ان هذه العين كان يجوز للواهب الرجوع فيها و الآن كما كان و ملك الصفة الزائلة ما كانت قيدا في الموضوع بل هي بسبب الشك كالتغير في الماء النجس فان زوال التغير لا يمنع من استصحاب نجاسته

(3) قد يقال ان وطئ الجارية و ان لم يحصل به حمل تصرف مسقط للرجوع

بدعوى انه تغيير في الصفات النفسانية و هو كما ترى ممنوع صغرى و كبرى نعم لو حملت و كانت بكرا فافتضها أو تكرر منه الوطء كان من التصرفات المسقطة للرجوع لعدم قيامها بعينها، و من هنا يظهر الكلام في الإجارة فإنها لا تمنع الرجوع لان العين قائمة على حالها و الإجارة لا تغير من العين المستأجرة شيئا حسيا فضلا عن مثل العارية و الوديعة، و لو آجر الموهوب له العين الموهوبة ثم رجع الواهب في الأثناء فهل تبقى الإجارة بحالها و يسترجعها الواهب بعد انقضاء المدة أو تنفسخ الإجارة و يسترجعها حالا أو لا يصح الرجوع أصلا، وجوه أوجهها الأول لأنه عقد صحيح صدر من أهله في محله فلا وجه لبطلانه غايته ان الواهب له حق الاسترجاع و مقتضى الجمع بين الحقين ان يسترجعها مسلوبة المنفعة، اما مثل التدبير و المكاتبة فضلا عن مثل العتق و الرهن أو غرس الأشجار أو بناء الأرض دارا أو مزج العين بمثلها بحيث لا تتميز فلا إشكال في عدم الرجوع في الجميع.

ص: 92

«4» لو باع الواهب بعد الهبة و القبض العين الموهوبة

فإن كانت الهبة لازمة فلا إشكال في انه فضولي موقوف على اجازة المتهب و ان كانت جائزة، فقيل يقع باطلا ان قصد به الرجوع عن الهبة و التمليك لانه لا بيع إلا في ملك فلو توقف الملك على البيع- دار- و ان شئت قلت ان السبب الواحد لا يعقل ان يكون مملكا للواهب و ناقلا هذه الملكية إلى المشتري فيكون عقدا و فسخا، و لكن تصحيحه و دفع هذين المحذورين بان توقف ملكيته على البيع المحقق للرجوع مما لا اشكال فيها فلا يملك الا بالبيع و لكن يكفي في الملكية المصححة للبيع اقترانها بالبيع لا تقدمها و سبقها، و قاعدة لا بيع إلا في ملك، لا تقتضي أكثر من لزوم كون البيع مع الملك أعم من كونه سابقا أو مقارنا، توضيح ذلك ان الرجوع في الهبة كالرجوع في الطلاق لا يحتاج الى عقد و لا إيقاع بل يكفي فيه القول الدال عليه كما يكفي أي فعل من الأفعال الظاهرة في قصد الرجوع فالبيع الصادر من الواهب بما هو فعل قصد به الرجوع يكون فسخا و مملكا له و بما هو عقد بلحوق القبول يكون ناقلا و مملكا للمشتري فعند شروعه بالإيجاب انفسخت الهبة و رجع ملكا للواهب و عند تمامية العقد إيجابا و قبولا يعود ملكا للمشتري و ينتقل اليه من الواهب فاندفع المحذوران مع المحافظة على القواعد و اتجه القول بالصحة و له نظائر منها بيع ذي الخيار لنفسه ما انتقل عنه بقصد الفسخ، و منها عتق العبد الموهوب بقصد الرجوع في الهبة فتدبره و اغتنمه فإنه من نفائس العلم

(السبب الخامس) من أسباب لزوم الهبة- تلف العين الموهوبة

كما

ص: 93

نصت عليه مادة [871] إذا استهلك الموهوب في يد الموهوب له فلا يبقى للرجوع محل يعني ان حق الرجوع قائم بشخص العين فيذهب بذهابها لا بماليتها حتى ينتقل الى المثل أو القيمة كما في الفسخ بالخيار بعد تلف العين و لا فرق في التلف المسقط للرجوع بين كونه سماويا أو بشريا من الواهب أو المتهب أو أجنبي كل ذلك لما تكرر من ان المعيار كون الهبة قائمة بعينها نعم يمكن القول بان تلف البعض لا يمنع حق الرجوع في الباقي لأنه قائم بعينه و لا يخلو من نظر و الحق هو التفصيل بين ما إذا كان الموهوب متعددا حقيقة كثوب و كتاب فتلف أحدهما لا يسقط حق الرجوع في الآخر لأنه قائم بعينه و يرجع في الحقيقة إلى هبتين و بين ما يكون واحدا بحسب الصدق العرفي و ان كان مركبا ذا أجزاء في الحقيقة كالثوب الواحد المؤلف من قطعات مختلفة أو متفقة فلو تلف بعض اجزائه سقط حق الرجوع في الباقي لعدم قيام الهبة بعينها و هي هبة واحدة و منه يتضح لك حال نقص العين مطلقا فان المعيار فيه صدق القيام فان انتفى فلا رجوع و الا فحق الرجوع باق و الحكم الكلي واضح و انما الإشكال في التطبيق و معرفة حال المصاديق و هي التي يقع الشك و الاشتباه فيها غالبا فمثل نسيان الكتابة و أمثالها من الصفات النفسانية يقع الشك انها مغيرة للعين أو لا بل هي قائمة بعينها و منشأ ذلك ان المدار على التغيير الحسي فقط أو الأعم منه و من النفسي و الموارد تختلف و المدار على العرف أو نظر الحاكم ان كان منهم.

و يلحق بالتلف الحقيقي و هو هلاك العين التلف الحكمي و هو انتقالها

ص: 94

ببيع أو صلح فضلا عن مثل العتق و الانعتاق بالتنكيل و الأسباب الخاصة المعروفة، نعم يشكل في مثل التدبير و الكتابة و الأقرب فيها بقاء حق الرجوع فليتدبر، هذا كله في الهبة الجائزة المجردة عن الشرط اما الهبة اللازمة التي اشترط الواهب فيها خيار الفسخ كما لو وهب قرابته و اشترط ان له الرجوع متى شاء فان له الفسخ حتى بعد التلف و يسترد المثل أو القيمة.

و الفرق بين حق الرجوع المجعول بأصل الشرع في العين- و بين الفسخ المجعول بشرط الواهب في العقد ظاهر بعد قليل من التأمل.

«السادس» من أسباب اللزوم موت الواهب أو المتهب بعد القبض

و لو لأجنبي فتلزم الهبة و لا رجوع لورثة الواهب و لا له على ورثة المتهب لان الرجوع حكم شرعي لا حق مالي حتى ينتقل كالخيار و نحوه إلى الورثة أو عليهم و لو سلم كونه حقا فهو قاصر على ذات الواهب و لا أقل من ان الأصل عدم الانتقال و العين بموت الموهوب له قد انتقلت الى ورثته و قد عرفت ان الانتقال أحد أسباب اللزوم فلا رجوع للواهب و لا سيما و الورثة ملكوه بالإرث لا بالهبة، و بهذا يستبين ما في مادة «872» وفاة كل من الواهب و الموهوب له مانعة من الرجوع بناء عليه ليس للواهب الرجوع عن الهبة إذا توفي الموهوب له كذلك ليس للورثة استرداد الموهوب إذا توفي الواهب

«السابع» كون الموهوب دينا على الموهوب له

كما في مادة (873) إذا وهب الدائن للمديون منجزا فليس له الرجوع.

ص: 95

فإنها في الحقيقة إسقاط و إبراء و يقولون: ان الساقط لا يعود- يعني إلا بسبب جديد و هذا يطرد في كل كلي في الذمة و ان لم يكن قرضا كثمن مبيع أو وجه إجارة أو نحو ذلك اما لو وهبه لغير المديون و لم يكن رحما و لا زوجية فله الرجوع حتى بعد القبض و تخيل انه قد وهبه الكلي و المقبوض المصداق و هو شي ء آخر واضح الضعف

«الثامن» مادة (874) لا يصح الرجوع عن الصدقة بعد القبض بوجه من الوجوه.

و كان الاولى ان يدخل هذا في الهبة المعوضة فإن الثواب هو العوض و قد استحقه و كتب له فصار بحكم المقبوض و بحكم المعوضة، و لا فرق بين ان يجعلها بلفظ الصدقة و مشتقاتها أو بلفظ الهبة و متفرعاتها كما لا فرق بين كونها على الفقير أو الغني أو المجهول و على مسلم أو كافر ان تحققت القربة ببعض الجهات.

مادة (875) إذا أباح الرجل لآخر شيئا من مطعوماته

فليس له التصرف فيه بوجه مما يتوقف على المالك كبيع و هبة و صلح و لكن له الأكل و التناول من ذلك الشي ء و بعد هذا ليس لصاحبه مطالبة قيمته مثلا إذا أكل أحد من بستان آخر بإباحته مقدارا من العنب فليس لصاحب البستان مطالبة قيمة ذلك،،، من المعلوم ان الإباحة ليست تمليكا بل هو تسليط على التصرف فيقتصر على مقدار الاذن و الرخصة فلو اذن له بجميع التصرفات حتى الناقلة كان من قبيل المعاطاة عند القائلين بالإباحة و الاشكال هناك يأتي هنا بالأولى. و لو رخصه على

ص: 96

نحو مخصوص و تصرف معين تعين و ليس له التجاوز فلو تجاوز كان باطلا و لما كانت قرينة الحال في إباحة المطعومات ظاهرة في إرادة إباحة الأكل خاصة تعينت كالمدعويين في الولائم و نحوها و لا يجوز غير الأكل من التصرفات و له نظائر قد تقدم بعضها فليراجع و منها ما في مادة (876) الهدايا التي ترد في الختان و العرس تكون لمن ترد باسمه من المختون و العروس و الولد و الوالدة و ان لم يذكر أنها وردت لمن و لم يمكن السؤال عنها و التحقيق فعلى ذلك يراعي عرف البلد و عادتها يعني إذا خصها المالك اختصت و الا فالمتبع هو العرف الخاص و على كلا التقديرين فهي من مصاديق التمليك المجاني و لا إشكال في هذا انما الإشكال أنها هل هي من الهبة الجائزة التي يجوز الرجوع فيها و الحكم بذلك و لا سيما مع تباني العرف على عدم الرجوع فيها مشكل و الحكم بلزومها مع عدم وجود أحد الأسباب الملزمة أشكل فالمسألة تحتاج الى مزيد دقة و تأمل.

و نظير هذا الهدايا المرسلة الى المسافرين عند قدومهم أو منهم الى أصدقائهم و أقربائهم و أمثال ذلك و هو كثير و منه ما يعطى بعنوان الاعانات و المساعدات فان الجميع تمليكات مجانية و حالها من حيث جواز الرجوع و عدمه ما عرفت.

ص: 97

الفصل الثاني في (هبة المريض)

يعني مرض الموت التي تتوقف فيه تصرفات المريض المجانية الزائدة على الثلث على اجازة الورثة عند كثير من الفقهاء و عند آخرين تنفذ من حينها و لا تتوقف و المسألة مشهورة و محررة في محالها من كتب الفقه ككتاب الحجر و الوصية و الغرض هنا ذكر ما يتعلق بالهبة لأنها من أشهر التصرفات المجانية و أكثرها وقوعا.

مادة (878) إذا وهب من لا وارث له جميع أمواله لأحد في مرض موته و سلمها فيصح بعد وفاته و ليس لأمين بيت المال المداخلة في تركته.

الهبة في مرض الموت كالهبة في غيره لا تخرج عن حقيقة الهبة و لا ترجع إلى الوصية كما توهمه بعض الشراح فإن الهبة تمليك منجز و الوصية تمليك معلق على الموت فأين هذا من ذاك، نعم الفرق بين الهبتين ان التي تقع في حال الصحة تصح بعد القبض و لا سلطة الا للواهب على حلها ان كانت جائزة و التي تقع في مرض الموت يراعى فيها

ص: 98

قضية الثلث عند أرباب هذا القول فان ساوت أو قصرت نفذت من حينها و ان زادت فان كان هناك وارث غير الإمام فأجاز جازت و الا بطلت في الزائد و ان لم يكن سوى الإمام فالأمر اليه ان شاء أنفذها في الجميع و ان شاء أبطلها في الزائد و كذا الكلام في نائبه العام و الخاص، و كذلك هبة كل من الزوجين للآخر حيث لا وارث سواه غير الإمام فإن المال كله للآخر منهما على كل حال اما هبة أو ميراثا فرضا أو ردا على القول بأن الزوجة يرد عليها، اما لو كان وارث غير الموهوب له فالمدار في الزائد على اجازته كما عرفت و عليه مادة (879) إذا وهب أحد في مرض موته شيئا لأحد ورثته و بعد وفاته لم تجز الورثة الباقون فلا تصح تلك الهبة.

و هذا صحيح و لكن لا وجه لتخصيص الموهوب له بأحد الورثة بل و لو لأجنبي و تنفذ بإجازة الورثة سواء كانت قبل موته أو بعده و توهم عدم صحتها قبل موته لأنها إسقاط ما لم يتحقق مدفوع بان مرض الموت موجب لتعلق حق للورثة بتركة مورثهم في الزائد على الثلث عند أرباب هذا القول كتعلق حق الغرماء و لذا يكون محجورا عليه في الزائد و باعتبار ذلك الحق تصح إجازتهم و يعتبر ان يكون المجيز عاقلا بالغا غير مريض مرض الموت و للولي أو الوصي الإجازة مع المصلحة لا مطلقا نعم المعتبر هو الوارث عند الموت لا عند الهبة فلو أجاز الوارث عند الهبة ثم مات قبل الواهب لغت اجازته طبعا.

و تصح الهبة للوارث و لغيره كما تصح الوصية كذلك من صحيح

ص: 99

و مريض، و ما يرويه الجمهور من حديث (ان اللّٰه قد اعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث) غير معمول به عندنا و محمول على عدم وجوب الوصية للوارث لأن إرثه الذي فرضه اللّٰه يدفع وجوب الوصية و في بعض الروايات ما يشير الى ذلك، نعم لا ريب ان ترجيح الورثة على بعض في الهبات و التمليكات الصلحية أو البيوع المحاباتية- جور و إجحاف على باقي الورثة كما في كثير من الاخبار و هو مكروه كراهة شديدة تكاد تلحقه بالحرام نعم و قد يبلغ الحرمة إذا استلزم حصول الشحناء و البغضاء بين الاخوة و الأولاد، و في بعض الاخبار ان أحد الصحابة اشهد النبي «ص» على تمليك عقار لبعض ولده فقال له النبي صلى اللّٰه عليه و آله هل أعطيت بقية ولدك مثل ما عطيته فقال لا فقال (ص) هذا جور و انا لا اشهد على جور- هذا كله مع تساوي الأولاد من سائر الجهات اما لو تميز أحدهم ببعض المرجحات فقد يستحب الترجيح بل قد يجب مع الأمن من المفسدة كما لو كان أحدهم فقيرا أو مريضا أو عاجزا عن الكسب أو مشغولا بطلب العلم أو نحو ذلك من المميزات و هذا باب واسع و له إغلاق و أقفال كثيرة مفاتيحها العقل و العدل و الوجدان هذا كله في الهبة للوارث (اما لو وهب و سلم لغير الورثة فإن كان ثلث ماله مساعدا وافيا بتمام الموهوب تصح و ان لم يكن وافيا و لم تجز الورثة الهبة تصح في المقدار الوافي و يكون الموهوب له مجبورا على رد الباقي).

و قد عرفت انه لا فرق في ذلك بين الهبة للوارث و غيره و يلحق

ص: 100

بالهبة جميع معاملاته المحاباتية كما لو باع أو آجر أو صالح بأقل من ثمن المثل فإنها جميعا تتوقف على اجازة الورثة لأنها تزاحم حقوقهم في الثلثين اما ما كان بثمن المثل أو أزيد فينفذ من حينه بلا توقف و كذا الكلام في حق الغرماء فيما لو كانت الديون تستغرق التركة فإن تصرفات مرض الموت المحاباتية لا تنفذ إلا بإجازة الغرماء فلو وهب بغير عوض مساوي كان لهم رد الهبة و استرداد الموهوب و لو كانت الديون تقابل نصف أمواله أو ثلثيها لوحظت النسبة فإن كانت الهبة أقل من النصف توقفت على اجازة الورثة فقط و ان كانت أزيد توقفت على إجازتهم و اجازة الغرماء و الى بعض هذا أشارت مادة (880) إذا وهب المستغرق تركته بالديون أمواله لوارثه أو لغيره و سلمها ثم توفي فللغرماء ان يدخلوا أمواله في قسمتهم ان لم يمضوا الهبة،،، و هي مجملة و التحقيق الوافي ما ذكرناه.

(و الى هنا تم كتاب الهبة و يليه كتاب الغصب و الإتلاف)

ص: 101

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم و له الحمد

الكتاب الثامن (في الغصب و الإتلاف

اشارة

و يشتمل على مقدمة و بابين)

ص: 102

المقدمة (في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالغصب و الإتلاف)

اشارة

مادة (881)

الغصب:

هو أخذ مال أحد و ضبطه بدون اذنه و يقال للآخذ غاصب و للمال المضبوط مأخوذ و لصاحبه مأخوذ منه، جرت طريقة الفقهاء من العامة و الخاصة أن يفردوا في كتبهم الفقهية كتابا خاصا للغصب مع ان المباحث التي يذكرونها في هذا الكتاب ليست من آثار الغصب أصلا و انما هي من آثار اليد- و الغصب فرع من فروعها و هي الأصل و سيأتي ان الغصب انما يمتاز عن سائر موارد اليد في الحرمة التكليفية فقط و كان الأصح ان يجعل عنوان هذه المباحث (كتاب أسباب الضمان) و أولها اليد و لعله من تسامح الأولين و اقتفى أثرهم جل الآخرين.

و تحرير البحث كما هو حقه- ان أسباب الضمان و نعني به صيرورة مال شخص في عهدة آخر بأن يؤديه إليه عينا أو بدلا مثلا أو قيمة و أسباب

ص: 103

هذا و ان كانت كثيرة و لكن أشهر أصول الضمانات و أكثرها وقوعا و أوسعها فروعا- أربعة «1» اليد «2» الإتلاف «3» الالتزام «4» الغرور. و المراد باليد الاستيلاء على مال الغير بغير حق يعني بغير اذن من المالك و لا الشارع فان كان عالما عامدا مختارا فهو عدوان محرم مضاف إلى أثره الوضعي من لزوم دفع غرامته لو تلف و هو الغصب المعروف و ان لم يكن كذلك فلا حرمة بل عليه الضمان فقط اي وجوب رد العين موجودة ورد بدلها مفقودة،،، و قد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الغصب ففي المجلة هو الأخذ. و في جملة من متون فقهائنا هو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانا و هذا التعبير أقربها إلى الحقيقة و ان كان لا يخلو من خدشه و هناك تعبيرات اخرى كلها قاصرة و تعريف المجلة أشدها قصورا إذ لا يعتبر في الغصب الأخذ بل لو استولى على المال و هو في يد صاحبه كان غصبا كما لو سكن الدار معه و صيره مأمورا بأمره، و كذا التعبير بالاستقلال فان وضع اليد على الشي ء مع يد المالك كما لو ركب الدابة معه غصب و ان لم يكن هناك استقلال، و مثله التعبير عنه بإزالة اليد المحقة و وضع اليد المبطلة و كيف كان فقد ظهر لك ان أحسن ما يمكن التعبير عنه بالمعنى العام انه اي الغصب الاستيلاء على مال الغير بغير حق و بالمعنى الخاص و هو المحرم عقلا و شرعا الاستيلاء على مال الغير عدوانا، و الفرق بينهما واضح و من الغريب ان المجلة جعلت الآخذ هو الغاصب ثم غفلت عن جعل المأخوذ مغصوبا و المأخوذ منه مغصوبا منه، و يشبه ان يكون هذا من

ص: 104

قبيل ما يسمونه في البديع «بالإطاعة و العصيان».

مادة (882) قيمة الشي ء قائما هي قيمة الابنية أو الأشجار حال كونها قائمة في محلها

و هو ان تقوم الأرض مع الابنية و الأشجار و تارة تقوم على ان تكون خالية عنهما فالتفاصيل و التفاوت الذي يحصل بين القيمتين هو قيمة الأبنية و الأشجار قائمة.

و أسهل من ذلك ان تقوم نفس الابنية من حيث هي متراصة و مجتمعة و الأشجار من حيث كونها نابتة نامية و هذا شي ء قد يعرفه أهل الخبرة بسهولة. و من هذا القبيل تقويم ثمن الزوجة من الابنية و الأشجار على المشهور عندنا من انها لا ترث من أعيانها بل من القيمة.

مادة (883) قيمة الشي ء مبنيا

هي قيمة البناء قائما.

مادة (884) قيمة الشي ء مقلوعا

هي قيمة انفاض الابنية و الأشجار بعد القلع.

مادة (885) قيمة الشي ء حال كونه مستحقا للقلع

هي للقيمة الباقية بعد تنزيل اجرة القلع من قيمة المقلوع.

هذه المواد مع انها من الواضحات قليلة الجدوى ضئيلة الفائدة

مادة (886) نقصان الأرض هو الفرق و التفاوت الذي يحصل بين أجرة الأرض قبل الزراعة و بعدها.

يعني إذا زرع الغاصب أو غيره و نقصت الأرض بذلك التصرف و أريد معرفة قدر النقيصة بنظر التفاوت بين أجرتها قبل الزراعة و بعدها و لو جعلوا المعيار التفاوت بين قيمتها قبل ان تزرع و بعدها لكان أهون

ص: 105

و أتقن.

(888) الإتلاف تسببا هو التسبب لتلف شي ء

يعني إحداث أمر في شي ء يفضي الى تلف شي ء آخر على جري العادة و يقال لفاعله متسبب كما ان قطع حبل قنديل معلق يكون سببا مفضيا لسقوطه على الأرض و انكساره و يكون قد أتلف الحبل مباشرة و كسر القنديل تسببا و كذلك إذا شق أحد ظرفا فيه سمن و تلف ذلك السمن يكون قد أتلف الظرف مباشرة و السمن تسبيبا،،، تشير المجلة بهذا الى ان الإتلاف الذي هو أحد أسباب الضمان نوعان لان المتلف اما ان يتلفه مباشرة أو تسبيبا و قد أشارت إلى تعريف التسبيب و هو إحداث أمر في شي ء يفضي الى تلف شي ء آخر و ساق له تلك الأمثلة التي هي مثال للتسبيب كما هي مثال للمباشرة التي لم يذكر تعريفها و ضابطتها و قد تكثرت العبارات في إعطاء الضابطة الفارقة بين المباشرة و التسبيب فان الحكم و هو الضمان حيث يجتمع المباشر و السبب يختلف فتارة يكون على المباشر و اخرى على السبب فلا بد من ضابطة يمتاز بها أحدهما عن الأخر، و الضابطة المذكورة في المجلة مختلة و توضيح ذلك يستدعي تمهيد (مقدمة) و هي ان الافعال التي تسند إلى الإنسان نوعان (قيامية) و هي التي تقوم بالفاعل قيام حلول مثل النوم و الموت و الحياة إلى كثير من نظائرها فإن نسبة الموت الى زيد في قولك مات زيد ليس لان الموت صدر منه بل لانه حل به و قام فيه و هكذا القول في أمثاله و نسبة هذه الأحداث إلى الموضوعات القائمة بها انما بضرب من التوسع و الا فحقيقة النسبة تقتضي صدور الفعل

ص: 106

من الفاعل لا حلوله فيه و ليست تلك الاحداث الفاعلية من أفعالنا بل لها أسباب و علل خاصة توجد بوجودها انما أفعالنا حقيقة هي القسم الثاني و هي «الصدورية» أي التي تصدر من الشخص حقيقة و تسند اليه بلا عناية مثل القتل و الأكل و الشرب و أضرابها و هي أيضا نوعان «توليدية» و هي التي يوجد الفاعل أسبابها فيسند اليه مسبباتها مثل الإحراق حيث يقال فلان أحرق البيت يعني انه القى النار عليه أو ألقاه فيها فاحترق و أكثر أفعال البشر من هذا القبيل «و غير توليدية» و هي التي يوجد الفاعل المسبب بلا واسطة بل يكون السبب صرف إرادته و هو قليل مثل الكلام و القيام و اضرابهما و كلا النوعين هي من أفعالنا مباشرة فالفاعل المباشر هو موجد الشي ء رأسا بإرادته أو موجد سببه.

و حيث ان تأثير الأسباب في الغالب لا يكون الا بانضمام الشروط و سبق المعدات فربما يوجد السبب بفعل شخص و يوجد غيره الشرط أو المعد فموجد السبب هو المباشر و موجد الشرط أو المعد اصطلحوا عليه اصطلاحا خاصا في هذا الباب انه المسبب مع ان فاعل السبب غيره مثلا من حفر بئرا في الطريق لغرض له فالقى فيها شخص رجلا آخر أو دابة فالمباشر هو الملقي و حافر البئر هو فاعل الشرط أو المعد فإذا تغاير المباشر و فاعل الشرط أو المعد فالضمان على المباشر إلا في موردين كما سيأتي اما إذا اتحد بان كان المباشر هو فاعل الشرط أو المعد كما لو كان الملقي هو الحافر فالضمان عليه على كل حال، و مما ذكرنا يظهر لك الخلل فيما ذكرته المجلة و ذلك من وجهين (الأول) ان قاطع الحبل المعلق به القنديل

ص: 107

إذا وقع و انكسر هو كاسر القنديل مباشرة غايته انه فعل أحدهما بإرادته و الآخر بإيجاد سببه و كلا الفعلين كما عرفت هما من أفعال المباشرة لغة و عرفا بل و عقلا.

(الثاني) حيث ان الفاعل لهما واحد فليس هو من موارد الفاعل مباشرة أو تسبيبا. و انما موردهما حيث يتعدد الفاعل فيكون فاعل السبب غير فاعل الشرط أو المعد، فتدبر هذا و اغتنمه فقد اشتبه على كثير من الفريقين.

مادة (889) التقدم هو التنبيه و التوصية بدفع الضرر الملحوظ و إزالته قبل وقوعه.

هذه المادة غير واضحة المراد، و لا معلومة المفاد. و فسرها البعض بما حاصله ان جدار الجار إذا مال الى الانهدام فللشخص ان يقول لجاره ان جدارك متصدع فاهدمه فان لم يفعل فسقط و أتلف شيئا ضمن انتهى.

«أقول» و هذا ما لا جدوى فيه فان صاحب الجدار المنهدم إذا أتلف على جاره شيئا كان ضامنا إذا عد مقصرا كما هو الغالب سواء أنذره جاره أم لا، و الذي ينبغي التنبيه عليه في هذه القضية اعني قضية الإنذار هو ان المتلف إذا نبه صاحب المال و أنذره بالتحفظ فلم يتحفظ فلا ضمان على المتلف مثلا لو وجد راكب الدابة امامه في الطريق متاعا لشخص فانذره و قال له قبل ان يصل اليه ارفع متاعك من الطريق فلم يرفعه و سحقته الدابة و أتلفته فلا ضمان على الراكب لان صاحب المتاع هو الذي فرط في حفظ متاعه نعم لو لم ينذره

ص: 108

و أتلفه كان ضامنا. و هذا كله يرجع الى قضية التسبيب ففي الصورة الأولى المتلف صاحب المتاع و في الثانية راكب الدابة فتدبره.

ص: 109

الباب الأول في (الغصب

اشارة

و يحتوي على ثلاثة فصول)

الفصل الأول « (في بيان احكام الغصب)»
اشارة

قد عرفت ان الاستيلاء على مال الغير بغير اذنه أو اذن الشارع يترتب عليه أحكام فإن كان عالما و العالم عامد كان غاصبا و عدوانا و ترتب عليه حكمان (أحدهما) تكليفي و هو الحرمة و استحقاق العقوبة (و ثانيهما) وضعي و هو كون المال في عهدة واضع اليد و معنى كونه في العهدة وجوب رده ان كان موجودا و دفع غرامته مثلا أو قيمة ان كان تالفا و ان كان جاهلا بأنه مال الغير و وضع يده عليه ترتب الأثر الثاني فقط و لم يكن حرمة و لا عقوبة و الغصب هو الأول لا الثاني و لذا ذكرنا ان عنوان الكتاب بالغصب ليس في محله فإن الاحكام التي نذكر في هذا الكتاب لا شي ء منها يتعلق بالغصب بعنوانه الخاص و انما هي للعنوان

ص: 110

العام سواء كان غصبا أم لا و أول تلك الاحكام التي هي للعنوان الجامع و هو الاستيلاء على مال الغير ما ذكروا، في مادة «890» يلزم رد المال المغصوب عينا و تسليمه الى صاحبه في مكان الغصب ان كان موجودا و ان صادف الغاصب صاحب المال في بلدة اخرى و كان المغصوب فيها فان شاء صاحبه استرده هناك و ان طلب رده الى مكان الغصب فمصاريف نقله و مئونة رده على الغاصب،،، اعلم ان للمال الذي صار في يد الغير بغير وجه شرعي ثلاث حالات (الاولى) أن يكون باقيا على حاله لم يتلف و لم يتغير ثم لا يخلو، اما ان يكون باقيا في بلد الغصب أو نقل الى أخرى و على كلا التقديرين اما ان يحتاج نقله الى المحل الذي غصب فيه الى مئونة أو لا يحتاج و على تقدير انتقاله الى بلد أخرى فاما ان يطالبه صاحبه في تلك البلد أو لا اما مع طلب المالك فلا إشكال في وجوب رده له مطلقا و لا يجوز الامتناع من تسليمه له أينما كان نعم لو غصبه من بلد و نقله الى غيرها و طلبه المالك في بلد ثالثة لا يبعد عدم وجوب نقله الى بلد الغصب أو تسليمه في البلد الذي هو فيه و هو واضح، و اما مع عدم الطلب فالواجب رده الى المحل الذي أخذ منه و لا حق له في جبر المالك على تسلمه في بلد آخر نعم لو كان نقله الى بلده التي غصب فيها لا يحتاج إلى مئونة كالدراهم و الخاتم و أشباه ذلك لم يبعد وجوب قبوله لو دفعه الغاصب في بلد اخرى و لا يجوز له الامتناع اما المحتاج إلى مئونة فهي على الغاصب بلا اشكال، هذا كله في الأحوال الاعتيادية اما لو طلبه و الطريق خطر أو فيه على الغاصب أو غيره ضرر كان له الامتناع الا بتحمل المالك

ص: 111

التدارك أو يلقي عنه تبعة الضمان كما ان للمالك الامتناع من تسلمه مع شي ء من تلك الأحوال «الحالة الثانية» ان يكون قد تلف و هلكت عينه و المتلف اما ان يكون المالك أو الغاصب أو أجنبي أو أمر سماوي و الحكم في جميع هذه التقادير واحد و هو الضمان بدفع المثل أو القيمة إلا إذا كان المتلف هو المالك فإنه لا ضمان على الغاصب طبعا لأنه بمنزلة الاستيفاء سواء كان المالك عالما حين التلف انه ماله أم لا، اما لو كان المتلف هو الأجنبي فالمالك مخير بين الرجوع عليه و بين الرجوع على الغاصب ثم يرجع الغاصب على الأجنبي لأن قرار الضمان على من تتلف العين في يده و لا فرق في التلف السماوي بين كونه بتفريط الغاصب و تعديه أم بغير ذلك كما نبهت عليه مادة «891» كما انه يلزم الغاصب ان يكون ضامنا إذا استهلك المال المغصوب كذلك إذا تلف أو ضاع بتعديه أو بدون تعديه يكون أيضا ضامنا قيمته يوم غصبه،،، و قد اتفق فقهاء الفريقين على الفرق في الضمان بين المثلي فيضمن بالمثل و القيمي فيضمن بالقيمة و قد مر عليك في أوائل الجزء الأول بيان ضابطة الفرق بينهما، انما المهم الكلام فيما لو اختلفت القيمة بين يوم الغصب و يوم التلف أو بين أحدهما و بين يوم الدفع فهل اللازم دفع قيمة يوم الغصب مطلقا أو يوم التلف كذلك أو يوم التسليم كذلك أو أعلى القيم من الأول الى الثاني أو الى الثالث، و الفرق بين باب الغصب و غيره من أنواع الضمانات وجوه بل أقوال و الخلاف قائم بين عامة أرباب المذاهب فالمنقول عن أبي حنيفة ضمان قيمته يوم الغصب و هو ظاهر إطلاق المجلة و نسب

ص: 112

الى أكثر فقهائنا اعتبار يوم التلف لانه يوم الانتقال من وجوب رد العين إلى القيمة ضرورة ان العين لما كانت موجودة عند الغاصب كان الواجب عليه ردها عينا فلما تلفت انتقل الحق من العين إلى القيمة و لكن يشكل هذا بأنه مخالف لرواية صحيحة في هذا الباب ظاهرها اعتبار قيمة يوم الغصب و حيث ان هذه الصحيحة تشتمل على كثير من احكام الضمانات و ضمان منافع العين المغصوبة و هي غريزة الفائدة عظيمة البركة فاللازم هنا نقلها بنصها ثم النظر فيما يستفاد منها:

روى الشيخ الطوسي رحمه اللّٰه في الصحيح عن أبي ولاد قال اكتريت بغلا الى قصر بني هبيرة ذاهبا و جائيا بكذا و كذا و خرجت في طلب غريم لي فلما صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت ان صاحبي توجه الى النيل فتوجهت الى نحو النيل فلما أتيت النيل خبرت انه توجه الى بغداد فاتبعته و ظفرت به و فرغت مما بيني و بينه و رجعت الى الكوفة و كان ذهابي و مجيئي خمسة عشر يوما فأخبرت صاحب البغل بعذري و أردت أن أتحلل منه فيما صنعت و ارضيه فبذلت له خمسة عشر درهما فأبى أن يقبل فتراضينا بأبي حنيفة و أخبرته بالقصة و أخبره الرجل فقال لي ما صنعت بالبغل قلت أرجعته سليما قال نعم بعد خمسة عشر يوما قال فما تريد من الرجل قلت أريد كراء بغلي فقد حبسه على خمسة عشر يوما فقال اني ما ارى لك حقا لانه اكتراه الى قصر بني هبيرة فخالف فركبه الى النيل و الى بغداد فضمن فيه البغل و سقط الكراء فلما رد البغل سليما و قبضته لم يلزمه الكراء قال فخرجنا من عنده و أخذ صاحب

ص: 113

البغل يسترجع فرحمته مما افتى به أبو حنيفة و أعطيته شيئا و تحللت منه و حججت تلك السنة فأخبرت أبا عبد اللّٰه عليه السلام بما افتى به أبو حنيفة فقال في مثل هذا القضاء تحبس السماء ماءها و تحبس الأرض بركاتها فقلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام فما ترى أنت جعلت فداك قال ارى له عليك مثل كرى البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل و ذاهبا من النيل الى بغداد و مثل كرى البغل من بغداد إلى الكوفة و توفيه إياه قال قلت جعلت فداك فقد علفته بدراهم فلي عليه علفه قال لا لأنك غاصب قلت أ رأيت لو عطب البغل أو نفق ليس كان يلزمني قال نعم قيمة بغل يوم خالفته قلت فإن أصاب البغل عقر أو كسر أو دبر قال عليك قيمة ما بين الصحة و العيب يوم ترده عليه قلت فمن يعرف ذلك قال أنت و هو اما ان يحلف هو فيلزمك و ان رد عليك اليمين فحلت على القيمة لزمك ذلك أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل حين اكترى كذا و كذا فيلزمك فقلت اني كنت أعطيته دراهم و رضي بها و حللني فقال إنما رضي بها و حللك حين قضى عليه أبو حنيفة بالجور و الظلم و لكن ارجع اليه فأخبره بما أفتيتك فإن جعلك في حل بعد معرفته فلا شي ء عليك بعد ذلك (انتهى).

و ذكر بعض اعلام فقهائنا المتأخرين ان موضع الدلالة منها كلمتان [الاولى] ظهور قوله نعم قيمة بغل يوم خالفته فان الظاهر ان اليوم قيد للقيمة سواء أضفنا البغل الى اليوم أو جعلناه منونا عوض اللام فيكون التقدير قيمة البغل يوم المخالفة و سقوط اللام حينئذ للإضافة

ص: 114

لا للتنكير ليكون موهما أنها قيمة بغل مثل البغل لو تلف فيدل على ضمان القيمي بالمثل و القيمة هي قيمة المثل لا قيمة التالف، و احتمل جماعة تعلقه بالفعل المستفاد من نعم اي يلزمك يوم المخالفة قيمة بغل فلا يدل على قيمة يوم المخالفة، ثم قال و هو بعيد جدا بل غير ممكن لأن السائل إنما سأل عما يلزمه بعد التلف بسبب المخالفة بعد العلم بكون زمان المخالفة زمان حدوث الضمان كما يدل عليه أ رأيت لو عطب البغل أو نفق أ ليس كان يلزمني فقوله نعم يعني يلزمك بعد التلف بسبب المخالفة قيمة بغل يوم خالفته [الثانية] قوله أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون ان قيمة البغل يوم اكتري كذا و كذا فإن إثبات قيمة يوم الاكتراء من حيث هو يوم الاكتراء لا جدوى فيه فلا بد ان يكون الغرض منه إثبات قيمة يوم المخالفة لأنه هو يوم الاكتراء فان المخالفة على ظاهر الرواية كانت بمجرد خروجه من الكوفة و معلوم عدم اختلاف القيمة في تلك المدة القليلة أي ما بين الخروج من الكوفة و التوجه الى نحو النيل المحقق للمخالف (انتهى ملخصا).

و أقول ان فيما افاده قدس سره مواقع للنظر أما «أولا» فقوله و اما ما احتمله جماعة إلى قوله فبعيد جدا بل غير ممكن- غريب جدا فان الاستفهام في كلام الراوي أ ليس يلزمني- لم يكن حقيقيا و انما هو تقريري أو انكاري و لم يقصد به السؤال عما يضمن به بل عن أصل الضمان فإن الإمام عليه السلام لما الزمه بالكراء من الكوفة إلى النيل و منها الى بغداد ثم منها إلى الكوفة استنكر السائل ذلك، و استفهم إنكارا

ص: 115

- أ ليس- يلزمني ضمان العين يغني فكيف أضمن الأجرة مع اني ضامن العين لو تلفت مشيرا الى فتوى أبي حنيفة المستندة إلى قاعدة (الضمان بالخراج) فليس في السؤال تعرض للقيمة أصلا و ليست هي من محل البحث في شي ء فضلا عن التعرض لقيمة أي يوم من يومي الغصب أو التلف و انما ذكر الامام عليه السلام يوم المخالفة و قال قيمة بغل يوم خالفته إشارة إلى رد الاستنكار و انك بمخالفتك و غصبك خرجت عن الامانة فصرت ضامنا للعين و تعلق الضمان يوم المخالفة و من أجل المخالفة و لو كنت مستمرا على اجارتك و لم تخالفها كنت أمينا و لم تكن ضامنا فحاصل الجواب نعم يلزمك يوم المخالفة قيمة البغل لو عطب و لا اشعار فيها فضلا عن الظهور بان المدار على قيمته يوم التلف أو يوم الغصب أو غيرهما (و ثانيا) ان من الممكن منع اتحاد يوم الاكتراء مع يوم المخالفة إذ من الجائز انه قد اكتراه قبل خروجه بأيام و لو سلم انه اكترى يوم سفره و لكن يمكن منع قرب عدوله الى نحو النيل من ساعة خروجه من الكوفة و لو كان قريبا منها لرجع الى صاحب البغل و راجعه في الإجارة إلى النيل و الظاهر ان قنطرة الكوفة بعيدة عنها، و لو سلم كل ذلك فلا دلالة فيها على ان اعتبار يوم الاكتراء كان من جهة وقوع المخالفة فيه بل لعله من أجل ان يكون هو الأصل المحفوظ فاما ان يتفقا على بقائه على تلك القيمة إلى يوم التلف أو يدعي المالك الزيادة أو المستأجر النقيصة فيرجعان الى من يحكم بينهما حسب الأصول و القواعد و تعيين المدعي و المنكر و الأخذ بوظيفة كل منهما كما يشعر به ذيل الرواية و أغرب من

ص: 116

هذا انه قدس سره بعد استظهاره اعتبار يوم المخالفة قال ما نصه- نعم يمكن ان يوهن ما استظهرناه من الصحيحة بأنه لا يبعد ان يكون معنى الحكم في الرواية على ما هو الغالب في مثل مورد الرواية من عدم اختلاف قيمة البغل في مدة خمسة عشر يوما و يكون السر في التعبير بيوم المخالفة دفع ما ربما يتوهمه أمثال صاحب البغل من العوام من ان العبرة بقيمة ما اشترى به البغل الى آخره.

و هذا من الغرابة بمكان فان الحكم الواقعي لو كان هو اعتبار قيمة يوم التلف لكان اللازم بيانه و ببيانه يحصل دفع توهم العوام و لا وجه للتعبير بخلاف الواقع و ان العبرة بيوم المخالفة لدفع ذلك التوهم مع ما فيه من الإغراء بالجهل، و بالجملة فالعدول عن بيان الواقع الى خلافه بذكر يوم المخالفة تارة و يوم الاكتراء اخرى مع ان العبرة بيوم التلف واقعا لم يظهر له وجه أصلا بل غير جائز قطعا، و من جميع ذلك ظهر ان الرواية بمعزل عن تعيين قيمة أي يوم من الأيام المحتملة بل جل الغرض منها بيان أصل ضمان المنافع كضمان العين دفعا لشبهة أبي حنيفة التي تقدم توضيحها و الجواب عنها غير مرة و بعد ان خلت القضية عن النص في تعيين قيمة يوم الغصب أو يوم التلف فاللازم الرجوع الى مقتضى القاعدة و هو اعتبار قيمة يوم التلف لانه يوم انتقال الحق من العين إلى القيمة و اشتغال الذمة بها كما ذهب إليه أكثر فقهائنا و دعوى ان الذمة قد اشتغلت بالقيمة يوم الغصب نظرا الى ان معنى ضمان العهدة كما تقدم مرارا هو وجوب رد العين مع وجودها و تداركها بالبدل مع فقدها

ص: 117

مدفوعة بأن اشتغال الذمة (أولا) كان فرضيا و تقديريا (و ثانيا) كان على نحو الإبهام و الإجمال و تنجزه و تعيينه يكون يوم التلف فالمدار عليه، و من هنا ظهر الحكم فيما لو كان الاختلاف من حيث المكان كما لو كان للعين قيمة في بلد الغصب و اخرى في بلد التلف و ثالثة في بلد المطالبة أو التسليم فالظاهر تعيين قيمة بلد التلف لأنها هي التي استقرت و تنجزت في الذمة و بها يحصل التدارك للعين شرعا و عرفا و لذا اتفقوا ظاهرا على عدم العبرة بزيادة قيمة العين بعد التلف الا من القائل بأعلى القيم من زمان الغصب الى وقت الدفع و هو شاذ و لم يعلم وجهه و أقصى ما يقال في توجيهه ان العين كانت مضمونة في جميع الأزمنة فإذا ارتفعت قيمتها في زمان صار تداركها لا يحصل الا بدفع تلك القيمة فكما انها لو تلفت تعينت هي فكذا إذا حال أحد بينهما و بين المالك إذ بقاؤها مع عدم تمكنه منها مساو لتلفها حكما نعم لو ردها فقد حصل التدارك بنفس العين و لو نقصت قيمتها لان ارتفاع القيمة السوقية أمر اعتباري لا يضمن بنفسه لعدم كونه مالا و ان كان مقوما لمالية المال و به تتمايز الأموال قلة و كثرة (و بيان) آخر ان للعين مع تزايد القيمة مراتب من المالية أزيلت يد المالك عنها فان رد نفس العين سقط الحق و لم يضمن الزيادة لأنها اعتبار يتبع العين و الا ضمن العين بعليا مراتبها هذا كله لو علمت القيم يوم الغصب و يوم التلف اما لو شك في قيمتها يوم التلف و انها كانت عشرة أو خمسة فالمرجع الى الأصل العملي و هو أصالة اشتغال ذمة الغاصب و لا يحصل اليقين ببراءة ذمته من حق المالك

ص: 118

الا بدفع الأكثر و استدل بهذا أيضا لوجوب دفع أعلى القيم من زمن الغصب الى وقت التلف أو الى وقت الدفع و لكنه في الجميع واضح الضعف و ليس المورد من موارد الاشتغال بل من موارد أصل البراءة لأن التكليف بالأكثر غير معلوم و القدر المتيقن هو الأقل و ينفى المشكوك بالأصل كما في سائر موارد الشك بين الأقل و الأكثر، نعم لو كان التكليف مرددا بين متبايعين أو مجملا تعين الرجوع الى الاشتغال ثم ان هذا كله انما هو في تفاوت القيمة السوقية الناشئة من تفاوت الرغبات اما الارتفاع لزيادة العين فلا خلاف في ضمان أعلى القيم و تكون الزيادة في القيمة بإزاء زيادة العين و ضمانها كضمان الجزء الفائت نعم يجري الخلاف في ضمان هذه الزيادة و انه باعتبار قيمتها يوم الغصب أو يوم التلف أو غير ذلك (هذا تمام الكلام) في القيمي و جميع ما ذكر فيه يجري في المثلي إذا تعذر المثل و انتقل الحق إلى قيمته أي قيمة المثل سوى ان يوم التعذر هنا يقوم مقام يوم التلف هناك لانه هو اليوم الذي ينتقل الحق فيه من العين إلى القيمة فيعتبر قيمة المثل يوم تعذره لا قيمة يوم التلف (الحالة الثالثة) من حالات العين المغصوبة تعذر الوصول إليها و عدم إمكان ردها الى المالك مع وجودها و عدم تلفها و هلاكها كما لو أبق العبد من الغاصب أو شردت الدابة أو وقع المال المغصوب في البحر أو ضاع أو سرق و أمثال ذلك و قد اتفقوا هنا على وجوب التدارك بدفع البدل مثلا في المثلي و قيمة في القيمي و يسمونه (بدل الحيلولة) و لكنهم وقعوا في محذور عويص ارتكبوا أشد الارتباك في التخلص منه

ص: 119

و هو انهم اتفقوا ان ما يدفعه الغاصب من البدل يملكه المغصوب منه و يتصرف فيه جميع التصرفات المتوقفة على الملكية من بيع و رهن و وقف و غيرها ثم اتفقوا على الظاهر ان المغصوب الذي يتعسر أو يتعذر الوصول اليه كما لو كان ضائعا مجهول المحل مثلا هو باق على ملك مالكه المغصوب منه و لهذا لو ظهر بعد ذلك يرجع له لا للغاصب الضامن و يؤيده انه لم يجر معاملة توجب الانتقال فلزم من هذين الأمرين محذور اجتماع البدل و المبدل في ملك شخص واحد اي اجتماع العوض و المعوض بل كون العوض بلا معوض و هو محال عقلا باطل شرعا، و حاول بعضهم التفصي عن الاشكال بالتزام عدم دخول البدل في ملك المغصوب منه بل مفاد هذه المبادلة إباحة جميع التصرفات حتى الموقوفة على الملكية فيكون المقام نظير المعاطاة على القول بالإباحة لا الملكية و يكون بيعا لازما بتلف أحد العوضيين فكذلك ما نحن فيه و لكنك خبير بان هذا لا يجدي في رفع الإشكال لأنهم في المعاطاة على القول بالإباحة التزموا بحصول الملكية آنا ما قبل التصرف الموقوف على الملك كالوقف و البيع فلو التزمنا هنا بذلك عاد الاشكال تماما حيث يلزم ان يكون المغصوب منه قد ملك البدل مع بقاء المبدل على ملكه و لذا لو ظهر رجع اليه لا الى الغاصب ففي المعاطاة يلتزمون عند التصرف بالمعاوضة على حقيقتها بخلافه هنا و من هنا أيضا ينشأ إشكال آخر و هو انه لو رجع المبدل المغصوب و أمكن رده الى مالكه فهل يرجع ما أخذه من البدل علينا أو بدلا الى الغاصب مطلقا أو لا يرجع مطلقا فيجمع بين العوض و المعوض أو يرجع

ص: 120

إذا كان موجودا و لا يغرمه إذا كان تالفا وجوه و أقوال لا يخلو كل واحد من الاشكال و المسألة من معضلات الفن و أقصى ما يمكن ان يقال من التحقيق و الوجه الدقيق لحلها هو ان للعين المملوكة بنظر العقلاء اعتبارا من حيث ذاتها مجردة عن كل شي ء و عن كل وصف، و اعتبارا ثانيا من حيث أوصافها و منافعها المحققة لماليتها و لا شك ان الملكية تدور مدار الذات لا الصفات يعني ان الملكية تتحقق و ان لم تكن للعين مالية كما هو واضح في حبة الحنطة فإنها ملك لك و لا يجوز لأحد ان يأخذها بدون إذنك و يكون غاصبا لو انتزعها منك بغير رضاك و لكنها ليست بمال و لا يبذل بإزائها مال فالمال شي ء و الملكية شي ء آخر فإذا غصبك عينا لها مالية و حال بينك و بين الانتفاع بها فقد غصبك الذات و الصفات اي المنافع فيجب عليه عقلا و شرعا التدارك و الغرامة بعد تعذر رد الذات و لا يحصل التدارك الا بدفع بدلها مثلا أو قيمة و لا يتحقق التدارك التام و الغرامة الا بان يكون لك جميع أنواع التصرفات بالبدل حتى الموقوفة على الملك على النحو الذي كان لك في مالك و لكن هذا لا يقتضي التبادل في الملكية بل كل مال من البدل و المبدل باق على ملك صاحبه و انما دفع لك البدل بدلا عن حيلولته بينك و بين الانتفاع بمالك و لذا سموه (بدل الحيلولة) و بعبارة اجلى ان مالية البدل لك اما عينه و ذاته فهي لصاحبها الضامن كما ان المبدل المفقود ذاته لك اما ماليته فقد ذهبت عليك و تداركها الغاصب بدفع البدل فلو ظهر البدل المفقود رجع الى مالكه المغصوب منه لانه ملكه اما بدله فان كان موجودا عنده أرجعه

ص: 121

إلى الغاصب لانه ملكه و قد ارتفعت الحيلولة الموجبة لتسلط المغصوب منه عليه و اما لو كان تالفا تلفا حقيقيا أو حكميا كما لو وقفه أو أعتقه فلا رجوع عليه لا بغرامة و لا غيرها لان الشارع أسقط ضمانه بسوء اختيار الغاصب حيث ارتكب الغصب و هذا معنى ذهابه من مال الغاصب كما لو تلفت العين المغصوبة تلفا حقيقيا أ ليس يغرمها الغاصب و تذهب من ماله؟ فكذلك هنا و يكون إتلاف المغصوب منه للبدل ليس لانه مالك له حتى يلزم الجمع بين العوض و المعوض بل هو ملك الغاصب و لكنه مأذون شرعا بإتلافه حقيقة أو حكما بوقف و نحوه مثل الاذن بأكل مال الغير في مخمصة و نحوها سواء ان هذا بضمان و ما نحن فيه بغير ضمان لانه غاصب اما لو باعها فالأقرب ان البيع يقع متزلزلا و مراعى فان رجع المغصوب انفسخ بيع المغصوب منه للبدل و رجع الى الغاصب و ان تلف المغصوب تلفا حقيقيا أو حصل اليأس من عوده صار البيع لازما كما انه لو كان بعد في يد المغصوب منه صار ملكا ذاتا له و أشبه المعاطاة من هذه الجهة و ان كنا لا نلتزم بالملكية آنا ما في هذا المقام كما في المعاطاة بل نقول لو وقف أو أعتق أو باع انه باع و وقف ملك الغير عن نفسه بإذن الشارع و يأخذ العوض بدلا عن ماله الذي حال الغصب بينه و بين التصرف فيه فبينه و بين المعاطاة فرق ظاهر و بهذا ترتفع جميع المحاذير و تندفع كافة الإشكالات و لا يلزم سوى تخصيص قاعدة لا بيع إلا في ملك و أخواتها و هو غير عزيز النظير في القواعد الشرعية و المسائل الفقهية و بهذا كله ظهر ان أصح الأقوال هو القول

ص: 122

الثالث و هو القول بالتفصيل كما ظهر أيضا انه مع إمكان الرد و زوال التعذر يجب على الغاصب ردها و يسترد ما دفعه من الغرامة ان كانت موجودة و الا ردها بغير استرداد شي ء فلو لم يردها و تلفت ضمنها ثانيا و هكذا و للمالك المغصوب منه انتزاعها من الغاصب و إذا رد البدل لا يرد منافعه المنفصلة بل و لا يغرم قيمة ما استوفاه من منافعه الماضية نعم الزيادة المتصلة تتبع العين اما منافع العين المغصوبة فهي للمالك في جميع الأحوال و يغرم الغاصب قيمة ما استوفاه كما عرفت مرارا خلافا لأبي حنيفة ثم ليس للغاصب حبس العين المغصوبة حتى يسترد غرامته إذا كانت موجودة و ان كان القول بان له حبسها وفاقا لجماعة من الاعلام غير بعيد هذا موجز الكلام في بدل الحيلولة و بقيت فروع و تحقيقات اخرى لا يتسع لها المجال مذكورة في كتب أصحابنا المبسوطة و فيما ذكرناه كفاية ان شاء اللّٰه.

مادة (892) إذا سلم الغاصب عين المغصوب في مكان الغصب الى صاحبه بري ء الغاصب من الضمان.

تحتاج هذه المادة إلى قيود أخرى فإن التسليم في مكان الغصب إنما يكفي إذا لم يكن مخوفا و لم يكن فيه محذور، اما مع الخوف أو الضرر فلا يكفي في رفع الضمان إلا إذا رضي المغصوب منه كما كان يلزم تقييد صاحبه بما إذا كان بالغا عاقلا رشيدا و مع فقد واحد من هذه الصفات فالضمان باق و في حكم تسليمه التسليم الى وكيله أو وليه أو وارثه مع موت المالك و لو سلم العين الى أحد الورثة بدون اذن الباقين ضمن

ص: 123

لهم و في حكم تسليمه أيضا اذن المالك ببقائها عند الغاصب وديعة أو عارية أو إجارة أو إباحة ففي جميع ذلك يزول الضمان عن الغاصب و يجري عليه حكم تلك العناوين و كذا لو وكله على بيعه أو إجارته فتلف قبل ذلك، و الحاصل يزول عنوان الغصب الموجب للضمان بكل ما دل على رضا المالك ببقاء العين المغصوبة في يد الغاصب و يتحقق به عنوان الرد عرفا فلو قال للغاصب أنت وكيل على بيعه و تلف في يد الغاصب قبل البيع فلا ضمان خلافا لبعض شراح المجلة و كل هذا واضح انما المهم ما يتحقق به عنوان الرد و التسليم و هو كسائر المفاهيم له أفراد قطعية الدخول فيه كما ان هناك افرادا قطعية الخروج و هناك افراد مشكوك بأنه يتحقق عنوان الرد بها حتى يزول الضمان أم لا، منها ما ذكره في مادة (893) إذا وضع الغاصب عين المغصوب و ان لم يوجد رد في الحقيقة و منها ما لو دفعه له بعنوان الهدية أو الضيافة أو نحوها من العناوين المجانية و انها ليست ماله المغصوب فلو غصبه طعاما و قدمه للمالك فأكله و هو لا يعلم بأنه طعامه لم يتحقق الرد و يكون ضامنا الى كثير من هذه الفروع،،، و خلاصة التحقيق ما تقدم في أمثال هذا الباب من ان الرد و التسليم و الأخذ و القبض كلها مفاهيم عرفية فالمرجع في تعيين مصاديقها الى العرف و ما يشك العرف فيه أو لم يعرف حاله عندهم فالمرجع إلى الأصول الموضوعية فان لم يكن فالحكمية نعم لا ريب في ان الرد لا يتحقق بالتخلية أو رفع الغاصب يده عن العين المغصوبة و نحو ذلك من المعاني السلبية بل لا بدّ في تحققه من معنى إيجابي فكما ان الغاصب لا يتحقق بمحض رفع

ص: 124

يد المالك عن حاله و لذا قالوا لو منع المالك عن إمساك دابته لم يتحقق الغصب فالرد الذي هو نقيض الغصب و رافعه لا يتحقق بصرف رفع الغاصب يده عن العين المغصوبة و كما لا بد في تحقق الغصب من الاستيلاء على مال الغير فكذلك لا يحصل الرد حتى يحقق استيلاء المالك على ماله المغصوب فلو أرسل الغاصب الدابة و نزع يده منها لم يحصل رد ما لم يضع لجامها في يد المالك أو يلقيه بين يديه بل لو وضعها في مربطها أو أدخلها في بيت المالك، أو وضع الثوب في صندوق المالك و نحو ذلك كل ذلك لا يكون ردا و لا أقل من الشك فيستصحب حكم الضمان لو تلف و مما ذكرنا ظهر الخلل في مادة (893) إذا وضع الغاصب عين المغصوب امام صاحبه بصورة يقدر على أخذه فيكون قد رد المغصوب و ان لم يوجد قبض في الحقيقة و جعلوا هذا ردا حكيما و مع القبض ردا حقيقيا و ان الفرق بينهما ما ذكرته المجلة بقولها:

اما لو تلف المغصوب و وضع الغاصب قيمته قدام صاحبه بتلك الصورة فلا يبرأ ما لم يوجد قبض في الحقيقة.

و علل هذا بعض الشراح بان دفع القيمة مبادلة و هي لا تكون الا برضى الطرفين بخلاف ما لو دفع العين فإنها عين حقه،،، و أنت خبير بضعف هذا التعليل بل فساده فإن المبادلة لو كانت اختيارية لاحتاجت إلى رضى الطرفين اما لو كانت قهرية بحكم الشارع و مصادقة العرف فلا حاجة الى الرضا، و توضيحه ان الشارع لما جعل المثل أو القيمة بدلا عن العين التالفة لزم ان يترتب على البدل جميع آثار المبدل فكما ان الغاصب لو دفع العين

ص: 125

خرج من عهدة الضمان قهرا على المالك رضى أو لم يرض فكذلك لو دفع البدل الذي جعله الشرع و العرف بمنزلة العين (و ببيان) آخر ان الوضع قدام المالك ان كان من مصاديق الرد عرفا فهو يكفي في القيمة كما يكفي في العين و ان لم يكن منها فلا يكفي في المقامين فالتفصيل لا وجه له أصلا و هذا هو الوجه في مادة «894» لو سلم الغاصب فان دفعه في محل مخوف لا يتحقق معه الاستيلاء التام فلا يتحقق الرد المسقط للضمان نعم لو قبضه و رضي فقد أسقط حقه و هذا مطرد في جميع الحقوق التي في الذمم و الأعيان من الدين و السلف و الكفالة و غيرها.

مادة (895) إذا اعطى الغاصب،،، الرجوع الى الحاكم على الظاهر

لا حاجة له الا إذا لم يمكنه ان يضعه بين يديه أو يلقيه عليه في محل الأمن فهناك اما ان يدفعه الى الحاكم فيبرأ أو يطلب منه إحضاره فيلزمه بأخذه.

مادة (896) إذا كان المغصوب منه صبيا و رد الغاصب إليه

فإن كان مميزا و أهلا لحفظ المال يصح الرد و إلا فلا الرد إلى ولي الصغير الغير البالغ مطلقا اولى و أحوط و لا يصح الدفع الا للبالغ الرشيد اما النائم فإن غصب منه حال نومه كما لو أخذ خفه أو رداءه أو انتزع من إصبعه خاتمه فقد أجاز أبو يوسف رده إليه في ذلك النوم فلو رده في نومه الثاني بعد انتباهه لم يخرج من الضمان و اشترط الشيباني وحدة المجلس لا وحدة النوم و الأصح أنه بوضع يده على مال غيره

ص: 126

صار ضامنا و لا يسقط الا بالقدر المتيقن من الرد و هو رده في يقظته.

مادة (897) إذا كان المغصوب فاكهة فتغيرت عند الغاصب
اشارة

كان يبست فصاحبه بالخيار ان شاء استرد المغصوب عينا و ان شاء ضمنه، تغير المغصوب عند الغاصب له ثلاث حالات.

(الاولى)

ان تتغير الذات و الحقيقة النوعية و له صورتان (أولاهما) أن تتغير الذات بالانقلاب كانقلاب الخمر خلا و الحيوان ملحا أو الخشب فحما (ثانيهما) تغيره بالنشو و النمو كصيرورة الحب زرعا و النطفة حيوانا.

(الثانية)

ان لا تتغير الذات بل تتغير العوارض و الصفات و له (صورتان) أيضا فإن تغير الوصف اما ان يكون مع بقاء الاسم كصيرورة الثوب الأبيض أسود و الأصفر أحمر و هكذا أو يتبدل الاسم أيضا كصيرورة القمح دقيقا و الدقيق خبزا و منه صيرورة قطعة القماش بالقطع و الخياطة قميصا أو قباء.

(الثالثة)

ان يتغير الامتزاج مع غيره فان استهلك في المزيج فهو تلف و الا فاما ان يمكن تمييزه و عزله أولا و على الثاني فاما ان يمتزج بالمساوي أو الأعلى و الأدنى.

أما تغير الذات بالانقلاب فان عده العرف تلفا فلا اشكال و يجري عليه ما سبق من احكام التلف و الا فالمالك مخير بين أخذه أو أخذ المثل

ص: 127

أو القيمة و يبقى المال للغاصب.

و اما تغيرها بالنشو و النمو كما لو غصب حبا فزرعه.

فالزرع دائما لصاحب البذر و كذلك الحيوان لصاحب النطفة و لصاحب الأرض و العامل الأجرة اما إذا كان العامل هو الغاصب فلا اجرة له و كذلك لو زرعها في أرضه نعم للمالك ان يترك الزرع للغاصب و يطالبه بالمثل أو القيمة من جهة التغيير و اما تغيير العوارض و الصفات ففيه صور كثيرة يجمعها ثلاثة عناوين فإنها اما زيادة أو نقيصة أو فصل و وصل و الزيادة اما زيادة عين كما لو خاط الغاصب الثوب بخيوطه و صبغه بصبغه حيث يكون الصبغ جسما لا عرضا و اما زيادة وصف محض كما لو علم العبد الكتابة أو ساوى الأرض أو أقام السيف المعوج و هكذا،، اما زيادة العين فقد اتفقوا ظاهرا على ان الواجب على الغاصب انتزعها فان عابت أو تلفت فلا غرامة له لانه هو المسبب على نفسه و ان عابت العين المغصوبة وجب عليه التدارك لمالكها و للمالك ان يأخذها و يدفع قيمة العين الزائدة من خيوط أو صبغ أو غيرهما و لكن للغاصب ان يمتنع و ينتزعها إذا شاء هذا مع إمكان الانتزاع اما مع عدمه كما في الصبغ و نحوه من كتابة و رسم و نظائرها فالمالك مخير بين أخذها و دفع قيمة الزيادة للغاصب و بين أخذ المثل أو القيمة و بين بيع العين و يأخذ كل من الغاصب و المغصوب منه حقه بالنسبة، و يمكن ان يقال ان الصبغ ان كان عينا و لها جرم فإن أمكن نزعها تعين و الا فلا حق للغاصب لأنها من قبيل الأوصاف نعم لو أنقصت فعليه أرش النقص فليتأمل، اما

ص: 128

زيادة الوصف المحض كتعليم الكتابة أو تمرين الدابة أو تسوية الأرض فلا يضمنه المغصوب منه و ان زادت به القيمة أضعافا لأن الأوصاف عندهم لا تقابل بالأثمان و ان زادت بها الأثمان و لكنهم قالوا لو زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شي ء عليه و لا له الا ان تكون عينا فان تم الاتفاق على هذا فهو و الا فلا يخلو من نظر، و اما النقيصة فإن كانت عينا فهي من نقص الاجزاء و المتفق على ضمانها قولا واحدا و ان كانت وصفا محضا كما لو اعوج السيف عند الغاصب و نسي العبد الكتابة و أمثال ذلك فظاهرهم الاتفاق على انها مضمونه بالأرش كالأجزاء مع انهم في زيادتها قالوا بعدم الضمان لأنها لا تقابل بالاعواض و العلة مطردة و وجه الفرق يحتاج الى مزيد تأمل،،، و مما ذكر يعلم حال الفصل و الوصل كما لو قطع أو حاك الغزل فان نقصت القيمة ضمن الغاصب النقيصة و ان ساوت أو زادت فلا شي ء له و لا عليه و اما التغيير بالامتزاج فإن أمكن التمييز فلا اشكال و الا فلا يخلو اما ان يمتزج بالمساوي أو بالأعلى أو بالأدنى فإن كان المساوي فالقسمة و يأخذ كل واحد حقه أو يبقى على الشركة عينا لا قيمة و كذا قالوا في امتزاجه بالأعلى لأن الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدوانا فلا يسقط حق المالك مع بقاء عين ماله كما لو صاغ النقرة و علف الدابة فسمنت و فيه نظر لا يخفى و القول بالانتقال الى المثل أو القيمة أقرب الى الصواب لانه جميع بين الحقين كما لو مزجه بالأدنى و لم يمكن التمييز هذا تمام الكلام في أنواع التغيير و حكم كل نوع منها و منه يظهر الخلل الواسع في مواد المجلة كما نشير إليه في كل

ص: 129

مادة حسب ما يأتي ففي هذه المادة (897) الحكم بالخيار غير متجه بل ليس له الا عين ماله فان نقصت قيمته باليبس أخذ الأرش و الا فله العين بلا ضميمة و لا فرق بين ان يكون اليبس بفعل الغاصب أو بفعل غيره أو بسبب سماوي كما لو جفف العنب فصار زبيبا أو جف لحرارة الهواء و من الغريب قول بعض الشراح انه لو جفف الغاصب العنب ملكه و ينقطع منه ملك المغصوب منه) فإنه حكم جزافي لا وجه له كما لا وجه للخيار في مادة (898) إذا غير الغاصب بعض أوصاف المغصوب بزيادة شي ء عليه من ماله فالمغصوب منه مخير ان شاء أعطى قيمة الزيادة و استرد المغصوب عينا و ان شاء ضمنه مثلا لو كان المغصوب ثوبا و كان قد صبغه الغاصب فالمغصوب منه مخير ان شاء ضمن الثوب و ان شاء أعطى قيمة الصبغ و استرد الثوب عينا،،، بل الأصح التفصيل فان كانت الزيادة عينا و أمكن نزعها كالخيوط تعين الى ان يتراضيا فيدفع المالك قيمة الزيادة و يأخذ العين و ان لم يمكن فان نقصت القيمة ضمن الغاصب النقيصة و إلا أخذ المالك العين و لا شي ء للغاصب و لا عليه و لا فرق في ذلك بين الصبغ و غيره من أنواع الزيادة.

مادة (899) إذا غير الغاصب المغصوب بحيث يتبدل اسمه يكون ضامنا و يكون له المال المغصوب.

عرفت ان تبدل الاسم لا اثر له و انما المدار على انقلاب الذات أو تبدل الصفات فمن غصب حنطة و طحنها فان الدقيق و ان اختلف مع الحنطة بالاسم و لكن الحقيقة واحدة و أكثر الخواص فيهما متساوية و كذا

ص: 130

لو غصبه عنبا فصار زبيبا أو رطبا فصار تمرا أو دبسا و المرجع في أمثال ذلك الى زيادة القيمة و نقصها فان نقصت رد العين مع الأرش و ان زادت أو ساوت أخذها بلا شي ء كل ذلك لان عينه موجودة و انما تغيرت العوارض و الصفات و تغير الاسم لا يوجب تغير الحقيقة و لعل من هذا القبيل ما لو غصب شاة و ذبحها، و فروع هذا الأصل كثيرة لا تحصى و لكن تمييزها عن غيرها يحتاج الى لطف قريحة و على ما ذكرنا فلا وجه لقول المجلة: مثلا لو كان قد غصب الآخر،،، و كذا لا صحة لقولها و من غصب حنطة غيره و زرعها في أرضه يكون ضامنا للحنطة و المحصول له بل الحق ان الزرع لصاحب الحنطة و له اجرة الأرض على تأمل في استحقاقه أجرة الأرض و العمل بل هو من قبيل ما لو علف الدابة فسمنت و استحقاق الأجرة في المقامين يحتاج الى مزيد تأمل أما رجوع الزرع الى صاحب الحنطة فمما لا ينبغي الإشكال فيه للقاعدة المسلمة على الظاهر شرعا و عرفا في ان الزرع لصاحب البذر و توهم ان زرع الحنطة إتلاف للحنطة توهم فاسد جدا بل الحنطة قد نمت و اتسعت لا أنها عدمت و وجد الزرع من شي ء آخر و بالجملة ليس المقام مقام إيجاد و إعدام اي إعدام حقيقة و إيجاد حقيقة أخرى بل تلك الحقيقة ارتقت و صعدت في صراط الحركة حب و زرع ثم زرع و حب و هكذا فتدبره جيدا و ان كان واضحا نعم من الصحيح المحكم قولها.

مادة «900» إذا تناقص سعر المغصوب و قيمته بعد الغصب فليس لصاحبه ان لا يقبله الى آخرها».

ص: 131

فان الغاصب إذا رد العين لصاحبها و لم ينقص جزء من اجزائها و لا تغير وصف من أوصافها سوى ان قيمتها السوقية نزلت لم يكن عليه ضمان نقصان القيمة السوقية لأنه رد عين ماله إليه بحاله و زيادة السوق أمر اعتيادي ليس بشي ء مضمون و هذا على الظاهر متفق عليه بين الفريقين و تفاوت الرغبات شئون خارجية و جهات اعتبارية تحدث و نزول في نفوس البشر بمشيئة اللّٰه جل شأنه و تصرفه في الأكوان، نعم لو كان نقص القيمة بسبب استعمال الغاصب لزمه الضمان قطعا لانه يعود الى نقص جزء أو وصف في العين و لو وصفا اعتباريا ككونه جديدا أو غير مستعمل كما ذكره في المجلة فضلا عما ذكرته بقولها مثلا إذا ضعف الحيوان.

ثم لا وجه للتفصيل في قضية شق الثوب بين ربع قيمة المغصوب و بين ما لو كان فاحشا الذي نوهت عنه بقولها كذلك إذا شق الثوب.

و قد عرفت ان عين ماله موجود لم ينعدم و القاعدة العامة انه كما كان عين المال موجودا فالحكم رده بعينه غايته انه إذا تغير وصفه تغيرا يوجب نقص قيمته تدارك الغاصب النقص و الا فلا شي ء عليه و ما ذكرته المجلة من التفاصيل حكم جزافي عار عن الدليل.

مادة «901» الحال الذي هو مساو للغصب في إزالة التصرف حكما يعد من قبيل الغصب

كما ان المستودع إذا أنكر الوديعة يكون في حكم الغاصب و بعد الإنكار لو تلفت يكون ضامنا،،،

ص: 132

قد عرفت ان الغصب لا أثر له أصلا في باب الضمانات و انما يدور الضمان و عدمه مدار وضع اليد اى استيلاء على مال الغير بدون اذنه سواء كان غصبا أو غيره و هذا أحد موارد اليد فان اليد في الوديعة و ان كانت غير ضمانية للأمانة و لكن بالإنكار خرجت عن الائتمان فجاء الضمان سواء تحقق عنوان الغصب هنا أم لا إذ ليس مدار الضمان عليه كما عرفت.

مادة «902» لو خرج ملك أحد من يده بانهدام جبل بما عليه الى آخره.

من الواضح ان هذا النوع و نظائره خارج عن باب الغصب و لا دخل له به أصلا، بل سقوط الأعلى على الأسفل ان كان بقصد من صاحبه فهو إتلاف و ضامن للأسفل لا غير و ان لم يكن بقصد بل ألقته العواصف فهو غير ضامن أصلا بل قضاء من اللّٰه تعالى أوجبه ضرر الطرفين فلا يضمن أحدهما للآخر فما أدري اين مورد الضمان في هذا الفرع بل مقتضى القاعدة ان السقوط إذا كان بغير قصد تبقى الأرض العليا ملكا للأول و لا يغرم الأسفل له شيئا كما لا يغرم الأعلى له شيئا نعم في مثال اللؤلؤ و الدجاجة يتعارض الضرران و مقتضى قاعدة ازالة الأشد بالأخف و الجمع بين الحقين ان يغرم صاحب اللؤلؤ لصاحب الدجاجة اما مع التساوي فاما القرعة أو ترجيح الحاكم بمراعاة الجهات الخارجية من فقر و غيره و هذا إذا لم يمكن بيعهما و قسمه المال بينهما بالنسبة و لو بذبح الدجاجة و بيعها بعد إخراج اللؤلؤة و الا تعين كما هو واضح

ص: 133

مادة «903» زوائد المغصوب لصاحبه.

هذا مما لا اشكال فيه عند فقهاء الإمامية أجمع بل يضمن حتى المنافع الاعتبارية التي لا عين لها كسكنى الدار و لبس الثوب اما المنافع الغير مستوفاة كما لو غصب الدار و لم يسكنها أحد ففيها خلاف و أقوال كثيرة كضمان منافع الحر و الحق عندنا فيها التفصيل فان صدق التفويت ضمن و الا فلا ثم لا فرق عند أصحابنا في المنافع بين المغصوب مع العين أو المتولد منها في يد الغاصب كما لا فرق في ضمانها على الغاصب بين ما استهلكه أو تلف بغير تعد و لا تفريط و يظهر من المجلة انه لا يضمن المنافع المنفصلة إلا إذا استهلكها اما لو تلفت تلفا سماويا فلا ضمان و مقتضى قاعدة اليد و ان النماء يتبع الأصل هو الضمان مطلقا فالتفصيل لا وجه له و هو تفصيل بلا دليل كما ان قاعدة (الخروج بالضمان) على مذهب الحنفي من ان ضمان العين و المنافع لا يجتمعان يقتضي عدم الفرق في رفع الضمان بين ضمان المنافع المنفصلة و المتصلة العينية و الاعتبارية مع التلف أو الإتلاف و لازم هذا لو غصب الدابة فاولدت فباع الفلو أو استهلكه لا ضمان عليه و هو غريب و إباحة لأموال الناس بغير سبب صحيح و لا أظنهم يلتزمون به في المنفصلة و ان صرحوا به في المنافع التي لا عين لها كسكنى الدار و لبس الثوب و ركوب الدابة، بقي الكلام في المنافع المتصلة كسمن الدابة و نحوه لو أتلفها الغاصب أو تلفت عنده فقد نقلوا عن أبي يوسف و الشيباني و عن أبي حنيفة عدم الضمان و القول الأول أقوى و ان ظهر من بعض أصحابنا عدم الضمان بناء على ان الأوصاف لا تقابل بالأعواض

ص: 134

و هو على إطلاقه محل نظر أما قضية النحل و العسل فالقاعدة الكلية المطردة في باب الطيور الأهلية بل و سائر الحيوانات ان صاحب الدار و البستان و نحوها إذا بنى وكرا أو عشا للطيور تأوي إليه فقد دخلت في حيازته و صارت هي و بيضها و فراخها ملكا له و إذا بنت هي عشا لها من القش و نحوه في بعض زوايا داره و أشجار بستانه فصيرورتها في حيازته و ملكا له بمجرد ذلك محل نظر بل الظاهر بقاؤها على الإباحة يملكها كل من صادها و من ذلك الحمام و النحل و غيرهما، فقول المجلة و كذلك لو اغتصب الى الآخر يبتني على ما إذا بنى روضة تأوي إليها لا مطلقا و كذلك ما في مادة «904» عسل النحل الى الآخر،،، مقيد بما ذكرنا و الإطلاق غير متجه فتدبر.

الفصل الثاني في (بيان المسائل المتعلقة بغصب العقار)
مادة «905» المغصوب ان كان عقارا يلزم الغاصب رده،،،

هذا الحكم لا يختص بالعقار بل كل عين مغصوبة يلزم ردها و في التعبير بنقصان القيمة تسامح بل الاولى ان يقال لو نقصت القيمة لنقصان

ص: 135

العين اما نقصان القيمة السوقية مع بقاء العين على حالها فقد عرفت ان الأشهر بل لعل الاتفاق على عدم ضمانها.

مادة «906» ان كان المغصوب أرضا و أشاد الغاصب عليها بناء أو غرس أشجارا،،،

هذه أيضا عامة في كل مغصوب أحدث الغاصب زيادة فيه و بالجملة فإن العقار لا يختلف عن غيره من الأعيان من حيث الحكم نعم يختلف عنها في بعض جهات الموضوع فإن الأرض مثلا لا يمكن ان يعرضها التلف الحقيقي أصلا بل يعرضها التلف الحكمي كما لو غمرتها المياه أو انقطع عنها الماء فلا يمكن الانتفاع بها أو صارت سباخا لا تصلح للزرع و أمثال ذلك و هذا لا يفرده عن غيره من الأعيان التالفة حكما بل الحكم في الجميع واحد و هو الرجوع عند التلف الحكمي إلى المثل أو القيمة و الغالب في الأراضي أنها قيمية كالحيوان،،، فالعقار كغيره يجري فيه الغصب و تلحقه احكامه و لكن حكى بعض الشراح عن الشيخين و أحسبه يعني أبا حنيفة و أبا يوسف عدم جريان الغصب فيه و صار عندهم من القواعد المقررة- ان العقار لا يغصب لانه لا ينقل و لا يحول من مكانه فلا تزال اليد فيه كالأعيان التي تؤخذ من صاحبها بفعل يحدثه الفاعل في العين اما العقارات فتؤخذ من صاحبها يفعل يحدثه الفاعل في الملك الى ان قال: لذلك إذا أبعد رجل آخر من داره أو منعه من دخولها و تلفت لا يضمن و كان (المجلة) جرت على ذلك بقولها: و إذا طرأ على قيمة ذلك العقار نقصان بصنع الغاصب و فعله يضمن قيمته، فان التقييد بفعل الغاصب إشارة الى ان

ص: 136

الضمان ضمان إتلاف لا ضمان يد و غصب فلو تلفت تلفا سماويا لم يضمن و لا أظن أن وهن هذا الكلام يخفى على ذي مسكة، و ليت شعري من الذي اشترط في حقيقة الغاصب النقل و التحويل و هل الغصب الا الاستيلاء كما قلنا أو أخذ مال الغير و ضبطه بدون اذنه كما ذكرته المجلة في صدر كتاب الغصب و أي أخذ أقوى من الاستيلاء على ارض الغير و منع المالك من التصرف فيها، و بالجملة فهذا القول اعني عدم ضمان العقار بالتلف ثقل لا عصارة له و شبح لا روح فيه و خالفهم في ذلك الشافعي و الشيباني و صارا الى ما هو الحق عندنا من التحقيق و الغريب ان القائلين بأن العقار لا يغصب اي لا يضمن استثنوا من ذلك موارد منها عقار الوقف و عقار اليتيم و العقار المستعد للاستغلال و كل هذه الأمور المستثنى و المستثنى منه أحكام كيفية ما انزل اللّٰه بها من سلطان و لا تستند الى دليل فان كان العقار لا يتحقق فيه الغصب بطبيعته و لا يتعلق به ضمان اليد فما معنى استثناء هذه الأمور و لما ذا يجب الضمان فيها دون غيرها فانظر و أعجب،،، ثم انهم ذكروا في ثمرة الخلاف في الضمان و عدمه أمرين زوائد المغصوب فإنها مضمونة عند الشافعي و غير مضمونة عند الحنفي،، و ما لو باع الغاصب الدار ثم أقر بأنها غصب و لم يتمكن المغصوب منه المقر له من اقامة البينة على انها له لا يضمن الغاصب المقر شيئا و لا يؤخذ بإقراره.

و هذا لو تم فليس هو من جهة ان العقار لا يغصب و لكن من جهة ان الإقرار بعد البيع يشبه ان يكون إقرارا في حق الغير أو في مال الغير

ص: 137

فيلغو و يحتاج إلى البينة.

(اما قول المجلة) و ان كان القلع مضرا ضررا فاحشا فللمغصوب منه ان يعطي قيمة مستحق القلع و يضبطه، ففيه ان فاحش الضرر ليس له هنا اثر فان المغصوب منعه يجوز له دفع قيمة الغرس أو البناء سواء كان في قلعها ضرر أم لا و سواء كان الضرر فاحشا أو غير فاحش و لكن برضا الغاصب فان تراضيا فهو و الا فلا حق لأحدهما أن يجبر الآخر على أخذ القيمة عن ماله فتدبره، و حيث اتضح ان سبب الضمان في الغصب هو قاعدة اليد و هي لا تناط بعلم و لا جهل و انما أثر العلم هو الحرمة التكليفية لا غير- إذا فلا وجه لقول المجلة هنا: و لكن لو كانت- الأشجار و البناء أزيد من قيمة الأرض إلى الآخر .. فان زعم السبب الشرعي و تخيل ان الأرض له أو لمورثه لا يغير الحكم الواقعي،،، و الأحكام الوصفية ثابتة في عامة الأحوال فلو قطع إنسان بأن هذا الثوب ملكه فلبسه حتى أبلاه ثم ظهر انه لغيره ضمنه كما لو كان عالما و لو بنى في عرصة الغير أو غرس غرسا يلزم عليه قلعه و تسليم العرصة لصاحبها خالية كما كانت سواء كان الغرس أزيد من قيمة الأرض أو أقل الا ان يتراضيا اما التزام الباني غاصبا كان أو مشتبها اي عالما كان أو جاهلا لصاحب الأرض بأخذ القيمة فهو حكم جزافي و مخالف لعامة الأصول و القواعد أيضا و لا مجال هنا لقاعدة الضرر لانه هو الذي أضر نفسه و لو بجهله بل لو استوجب القلع نقصا في قيمة الأرض لزمه التدارك لصاحب الأرض كما نبهت المجلة عليه في مادة (907) لو غصب أحد عرصة آخر ..

ص: 138

اما قولها و كذلك لو زرع أحد مستقلا العرصة فحق التعبير لفظا و معنى ان تقول لو زرع الشريك الأرض المشتركة بدون اذن شريكه فالزرع للزارع و يضمن لشريكه أجرة الأرض مع قيمة نقصانها لو نقصت، و لا يختلف الحال بين كون الشريك حاضرا أو غائبا و سواء أخذ حصته من الأرض بالقسمة أو بقيت مشاعة و جميع تلك القيود مستدركة- مادة (908) إذا كرب أحد،،، تقدم ان كل عمل يعمله الغاصب في العين المغصوبة فإن نقصت به قيمة العين ضمن النقيصة و الا فلا له و لا عليه سواء زادت القيمة أم لا مادة [909] واضحة.

الفصل الثالث في (بيان حكم غاصب الغاصب)

مادة (910) غاصب الغاصب حكمه حكم الغاصب.

هذا باب توارد الأيادي على العين الواحدة و من المتفق عليه كما لعله سبق ان المالك مخير في الرجوع على أيهم شاء و لكن لو رجع على من تلفت العين في يده لم يكن له رجوع على غيره ممن وقعت العين في

ص: 139

يده اما لو رجع على غيره منهم كان له الرجوع على الذي تلفت عنده لان قرار الضمان عليه، و من احكام توارد الأيادي انه ليس لمن أخذ العين من الغاصب ان يردها عليه و لو ردها عليه فعل حراما و لم يبرأ من الضمان بل للمالك ان يرجع عليه و يطالبه بها غايته ان له حق الرجوع على الغاصب الذي دفع له العين و لو تلفت كان للمالك الرجوع عليه و على غيره مخيرا بينهم و قرار الضمان على من كان التلف عنده و من هنا ظهر عدم صحة مادة (911) إذا رد غاصب الغاصب المال المغصوب الى الغاصب الأول يبرأ وحده و إذا رده الى المغصوب منه يبرأ هو و الأول.

فإنه إذا ردها الى الغاصب الأول لا يبرأ هو و لا الغاصب الأول بل يلزمه ردها الى المالك أو وكيله و الا فإلى حاكم الشرع بعد تعذر ذلك

ص: 140

الباب الثاني في (بيان الإتلاف

اشارة

و يحتوي على أربعة فصول)

الفصل الأول في (مباشرة الإتلاف)
مادة (912) إذا أتلف أحد مال غيره الذي هو في يده أو في يد أمينه قصدا أو من غير قصد يضمن.

عرفت فيما سبق ان أسباب الضمان اعني كون مال شخص في عهده آخر- كثيرة (أولها) و أقواها وضع اليد على مال الغير اي الاستيلاء عليه بغير اذن الشارع و لا المالك و الغصب أحد فروع اليد (و الثاني) من أسباب الضمان الإتلاف اي إتلاف شخص مال غيره بغير اذنه و هذا القيد كان يلزم على المجلة ذكره اما قيد (الذي في يده أو في يد أمينه) فهو مستدرك بل يلزم حذفه فإن إتلاف مال الغير

ص: 141

سواء كان في يده اي يد الغير أو في يد أمينه أو لم يكن في يد أحدهما أو لا يد عليه لأحد كالضايع أو في يد الغاصب كل ذلك مضمون على المتلف إلا إذا أتلف بإذن المالك و من هنا يتضح لك ان النسبة بين اليد الموجبة للضمان و الإتلاف الموجب له عموم من وجه يجتمعان في الغاصب إذا أتلف و تنفك اليد عن الإتلاف في التلف السماوي و ينفك عنها فيما لو أتلف مال الغير و هو في يده أو في يد آخر غصبا أو غير غصب فالمتلف ضامن و عليه قرار الضمان و ان كان المال في يد الغاصب.

ثم ان الإتلاف عند الفقهاء نوعان مباشرة و تسبيب فالأول كأكل الطعام و الثاني كحفر البئر و لكن يظهر بأدنى تأمل ان جميع أنواع الإتلاف تسبيب غايته ان السبب تارة قريب فيسمى مباشرة كالمثال الأول، و بعيد فيسمى تسبيب كالثاني و على كل حال فالجميع موجب للضمان و الملاك صحة إسناد الإتلاف إليه عرفا و لذا قالوا ان المباشر أقوى من السبب إلا في مواضع فان السبب يكون أقوى و ذلك لضعف اسناد الفعل الى المباشر و قوة إسناده إلى السبب فالأمر يدور مدار صحة الاسناد و قوته و من الأصول المقررة في الإتلاف عدم الفرق بين القصد و عدم القصد و العلم و الجهل و البلوغ و عدم البلوغ و العقل و الجنون كما هو شأن عامة الأحكام الوضعية كل ذلك لعموم الدليل و هو (من أتلف مال غيره فهو له ضامن) سواء كانت قاعدة فقهية أو حديثا نبويا نعم يعتبر عدم الإكراه فلو كان مكرها لم يكن

ص: 142

عليه ضمان بل الضمان على المكره بالكسر لأن السبب هنا أقوى من المباشر و مثله الصبي الغير المميز لو أمره الكبير فان الصغير حينئذ كالآلة لا ضمان عليه و السبب أقوى و عليه الضمان،،، و مما يتفرع على الضمان مع عدم القصد و العمد ما ذكرته المجلة (913) إذا زلق أحد و سقط على مال آخر و أتلفه يضمن و مادة «914» إذا أتلف مال غيره،،، و من قبيل العمد- مادة «915» أما قولها: و لو تشبث بها و انشقت بجر صاحبها ضمن نصف القيمة.

يمكن منعه ضرورة ان السبب هنا أقوى من المباشر و في الحقيقة ان تمام السبب هو التشبث و لولاه لما حصل الجر الموجب للشق و كذلك بل أوضح منه ما لو جلس أحد على أذيال ثياب و نهض صاحبها، فان عدم علم صاحبها بجلوس الآخر يسقط نسبة الفعل اليه و يصحح نسبة الفعل تماما الى الجالس على الثياب أما الذي نهض و هو لا يعلم فهو في هذا المقام كالآلة الصماء و هو من أظهر فروع قاعدة السبب أقوى من المباشر فما وجه سقوط نصف القيمة عنه و التلف مستند اليه تماما.

مادة «916» إذا أتلف صبي مال غيره.

واضحة كوضوح مادة «917» لو اطرأ أحد على مال غيره كالحانوت و الخان.

مادة (918) إذا هدم أحد عقار غيره بدون حق فصاحبه مخير ان شاء ترك،،،

يمكن الخدشة فيها فان ذلك الهدم ان كان بحيث يعد في نظر العرف تلفا و إتلافا للحانوت أو الخان فاللازم المثل

ص: 143

أو القيمة و ان كان نقصا تعين أخذ الأرش و لا وجه للتخيير نعم لا إشكال في صحة قول المجلة: و لكن إذا نبأه الغاصب كالأول فيبرأ من الضمان

مادة (919) لو هدم أحد دارا بلا إذن لأجل وقوع حريق في المحلة

و انقطع هناك الحريق فان كان الهادم هدمها بأمر اولي الأمر لا يلزم الضمان و الا لزم الضمان، هذا من موارد قاعدة وجوب دفع الأشد بالأخف التي مر ذكرها في القواعد العامة في الجزء الأول فإن هدم الدار التي نشأ فيها الحريق خوف السراية إلى دور اخرى واجب كفائي على كل من شاهد النار و بالأخص على أهل الدار التي فيها الحريق فان لم يفعلوا فعلى الدور الأخرى و إذا هدمها أولئك لدفع الضرر عنهم لانه ضرر أعظم من ضرر صاحب الدار- لا ضمان عليهم لأن إتلافها للدار كان بإذن شرعي، و يمكن المناقشة بأن القدر المتيقن انهم مأذونون بالهدم اما ان الاذن بغير ضمان فغير معلوم فلعله من قبيل أكل مال الغير عند المخمصة فإن الجائع الذي يخاف على نفسه التلف مأذون بالأكل و لكن مع دفع القيمة إلى المالك فلما ذا لا يكون الحال هنا من هذا القبيل بل قاعدة احترام مال المسلم تقتضي ذلك اللهم الا ان يقال انه هنا هو في معرض التلف فلا حرمة له أو ان المتلف هنا محسن (و مٰا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) و المسألة محتاجة إلى تأمل فليتأمل.

مادة (920) لو قطع أحد الاثمار التي في روضة غيره.

فيها من الكلام نظير ما مر في مادة «918»، مادة «921» واضحة

ص: 144

الفصل الثاني في (بيان الإتلاف تسبيبا)
مادة «922» و هذا أيضا واضح و ان نسب الى بعض فقهاء الجمهور انه لا يضمن بمجرد فتح الباب

إلا إذا صاح بالدابة لتخرج أو صقر للطائر كي يطير و هو متجه إذا كان من شأنها و عادتها ان لا تخرج الا بذلك و انها يفتح الباب لا تخرج و لو اجتمع السببان يضمن باقواهما فلو فتح الباب رجل و حل قيد الدابة آخر فشردت يضمن فاتح الباب لأن بحل القيد مع بقاء الباب مغلقا لا تستطيع الدابة الفرار كذا قيل و هذا يختلف أيضا فقد يتفق ان حل القيد أقوى في تحقيق فرارها كما لو كان طائرا و فتح القفص أو كانت دابة قوية فتكسر الباب بعد حل القيد فليس هنا قاعدة كلية بل المرجع الى الخصوصيات المقامية بنظر العرف و حكم الحاكم.

مادة «923» لو جفلت دابة أحد.

قد يظن ان مستند هذا كون القصد و العمدية شرطا في الضمان بالسبب فلو حصل التلف بغير قصد من المسبب لم يلزم الضمان فلو حلفت الدابة بمرور شخص من غير قصد لم يضمن و لو قصد بمروره ان تجفل

ص: 145

أو صاح بها فاجفلها ضمن، و هذا اعني اعتبار القصد غير مطرد ففي كثير من الموارد يحكمون بضمان السبب و ان لم يكن هناك قصد كما في مادة (924) يشترط التعدي في كون التسبب موجبا للضمان على ما ذكر آنفا يعنى ضمان المسبب في الضرر مشروط بعمله فعلا مفضيا الى ذلك الضرر بغير حق مثلا لو حفر أحد في الطريق العام بئرا بلا إذن اولي الأمر و سقطت فيه دابة لآخر و تلفت يضمن و اما لو سقطت الدابة في بئر كان قد حفره في ملكه و تلفت لا يضمن.

فان وقوع الدابة لم يكن مقصود الحافر في الصورة الأولى قطعا و مع ذلك يحكمون بضمانه و أوضح منه ما سيأتي في مادة (926) من وقوع الحمل من ظهر الحمال على مال الغير فيتلفه فقد حكمت المجلة بالضمان و هو غير قاصد قطعا و غير مباشر ضرورة فالمدار ما ذكرناه من مراجعة الحاكم في القضايا الشخصية فيرجع فيها الى العرف و الذوق و الوجدان و يستنبط حكمها من الأدلة و هذه الموارد من الأمور الصعبة جدا و من مزالق الافهام لا الأقدام، و من هنا صار منصب القضاء و الحكم من أهم المناصب و القاضي على شفا- أيما إلى جنة أيما إلى نار، و من قضى فقد ذبح بغير سكين- بالبناء للفاعل أو المفعول- نسأله تعالى السداد و ان يمدنا بلطف منه و توفيق،، نعم لا إشكال في ان العمل الذي يترتب عليه تلف مال الغير إذا كان مشروعا و لا تعدي فيه و لم يقصد به الإتلاف لا يكون موجبا للضمان فلو هدم إنسان جدار داره فانهدم جدار الجار لا يضمن لانه فعل مشروع لم يقصد به الإتلاف، و كذا إذا أوقد شخص في سطح داره

ص: 146

نارا و لكن بقدر المعتاد فاتفق أن أطارت الريح شرارة الى الحار فأحرقت شيئا منه لا يضمن نعم لو كان زائدا على المتعارف فهو ضامن و ان لم يقصده و هذا مما يدل على عدم اعتبار القصد في الضمان و بهذا الملاك قضية ضمان الحمال فإنه فعل مشروع و لم يقصد به الإتلاف قطعا و مع ذلك فقد حكموا عليه بالضمان كما سيأتي.

مادة «925» لو فعل أحد فعلا يكون سببا،،

و هذا واضح فإن الأصل في المباشر ان يكون أقوى من السبب و اليه يسند الفعل و عليه يكون الضمان و لذا لو أمر إنسان غيره بقتل شخص فقتله فالدية أو القصاص على القاتل لا على الآمر و ان كان لم يقتله الا امتثالا لذلك الآمر، نعم يتفق كثيرا ان كون السبب أقوى من المباشر و لكن الأصل و الأكثر هو العكس.

الفصل الثالث (فيما يحدث في الطريق العام)
اشارة

الطريق العام هو الجادة التي يسكنها الناس جميعا من غير اختصاص سواء كانت في الصحاري و المفاوز أو في المدن و القرى أو في الغياض و الغابات أو في الجبال و المغارات فتخصيص بعضهم لها بطرق المدن

ص: 147

و القرى لا وجه له.

مادة «926» لكل أحد حق المرور من الطريق لكن بشرط السلامة

يعني مقيد بشرط ان لا يضر غيره بالحالات التي يمكن التحرز منها، بناء عليه إذا سقط الذي على الحمال و أتلف مال أحد يكون ضامنا و كذا إذا أحرقت ثياب أحد مار في الطريق الشرارة التي طارت من دكان الحداد حين ضربه يضمن الحداد ثياب المار، في هذه المادة مواقع للبحث و النظر اما «أولا» فإن حرمة إضرار الغير بالحالات التي يمكن التحرز منها حكم عام في الطريق العام و في غيره فلا محل لإقحامه هنا «و ثانيا» على فرض اختصاصه هنا فهو حكم تكليفي محض لا اثر له في الضمان و عدمه كما لا اثر له في حق المرور و عدمه يعنى ليس حق المرور مشروطا بالسلامة بحيث لو أضر لم يكن له حق المرور بل حق المرور ثابت لكل أحد على كل حال و لكن يحرم عليه ان يضر غيره و اما «ثالثا» و هو أشدها نقدا، و أسدها ردا، عدم صحة التفريع المزبور بمعنى ان حرمة الإضرار للغير لا يتفرع عليه قضية ضمان الحمال فان ضمانه يتفرع و يبتنى على كونه مباشرا للتلف أو مسببا لا ان مروره مشروط بالسلامة و عدمها، و اما «رابعا» فقد عرفت ان هذا يوشك ان يكون تهافتا في أحكام المجلة فقد مر في مادة «923» ما يدل على اعتبار القصد و العمد في ضمان التسبيب حتى صرح بعض بان المسبب لا يضمن إلا إذا كان متعمدا و حينئذ فأي وجه لضمان الحمال هنا مع وضوح كونه غير متعمد و لا قاصد كما سبق بيانه و كذا إذا أحرقت شرارة دكان الحداد فان اللازم عدم ضمانه بل عدم الضمان هنا أوضح فان الحداد جالس

ص: 148

في دكانه و في ملكه و مشغول بمهنته و طيران الشرر من لوازم صنعته فالواجب على المار ان يتحرز لا على الحداد ان يكتنز.

مادة «927» فذلكة التحقيق في هذا المقام ان ظاهر الفقهاء و لعله من الفريقين كما تشعر به هذه المادة بناؤهم ان التصرف المشروع

اما لكونه تصرفا في ملكه أو لأنه مأذون من الشارع أو المالك إذا أوجب ضررا فأتلف مال غيره لا يكون ضامنا و لذا جعلوا البيع و الشراء أو وضع شي ء بإذن ولي الأمر في الطريق العام إذا أوجب الضرر و الخسار لا يضمن و بدون الاذن يضمن،،، و قد مرت الإشارة أو التصريح منا بان ملاك الضمان و عدمه ليس مشروعية التصرف و عدمها و انما المدار فيه على صحة إسناد الضرر و التلف إليه مباشرة أو تسبيبا أو عدمه الا ترى ان من أجج في سطح داره نارا فان كان بمقدار الحاجة و على المتعارف كما هم ذكروا لم يضمن إذا أحرقت شيئا في دار جاره و ان كان زائدا على المتعارف كان ضامنا مع ان كلا منهما جائز شرعا لصاحب الدار و الناس مسلطون على أموالهم و لكن وجه الفرق بينهما انه في الأول لا يعد عند العرف متلفا اى لا يسند التلف إليه مباشرة و لا تسبيبا بخلاف الثاني فإنه يعد لتجاوزه عن قدر الحاجة هو المسبب للتلف و ان لم يكن قاصدا و لك ان تناقش في ذلك فتقول بعدم الفرق بينهما و تحكم بالضمان فيهما أو عدم الضمان و لكن لو قلنا بالفرق فليس هو الا ما ذكر، لا قضية الجواز و عدمه فتدبره في الأمثلة و النظائر جيدا فإنه باب واسع كثير الفروع اما ما ذكرته المجلة بقولها: بناء عليه لو وضع أحد في الطريق

ص: 149

العام حجارة.

فهي مسألة اخرى يتعرض لها فقهاؤنا في باب المشتركات العامة من كتاب «احياء الموات» و هي جواز وضع شي ء في الطرق العامة و الموضوع نوعان نوع ثابت كالاجنحة و الرواشن و النوافذ و الأبواب و نحوها و قد أجازه أرباب المذاهب و أصحابنا بجميع أنواعه حتى الرواشن المستوعبة عرض الطريق المسماة باللغة الدارجة «سوابيط» و ليس للطرف المقابل المنع و لكن الجميع مشروط بعدم الإضرار أو المزاحمة للمارة فكأنه عندهم على الإباحة الأصلية فأجازوا كل تصرف لا يضر بالمرور و الاستطراق الذي هو حق الجميع، هذا في الطرق النافذة أما المرفوعة فلها احكام أخرى مذكورة في محلها و اما غير الثابتة بجميع أنواعها أيضا من حجارة أو تراب أو غيره فقد أجازوه أيضا بذلك الشرط على تفاصيل مذكورة في محلها أيضا و على الجواز فاللازم بناء على ان التصرف الجائز لا يوجب الضمان عدم الضمان هنا و دعوى انه مشروط بعدم الإضرار بالمارة مدفوعة بأن المراد بعدم الإضرار نوعا لا اتفاقا فليتدبر، و بان الإضرار كما عرفت حرام تكليفي و حكم مستقل بنفسه لا دخل له بجواز التصرف و عدمه فان كل إنسان له حق المرور في الطرق العامة و يجب عليه ان لا يضر الناس في الطرق و في غيرها.

«و الخلاصة» ان مشروعية التصرف لا ترفع ضمان الضرر الحاصل من التصرف إذا استند الضرر اليه عرفا ضرورة ان الاذن بالتصرف ليس معناه الاذن بالإضرار نعم ان لم يسند الضرر اليه فلا ضمان و على هذا

ص: 150

يبتنى ما ذكرته «المجلة».

في مادة (928) لو سقط حائط و أورث غيره ضررا لا يلزم الضمان

و لكن مائلا إلى الانهدام الى آخرها،،، فان وجه الضمان في الأول دون الثاني هو صحة إسناد الضرر اليه من جهة تماهله بعد التنبيه و عدم صحة الإسناد اليه مع الغفلة و عدم التنبيه فليتدبر.

و يكفي في التنبيه و التقدم حصوله من كل أحد سواء من الجار الذي خشي الضرر أو من غيره و لا وجه لقول «المجلة» و لكن يشترط ان المنبه من أصحاب التقدم و التنبيه فان المدار ان يحصل له العلم و الإنذار كي تنقطع الحجة و المعذرة بالجهل و هو واضح.

الفصل الرابع في (جنابة الحيوان)
اشارة

من المعلوم ان الحيوان من حيث ذاته لا ضمان عليه و لا يتعلق به اي حكم من الاحكام فان كان هناك ضمان أو حكم فعلى الإنسان الذي يناط به الحيوان بأحد الملابسات بان يكون مالكا له أو قائدا أو سائقا أو راكبا

ص: 151

و ان لم يكن مالكا و كل ذلك مبنى على الأصل الذي ذكرناه من قضية صحة النسبة و الاسناد كما أشارت إليه المجلة.

مادة «929» الضرر الذي أحدثه الحيوان بنفسه لا يضمنه صاحبه،،،

و لعل اليه نظر النبوي المشهور «جرح العجماء جبار» فالحيوان إذا كان صاحبه معه و أحدث ضررا كان صاحبه ضامنا و نعني بالصاحب الأعم من مالكه أو مستأجره أو مستعيره أو غير ذلك بل و حتى غاصبه فان صاحبه إذا كان معه و أهمل رعايته و لم يكبح جماحه استند الضرر اليه فلزمه الضمان كما نصت عليه «المجلة» بقولها و لو استهلك حيوان مال أحد إلى الآخر.

و كان المراد باستهلاك الدابة ما لو أكلت طعام الغير و نحو ذلك و هذا أحد مصاديق الكلي و لا خصوصية له فلو أضرت بمال الغير و لم يمنعها صاحبها و هو معها ضمن سواء استهلكت المال أم لا و ينبغي ان يحمل مادة (930) لا يضمن صاحب الدابة التي أضرت بيديها أو ذيلها أو رجلها حال كونها في ملكه راكبا كان أو لم يكن.

على ما إذا لم يكن عالما أو لم يكن قادرا و الا فلا وجه له لما في مادة «931» إذا أدخل أحد دابته في ملك غيره باذنه لا يضمن جنايتها لما عرفت قريبا من ان الاذن بالتصرف ليس اذنا بالضرر فإذا دخل بدابته و أضرت بصاحب الدار و استند الضرر إلى إهماله ضمن سواء دخل بإذن أم بغير اذن بل لو كانت الدابة في ملكه و أضرت بالغير من جهة إهماله ضمن بل و كذا لو انفلتت دابته و أضرت فإن كان بإهماله

ص: 152

و تقصيره ضمن و ان لم يكن انفلاتها بتقصيره فلا ضمان هكذا ينبغي بل يجب تحقيق المسائل و تحليلها و من هذا ينكشف أيضا

مادة «932» لكل أحد حق المرور في الطريق العام مع حيوانه بناء عليه،،،

فان كل أحد و ان كان له حق المرور و لكن ليس حق الإضرار و الخسار فيجب عليه التحرز حسب الإمكان بان لا يسوقها بعنف يوجب انتشار الطين و الغبار، فان تسامح في ذلك فلوثت ثياب العابرين كان ضامنا كما يضمن الضرر و الخسار الذي يقع من مصادمتها أو لطمه يدها في جميع الصور المذكورة أولا و آخرا لا فرق بين بعض و بعض فتدبره جيدا، نعم ما هو خارج عن قدرته أو عن علمه يعذر فيه.

مادة «933» بل هما اقدر على التحفظ من الراكب

فهما اولى من الراكب بالضمان لو تسامحا في التحرز.

مادة «934» ليس لأحد حق توقيف دابة أو ربطها في الطريق العام.

هذا على إطلاقه ممنوع بل له ان يوقفها أو يربطها إذا كان الطريق واسعا كما في شوارع أكثر المدن في هذه الأعصار «و بالمجلة» انما لا يجوز له ان يوقفها أو يربطها في الطريق إذا كان فيه مزاحمة للعابرين اما إذا أمن من المزاحمة فلا مانع شرعا بل و عرفا فلو تعرضها أحد و أخذته و أتلفت عليه شيئا فلا ضمان على صاحبها لانه هو الجاني على نفسه.

مادة «935» من سبب دابته في الطريق العام يضمن الضرر الذي أحدثته.

ص: 153

و وجهه واضح لانه يكون هو السبب بتفريطه في حفظها، و لا يبعد ان يلحق به من سيب ولده أو عبده و لا سيما إذا كانا مجنونين أو ضعيفي العقل لا يؤمن شرهما، و بهذا الملاك يضمن الراكب كما في مادة (936) لو داس الحيوان الذي كان راكبه أحد على شي ء بيده أو رجله الى آخرها.

و مادة «937» لو كانت الدابة جموحا و لم يقدر الراكب على ضبطها و أضرت لا يلزم الضمان،

إذا كان الأمر في مثلهن خارج عن قدرته و اختياره اما مع استطاعة حبسها و إهماله فهو ضامن.

مادة (938) و هي واضحة كوضوح ما بعدها.

ص: 154

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

الكتاب التاسع في (الحجر و الإكراه و الشفعة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب)

ص: 155

المقدمة في (الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالحجر)

الحجر:

لغة المنع و بهذا الاعتبار أطلق على العقل في قوله تعالى (هَلْ فِي ذٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) و أمثالها لأنه يعقل و يمنع عن ارتكاب الرذيلة و شرعا هو منع الإنسان عن التصرف لوصف فيه فيما له التصرف فيه لو لا ذلك الوصف و ذكر فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم ان أسبابه «ستة» الصغر و الجنون و السفه و الرق و مرض الموت و الفلس و ذكروا لكل منها حدودا و قيودا و أحكاما و المجلة أرادت ذلك المعنى في تعريفه و قصرت عبارتها عنه في مادة (941) الحجر هو منع شخص مخصوص عن تصرفه القولي،، و من الواضح ان المحجور ممنوع عن التصرف القولي و الفعلي معا

ص: 156

فكما لا يجوز صيغة البيع منه و لا اثر لها كذلك لا يجوز ان يدفع المبيع أو ان يعطي شيئا من أمواله معاوضة أو مجانا فالتقييد بالتصرف القولي لا وجه له كما لا فائدة لقولها و يقال لذلك الشخص بعد الحجر محجور،

و مثلها مادة «943»

الإذن:

هو فك الحجر و إسقاط المنع.

ثم شرعت المجلة في تعريف بعض أسباب الحجر كالصغير و المجنون و السفيه و لو انها أو كانت تعيين مصاديق هذه المفاهيم الى العرف لكان أصح و أوضح،

أما تعريف الإكراه في مادة «948»

الإكراه:
اشارة

هو إجبار أحد على ان يعمل عملا بغير حق من دون رضاه بالإخافة، فقيد بغير حق مستدرك إذ الإكراه معنى وحداني و هو حمل الغير على عمل بغير رضاه سواء كان بحق أو بغير حق و حق التعبير ان يقال:

و يقال لمن اجبر مكره و المجنون مكره بفتح الراء و كذلك العمل مكره عليه لينتظم النسق و تنسجم الفقرات.

و في مادة (949) الإكراه على قسمين

(القسم الأول) هو الإكراه الملجئ الذي يكون بالضرب الشديد المؤدي الى إتلاف النفس (و الثاني) غير المجي ء الذي يوجب الغم و الألم فقط بالضرب و الحبس،،، خلل و اضطراب أبعده عن الصواب فإن الإكراه الملجئ هو الحمل على الفعل بغير قصد من الفاعل كما لو أوجر الماء في حلق الصائم أو أركب إنسان غيره بان رفعه فوضعه على الدابة و هكذا و القسم الثاني هو الذي يصدر الفعل بإرادة الفاعل و لكن انبعاث الإرادة و القصد وقعا دفعا للضرر و خوفا من التهديد و الوعيد بالضرب الشديد أو غيره بإتلاف نفس أو قطع

ص: 157

عضوا و أخذ مال أو هتك عرض أو حبس و نحو ذلك، و مما يوجب الغم و الألم هنا ذكر الغم و الألم الذي لا ربط لهما بالمقام أصلا فتدبره عافاك اللّٰه فالملجئ يسلب الإرادة و الرضى و غير الملجئ يسلب الرضى و طيب النفس دون الإرادة و لكن الظاهر تساويهما في أغلب الاحكام و قد يختلف نادرا ففي مثل الصوم لو أوجر في حلقه لا قضاء عليه و لا كفارة و لكن لو أكره بالإكراه الغير الملجئ كان عليه القضاء دون الكفارة اما في مثل الطلاق و البيع و سائر المعاملات فالظاهر عدم الصحة بالإكراه مطلقا، هكذا ينبغي تحقيق البحث و مثل هذا في الضعف و الخور و الوهن و الخلل.

مادة «950»

الشفعة:

هي تملك الملك المشتري بمقدار الثمن الذي اشتراه به المشتري.

و لا حاجة لهذا التعقيب فان أصح تعريف للشفعة ان يقال انها حق أخذ الشقص المبيع من المشتري بالثمن من الذي اشتراه به و الفرق بين التعريفين مثل الصبح واضح- فان التملك اثر ذلك الحق لا نفسه و الشريك له حق الشفعة و ان لم يتملك فتدبره، ثم ان درج الشفعة في مدرج الحجر و الإكراه موضع لسؤال المناسبة لوضوح التباين بينهما و بينهما فإن الشفعة حق و الحجر و الإكراه منع من التصرف في الحقوق و لعل المناسبة هي ان الشفيع يأخذ الشقص من المشتري كرها رضي أم أبي فناسب بهذا باب الإكراه و الحجر و الا فالشفعة حقيقة من شراشر البيع و شئونه و لذا لا تجري في غير البيع من عقود المعاوضات و غيرها كالصلح

ص: 158

و غيره كما سيأتي.

ثم ان من مادة (951)- إلى مادة (955)- و مادة (956) «كلها واضحة غنية عن البيان» اما الشرب الخاص فقد عرفه هنا بأنه حق شرب ماء الجاري المخصوص بالأشخاص المعدودة،، و عرفه في اخريات الكتاب بأنه هو الانهر التي تتفرق مياهها و تقسم بين الشركاء و في كلا التعريفين نقص ظاهر و الأصح في تعريفه انه الماء المملوك لشخص أو أشخاص مخصوصين في مقابل الشرب العام و هو المباح لعامة الناس الذي لا يملكه أحد بعينه.

ص: 159

الباب الأول

[الفصل الأول]
مادة (957) الصغير و المجنون و المعتوه محجورون.

الحجر نوعان نوع ذاتي يعني بحسب أصل الشرع و جعل الشارع بلا واسطة، و نوع عرضي لا يتحقق إلا بواسطة حكم الحاكم و هؤلاء الثلاثة محجور عليهم بالحجر الذاتي لنقصهم الذاتي و اي نقص أعظم من نقص العقل عافاك اللّٰه «و من النوع الثاني» السفيه كما في مادة (958) للحاكم ان يحجر على السفيه و منه أيضا المفلس كما في مادة (959) للحاكم ان يحجر على المديون بطلب الغرماء و سيأتي تفاصيل كل من النوعين اما- مادة (960) المحجورون الذين ذكروا في المواد السابقة و لم يعتبر تصرفهم القولي لكن يضمنون الى الآخر،،، فهو حكم عام لكل محجور عليه لان الضمان حكم وضعي لا تكليفي حتى يختص بالبالغ العاقل بل كل من أتلف مال غيره فهو له ضامن حتى الصبي الغير المميز غايته ان المخاطب يدفع الغرامة وليه فيغرم من مال الصبي ان كان له مال و الا فلا غرامة و سقط الحق لعدم موضوعه.

مادة (961) إذا حجر السفيه و المديون من طرف الحاكم يلزم بيان سببه للناس،

الإعلان عن الحجر عليه كي لا يعامله الناس لو احتاج الى الحكم حسن أو لازم و لكن بيان السبب غير لازم بل

ص: 160

غير حسن أيضا،

مادة «962» لا يشترط حضور من أريد حجره من طرف الحاكم و يصح حجره غيابا،،

لعل هذا عند أرباب المذاهب اما عندنا فلا يتوقف أصلا على حكم الحاكم بل كل شخص يعرف السفيه من غيره و إذا عرفه يلزمه ان لا يعامله و لو عامله كانت معاملته باطلة سواء كان قد حكم الحاكم أم لا بل لا حاجة الى حكمه أصلا و انما يلزم الحكم في خصوص المفلس كما سيأتي توضيح هذه المباحث و تحريرها

مادة «963» لا يحجر على الفاسق بمجرد سبب فسقه ما لم يبذر،،،

قد يبلغ الفسق الى السفه بل إلى أعلى مراتب السفه فان شارب الخمر فاسق و سفيه و اما إذا كان مدمنا فهو مجنون بل في أعلى مراتب السفه و الجنون و من الجدير ان لا يعامل شارب الخمر و لا يصاهر كما في كثير من الاخبار النبوية و هكذا كثير من الكبائر مثل الربا و القمار و الزنا و أخويه عافاك اللّٰه ايها المسلم من هذه الخبائث التي هي سوس الهيئة الاجتماعية التي تنخر في عظامها حتى تبلى و تتلاشى و اللّٰه ولي العصمة و التوفيق.

اما مادة (964) يحجر على بعض الأشخاص الذين تكون مضرتهم للعموم كالطبيب الجاهل

- و مادة «965» فكلاهما خارجان عن الحجر الشرعي الاصطلاحي بل هما من الحجر اللغوي أو السياسي.

ص: 161

الفصل الثاني في (المسائل المتعلقة بالصغير و المجنون و المعتوه)
مادة (966) لا تصح تصرفات الصغير غير المميز القولية،،،

عبارات الصبي الصغير المميز كالمجنون لا اثر لها أصلا لأنه لا يعرف قصد الإنشاء بها بخلاف الصبي المميز الذي يتمكن من قصد الإنشاء و لا اعرف للتقييد بالقولية وجها مع ان جميع تصرفات الغير المميز لا اثر لها.

مادة (967) يعتبر تصرف الصغير المميز إذا كان في حقه نفع محض

و ان لم يأذن به الولي و لم يجزه كقبول الهدية و الهبة.

هذا من الاستحسان الحسن عقلا بل و عرفا اما شرعا فمقتضى الأحاديث الكثيرة المشتملة على مثل قوله عليه السّلام رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و عن المجنون حتى يفيق، عدم اعتبار جميع تصرفاته له أم عليه أم لا له و لا عليه الا ما ورد به الدليل الخاص مثل وصية من بلغ عشرا إذا كانت بالمعروف أو مطلقا و لكن يمكن تخريج وجه لما ذكرته المجلة من مجموع الأدلة الشرعية و الاعتبارات العقلية و لكن الأحسن و الأحوط اعتبار اجازة الولي و لا شك ان الولي يجيز ما فيه المصلحة للصغير و هو اعرف بالنافع له من الضار نعم و كل ما جاز للولي أن يتصرف فيه من أموال الصغير جاز له ان يأذن للصغير بمباشرته اما

ص: 162

لو باع الصغير ثم أجاز نفسه بعد بلوغه فصحته غير معلومة الا على وجه بعيد في باب الفضولي: و على تلك القاعدة يبنى.

مادة (968) للولي أن يسلم الصغير المميز مقدارا.

و مستنده قوله تعالى (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ) فإن التعبير بآنستم إشارة إلى كفاية العلامات و الأمارات في الحكم بالرشد و لذا يجب ان يمتحن الصغير متى تظهر عليه أمارات الرشد فتدفع إليه أمواله و بالضرورة أن معاملاته بعد بلوغه في خلال امتحان رشده تكون مراعاة بالمصلحة فما كان منها على منهاج العقلاء و أهل السداد تكون ماضية صحيحة و ما لم يكن منها على ذلك المنهاج تكون باطلة و لا يجدي اجازة الولي في صحتها و تلخص من كل ما ذكر ان اعمال الصبي الغير المميز قولا و فعلا لغو صرف مع الإجازة و الاذن و بدونهما اما المميز قبل البلوغ فاعماله كذلك قولا و فعلا مع الاذن أو الإجازة نافذة ماضية مطلقا ما لم يتبين الضرر فيها على الصبي اما بعد البلوغ قبل تبين الرشد فالصحيح منها ما ثبتت فيه المصلحة و موافقة العرف و العادة و ما لم يتبين فيه باطل حتى مع الاذن و الإجازة فافهم ذلك و اعرف وجهه بالتأمل.

مادة (969) العقود المكررة التي تدل على انه قصد منها الربح

و هي إذن بالأخذ و الإعطاء مثلا الى آخرها، صحة تصرف الصبي المميز الموقوفة على اذن الولي تتبع مقدار الاذن عموما أو خصوصا فقوله بع و اشتر اذن عام في أنواع البيع و الشراء و امره بإجراء عقد واحد اذن خاص، و لا نعرف فرقا ذا أثر عملي بين الاذن و بين التوكيل

ص: 163

و الاستخدام: و هل التوكيل و الاستخدام الا نحو من الاذن و كذلك الأمر بالبيع و الشراء أو غيرهما أيضا ليست حقيقة إلا الاذن، العبارات شتى و الطرق كثيرة و الغاية و الحقيقة واحدة و من هنا تعرف الوهن في مادة (970) لا يتقيد و لا يتخصص.

لا نعرف وجها لعدم صلاحية اذن الولي للتقييد أو التخصيص بمكان أو زمان و سيما بعد ان عرفت ان الوكالة و الاذن و ان اختلفا مفهوما و لكنهما متحدان أثرا و حكما و كل وكالة اذن و لا عكس و لا ريب بالاتفاق ان الوكالة تصلح لكل قيد فالإذن كذلك لان حكم الأمثال واحد و لا نص في البين يجوز في هذا و يمنع في ذاك.

نعم قد يعلل ذلك بان الإذن إسقاط و الاسقاط لا يصلح للتقييد و هو وهم في وهم و سبك خطأ في خطأ فلا الاذن إسقاط و لا الاسقاط لا يقبل التخصيص بل يقبله (بيان ذلك) ان الولاية نوعان نوع قهري إجباري، و آخر اختياري جعلي، فالأول كولاية الأب و الجد و الحاكم الشرعي فإنها لا تقبل الاسقاط و الثاني كولاية منصوب الحاكم الشرعي فإن له ان يسقط ولاية نفسه و يستقيل بخلاف الأول فإنه لو أسقط ولايته لا تسقط مضافا الى ان الاذن ليس إسقاطا للولاية إذ ليس إذن الأب أو الجد للصبي المميز بان يبيع أو يشتري إسقاط لولايتهما بل هو عين اعمال الولاية، و إعطاء الرخصة كإعطاء المالك الرخصة لآخر في التصرف بماله فليس معنى ذلك انه أسقط ملكيته و ولايته على ماله بإعطاء الرخصة في التصرف لغيره فكذلك إعطاء الولي الرخصة ليس معناه إسقاط الولاية

ص: 164

هذا [أولا]: و أما [ثانيا] فلو سلمنا فرضا ان الولاية إسقاط و لكن لا مانع من تقييد الاسقاط بزمان أو مكان فإن للدائن أن يطالب مدينة بحقه في كل مكان و كل زمان اما لو قال له أسقطت عنك حق المطالبة يوم الجمعة أو في شهر رمضان أو في مكة المشرفة أو المدينة المنورة لزم ذلك و لم يكن له حق المطالبة في تلك الأزمنة أو الأمكنة و هو تقييد مقيد فلا يكون لغوا فتدبره جيدا و أعرفه أصلحك اللّٰه.

مادة (971) كما يكون الإذن صراحة يكون دلالة

فلو رأى الولي، الصغير يبيع و يشتري و لم يمنعه و سكت يكون قد اذنه دلالة تقدم غير مرة ان السكوت بذاته لا يدل على شي ء و لا اثر له و انما المدار على القرائن التي تقرن به، و كان هذا غنيا عن البيان لوضوحه و تقدمه كوضوح مادة «972» للولي أن يحجر على الصغير بعد ما اذنه،،، الاعلام و التعميم وسيلة و لا يتوقف عليها الحكم و هو أمر استحساني لا ضروري فلو اذن له ثم منعه بعد ذلك صحت معاملاته الواقعة بعد الاذن و بطل الواقع منها بعد الرجوع سواء علم الولي بذلك و اعلم أم لا فتدبره.

و حيث ان المهم في باب الحجر الذاتي تعين الأولياء، تعرضت المجلة لبيانهم في مادة «974» ولي الصغير في هذا الباب أولا أبوه ثانيا الوصي إلى الآخر،،، و هذا كله مع انه تطويل بلا فائدة غير واف بجميع أنواع الأولياء و الضابطة الجامعة مع اختصارها هي ان أولياء الصبي أبوه و جده في رتبة واحدة و من سبق تصرفه كان هو النافذ و بطل

ص: 165

الثاني و لو اقترنا مع التنافي بطلا و من بعدهما منصوبهما أو منصوب أحدهما و لا ولاية لأحد غير هؤلاء من قريب أو بعيد الا الحاكم الشرعي أو منصوبه مع فقد أولئك أو عدم أهليتهم بقصور أو خيانة و لعل الى هذا أشارت مادة «975» للحاكم ان يأذن للصغير المميز عند امتناع الولي،،، و قد يؤدي هذا الى الخلاف بين الولي و الحاكم فالولي يمنع لانه لا يرى المصلحة و الحاكم يأذن لانه يراه صالحا فيكون المتبع رأي الحاكم على تأمل و ان جزم به أصحاب المجلة.

مادة (976) إذا توفي الولي الذي جعل الصبي مأذونا فيبطل اذنه

فان الاذن و الإباحة يبطلان بموت الآذن و المبيح كما تبطل الوكالة بموت الموكل لأن الجميع اذن و من خصوصيات الإذن اللازمة له لذاته زواله بزوال الآذن حاكما كان أو غيره فالتفكيك بين الحاكم و غيره كما في المجلة لا وجه له أصلا نعم لو نصب الحاكم وليا على قصير أو جعل متوليا على وقف و مات الحاكم فإن الولاية لا تبطل بموته و الفرق بين الاذن و الولاية ظاهر بأدنى تأمل،،، ثم انك عرفت من فحاوي كلماتنا المتتابعة في هذا المجال ان أصل الولاية على الصغير انما هي لأبيه و جده و بعد فقدهما أو عدم أهليتهما تعود للحاكم و عليه فلو اذن الحاكم للصغير مع وجود أبيه أو جده و وجود المسوغ الشرعي لهذا الاذن ثم مات الحاكم فلا ريب ان الولاية للأب و الجد على خالها لا تزول و لم تزل انما عطلها في المورد الخاص معارضة الحاكم و قد زالت بموته فتعود ولايتهما كما كانت على القاعدة المعروفة إذا زال المانع عاد الممنوع و عليه فلا وجه لما في

ص: 166

مادة (977) للحاكم ان يحجر الصغير الذي اذنه و ليس لأبيه إلى الآخر.

مادة (978) المعتوه في حكم الصبي المميز.

بل الأكثر في المعتوهين انهم كالصبي الغير المميز و ليس لهذا ضابطة كلية و المعتوهون مختلفون و إرجاع التعيين الى العرف أو الى حاكم الشرع اولى نعم لا إشكال بأن المجنون المطبق بحكم غير المميز كما في مادة (979) كما لا إشكال في مادة «980»- اما مادة «981» فقد تقدم في مادة «968» ما يغني عنها و عن مادة [982] إذا بلغ الصبي غير الرشيد لم تدفع إليه أمواله ما لم يتحقق رشده.

و لازم عدم جواز الدفع ضمانه لو تلف المال في يد الصبي الذي لم يبلغ الرشد كما في مادة «983»- و مادة «984» و حق المادتين ان يجمعا في مادة واحدة فيقال: ولي الصغير لو دفع له المال قبل ثبوت رشده أو قبل بلوغه فان كان المال موجودا انتزعه منه للحجر عليه و ان كان تالفا كان ضامنا و حيث كان من المعلوم اعتبار البلوغ و الرشد في زوال الحجر عن الصبي و الرشد يعرف بالاختبار و الامتحان في معاملاته كما مر (اما البلوغ) فيعرف بعلامات، بعضها طبيعية ذاتية و بعضها جعلية شرعية أما الطبيعية فهي الاحتلام في الذكر بل و الأنثى ان تحقق فهو علامة لها أيضا و كذا الإنبات اي نبات الشعر على العانة و لم تذكره المجلة، و الحيض في الإناث و الحبل و هي علامة مسبوقة غالبا بالحيض كما ان الحيض مسبوق بالإثبات غالبا، و اما الشرعية فهي

ص: 167

إكمال الخمسة عشر في الذكور، و التسع في الإناث و كلها علامات لشي ء واحد و هو النضج و الكمال و بلوغ حد الرجولية التي أثرها التوالد و التناسل و صلاحية الرجل فعلا للإحبال و الأنثى إن تحبل و تلك كواشف عن تلك الحقيقة و المرتبة و لكن لو كمل الذكر خمسة عشر حكم عليه بالبلوغ شرعا بلغ تلك المرتبة أم لا و كذا الأنثى بالتسع نعم لو علم بلوغ مرتبة الرجولية في من بلغ سنة الاثنى عشر أو أقل أو أكثر دون الخمسة عشر يحكم عليه بالبلوغ و يترتب عليه آثار البالغ إذا فهي علامة حيث لا علامة قبلها اما مع العلم و الظن المعتبر فله حكمه و مع الشاك فالخمسة عشر و التسع و الى هذا أشارت مادة «985» و مادة «986» و لكن مما ذكرنا يظهر لك انه لا محصل لقوله في هذه المادة و إذا أكمل الرجل اثنتي عشرة و لم يلغ إلخ.

فإن بلوغ التسع و إكمالها هو البلوغ شرعا فأي معنى لقولهم أكملت تسعا و لم تبلغ نعم المراهق هو المقارب لسن البلوغ كالثمان للصبية و الاثنى عشر للصبي أو أول الخمسة عشر.

مادة (987) من أدرك سن البلوغ و لم تظهر فيه آثار البلوغ يعد بالغا حكما،،،

هذا هو البلوغ الشرعي و هو البلوغ بالسن المخصوص تعبدا و تجري عليه احكام البالغ.

مادة «988» الصبي الذي لم يدرك سن البلوغ إذا ادعاه لا تقبل دعواه،،،

اعترافات الصبي الذي لم يثبت بلوغه كلها لاغية و هذا منها فالدعوى لا تثبت نفسها بل تثبت باماراتها.

ص: 168

مادة (989) إذا أقر المراهق أو المراهق في حضور الحاكم ببلوغه فإن كذبه ظاهر الحال إلخ.

قد عرفت ان دعوى البلوغ لا تثبت بمجرد الاعتراف بل لا بد من اعتبار الأمارات و بمجرد ادعائه انه بالغ لا يترتب عليه اثر له أو عليه فان حصلت احدى الأمارات المتقدمة الشرعية أو الطبيعية فالعمل عليها أقر أو أنكر و ان لم تحصل هي و لا حصل العلم من أمارات أخرى بل حصل الظن أو الشك فلا عبرة بهما بل المرجع الى استصحاب عدم البلوغ و إقراره مع الشك لا اثر له أصلا مراهقا كان أو غير مراهق و الخلاصة ان القرائن ان كانت منصوصة أو مخصوصة و هي ما ذكرناه فالعمل عليها حتى مع الشك يتعين و ان لم يكن فلا عبرة بها و لو أفادت الظن بل المعول على الاستصحاب فتدبره، و للّٰه المنة.

الفصل الثالث في (السفيه و المحجور)
مادة «990» السفيه المحجور هو في المعاملات كالصغير المميز الى الآخر.

هذا هو القسم الرابع من أقسام المحجور عليهم و يقع الكلام في

ص: 169

تشخيص موضوعه (أولا) ثم بيان احكامه (ثانيا) «اما الأول» فإن السفه ضد الرشد و السفيه يقابل الرشيد و حيث ان الرشد هو ملكه نفسانية تمنع من إفساد المال و صرفه في غير الوجوه المطابقة لأفعال العقلاء فالسفيه بخلافه- مثلا من يبيع ماله بأقل من ثمن المثل و يشتري بأكثر من ثمن المثل فهو سفيه و من اتفق أكثر أمواله في الخمر غالبا و الملاهي أو شطرا من أمواله فيها فهو سفيه و من يبيع ما يحتاجه فيصرفه فيما لا يحتاجه مما يسمونه بالكماليات فهو سفيه و هكذا أملاكه و تعيين مصاديقه موكول الى عرف العقلاء و هو يختلف باختلاف أنواع الأشخاص و الأزمنة و الأمكنة و الظروف حتى ان من ينفق أكثر أمواله في الخيرات و المبرات زائدا على ما يليق بشأنه فضلا عما إذا كان مجحفا بعياله قد يعد عند العقلاء سفيها (اما الثاني) فمعاملاته المالية باطلة مطلقا حتى ما يوافق فيها طريقة العقلاء و الأصل في ذلك قوله تعالى (وَ لٰا تُؤْتُوا السُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ) بناء على ما هو الظاهر من ان المراد لا تعطوا أموالكم معاوضة عن أموالهم و ان كان بقية الآية قد تشعر بخلاف ذلك و لكن الاخبار فيه كثيرة و هذا النهي وضعي يقتضي فساد المعاملة و لازم ذلك ان من ابتاع من السفيه مالا و دفع له الثمن فأتلفه لا ضمان عليه و يسترجع الولي المبيع سواء كان عالما بسفهه أم لا و كذا لو باعه شيئا فلا تصح معاملاته التعاوضية فضلا عن معاملاته المجانية كالهبة و العارية و نحوهما نعم ليس هو مسلوب العبارة كغير المميز بل هو كالمميز فيصح ان يوكل على عقد لغيره كما يصح ان يعقد لنفسه بيعا أو نكاحا أو غيرهما و لكن يبقى

ص: 170

موقوفا على اجازة الولي و لا يسلم اليه مال أصلا لا الذي له و لا الذي لغيره و لو سلم اليه المال فتلف فان كان المال للغير فلا ضمان على السفيه و ان كان له فالدافع ضامن و الفرق بينه و بين الصبي المميز ان ولي هذا أولا أبوه أو جده اما ولي السفيه فهو الحاكم الشرعي حتى مع وجودهما أو وجود وصيهما.

مادة «991» تصرفات السفيه التي تتعلق بالمعاملات القولية الواقعة بعد الحجر لا تصح،،،

يظهر من هذا ان الحجر على السفيه موقوف على حكم الحاكم حيث تقول «المجلة» لكن تصرفاته قبل الحجر كتصرفات سائر الناس، و أنت خبير بان السفه أمر ذاتي و نقص في العقل و التفكير فهو كالصغير و المجنون فكما ان الحجر فيهما و في المعتوه لا يتوقف على حكم الحاكم لاستناده إلى أمر ذاتي فكذلك السفيه و من هنا اتفقت الإمامية ظاهرا على ان الحجر عليه غير موقوف على الحكم بل كل معاملة مالية تقع مع السفيه فهي باطلة سواء علم وقتها بأنه سفيه أم لا نعم لو اجازه الولي لوقوعها موافقة لمعاملات العقلاء نفذت كما نبهت عليه (المجلة) في مادة (993) إذا باع السفيه المحجور .. ثم ان من احكام السفيه لزوم إنفاق الولي عليه و هو الحاكم بالقدر المناسب لحاله و شأنه و كذا على عياله الواجبي النفقة عليه كما في مادة «992» و من أحكامه أيضا ما في مادة «994» لا يصح إقرار السفيه و ان الحقوق الثابتة عليه شرعا يؤديها الولي من أمواله كما في مادة «995» و انه إذا استقرض و صرفه على نفسه بالمعروف يلزم الحاكم أداء ذلك الدين و الا فلا

ص: 171

لأن الدائن قد أضاع ماله على نفسه و لكن القدر المعلوم انه حيث يكون الدائن عالما بسفهه و الا فلو أقرضه على أصل السلامة لم يبعد عدم سقوط حقه فليتأمل.

مادة (997) إذا اكتسب السفيه المحجور صلاحا

على قاعدة إذا زال المانع عاد الممنوع و كان السفه هو المانع من صحة التصرفات فإذا زال عادت الصحة كما في سائر العقلاء.

الفصل الرابع في (المديون المحجور)

مادة (998) لو ظهر عند الحاكم مماطلة المديون في أداء دينه حال كونه مقتدرا الى آخرها،،، إذا ماطل المديون غرماءه في أداء دينه و هو قادر و ملي و شكاه الغرماء الى الحاكم أنذره أولا فإن أصر على المماطلة حبسه فإن بقي مصرا فان كان عنده نقود أخذها الحاكم و دفع منها حق الغرماء و ان لم يكن عنده نقود باع الحاكم من أمواله المنقولة أو غير المنقولة حسب نظره بقيمتها السوقية و دفعها الى الغرماء و هذا لا ربط له بالمفلس أصلا و ليس المفلس

ص: 172

شرعا الا هو من قصرت أمواله عن ديونه فطلب الغرماء ان يحجر على أمواله و يمنعه من التصرف بها خوف التلف فتعود الخسارة عليهم و هو الذي أشارت إليه مادة «999» المديون المفلس الذي دينه.

و تحرير هذا البحث بأسلوب واسع و واضح- ان الفلس لا يكون سببا للحجر عندنا معشر الإمامية إلا بشروط (الأول) ثبوت الديون عند الحاكم (الثاني) قصور أمواله عنها اما لو زادت أو ساوت فلا حجر خلافا لما في المجلة في المساوي «الثالث» ان تكون ديونه حالة فلو كانت مؤجلة أجمع أو الحال منها لا يزيد على أمواله فلا حجر حتى لو كانت عند حلولها تزيد عن أمواله (الرابع) التماس الغرماء من الحاكم الحجر عليه و ليس للحاكم التبرع حتى لو التمسه المفلس بنفسه اما لو التمسه بعضهم فان كان دينه بخصوصه يزيد على أمواله صح الحجر و الا فلا، ثم ان أمواله التي تقاس الى ديونه و هي كل ما زاد على دار سكناه و ملابسه و أثاث بيته و خادمته و دوابه و كتبه كل ذلك على حسب شأنه و ما يليق بنسبة أقرانه فإن زادت يؤخذ الزائد و ان نقصت أكملت و بحسب أيضا من أمواله ديونه و ان كانت مؤجلة ان كانت على مؤسرين دون المعسرين أو المتمردين أو الغاصبين و إذا تحققت هذه الشروط و حجر الحاكم عليه ترتبت على ذلك أحكام «الأول» بطلان تصرفاته أجمع في جميع أمواله الموجودة حال الحجر مدة بقائه سواء تعلقت بدين أو عين أو منفعة و سواء كانت بعوض مطلقا كالبيع أو الإجازة بخيار في بيع سابق فإنه نافذ سواء وافق غبطة الغرماء أم لا فان حق الغرماء قد تعلق بماله على نحو كيفية

ص: 173

ملكه له من لزوم أو تزلزل فلا ينقلب الجائز بالحجر لازما و لذا لا يمنع الغير من اجراء خياره لو كان في بعض أمواله كما انه لو خرج مال المفلس عنه بهبة و نحوها قبل الفلس لم يكن للغرماء إلزامه بالرجوع فيه و ان كان له ذلك نعم لا ينفذ إبراؤه و إسقاطه بماله من ديون أو حقوق مالية اما التصرفات الغير المالية كوصيته أو تدبيره اللذين لا ينفذان إلا في ثلث الفاضل عن الدين و كالنكاح و الطلاق و الإقرار بالنسب و ان أوجب النفقة و لكنه في الذمة كما لو افترض أو اشترى نسيئة أو باع سليما فضلا عما إذا كان موجبا لتحصيل المال مجانا كالاحتطاب و الاحتشاش و الاتهاب فهل تدخل في الحجر أم لا، وجهان أقواهما العدم اما أمواله المتجددة بعد الحجر من أمواله المحجورة فهي تابعة لها و الحجر لا يسقط عبارته فيجعلها لاغية كعبارة الغير المميز بل له ان يتوكل عن الغير بل له ان يجري العقود على أمواله المحجورة فتنفذ بإجازة الغرماء أو الحاكم كما نصت عليه مادة «993» إذا باع السفيه،،، و لو فضل عن الديون فان كان لارتفاع السوق فالحجر صحيح و يرد إليه الزائد و ان كان لخطإ في التقدير حين الحجر كشف عن بطلانه و تمضي تصرفاته الواقعة أثناء الحجر [الثاني]، ان إقراراته بعد الحجر و ديونه المتجددة تنفذ عليه و تبقى في ذمته و لا يضربون مع الغرماء المتقدمين في المال المحجور حتى لو أقر بسبق الدين الا ان يصدقه الغرماء أو يثبت عند الحاكم كما في مادة «994» لا يصح إقرار السفيه «الثالث» ان ديونه المؤجلة لا تحل بالحجر و لا بموت الدائن نعم تحل بموت المديون

ص: 174

مطلقا محجورا و غير محجور، و تقسيم أمواله بعد الحجر على ديونه الحالة و لا يدخر للمؤجلة شي ء و ما يحل قبل الشروع بالقسمة ضرب صاحبه مع الغرماء و لو حل بعد قسمة البعض شارك في الباقي مع باقي الغرماء و لو ظهر دين حال بعد القسمة نقضت و شارك و لو كان الحلول بالصلح على تعجيله بإسقاط بعضه فالأقوى مشاركته على تأمل «الرابع» ينفق عليه و على عياله الواجبي النفقة من ماله المحجور الى يوم القسمة كما في مادة «1000» و لو مات قبلها فتجهيزه الواجب من أمواله و كذا لو مات من يجب تجهيزه عليه «الخامس» إذا وجد بعض غرماء المفلس عين ماله فهو أحق بها و لو لم يكن غيرها و لا يشاركه الغرماء فيها اما غرماء الميت لو قصرت أمواله عن ديونهم فهم شرع سواء حتى صاحب العين فتقسم التركة بنسبة ديونهم حتى لو مات محجورا عليه بالفلس لان المال ينتقل إلى الورثة و فيه حق الغرماء و لذا لو دفع الورثة الدين صارت التركة ملكا طلقا لهم، اما لو وقت التركة بالديون فصاحب العين أحق بها ان كانت العين باقية بحالها اما لو تغيرت بزيادة منفصلة أخذها بدون الزيادة، و لو كانت متصلة فإن كانت بفعل المفلس كما لو غرس أو صبغ أو خلط كان شريكا بالنسبة و ان لم تكن بفعله كالسمن و الطول و نحوه فهل يأخذها كذلك أو يسقط الأخذ أصلا أو يأخذها و يكون شريكا بالنسبة و يشاركه المفلس بالنسبة و لعله أقوى الوجوه اما لو تغيرت بالنقص أخذها ان شاء و ضرب مع الغرماء بقيمة النقص، و لو خلطها بالمساوي أو الأدون و لم يمكن التمييز تخير

ص: 175

بين الشركة و بين الضرب مع الغرماء،،، بقيمتها كما لو خلطها بالأعلى و لو تغيرت الحقيقة بأن صار الحب زرعا و البيض فرخا كان بحكم التالف فليس له الا الضرب مع الغرماء كما تقدم، و يقدم حق الشفيع على البائع لو أفلس المشتري و يضرب البائع مع الغرماء بقيمة الشقص و كذا يقدم المرتهن عليهم فيأخذها بدينه ان ساوت و يرد الزيادة ان زادت و يضرب معهم بالنقيصة ان نقصت و كذا حق المجني عليه و لكن لو قصر ثمن العبد الجاني فليس للمجني عليه أكثر من قيمته أو رقبته و لو أفلس بثمن أم الولد أخذها البائع أو اختص بثمنها (السادس) لو تجددت له أموال بعد القسمة فللحاكم ان يحجر عليها إذا التمس الغرماء ذلك تلافيا لبقية ديونهم ان كان المتجدد يقصر عنها و الا فلا الا ان يكونوا قد أسقطوا و أبرءوا «السابع» قد عرفت ان ولاية الصغير و المجنون للأب أو الجد منه أو لمنصوبهما فان لم يكونا فللحاكم أو منصوبه و كذا من بلغ غير رشيد اما من بلغ رشيدا ثم عرضه السفه و صار مفلسا فللحاكم لا غير،،، هذه أهم مباحث الحجر و السفيه و المفلس و منه تعرف كم أهملت المجلة من الفروع المهمة، و الأحكام المحكمة، في هذا الباب، و للّٰه المنة و الحمد.

ص: 176

الباب الثاني في (بيان المسائل التي تتعلق بالإكراه)

اشارة

العمل المكره عليه فاعله لا اثر له شرعا قولا كان أو فعلا و الأصل فيه قبل الإجماع قوله تعالى «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ» بل هو نوع من أنواع الضرورة فيشمله كل أدلة المضطر مثل قوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بٰاغٍ وَ لٰا عٰادٍ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ» و في الحديث النبوي المعروف (بحديث الرفع) رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما لا يعلمون و ما اضطروا اليه و ما استكرهوا إلخ، (و النبوي المشهور) ما من محرم الا و قد أحله اللّٰه لمن اضطر اليه، و لكن انما تسقط الآثار وضعية و تكليفية بالإكراه إذا استجمع شروطا.

(الأول) ان يكون المكره بالكسر قادرا على فعل ما يتوعد به من ضرب أو حبس و نحوهما و عليه تنص مادة (1003) يشترط ان يكون المجبر.

(الثاني) ان يظن المكره بالفتح أو يقطع بأنه إذا لم يأت بالمكره عليه أوقع بالمكره، بالكسر، به ما يتهدده فيه من قتل أو ضرب

ص: 177

أو نحوهما كما في مادة «1004» يشترط خوف المكره- «الثالث» ان يكون المكره بالفتح عاجزا عن مقاومته و رد شره عنه بنفسه أو الاستعانة من حاكم أو غيره و قد أهملت المجلة هذا الشرط «الرابع» و هو ان يكون ما يتوعد به مما لا يتحمله المكره أو لا يليق بشأنه و هذا يختلف باختلاف الأشخاص و مراتبهم كما يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة و سائر الاعتبارات فرب شخص لا يليق به كلمة فيها رائحة الإهانة فقد يفعل الفعل دفعا لهذه الكلمة فيكون مكرها و رب شخص لا يضر بشأنه الصفع و الضرب و الحبس و الغل فيفعل الفعل خوف ذلك فلا يعد مكرها، و ربما يشترط بعضهم ان يكون عاجزا عن التورية فلو كان عارفا بها و لم يقصدها كان مختارا لا مكرها و هو غير معلوم و كيف كان إذا تحققت الشرائط المتقدمة ارتفع الحكم التكليفي المرتب على ذات القول أو الفعل لو لا الإكراه كما يرتفع الأثر الوضعي فلو سب نبيا أو وليا مكرها فلا إثم، كما لو باع أو وهب كذلك فلا اثر لبيعه و لا هبته، و لو شرب خمرا مكرها فلا إثم كما لو غصب مال غيره و أتلفه مكرها فلا ضمان و هكذا سواء فعل ذلك بحضور المكره المتوعد أو بغيابه فان الحضور و الغياب ليس له أي أثر بعد تحقق تلك الشروط فلا وجه لما في مادة «1005» ان فعل المكره المكره عليه في حضور المجبر يكون الإكراه معتبرا و اما إذا فعله في غيابه فلا يعتبر لانه يكون قد فعله طوعا الى آخرها،،، فإنه لو أكره أحد آخر على بيع داره و لو بكتاب أو رسول تحقق الإكراه و أي اثر للحضور إذا كان الخوف

ص: 178

حاصلا حتى مع الغياب.

ثم هل يصح عقد المكره بإجارته بعد الإكراه- خلاف، و الأقرب الصحة كما في مادة (1006) و ذلك لعمومات (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و نحوها و لفحوى أدلة الفضولي فتدبره،،، و لو باع المالك مكرها و تصرف المشتري كان ضامنا كالغاصب بجميع ما يجري عليه من احكام الضمان المتقدمة.

مادة (1007) كما ان الإكراه الملجئ يكون معتبرا إلخ.

قد عرفت ان لا فرق بين الملجئ و غير الملجئ بالمعنى المذكور لان المدار على الخوف سواء كان من قتل أو حبس أو غيرهما نعم يفترقان بمعنى آخر تقدم بيانه.

ص: 179

الباب الثالث في (بيان الشفعة

اشارة

و ينقسم إلى أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان مراتب الشفعة)
مادة (1008) أسباب الشفعة ثلاثة

(الأول) ان يكون مشاركا قد عرفت قريبا ان أقرب عبارة تكشف عن حقيقة الشفعة التي هي من خصائص الشريعة الإسلامية و عظم عنايتها بنظم الهيئة الاجتماعية و الصالح العام و حكمتها العالية ان لا يبتلى المالك لملك مشاع بشريك جديد لا يعرف شيئا من أخلاقه و حسن سيرته فقد يكون شركته وبالا عليه و تنغيصا لعيشه في داره أو عقاره مدة عمره فجعل له حق أخذ ما باعه شريكه من المشتري بالثمن، إذا فأحسن تعبير عنها انها حق تملك الشريك الشقص من المشتري بالثمن، و لهذا الحق أسباب كما له شروط

ص: 180

اما أسبابه فكما أشارت إليه هذه المادة- الشركة على الإشاعة اما في نفس العين أو في حق الشرب الخاص أم في الطريق الخاص كالأمثلة المذكورة في المتن و هذان سببان لحق الشفعة عند الإمامية أيضا كما عند عامة أرباب المذاهب فهو إجماع المسلمين، «اما السبب الثالث» و هو كونه جارا ملاصقا الى يمينه أو يساره أو خلفه لا المقابل فقد اختلفت أرباب المذاهب فيها، فالشافعي و مالك على عدم الشفعة فيها و عليه كافة الإمامية لقوله عليه السّلام [إذا وقعت الحدود فلا شفعه بينهم] و الحنفي و أصحابه على ثبوتها لما يروى عنهم (جار الدار أحق بدار الجار) و هو الذي اختاره المجلة، و لبعض الفقهاء تفصيل فالجار المشارك في الطريق الخاص من أحد الجانبين له الشفعة و غيره كالجار من خلف أو المقابل لا شفعة له و هذه الأسباب مرتبة فلو اختص كل واحد بواحد منها ففي مادة «1009» حق الشفعة أولا للمشارك في نفس البيع كاشتراك شخصين في عقار شائعا (الثاني) ان يكون خليطا إلخ.

و مادة (1010) إذا لم يكن مشاركا في نفس المبيع أو كان و ترك ..

و حاصله ان المشارك في العين مقدم فان لم يكن أو كان و ترك فللثاني و هكذا، اما مادة (1011)- و مادة (1012) فالشفعة في الموردين انما تثبت حيث تكون الأرض مشتركة اما مع عدم الشركة في الأرض فلا شفعة فإن البناء كالغروس لا شفعة فيها الا تبعا للأرض كما تقدم.

مادة (1013) إذا تعدد الشفعاء يعتبر عدد الرءوس.

ص: 181

هذا هو المتفق عليه ظاهرا عند أرباب المذاهب و لعله المشهور عندنا و وجهه ان سبب الشفعة هو الشركة و هو في الجميع واحد، و وحدة السبب تقتضي وحدة المسبب و هو كما ترى فيه للخدشة مجال و لو قيل بان كل واحد يأخذ بمقدار حصته لكان أقرب الى العدل.

و اما مادة (1014) و ما بعدها الى آخر الفصل.

فالأحكام المندرجة فيها مبنية على استحسانات و اعتبارات لا بأس بها بناء على أصول القوم اما عندنا فلا موقع لها أصلا إذ لا شفعة مع تعدد الشركاء مضافا الى ان تلك الوجوه لا تصلح ان تكون دليلا.

الفصل الثاني في (بيان شرائط الشفعة)
(الأول) مادة (1017) يشترط ان يكون المشفوع به ملكا عقاريا ..

الظاهر اتفاق أرباب المذاهب على هذا الشرط فلا تثبت الشفعة في المقولات مطلقا و لا في الأبنية و المغروسات لا تبعا للأرض اما عند الإمامية فالأخبار الواردة في هذا مختلفة أشد الاختلاف ففي كثير حصرها بالعقارات و في بعضها التعدي إلى الحيوان و في جملة منها التعدي إلى خصوص العبد و لكن

ص: 182

قد استقر المذهب من زمن المحقق و العلامة رضوان اللّٰه عليهما حتى كاد ينعقد الإجماع عندنا أخيرا على عدم ثبوتها في المنقولات مطلقا الا ما يتبع الأرض و عليه فيصح ان يقال ان إجماع المسلمين اليوم على عدم الشفعة في المنقولات الا ما يتبع الأرض فلو كانت الغروس ملكا لاثنين و الأرض لثالث فلا شفعة اما لو كانت مع الغروس لاثنين فباع أحدهما الأرض أو الغروس معها فللشريك ان يشفع كما تشعر به مادة (1019) و نصت عليه مادة (1020)

«الثاني» (1018) يشترط ان يكون المشفوع به ملكا أيضا

- أي لا وقفا و قد اختلف أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم أشد الخلاف في ثبوت الشفعة في العين المشتركة بين الوقف و الملك الطلق فيما لو وقع البيع على الملك الطلق أو وقع على الوقف لو حصل المسوغ لبيع الوقف فبين قائل بثبوتها مطلقا مع وحدة الموقوف عليه و تعدده في الصورتين و بين قائل بعدمها مطلقا كذلك و بين مفصل فتثبت مع الوحدة و تنتفي مع التعدد، أو في الصورة الأولى دون العكس أو بالعكس، و تمسك كل قائل لدعواه بوجوه لا يخلو كل واحد منها من خدشة (و خلاصة التحقيق) من ذلك المخض ان أصل الشفعة لما كانت عبارة عن تملك الشفيع الحصة من المشتري قهرا عليه و هذا حكم على خلاف الأصل و العمومات التي تنص على ان الناس مسلطون على أموالهم و ليس لإنسان أن يملك مال غيره قهرا عليه، إذا فلا بد من الاقتصار في هذا الحكم المخالف للأصل على مورد اليقين و المتيقن ما إذا كان الشريكان يملكان ملكا

ص: 183

طلقا اما في الوقف شفيعا أو مشفوعا به فمشكوك و الأصل عدم ثبوت الحق فلا شفعة في مقام الوقف مطلقا و ما ذكرته «المجلة» وجيه متقن.

(الثالث) مادة (1021) الشفعة لا تثبت الا بعقد البيع ..
اشارة

يعني يشترط ان يكون انتقال الشقص بالبيع اما لو كان بغيره من عقود المعاوضات أو غيرها كالهبة و نحوها فلا شفعة حتى في الهبة المعوضة لما عرفت في كتاب الهبة ان المعوض ليس للعين الموهوبة حتى تكون كالبيع بل هو عوض لنفس الهبة فالتعاوض بين الهبتين لا بين الموهوبين و هذه من دقائق فقه الإمامية فتدبره، و منه ظهر الخدشة في مادة (1022) الهبة بشرط العوض في حكم البيع .. نعم يتفرع على اشتراط الانتقال بالبيع و خروج غيره.

مادة (1023) لا تجري الشفعة في العقار الذي ملك لآخر بلا بدل

كتملك أحد عقارا بلا عوض ..

(الرابع) مادة (1024) يشترط ان يكون للشفيع رضا،،،

و لم تحسن (المجلة) التعبير عن هذا الشرط فجاء مختل اللفظ و المعنى- فان الرضا بالبيع لا يسقط الشفعة بل يولدها و لو لا البيع لم تكن شفعة و انما يسقطها إسقاطه لها أو تماهله عن الأخذ بها بناء على ما سيأتي من الفوزية و قد حصل مثل هذا الوهم لبعض أساتيدنا فقال في حواشيه على التبصرة لو اذن في البيع معرضا فالأقوى البطلان اي بطلان الشفعة و كذا فيما لو بارك أو شهد إذا ظهر منه الاعراض انتهى، و كنا قد علقنا عليها ما نصه

ص: 184

الشفيع يأخذ من المشتري لا من البائع فإذنه كاعراضه لعله وصلة الى غرضه، و مثله لو بارك أو شهد فالشفعة في الجميع ثابتة فتدبره جيدا و كذا لا يلزم سقوط الشفعة لو كان وكيلا للبائع في البيع بل كل ذلك محقق لموضوعها لا مسقط لها نعم لو استأجر من المشتري سقطت، و وجهه واضح و كذا لو اعرض عن المشتري بعد علمه بشرائه و لم يبادر إلى الأخذ سقطت شفعته لفوات الفورية لا للاعراض فتدبره.

الخامس (مادة 1025) يشترط ان يكون البدل مالا معلوم المقدار

بناء عليه لا تجري الشفعة في العقار الذي ملك بالبدل الذي هو غير مال كبدل اجرة الحمام الى آخرها،،، اعتبار معلومية البدل اي الثمن ليس شرطا في أصل ثبوت الشفعة و انما هو شرط في إعمالها أي الأخذ بها احترازا عما لو جهل الثمن لغيبة البائع أو المشتري أو موتهما بحيث لم يعلم بمقدار الثمن فإنه لا يمكن الأخذ بها فسقوطها في مثل ذلك من جهة تعذر العمل بها لا بمعنى انه إذا لم يعلم مقدار الثمن حين البيع أو حين قوله شفعت تكون باطلة بل له ان يقول شفعت بالثمن الذي اشتريت به مهما كان، و توهم لزوم الغرر مدفوع بأنه ربما يكون عالما إجمالا بان الثمن عادلا و انه لا يزيد على ثمن المثل الا قليلا، و على كل حال فهذا الشرط قد ذكره فقهاؤنا أيضا و لكن يلزم ان يحمل على المعنى الذي ذكرنا لا على ما يتراءى من المجلة و غيرها من انه شرط في عداد سائر الشروط لأصل ثبوت حق الشفعة مثل كونه عقارا و ان الانتقال بالبيع و نحوها (هذا أولا) (و ثانيا) فلو سلم ان

ص: 185

المعلومية شرط كسائر الشروط و لكن الذي يصح ان يتفرع عليه انه لو شفع و هو جاهل بمقدار الثمن لم تؤثر شفعته لا عدم جريانها فيما إذا كان البدل غير مال كالدار التي ملكت بدل اجرة الحمام «و ثالثا» لا أدرى لما ذا صارت اجرة الحمام ليست بمال و اجرة الحمام لا يخلو اما ان تكون نقودا و هي مال بلا اشكال و اما ان تكون عروضا كدار مثلا و هي مال أيضا بلا ريب و بدلها و هو منافع الحمام أيضا مال لان معيار المال عند العرف هو ما يبذل المال بإزائه أي ما يبذل أحد النقدين بدلا عنه و من المقطوع به ان منافع الحمام يبذل الدراهم و الدنانير بإزائها فهي مال فالمنافع مال و أعواضها من نقود و عروض أيضا مال حتى الدار فلما ذا لا تجري الشفعة لو كان فيها شقص للغير فباعها و كذلك الدار لو ملكت شقصها المرأة مهرا ثم باعته فلشريكها ان يشفع نعم لو ملكته مهرا لم يكن للشريك شفعة لأنها لم تملكه بالبيع و هو من أهم شرائط الشفعة كما عرفت، فهذا الشرط مضافا الى انه لا محصل له ساقط بالكلية كسقوط

(الشرط السادس). مادة «1026» يشترط ان يزول ملك البائع عن البيع بناء عليه،،،

فإنه فضلة مستدرك إذ البيع الفاسد ليس بيعا حتى على القول بالأعم فإنه ليس الفاسد بمراد في هذه الموارد التي يدور الحكم فيها على الانتقال لا على اجراء العقد فقط و الفاسد عندنا غير مؤثر كالباطل على ما سبق في محله اما البيع الخياري فلا يمنع من الأخذ بالشفعة بل للشفيع يأخذ و للبائع ان يعمل خياره إذا شاء و لو كان الخيار للمشتري انتقل مع الشقص الى

ص: 186

الشفيع ان شاء عمله و ان شاء ترك إذا فلا فائدة بهذا الشرط و هو مستدرك استدراك.

مادة (1027) لا تجري الشفعة في تقسيم العقار.

فقد مر انها لا تثبت الا بالبيع، و القسمة ليست بيعا فذكره مستدرك.

الى هنا انتهت شروط الشفعة في «المجلة» و تبقى شروط اخرى لم تذكرها و لعل إجماع الإمامية أخيرا على اعتبارها في ثبوت أصل هذا الحق (الأول)، ان لا يزيد الشركاء على اثنين و في المتقدمين من يذهب الى ثبوتها حتى مع التعدد و لكن انعقد إجماع المتأخرين ظاهرا على اعتبار الاثنين لا غير «الثاني» ان يكون الشفيع مسلما لو كان المشتري مسلما، فلا شفعة لكافر على مسلم و للمسلم الشفعة عليه، (الثالث) قدرته على الثمن أو بدله حالا ان كان البيع حالا، اما لو كان مؤجلا فاما يدفعه حالا و الا يلزم بكفيل- بالإيفاء عند حلول الأجل، ثم انه لا يشترط في الشفيع اي من له حق الشفعة البلوغ و لا الرشد فيثبت للصبي مطلقا و للمجنون و للسفيه و يأخذ لهم الولي مع المصلحة و لو أهمل كان لكل واحد منهم ان يشفع بعد زوال العذر خلافا لما في المجلة (1025) يطلب حق شفعة المحجورين وليهم و ان لم يطلب الولي حق شفعة الصغير فلا تبقى له صلاحية طلب حق الشفعة بعد البلوغ فان هذا على إطلاقه غير صحيح نعم لو ان الولي أهمل اعماله من جهة عدم المصلحة في ذلك الوقت اتجه سقوطها بعد البلوغ اما لو كان تقصيرا من الولي فلا سقوط لانه حق مالي ثابت فان لم يعمله الولي

ص: 187

استوفاه صاحب الحق بعد كماله و ارتفاع المانع

الفصل الثالث يلزم في الشفعة ثلاث مطالبات.

ليس في كتب أصحابنا شي ء من هذه التعاريج و التخاريج و انما الذي عندهم ان الشريك متى علم ببيع الشريك حصته لزمه ان يعرف الثمن ثم اما ان يأخذ به أو يترك سواء كان في مجلس البيع أو غيره مع حضور المشتري أو عدم حضوره غايته انه مع غيبته حذرا من الإنكار يشهد شاهدين ليكونا بينة له على الأخذ بالشفعة فورا و قد اتفقوا على ان الغالب له الشفعة و لو بعد السنين المتطاولة و لا تسقط شفعته بترك الاشهاد و ان تمكن منه فضلا عما لو عجز عنه و كذا المريض و المحبوس و نحوهما كما اتفقوا أيضا على انه لو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام فان لم يحضره بطلت شفعته لكن (في حسنة) علي بن مهزيار غير هذا التفصيل قال: سألت أبا جعفر الثاني عليه السّلام عن رجل طلب شفعة أرض فذهب على ان يحضر المال فلم ينض فكيف يصنع صاحب الأرض إذا أراد بيعها أ ينتظر مجي ء شريكه صاحب الشفعة قال ان كان معه في المصر ينتظر به الى ثلاثة أيام فإن أتاه بالمال و الا فيبيع و بطلت شفعته في الأرض و ان طلب الأجل الى ان يحمل المال من بلد آخر فلينتظر به مقدار

ص: 188

ما يسافر الرجل الى تلك البلد و ينصرف و زيادة ثلاثة أيام فإن وفاه و الا فلا شفعة له انتهى.

و ينبغي ان يكون المراد بصاحب الأرض هو المشتري لا البائع حتى يتجه استحقاق الشفعة للرجل الذي ذهب لإحضار المال فإن الشفعة لا تثبت الا بعد البيع و لو كان المراد بها البائع أي الذي يريد ان يبيع لم يكن المقام موضع شفعة و كيف كان فلا بد من العمل بهذا الخبر الشريف الموافق للعرف و الاعتبار و على كل حال فقضايا الاشهاد و التقرير و المواثبة قضايا احتياطية و استعداد للكفاح في ما لو وقعت الخصومة و لا دخل بها في أصل حق الشفعة فإنها تثبت بمجرد بيع الشريك و للشفيع ان يشفع بأي صورة يشاء و لكن على الفور سواء أشهد أم لا قرار أم لا، و لا حاجة الى مراجعة الحاكم الا عند الخصومة كما في سائر الخصومات و لا يضر في استحقاق الشفعة تأخيره التقرير أو الإشهاد أو مراجعة الحاكم ضرورة ان حكم الحاكم طريق للإثبات لا سبب في الثبوت فليتدبر.

و عليه فلا يهم التعرض لهذه المواد المذكورة في هذا الفصل.

ص: 189

الفصل الرابع في (بيان حكم الشفعة)
مادة «1036» يكون الشفيع مالكا للمشفوع.

تحرير هذا البحث على طرز جديد، و أسلوب مبتكر، هو انك بعد مراجعة ما مر عليك من مباحث الشفعة تستطيع ان تتصور لتكوين حق الشفعة و ولادته و نشوه و ارتقائه ثلاث مراحل (المرحلة الأولى) أسباب تكونه في طور القوة و الاستعداد و عمدة تلك الأسباب الشركة في العقار بنحو الإشاعة «المرحلة الثانية» وجوده بنحو الفعلية و التحقق و ذلك يحصل بالبيع على الأجنبي فإذا باع الشريك حصته على الأجنبي تحقق له حق الشفعة فعلا، (المرحلة الثالثة) استثمار ذلك الحق و استعماله و هو ان يأخذ بالشفعة فإذا دفع الثمن إلى المشتري ملك الحصة قهرا عليه و وجب ان يتخلى عنها، «فالأولى» قوة و «الثانية» فعلية و وسيلة «و الثانية» غاية و ان شئت قلت الاولى «غرس» و الثانية «شجرة» و الثالثة «ثمرة» فإنه بعد تحقق المرحلتين ان دفع الثمن فقد ملك و أخذ الفائدة و الا سقط ذلك الحق الذي تكون له بتلك الأسباب و لعل الى بعض هذا تشير المجلة بقولها: يكون الشفيع مالكا

ص: 190

للمشفوع بتسليمه الثمن و لكن قوله «بالتراضي» لا محل له إذ ليس له الامتناع و لا تتوقف ملكية الشفيع على رضاه و غايته انه إذا امتنع عن قبض الثمن و عن رفع اليد عن المشفوع به يراجع الشفيع الحاكم كما يراجع في سائر موارد الممتنعين عن أداء الحق، و رفع أيديهم عن مال غيرهم لا لخصوصية في الشفعة و لا من أجل ان التملك موقوف على مراجعة الحاكم كما يظهر من عبارة المجلة فتدبره: ثم ان هذا التملك القهري على المشتري- الاختياري للشفيع ليس بيعا و شراء آخر و لا صلحا و لا عقدا من العقود بل هو معاملة أخرى من المعاوضات جعلها الشارع بهذا النحو و بتلك الكيفية و لكنها بمنزلة الشراء في قضية دفع الثمن و أخذ المثمن و هذا المقدار لا يكفي في ترتب جميع آثار البيع فيشكل في مادة (1037) تملك العقار بمنزلة الشراء ابتداء بناء عليه الاحكام التي تثبت بالشراء ابتداء كالرد بخيار الرؤية و خيار العيب تثبت في العقار المأخوذ بالشفعة أيضا،، و تحرير هذا البحث بصورة وافية ان النظر في قضية الخيارات في باب الشفعة يقع في ثلاث جهات ما أشارت [المجلة] الا الى النزر الضئيل منها «الاولى» في الخيارات بين البائع و المشتري و انه هل تثبت الشفعة بمجرد العقد أو لا تثبت الا بعد انقضاء زمن الخيار فنقول ان الخيار اما ان يكون للبائع فقط أو للمشتري كذلك أو لهما فان كان للبائع فقد قال بعض أصحابنا انه لا شفعة حتى ينتهي الخيار لان الانتقال و ان حصل و لكنه متزلزل فلا شفعة إلا بعد استقراره و كذا لو كان الخيار للبائع فقط اما لو كان الخيار للمشترى فقط فقد استقر من جهة

ص: 191

البائع و لزم فتأتي الشفعة و هو كما ترى فيه للخدشة مجال واسع و التحقيق ان الشفعة تدور مدار العقد المؤثر للانتقال و تزلزله لا يمنع منها بأي وجه كان نعم على القول بان الخيار يمنع من أصل الانتقال بالعقد و لا يحصل اثر البيع الا بانقضاء زمن الخيار يتم ما ذكر.

[الثانية] انه لو كان للمشتري خيار و أخذ الشريك بالشفعة هل يسقط خياره لعدم الفائدة له من اعمال الخيار إذ ليس قصده الا استرداد الثمن و لا أقل من تخلصه بالفسخ من عهدة التدارك للشفيع فان الشفيع يأخذ من المشتري لا من البائع و عليه تدارك المبيع لا على البائع و هذا هو الأقوى.

[الثالثة] بعد ان كان مما لا ينبغي الإشكال في ان الخيارات العامة كخيار العيب و الغبن و الرؤية و الشرط و أمثالها مما يعم دليلها جميع المعاوضات بيعا أو غيره تجري في الشفعة ضرورة انها و ان لم تكن بيعا و لكنها لا تخرج عن حظيرة المعاوضات فكما يثبت للمعاوضات يثبت للشفعة إنما الكلام في الخيارات الخاصة بالبيع كخيار المجلس مثلا هل يجري في الشفعة و حيث علمنا ان الشفعة ليست بيعا قطعا و ان خيار المجلس يختص بالبيع نتج من هاتين المقدمتين عدم الريب في عدم جريان خيار المجلس و خيار التأخير و نحوهما فيها و بهذا ظهر انه لو ظهر في المبيع المشفوع به عيب بعد الأخذ فإن كان الشفيع و المشتري قد كانا عالمين به فلا خيار و ان كانا جاهلين فالخيار للشفيع فان رده على المشتري كان له الخيار أيضا و لو كان المشتري عالما به دون الشفيع كان للثاني الخيار فقط ثم بعد ان عرفت ان الشفعة حق و انها حق مالي تعرف يقينا انها

ص: 192

تورث بموت من له الحق و يشملها عموم (ما ترك الميت من حق فهو لوارثه) فلو مات الشفيع قبل ان يأخذ سواء بعد علمه أو قبله حيث لا ينافي الفورية العرفية كان لوارثه أن يأخذ بها لأنها حق مالي و كل حق مالي يورث أما أرباب المذاهب فقد اختلفوا فالمنقول عن الحنفي انه لا يورث و عليه جرت (المجلة) مادة (1038) لو مات الشفيع قبل ان يكون مالكا للمشفوع لم ينتقل حق الشفعة إلى ورثته،،، و وافقهم جماعة من عظماء فقهائنا المتقدمين استنادا إلى رواية طلحة بن زيد و هي ضعيفة السند مهجورة عند الأكثر و قد استقر المذاهب أخيرا على ان الشفعة تورث كسائر الحقوق المالية و وافقنا عليه مالك و الشافعي،،،

مادة [1039] لو بيع المشفوع به بعد طلب الشفيع- يسقط حق شفعته،

بيع المشفوع به بعد طلب الشفيع انما يصح حيث لم يدفع الشفيع الثمن اما مع دفع الثمن فقد عرفت انه يملكه و ينتقل من ملكية المشتري و لا حق له في البيع أصلا إلا فضولا عن الشفيع

مادة «1040» لو بيع ملك عقاري آخر متصل بالملك المشفوع لا يكون شفيعا لهذا العقار الثاني،،،

قد عرفت ان الجوار لا اثر له في ثبوت الشفعة حتى بعد تملك الشفيع فضلا عما قبله،،،

مادة «1041» الشفيع اما ان يأخذ الجميع أو يترك الجميع و ليس له التبعيض

و لعل هذا من المتفق عليه عند جميع المذاهب حتى الإمامية

مادة (1042) ليس لبعض الشفعاء ان يهبوا حصتهم لبعض و ان فعل أسقط حق شفعته،،،

ص: 193

هذا المنع لا وجه له و الناس مسلطون على أموالهم يهبون و يبيعون لمن شاءوا نعم إذا نقل الشريك حصته الى شريكه أو الأجنبي زال عنه حق الشفعة لزوال الموضوع و هو الشركة و هذا جد واضح، إنما الاشكال و المعضل فيما لو باع أو وهب بعد بيع شريكه و قبل الأخذ حيث لا ينافي الفورية يعني باع أحد الشريكين حصته قبل ان يعلم بان شريكه قد باع قبله فهل له ان يأخذ بالشفعة مع انه قد باع حصته أم لا «وجهان» للأول الاستصحاب و للثاني زوال الموضوع بل زوال علة الحكم فان الغرض من الشفعة ان لا يدخل على الشريك شريك أجنبي قد لا يتلايم معه و لا يحسن معاشرته و هذا الوجه قوي و ان كان الاستصحاب أيضا لا يخلو من قوة و المسألة كما قلنا مشكلة.

مادة «1043» ان أسقط أحد الشركاء حقه قبل حكم الحاكم فللشفيع الآخر ان يأخذ تمام العقار،،،

لا نعرف لهذا الفرق وجها بل الشفيع إذا أسقط حقه قبل الحكم أو بعده فقد سقط حقه و صارت الشفعة للباقين على القول بثبوتها مع التعدد.

مادة «1044» لو زاد المشتري على البناء المشفوع.

هذا نظير من اشترى عينا للبائع خيار فيها و أحدث المشتري فيها بناء أو صبغا أو غير ذلك فان تصرفه مشروع و إذا فسخ البائع بخياره لزمه التدارك و دفع قيمة ما أحدثه المشتري و ليس له ان يجبره على القلع بعد ان كان تصرفه مشروعا و للمشتري ان يمتنع عن رده الى البائع قبل أخذ حقه و هكذا الكلام بعينه في الشفيع مع المشتري كما نصت عليه

ص: 194

«المجلة» فالشفيع بالخيار ان شاء ترك و ان شاء تملك المشفوع بإعطاء ثمنه و قيمة الأبنية و الأشجار.

إلى هنا انتهت مواد المجلة في كتاب الشفعة

و قد بقي بحثان مهمان تعرض لهما الفقهاء

اشارة

منا و من القوم و لم تتعرض لهما «المجلة» أصلا و لو على سبيل الإيجاز

(الأول) الحيل الشرعية الموجبة لسقوط الشفعة

و حيث اننا لا نحب الحيل مهما كانت و الناس بحمد اللّٰه قد أصبحوا أحيل من ان يحتاجوا الى من يعلمهم الحيلة فلا حاجة الى ان نسقي السيف سما و نضع ضغثا على ابالة إذا فترك هذا البحث اولى، و يكفي لمن يريد التخلص من شفعة الشريك ان يستبدل البيع بالصلح أو الهبة المعوضة بناء على ما هو الحق من انها ليست بيعا و ان العوض لذات الهبة لا للعين و البيع مبادلة مال بمال و هنا مبادلة عمل بعمل و المال تبع غير مقصود بالأصالة.

(البحث الثاني) مسائل النزاع و الخلاف
اشارة

الذي اعتادت (المجلة) ان لا تذكر منه شيئا في كل كتاب مع أهميته اما فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم فقد التزموا على الغالب في متون مؤلفاتهم و مختصراتها فضلا عن الموسوعات و المطولات ان يذكروا آخر كل كتاب من البيع و الإجارة و سائر العقود- عدة مسائل من أنواع الخلاف و التنازع بين المتعاقدين كتمرين للفقيه على القضاء و الحكم و قد ذكروا في آخر كتاب الشفعة جملة وافية من مسائل التنازع المتصورة فيها بعضها واضحة و بعضها في غاية الإشكال

ص: 195

فمن تلك المشكلات- ما لو ادعى المشتري زيادة الثمن فقال مثلا اشتريته بمائة و أنكر المشتري فقال بخمسين فظاهرهم الاتفاق على ان البائع معزول في هذه القضية فلا يقبل قوله أصلا سواء شهد للمشتري أو للشفيع لأنه في المقام متهم من جهة التدارك أو غيرها و هو و ان كان على إطلاقه محل نظر واضح و لكن لنفرض الكلام فيما لو لم تكن شهادة للبائع اما لموته أو غيبته أو نحو ذلك فان كانت لأحدهما بينة فهي المتبعة و ان لم تكن فقد تعقدت القضية و اعضلت و لذلك اضطربت كلمات الأصحاب أشد الاضطراب و قام الخلاف على ساق في هذه و في نظيرتها و هي ما إذا اختلف المشتري و البائع في الثمن الذي جرى عليه العقد زيادة و نقيصة، و سر الإعضال في القضية ان من المعروف و الواضح المكشوف ان طالب الزيادة في كل مقام هو المدعي و ان منكرها هو المنكر و على هذا الملاك فالمشتري المدعي لزيادة الثمن هو المدعي و الشفيع هو المنكر فيكون القول قوله بيمينه، و نظرا الى ان المشتري لا دعوى له على الشفيع أصلا و المدعي هو الذي لو ترك ترك و هذه صفة الشفيع هنا فإنه هو الذي يطالب و يريد انتزاع العين من مالكها المشتري قهرا عليه و الأصل عدم تسلطه على مال الغير بقوله و بالمقدار الذي يدعيه فبهذا الملاك صار الشفيع مدعيا لا منكرا و يلزم ان يكون القول قول المشتري لا قوله، فتعارضت الجهات و تدافعت الأصول و قامت الحيرة في ان لأيها الترجيح؟ و على ايها يكون العمل؟ فمال كل فقيه إلى جهة و أخذ كل واحد بترجيح ناحية و تضاربت الأفكار و كثر الرد و الإيراد

ص: 196

حتى ان بعض فقهائنا المتأخرين كتب فيها ما يقرب من عشر صفحات من كتابنا هذا؟ و المسألة هنا خالية من النص نعم في قضية تنازع المشتري و البائع وردت رواية بتقديم قول البائع و قد عمل بها جماعة من الأساطين على ضعف سندها و أراد جماعة ان يطردوها حتى إلى مسألتنا هذه اعني تنازع الشفيع و المشتري و لعله أشبه بالقياس و هو تعدية حكم موضوع الى موضوع آخر،،،؟ و الذي نراه بعد هذا كله ان القول قول المشتري بيمينه لا قول الشفيع فإنه هو المدعي و ان أنكر الزيادة و لكنه يدعي استحقاق العين بذلك المقدار و الأصل عدمه مضافا الى انه هو المطالب و هو الذي لو ترك ترك و المشتري لا يدعي عليه شيئا و لا يطالبه بشي ء و ليت الشفيع تركه و مضى لسبيله، و كل هذا واضح و انما أوقع الارتباك قضية دعوى الزيادة من المشتري فأوهم انه مدع مع أن قضية الزيادة ليست بميزان مطرد نعم الغالب ان مدعي الزيادة يكون مدعيا و منكرها هو المنكر و لكن لا يتمشى ذلك في كل مورد فإن قضية البائع و المشتري هناك و قضية الشفيع و المشتري هنا لها خصوصية أخرى قلبت القضية و غيرت مجاري الأصول فتدبرها جيدا و به المستعان.

و على هذا يبتني ترجيح احدى البينتين على الأخرى لو قدماها معا فان قلنا بان القول قول الشفيع و قلنا بتقديم بينة الداخل قدمت بينته و الا فبينة المشتري و العكس بالعكس و التحقيق موكول الى محله.

(و منها) ما لو أقر أحد الشريكين بأنه قد باع حصته من أجنبي و أنكر الأجنبي الابتياع

قيل تثبت الشفعة نظرا إلى الإقرار و قيل لا تثبت

ص: 197

لأنها موقوفة على ثبوت الابتياع و تحقق الانتقال و لم يثبت، و التحقيق انه يلزم ان يعلق ثبوت الشفعة على ثبوت البيع فان حكم على الأجنبي ببينة و نحوها انه قد ابتاع تثبت الشفعة و الا فلا و الإقرار وحده هنا لا يكفي،،،

(و منها) ما لو اختلف الشريكان في التقدم و التأخر

و فيها صور كثيرة فادعى ان شريكه قد اشترى بعده فله حق الشفعة عليه فأنكر ذلك حلف المنكر ان ليس لخصمه حق شفعة عليه و لا يلزمه اليمين انه قد اشترى قبله اما لو ادعى كل منهما انه قد اشترى قبل الآخر لتكون له الشفعة فالقضية من باب التداعي يتحالفان ان لم تكن بينة فتثبت الشركة و تسقط الشفعة و كذا إذا جاء كل واحد ببينة اما لو انفرد أحدهما بها فالشفعة.

(و منها) ما لو اعترف البائع و المشتري ان الثمن المعين غصب و البيع فاسد و أنكر الشفيع و لا بينة

فاللازم رد العين حسب اعترافهما الى المالك و الشفيع يأخذ الشقص بالشفعة و يدفع مثل الثمن أو قيمته إلى المشتري فيدفعه إلى البائع يأخذه مقاصة عن شقصه و اعترافهما لا اثر له في حق الشفيع لأنه إقرار في حق الغير فان ادعيا عليه العلم يحلف انه لا يعلم بكونه غصبا، اما لو اعترف البائع و الشفيع دون المشتري أو الشفيع و المشتري دون البائع فلا شفعة و يستخرج باقي حكم هذه الصور بالتأمل من الفقيه الماهر و قد ذكر فقهاؤنا قدست أسرارهم هنا فروعا كثيرة، و فروضا نادرة، تدل على غزارة علم، و نابعية فضل و فقاهة عالية لا احسبها توجد

ص: 198

عند امة من الأمم و من أراد تصديق ذلك فليراجع الموسوعات من كتب الإمامية ان كان من أهل الفن ليعرف اننا لم نذكر لهم الا بعض ما يستحقون، و جزى اللّٰه جميع علماء المسلمين و عامة فقهائهم خير جزاء المحسنين و نفعنا بعلومهم و جمعنا و إياهم في الرفيع الأعلى مع النبيين و الشهداء و الصديقين و حسن أولئك رفيقا، و نختم هنا كتاب الشفعة راغبين اليه تعالى في أن يشفع فينا أولياءه الذين لا يشفعون الا لمن ارتضى و آخر دعواهم ان الحمد للّٰه رب العالمين.

ص: 199

بسم اللّٰه الرّحمن الرّحيم

الكتاب العاشر (في أنواع الشركات

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثمانية أبواب)

ص: 200

المقدمة في (بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بأنواع الشركات)

اشارة

مادة (1045)

الشركة:

في الأصل هي اختصاص ما فوق الواحد بشي ء و امتيازهم به لكن تستعمل أيضا عرفا و اصطلاحات في عقد الشركة الذي هو سبب لهذا الاختصاص فتقسم الشركة بناء على هذا الى قسمين.

تحرير هذا البحث كما ينبغي بل كما يجب- ان الشركة بحسب وضعها اللغوي و استعمالها العرفي- هي مطلق اجتماع اشخاص في شي ء بجهة جامعة سواء في العين أو الدين أو المنفعة أو الانتفاع أو الحق فمن أباح طعاما

ص: 201

لجماعة فهم شركاء فيه و ان كانوا لا يملكون عينه و لا منفعته بل يملكون الانتفاع به و كذا من أباح لشخصين أو أكثر المطالعة في كتابه و من هنا يعلم ان الشركة في المباحات العامة انما هي بهذا المعنى اي بالمعنى اللغوي العرفي لا الاصطلاحي أعني اصطلاح الفقهاء فإنه قد تخصص عندهم بمعنى اختلفت تعبيراتهم عنه و حيث ان الشركة تتحقق عندهم في العين و الدين و الحقوق و المنافع فأرادوا تعبيرا يعم كل هذه النواحي فعرفها مشهور فقهائنا بأنها اجتماع حقوق الملاك في الشي ء الواحد على سبيل الإشاعة و أرادوا بالشي ء الواحد الشخصي لا النوعي أو الجنسي و اخرجوا بالقيد الأخير ما لو اشتركوا في بستان مثلا أو دار و لكن لا على الإشاعة بل على ان لأحدهما الجانب الشرقي و للآخر الغربي و أمثال ذلك و مع انه أقرب التعاريف إلى الحقيقة قد أطالوا النقض و الإبرام و الطرد و العكس مما لا حاجة و لا فائدة فيه، و لعل أسلم منه و أقرب الى الحقيقة ان يقال- الشركة استحقاق أكثر من واحد لشي ء واحد على الإشاعة ثم ان لهذا الاستحقاق أسبابا و له بعد تحققه احكام اما أسبابه فهي نوعان «قهرية» و «اختيارية» و القهرية أيضا نوعان نوع بجعل الشارع و آخر بأسباب اتفاقية أخرى فمن الأول- الميراث ضرورة ان جميع الورثة يشتركون في ملكية التركة كما يشترك بعضهم في مقدار منها «فهم شركاء في الثلث» «و من الثاني» فاختلاط المالين قهرا بحيث لا يمكن تمييز أحدهما عن الآخر عادة و من هذا القبيل الوصية بالثلث لجماعة أو وقف ملك على جماعة «أما الاختيارية» فلها أسباب كثيرة

ص: 202

(أحدها) مزج المالين بحيث لا يتميزان سواء كان بفعلهما أو فعل أجنبي (ثانيها) العقد بان يشتريا أو يستأجرا دارا على الإشاعة فيدفع كل منهما قيمة نصيبه من ماله فيشتركان في ملكية الدار و ملكية منافعها (ثالثها) الحيازة كما لو اشتركا في حيازة سمك أو أخشاب أو حطب أو صيد (رابعها) احياء موات كما لو اشتركا في إحياء أرض موات فإنهما يشتركان في ملكيتها على حسب عملهما أو اتفاقهما- هذه أهم أسباب الشركة بمعنى اجتماع الحقوق في الشي ء الواحد أو كما قلنا- استحقاق أكثر من واحد لشي ء واحد، و لكن المهم ان تعرف ان هذه الأنواع من الشركة ليست هي المراد من الشركة التي أفرد لها الفقهاء كتابا ذكروه ضمن أبواب العقود و المعاملات «المراد بها عقد خاص يقصد منه الاسترباح و الاكتساب من الشخصين أو أكثر بمالهما بعد المزج و انما ذكروا تلك الأسباب من باب المقدمة و الاستطراد حيث ان الشركة بهذا المعنى تتوقف على المزج و هو يحصل تارة بالاختيار و اخرى بأسباب أخرى كما عرفت و من هنا يتضح لك الخلل البارز فيما ذكرته «المجلة» في هذه المادة حيث جعلت العقد من أسباب الشركة بمعنى الاختصاص مع ان عقد الشركة الذي يبحث الفقهاء عنه في كتاب الشركة المندرج في أبواب المعاملات يتوقف على الشركة بمعنى اجتماع المالين و امتزاجهما و ليس عقد الشركة سببا للاختصاص أو الامتزاج أصلا نعم قد يكون العقد سببا للاختصاص أو الامتزاج كما عرفت فيما لو اشتريا دارا على الإشاعة و لكن ذاك عقد بيع أو إجارة لا عقد الشركة الذي يقصد به الاسترباح و التكسب الذي

ص: 203

لا يحصل و لا يتحقق الا بعد امتزاج المالين قهرا أو اختيارا فعقد الشركة يتوقف على الاختصاص و الامتزاج و هما سبب له لا هو سبب لهما كما تقول «المجلة» فتدبره، و عقد الشركة للاسترباح هو القسم الثاني المذكور هنا و الذي سيأتي تفصيله في الباب السادس، و قد تداخل الموضوع و اختلط البحث على أرباب «المجلة» كما اختلط على جماعة من غيرهم فاحتفظ بهذا، ثم ان محل اجتماع الحقوق كما قلنا أو الاختصاص كما تقول المجلة لا يخلو اما ان يكون عينا أو دينا أو منفعة أو حقا- اما الانتفاع فقد عرفت انه خارج عن الشركة الاصطلاحية و مثله الشركة في المباحات العامة فإنها من قبيل الحكم لا الحق و من قبيل انه ملك ان يملك و انه مالك فعلا، و ذكر بعض الشراح ان تقسيم الشركة إلى عين و دين من قبيل تقسيم الشي ء إلى نفسه و الى غيره فان الدين لا ملك و لا منفعة بل هو وصف شرعي ثم دفع هذا الإشكال بأنه و ان لم يكن مالا فعلا و لكنه مال بالمال انتهى، و أنت خبير بسقوط هذا الاشكال من أصله فإن الدين مال فعلا باعتبار العقلاء، و لذا يباع و يشترى كغيره من الأعيان الخارجية و الشركة فيه واضحة و أوضحها مثالا ما لو مات و له دين على شخص فإن الورثة يشتركون فيه بأجمعهم و كذلك الشركة في المنافع و الحقوق، و من الأخير إرث حق الخيار أو جعل الخيار لاثنين أو أكثر مشتركين لا على نحو الاستقلال.

و من جميع ما ذكرنا اتضحت مادة «1045» و هي الأولى من

ص: 204

كتاب الشركة اما ما بعدها من المواد إلى مادة «1060» فينبغي أو يجب حذفها تماما من المجلة- إذ أي عربي أو متعرب لا يعرف ان معنى الحائط هو الجدار. و المارة عبارة عن المارين أو القناة أو المسناة أو ان رأس المال هو السرماية و هو ترجمة العربي بالفارسي و هلم سحبا إلخ.

ص: 205

الباب الأول في (بيان شركة الملك

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول)

«الفصل الأول» في (تعريف شركة الملك و تقسيمها)

مادة «1060» شركة الملك هي كون الشي ء مشتركا بين اثنين فأكثر هذا تفصيل ما تقدم من الإجمال لبيان أسباب الاشتراك في المال الواحد و الشي ء يشمل كل ما يمكن تحقق الشركة فيه من العين و الدين و الحق و المنفعة سواء وقعت بأسبابها القهرية أو الاختيارية ثم إذا تحققت الشركة بأحد تلك الأسباب ترتبت عليها احكام بعضها من حيث تصرف الشركاء أو بعضهم و بعضها من حيثيات اخرى- و من الثاني ان

ص: 206

التلف بعد الشركة كلا أو بعضا يكون على جميع الشركاء بنسبة حصصهم إذا لم يكن المتلف أحدهم فلو تلف النصف و الشركاء اثنان كان من كل واحد ربع و هكذا و عليه يبتني مادة (1061) فلو كان لرجل دينار و لآخر من جنسه ديناران فاختلط دينار الرجل بهما بحيث لا يقبل التمييز ثم ضاع اثنان منها يكون الباقي مشتركا بينهما مثالثة ثلثاه لصاحب الدينارين و ثلثه لصاحب الدينار،،، و لكن لعلك عرفت مما مر عليك في الأجزاء السابقة ان هذه القضية لا تبتني على قاعدة الشركة لأن المالين لم يمتزجا امتزاجا حقيقيا بل و في بعض الصور قد لا يكون مزج أصلا كما في مسألة الودعي الذي استودعه رجل درهما و آخر درهمين فتلف درهم لا يعلم انه من صاحب الدرهم أو من صاحب الدرهمين و توزيعه عليهما بالنسبة هو مقتضى قاعدة العدل سواء كانت هناك شركة أم لا و اعلم ان شركة المزج تكون تارة (ظاهرية) و هي التي يتطرق فيها احتمال التمييز كما في قضية الدراهم و أمثالها (و حقيقية) و هي التي يستحيل فيها التمييز عادة أو واقعا كامتزاج المائعات من جنس واحد و كامتزاج الدقيق و نحوه و في الأولى تكون القسمة ظاهرية مراعاة ببقاء الاشتباه فإذا زال أمكن زوال الحكم و بطلان القسمة و في الثانية يكون دائميا لا مجال لبطلانه، و بقية المواد قد سبق بيانها و هي واضحة، و قد شرعت «المجلة» في بيان القسم الثاني من أحكام الشركة أعني ما يتعلق بتصرف الشركاء الذي يتكفل به.

ص: 207

(الفصل الثاني) [في] (بيان كيفية التصرف في الأعيان المشتركة)
اشارة

سواء كانت من العقارات أو الحيوانات أو الأطعمة أو الحبوبات أو غيرها.

مادة (1069) كيف ما يتصرف صاحب الملك المستقل في ملكه يتصرف أيضا في الملك المشترك أصحابه بالاتفاق كذلك.

لا يخفى ما في العبارة من التعقيد و التشويه و المراد ان الشركاء يتصرفون بالاتفاق كما يتصرف المالك في ملكه المستقل فمجموعهم كواحد و واحدهم كالأجنبي ليس له التصرف بدون إذنهم و عليه يتفرع مادة (1070) يسوغ لأصحاب الدار المشتركة أن يسكنوا فيها جميعا لكن إذا أدخل أحدهم أجنبيا فللآخر منعه، على ان هذا الاستدراك مستدرك فان للآخر المنع مطلقا و مثلها مادة (1071) التي مفادها جواز تصرف الشريك بإذن شريكه الذي علم مما سبق و الاستدراك بقوله:

لكن لا يجوز ان يتصرف تصرفا مضرا بالشريك مستدرك أيضا فإن الضرر حرام مطلقا و لا حاجة الى بيانه هنا (1072) ليس لأحد الشريكين ان يجبر الآخر بقوله اشتر حصتي أو بعني حصتك غير ان المحل المشترك

ص: 208

ان كان قابل القسمة و الشريك ليس بغائب يقسم و ان كان غير قابل القسمة فلهما التهايؤ كما يأتي تفصيله في الباب الثاني،، و لكن إذا كان الشريك غائبا لا تبطل القسمة مع طلب أحد الشركاء بل يرفع امره الى حاكم الشرع فينذره أو ينذر وكيله فان لم يحضر أحدهما سقط حق حضوره و تولى الحاكم القسمة لأنه ولي الغائب و الممتنع و كذا لو لم يمكن مراجعة الغائب كمجهول المحل أو الحياة فإن مثل هذه الأمور العامة من وظائف الحاكم و لا يجوز في حفظ النظام تعطيلها و لو لا نصب الحاكم لمثل هذه الحوادث لاختل النظام و تعطل كثير من الاحكام و ساءت حالة الإسلام.

مادة (1073) الأموال المشتركة شركة الملك تقسم حاصلاتها بين أصحابها على قدر حصصهم

فإذا شرط أحد الشريكين في الحيوان المشترك شيئا زائدا على حصته من لبن ذلك الحيوان أو نتاجه فلا يصح لا ريب ان منافع الملك هي لأرباب الملك على حسب حصصهم و لكن ذكر الشرط لا محل له هنا أصلا ضرورة ان الكلام في الشركة بمعنى اجتماع الحقوق لا الشركة العقدية التي ستأتي في الباب السادس و هي التي تقبل الشرط و عدمه اما هذه فلا مجال فيها للشروط أصلا فتدبره جيدا.

مادة (1074) الأولاد في الملكية تتبع الام مثلا إذا كان لواحد حصان فعلا على فرس آخر

فالفلو الحاصل لصاحب الفرس كذلك إذا كان لواحد حمام ذكر و لآخر أنثى فالفراخ الحاصلة منهما لصاحب الأنثى

ص: 209

هذا الحكم ليس له كثير علاقة بمباحث الشركة إلا بمقدار التنبيه على ان النتاج الحاصل من فحل شخص و أنثى آخر لا يكون مشتركا بينهما بل يختص به مالك الأم لأنه يعد عرفا نماء ملكه كالثمرة فإنه يتبع الشجرة لا فحل اللقاح و لا يختص هذا بالحيوان بل يجري حتى في الإنسان المملوك فإنه يكون لمالك امه لا لمالك أبيه و لا لهما معا الا مع الشرط كما هو محرر في محله.

مادة (1075) كل واحد في شركة الملك (بل و في غيرها) أجنبي في حصة الآخر.

ليس واحد وكيلا عن الآخر- إلخ.

هذه المادة على طولها من غير طائل و مع ما فيها من تعقيد العبارة و سوء البيان قد اشتملت على حكم جزافي يخالف قاعدة الشركة و قد عرفت ان كل واحد من الشركاء نسبته وحده الى المال المشترك نسبة الأجنبي إليه سواء بسواء فلا يجوز له اى تصرف بدون اذن الباقين فلو تصرف و تلف المال بيده يكون ضامنا و لو مع عدم التعدي و التفريط لأنها يد عادية إذ كل جزء يفرض فهو له و لشركائه فيكون المقام من قبيل اجتماع الملاك على الشي ء الواحد لا الملاك على أشياء و كل واحد من أصحاب الدار المشتركة لا يعتبر صاحب ملك مخصوص على وجه الكمال بل صاحب ملك ناقص و ملكيته ضيقة يزاحمه فيها جماعة آخرون و هم شركاؤه فلا حق له في دخول و خروج فضلا عن اعارة و اجارة بدون إذنهم فلو سكن الدار بغير رخصة منهم و انهدمت ضمن حصصهم و ان لم يكن بتعد منه أو تفريط كل ذلك قضاء لمعنى الشركة و لوازمها الطبيعية

ص: 210

مؤيدة بالقواعد الشرعية، و كان القوم توهموا ان حقيقة الشركة كون كل شريك يملك جزء في الدار غير الجزء الذي يملكه الآخر و هو معنى لا محصل له و ان كان ربما يدور على لسان بعض المتفقهة، و يتفرع على ما ذكرنا انه لو سكن الدار بدون اذن شريكه لزمته الأجرة لحصة شريكه سواء أشغل الدار كلها أو بعضها فان البعض الذي اشغله هو له و لشريكه إذ لا قسمة في البين فتلزمه اجرة ما اشغله بالنسبة و الا لتساوى المشاع و المقسوم فالحكم بعدم الضمان و عدم الأجرة حكم جزافي غريب و أغرب منه مادة (1076) إذا زرع أحد الشركاء في الأراضي المشتركة لا صلاحية للآخر في طلب حصته من الحاصلات على عادة البلد مثل ثلث أو ربع لكن إذا نقصت الأرض بزراعته فله ان يضمن الشريك الزارع قيمه نقصان حصته.

بل الصحيح حسب الأصول و القواعد ان له اجرة المثل لإعادة البلد إلا إذا ساوت اجرة المثل بل الأصح ان الشريك مخير في هذه الصورة بين قلع الزرع و بين إبقائه بالأجرة إلى حين حصاده مضافا الى أجرة المدة السابقة و هكذا الغرس و البناء و لو نقصت الأرض كان له مع ذلك أرش النقيصة و عليه يبتني ان أحد الشريكين بدون اذن الآخر سواء قبض الأجرة أم لا فهو فضولي و الشريك مخير بين الإجارة و الرد و ترجع الأجرة لصاحبها و لو تلفت كان على المؤجر ضمانها على تفاصيل ذكرت في باب الفضولي و من هنا ظهر الخلل في مادة (1077) أحد الشريكين إذا آجر لآخر المال المشترك و قبض الأجرة يعطي الآخر

ص: 211

حصته منها.

لا- بل الآخر مخير بين الإجازة فيأخذ حصته منها و بين الرد فلا اجازة و لا اجرة، و أشد ضعفا و وهنا مادة (1078) يسوغ للحاضر ان ينتفع بقدر حصته من الملك المشترك في حال غيبة الشريك الآخر إذا وجد رضاه دلالة على الوجه الآتي بيانه.

مادة (1079) انتفاع الحاضر بالملك المشترك بوجه لا يضر الغائب يعد رضا من الغائب.

كلا- بل إذا قامت امارة قطعية على رضاه جاز الانتفاع بمقدار سعة الاذن و ضيقه و مع عدمها لا يجوز أصلا أضر أم لم يضر.

مادة «1080» لا يوجد من الغائب رضا دلالة على الانتفاع بالملك المشترك المختلف باستعمال المستعمل

فلا يجوز لبس الألبسة المشتركة في غياب أحد الشريكين و كذا البرذون- اما في الأشياء التي لا تختلف باختلاف المستعمل مثل حرث و تحميل فله استعماله بقدر حصته كما لو غاب أحد الشريكين في الخادم المشترك فللحاضر استخدامه في نوبته.

هذه المادة كما ترى مثل أغلب مواد هذا الفصل مختلة التراكيب مشوهة الأساليب كأنها رطانة أعجمية لا عبارة عربية، و مباني هذه المواد بعضها استحسان و بعضها جزاف لا يساعد عليه عرف و لا قياس و الا فأي فرق بين الألبسة المشتركة و ركوب البرذون المشترك فلا يجوز و بين التحميل و الحرث و استخدام الخادم المشترك فيجوز و ان كان المراد قضية المهايأة فهي لا تتحقق الا مع التراضي أو الخصومة كما سيأتي و على فرضها

ص: 212

فلتكن في المقامين و لتطرد في جميع الأمثلة المذكورة فما وجه التفصيل بغير دليل.

و مثلها مادة (1081) السكنى في الدار لا تختلف،،،

فان سكنى كل واحد منهما ستة أشهر- ان كان مهايأة فهي موقوفة على التراضي أو الخصومة و هو خلاف ظاهر الفرض و هو غياب أحد الشريكين و ان لم يكن مهاياة و تراضى فكل منهما فعل حراما بتصرفه بدون رضا شريكه و عليه الأجرة قليلة كانت العائلة أو كثيرة غائبا كان أحدهما أو حاضر أنعم في غيبة أحد الشركاء و عدم وكيل له و عدم التمكن من استيذانه أو امتناعه من الاذن يراجع حاكم الشرع لصحة تصرف الباقين حسب ما يراه.

اما- مادة (1082) لا يجوز للحاضر ان يسكن في حصة الغائب المشتركة إذا كانت الحصص مفرزة،،،

فهي خروج عن موضوع الشركة إذ لا شركة بعد الافراز فذكرها هنا فضلة مستدرك، و كذا مادة «1083» المهايأة إنما تجري و تعتبر بعد الخصومة فإذا سكن، الى آخرها،، فهي أيضا مختلة بألفاظها و معانيها، و تراكيبها و مبانيها، أما (أولا) فالمهاياة كما تجري في صورة الخصومة تجري في صورة التراضي (ثانيا) لا وجه للحكم بأنه لا يسوغ له ان يطالبه بالأجرة عن المدة «ثالثا» لا وجه للتفصيل بين صورة الحضور و الغيبة غايته انه مع الغيبة المنقطعة التي يتعذر أو يتعسر مراجعة الشريك فيها يراجع حاكم الشرع كما سبق، و حيث عرفت ان

ص: 213

أكثر مواد هذا الفصل مختلة، و تراكيبها كمبانيها منحلة، فالأولى إعطاء الضابطة الكلية و الفذلكة التي يعلم منها حال سائر الفروع و الفروض فنقول انك قد عرفت انه ليس لأحد الشركاء ان يتصرف بالمال المشترك بدون اذن الآخرين بأي تصرف كان فان تصرف بغير اذن منه أو من وكيله أو من حاكم الشرع فان كان التصرف فعلا من الافعال فهو حرام و لزمته الأجرة و الضمان لو تلفت العين الا على قول من يقول بأن الأجر و الضمان لا يجتمعان و لكن يظهر من المجلة في المادة المتقدمة «1075» لزوم الضمان فيما لو أعار البرذون أو آجره و تلف مع لزوم الأجرة للشريك لو حمله بدون اذن و إذا زرع أحد الشركاء الأرض المشتركة بدون اذن الباقين كان الزرع له على ما سبق مكررا من ان الزرع لصاحب البذر و عليه الأجرة لأرباب الأرض فيدفع للشركاء اجرة حصصهم منها و ما ذكروه في مادة «1085» فهو على طول بيانه و قصور تعبيره يرجع الى مهاياة قهرية بين الغائب و الحاضر أو النصف و النصف الآخر من غير تراض و لا خصومة، نعم لو رجع الى الحاكم مع تعذر استيذان الشريك و أجاز له ذلك صح و لا ضمان عليه حينئذ مع فرض التلف نعم أجرة حصة الشريك لا بد منها،،، هذا كله إذا كان التصرف فعلا من الافعال كسكنى الدار أو لبس الثوب و نحوها، اما لو كان قولا كما لو باع أو آجر الجميع أو حصة الشريك وحدها فهو فضولي موقوف على الإجازة و لا يجوز ان يسلم العين و لو سلمها ضمن و صار تصرفا فعليا مع التصرف القولي كما انه لو استلم

ص: 214

الثمن كان امانة بيده لدافعة يجري عليه حكم الأمانات المالكية، هذا كل ما ينبغي أو يجب ان يقال في هذا الموضوع و عليك بتطبيق كل فرع على هذا الأصل، و منه يتضح حال بقية المواد المذكورة في هذا الفصل و ما فيها من صحة و فساد، نعم مادة (1089) بعض الورثة إذا بذر الحبوب المشتركة بإذن الباقين الكبار أو وصي الصغار في الأراضي الموروثة تصير جملة الحاصلات مشتركة بينهم و لو بذر أحدهم حبوب نفسه بالحاصلات له خاصة لكن يكون ضامنا لبقية الورثة حصة نقصان الأرض على زراعته.

و ان كانت تطابق ما ذكرنا من ان الزرع لأرباب البذر و لكن الضمان ليس لنقصان الأرض فقط بل يضمن أجرة الأرض أيضا و مادة «1090» إذا أخذ أحد الورثة مبلغا من التركة و اتجر به قبل القسمة و خسر يكون الخسران عليه كما إذا ربح لا يسوغ لبقية الورثة طلب حصته منه- واضحة الضعف فان هذا الحكم لا يختص بأحد الورثة بل كل من اتجر بمال غيره فان خسر فالخسران عليه قطعا ان لم يكن مأذونا لأنه بحكم الغاصب إذ هو و ان ربح فهو نوع من الفضولي فإن أجاز الشريك كان له ربح حصته و الا كان له رأس ماله و قد مر قريبا في مادة «1073» ان الحاصلات تقسم بين أصحابها على قدر حصصهم.

(تتمة) إطلاق الشركة يتصرف إلى الإشاعة

أي الإشاعة الكسرية من

ص: 215

الكسور التسعة النصف و الثلث و الربع الى آخرها. و قد تستعمل الشركة في أنواع أخرى «منها» الشركة على نحو الكلي في المعين كصاع من صبرة و أرطال معينة من ثمرة هذا النخل «و منها» شركة مستحقي الزكاة و الخمس في النصاب «و منها» شركة الموقوف عليهم في غلة الوقف «و منها» شركة المسلمين في الأراضي الخراجية، و لكل واحد من هذه الأنواع احكام تخصها مذكورة في محالها.

«الفصل الثالث» في (بيان الديون المشتركة)
اشارة

الشركة في الدين مثل الشركة في العين في أكثر الاحكام و الأسباب فلا يكون الدين مشتركا الا بسبب يوجب الشركة و قد تقدم بيان الأسباب الموجبة للاشتراك في العين فمن استدان عينا مشتركة صار الدين الذي في ذمته مشتركا بين أربابها كما ان الميت لو مات و في تركته أعيان يشتركون الورثة في ملك تلك الأعيان كل على حسب نصيبه من الإرث كذلك لو كان له ديون فإنها تكون مشتركة بينهم على حسب حصصهم، و هذا هو السبب الغالب لحصول الشركة في العين و الدين اما مثل المزج و الحيازة و الاتهاب فلا يجري شي ء منها

ص: 216

في الدين إلا الهبة ان صححنا هبة الدين و لكن إذا وقعت الشركة في العين ثم استقرضها آخر أو ابتاعها في الذمة صار الدين مشتركا و كما ان العين المشتركة لا يجوز لأحد الشركاء التصرف فيها بدون اذن الباقين كذلك الدين المشترك فلو قبض أحدهم الدين كلا أو بعضا بغير إذنهم كان فضوليا و مضمونا عليه و يتخير الشريك الآخر بين أخذ حصته منه أو الرجوع بها على المدين و لا يختص أحدهم بما يقبضه بل هو مشترك بينهم على الحصص حتى ان الشركاء لو أجازوا لواحد ان يقبض حصته فقط فقبضها شاركه الباقون فيها لان الدين لا يقسم كما سيأتي ان شاء اللّٰه،، فالمقبوض من الدين للجميع و التالف منه على الجميع، نعم لو وقع الصلح بينهم على ان تكون حصته من دين فلان بحصته من الدين الآخر فيختص كل واحد منهم بدين شخص كان مدينا للجميع فيعود مدينا لواحد صح ذلك و صار مثل بيع الدين على أجنبي، و جل ما ذكروا في هذا الفصل من المواد و كلها تندرج في هذه الجملة التي ذكرناها، و ظهر من جميع ذلك ان كل واحد من الشركاء في المال المشترك حر مطلق العنان في ملكيته من جهة و مقيد مربوط بغيره من جهة أخرى، مثلا إذا أراد ان يتصرف بحصته المشاعة على إشاعتها من دون ان يمس العين بتصرف كان حرا في ذلك و لا يتوقف على مراجعة شريكه أو استيذانه فلو باعها أو اشترى بها أو وقفها صح بقول مطلق لكن لا يدفع العين إلى المشتري و لا يسلطه على حصته إلا بإذن الشريك فالبيع غير موقوف و لكن التسليم و الإقباض موقوف

ص: 217

و هكذا، ثم لا بأس بإبداء بعض الملاحظات على بعض مواد هذا الفصل.

مادة «1100» و ان كان الدين مشتركا فكل واحد من الدائنين له طلب حصته من المديون

و في غيبة أحد الدائنين عند مراجعة الدائن الآخر الحاكم يأمر الحاكم بأداء حصته.

المتعين جعل هذه المادة مع التي بعدها مادة واحدة دفعا لإيهام التدافع فيقال: إذا كان الدين مشتركا فلكل واحد من الشركاء ان يطالب المديون بحصته فان دفعها أو دفع منها لم يجز ان يختص بما قبض بل المقبوض له و لشريكه و الباقي لهما أيضا و ان امتنع المديون لغيبة الشريك الآخر راجع الدائن الحاضر الحاكم فان قبضها بامره اختص بها لأن أمر الحاكم يقوم مقام القسمة و الافراز «و ان كان الدين لا يقسم» كما سيأتي و هذا يغني عن مادة «1102» فإنها تكرار أو توضيح لا حاجة إليه.

مادة (1103) أحد الشريكين إذا اشترى بحصته متاعا من المديون و لم يقبض منه شيئا فلا يكون الدائن الآخر شريكا في ذلك المتاع

لكن له ان يضمنه حصته من ثمن ذلك المتاع و ان اتفقا على ان يكون المتاع مشتركا كان كذلك.

عرفت قريبا ان لكل واحد من الشركاء ان يبيع حصته أو يشتري بها أو يصالح عليها و تكون تصرفاته من هذا القبيل نافذة لازمة من دون حاجة الى إذن شركائه نعم ليس له ان يدفع العين و يسلط المشتري عليها إلا بإذنهم، و عليه فالمتاع الذي اشتراه يكون مختصا به

ص: 218

و لا حق للشريك فيه و ليس له الرجوع على الشريك كما نصت عليه المجلة بقولها (فلا يكون الدائن الآخر شريكا في المتاع) و لكن لا مجال لقولها متصلا به: و لكن له ان يضمنه حصته من ثمن ذلك المتاع،،، بل هو أشبه بالتهافت، نعم يصح هذا فيما لو قبض الحصة ثم اشترى بها لما عرفت من ان المقبوض مشترك لا يختص به القابض فلو اشترى به متاعا كان فضوليا بالنسبة إلى حصة شريكه ان شاء أجاز القبض و الشراء و كان شريكا في المتاع كما هو شريك في باقي الدين و الا فله الرجوع على شريكه بحصته من الثمن أو على المديون بها، هكذا ينبغي تحرير المباحث و تنقيح المسائل و منه تعرف الخلل أيضا في مادة «1104» إذا صالح أحد الشريكين في الدين المشترك المديون على حقه منه على أثواب بز و قبضها فهو مخير ان شاء اعطى شريكه مقدار ما أصاب حصته من الأثواب و ان شاء أعطاه حصته من الحق الذي تركه.

فان التخيير للشريك الآخر بين الإجازة و بين الرد لا للشريك الذي صالح على أثواب البز كما نصت عليه مادة (1105) و هذا أيضا في صورة القبض اما مع عدم القبض و وقوع الصلح أو البيع بما في ذمة المديون من حصة الشريك فكل هذا ساقط و لا حق للشريك الآخر فيما إذا أخذه شريكه بوجه من الوجوه كما سيأتي أيضا توضيحه فتدبره و لا يشتبه عليك الأمر، و بهذا يتبين لك ان الحق في مادة (1105) هو التفصيل فان الشريك إذا قبض تمام الدين المشترك أو بعضه ثم اشترى به متاعا فالشريك الآخر الدائن مخير كما في المجلة ان شاء

ص: 219

أجاز معاملة شريكه و يأخذ حصته منه كما سبق و ان شاء رد و يطلب حصته من المديون، اما لو اشترى بحصته من الدين قبل قبضه لا كلا و لا بعضا فلا حق للدائن الآخر على شريكه بل يرجع على المديون بحصته، اما قول المجلة: و ان هلك الدين عند المديون يرجع الدائن على القابض- فلا اعرف لهلاك الدين و هو كلي في الذمة- معنى محصلا- نعم لو أفلس المديون أو تعذر تحصيل الدين منه لم يختلف الحكم يعني ان اشترى بحصته في الذمة لم يكن للشريك حق و ان قبض و اشترى كان له الرجوع عليه اي على شريكه و عدم إجازته أولا لا يمنع من رجوعه أخيرا نعم يشكل لو كان قد سبق منه الرد فان الرجوع لا يبقى له محل و لا موضع للإجازة فليتدبر.

مادة (1106) أحد الدائنين إذا قبض حصته من الدين المشترك الذي قد عرفت انه لا يختص به

بل هي له و لشريكه على النسبة و حينئذ لو تلفت في يده بغير تعد فان كان القبض بإذن الشريك فالتلف عليهما و الباقي لهما و إن كان بدون اذن أو مع التعدي كان التلف عليه فقط و الباقي عند المديون يكون لشريكه و هذا هو البيان الصحيح هنا لا ما ذكرته المجلة فان ذكر الضمان لا محل له أصلا و قيد بدون تعد منه- لغو- إذ لا ضمان عليه مطلقا مع التعدي و بدونه، نعم يختلف الحكم مع الاذن و عدم التعدي فيشتركان في التالف كما يشتركان في الباقي اما مع عدم الاذن فيختص التلف مطلقا بالقابض و الباقي للشريك الآخر فافهم جيدا و اعرف الفرق بين هذا و بين ما ذكرته «المجلة»:

ص: 220

مادة «1107» إذا استأجر أحد الشركاء المديون بمقابل حصته من الدين المشترك فللآخر ان يضمن شريكه مقدار ما أصاب حصته من الأجرة.

كلا- لاحق للشريك الآخر هنا و لا ضمان و لا رجوع نعم لو قبض الدين و استأجر فللآخر الإجازة أو الرد و لكل واحدة حكمها و بهذا الملاك يظهر الخلل في مادة «1108» أحد الشريكين الدائنين إذا أخذ رهنا عن حصته و تلف في يده فلشريكه ان يضمنه مقدار ما أصاب حصته الى الآخر.

فان أحد الدائنين إذا أخذ على حصته الكلية رهنا فهو مختص به كما لو اشترى بها شيئا حسب ما عرفت من بياناتنا السابقة فلو تلف الرهن تلفا ضمانيا سقطت حصته المقابلة للرهن فقط و يبقى الباقي الذي في ذمة المديون للدائن الآخر فقط كما لو أبرأه أحدهما أو وهبه المنصوص عليه في مادة «1110» إذا وهب أحد الدائنين المديون حصته ..

و لا يكون ضامنا حصة شريكه.

و كذا لو أخذ كفيلا على حصته فإنه كالرهن و الهبة و الاسقاط يختص بها نعم لو احاله بحصته اشتركا لأن الحوالة نوع من الأداء فما في مادة «1109» من طردهما على نسق واحد غير سديد فتدبره.

و كذا لا فرق بين الصورتين في مادة «1111» إذا أتلف أحد الدائنين مال المديون و تقاصا بحصته ضمانا- الى آخرها ففي كلا

ص: 221

الصورتين يصير الدائن مشغول الذمة بقيمة ما أتلفه فيقع التقاص و التهاتر و يبقى الباقي في ذمة المديون للشريك و هو الدائن الآخر و التفصيل بينهما لا وجه له أصلا فتدبره.

مادة «1112» ليس لأحد الدائنين ان يؤجل الدين و لكن له ان يؤجل خصوص حصته فقط و لا يتوقف على اذن الآخر،،،

و الاشتباه و الخلط الواقع في هذه الفروع المندرجة في هذه المواد من المجلة كله ناشئ من الغفلة عن الضابطة التي ذكرناها صدر كتاب الشركة و هي ان كل تصرف يتعلق بالحصة من حيث هي و على كليتها في الذمة أو في العين فهو صحيح نافذ لا يتوقف على اذن الشركاء الباقين اما لو وقع على العين الخارجية أو الحصة المقبوضة من كلي الدين فهو موقوف على اذن الجميع فاغتنمه و تدبره.

(لاحقة) «1113» إذا باع واحد مالا الى اثنين يطالب كل واحد بحصته على حدة

ما لم يكن أحد المشتركين كفيلا للآخر لا يطالب بدينه هذا واضح كوضوح العكس و هو ما لو باع اثنان مالهما لواحد فان اللازم ان يدفع لكل واحد حقه و لا يجوز لأحدهما المطالبة بكل المال الا ان يكون وكيلا عن الآخر.

ص: 222

الباب الثاني في (بيان القسمة

اشارة

و يشتمل على تسعة فصول)

الفصل الأول في (تعريف القسمة و تقسيمها)
مادة (1114) القسمة هي تعيين الحصة الشائعة بعضها عن بعض كالذراع و الوزن و الكيل.

لما كانت القسمة هي ضد الإشاعة و رفعها و الأشياء تعرف بأضدادها و كانت الإشاعة عبارة عن اجتماع الحقوق فالقسمة إذا إفرازها و تفريقها، اما تعريفها كما في «المجلة» بتعيين الحصة الشائعة ففيه من التسامح ما لا يخفى، و على كل فان التعبيرات هنا بأجمعها لا تخلو من قصور و ينكشف هذا الغموض بما ذكرناه من ان حقيقة الإشاعة هي اجتماع

ص: 223

الملاك على ملكية شي ء واحد فهو نحو ضعيف من الملكية، و عليه فالقسمة هي تبديل ملكية ضعيفة لكل واحد من الشركاء في العين بملكية قوية لكل واحد في بعضها، هذه هي الحقيقة الصميمة و بما شئت فعبر عنها.

ثم ان المقياس لا يختص بالذراع أو الوزن أو الكيل بل يحصل بالعد أو المشاهدة أو غير ذلك حسب الأوضاع و الأطوار الزمنية.

مادة «1115» القسمة تكون على وجهين اما جمع الحصص الشائعة في كل فرد ..

الى آخرها هذا التقسيم للقسمة غير واف و لا مستبين (و تحرير البحث) ان القسمة من حيث المال المقسوم و المقسوم عليهم أو باعتبارات اخرى تنقسم إلى أقسام. فمن الحيثية الأولى، نقول ان المال المقسوم اما ان يكون عينا واحدة أو أعيانا متعددة من جنس واحد أو أجناس مختلفة و على كل التقادير فاما ان يمكن قسمته على الحصص قسمة متساوية أم لا و على الثاني اما ان تتعذر القسمة مطلقا أو تمكن مع الرد فان كان متعددا و أمكن القسمة على نسبة الحصص فهي التي تسميها المجلة قسمة الجمع كثلاثين شاة مشتركة فإن كانت لثلاثين أو خمسة عشر أو عشرة فهي صحيحة و ان كانت لثلاثة عشر أو تسعة فهي كسرية، و ان كان المقسوم واحدا و أمكن قسمته أجزاء بحسب الحصص أيضا فهي قسمة التفريق اي تفريق الواحد الى أجزاء، و هو ظاهر في أكثر المثليات من المكيل و الموزون أو كلها كما سيأتي، و ان لم يمكن تقسيمه

ص: 224

أجزاء متساوية بنسبة الحصص فإن أمكن قسمته متفاوتا مع الرد و الجبران فهي القسمة الردية و الا فلا قسمة بل ترفع القضية مع التشاح الى الحاكم فيلزمهما اما بيع حصة أحدهما على الآخر أو على أجنبي و يقسم الثمن و هذا لعله هو الذي يطلق عليه اليوم (ازالة الشيوع) و اما من حيث المقسوم عليهم فاما ان يتفقا على القسمة أو يتشاحا فان اتفقا فهي قسمة تراضي اختيارية و ان تشاحا و رجعا الى الحاكم فالزم بها فهي جبرية و هي التي تعبر عنها المجلة بقسمة القضاء و السابقة بقسمة الرضا كما في مادة (1120) و (1121) و (1122) و ان تشاحا بعد القسمة على الحصص فالقرعة، هذا مجمل ما ينبغي ان يقال في جمهرة أقسام القسمة و منه يتضح مادة (1116) و القسمة من جهة أفراز و من جهة مبادلة و هذا التنويع يبتنى على ما هو المشهور عند الفقهاء هي ان كل جزء يفرض فجزؤه لأحد الشريكين و الآخر للآخر اما على ما اخترناه من ان معناها اجتماع مالكين على الشي ء الواحد فهي مبادلة بين الملكيتين.

فقط و لا إفراز في البين فتدبره جيدا.

مادة (1117) جهة الإفراز في المثليات راجحة

بناء عليه كل واحد من الشريكين في المثليات له أخذ حصته في غيبة الآخر بدون اذنه كلا- لا يجوز عندنا تصرف أحد الشريكين بدون اذن الآخر مطلقا غائبا كان الآخر أو حاضرا قسمة كان التصرف أو غيرها فاما هو أو الحاكم و بدون أحدهما لا يجوز القسمة و لا غيرها،،، و لو تلفت حصة الغائب قبل التسليم تكون الحصة التي قبضها شريكه مشتركة بينهما

ص: 225

بل و التالفة مضمونة يعنى يضمن للغائب حصته منها:

مادة (1118) جهة المبادلة في القيميات راجحة إلى آخرها

يعني بالمثليات ما تتساوى أجزاؤه بالقيمة على النسبة مثلا حقة القمح بأربعة دراهم فالوقية بدرهم اما القيميات فلا تتساوى اجزاؤها بالقيمة فإن مثقال الألماس مثلا بمائة دينار و لكن بعه بعشرة لا بخمسة و عشرين و يريدون ان المثليات اي المتساوية يأخذ الشريك منها نصيبه و لو بدون اذن الآخرين و اما غير المتساوية اي القيميات فلا يجوز و قد عرفت عدم الجواز في الجميع

مادة «1119» المكيلات و الموزونات و العدديات المتقاربة كالجوز و البيض كلها مثليات الى آخرها.

هذه الضوابط للمثليات و القيميات غير مطردة و ليس كل المكيلات و الموزونات مثليات و لا كل الذرعيات قيميات فان أنواع الحلي و المصاغ كلها موزونة مع أنها قيمية و الحبال و الامراس ذرعية مع ان أكثرها مثلية فالأولى الرجوع في كل مورد بخصوصه الى العرف و نظر الحاكم و اجتهاده الخاص في الموضوع.

ص: 226

الفصل الثاني في (بيان شرائط القسمة)
مادة (1123) كون المقسوم عينا شرط فلا يصح تقسيم الدين المشترك الى الآخر.

تقسيم الدين له صورتان إحداهما ما ذكر في هذه المادة من اتفاق الورثة على ان يكون دين مورثهم على الأشخاص المتعددين موزعا عليهم كل واحد لواحد منهم «الثانية» ان يقتسموا الدين الواحد فيكون القسط الأول لواحد و الثاني لآخر و هكذا، و تقسيم الدين بهاتين الصورتين باطل. و ما يقبضه أحدهم كلا أو بعضا يكون مشتركا بين الجميع المقبوض هم و الهالك عليهم و الاخبار المعتبرة عندنا بهذا متوفرة

مادة (1124) لا تصح القسمة إلا بإفراز الحصص و تمييزها

فلو قال أحد أصحاب الصبرة المشتركة من الحنطة خذ أنت ذلك الطرف و هذا الطرف لي لا يكون قسمة.

حق هذا ان يقال ان شرط صحة القسمة معلومية الحصص فلو كانت مجهولة بطلت، و تختلف الجهالة و المعلومية باختلاف الأجناس فمعلومية المكيل و الموزون بكيله و وزنه و معلومية الأرضين بمساحتها و ذرعها

ص: 227

و هكذا و قد تكفي المشاهدة في جملة أشياء كما تكفي في البيع.

و جمهرة شروط صحة القسمة أمور «1» الملكية أي ملكية كل واحد من الشركاء فلو ظهر كون المقسوم كلا أو بعضا مستحقا للغير بطلت في جملة من الصور كما سيأتي قريبا و كذا لو ظهر وقفا فان الوقف لا يقسم نعم يقسم و يفرز عن الملك الطلق لو كان مشتركا معه (2) المعلومية في الحصص فلو كانت مجهولة أو بعضها بطلت (3) تعديل الحصص يعني التساوي و عدم الغبن فلو تبين الغبن فيها على بعض الشركاء بطلت (4) الرضا من الشركاء أو حكم الحاكم أو الوصي أو الولي «5» الطلب في قسمة القضاء من بعض الشركاء «6» قابلية المال المشترك للقسمة بحيث لا تفوت المنفعة المهمة من كل واحد من الحصص بذاته بعد القسمة «7» كون المقسوم عينا خارجية لا دينا و لا حقا.

هذه خلاصة ما أشارت إليه «المجلة» من الشروط في هذا الفصل

اما (مادة: 1125) شرط المقسوم كونه ملك الشركاء حين القسمة فإذا ظهر مستحق للمقسوم الى آخرها.

فخلاصة ما تتضمنه بيان الصور لظهور المستحق و هي محتاجة جدا الى التحرير فإنها من شكاسة التعبير بمكان، و إليك البيان، (1) ان يظهر المقسوم مستحقا للغير بتمامه و البطلان هنا لا يحتاج الى تبيان (2) ان يظهر مستحق لجزء منه مشاع منصف أو ثلث و تبطل هنا أيضا لأن كل حصة من المقسوم فيه حصة للغير فيكون تفريق حقه في

ص: 228

الحصص ضررا عليه اللهم إلا إذا رضي بذلك فتبقى القسمة بحالها و يكون شريكا لكل واحد منهم (3) إذا ظهر مستحق لخصوص حصة معينة من الحصص المقسومة فتبطل القسمة طبعا و تعاد في الباقي للشركاء من رأس (4) ان يظهر مستحق لمقدار معين في حصة معينة من الحصص أو الجزء مشاع فيها و هنا لا تبطل القسمة بل يتخير صاحب الحصة المستحق فيها بين إمضاء القسمة و الرجوع على الشركاء بنقصان ما أخذ المستحق منه و بين فسخ القسمة و إعادتها من رأس (5) ان يظهر مستحق لجزء مشاع في حصة واحد معين و لا تبطل هنا أيضا بل يكون لصاحب الحصة التي فيها الجزء المشاع خيار بين فسخ القسمة و إعادتها و بين البقاء على الشركة مع المستحق الجديد و أخذ النقصان من الشركاء.

«6» ان يظهر مستحق لجزء معين من كلتا الحصتين أو الحصص مع تساوي حقه في كل حصة و هنا تبقى القسمة بحالها و يأخذ المستحق حقه من الجميع (7) ظهور المستحق لجزء معين في الحصتين أو الحصص مع عدم التساوي و الحكم هنا أيضا عدم البطلان و يتخير أرباب الحصص بين فسخها و إعادتها من رأس و بين إبقائها و يرجع صاحب الحصة الناقصة على شريكه ذي الحصة الزائدة.

و من مجموع ما ذكر تتضح جميع مواد هذا الفصل فتدبرها.

ص: 229

«الفصل الثالث» في (بيان قسمة الجميع)
اشارة

عرفت ان مرادهم بقسمة الجمع قسمة الأعيان المتعددة على الشركاء المتعددين سواء كانت من جنس واحد كعشرين شاة أو من أجناس متعددة كشياة و جمال فان كانت متحدة جرت فيها قسمة التراضي بلا اشكال بل و قسمة القضاء من الحاكم كما في مادة «1132»- و كان ينبغي ان يضم إليها أيضا مادة «1133» فيقال الأعيان المتحدة الجنس تجري فيها قسمة القضاء كما تجري قسمة الرضا لعدم التفاوت بين افراد المثليات المتحدة الجنس كعدم الضرر بأحد الشركاء و يكون كل واحد قد استوفى تمام حقه،،، و لا حاجة الى ذلك التطويل و الإكثار من الأمثلة.

مادة (1134) القيميات المتحدة الجنس- الى قولها مثلا خمسمائة شاة مشتركة بين اثنين إذا قسمت نصفين فكأنما أخذ كل واحد منهما عين حقه.

الخدشة في هذا واضحة فإن القيميات غالبا تختلف آحاد الجنس الواحد منها أشد الاختلاف و قلما تتساوى افرادها، خذ مثلا الخمسمائة

ص: 230

شاة التي ذكرتها المجلة فإنك قد لا تجد فيها شاتين متساويتين من حيث السمن أو الهزال و اللون و الصوف و غير ذلك فلا بد في قسمتها من التعديل و لا يصح قسمتها جزافا عددا لكل واحد مائتين و خمسين من دون توازن بين الجيد و الردي و السمين و الهزيل، و يمكن ان يقال ان القاعدة الكلية أو الغالبة ان القسمة في المثليات المتحدة الجنس قسمة جمع لا تحتاج الى تعديل و أظهره في الموزون و المكيل و ما عداها من القيميات أو المثليات المختلفة تحتاج الى تعديل و هذا لازم في كل قسمة رضائية أو قضائية فان التعديل في القسمة ضروري الا ان يسقط أحدهم حقه لشركائه أو لبعضهم فتدبره جيدا و لا يشتبه عليك الأمر كما اشتبه عليهم و مما ذكرنا تتضح بقية مواد هذا الفصل.

الفصل الرابع مادة (1139) تفريق العين المشتركة و تبعيضها ..

ملاك صحة القسمة هنا أعني في الدار و العقار و كافة الأموال الغير المنقولة عدم حصول الضرر على أحد الشركاء بالقسمة و المراد بالضرر هنا عدم إمكان الانتفاع بالحصة انتفاعا معتدا به عند العرف و ان كان في غير الجهة الأولى مثلا لو كانت الدار لا تنقسم الى دارين و لكن يمكن ان تكون دكانين في سوق دائر أو شارع عام فالأقرب صحة الإجبار على

ص: 231

القسمة، و عدم الضرر كما عرفت معتبر في كل قسمة غايته ان المتماثلات المتعددة لا يحصل في قسمتها ضرر غالبا بخلاف القيميات مثل الدار و العقار فإنها مظنة الضرر في الغالب و لذا يلزم فيها الرد للحيران و التعديل في الأكثر و من هنا يستبين لك الخلل في مادة (1140) فإن القسمة إذا كانت تضر بعض الشركاء و تنفع بعضهم لا يمكن للحاكم ان يجبرهم على القسمة بصورة مطلقة كما يظهر من هذه المادة بل لا بدّ من تدارك ضرر الشريك بالرد و الجيران، و الا كان من القسم الذي لا يمكن قسمته كما في مادة (1141) إلى آخر هذا الفصل و كلها واضحة.

الفصل الخامس في (بيان كيفية القسمة)

مادة (1147) المال المشترك ان كان من المكيلات فبالكيل أو من الموزونات فبالوزن .. يصير تقسيمه،، مواد هذا الفصل بأجمعها قد ظهرت من الفصول السابقة و انما ذكرتها المجلة لمزيد البيان و التوضيح و ما فيها مسلم و صحيح سوى ان الأرض المشغولة بالأشجار و النخيل تلاحظ في مجموعها القيمة فإنها من القيميات و لا

ص: 232

تمسح الأرض مستقلة و تذرع و يقوم ما عليها من الأشجار بل يلحظ المجموع شيئا واحدا.

الفصل السادس في (بيان الخيارات)

من المعلوم ان القسمة بعد وقوعها جامعة للشرائط المتقدمة تكون لازمة ليس لواحد منهم فسخها الا ان يكون هناك سبب يستدعي جواز الفسخ و في الحقيقة ان الخيار في القسمة ليس كالخيار في البيع يعنى ان لكل من المتبايعين فسخ البيع و ان كان قد وقع صحيحا جامعا للشرائط و الخيار في القسمة عبارة عن ظهور خلل فيها يكشف عن وقوعها فاسدة فإن تراضوا بها فمعناه إسقاط حق و الا فلكل منهم طلب نقصها و إعادتها صحيحة و لذا فتسميتها خيار فيه نوع من التسامح و لا يجري فيها سوى الخيارات العامة كخيار الغبن و الرؤية و العيب مما يكون مدركه في الغالب وجوب دفع الضرر أو مظنة الضرر كالجهالة الناشئة من عدم الرؤية اما شرط الخيار فيها الى أيام محدودة فلا يبعد صحته بعموم (المؤمنون عند شروطهم) ان قلنا بعموم الشرط و لم نقيده بالعقود و عليه فيصح شرط الخيار في المثليات و في غيرها كما يجري خيار الرؤية فيها فلا وجه

ص: 233

لما في مادة (1155) خيار الشرط و الرؤية لا يكون في قسمة المثليات المتحدة الجنس الى آخرها،،، لما عرفت من ان عدم رؤية الحنطة قبل القسمة توجب جهالة المقسوم و الجهالة تبطل القسمة كما عرفت لا فرق في ذلك بين المثلي و غيره فكما لا يجوز بيع الحنطة المجهولة كذلك لا يجوز قسمتها.

الفصل السابع (في بيان فسخ الإقالة)

سبق قريبا ان القسمة إذا وقعت جامعة للشروط تكون لازمة ليس لأحد الشركاء نقضها و لكن إذا اتفقوا على النقض كان لهم ذلك لأنها حق لهم فقولهم «مادة 1157» بعد تمام القسمة لا يسوغ الرجوع يعني لأحدهم لا لجميعهم و كذا في مادة «1158» في أثناء القسمة إذا خرجت قرعة الأكثر و بقي واحد فأراد أحد أصحاب الحصص الرجوع ينظر ان كانت قسمة رضا فله الرجوع و ان كانت قسمة قضا فلا رجوع.

فإنهم إذا اتفقوا على الرجوع بعد القسمة أو في أثنائها كان لهم ذلك كما صرحت به مادة «1159».

اما إذا تبين الغبن الفاحش كما في مادة (1160) فكما لهم فسخها

ص: 234

لهم إبقاؤها و تدارك ضرر المغبون و لا يتعين الفسخ كما يظهر من عبارة المجلة و كذا في قضية ظهور الدين كما في مادة «1161».

الفصل الثامن (في بيان أحكام القسمة)

مادة (1162) كل واحد من أصحاب الحصص يملك حصته مستقلا بعد القسمة لا علاقة لواحد في حصة الآخر بعد و كل واحد يتصرف في حصته كيف شاء على الوجه الآتي.

يعني حيث لا يكون لأحدهما حق في حصة الآخر من حق مرور أو أعلى و أسفل أو غير ذلك و هذا أمر طبيعي للقسمة و ذكره مزيد توضيح نعم ما ذكره في مادة (1163) من دخول الأشجار في قسمة الأراضي مع عدم ذكرها محل نظر أو منع الا ان تكون هناك قرينة حال أو مقال على ارادة دخولها في الحصة و لا فرق في هذا بين الأشجار و بين الزرع و الفاكهة و كون هذه معرضا للزوال و الانتقال بخلاف الأشجار و الآصال لا يجدي إلا إذا كان هذا المعنى ملحوظا للمتقاسمين و مع الإطلاق و عدم الذكر و عدم القرينة المعينة الرافعة للخصومة تكون القسمة فاسدة فهذه المادة و التي بعدها غير سديدة و ذكر التعبير العام حين القسمة لا يجدي إلا إذا رفع الإبهام و منه يعلم حال

ص: 235

حق الطريق و المسيل و سائر الجهات و المتعلقات و بقية مواد هذا الفصل صحيحة سالمة من الاشكال.

الفصل التاسع «في بيان المهايأة»
مادة «1174» المهايأة عبارة عن قسمة المنافع.

حقيقة المهايأة اتفاق الشريكين أو الشركاء على توزيع المنفعة بينهم على حسب حصصهم في العين و هي معاملة جائزة لكل واحد فسخها متى شاء و ليست هي قسمة حقيقية فإنها لا تصح إلا في العين لا في الدين و لا في المنافع و حيث انها اتفاق و تراض فتصح في المثليات كبعض الثياب و الافرشة مما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه و في القيميات كالدور و الدواب و نحوها فلا وجه لما في مادة (1175) المهايأة لا تجري في المثليات بل في القيميات ليكون الانتفاع بها ممكنا حال بقاء عينها.

مادة (1176) المهايأة نوعان الى آخره.

يظهر منها ان المهايأة في المكان في قبال المهايأة في الزمان مع ان المهايأة في المكان يلزم ضبطها بالزمان رفعا للجهالة و لكن بناء على ما ذكرنا من انها معاملة جائزة لكل منهم فسخها متى شاء فالجهالة زمانا لا تضر فلو قال أحدهما للآخر اسكن هذه الدار مدة و انا اسكن في تلك مدة جاز و ان

ص: 236

لم يعينا المدة نعم تعيين الموضوع من دار أو دابة أو غيرها لا بد منه طبعا و منه يظهر ما في هذه المواد من خلل اعني مادة (1178)- و مادة (1179) فان المهايأة بقسميها لا يلزم فيها تعيين الزمان نعم لا بد من تعيين المكان اما البدء فلو تشاحا فيه استخرجاه بالقرعة و كذا لو تشاحا في المكان كما لو أراد كل منهما الدار المخصوصة أو الغرفة المعينة و لكن الأصح ان المهايأة لا تأتي مع التشاح أصلا بل قوامها و ملاكها الاتفاق و التراضي فإذا تشاحا في جهة من جهاتها و شأن من شؤنها امتنعت و ليس للحاكم ان يجبر عليها و لا معنى أصلا للجبر على المهايأة و لا دليل عليه و انما يصح الجبر على قسمة العين فقط عند التشاح و في ظروف مخصوصة و بهذا ظهر المنع و الخدشة في مادة «1181» و لا فرق في ذلك بين متفقة المنفعة و مختلفتها فتدبره.

و من هنا يظهر الوهن في مادة (1182) أيضا فان الحق ان أحدهما إذا امتنع عن المهايأة و طلبها الآخر لا يجبر عليها الممتنع لأنها قائمة بالرضا و الاتفاق نعم يجبر على القسمة إذا كان المحل قابلا اما في المحل الغير القابل مع التشاح فيجبرهما الحاكم اما على المبايعة أو البيع على ثالث و لا حق له في جبرهما على المهايأة فلا وجه لما في مادة (1183) إذا طلب المهايأة أحد الشريكين فيما لا يقبل القسمة و امتنع الآخر يجبر على المهايأة، و لو كانت المهايأة لازمة و يصح الجبر عليها من الحاكم لم يكن وجه لما في مادة (1184) كل ما ينتفع العامة بأجرته من العقارات المشتركة كالسفينة و الطاحون- الى قولها: لكن إذا زادت غلتها

ص: 237

أي أجرتها في نوبة أحدهم تقسم تلك الزيادة بين أصحاب الحصص،،، فإن زيادة المنفعة حينئذ تكون من نصيبه قضاء للزوم المهايأة فرجوعها إلى أصحاب الحصص دليل على ان الشركة حتى في المنافع باقية على حالها و ليس إلا الإباحة اما- مادة «1185» من جواز ان يوجرها لغيره فالأصح انه انما يصح إيجارها إذا رضي الشركاء بذلك و الا فهو ممنوع و لا يجوز له ذلك.

مادة «1186» بعد ان حصلت المهايأة على استيفاء المنافع بدء الى آخرها،،،

حاصل هذه المادة المستطيلة ان المهايأة إذا حصلت على استيفاء المنافع و كانت غلة أحد الشركاء في نوبته أكثر فليس للباقين مشاركته بالزيادة اما إذا كانت على الاستغلال من أول الأمر و كانت غلة احدى الدارين مثلا أكثر لم يشاركه الآخر في الزيادة.

و الظاهر ان هذا الحكم تحكم صرف و لا يكاد يظهر وجه صحيح للفرق بين الصورتين و الحق المشاركة فيهما مع الإطلاق اما مع الشرط فهو المتبع ان قلنا بلزوم مثل هذه الشروط الابتدائية أي التي لا تقع ضمن العقود اللازمة نعم للشركاء ان يسقطوا حقهم من الزيادة و هذا أمر آخر لا دخل له بالمهاياة فتدبره جيدا.

مادة (1187) لا تجوز المهايأة على الأعيان فلا تصح المهايأة على ثمرة الأشجار المشتركة و لا على لبن الحيوانات و صوفها إلخ،،،

بعد ما عرفت ان حقيقة المهايأة الاتفاق و الرضا من الشركاء

ص: 238

على توزيع المنافع و إباحة كل منهم للآخر منفعة حصته على التبادل- يتضح لك انه لا مانع من المهايأة في الأمثلة المذكورة اجمع و هي و ان كانت أعيانا و لكنها في نظر العرف منافع فإن منفعة الشجرة ثمرتها و منفعة الشاة صوفها و لبنها و حليبها و هكذا، و لذا جازت إجارة الشاة و الشجرة باعتبار تلك المنافع و كذا تجوز العارية فيها مع ان الإجارة و العارية لا يتعلقان بالأعيان إلا باعتبار منافعها كما مر موضحا في كتاب الإجارة و العارية- إذا لا مانع من المهايأة في الشجرة المشتركة بأن يكون سنة لهذا و سنة للآخر و هكذا الزرع و البقرة و الشاة غايته انها لو لم تثمر في السنة الثانية يرجع على الشريك فيما استوفاه لما عرفت من انها جائزة و إباحة مقيدة بإباحة ما يقابلها من المنفعة فهي تشبه المعاوضة بل هي في الحقيقة معاوضة ارتكازية فإذا لم يسلم العوض لأحدهما عادت الشركة إلى حالها و لم يكن هناك تمليك حتى يقال انه قد ملكه حصته من المنفعة فلا وجه للرجوع عليه بل هي إباحة بإباحة و لكنها مقيدة مشروطة ضمنا فتدبره جيدا فإنه ثمين.

مادة (1188) و ان جاز فسخ المهايأة الحاصلة بالتراضي لأحد الشريكين

لكن إذا آجر أحدهما في نوبته لآخر فلا يجوز لشريكه فسخ المهايأة ما لم تنقص مدة التواجر.

عرفت ان الشريك ليس له الإجارة في المهايأة المطلقة بل هي منصرفة إلى الانتفاع مباشرة نعم لو أجاز له صريحا ان يؤجر صح و الفرض ان المهايأة معاملة جائزة فهل له بعد الإجارة ان يرجع جريا

ص: 239

على حكم المهايأة أم ليس له ذلك لان الإجارة عقد لازم و قد وقعت باذنه وجهان و أوجه منهما الجمع بين الأمرين فيقال ان له فسخ المهايأة و تبقى الإجارة للأجنبي على حالها لأنها وقعت برضا الشريكين و تكون الأجرة في المدة الباقية لهما معا.

مادة (1189) و ان لم يجز لواحد من الشركاء ان يفسخ المهايأة الجارية بحكم الحاكم فلكلهم فسخها بالتراضي.

عرفت ان المهايأة لا مجال لدخول الحاكم و حكمه فيها و لكل واحد منهم فسخها متى شاء فضلا عن اتفاقهم، و منه يعلم الخلل في مادة (1190) و مادة (1191) فإن لكل واحد من الشركاء فسخ المهايأة سواء أراد بيع حصته أو أراد ان يعيد المال المشترك الى حالة القديم بلا سبب و الحاكم معزول هنا بتاتا، كما انها يموت أحد الشركاء تبطل قطعا و (القصارى) ان أصحاب [المجلة] يرون أن المهايأة كالقسمة لازمة أو كعقد لازم كما يشعر به تعريفهم لها بأنها قسمة المنافع و لكنها دعوى لا تستند على دليل و ليست هي من القسمة في شي ء و ان أشبهتها في بعض الشي ء فخذها حقيقة ناصعة و لا تتوهم كما توهموا و للّٰه المنة و منه التوفيق.

ص: 240

الباب الثالث في (بيان المسائل المتعلقة بالحيطان و الجيران

اشارة

و يشتمل على) (أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان بعض قواعد في أحكام الاملاك)
مادة (1192) كل واحد يتصرف في ملكه كيف شاء

لكن إذا تعلق به حق الغير يمنع المالك من تصرفه على وجه الاستقلال- الى قولها فليس لأحدهما أن يفعل شيئا مضرا إلا بإذن الآخر و لا ان يهدمه بنفسه.

كل ما في هذه المادة صحيح و إذا انهدم الفوقاني يشتركان في عمارته لان منفعته تعود لهما و إذا عمراه يكون ملكا لهما.

مادة (1193) واضحة و قد تقدم حاصلها في مباحث الشركة مادة (1194) كل من ملك محلا صار مالكا ما فوقه و ما تحته

ص: 241

أيضا- الى آخرها، يعنى ان من يملك عقارا بوجه مطلق يكون له من تخوم الأرض إلى عنان السماء و له ان يتصرف في أعلاه و أسفله كيف شاء من حفر بئر في باطن الأرض أو بناء منارة إلى السماء نعم لا يجوز ان يمتد تصرفه الى فضاء جاره كما في مادة «1195» من أحدث في داره بيتا فليس له ان يبرز رفرفه على هواء دار جاره.

مادة «1196» من امتدت أغصان شجر بستانه الى دار جاره فللجار ان يكلفه بتفريغ هوائه بالربط أو القطع

لكن إذا ادعى الجار ان ظل الشجرة مضر بمزروعات بستانه لا تقطع الشجرة،، ان كان المراد ان الجار الذي امتدت أغصان الشجرة إلى بستانه يدعي ان ظلها مضر بمزروعاته و اثبت ذلك فالقطع هنا اولى من الصورة الأولى التي أوجبت المجلة الربط أو القطع فيها كما هو واضح و ان كان المراد ان صاحب الشجرة الممتدة إلى الجار يدعي ان قطعها يضر بمزروعاته فالحكم بأنها لا تقطع لا وجه له لان دفع ضرره لا يسوغ له التصرف في ملك الغير بغير حق فهذا الحكم جزافي على كلا التقديرين.

ص: 242

الفصل الثاني في (بيان حق المعاملات الجوارية)

مادة «1198» كل أحد له حق التعلى على حائط ملكه و بناء ما يريد و ليس لجاره منعه،، «الضابطة العامة» في تصرف الإنسان بملكه- ان كل أحد له ان يتصرف كيف شاء يملكه بشرطين ان لا يكون ملكه متعلق حق للغير، و ان لا يكون موجبا لضرر الغير و عدا ذلك فجميع تصرفاته مباحة له، و تقييد الضرر بالفاحش لا وجه له بل قاعدة نفي الضرر الحاكمة على قاعدة السلطنة تقتضي منع كل ضرر و إضرار بالغير غايته ان بعض افراد الضرر لقلته و حقارته لا يعتد به عند العرف و يعد كلا ضرر و تشخيص مصاديق الضرر و تمييز المعتد به من غيره و الفاحش من غيره موكول الى العرف و أهل الخبرة و لكل حادثة حكمها، و لكل بلد تقاليدها، و لكل زمان أطواره، و ليس لذلك قاعدة كلية مطردة بل يختلف الضرر باختلاف المكان و الزمان و الأشخاص و البلدان و ما ذكرته «المجلة» في مادة «1200» من أمثلة الضرر الذي يجب رفعه مبنى على

ص: 243

الغالب و الا فقد لا يعد في بعض القرى أو البلدان مثل تلك الأمور ضررا كما ان ما ذكر في مادة «1201» من ان منع دخول الشمس و سد الهواء ليس ضررا و ليس فاحشا غير مطرد بل الغالب انه ضرر فاحش بل أفحش لان سد الهواء و منع الشمس يوجب الأمراض المهلكة و الحياة التعيسة كسد الضياء، و ما ذكروه في مادة (1202) رؤية المحل الذي هو مقر النساء، كصحن الدار و المطبخ و البئر يعد ضررا فاحشا الى آخره- لا يعد ضررا فضلا عن كونه فاحشا عند كثير من الأمم التي لا تعرف الحجاب و لا تلتزم ببعض التقاليد و الآداب و لا تتحاشى من تطلع جارها على دارها و هكذا،،، و الغرض ان المجلة نظرت الى حال الشرقيين بل الى حال البعض منهم و تقاليدهم و عاداتهم و الا فالقضية غير كلية و إناطتها بنظر الحاكم و أهل الخبرة في كل بلد أو قرية حسب أوضاعهم و خلائقهم و أخلاقهم أصح و أوضح أما- مادة «1207» و ما بعدها الى «1210» فجميعها يبتنى على قاعدة «القديم على قدمه» فإذا أحدث رجل دار أو لجاره شبابيك قديمة فليس له سدها لان القديم على قدمه و هكذا في أمثاله مما يطول تعداده، و اما- مادة «1210» و مادة «1211» فهما مبنيان على قضية الشركة و حيث ان الحائط مشترك فليس لأحدهما أن يتصرف فيه بدون اذن الآخر فرفع الجذوع إلى الأعلى لا يجوز فإن الأعلى ليس له نعم له ان يخفضها إلى الأسفل لان الأسفل له.

ص: 244

«الفصل الثالث» في (الطريق)

اقحام هذا الفصل و الذي بعده في هذا الباب اعني باب قواعد أحكام الأملاك لا وجه له فان الطريق ليس من الاملاك لا العامة و لا الخاصة بل الطرق من المباحات العامة و منفعتها الخاصة و هي المرور حق لكل البشر و لكنه حق الانتفاع لا المنفعة كما سبق بيانه فوجوب رفع الأشياء المضرة بالمارين هي من احكام الطرق لا من أحكام الاملاك نعم احكام الطريق الخاص قد تدخل في هذا الباب باعتبار كونها ملكا أو تشبه الملك، و قد حكمت المجلة في مادة «1223» انه لا يسوغ لأصحاب الطريق الخاص ان يبيعوه و لو اتفقوا و لا يسوغ ان يقسموه بينهم و لا يسدوا فمه، و لكن الظاهر من بعض فقهائنا انه حق لهم فلو تبايعوه بينهم أو اقتسموه كان لهم ذلك و هو أقرب الى الاعتبار و لا ينافيه ان فيه حق المرور لكل واحد فان هذا الحق لهم ما دام الطريق مفتوحا اما إذا زال فلا حق لهم و تسمى هذه الطرق عندنا بالطرق «المرفوعة» و لعلها لارتفاعها عن الطريق العام أو لغير ذلك

ص: 245

الفصل الرابع في (بيان حق المرور و المجرى و المسيل)

مواد هذا الفصل كلها تبتني على ثلاث قواعد (1) قاعدة (الضرر يزال) (2) (القديم على قدمه إذا كان مشروعا) (3) (المبيح له الرجوع عن إباحته متى شاء) فلو اذن صاحب العرصة بالمرور فيها لشخص له الرجوع عن اذنه متى شاء مهما طالت المدة فإن قاعدة القديم على قدمه انما تعتبر في الأمور المشروعة المجهولة السبب عند جيلنا اما لو علمناه فالحكم للسبب لا للقدم مثلا لو وجدنا دارا يجري عليها ميزاب من دار الغير و هو قديم فنحكم بلزوم بقائه من جهة قدمه اما لو علمنا أو ظهرت ورقة أو بينة بان صاحب الدار أباح للجار وضع الميزاب على داره و قد رجع عن إباحته فلا ريب ان قاعدة القديم تسقط و العمل على قاعدة الإباحة و الرجوع فيحكم الحاكم برفع الميزاب و هذا نظير قضية (اليد) التي هي من أقوى الأمارات على الملكية و لكنها انما يعتمد عليها حيث تكون مجهولة السبب اما لو علم سببها فالعمل على السبب مثلا لو وجدنا دارا بيد شخص تلقاها من أبيه و جده و ادعاها آخر نحكم بأنها لصاحب

ص: 246

اليد حتى تقوم الحجة على انها ليست له اما لو ظهر من امارة أو بينة انه قد استأجرها جده من أجداد المدعي أو أباحها له فان اليد تبطل و يطالب بالبينة على انها قد انتقلت بناقل شرعي و الحاصل ان الأمارات و القواعد جلها أو كلها انما تكون معتبرة حيث تكون مجهولة السبب و هذه فائدة ثمينة فاحتفظ بها، و للّٰه الفضل و المنة و منه نستمد التوفيق

ص: 247

الباب الرابع في (بيان شركة الإباحة

اشارة

و يشتمل على سبعة فصول)

الفصل الأول في (بيان الأشياء المباحة و غير المباحة)
مادة (1234) الماء و الكلاء و النار مباحة و الناس في هذه الأشياء الثلاثة شركاء.

قد عرفت فيما سبق ان الشركة هنا لغوية لا بمعناها المصطلح بل الاشتراك هنا بمعنى عموم الحكم لعامة البشر فاباحة الانتفاع و التملك لشي ء من هذه المواد الحيوية عام لجميع الأنام كعموم سائر الاحكام و الأصل في هذا- الحديث النبوي المشهور-: الناس شرع سواء في ثلاثة أشياء الماء و الكلاء و النار.

و المباحات العامة أكثر من ذلك كالصيد و الأحطاب و ثمار الأشجار في الغابات و غير ذلك كما سيأتي.

ص: 248

و لا ريب ان المراد اشتراكهم فيه قبل حيازة أحد لشي ء منه فالماء الذي نقله إنسان من الفرات و شبهه مملوك له انما المباح العام هو ماء الفرات في مجاريه و مجاري السيول و القنوات العادية فليس لأحد منع غيره من الاستقاء منها و الحيازة اما الذي يحوزه إنسان في نهر صغير في أرضه أو داره أو بستانه فقد ملكه و لا يجوز الأخذ منه بغير اذنه و مثله الكلام في الكلاء و هو النبات في الأراضي الواسعة و الغابات بل و أشجارها و ثمارها أو أشجار الجبال و الأودية قبل حيازة أحد لشي ء منها و كذلك النار فلو أوقد إنسان نارا في فلاة من الأرض فليس له ان يمنع غيره من الاستضاءة بها أو التدفئة بالقرب منها أو الاقتباس من جذوتها نعم ليس له ان يحمل جمرة منها أو فحمة خشب منها لأنها مملوكة لموقدها فلا يجوز أخذها إلا بإذنه كما انه لو أوقد نارا في داره ليس لأحد ان يدخل الدار للتدفئة أو الاستضاءة بدون اذنه بخلاف ما لو كانت في صحراء مباحة كما في مادة «1261» الآتية، و من مادة «1235» إلى مادة «1241» كما ان الكلاء النابت في الأراضي التي لا صاحب لها مباح كذلك الكلاء النابت في ملك شخص بلا تعاطي سببه أيضا مباح الى آخرها.

هذا التقسيم سقيم و تحكم بلا دليل حتى من قياس و نحوه فاز النابت في ملك إنسان و لو من غير سببه يدخل في ملكه قهرا كما نبعت عين ماء في أرضه أو في داره أو ظهر معدن فيها و نحو ذلك مما لا إشكال في صيرورته ملكا له سواء تعاطى إيجاد السبب أم لا فلواذ

ص: 249

لشخص بالدخول الى داره أو عقاره فدخل لم يجز له ان يتصرف بشي ء من ذلك النبات أو الماء الا بإذن خاص من المالك كالأشجار النابتة من نفسها في ملك إنسان حسب ما نصت عليه مادة «1244» الأشجار النابتة بلا غرس في ملك أحد هي ملكه ليس لأحد ان يحتطب منها الا بإذنه فإن يفعل يكن ضامنا.

و هذا صحيح لامرية فيه انما العجب هو التفرقة بين النبات فهو مباح و بين الشجر فغير مباح مع اتحاد الملاك في المسألتين فليتدبر

مادة «1247» الصيد مباح.

يعني انه من المباحات العامة إذا لم يكن قد صاده أحد قبل ذلك اما لو صاده و كان من عادته العود فلا إشكال في حرمة صيده اما لو لم يكن من عادته العود فمحل اشكال و يجوز حمل الصيد على المصدر كما يجوز حمله على اسم العين و سيأتي بيان احكام كل واحد منهما في الفصل السابع

الفصل الثاني
مادة «1248» أسباب التملك ثلاثة (الأول) النقل من مالك الى مالك آخر كالبيع ..

قدمنا لك في بعض الأبحاث السابقة ان أسباب الملك نوعان قهرية و اختيارية و تحت كل نوع من هذين أصناف و أظهر أسباب

ص: 250

التملك القهري- الإرث- و الجنايات و الاروش و النذور و ما الى ذلك، و أظهر أسباب التملك الاختياري الاكتساب و البيع و الشراء و الصيد و الحيازة و احياء الموات و ما الى ذلك و لا حاجة في أمثال الصيد و الحيازة إلى وضع اليد لا حقيقة و لا حكما بل المدار على صدق الاستيلاء عرفا و منه التحجير الذي يثبت به حق اختصاص في المباح إلى أمد معين اما لو نصب شبكة فوقع الصيد فيها فقد ملكه بالاستيلاء حقيقة و لا يجوز لغيره ان يتصرف به بدون إذن الحائز الأول و لو أتلفه كان ضامنا كما في مادة «1249» كل من أحرز شيئا مباحا كان مالكا له مستقلا الى آخرها.

مادة (1250) كون الإحراز مقرونا بالقصد لازم.

هذا البحث مبتور هنا، و حقه، ان يقال ان التملك الاحياء مشروط بشروط «1» انتفاء يد الغير فلو كان على الأرض يد معتبرة شرعا لم يصح للغير إحياؤها «2» عدم ملك سابق لمسلم أو معاهد فلو كانت مملوكة لأحدهما و لم يتحقق الاعراض أو السبب المزيل لم يجز إحياؤها بناء على عدم بطلان الملكية بالموتان «3» ان لا يكون حريما لعامر «4» ان لا يكون مشعرا للعبادة كمنى و المشعر و عرفة و نحوها «5» ان لا يكون متعلقا به حق الغير فلا يكون مما أقطعه الإمام أو السلطان لأحد المسلمين أو غيرهم فإنه يكون اولى به و لا محجرا اي قد شرع أحد في إحيائه بوضع علامة من مرز أو حفر نهر أو نحو ذلك «6» ان يكون الإحياء أو الحيازة بقصد التملك فلو فعل أحد الأسباب

ص: 251

بدون قصده أو بقصد غيره لم يملك و الظاهر الاتفاق على هذه الشروط و لا ينافي شرطية قصد التملك ما ذكرناه من ان الحشيش النابت في أرض شخص أو داره ملك له و ان لم يعمل سببه فإن ملكية هذه الأشياء بالتبعية لا بالحيازة و الاحياء و هو ظاهر و هناك شرطان آخران لم يتحقق الاتفاق عليهما و ان ذهب الى اعتبارهما جماعة و هما اشتراط اذن الامام عند حضوره أو نائبه عند غيبته «و الثاني» تحقق الاحياء و تماميته فلا ملكية إلا بعد صدق كونه قد أحياها عرفا، و لا بأس بهذين الشرطين و ان كان الدليل عليهما غير ظاهر، و سيأتي ذكر بعض هذه الشروط في الفصل الخامس- اما مادة «1251» يشترط في إحراز الماء انقطاع جريه فالبئر التي ينز ما فيها من الماء لا يكون ماء محرزا فلو أخذ شخص من الماء المجتمع في هكذا بئر تنز بدون إباحة صاحبه و استهلكه لا يلزمه الضمان إلخ- لم اعرف وجهه فإن البئر إذا كانت مملوكة لشخص فماؤها ملك له لا يجوز لغيره ان يأخذ منه بدون اذنه انقطع جري الماء أو لم ينقطع و هكذا الحوض اما إذا لم تكن مملوكة لشخص فهي من المباحات يجوز لكل أحد الأخذ من مائها انقطع جريها أيضا أم لا، و دعوى ان الماء الذي لا ينقطع جريه يستمد قوته من المياه الجارية تحت الأرض و هي غير مملوكة، فسادها غني عن البيان.

ص: 252

الفصل الثالث في (بيان أحكام الأشياء العمومية المباحة)

جميع مواد هذا الفصل واضحة لا مناقشة فيها و قد تقدم بعضها و هي من لوازم الإباحة العامة.

الفصل الرابع في (بيان حق الشرب و الشفعة)

و جميع موادة أيضا واضحة جليلة المدرك، نعم في مادة «1268» يسوغ لمن كان ضمن ملكه ماء متتابع الورود سواء كان حوضا أو نهرا ان يمنع طالبه من الدخول في ملكه لكن إذا لم يوجد في قربه ماء مباح غيره للشرب يجبر صاحب الملك على إخراج الماء لذلك الطالب أو إعطائه الرخصة بالدخول لأجل أخذ الماء و ان لم يخرج له الماء فله حق الدخول و أخذ الماء.

فإنه- لا يخلو من اشكال فإن إجبار المالك على إخراج الماء

ص: 253

أو الدخول قهرا عليه الى داره كل ذلك مناف للقواعد العامة كقاعدة السلطنة و نحوها و لكن يمكن لولي الأمر أو نائبه العام أو الخاص ان يجبر المالك كذلك نظرا للصالح العام و حفظ النظام و استبقاء حياة النفوس و ان كان مخالفا للقواعد العامة الا انه لو اقتحمنا هذه العقبة الكؤد و قلنا بجوازه و تخريج دخوله فلا بد من دفع القيمة و يكون كقضية الأكل في المخمصة فليتدبر.

الفصل الخامس في (إحياء الموات)
مادة (1270) الأراضي الموات هي التي ليست ملكا لأحد و لا هي مرعى و لا محتطب إلخ.

ذكرنا قريبا شروط التملك بالاحياء و منه يتضح لك حدود الأرض الموتان التي يجوز إحياؤها حتى تصير ملكا لمحييها و أقرب تعريف للأرض الميتة انها هي التي لا تصلح للزرع بحالتها الحاضرة بل تحتاج الى علاج غير الحرث و السقي إما لكونها مغمورة بالماء كالاهوار و الأجم أو لبعد الماء عنها فتحتاج الى شق نهر أو آلة موصلة و أمثال ذلك و مع هذا فإرجاع ذلك الى العرف أقرب الى الصواب، اما اشتراط بعدها

ص: 254

عن أقصى العمران كما في هذه المادة فغير لازم نعم ان كان ذلك الموات من مرافق البلد و محل حاجتها و لو في بعض السنة فضلا عما لو كان مرعى أو محتطبا و محتصدا فلا إشكال في عدم جواز إحيائه لأنه حريم للعامر و كذا لو كان حريما لبئر البلد و أمثال ذلك كما سبق ذكره و نصت عليه مادة «1271» الأراضي القريبة إلى العمران إلخ،،، اما لو خلت من كل ذلك جاز إحياؤها و ان كانت متصلة بالبلد أو العمران فتدبره.

مادة «1272» إذا أحيا شخص أرضا مواتا بالاذن السلطاني صار مالكا لها إلخ،،،

يظهر من هذه المادة ان أصحاب المجلة يعتبرون اذن السلطان شرطا في التملك بالاحياء و قد تقدم ان بعض فقهائنا يعتبر هذا الشرط أيضا و لكنه خلاف إطلاق الحديث المشهور (من أحيا أرضا فهي له) نعم بناء على ان الموات من الأنفال التي هي للّٰه و لرسوله كما يدل عليه الحديث المشهور (موتان الأرض للّٰه و لرسوله فمن أحيا أرضا ميتة فهي له) يكون اذن الامام أو نائبه شرطا و لا ينافيه الإطلاق انها للمحيي فإن المراد منه ان المحيي بشروطه يكون مالكا إذ لا ريب ان ليس كل من أحيا يملك و على كل فاستيذان الإمام أو نائبه الخاص أو العام ان لم يكن أقوى فلا ريب انه الأحوط.

مادة (إذا أحيا شخص أرضا مواتا و بعده جاء آخرون أيضا و أحيوا الأراضي التي في أطرافها الأربعة) إلخ.

ص: 255

بل ليس للآخرين ان يحيوا طريق المحيي الأول لأنه من مرافقه و لوازمه فيملكه بالتبع و لا يجوز لغيره التعرض له.

مادة «1277» وضع الأحجار أو الشوك- ليس بإحياء و لكنه تحجير.

الفرق بين الاحياء و التحجير واضح مفهوما و حكما فان التحجير هو الشروع في مقدمات الإحياء أو وضع علامات حيازة الأرض و ان لم يكن لها دخل بالاحياء اما الاحياء فهو صلاحية الأرض فعلا للزرع اي لإلقاء البذر فيها و سقيه و حكم الاحياء حصول الملكية به اما التحجير فتحصل به الأولوية و لكنه حق يورث يصح المصالحة عليه و أخذ المال بالمعاوضة عليه نعم يمهله حاكم الشرع أو السلطان حسب ما يراه و لا يتقيد بسنة أو ثلاث بل بما يراه الحاكم حسب اختلاف الظروف و الأحوال فان لم يكمل إحياءها في تلك المدة يسقط حقه و ينتزعها منه و يدفعها لغيره و بهذا يتضح ما في المواد الباقية في هذا الفصل من مادة «1278» إلى مادة «1280».

الفصل السادس (في بيان حريم الآبار المحفورة و المياه المجراة و الأشجار المغروسة) (بالاذن السلطاني في الأراضي الموات)
مادة «1281» حريم البئر يعني حقوقها من جهاتها من كل طرف أربعون

ص: 256

المراد ان من حفر بئرا في أرض موات فإنه يملك من كل جهة من جهاتها الأربع أربعين ذراعا تسمى حريما للبئر كما ان حريم العين المستخرجة خمسمائة ذراعا، أما الذي ذكره فقهاؤنا في هذا المقام فهو ان حريم الطريق شارعا أو غيره إلى الأملاك أو غيرها خمسة و قال الأكثر سبعة فلا يجوز الأقل و يجوز الأكثر بل قد يجب عند الحاجة، و حريم العين الف ذراع في الأرض الرخوة و خمسمائة في الصلبة بمعنى انه لا يجوز لغيره ان يستخرج عينا في هذه المساحة فإن أحياها كانت له و إلا جاز لغيره إحياؤها و لازمة جواز استخراج بئر أخرى للآخر، و حريم بئر الناضح اى البعير الذي يسقي الزرع ستون ذراعا و بئر المعطن أي البئر التي اتسق الإبل منها و تشرب من مائها أربعون ذراعا و حريم الحائط و الدار مطرح الآنة من تراب و رماد و كناسة و نحوها و كل هذه المقادير بين ما ورد رواية به و بين ما اقتضاه الاعتبار و العرف و لذا أهمل بعض الفقهاء اعتبارها و ارجع التقدير الى حد الضرر فلكل واحد من تلك العناوين من الأرض حولها ما تقتضيه حاجته عرفا و ما يستلزم تطرق الضرر عليه في الأقل منه و ليس هنا تعبد شرعي بمقدار معين بل الأحاديث الواردة في هذه المواضع ناظرة إلى العرف في تلك الأعصار فالأصح إناطة ذلك الى نظر أولياء الأمور الصالحين المصلحين حسب ما تقتضيه المصالح العامة و الخاصة و هي تختلف باختلاف الأزمان و البلدان و الظروف و الأحوال مع التجريد عن الأغراض و الإخلاص للّٰه تعالى و للأمة في النية و العمل و اللّٰه ولي التوفيق و هو العالم بالسرائر.

ص: 257

مادة (1288) إذا حفر شخص بئرا في خارج حريم بئر فذهب ماء البئر الاولى الى الثانية فلا شي ء عليه.

هذا إذا لم يعد بنظر العرف تسبيبا لمنع الماء عن الأولى و الا فهو مشكل و كذا في قضية الدكان.

الفصل السابع في (بيان المسائل العائدة إلى أحكام الصيد)
مادة «1292» الصيد جائز،،،

المشهور عند فقهائنا ان صيد اللهو حرام و سفره سفر معصية يوجب الإتمام و انما يحل الصيد إذا كان للكسب و التجارة أو للقوت و هو من المباحات العامة التي تملك بالحيازة و لا يكون الا للحيوان الممتنع و هو لا يخلو اما ان يكون في الهواء أو في الماء أو على الأرض و لكل واحد من هذه المواضع آلات تخصها و آلات تشترك فيها و قد ذكرت (المجلة) في هذه المادة بعضا من المختصة و المشتركة فالآلات الجارحة كالرمح و السهم و البندقة تشترك في صيد ما في الهواء و ما في الأرض و يختص الكلب و الجوارح بصيد ما على الأرض و تشترك الشبكة بصيد ما في

ص: 258

الأرض و ما في الماء، ثم ان المجلة لم تستوف شروط حلية الصيد و هي أهم ما في المقام فنقول ان الآلة إذا أصابت الصيد فإن بقي حيا و أدرك حياته و كان مأكول اللحم لم يحل أكله إلا بتذكيته الشرعية و ان مات و استند موته الى تلك الآلة حل اكله و لكن بشروط «1» ان يكون الحيوان حلال الأكل كالبقرة الوحشي و الحمر الوحشية و الوغل و الغزال لا كالثعالب و الأرانب و نحوها من الوحوش و ان حل استعمال جلودها بالتذكية «2» التسمية عند إرسال الكلب أو إطلاق السهم أو البندقة فلو لم يسم عمدا حرم الصيد إذا لم يدرك ذكاته و لو نسيها حل «3» القصد الى الصيد فلو رمى لاهيا فأصاب حيوانا لم يحل «4» ان يكون المرسل مسلما فلو كان كافرا لم يحل «5» ان يقتل السهم و ما بحكمه من الآلات يحده لا بثقله يعني ان يكون محددا و لو من غير نصل فيخرق الجلد و اللحم و يقتل الصيد (6) ان ان لا يغيب عنه و حياته مستقرة فلو غاب ثم مات و لو بعد ساعة و لم يعلم ان الموت استند الى الكلب أو السهم لم يحل (7) ان يستند الموت الى الكلب أو الآلة فلو اصابه السهم و تردى من شاهق أو وقع في نهر فمات غرقا لم يحل (8) ان لا يكون الحيوان مملوكا فلو ظهرت عليه آثار الملكية كجرس في رجله أو طوق في عنقه لم يحل صيده و لا اكله، و مما ذكرنا يظهر ما في مواد هذا الفصل من المجلة مثل مادة (1293) الصيد هو الحيوان المستوحش من الإنسان،،، فإن المدار ليس على استيحاش الحيوان بل المدار على كونه ممتنعا بذاته لقدرته على الطيران

ص: 259

بجناحه أو العدو برجله فالحمام الذي يأوي إلى البيوت و يسكن فيها مع أهلها مستأنس غير مستوحش و مع ذلك يجوز صيده.

و مثل مادة (1294) كما ان الحيوانات الأهلية لا تصاد كذلك الحيوان البري المستأنس بالإنسان لا يصاد- بناء على ذلك الحمام المعلوم انه غير بري بدلالة أمثاله أو الصقر الذي برجله الجرس أو الغزال الذي في عنقه الطوق إذا أمسكها أحد تكون من قبيل اللقطة فيلزمه الإعلان بها كي تعطى لصاحبها.

فإنها مختلفة منحلة- ضرورة أن الحمام و الصقر و الغزال الحاملة لتلك العلائم و الاوسمة انما لم يصح صيدها لأنها مملوكة للغير لا من جهة أنها مستأنسة بالإنسان ألا ترى أن الحمام المستأنس في بيوت الناس يصح صيده إذا لم يكن عليه علامة ملك سابق فالاستيناس و التوحش لا ربط له بقضية الصيد أصلا إنما المهم ان لا يكون مملوكا و ان يكون ممتنعا كما في مادة (1295) شرط الصيد كونه ممتنعا عن الإنسان إلخ، و هذا اي الامتناع هو المدار في ملكية الصيد فمن رمى حيوانا و اصابه بحيث لا يقدر على الفرار و زال منه قدرة الامتناع ملكه و الا فلغيره ان يصيده و يملكه كما في مادة (1297) الصيد لمن أمسكه ..

مادة (1300) في ساقية شخص و جدوله سمك لا يمسك من غير صيد فللآخر ان يمسكه.

كلا- فقد عرفت ان كل مال في ملك الإنسان غير مملوك

ص: 260

لأحد فهو ملك له بالتبعية سواء اعمل السبب في وجوده أم لا فلا يحل لأحد ان يملك شيئا هو في بئري أو نهري أو أرضى أو جدولي و هكذا أمثال ذا.

(1301) شخص هيأ محلا في حافة الماء لأجل صيد السمك الى آخرها،،،

لا تخلو من اشكال فإن حفر الحفيرة كنصب الحظيرة بقصد صيد السمك موجب لملكية كل ما يدخل فيها لصاحب الحفيرة أو الحظيرة سواء كان الماء كثيرا أو قليلا محتاجا الى الصيد أو لا

(1302) إذا دخل صيد دار إنسان فأغلق بابه لأجل أخذه يصير مالكا لكن لا يكون مالكا بلا إحراز.

إغلاق الباب و الإحراز لا يكفي حتى يقبضه أو يدخله في قفص فلو أغلق الباب ثم فر الطير قبل إمساكه كان مباحا و للغير ان يصيده بخلاف ما لو أمسكه فقد ملكه و لو فر لم يجز لغيره صيده و لو صاده أرجعه إلى الأول.

مادة «1303» إذا وضع شخص شيئا ما كالشرك و الشبكة لأجل الصيد فوقع فيه صيد يكون لذلك الشخص

لكن إذا نشر شبكة لأجل جفافها و وقع فيها صيد فلا يكون له.

و ذلك للقصد في الأول و عدمه في الثاني و كذلك في المثال الثاني

مادة (1304) إذا اتخذ حيوان وحشي في بستان عشا الى آخرها.

تقدم الكلام في نظائرها فلا تغفل.

ص: 261

الباب الخامس في (بيان النفقات المشتركة

اشارة

و يشتمل على فصلين)

الفصل الأول في (بيان عمارات الأموال المشتركة و سائر مصارفها)

جميع مواد هذا الفصل ضرورية واضحة لا كلام فيها نعم مادة (1312) إذا طلب شخص عمارة الملك المشترك القابل للقسمة و كان شريكه ممتنعا و عمره بدون اذنه يكون متبرعا يعني لا يسوغ له الرجوع على شريكه بحصته و ان كان ذلك الشخص قد راجع الحاكم عند امتناع شريكه فبناء على مادة (25) لا يجبر على العمارة لكن يجبر على القسمة.

مادة «25» هي الضرر لا يزال بمثله- و لا ربط لها بالمقام فإن عمارة الشريك للدار المشتركة مثلا ليس من الضرر أصلا بل هو إصلاح

ص: 262

و نفع فقد دفع الضرر عن نفسه و عن شريكه و لكن لا يضرر شريكه بل ينفعه و بالجملة فإذا عمر بإذن الحاكم استحق الرجوع على شريكه بلا اشكال و لو عمر بدون اذنه و دون اذن الحاكم فلا رجوع و هذه قاعدة مطردة في هذا الباب و منه يظهر الوهن فيما ذكروه في مادة (1313)- و ان عمر من غير اذن الحاكم فلا ينظر الى مقدار ما صرف و لكن له ان يستوفى المقدار الذي أصاب حصة شريكه من قيمة البناء-،، فان المتصرف بدون اذن المالك و الشارع متبرع لاحق له الا في أحوال استثنائية و ضرورات فرضية فليتدبر، و القاعدة المطرودة في باب الشركة ما سبقت الإشارة إليه غير مرة من ان الشريكين ان اتفقا على إجارة أو عمارة أو سكنى أو غير ذلك فهو و الا فالمرجع الى حاكم ليحكم بالحق فيما بينهم و يحل عقدة الخصومة فإن تصرف أحدهما بدون اذن الشريك و اذن الحاكم فتصرفه باطل لا يستحق عوضا عليه و لا اجرا و لا اجرة و هذا مطرد في ملك كل مشترك من دار و عقار و حيوان و غيرهما فليتدبر

الفصل الثاني في (حق كري النهر و المجاري و إصلاحها)
مادة «1321» كرى النهر الذي هو غير مملوك إصلاحه على بيت المال

ص: 263

فان لم يكن وسعة في بيت المال يجبر الناس على كرية.

إنما يجبر الناس على كرية إذا كان نفعه يعود إليهم اما لو لم يكن لهم فيه منفعة فلا وجه لجبرهم.

مادة (1325) النهر العام مملوكا أو غير مملوكا ان كان في حافة ارض لأحد و ليس من غيرها طريق فللعامة المرور من تلك الأرض

لأجل الاحتياجات كشرب الماء و إصلاح النهر و ليس لصاحبها المنع.

هذا من باب تقديم الصالح العام على المصلحة الخاصة الذي يمكن ان يخصص قاعدة (الناس مسلطون على أموالهم) (و لا يحل مال امرئ الا بطيب نفسه) و المسألة معقدة تحتاج الى مزيد تأمل و استقصاء و باقي مواد هذا الفصل واضحة.

ص: 264

الباب السادس في (بيان تعريف شركة العقد و تقسيمها)

[الفصلان الأولان]

مادة (1329) شركة العقد عبارة عن عقد شركة بين اثنين فأكثر على كون رأس المال و الربح مشتركا بينهم.

قد ذكرنا ان هذه هي المقصودة بالأصالة من الشركة التي ذكرها الفقهاء في باب المعاملات و العقود و حيث انها موقوفة على امتزاج المالين بحيث لا يتميزان ذكروا من باب المقدمة أنواع الشركات الموجبة لامتزاج المالين أو صيرورة المال الواحد لاثنين أو أكثر حتى تتحقق الشركة فيه و من هنا تعرف ان قوام الشركة العقدية بالمالين الممتزجين و عليهما يدور محور الشركة و على نسبتهما يكون الربح و الخسران لكل واحد من الشريكين سواء تساويا في العمل أو اختلفا فإنما يتساويان في الربح حيث يتساويان به و يختلفان فيه على مقدار اختلافهما فيه و كذا الخسران، هذا مع إطلاق العقد اما مع الشرط فهو المتبع سواء كان الشرط في ضمن عقد الشركة أو في ضمن عقد آخر

ص: 265

جائز أو لازم و ان كان هنا في بعض الصور بحث و نظر، لا مجال لتفصيله و لكن حيث ان الشركة المقصود منها الاسترباح و الاكتساب عقد و العقد لا يتحقق إلا بالإيجاب و القبول نصت مادة (1330) ركن شركة العقد الإيجاب و القبول لفظا أو معنى.

يعني لا يعتبر فيها لفظ مخصوص و صيغة خاصة بل يكفي كل ما دل على ذلك و لكن الصيغة المذكورة في هذه المادة غير وافية بالمعنى المقصود بل اللازم ان يمزجا المالين ان كانا خارجين اما لو كان مشتركا بان ورثا مالا أو كان لهما على ذمة مديون فلا حاجة إليه فيقول أحدهما للآخر شاركتك على العمل بهذا المال و الاسترباح به فيقول الآخر قبلت و يلزمهما العمل معا فان كان بينهما شرط ذكراه في العقد و الا فالمقدار على نسبة المالين زيادة و نقيصة مناصفة أو مثالثه أو غير ذلك و تجري على النسبة التامة إلا مع الشرط فيتبع مادة «1331» شركة العقد تنقسم الى قسمين فإذا عقد الشريكان عقد الشركة بينهما على المساواة التامة إلخ.

عرفت ان عقد الشركة إذا وقع على نحو الإطلاق اقتضى المساواة حسب المالين فان تساويا في المقدار كان لكل منهما النصف تساويا في العمل أم لا و ان اختلف المقدار فلكل واحد من الربح و الخسران على حسب ماله تساوى العمل أم اختلف و لا حاجة الى شرط ذلك في العقد نعم لو اتفقا على التفاوت لم يلزم الا بالشرط في عقد لازم اما في عقد الشركة المتفق على جوازه فالأصح الصحة أيضا و حاله حال الشروط

ص: 266

في العقود الجائزة ثم ان هذا النحو من الشركة هو (العنان) عندنا- و لعل وجه التسمية أن عنان المالين بيد الشريكين على حد سواء و يظهر من هذه المادة ان غير الإمامية يسمونها شركة «المفاوضة» أما شركة العنان عندهم فهي التي لم يشترط فيها المساواة حينئذ فوجه التسمية غير واضح.

(و الخلاصة) انه لا تصح عند الإمامية إلا الشركة على المالين الممتزجين حسب ما عرفت و يسمونها شركة (العنان) و كل شركة على غير المالين فهي باطلة عندهم فلا تصح شركة (المفاوضة) و يعنون بها ان يتعاقد اثنان أو أكثر على ان يكون بينهما على السواء أو التفاضل كلما يربحان من غنيمة أو تجارة أو حيازة أو ميراث أو غير ذلك من موارد الانتفاع و الفائدة كما ان عليهما كلما يغرمان من خسارة في تجارة أو جناية أو غيرها، و كذا لا تصح شركة (الأبدان) بان يتعاقدا على الاشتراك فيما يحصل من أعمالهم اتفق العمل أو اختلف و لا شركة (الوجوه) بان يتعاقد وجهان لا مال لهما على ان يبتاعا في الذمة إلى أجل ثم يبيعان و يؤديان الأثمان و تدريجا و يقتسمان الفاضل نعم لو اشترياه مشتركا بذمتهما أو وكل أحدهما الآخر في الشراء صح و كان الربح لهما كما ان أحدهما لو صالح الآخر نصف منافعه إلى أجل معين بنصف منافع الآخر صح لان الصلح يحتمل من الجهالة ما لا يحتمله غيره من العقود، و من جميع ما ذكرنا هنا يتضح بعض الكلام في مادة (1332) الشركة سواء كانت مفاوضة أو عنانا أما شركة

ص: 267

أموال، إلى الآخر.

فان النوع الأول أي شركة الأموال هي الصحيحة عندنا لا غير و هي شركة العنان اما الأنواع الأخرى كشركة الاعمال و شركة الوجوه فهي باطلة كبطلان شركة المفاوضة الا بالنحو الذي عرفت.

ثم ان عقد الشركة عقد برأسه أثره صحة عمل كل من الشريكين في المال المشترك بالاذن و لا حاجة الى جعله متضمنا وكالة كل من الشريكين للآخر في التصرف و هو كعقد المضاربة الذي يضرب العامل بمال غيره و يكتسب على ان له حصة في الربح و تصرفه بالمال الذي هو لغيره من مقتضى عقد المضاربة لا من تضمنه الوكالة فتدبره نعم لما كانت الشركة عقدا من العقود فلا ريب في انه يعتبر فيه جميع ما يعتبر في العقود من الشرائط العامة كبلوغ الشريكين و رشدهما و عدم الحجر عليهما و القصد و الاختيار و غير ذلك مما مر عليك في تضاعيف العقود «و منها» المعلومية و عدم الجهالة و تعيين حصة كل واحد منهما من الربح و الخسران كما في مادة (1336)- و مادة (1337) كون حصص الربح التي تنقسم بين الشركاء كالنصف و الثلث جزء شائعا شرط. فإذا تقاول الشركاء على إعطاء أحدهم كذا غرسا مقطوعا تكون الشركة باطلة،،، يعني يشترط في صحة عقد الشركة ان يكون توزيع الربح بينهما بنحو الكسر الشائع من ثلث و ربع و نصف فلو جعلاه مبلغا معينا كمائة درهم أو عشرين دينارا بطلت الشركة و صارت أشبه بعقد الإجارة، و ذلك لما عرفت من ان

ص: 268

عقد الشركة يتقوم و يدور على المالين و توزيع الربح بينهما بنسبتهما فلو جعلا لأحدهما مقدارا معينا صار الربح مختصا بأحدهما و هو مناف لجوهر عقد الشركة.

الفصل الثالث في (بيان الشرائط المخصوصة في شركة الأموال)
مادة (1338) كون رأس المال من قبيل النقود شرط

يعني يشترط في شركة الأموال أي شركة العنان كون المال الممتزج منهما الذي تعاقدا على الاسترباح به من النقود المسكوكة من ذهب أو فضة أو غيرهما.

و لازم هذا انه لو جعلا رأس المال عروضا كحنطة و نحوها لم يصح عقد الشركة مع ان في مادة (1342) ما يظهر منه خلاف هذا كما سيأتي.

أما عندنا معشر الإمامية فيجوز عقد الشركة على كل مال نعم يشترط ان يكون عينا لا دينا و ان يكون معلوما لا مجهولا و قد تضمنت مادة «1341» الأول و لم تذكر الثاني، و في مادة «1342»

ص: 269

لا يصح عقد الشركة على الأموال التي ليست من النقود كالعروض و العقار- شبه التهافت فإنها بعد ان منعت من الشركة في العروض أولا إجازتها أخيرا في الحنطة إذا خلط أحدهما حنطة بحنطة الآخر فقالت: يجوز لهما ان يتخذا هذا المال المخلوط رأس مال و يعقدا عليه الشركة- و هذا الأخير هو الأصح.

مادة (1343) إذا كان لواحد برذون و لآخر؟؟ ممر؟؟؟

فاشتركا على ان يؤجراه الى الآخر،،، بطلان الشركة هنا لعدم امتزاج المالين اما لو باع أحدهما نصف حيوانه بنصف حيوان الآخر ضحت الشركة، و منه يعلم وجه عدم الصحة في المال المذكور بمادة (1344) إذا كان لواحد دابة و لآخر أمتعة و تشاركا على تحميل الأمتعة على الدابة و بيعها، الى الآخر.

نعم يصح هذا و الذي قبله و جميع ما هو على منوالهما لو أوقعاه بعقد الصلح.

الفصل الرابع في (بعض ضوابط تتعلق بشركة العقد)
مادة (1345) العمل يكون متقوما بالتقويم

يعني ان

ص: 270

العمل بتعيين قيمته يقوم و من الجائز ان يكون عمل شخص أكثر قيمة بالنسبة إلى عمل شخص آخر.

شرط الزيادة في الربح لمن له عمل زائد أو أنفع مما لا اشكال فيه بل لا يبعد جوازه حتى مع عدم الزيادة.

مادة (1346) ضمان العمل نوع من العمل إلخ.

هذا ليس من عقد الشركة أصلا و لا تصح الشركة بهذا النحو نعم يصح الصلح عليه و يلزم، و كذا مادة «1347» كما ان استحقاق الربح يكون تارة بالمال و تارة بالعمل كذلك بحكم مادة «85» يكون بالضمان إلخ.

فإن هذا لا يصح شركة و يصح صلحا.

مادة (1348) إذا لم يوجد أحد الأمور الثلاثة السالفة الذكر المال و العمل و الضمان فلا استحقاق للربح

فلو قال شخص لآخر اتجر أنت بمالك على ان الربح مشترك بيننا لا يوجب الشركة و ليس له أخذ حصته من الربح الحاصل فإنه أكل مال بالباطل.

«1349» استحقاق الربح انما هو بالنظر الى الشرط المذكور في عقد الشركة و ليس هو بالنظر الى العمل الواقع- إلخ.

هذه المادة قاصرة البيان مختلفة الأركان، و تحريرها ان الشريكين ان اشترطا العمل منهما متساويا أو متفاضلا لزم الشرط و لو أخل أحدهما بالعمل ينقص من حصته بنسبته تساوى المالان أو تفاضلا كما انه لو شرط العمل على واحد صح و يكون أشبه بالمضاربة فإن جعل له من الربح

ص: 271

مقدارا لزم سواء شرط له أكثر مما يستحقه من الربح بنسبة ماله أم لا، و ان لم يعينا له شيئا فقد يقال ان مقتضى الإطلاق المجانية و هو محل نظر فإن أصالة حرمة عمل المسلم تقتضي ان يكون له اجرة المثل أو من الربح بنسبة ماله الا ان يصرح بالمجانية، هذا إذا ذكرا العمل اما إذا أطلقا فالعمل لازم على كل واحد نسبة ماله و لو أخل نقص بالنسبة و مما ذكرنا ظهر الخلل فيما ورد بهذه المادة من ان الشريك لو لم يعمل يعد كأنه عمل و لو عمل أحدهما و لم يعمل الآخر يعذر أو بغير عذر يقسم الربح بينهما و ان كان العمل مشروطا عليهما،، فإنه حكم جزافي و أكل مال بالباطل و لا سيما مع اشتراط العمل عليهما فتدبره.

مادة (1350) الشريكان كل واحد منهما أمين الآخر.

هذا إذا سلم أحدهما المال للآخر أو تسالما على وضعه بيد أحدهما اما لو اتفقا على وضعه في يد ثالث فلا ائتمان و هو واضح.

مادة (1351) رأس المال في شركة الأموال ..

حاصلها ان رأس المال إذا كان من الشريكين متساويا أو متفاضلا فهي الشركة و ان كان من واحد و العمل من آخر و الربح بينهما فهي مضاربة و ان كان للعامل فقط فهو قرض و إذا كان لصاحب رأس المال فهو في يد العامل بضاعة فإن ظهر منه تصريحا أو تلويحا التبرع و المجانية فلا شي ء له و الا فله اجرة المثل و الربح و الخسران كله على صاحب رأس المال.

ثم ان عقد الشركة عقد جائز لكل منهما فسخه متى شاء كما انه ينفسخ بموت أحدهما أو جنونه كما هو شأن العقود الجائزة و لو تعدد

ص: 272

الشركاء فالفسخ يختص بالمجنون و تبقى على حالها في الآخرين كما في مادة «1352»- و مادة «1354» مبنية على ما تقدم من ان الدين لا يقسم فالمقبوض منه لجميع الشركاء و الباقي لهم اجمع فالحاصل لهم و التالف عليهم.

الفصل الخامس في (بيان شركة المفاوضة)
مادة (1356) المفاوضان أحدهما كفيل الآخر كما بين في الفصل الثاني إلى آخرها،

سبقت الإشارة منا الى ان نفس عقد الشركة بأي نوع من أنواعها لا تقتضي كفالة و لا وكالة إلا بتصريح مستقل و عقد آخر و ليس من مقومات الشركة و لا من لوازمها الطبيعية ان يكون أحدهما كفيلا أو وكيلا للآخر.

مادة (1357) المأكولات و الألبسة و سائر الحوائج الضرورية التي يأخذها أحد المفاوضين لنفسه و اهله و عياله خاصة له لا حق لشريكه فيها

لكن يجوز للبائع مطالبة شريكه بثمن هذه الأشياء بحسب الكفالة أيضا.

الكفالة على تقدير تحققها بين الشريكين فإنما ينصرف إطلاقها الى ما يتعلق بشؤون التكسب و الاسترباح لا بالشئون الخاصة نعم لو صرحا بذلك جاز للبائع مطالبة كل منهما.

ص: 273

مادة «1358» المفاوضان في شركة الأموال كما ان كونهما متساويين بمقدار رأس مالهما و حصتهما من الربح شرط كذلك عدم وجود فضلة عن رأس مال أحدهما، إلى آخرها،،،

سوء التعبير و تعقيد البيان بالغ أقصاه في هذه المادة و لا يكاد يتحصل منها معنى جديد، و غاية ما يمكن استخراجه من هذه الأقفال و الأغلال اعتبار تساوي المالين و ان لا يكون لأحدهما فضلة تصلح لتكون رأس مال في الشركة كالنقود أو ما في حكمها من المنقولات كالحنطة و نحوها و لو كان له فضلة لا تصلح للشركة كالعقار و الدين لم يضر بالمفاوضة و تحقق المساواة و هو كما ترى تافه و مستدرك.

مادة (1359) الشريكان في شركة الاعمال إذا عقدا- إلخ.

بلوغ شركة الأعمال الى هذا الحد البعيد بحيث يمضي إقرار أحدهما على الآخر مع إنكاره بعيد جدا، و بقية مواد هذا الفصل واضحة على مبانيهم اما عندنا فكلها ساقطة، و لا تضر الزيادة و النقصان برأس المال في شركة العنان، التي هي الشركة الصحيحة عندنا لا غير، و هي التي تكفل ببيان أحكامها و سائر شؤنها.

ص: 274

الفصل السادس (في حق شركة العنان
اشارة

و هو يشتمل على ثلاثة مباحث)

(المبحث الأول) (في بيان المسائل العائدة إلى شركة الأموال)
مادة «1365» لا يشترط في الشريكين بشركة العنان كون رأس مالهما متساويا،،،

هذه المادة تشتمل على الأمرين (الأول) عدم لزوم تساوى المالين في شركة العنان بخلاف شركة المفاوضة و هذا قد تكرر فيما سبق فلا فائدة في بيانه (الثاني) انه لا يلزم الشريك ان يدخل جميع نقوده و أمواله في الشركة بل يجوز ان يعقدها على مقدار منها، و هذا أيضا واضح لا حاجة لبيانه إذ من ذا الذي يحتمل ان الشركة لا تنعقد إلا بإدخال الشريك جميع أمواله و نقوده فيها.

مادة (1366) كما يجوز كون عقد الشركة على عموم التجارات كذلك يجوز عقدها على تجارة خاصة كتجارة الذخيرة مثلا.

الشركة كسائر العقود تدور مدار ما يلتزم به الطرفان من الشروط و القيود تعميما و تخصيصا فان قيدا لزم القيد و ان أطلقا جاز كلما شمله الإطلاق فلو اشترطا الاتجار بالطعام أو الحبوب لزم الاقتصار عليهما و الا جاز بهما و بغيرهما كما ان تقسيم الربح بينهما حسب ما تقدم يدور مدار الشرط زيادة و نقصان فان شرطا لأحدهما زيادة لزمت في الشركة

ص: 275

الصحيحة و ان لم يشترطا أو كانت الشركة فاسدة فالمدار في الربح و الخسران على نسبة المالين كما دلت عليه مادة «1367»- و مادة «1368»- و «1369»،- اما مادة «1370» إذا شرط شريكان تقسيم الربح بينهما على مقدار رأس المال إلخ.

فقد عرفت انه لا حاجة الى الشرط بل هو مقتضى طبيعة الشركة و إطلاقها و انما الذي يحتاج الى الشرط هو الزيادة و النقيصة عن حصة كل منهما من رأس ماله أو تساويهما في العمل أو عدمه و أشباه هذا من الكيفيات التي لا يقضيها إطلاق الشركة فتدبره جيدا، كما نصت عليه مادة (1371) إذا تساوى الشريكان في رأس المال و شرطا من الربح حصة زائدة لأحدهما مثلا كثلثي الربح و كان عمل الاثنين مشروطا فالشركة صحيحة و الشرط معتبر، انظر مادة (1345) اما إذا شرط عمل أحدهما وحده فينظر ان كان العمل مشروطا على الشريك الذي حصته من الربح زائدة فكذلك الشركة صحيحة و الشرط معتبر و يصير ذلك الشريك مستحقا ربح رأس ماله بماله و الزيادة بعمله، لكن حيث كان رأس مال شريكه بيده كانت الشركة شبه المضاربة و ان كان العمل مشروطا على الشريك الذي حصته من الربح قليلة فهو غير جائز فيقسم الربح بينهما على مقدار رأس المال لأنه إذا قسم الربح على الوجه الذي شرطاه فلا يكون شي ء مقابل من مال أو عمل أو ضمان للزيادة التي يأخذها الشريك الذي لم يعمل و استحقاق الربح انما هو لواحد من هذه الأمور الثلاثة، انظر مادة (1347) و (1348).

ص: 276

نقلنا هذه المادة بطولها لما يتراءى فيها من براعة التحقيق و استيعاب القسمة و قوة التنويع و التعليل و لكن لا يلبث هذا الرونق على محل النقد حتى يستبين زيغه أو يتضح زيغه، فان العمل إذا كان مشروطا على الشريك القليل الحصة من الربح لا يكون الآخر قد أخذ زيادة بلا شي ء مقابل من مال أو عمل بل أخذها بالشرط لرأس ماله كالشخص الذي يكون منه كل رأس المال و العمل كله على العامل المضارب و يشترط صاحب رأس المال زيادة في الربح على النصف الذي حقه عند الإطلاق فإنه يأخذ الزيادة بالشرط في قبال رأس ماله كما يأخذ الآخر الأقل في مقابل عمله و مادة (1348) لا ربط لها بما نحن فيه أصلا فإن موردها ما إذا لم يكن مال و لا عمل أصلا كما يتضح ذلك من مثالها و هو قوله اتجر بمالك على ان الربح مشترك بيننا فيستحق حصته في الربح من غير مال و لا عمل و يكون أكل مال بالباطل بخلاف ما نحن فيه فان الشريك الذي اشترط لنفسه الزيادة بغير عمل قد استحقها بإزاء رأس ماله الذي دفعه لشريكه غايته انه كان يستحق بالإطلاق على نسبة ماله من الربح و لكن بالشرط يستحق الزيادة و لكن بإزاء ماله لا بلا إزاء شي ء و عموم المؤمنون عند شروطهم شامل له، و ما ذكرته المجلة و ان كان له وراء و طلاء و لكنه عند التحقيق غثاء و من هنا يظهر ضعفه ما في مادة (1372) التي هي كتكرير للمادة المتقدمة و كانت هي مع طولها تغني عن هذه المادة فيجب عند التحرير حذفها.

اما- ما في مادة (1373)- و (1374) من جواز بيع مال الشركة نقدا و نسيئة قليلا أو كثيرا فهو مع الإطلاق و عدم مظنة الضرر

ص: 277

اما لو اشترطا البيع بالنقد أو بربح معين أو أطلقا و كان بيع النسيئة في معرض التواء لم يصح شي ء من ذلك و هكذا مادة (1375) فان الشريك لا يصح له ان يشتري للشركة إذا اشترطا ان يكون البيع و الشراء للآخر اما مع الإطلاق فله ذلك.

مادة (1376) إذا اشترى أحد الشريكين بدراهم نفسه شيئا ليس من جنس تجارتهما يكون له خاصة.

يعني لو اشترطا ان تكون تجارتهما بالأطعمة فقط فاشترى أحدهما ثيابا فلا إشكال في ان الثياب لا تدخل بالشركة بل تختص بالمشتري و لكن من الحكم الجزافي قول المجلة في هذه المادة- لكن مع كون رأس مال الشركة في يد أحدهما إذا اشترى مالا من جنس تجارتهم و لو بمال نفسه يصير للشركة.

فإن هذه مخالف لقاعدة تبعية العقود للقصود و لقواعد الشركة فإن الذي يدخل في الشركة ما يشترى بمال الشركة لا ما يشتريه أحدهما بمال نفسه و لنفسه فيشترك معه فيه غيره قهرا عليه و خلافا لقصده و قد اشتراه بماله الخاص، أ فليس هذا من الجزاف

مادة (1377) حقوق العقد انما تعود للعاقد إلخ

سلطة كل واحد من الشريكين على التصرفات في مال الشركة تصورها أرباب المجلة بين إفراط و تفريط فقد تقدم في آخر مادة (1356) و كما ان ما باعه أحدهما يجوز رده على الآخر بالعيب كذلك ما اشتراه أحدهما يجوز ان يرده الآخر بالعيب ثم ترقى الأمر و تفاقم الخطب حتى قالوا

ص: 278

بعدها في مادة «1357» المأكولات و الألبسة و سائر الحوائج الضرورية يجوز للبائع مطالبة شريكه بثمن هذه الأشياء بحسب الكفالة أيضا.

فبينا تراهم يجعلون الشريكين كشخص واحد حتى ما اشتراه لحوائجه الضرورية يمكن ان يطالب به الشريك الآخر، و إذا بهم يفرقون بينهم أشد التفرقة و يجعلون كل واحد مباينا للآخر كما في هذه المادة و التي بعدها (1378) الرد بالعيب أيضا من حقوق العقد فما اشتراه أحد الشريكين فليس للآخر رده بالعيب و ما باعه أحدهما لا يرد بالعيب على الآخر.

فانظر الى هذا التهافت، هناك يجوز الرد بالعيب على الآخر و هنا لا يجوز، و من المعلوم الضروري عدم الفرق في هذه الآثار بين شركة المفاوضة و شركة العنان و ليس الفرق بينهما إلا في قضية لزوم التساوي في رأس المال و الربح في شركة المفاوضة عند القوم و عدم لزوم في شركة العنان و لذا كان لكل واحد من الشريكين في النوعين الإيداع و الإبضاع و الإيجار و المضاربة و غيرها كما في مادة (1379) كل واحد من الشريكين له إيداع و إبضاع مال الشركة- لكن ليس له ان يخلط مال الشركة بماله و لا ان يعقد شركة مع آخر بدون اذن شريكه فان فعل وضاع مال الشركة ضمن حصة شريكه.

و (الضابطة) في هذا- ان كل ما فيه منفعة أو مظنة منفعة مع الا من عادة من الضرر فإطلاق العقد يقتضي جوازه لكل من الشريكين و كل مالا منفعة فيه موقوف على الاذن فضلا عما فيه مظنة الضرر

ص: 279

فلو اذن أحدهما للآخر اذنا عاما بجميع التصرفات لم يجز للمأذون أن يقرض من مال الشركة أو يهب أو ينتقل به من بلد الى بلد إلا بإذن صريح كما نصت عليه مادة (1382) و مادة (1383) من انه لو تصرف مثل تلك التصرفات التي لا يشملها العموم فضلا عن الإطلاق بل تحتاج إلى إذن صريح و حصل الضرر يكون ضامنا للخسار و هو واضح

مادة «1384» إقرار أحد الشريكين شركة عنان بدين في معاملاتها لا يسري الى الآخر،،،

هذه المادة أيضا محتاجة إلى التحرير و حسن التعبير و كأنها مبتنية عندهم على ما تقدم من ان شركة العنان لا تتضمن الكفالة و تحتاج الى تصريح بالوكالة و عليه فإقرار أحدهما لا يلزم الآخر بل يختص به و لكن لازم هذا انه لو أقر أنه دين لزم من معاملتهما معا يلزم بالجميع لا بالنصف إلا إذا صدقه شريكه، و على كل فتحرير البحث- انه لا يجوز لأحد الشريكين في شركة العنان التي لا يصح عندنا غيرها- التصرف في المال المشترك إلا بإذن صاحبه فان كان الاذن لواحد منهما فقط لم يجز التصرف للثاني و ان اذن كل منهما للآخر صح لكل منهما التصرف بمقدار الاذن مطلقا أو مقيدا انفرادا أو اجتماعا فلو اذن كل منهما للآخر بالتصرف مطلقا و منفردا فإقراره بالعين أو الدين يمضى على الآخر إذا أقر أنه دين على الشركة أو العين قد باعها و قبض ثمنها للشركة و الا لم يمض إقراره الا على نفسه نعم لو أطلق أحدهما الاذن للآخر و لم يقيده بنحو مخصوص لزمه ان يقتصر على ما هو المتعارف عند التجار في بلده و زمانه كما في المضاربة على ما سيأتي و لو

ص: 280

تجاوز فخسر ضمن.

المبحث الثاني (في بيان مسائل عائدة إلى شركة الأعمال)

هذا المبحث و الذي بعده لا وجه لدخولهما في هذا الفصل أصلا ضرورة ان الفصل معقود لشركة العنان و هي شركة الأموال- فما وجه دخول شركة الاعمال و الوجوه فيه- مادة (1385) شركة الاعمال عبارة عن عقد شركة على تقبل الاعمال فالاجيران المشتركان يعقدان الشركة على تعهد و التزام العمل، الى آخرها قد يعبر عن هذه الشركة عندنا بشركة الأبدان و لها صورتان «الاولى» ما ذكرته المجلة من تعهد الشريكين بعمل تكون أجرته لهما متساويين أو بالتفاضل «الثانية» ان يتعاقدا على ان يعمل كل واحد على حسابه مستقلا ثم يجمعان ما يرد لهما و يقتسمانه بالتساوي أو التفاضل حسب الاتفاق و كلاهما عندنا باطلان و لكل واحد أجرته لنفسه نعم يمكن تصحيحه بالصلح كما سبق و كل هذه الفروض و الأمثلة المذكورة في المجلة لا تصح عندنا بعقد الشركة و انما تصح بالصلح فقط- و كل مواد هذا الفصل صحيحة على مباني القوم و هي واضحة و عباراتها منسجة، نعم مادة (1398) إذا عمل شخص في صنعته

ص: 281

هو و ابنه الذي في عياله فكافة الكسب لذلك الشخص و ولده يعد معينا له كما إذا أعان شخصا ولده الذي في عياله حال غرسه شجرة فتلك الشجرة للشخص و لا يكون ولده مشاركا له.

قد عرفت غير مرة ان عمل المسلم محترم فان ظهر من الولد انه يعمل لأبيه مجانا أو كان هناك عرف عام أو خاص يقتضي بهذا الظهور فهو و الا فهو مشكل بل يجوز للولد مطالبة أبيه بأجرة عمله أو مشاركته بالشجرة الا ان يكون قد قصد في نفسه المجانية فلا حق له بالمطالبة و كونه في عياله لا يقتضي سقوط حرمة إعماله الا ان يشترط عليه أبوه ذلك.

المبحث الثالث (في بيان مسائل عائدة إلى شركة الوجوه)

مادة «1399» كون حصة الشريكين على التساوي في المال المشتري ليس بشرط إلخ.

عرفت ان شركة الوجوه الباطلة عندنا الصحيحة عند القوم هي عبارة عن العقدين الاثنين على ان يشتريا بالذمة و يبيعا و يقتسما الربح بعد ان يدفعا أصل الثمن الى الغرماء الدائنين و عليه فهي تدور مدار الاتفاق بينهما و الشرط من حيث التساوي و التفاضل في الربح و الخسار و من حيث من يتولى البيع و الشراء و المال الذي يشترى به و يباع و غير ذلك من شئون هذه المعاملة و لكنها تتقوم بضمان الشريكين ثمن ما يشتريان من الأموال و بهذه الحيثية يستحق كل واحد منهما حصة في الربح و لكن بنسبة ضمانه و حصته في الشراء فلو كان الشراء لهما على المناصفة فالربح

ص: 282

بينهما كذلك و لا يصح ان يكون الشراء على المناصفة و الربح مثالثة كما في مادة «1402» و كذا يتوزع الخسران عليهما بتلك النسبة فلا يسوغ ان يكون الشراء بينهما مثالثة و الخسار و الربح بينهما مناصفة كما في مادة «1403» هذا خلاصة مواد هذا الفصل و لكن الأحكام المذكورة كلها استحسانية و اعتبارية لا تستند على دليل راسخ و مقتضى القواعد العامة بعد عدم الدليل الخاص في المقام انه يصح كل ما يتفقان عليه و يتراضيان به بالشرط و ما المانع ان يجعلا الربح مناصفة و الربح أثلاثا أو يدخل أحدهما في الربح و لا يتحمل شيئا من الخسران فليتدبر.

ثم انه قد بقيت أبحاث مهمة في أحكام عقد الشركة لم توضحها مواد (المجلة) يلزم التنبيه عليها
اشارة

للإحاطة بهذا الموضوع من جميع أطرافه

«الأول» ان عقد الشركة جائز كما عرفت

فيجوز لكل منهما الرجوع فيه و المطالبة بالقسمة عروضا كان المال أو نقدا و ليس لأحدهما المطالبة بإقامة رأس المال بل يقتسمان الأعيان الموجودة إذا لم يتفقا على؟؟؟؟

و لو شرطا فيه عدم الفسخ إلى مدة معينة كان حكمه حكم الشروط في العقود الجائزة و لا يبعد لزومها كما لو شرط ذلك في عقد لازم و بعد الأمد لا يتصرف أحدهما بالمال المشترك إلا بإذن جديد من الآخر سواء قلنا باللزوم أو عدمه

(الثاني) ان هذا العقد كسائر العقود الجائزة يبطل بموت أحدهما أو موتهما

أو جنونه أو إغمائه أو فلسه أو سفهه فلا يجوز للآخر التصرف و لكن لا تزول الإشاعة إلا بالقسمة

«الثالث» الشريك المأذون بالتصرف أمين لا يضمن ما يتلف بيده إلا بالتعدي أو التفريط

ص: 283

و يقبل قوله بالتلف بسبب خفي أو ظاهر و في عدم الخيانة و التفريط و في قصد انه لنفسه أو للشركة بيمينه

«الرابع» إذا باع الشريكان المال المشترك بعقد واحد

على مشتر واحد أو متعدد و قبض أحدهما من ثمنه شيئا فإن كان القابض وكيلا عن شريكه في القبض أو مطلقا فهو لهما بلا اشكال و ان لم يكن وكيلا فالثمن اما ان يكون عينا شخصية أو كليا ففي الأول ان قبض الثاني حصته منها أو أجاز قبض شريكه برئت ذمة الدافع و الا فحصته من العين مضمونة لو تلفت و له الرجوع ببدلها مخيرا بين الرجوع على الدافع أو القابض على قاعدة توارد الأيادي، و ان كان الثمن كليا و لم يكن القابض وكيلا حسب الفرض فان دفع الثمن اجمع كان قبض الشريك لحصة شريكه فضوليا فإن أجاز أو قبض فلا اشكال و الا فله الرجوع بها على القابض و ان كانت موجودة و على الدافع اما لو تلفت تعين رجوعه على الدافع المديون، و ان دفع حصة القابض فقط فان كان متمردا ممتنعا أو جاحدا للآخر تخير الشريك الآخر بين المشاركة في المقبوض بناء على ان الدين المشترك لا يتعين بتعيين المديون و لا تصح القسمة فيه بل المقبوض لهما و التالف عليهما كما هو الأصح و بين الرجوع على الدافع، و ان لم يكن ممتنعا بل عازم على الوفاء فهل له المشاركة في المقبوض أو يختص بالقابض قولان المشهور على الأول و وجهه ما عرفت و خالفهم جماعة بناء على ان بتعيين الغريم يتعين حق كل منهما و الأول أقوى و تخييره غير بعيد- هذا كله عند حلول الحقين فلو كان أحدهما مؤجلا لم يشارك صاحب الحق المعجل إذا

ص: 284

قبض بلا اشكال، و هذا التفصيل و البيان الوافي المستوعب يجري في كل مال مشترك كالدين الموروث و إتلاف المال المشاع و غيرهما و يمكن التخلص بمصالحة كل واحد منهما عن حقه فيختص بما يقبض أو بالإبراء أو الاستيهاب معوضا أو غير ذلك.

ص: 285

الباب السابع في (حق المضاربة

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول)

الفصل الأول

مادة (1404) المضاربة نوع شركة على ان رأس المال من طرف و السعي و العمل من الطرف الآخر. يقال لصاحب المال رب المال و للعامل مضارب،،، هذا التعريف قاصر معنى و عبارة و الأقرب منه الى حقيقتها انها معاملة بين اثنين يكون المال من أحدهما و العمل من الآخر على ان يتجر به و له حصة في الربح و يتضح من هذا انها عقد إذا فلا بد فيها من إيجاب و قبول و لكن بما انها عقد جائز فلا يلزم فيها صيغة مخصوصة بل يكفي فيها كل ما دل عليها من العبارات كما نصت عليه مادة (1405) ركن المضاربة الإيجاب و القبول- الى آخرها.

و الموجب هو رب المال و القابل هو العامل فإن أطلق الموجب و قال خذ هذه الدراهم و اتجر بها بحسب رأيك و كيف شئت فهي المطلقة و ان قيده بنحو مخصوص زمانا أو مكانا أو جنسا و هكذا لزم عليه ان لا يتعدى ذلك فلو تعدى و تلف المال أو بعضه ضمن كما في مادة

ص: 286

(1406) و (1407) المضاربة المطلقة هي التي لا تتقيد بزمان و لا مكان الى آخرها، ثم ان المضاربة تتقوم بأربعة أركان «1» الصيغة أي الإيجاب و القبول و قد عرفت كفاية كل ما دل عليها و لا يلزم فيها عبارة مخصوصة «2» المال الذي تقع فيه المضاربة،، و يعتبر ان يكون رأس المال من أحد النقدين فلا يصح بالفلوس و العروض و المال الذي في الذمم نعم لو وكله على قبض دينه و قال له ضارب به و كان من أحد النقدين أو قال له خذ هذه الحنطة أو الثياب و بعها بأحد النقدين و ضارب به على النصف أو الثلث أو نحو ذلك صح كما في مادة (1409) و يظهر منها صحة المضاربة بالغروش و عندنا لا يصح، و ان يكون ملكا و قدره معلوما و لا حق فيه للغير كرهن و نحوه و ان يعين حصة العامل من الربح كسرا شائعا نصفا أو ربعا و ان أطلق فالمناصفة كما في مادة «1411» يشترط في المضاربة كشركة العقد الى آخرها «3» رب المال و يشترط فيه مضافا الى الشرائط العامة ان لا يكون محجورا عليه بفلس أو سفه و ان يكون قادرا على تسليم المال و ان يسلمه «4» المضارب اي العامل و يشترط فيه مضافا الى تلك الشروط ان يكون قادرا على العامل و لا يكون سفيها اما الفلس فلا يقدح فيه فلو اختل أحد الشروط بطلت المضاربة و لم يستحق العامل الحصة لو عمل و انما يستحق اجرة المثل كما في مادة (1412) و هذا تمام مواد الفصل الثاني.

ص: 287

الفصل الثاني (في بيان أحكام المضاربة)
(مادة: 1413) المضارب أمين- رأس المال في يده في حكم الوديعة

و من جهة تصرفه في رأس المال هو و كل رب المال و إذا ربح يكون شريكا فيه، عرفت فيما سبق ان الشركة و المضاربة عقود مستقلة أثرها صحة التصرف فهي و ان أفادت فائدة الوكالة و لكن لا دخل للوكالة فيها و لا هي متضمنة لها كما انها تختلف عن الوديعة بأن الوديعة قبض متمحض لمصلحة المالك و المضاربة كالإجارة القبض فيها لمصلحة الطرفين و بهذا يختلف حكمها عن الوديعة في بعض الجهات.

مادة (1414) المضارب في المضاربة المطلقة بمجرد العقد يكون مأذونا في العمل إلخ،،

المضاربة المطلقة الأمر فيها موكول الى المضارب و لكنها بطبيعة الحال عقلا و عرفا مقيد بان لا يعمل ما يوجب الضرر أو ما فيه مظنة الضرر و الخسران و ان لا يتجاوز المتعارف بين التجار و العرف فضلا عن اعتبار التحرز من الغبن الفاحش و غيره،، اما ما عدا ذلك من الشئون فهو مطلق العنان فيها من بيع و شراء بنقد أو نسيئة و الإيداع و الإبضاع و التوكيل و السفر و الحضر كلها جائزة له الا ان يكون شي ء منها خارجا عن متعارف التجار أو فيه مظنة الضرر مظنة عقلائية فلو خالف و حصل الضرر كان ضامنا و كذا قضية الرهن و الارتهان و الإيجار و الاستيجار

ص: 288

و غير ذلك حتى خلط مال بمال المضاربة ان لم يكن فيه مظنة ضرر و لم يكن خلاف المتعارف.

مادة (1418) المال الذي أخذه المضارب بالنسيئة زيادة على رأس المال بإذن رب المال يكون مشتركا شركة وجوه.

إذا استدانه المضارب صار شركة وجوه و الربح بينهما حسب الاتفاق و إذا استدانه على ذمة رب المال فهو مضاربة.

مادة (1423) إذا وقت رب المال المضاربة بوقت معين فيمضي ذلك الوقت تنفسخ المضاربة،،،

العقود الجائزة لا معنى لتوقيتها فلو جعل لها وقتا و أمدا معينا جاز لكل منهما فسخها متى شاء حتى لو اشترطها في ضمن عقدها و لو قلنا بلزوم الشروط في ضمن العقود الجائزة فإن معنى لزومها وجوب العمل بالشرط ما دام العقد اما إذا فسخ أحدهما فلا عقد و لا شرط خلافا لما يظهر من بعض أساتيدنا، نعم لو شرط بقاء العقد الجائز و عدم فسخه إلى أمد معين في ضمن عقد لازم كبيع أو إجارة أو غيرهما لزم الشرط و العقد فتدبره جيدا.

مادة (1424) إذا عزل رب المال المضارب يلزم اعلامه بعزله و تكون تصرفات المضارب المواقعة معتبرة حتى يقف على العزل- إلخ.

المضاربة في هذه الجهة كالوكالة فكما ان الوكيل لا تبطل تصرفاته الا بعد بلوغ العزل اليه فكذلك المضارب اما جواز تبديل الأموال بالنقود بعد العزل كما في هذه المادة فمشكل بل القاعدة تقتضي العدم

مادة (1426) استحقاق رب المال للربح بماله فيكون جميع الربح له في المضاربة الفاسدة- إلخ:

ص: 289

المضاربة إذا كانت صحيحة استحق العامل من الربح الحصة التي وقع العقد عليها و ان وقعت فاسدة و ربح العامل فالربح جميعه لرب المال ثم ان كان العامل يعلم بالفساد و أقدم على العمل لإحراز الاذن و الرضا من رب المال استحق أقل الأمرين من اجرة المثل و الحصة التي وقع عليها العقد الفاسد و كذا إذا عمل و هو جاهل بالفساد اما لو لم يحرز الاذن مع علمه بالفساد فهو متبرع و لا شي ء له ربح أم لا و كذا لو عمل و لم يربح و كان مأذونا لأنه إنما أقدم على ان يكون له حصة في الربح و الفرض انه لم يربح فلا شي ء له، مادة (1427) إذا تلف مقدار من مال المضاربة يحسب في أول الأمر من الربح و لا يسري الى رأس المال، و إذا تجاوز الربح و سرى الى رأس المال فلا يضمنه المضارب سواء كانت المضاربة صحيحة أو فاسدة،،، العامل يستحق حصته من الربح بمجرد ظهوره و لكن لا يصح له أخذها إلى انتهاء المعاملة لاحتمال ورود خسران بعد فيجبر من الربح فكل خسران يرد يجبر من الربح فان ورد خسران على رأس المال لعدم ربح يجبر منه فالخسارة على المالك و لا شي ء على العامل في صورة الإطلاق و صحة عقد المضاربة اما مع الفساد فان كان مأذونا فلا غرامة عليه أصلا و ان لم يكن مأذونا و عالما بالفساد فهو ضامن للخسارة كلها و لا يلحق رب المال شي ء منها، فما في هذه المادة من إطلاق عدم ضمان العامل في غير محله، نظير ما لو خالف الاذن كما تقدم في مادة (1421)

ص: 290

و مادة (1422)،،،

مادة (1428) على كل حال يكون الضرر و الخسار عائدا على رب المال، و إذا شرط كونه مشتركا بينه و بين المضارب فلا يعتبر ذلك الشرط.

اما كون الضرر و الخسار عائدا على رب المال على كل حال- فقد عرفت ما فيه و انه على إطلاقه غير صحيح، و اما اشتراط كونه بينهما أو على المضارب فقط فالمشهور عندنا كما في المجلة انه باطل و تبطل به المضاربة لأنه شرط مناف لمقتضى العقد، و ناقش فيه السيد الأستاذ قدس سره بأنه مناف لمقتضى إطلاق العقد لا لذاته فلا مانع منه و إطلاق أدلة الشروط يشمله و أنت خبير بأن طبيعة عقد المضاربة حسب العرف و السيرة الجارية بين العاملين و أرباب الأموال تقتضي عدم تحميل العامل شيئا من الخسارة إلا إذا فرط أو خالف الاذن و الشرط و الشارع امضى هذه المعاملة على ما هي عليه عند العرف الا ما قام عليه الدليل و لعل هذا مدرك ما يدعى من الإجماع عندنا على عدم صحة هذا الشرط وفقا لما في المجلة ثم ان عقد المضاربة من العقود الجائزة بلا خلاف من الفريقين و عامة أرباب المذاهب فلو مات أحدهما أو جن مطبقا تنفسخ المضاربة كما في مادة (1429) إذا مات رب المال أو جن جنونا مطبقا تنفسخ المضاربة،، لا يختص الانفساخ بموت رب المال بل تنفسخ أيضا بموت العامل و لا بالجنون المطبق بل بجنون أحدهما و لو أدواريا كما تنفسخ بفسخ أحدهما اختيارا أو بسفه أو فلس يوجب الحجر عليهما أو على أحدهما كما تنفسخ

ص: 291

بتلف رأس المال تلفا سماويا اما التلف الضماني فيقوم البدل مقام الأصل و تبقى المضاربة على حالها.

مادة (1430) إذا مات المضارب مجهلا فالضمان في تركته

يعني لو مات و لم يبين حال رأس المال أو الربح و كان الحال مجهولا فان ادعى الورثة الرد يقبل بيمينهم ان المال لبس عندهم و لا علم لهم به أو انهم يعلمون برده الا ان يقيم رب المال البينة ان المال في تركة المضارب و بالجملة الورثة يقومون مقام المضارب فكما انه أمين يقبل قوله في الرد و عدم الخيانة و عدم التفريط فكذلك ورثته نعم لو كان المال في تركته فليس للورثة التصرف فيه بل يكون امانة بيدهم يجب رده الى المالك بعد أخذ حصتهم منه،،، و اعلم انه قد بقيت في المضاربة أبحاث مهمة لم تذكرها المجلة و قد ذكر فقهاؤنا بعضها في مطولاتهم و مختصراتهم و لما كان ذكرها يوجب الإطالة و الحال الراهن العصيب يضطرنا الى الاختصار لذلك تركناها و ان عز علينا فوت تلك المحققات الثمينة.

ص: 292

الباب الثامن في (بيان المزارعة و المساقاة

اشارة

و ينقسم الى فصلين)

الفصل الأول (في بيان المزارعة)
اشارة

اعلم ان أفضل الأعمال التي يكتسب بها المال هو الزرع و قد ورد من الشارع المقدس في الحث عليه و الترغيب فيه ما يفوق كل أسباب الكسب و وسائل العيش ففي بعض اخبار أهل البيت سلام اللّٰه عليهم:

الزراعون هم كنوز اللّٰه في أرضه و ما في الأعمال شي ء أحب الى اللّٰه من الزراعة و ما بعث اللّٰه نبيا الا زارعا و سئل النبي «ص» اي الأعمال خير قال زرع زرعه صاحبه و أصلحه و ادى حقه يوم حصاده و في بعض الاخبار الكيمياء الأكبر الزراعة، ازرعوا فلا و اللّٰه ما عمل الناس عملا أحل و لا أطيب منه، و انما جعل الزارعين كنوز اللّٰه لأنهم يستخرجون كنوز الأرض للناس،، ثم ان المزارعة تشبه المضاربة من جهة حيث ان الأرض من شخص و العمل فيها من آخر فهي تقوم مقام المال، و تشبه الإجارة من جهة أخرى فإن العامل أجير على

ص: 293

العمل و الحصة من الزرع أجرته و صاحب الأرض مستأجر و ان كان العمل و البذر و العوامل من واحد و الأرض فقط من الآخر فالعامل هو مستأجر الأرض و صاحبها مؤجر و كذا الكلام في المساقاة.

مادة «1431» المزارعة نوع شركة على كون الأراضي من طرف و العمل من طرف آخر يعني ان الأراضي تزرع بينهما.

هذا التعريف كسائر تعاريفهم ضعيف فاتر، و أقرب ما يكون إلى حقيقة هذه المعاملة ان يقال انها عقد بين مالك الأرض و آخر على ان يزرعها و يكون له حصة شائعة في العائد منها، و حيث انها عقد فبالضرورة يكون كما في مادة «1432» ركن المزارعة الإيجاب و القبول- و الظاهر انه لا يلزم فيها عبارة خاصة و صيغة معينة بل يكفي في انعقاده كل عبارة تدل عليها و ان كانت عقدا لازما، و يكفي الاستدعاء من الزارع و القبول من صاحب الأرض كما نصت عليه هذه المادة.

مادة «1433» كون العاقدين عاقلين في المزارعة شرط و كونهما بالغين غير شرط فيجوز للصبي المأذون عقد المزارعة.

يعني إجراء الصيغة يشترط فيه العقل و التمييز فلو كان غير عاقل مجنونا أو غير مميز فصيغته لغو لان كلا منهما مسلوب العبارة اما لو كان مميزا غير بالغ فعبارته صحيحة و لكن لا تنفذ عقوده إلا بإذن الولي فإذا كان مأذونا صحت و نفذت.

«1434» يشترط تعيين ما يزرع.

ص: 294

المزارعة كالمضاربة مطلقة و مقيدة فإن أطلق المالك أو عمم كان للزارع ان يزرع ما شاء و لكن لا يخرج عن المتعارف فلو كان زرع القطن غير متعارف أو مظنة ضرر و المتعارف كما في العراق زرع الحنطة أو الشعير أو الرز لم يجز له العدول عنها فلو عدل ضمن، و ان قيد لزم ان لا يتجاوز موضع القيد فلو تجاوز و تضرر ضمن.

مادة «1435» يشترط حين العقد تعيين حصة الفلاح جزء شائعا من الحاصلات كالنصف و الثلث الى آخرها.

هذا أهم شروط المزارعة يعنى تعيين حصة الزارع من الحاصل كسرا مشاعا نصفا أو ثلثا، فلو لم يعيناها عند العقد أو عينا مقدارا من النقود أو العروض أو الطعام بوزن مخصوص منها أو من غيرها بطلت مزارعة و لا تصح اجارة بل له اجرة المثل أو أقل الأمرين منها و من الحصة المتعارفة في تلك الغلة، و الأول أصح

مادة «1436» يشترط كون الأراضي صالحة للزراعة و تسليمها الى الفلاح.

هذا الشرط ضروري و المزارعة بدونه باطلة، و بقي شرطان آخران (أحدهما) استحقاق المزارع للأرض يملك العين أو المنفعة أو حق اختصاص بتحجير أو ولاية أو وصاية أو وقف خاص أو استعارة اما إذا لم يكن له حق فيها أصلا كالموات و مال الغير و غير ذلك فلا يجوز مزارعتها (ثانيهما) تعيين الأرض و تشخيص حدودها بما يرفع الجهالة و الغرر فلو زارعه في قطعة من أراضيه و لم يعينها أو في

ص: 295

إحدى القطعتين و لو كانتا متساويتين لم تصح نعم لا يشترط التشخيص و لو قال زارعتك على جريب من هذه الأرض على نحو الكلي في المعين و كانت متساوية الاجزاء أو على نحو الكلي في الذمة و وصفها مما يرفع الجهالة و دفع المصداق- صحت.

ثم إذا استجمعت المزارعة شروطها لزمت و استحق الزارع الحصة المشاعة من العائد و إذا اختل شرط من الشروط فسدت و كان الزرع كله لصاحب البذر و للآخر أجرة أرضه بتقويم أهل الخبرة و للفلاح ان كان اجرة المثل كما ان للعوامل من بقر و آلات أجرتها، و الى بعض هذا أشارت مادة «1439» تكون كل الحاصلات في المزارعة الفاسدة لصاحب البذر الى آخرها،،، ثم انه قد مرت الإشارة الى ان عقد المزارعة بعد صحته يقع لازما و تحرير ذلك انه إذا وقع على مدة معينة من سنة أو سنتين أو شهرين أو ثلاث لزم و لكن بشرط ان يكون الأمد صالحا لبلوغ الزرع المعين في العقد أو مطلقا فلو عين وقتا لا يمكن حصول اي زرع فيه أو الزرع التي تصلح تلك الأرض له بطلت المزارعة طبعا و ان لم يعين فان كان هناك الذي شي ء متعارف و زمان معروف انصرف العقد اليه و تعين و ان لم يكن ذلك فالأصح البطلان للجهالة و ان أمكن الصحة بحمله على زمان يمكن به نضوج الزرع من قمح و نحوه أو خضراوات و نحوها و إذا وقع لازما لم يكن لأحدهما فسخه بغير سبب مشروع من شرط خيار أو عجز أو اتفاق منهما معا بالإقالة و نحو ذلك، اما إذا مات صاحب الأرض فالزارع يبقى على عمله إلى النهاية و يقسم الحاصل بينه و بين الورثة

ص: 296

و لو مات الزارع قام وارثه مقامه إلى نهاية الأمد و لو كان عاجزا حتى عن الاستيجار انفسخت و استحق الوارث عن المدة الماضية من الزرع بالنسبة و لم تذكر المجلة بقية شروط المتعاقدين من الاختيار و الرشد و الحرية أما (الفلس) فيقدح في الملك لا العامل إذا لم يكن منه مال أو بذر و الا لم يصح و تجوز مزارعة الكافر، كما أنها أهملت ذكر أبحاث مهمة فيها فوائد جمة، حالت بيننا و بين تحقيقها الأحوال بل الأهوال و نحن نشير الى بعضها إشارة إيماء (منها) ان خراج الأرض مع إطلاق العقد على المالك الا ان يشترطاه على العامل أو عليهما و ما يأخذه المأمورون ظلما زائدا على الخراج فان علم انه على الأرض فعلى المالك أو على الزرع فعلى العامل و ان لم يعلم يوزع.

(منها) كل ما فسدت المزارعة فالزرع لصاحب البذر و للعامل اجرة المثل فان كان البذر من المالك فالزرع له و عليه اجرة العامل و العوامل و ان كان للزارع فالزرع له و عليه أجرة الأرض، و ان كان لهما فالزرع لهما و لكل منهما على الآخر اجرة ما يخصه من الأرض و العمل، و ان كان لثالث فالزرع له و عليه أجرة الأرض لمالكها و اجرة العمل للزارع و لا فرق بين علمهما بالفساد أو جهلهما أو اختلافهما و لا بين زيادة الأجرة على الحصة المشتركة أو نقصانها و يحتمل أقل الأمرين منها و من الحصة كما انه لو كان الفساد من جهة اشتراط عدم حصة للعامل فلا شي ء له لإقدامه على المجانية.

(منها) إذا صح العقد ثم فسخ بخيار أو تقابل فان كان قبل

ص: 297

العمل فلا اشكال و لو كان بعده قبل ظهور الزرع فالحكم ما سبق في صورة الفساد، و ان كان بعده قبل الإدراك أو بعده فهل يكون الزرع لصاحب البذر و للأرض أو العمل الأجرة كصورة الفساد أو يكون بينهما على الشرط كما لو بقي العقد وجهان أصحهما الأول و للثاني وجه و هو الاستصحاب و على تقدير كونه كالفساد فان تراضيا على البقاء الى البلوغ بأجرة أو بدونها فهو و الا فللمالك القسمة و إلزام العامل بأخذ حصته و لا يلزم المالك بالإبقاء و لو بأجرة (منها) إذا عرض في الأثناء قبل ظهور الثمر أو قبل نضجه ما يفسد العقد لو حصل في الابتداء كانقطاع الماء أو استيلائه عليها أو نحو ذلك من الأعذار العامة كالثلوج المتراكمة و الموانع المزاحمة فهو كاشف عن فساد العقد من أصله و الصحة كانت ظاهرية و القول بالصحة و ثبوت الخيار لا وجه له.

و بقيت من هذا النظير أبحاث كثيرة و ما ذكرناه من قبيل الأنموذج لها

الفصل الثاني في (في بيان المساقاة)
مادة (1441) المساقاة نوع شركة على ان يكون أشجار من طرف و تربية من طرف آخر و يقسم ما يحصل من الثمر بينهما.

المساقاة كالمزارعة سوى ان المزارعة معاملة على زرع الأرض

ص: 298

و المساقاة معاملة على تربية الأشجار و سقيها اما الشروط فتلك الشروط و الاحكام تلك الاحكام عقدا و صحة و فسادا و فسخا و حصة و جوازا و لزوما فالإعادة قليلة الإفادة و كلما ذكرناه هناك يجري هنا

نعم بقي في المقام معاملة ذات شأن دائرة بين الملاكين، و عليها يدور عمارة الأرضين و جعلها حدائق و بساتين

و هي عقد (المغارسة)

و لم تتعرض لها المجلة، و هي شقيقة المزارعة كلاهما معاملة على العمل في الأرض و لكن تلك على زرعها و هذه على غرسها نخيلا و أشجارا و هي من الاعمال الاقتصادية الحيوية بل الضرورية و لكن الغريب ان المشهور عند فقهائنا بطلانها بل ربما يدعى الإجماع عليه للأصل بعد كونها على خلاف القاعدة و استشكل فيه بعض المتأخرين لأن الأصل مقطوع بالعمومات مثل أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و المؤمنون عند شروطهم و الإجماع غير محقق و الأقوى الصحة و هي عبارة عن عقد بين صاحب ارض و آخر على ان يغرسها إلى مدة معينة و يكون له حصة في تلك الغروس مشاعة ربعا أو ثلثا و نحوها سواء جعل له في الأرض حصة أم لا و المتعارف في بعض نواحي الفرات ان يكون ثلث لصاحب الأرض ملاكية و ثلث للفلاح إزاء إتعابه البدنية و ثلث للمصارف المالية فإن قام شخص ثالث بها فالثلث له و ان قام بها الفلاح أو صاحب الأرض فله الثلثان و لو وقعت هذه المعاملة و قلنا بالصحة لزم العمل على ما اتفقا عليه و ان قلنا بالبطلان فالغرس لصاحبه فان كان من صاحب الأرض فعليه اجرة عمل الغارس ان كان جاهلا

ص: 299

بالبطلان بل و ان كان عالما به على الأصح عندنا و ان كان الغرس للعامل فعليه أجرة الأرض للمالك مع جهله به بل مطلقا و له الإبقاء بالأجرة بل يتعين مع الجهل و له الأمر بقلع الغروس أو قلعه بنفسه مع العلم بالبطلان و ليس عليه أرش النقصان نعم لو قلعها في صورة الجهل كان عليه ذلك و قيل عليه التفاوت ما بين قيمته قائما و مقلوعا، و على الغارس طم الحفر و إصلاح الأرض ثم لو قلنا بعدم صحة هذه المعاملة أمكن تصحيحها يجعلها بنحو الإجارة أو المصالحة أو الشركة بأن تكون الأصول مشتركة بينهما اما بشرائهما معا أو تمليك أحدهما للآخر نصفا منها مشاعا فيصالح صاحب الأرض الغارس على ان يشتغل بغرسها و سقيها الى زمان معين بنصف منفعة أرضه أو بنصف عينها أو يستأجره على عمل الغرس و السقي المعين بنصف الأرض أو نصف منفعتها و لو صدرت مغارسة و شك في صحتها و فسادها بني على الصحة قد وافق ختامه بقلم مؤلفه الضعيف العاجز محمد الحسين آل كاشف الغطاء صباح الجمعة في أواخر شهر صفر سنة احدى و ستين بعد الالف و الثلاثمائة هجري

الجزء الثاني القسم الثاني

اشارة

ص: 2

بسم اللّٰه و له الحمد و المجد

الكتاب الحادي عشر في الوكالة

اشارة

و يشتمل على مقدمة و ثلاثة أبواب

ص: 3

ص: 4

المقدمة في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالوكالة

اشارة

مادة (1449)

الوكالة:

تفويض أحد امره لآخر و إقامته مقامه، هذا التعريف كما ترى من الضعف و القصور في الغاية و كأنهم نظروا إلى الوكالة بالمعنى العام لا بالمعنى الاصطلاحي عند الفقهاء، فقد عرفها الشهيد قدس سره في (اللمعة) بأنها استنابة في التصرف و زاد فيه السيد الأستاذ رضوان اللّٰه عليه، في أمر من الأمور حال حياته، لا خراج الوصاية التي هي استنابة في التصرف بعد الممات و كلا القيدين لا لزوم فيهما فإن الوصاية ليست استنابة بل نحو ولاية و لذا لا ينعزل إلا بالخيانة، و كيف كان فتعاريف الفريقين لهذه العقود ليست هي الحقيقة بل شبح منها، اما حقيقة الوكالة فهي

ص: 5

عقد يفيد تسليط الغير على التصرف فيما له التصرف فيه فان كان في حال الحياة فقط فهو الوكالة و ان كان بعد الموت فهو الوصاية و قد تكثر استعمال هذا اللفظ و مشتقاته في الكتاب الكريم على أنحاء شتى و أساليب مختلفة: لا إله الا هو خالق كل شي ء و هو على كل شي ء وكيل حسبنا اللّٰه و نعم الوكيل الى كثير من أمثالهما: عليه توكلنا، و كلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين، و الجميع يرجع الى أصل واحد و هو السلطة عامة أو خاصة فلله جل شانه السلطة العامة و في غيره السلطة الخاصة منه لعباده أو من بعضهم لبعض و اليه يرجع معنى المحامي و الناصر و عليك بتطبيق ذلك في سائر الموارد بلطف ذوق و قريحة و هي عند المشهور عقد و لكن الأستاد قوى انها ليست عقدا فقال ما نصه: و الأقوى عدم كونها من العقود فلا يعتبر فيها القبول و لذا ذكروا انه لو قال وكلتك في بيع داري فباعه صح بيعه و الظاهر ذلك و ان غفل عن قصد النيابة الى ان قال: و المراد من عدم كونها من العقود انه لا يشترط في تحققها القبول و الا فلو أوقعت بنحو الإيجاب يكون عقدا و يتحصل انها تتحقق بكل من الوجهين، و انتهى أقول ان هذا من المباحث التي استرسل فيها الأصحاب و تساهلوا و التحقيق العميق وراء ما ذكروا و ان حقيقة الوكالة ليست استنابة و لا اذنا في التصرف و ان تشابها أو تشاركا في الأثر و هو حلية التصرف أو نفوذه و لكن تظهر الثمرة في آثار أخرى فإن حاق جوهر الوكالة كما

ص: 6

عرفت هو إعطاء سلطة الغير و من المعلوم ان هذه السلطة لا تكون للغير قهرا عليه بل انما تكون له إذا قبلها باختياره غايته ان قبولها لا يشترط فيه ان يكون بلفظ خاص بل يكفي كلما دل عليه بل لا يلزم فيه اللفظ أصلا و يكفي العقل فلو قال وكلتك في بيع داري فباع صح لانه دل بفعله على قبوله و هنا تتساوى الآثار و تشترك المؤثرات و لكن يظهر الفرق بين الاستنابة و الاذن و بين الوكالة بالمعنى الذي ذكرناه في مقام الرد فلو قال وكلتك في بيع داري فرد و لم يقبل لم يصح بعد ذلك بيعه بخلاف ما لو قال أذنت لك في بيع داري أو استنبتك في بيعها فرد فان الرد لا اثر له و لو باع بعد ذلك من دون اذن جديد صح و ما ذلك الا من جهة ان سنخ الوكالة من سنخ العقود و ذوات الأسباب الوضعية، بخلاف الاستنابة و الاذن و التفويض فإنها من سنخ الجواز و الإباحة اللاحقة بالأحكام التكليفية و بينهما بون بعيد،،، فتدبره اما الرسالة فهي أجنبية عن الوكالة كلية لأنها من قبيل الآلة الصماء الحاكية لصوت الغير و كلامه من دون حق في التصرف أصلا فلا داعي لذكرها في مادة (1450) الرسالة هي تبليغ أحد كلام الآخر من دون أن يكون له دخل في التصرف الى الآخر.

ص: 7

الباب الأول في بيان ركن الوكالة و تقسيمها

ركن التوكيل الإيجاب و القبول

و هو ان يقول الموكل وكلتك بهذا الخصوص فإذا قال الوكيل قبلت أو ما يشعر به تنعقد الوكالة.

كذلك لو لم يقل و تشبث بإجراء ذلك الخصوص يصح تصرفه لانه يكون قد قبل الوكالة دلالة و لكن لو ردها الوكيل بعد الإيجاب لا يبقى له حكم بناء عليه لو قال الموكل وكلتك ورد الوكيل بقوله لا اقبل ثم باشر اجراء الموكل به لا يصح تصرفه- يعنى و يكون ضامنا، و هذه المادة قوية الأسلوب لفظا و معنى و لكن مادة (1452) الاذن و الإجازة توكيل قد عرفت منعها و ان المأذن لو رد الاذن و الإجازة ثم عمل صح إذا لم يتجدد منع من الآذن أو المجيز بخلاف الوكالة فتدبره جيدا فإنه من معادن التحقيق و كذا الكلام في الإجازة اللاحقة فإنها لا علاقة لها بالوكالة أصلا و اين

ص: 8

باب الفضولي من باب الوكالة! و اتحاد المسببات لا يقتضي وحدة الأسباب فلا وجه لمادة (1453) و اما- مادة (1454) فهي على طولها لا طائل تحتها و هي غنية عن البيان كوضوح مادة (1455) فان أساليب البيان مختلف حسب اختلاف القصود فقد يقصد المتكلم المالك جعلك وكيلا على بيع سلعته أو شراء سلعة له و قد يجعلك واسطة و سمسارا بينه و بين البائع أو المشتري و هما متغايران حكما و موضوعا،»

مادة (1456) يكون ركن التوكيل مرة مطلقا يعني لا يكون معلقا بشرط أو مضافا الى وقت أو مقيدا بقيد و مرة يكون معلقا بشرط الى آخرها

بناء على ان الوكالة عقد و قد مر عليك غير مرة ان التنجيز شرط في عامة العقود الا ما خرج بالدليل و ان التعليق يفسد العقد- يتحصل من هاتين المقدمتين ان التعليق يفسد الوكالة فلو علقها على شرط أو وصف كما لو قال أنت وكيل ان جاء زيد من السفر على بيع داري أو أنت وكيل عند مجي ء الحاج بطل نعم لو قيد العمل الموكل فيه بقيد أو شرط صح كما لو قال أنت وكيل على بيع داري و لكن عند مجي ء زيد فهو وكيل مطلق فعلا و لكن على البيع الخاص و (الضابط) انه ان جعل القيد أو الشرط للهيئة و الإنشاء بطلت و ان جعله للمادة و المنشأ صحت و يمكن ان يكون مراد المجلة في جميع ما ذكرته

ص: 9

من الأمثلة في هذه المادة هو القسم الثاني فيكون صحيحا و ان كان خلاف ظاهر قولها: تنعقد الوكالة متعلقة بمجي ء التاجر، فإن الوكالة لا تكون معلقة كما عرفت بل التعليق في متعلقها فتدبره

ص: 10

الباب الثاني في بيان شروط الوكالة

مادة (1457) يشترط ان يكون الموكل مقتدرا على إيفاء الموكل به- الى آخرها، لم تحرر (المجلة) هذا البحث أعني بحث شروط الوكالة كما هو حقه، و حق تحريره ان يقال: ان الوكالة تعتمد على أربعة أركان- الموكل- الوكيل- الموكل به- العقد، اما العقد فيعتبر فيه كلما يعتبر في سائر العقود من إيجاب و قبول و لو بالفعل و تنجيز و مطابقة القبول للإيجاب نعم لا يلزم هنا التوالي فيصح ان يوكل الغائب و يقبل بعد بلوغ الخبر اليه، و اما الوكيل فيعتبر فيه مضافا الى التمييز الاختيار فلا يصح توكيل المكره و لا المجنون و غير المميز لانه مسلوب العبارة- و ان يكون قادرا على اجراء ما وكل فيه فلو وكل على محاسبة عماله مثلا من لا يعرف الحساب من صغير أو كبير لم يصح نعم يشترط اذن وليه لو كان

ص: 11

صغيرا مميزا إلا إذا كان العمل خفيفا و ليس فيه مظنة ضرر كاجراء صيغة البيع و نحوه فقط- اما الموكل فيعتبر فيه مضافا الى العقل و التمييز و الاختيار كونه مالكا للصرف فيما وكل فيه فلو كان ممنوعا بمنع طبيعي أو شرعي ذاتي أو عرضي لم ينفذ توكيله فتوكيل الصبي المميز لا ينفذ إلا بإجازة الولي و توكيل الراهن على بيع العين المرهونة لا ينفذ إلا بإجازة المرتهن و توكيل السفيه أو المفلس لا ينفذ إلا بإجازة الولي أو الغرماء و توكيل المجنون أو غير المميز لا ينفذ أصلا و هكذا كل ممنوع من التصرف مطلقا أو مقيدا، نعم في ما هو معلوم المنفعة يصح للمميز ان يوكل فيه كقبول الهبة أو الصدقة حتى مع عدم اذن الولي كما نصت عليه (المجلة) في هذه المادة، أما الموكل به أي متعلق الوكالة فاعلم انه من أهم مباحث هذا العقد إذ من الضروري انه ليس كل عمل يصح ان يأتي به الإنسان يصح ان يوكل فيه و كثير من الواجبات بل و المباحث لا تتمشى فيها الوكالة شرعا و عرفا- إذا فلا بد من تحرير ضابطة لما تصح فيه الوكالة تميزه عما لا تصح فيه، و قد ذكروا ان ضابطة ما لا يصح فيه التوكيل هو كل عمل علم من الشارع اعتبار المباشرة فيه على وجه خاص كالواجبات النفسية العبادية مثل الصوم و الصلاة و الطهارة و الحج الا ما قام عليه الدليل بجواز الاستنابة فيه و كذلك جملة من المستحبات مثل النوافل اليومية و زيارة الاخوان و البدأة بالسلام اما رده فهو أيضا من الواجبات التي لا يصح فيها التوكيل فلو وكل شخصا على رد

ص: 12

سلام من سلم عليه لم يسقط عنه و فعل حراما بتركه و مثل ذلك كثير من الحقوق الواجبة أو المستحبة كحقوق الزوجية و حقوق العيادة و غيرهما و كل عمل علم من الشارع ان الغرض منه نفس وقوعه من دون اعتبار مباشر معين بل و لو وقع من غير مباشر أصلا كالواجبات التوصلية كطهارة الثوب أو البدن أو دفن الميت أو الحرف و الصنائع التي يتوقف نظام البشر و حفظ الهيئة الاجتماعية عليها كالنجارة و البناية و الحياكة و أمثالها فإنها واجبات كفائية و توصلية و يصح فيها التوكيل عموما كما يصح في عامة المعاملات من البيع و الشراء و الإجارة و الصلح و أضرابها و في كافة أنواع المكاسب كالاحتطاب و الاحتشاش و الحيازة و الاحياء و أشباهها (و الخلاصة) ان كل ما علم اعتبار المباشرة فيه فلا توكيل فيه و ما علم عدم اعتبارها تصح فيه الوكالة، انما الكلام و الاشكال فيما لو لم يعلم و شك في انه من أي النوعين فلا بد من تحرير الأصل الذي يرجع اليه عند الشك فقد يقال ان الشك في صحة الوكالة و عدمها في بعض الموارد يرجع الى الشك في اعتبار المباشرة و عدمها بناء على الضابطة المتقدمة و أصالة عدم اعتبارها يقتضي بأن الأصل صحة الوكالة في كل مورد يشك فيه و لكنك خبير بأن أصالة عدم اعتبار قيد المباشرة انما يجدي أو يجري حيث يكون هناك عموم أو إطلاق في المورد الخاص اما مع عدمه فلا مجال لذلك الأصل أصلا

ص: 13

مثلا لو قام الدليل على ان الأم لها حق الحضانة على ولدها الى سنتين أو أكثر و شككنا انه يقبل ان توكل غيرها في القيام بهذا الحق فإن كان هناك إطلاق و شككنا أجرينا أصالة عدم التقييد بالمباشرة و حكمنا بصحة الوكالة و الا فلا مورد لذلك الأصل كما هو ظاهر، اما التمسك للصحة بعموم وجوب الوفاء بالعقود بناء على شمولها للعقود الجائزة فلا يخلو أيضا من اشكال لعدم إحراز صدق العقد على مثل هذا و الدليل لا يحقق موضوعه، و إرجاع الأمر إلى بناء العقلاء في معاملاتهم و أعمالهم فما كانت المباشرة فيه لازمة عندهم لم تصح الوكالة فيه و الا صحت لا يجدي أيضا لحصول الشك في بناء العقلاء كثيرا، و عدم العلم بأنهم يعتبرون المباشرة فيه أم لا مع انه يشبه ان يكون بوجه دائر فمعرفة الصحة موقوفة على معرفة عدم اعتبار المباشرة و معرفتها موقوفة على معرفة الصحة،،، و التحقيق العميق ان الماليات و ما يتعلق بها نقلا و انتقالا و تحصيلا و كسبا كلها تصح فيها الوكالة لعموم أدلة السلطنة و الإباحة و الحلية و نحوها فتصح الوكالة في عموم المعاملات و الحيازات بل و في الإيقاعات و كذا في عموم عقود الأنكحة و توابعها كالطلاق و العتق و الإبراء و نحوها فيمكن ان يقال ان الأصل فيها جميعا الصحة إلا ما خرج بالدليل كما ان الأصل في العبادات مطلقا واجبها و مندوبها المنع الا ما ورد الدليل بصحته و يلحق بها الشهادة و العهود و النذور و الايمان فلا تجري الوكالة فيها أصلا لظهور أدلتها في اعتبار المباشرة

ص: 14

بل لا معنى معقول لتوكيل شخص في ان ينذر بالوكالة عنك أو يحلف كذلك أو يشهد عنك.

اما الحقوق فالنظر في صحة التوكيل على استيفائها و العمل بها فهو موقوف على مراجعة دليل كل واحد منها و النظر في إطلاقه و تقييده و عمومه و خصوصه و هل يظهر منه اعتبار المباشرة فيه أم لا و هذا من خصائص الفقيه المجتهد الذي له ملكة الاستنباط و الغور على دقائق الأحكام و اصابة حكمة التشريع و لا يلقاها الا ذو حظ عظيم،،، ثم نعود فنقول أيضا ان هذا البحث من أهم مباحث الوكالة و من العجب ان المجلة لم تتعرض له لا بقليل و لا كثير و قد أعطيناك زبدته و صفوته و للّٰه المنة و منه التوفيق، و اتضح بما ذكرنا بقية موارد هذا الباب:

ص: 15

الباب الثالث في بيان أحكام الوكالة

اشارة

و يشتمل على ستة فصول

[الفصل الأول]
مادة (1460) يلزم ان يضيف الوكيل العقد الى موكله في الهبة و الإعارة و الرهن و الإيداع و الإقراض و الشركة و المضاربة و الصلح عن إنكار و ان لم يضفه الى موكله فلا يصح.

هذه المادة و التي تليها مادة (1461) على طولها و تفاصيلها غير وافية و لا كافية و تقسيمها غير مستوعب و الحكم فيها بالتفصيل عليل عار من الدليل، و تحرير البحث الذي هو أيضا من المباحث المهمة في كتاب الوكالة- ان الغالب في مواقع الوكالة بين البشر هي الإيقاعات و توابعها و العقود و ملحقاتها بل هما القدر المتيقن من الأعمال التي يصح فيها التوكيل بعد البناء على عدم صحته في العبادات بقول مطلق- الا ما خرج،،، أما الإيقاعات كالطلاق و العتق و الفسخ و الإبراء و غيرها فلا

ص: 16

يشترط في شي ء منها ذكر الموكل في الصيغة فإذا وكله على عتق عبده.

و قال للعبد أنت حر أو وكله على طلاق زوجته و قال لها أنت طالق صح كما لو قال عبد فلان حر أو زوجة فلان طالق و لا يلزم ان يقول بحسب و كالتي عن فلان و هكذا سائر الإيقاعات، أما العقود فهي نوعان اما عقود الأنكحة فذكر الموكل و الموكلة ضروري فيها لأن الزوجين في النكاح بمنزلة العوضين في البيع أركانه التي لا يصح الا بذكرهما فلو قالت زوجتك نفسي و قال قبلت وقع الزواج له و له قصد القبول لموكله لم يقع له و لا لموكله لان العقد لم يطابق القصد فيبطل و اللازم ان تقول زوجت موكلك نفسي فيقول قلت لموكلي و هكذا نظائر ذا فيقول وكيل الزوجة لوكيل الزوج زوجت موكلي من موكلك فيقول قبلت لموكلي، و أما عقود المعاملات فهي أيضا نوعان اما عقود المجانيات كالهبة و العارية و الوديعة و أمثالها فلا حاجة فيها الى ذكر الوكالة و الموكل فلو قال وهبتك هذه الدابة أو دار زيد و كان وكيلا عنه في هبتها صح ذكر الوكالة لفظا أولا، و عقود المغابنات و هي عقود المعاوضات كالبيع و الإجارة و المزارعة و نحوها من العقود اللازمة أو الجائزة فهي اما ان تكون شخصية أو كلية يعني اما ان يكون المبيع أو الثمن كليا في الذمة أو شخصيا خارجيا فان كان شخصيا كما لو قال له وكلتك على بيع دابتي هذه فقال الوكيل للمشتري بعتك هذه الدابة صح و لو لم يذكر الموكل و الوكالة بل و حتى لو لم يقصد البيع عن الموكل بل و حتى لو قصد البيع لنفسه فان؟؟؟؟

ص: 17

القصد يقع لغوا لما عرفت في أبواب البيوع من ان العوض يدخل في ملك من خرج من ملكه المعوض سواء قصد ذلك أم لا، و اما إذا كان كليا كما لو وكله على ان يشتري له دارا بثمن كلي في ذمة الموكل فان قال البائع للوكيل بعتك الدار و كان عالما و قاصدا انها لموكله و قال الوكيل قبلت قاصدا ذلك أيضا صح و تعلق الثمن بذمة الموكل و ان كان غير عالم و قال الوكيل قبلت قاصدا لموكله و لم يذكره صريحا صح أيضا و لكن للبائع الخيار إذا لم يقبل تعلق الثمن بذمة الموكل فله الفسخ و له الإمضاء بعد العلم، اما لو قال قبلت و لم يقصد القبول لموكله و لم يكن الثمن شخصيا حسب الفرض صار البيع له لا لموكله و لزمه دفع الثمن من ماله.

اما ما ذكرته المجلة من قضية حقوق العقد فهي في جميع الصور التي يصح العقد فيها للموكل مع علم الطرف الآخر بائعا أو مشتريا فهي للموكل و للوكيل على مقدار سعة وكالته و ضيقها فان كانت مطلقة؟؟؟ فله قبض المبيع و اقباض الثمن و الفسخ بالعيب أو أخذ الأرش و يطالبه البائع بالثمن و يدفع له المثمن و هكذا و ان كانت ضيقة محدودة بإجراء الصيغة فقط مثلا أو أوسع بقليل فليس له شي ء من تلك الشئون.

(و بالجملة) فحقوق العقد أصالة للموكل و تبعا للوكيل بمقدار ما جعل له الموكل نعم لو أضاف الوكيل العقد الى نفسه و لم يكن الثمن أو المثمن شخصيا و ادعى انه قصد الشراء لموكله و البائع لا يعلم

ص: 18

كان له إلزام الوكيل بالثمن و إمضاء البيع عليه كما ان له ان يفسخ و له إمضاء البيع على الموكل حسب ما يرى من صالحه و ثقته بالموكل في دفع الثمن و عدمها، و عليك بالتدبر و إمعان النظر فيما ذكرنا حتى يظهر لك أنواع الخلل و الضعف بما ذكرته «المجلة» في هاتين المادتين فطابق تعرف و بهذا الطراز، يجب ان تحرر المشاكل و تحل الألغاز، ثم من المعلوم ان الوكيل في منطقة وكالته أمين لا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط كما في مادة (1463) المال الذي قبضه الوكيل الى آخرها و كان يجب تقييد عدم الضمان بما إذا كان وكيلا أيضا على القبض اما لو كان وكيلا على البيع فقط فقبض و تلف المال كان ضامنا و ان لم يكن منه تعد أو تفريطا مادة «1464» لو أرسل المديون دينه إلى الدائن و قبل الوصول اليه تلف في يد الرسول فان كان رسول المديون يتلف من ماله و ان كان رسول الدائن تلف منه و برء المديون هذا صحيح إذا لم يكن المرسل إليه أجاز إرساله أو وكله على القبض و الا فالتلف عليه، مادة (1465) إذا وكل أحد شخصين على أمر فليس لأحدهما وحده التصرف في الخصوص الذي وكلا به، و لكن ان كانا وكلا لرد وديعة أو إيفاء دين فلأحدهما ان يوفي الوكالة وحده، و اما إذا وكل أحد آخر لأمر ثم وكل غيره رأسا على ذلك الأمر فاتهما أو في الوكالة حاز هذا البحث كسوابقه

ص: 19

أيضا غير محرر و لا مستوفى و تحريره انه لا إشكال في جواز تعدد الوكلاء من الموكل الواحد في أمر واحد و يقع ذلك على صور «1» ان يجعل لكل واحد منهم الاستقلال فكل من سبق تصرفه نفذ و بطل المتأخر و إذا اقترنا بطلا مع التزاحم كما لو باع أحدهما الدار من زيد و باعها الآخر في ذلك الوقت من عمر و اما مع عدمه كما لو باعها كل واحد منهما من عمرو و وكيله بثمن واحد صحا معا كما لو باع هو و وكيله في وقت واحد و لو كانا وكيلين في دفع الدين فدفعاه استرجع من الدائن الزائد مطلقا كما لو دفع نفسه الزائد غلطا أو اشتباها اما لو كانا وكيلين على دفع الحق مع خمس أو زكاة و دفع كل منهما الى فقير نفذ المتقدم و يسترجع من المتأخر ان كانت العين الموجودة و الا فلا رجوع و مع التقارن يتخير فان التعيين له «2» ان يجعلهما وكيلين على الاجتماع فلا يصح تصرف أحدهما مستقلا و في إجراء الصيغة يوكل أحدهما الآخر أو يؤكلان ثالثا و يمكن ان يجريها كل واحد منهما فيتركب العقد من عقدين و لا مانع منه «3» ان يجعل الاستقلال لأحدهما و الاجتماع للثاني فيستقل الأول و ينفذ و لا ينفذ تصرف الثاني الا بموافقة الأول «4» ان يطلق الوكالة و يقتصر على قوله أنتما وكيلان على بيع داري فإن كان لهذه العبارة ظهور عند العرف في اجتماع أو استقلال فهو و الا فالإطلاق و أصالة عدم القيد يقتضي الاستقلال و عدم تقييدهما بالاجتماع و مع عدم إحراز الإطلاق أعني إهمال القضية و عدم

ص: 20

التفاته الى هذه الناحية أو الشك فاللازم الاجتماع لانه القدر المتيقن «5» ان يجعل وكيلا على بيع داره مثلا ثم يجعل وكيلا ثانيا على بيعها من دون تعرض لاجتماعه مع الأول أو استقلاله فان ظهر منه عزل الأول بالثاني فهو و الا كان لكل منهما التصرف مستقلا و ينفذ السابق كما سبق، و لو مات أحدهما في صورة الاستقلال حقيقة أو حكما انحصرت الوكالة بالثاني اما في صورة الاجتماع فتبطل وكالة الثاني أيضا و ليس للحاكم ان يضم بدله إذ لا ولاية له على الحق الموجود نعم لو كان غائبا و خيف على المال تعين النصب أو الاذن للآخر بالتصرف من باب دلالة الحاكم على الغائب و لو عزل أحدهما في صورة الاجتماع لم يصح للآخر أيضا ان يتصرف الا مع القرينة على ارادة استقلاله بالوكالة- هذا تمام صور المسألة و لا فرق فيما ذكرنا بين الوكالة على رد الوديعة و إيفاء الدين أو غيرهما و الفرق بينهما و بين غيرها تحاكم بلا دليل و تفصيل بلا وجه

مادة (1466) ليس لمن وكل في خصوص أمر ان يوكل غيره به الا ان يكون قد اذنه الموكل بذلك أو قال له اعمل برأيك

فعلى هذا الحال للوكيل ان يوكل غيره و يكون وكيلا للموكل لا للوكيل و لا ينعزل الثاني بعزل الوكيل الأول أو بوفاته هذه أيضا محتاجة إلى التحرير و ما ذكر انما يصح في بعض الفروض دون بعض و على بعض التقادير لا على كل تقدير، و توضيح ذلك ان إطلاق الوكالة لا يقتضي جواز أن يوكل الوكيل غيره في العمل

ص: 21

الذي وكل فيه الا ان يصرح له الموكل بذلك أو يجعل له الوكالة العامة فيقول له اعمل برأيك في كل ما تراه صالحا و ما أشبه ذلك و حين إذ يأذن له أو يفوض الأمر إليه فلا يخلو اما ان يظهر منه الاذن في جعل الوكيل عن الموكل أو عن الوكيل أو لا يظهر منه شي ء من هذه الناحية و على الأول يتم ما ذكر في المادة من انه لا ينعزل بعزل الوكيل الأول و لا بموته بل لا يصح للأول عزله و لا محاسبته إلا بإذن جديد من الموكل الأول و على الثاني بكون أمر الثاني للوكيل الأول بعزله كما ينعزل بموته و ليس للموكل الأول ان يعزله لانه ليس منصوبا منه نعم لو عزل الأول سقط الثاني لأنه فزع منه و تبع له، و على الثالث حيث لا ظهور في كلامه على أحد الأمرين أو لم يكن ملتفتا الى هذه الجهة كما لعله الغالب فالمرجع إلى الأصول فلا ينعزل الا بعزلهما معادلا ينعزل بموت الوكيل استصحابا لبقاء وكالته في الحالين و هكذا

(1467) إذا اشترطت الأجرة في الوكالة و أوفاها الوكيل يستحقها و ان لم تشترط و لم يكن الوكيل ممن يخدم بالأجرة يكون متبرعا ليس له اجرة

إطلاق الوكالة يقتضي عدم الأجرة و لو شرطها لزمت و انقلب عقد الوكالة إلى عقد إجارة فيعتبر فيها جميع ما يعتبر في الإجارة و تعيين العمل و المدة و مقدار الأجرة فلو حصلت الجهالة في شي ء من ذلك بطلت و كان له اجرة المثل لو قام بالعمل و مع اجتماع شروط الإجارة

ص: 22

تنقلب من الجواز الى اللزوم كما هو حكم الإجارة، اما مع الإطلاق و عدم الشرط فلا حق له بالأجرة سواء كان ممن يخدم بالأجرة أم لا، فالتقييد في المجلة لا وجه له

الفصل الثاني في الوكالة بالشراء
مادة (1468) يلزم ان يكون الموكل به معلوما

بمرتبة يكون إيفاء الوكالة قابلا على حكم الفقرة الأخيرة من مادة (1459) يعني اعتبار المعلومية في ما وكل به من بيع أو شراء أو نحوه و خلاصة تحرير هذا البحث كما هو حقه ان المعلومية المعتبرة ليست كالمعلومية في باب البيع و الإجارة و نحوهما بل يكفي المعلومية في الجملة فلو قال وكلتك في شراء فرس لي كفى و صح ان يشتري له اي فرس بنظره و لكن لا يصح في البيع ان يقول بعتك فرسا ما لم يعينها وصفا أو خارجا نعم لو عين الموكل فرسا معينة بوصف أو بإشارة لزم الوكيل ان لا يتعدى الى غيرها فلو تعدى كان فضوليا و مع عدم الإجازة يضمن الثمن فالضابطة الكلية في هذا الباب ان الموكل إذا ذكر الموكل به من بيع أو شراء أو زواج أو طلاق وجب تعيينه

ص: 23

بنحو يمكن القيام به للوكيل ثم ان قيد بعد ذلك بقيود وجب اتباعها و الا كان الخيار للوكيل مثلا لو قال أنت وكيل على ان تزوجني من امرأة كان له تزويجه من أي امرأة يختارها و لا تبطل الوكالة بعدم تعيين المرأة اما لو قال له أنت وكيل تزوجني من امرأة بغدادية تعين ذلك و لا يصح تزويجه بغيرها و هكذا لو وكله على شراء حنطة أو حنطة المزرعة الفلانية و على هذا القياس في جميع الموارد.

و من هنا ظهر انه لا مانع من صحة الوكالة لو قال اشتر لي دابة أو ثيابا أو قال حريرا و لم يعين نوعه أو ثمنه فتصبح خلافا للمجلة نعم لو قيده الموكل بنوع مخصوص أو ثمن محدود تعين اما مع الإطلاق فالاختيار للوكيل الا ان يكون عرف خاص أو عام فيحمل الإطلاق عليه و يكون بمنزلة القيد إما الأثمان فمع تعيين الموكل لها تتعين و مع عدمه تتصرف الى ثمن المثل فما دونه فلو اشترى بأكثر من ثمن المثل أو باع بأقل منه كان فضوليا و لعل بهذا البيان اتضحت جميع مواد هذا الفصل و امتاز الصحيح منها من القيم على ان بعضها واضح غير محتاج الى البيان و بعضها تكرار مستدرك و الكثير غير مستقيم، و لو عين له ثمنا لزمه ان لا يأخذ بالأزيد قطعا اما الأخذ بالأنقص فهو جائز حسب المتعارف الا ان يعلم بان له غرضا خاصا بذلك المقدار فلا يجوز التخطي عنه مطلقا و مثله الكلام في النقد و النسيئة فما ذكر في مادة (1479) على إطلاقه غير صحيح إذ قد يكون للموكل غرض معقول في الشراء

ص: 24

نقدا و لا يرضى بالنسيئة فتجاوز الوكيل عن النقد إلى النسيئة يجعله فضوليا أو باطلا فليتدبر

مادة «1485» ليس للوكيل ان يشترى الشي ء الذي وكل بشرائه لنفسه الى آخرها

أ ليس هذا من الجزاف! و ما وجه منع الوكيل من شراء الشي ء لنفسه مع ان البائع حر في بيع ماله لمن شاء و المشتري وكيلا أو غيره كذلك و الوكالة عقد جائز و الشراء لنفسه في الحقيقة رفض للوكالة و عزل لنفسه عنها و لا يلزمه اعلام الموكل بخلاف العكس نعم في بعض المقامات قد يكون ذلك خلاف المروة و شبه الخيانة و لكن لا على وجه يجعله حراما و ممنوعا بل له ان يشتري لنفسه و لموكله كما نصت عليه مادة (1486) لو قال أحد اشتر لي فرس فلان الى آخرها و يشبه ان يكون بين هذه المادة و التي قبلها تهافت، كما ان عدم تصديقه لو قال بعد تلف الفرس أو حدوث العيب اشتريتها لموكلي محل نظر بل يصدق يمينه لان الوكيل أمين و هو أدرى بقصده و لا يعلم الا من قبله مادة (1488) لو باع الوكيل بالشراء ماله لموكله لا يصح هذا أيضا لا وجه له الا ان يصرح الموكل بذلك أو تقوم قرينة أو عرف عليه مادة (1492) إذا تلف المال المشتري في يد الوكيل بالشراء أو ضاع قضاء بتلف من مال الموكل و لكن لو حبسه الوكيل لأجل استيفاء الثمن و تلف في ذلك الحال أوضاع يلزم على الوكيل أداء ثمنه

ص: 25

و لكن يرجع به على الموكل لان حبسه كان بوجه مشروع نعم لو كان الثمن مؤجلا و حبسه ثم تلف في يده كانت الغرامة عليه لانه حبس غير مشروع يزول به الامانة و تكون يده يد ضمان لا ائتمان

مادة (1493) ليس للوكيل بالشراء ان يقبل البيع بدون اذن الموكل

إلا إذا كان مطلقا بالبيع و الشراء حسب ما يراه

الفصل الثالث في الوكالة بالبيع

خلاصة مواد هذا الفصل بأجمعها ان الوكيل المطلق على البيع من دون تعيين ثمن أو وقت أو غيرهما يبيع كيف شاء قليلا أو كثيرا و إذا عين الموكل له ثمنا أو وقتا بان قال له مثلا بع فرسي على فلان بالمبلغ المعين وجب عليه ذلك فلو باع بأقل أو على غير من عينه الموكل كان فضوليا و لو سلم المبيع في هذا الحال كان ضامنا، و لو اشتراه لنفسه مع الإطلاق و بثمن المثل أو أكثر صح عندنا خلافا لمادة «146» إذا اشترى الوكيل بالبيع مال موكله لنفسه لا يصح.

نعم يصح هذا لو منعه صريحا أو قامت قرينة اما بدونهما فلا

ص: 26

و كذا الكلام في النقد و النسيئة و المدة ان قيد الموكل بشي ء منها لا يجوز للوكيل تعديه و الا فإن كان عرف عام أو خاص فهو المبتع و الا أخذ بالقدر المتيقن و هو النقد و أقل مدة في النسيئة و هكذا.

الفصل الرابع في (بيان المسائل المتعلقة بالمأمور)

مادة (1506) إذا أمر أحد غيره بأداء دينه و أداء من ماله يرجع ذلك الى الآمر شرط الآمر رجوعه أم لا- يعني قال على ان أودية لك أو خذه مني أو لم يقل غير أد ديني فقط،،، هذه المعاملة غريبة الشكل في المعاملات إذ ليست هي وكالة لا محضة إذ الوكالة انما هي في مال الموكل لا مال الوكيل و لا هي قرض إذا القرض يحتاج الى قبض و لا هي حوالة إذ المفروض ان المأمور بري ء، و أغرب منها ما لو تبرع وادي الدين بدون أمر حيث يسقط الدين و لا رجوع على المديون فكيف يسقط دين شخص بمال غيره و هذه مواضعات جارية عند العرف متفق عليها ظاهرا و تطبيقها على القواعد و الأصول العامة مشكل، و قد صبها السيد الأستاد قدس سره بقالب آخر فقال: يجوز ان يوكل غيره في أداء دينه من ماله تبرعا أو مع الرجوع عليه بعوض ما أداء و لكنك عرفت ان هذا لا يتفق مع أصول الوكالة فإن التوكيل

ص: 27

انما يصح للإنسان على ماله لا على مال الغير ثم زاد (قده) في الغرابة و الاشتمار عن القواعد فقال: و لا يصير المدفوع ملكا للموكل قبل دفعه بل ينتقل إلى الدائن و هو ملك للوكيل (انتهى) و كيف يعقل ان يكون مال شخص عوض ما في ذمة شخص آخر و قد مر عليك غير ان العوض لا بد و ان يخرج ممن دخل المعوض في ملكه، اللهم الا ان ترفع اليد عن هذه القاعدة كما في (خذ مالي هذا و اشتر به طعاما لك) و قد فرع السيد (ره) على ما ذكره ما لو كان مديونا لذمي فوكل ذميا أخر على وفاته فدفع له خمرا أو خنزيرا فعلى الانتقال الى ملك الدائن لا يصح و عليه يصح قال! و يجوز ان يوكل غيره في أداء ما عليه من الخمس أو الزكاة تبرعا أو بعوض إذ لا يلزم ان يكون أداء الخمس أو زكاة من مال من عليه بناء على المختار من جواز الشراء لنفسه بمال غيره مع اذنه و عدم منافاته لحقيقة البيع و الشراء و دعوى لزوم دخول المعوض في ملك من خرج عن ملكه العوض ممنوعة إذ ليست حقيقة البيع إلا مبادلة المالين، انتهى و لا يذهبن عنك ان المبادلة التي اعترف انها هي حقيقة البيع لو تأملتها تجدها إلا القاعدة المزبورة التي منعها مع ان ظاهرهم الاتفاق عليها لأنها نفس حقيقة البيع إذ أي معنى للمبادلة بين المالين الا كون هذا في موضع ذاك اي يدخل أحدهما إلى المحل الذي خرج منه الآخر فيملأ ذلك الفراغ و يشغل ذلك الشاغر، و الا فما معنى المبادلة لو لا ذلك! و بما ذا

ص: 28

التحقق! و هذا هو معنى العوضية أيضا فتأمله تجده جليا واضحا و مصاص التحقيق في هذا المجال ان التوكيل في التبرع لا معنى له أصلا إذ المتبرع يعمل باختياره و حريته سواء اذن له المتبرع عنه أم لم يأذن و كله أم لم يوكله بل لو منعه لم يؤثر المنع في صحته و ترتب أثره و لكن لا بد لتصحيحه من انه بقصده وفاء دينه ينتقل المال الى المتبرع عنه اناما و لكن بقيد انه لوفاء الدين ثم يدفعه للوفاء كما لو اشترى له بماله اي بمال المشتري طعاما، و اما التوكيل مع شرط الرجوع فلا بد لتصحيحه من درجة اما في الضمان بناء على توسيع دائرته أو في الافتراض و التوكيل على قبضه عنه و دفعه لوفاء دينه و لو قال للمديون خذ دينك من فلان و انا أدفع له فهي حوالة على البرين، و على كل فلا محيص من تخريج وجه لهذه المعاملات كي تندرج في الأصول العامة و القواعد المسلمة التي لا يصح هدمها و الشذوذ عنها فاغتنم هذا و باللّه التوفيق.

و لعل من أجل تضمنه للوكالة أدرجته المجلة في مباحثها، ثم ان أكثر مواد هذا الفصل واضحة، و قد يحتاج بعضها الى يسير من التوضيح مثل مادة (1508) فإن المراد انه إذا أمره بالصرف على عياله أو بناء داره ينصرف المتعارف من المصرف حسب شأنهم و عادتهم فلو كان من شأنهم الألف في الشهر فصرف ألفين لا يرجع إلا بألف و هكذا الدار حسب شأن الآمر ان لم يعين و ان لم يشترط لما عرفت مكررا من ان مال المسلم محرم لا يسقط الا بالتصريح

ص: 29

بالتبرع و تأويل الرجوع هنا اما الى إرادة اصرف و انا أضمن لك البدل و اما أقرضني و اصرفه على عيالي، مادة (1509) لو أمر أحد آخر بقوله أعط فلانا،،، محصل هذه ان أمر الآمر من حيث الرجوع و عدمه بدور مدار القرائن و الأمارات من حال و مقال فمثل أعط هذا الفقير و لم يقل و انا أدفع لك ظاهر في ان يدفع له من ماله اي مال الدافع بخلاف ادفع الى عيالي فإنه ظاهر في الضمان و ان لم يشترط و هكذا، مادة (1510) لا يجري أمر أحد إلا في حق مكة،،، مبنية على قضيته السبب و المباشر، و المباشر هنا أقوى من السبب فيكون الضمان عليه اي على ملقي المال في البحر لا على الآمر مادة (1511) لو أمر أحد آخر،،، كل و عد لا يجب الوفاء به بل يستحب استحبابا كالوجوب خصوصا عند أهل الشرف و الغيرة فلو طلبت من شخص وفاء دينك و وعدك بذلك لا يلزم به له و ما عقديا و لكنه يجب أشد الوجوب وجوبا اخلاقيا (و وعد الحر دين) كما يقولون، نعم لا يجبر عليه إذا لم تجبره شهامته و كرم طبعه- كما يجبر لو كان له عليه دين و قال له ادفع ديني الى غربي فلان كما في مادة (1512) و بقية المواد واضحة المراد و المدرك

ص: 30

الفصل الخامس في (حق الوكالة بالخصومة)

قد استبان لك من مجموع فروع الوكالة أنها تدور مدار ما يعطي الموكل للوكيل من السلطة صراحة أو دلالة بحال أو مقال أو عرف أو عادة و التوكيل في الخصومة من أخصب حقولها، و مهابط سيولها، و لا سيما في هذه الأعصار التي كثرت فيها الخصومات فاستوجب كثرة الوكلاء و المحامين العارفين بالقوانين مضافا الى انه لا يليق بأهل الشرف و الكرامات الوقوف في المحاكم و المزاولة كالخصومة المزربة بذوي الشئون، و لكن الوكيل فيها كالوكيل في غيرها لا يتعدى حدود ما وكل فيه صراحة أو دلالة فإذا وكل على الدفاع فقط لم يجز له الاعتراف و لا الصلح و لا التنازل نعم لو أعطاه وكالة عامة حسب ما يراه جاز له ذلك سوى الإقرار فلا يجوز له الا بالنص عليه بالخصوص ان قلنا بأنه مما تصح فيه الوكالة على تأمل أما العموم فهو منصرف عنه اي عن الإقرار و لا فرق في قبول إقرار الوكيل عن الموكل و عدم قبوله بين وقوعه بحضور الحاكم أو غير حضوره و إذا قلنا بصحته و لو في بعض خصوصيات الدعوى أو كان مقدمة

ص: 31

لكسب الدعوى و صيرورة الحق له فلا ينعزل و إذا قلنا بعدم صحته يقع لغوا و لا ينعزل الا بعزل من الموكل أو ظهور الخيانة الموجبة للانعزال قهرا فليتدبر.

الفصل السادس في (بيان المسائل المتعلقة بعزل الوكيل)

حيث ان الوكالة كما عرفت قد جائز فللموكل ان يعزل الوكيل كما للوكيل ان يعزل نفسه مطلقا سواء تعلق بالوكالة حق الغير أم لا غايته ان الموكل فيما لو عزل الوكيل على بيع الرهن عند حلول الأجل يجب عليه بيع الرهن بنفسه أو لوكيل أخر أو يدفع الدين و لا يبيع الرهن و صرف تعلق الحق على الموكل لا يوجب عليه إبقاء الوكيل مع إمكان خروجه من الحق بوسائل أخرى كثيرة كما ان تعلق الحق على الموكل لا يسلب حريته في عزل نفسه الا ان يكون مستأجرا أو شرط ذلك عليه في عقد لازم و هو خروج عن محل البحث لان الكلام في الوكالة المجردة من حيث هي و من هنا ظهر ضعف أو فساد ما في مادة (1521) و مادة (1522) و فيها: و لكن لو تعلق به حق الغير يكون مجبورا بإيفاء الوكالة

ص: 32

إذ لا وجه لجبره مع ان الوكالة عقد جائز و لا ملزم في البين و كذلك لو وكل على الخصومة بطلب المدعى و غاب الموكل فان له عزله في غيابه و توكيل غيره و لا يتعين عليه إبقاء ذلك الوكيل و كل هذا واضح و لا اعرف وجها معقولا لما ذكرته (المجلة) نعم لا إشكال في ان اثر الوكالة و نفوذها يبقى الى ان يبلغه خبر العزل فلو باع قبل بلوغ خبر العزل اليه كان بيعه نافذا على الموكل و ليس له رده، كما في مادة «1523» و هذا لدليله الخاص و الا فالقاعدة لا تقتضي ذلك ففي الخبر المعتبر قال سلام اللّٰه عليه من وكل رجلا على أمر من الأمور فالوكالة ثابتة أبدا حتى يعلمه بالخروج عنها كما أعلمه بالدخول فيها، اما لو عزل الوكيل نفسه فلا يبقى على وكالته إلى إعلام الموكل و لا معنى لبقائها في عهدته و قد عزل نفسه و لا يجب عليه الاعلام أيضا كل ذلك لعدم الدليل و بطلان القياس عندنا التي تبتني عليه مادة (1524) إذا عزل الوكيل نفسه يلزم ان يعلم الموكل بعزله و تبقى الوكالة في عهدته الى ان يعلم الموكل نعم ما ذكر في مادة (1525) من قضية لزوم اعلام المديون بعزل الوكيل على قبض الدين فلو لم يعلمه الموكل أي الدائن و دفع الى الوكيل برأت ذمته بلا إشكال لأنه معذور بعدم العلم ثم ذكرت «المجلة» بقية أسباب العزل في المواد الباقية و هي [1] موتهما أو موت أحدهما، [2] و جنونهما أو جنون أحدهما [3] انتهاء العمل الذي وكل به، و بقي أسباب أخرى لم

ص: 33

تذكرها المجلة (منها) زوال موضوع الوكالة كما لو ماتت الدابة الموكل على بيعها «و منها» الحجر على الموكل فيبطل توكيله على تصرفاته المالية «و منها» عروض الرق أو الردة الموجبة لقسمة أمواله لأنها بحكم الموت (و منها) عروض الفسق فيما لو كان وكيلا على أموال الأيتام أو الوقف أو كان مقيدا بالعدالة (و منها) عروض الإغماء و قد بقيت في الوكالة مباحث مهمة و تحقيقات واسعة لم تتعرض لها «المجلة» و لا تسمح لنا الأحوال الراهنة بذكرها و نشرها، منها مباحث النزاع بين الوكيل و الموكل:

ص: 34

الكتاب الثاني عشر (في الصلح و الإبراء)

اشارة

و يشتمل على مقدمة و أربعة أبواب:

المقدمة في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالصلح و الإبراء

اشارة

ص: 35

المقدمة مادة «1531»

الصلح:

هو العقد الذي يرفع النزاع بالتراضي هذا التعريف كسائر تعاريفهم قاصر بعيد عن حقيقة هذا العقد، و حقه ان يقال: انه عقد شرع لحسم الخصومة محققة فعلا أو مقدرة فرضا، و هو من اسمى التشريعات الإسلامية و أشرف مؤسساتها و قد وردت في القرآن المجيد آيات كريمة في التنويه عنه و الحث عليه (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) و هذه الجملة؟؟؟؟ (نجمة الصباح) في أفق التشريع و مثلها، فلا جناح ان يصلحا بينهما صلحا، و الصلح خير، ثم تعقبتها السنة النبوية و زادته وضوحا بالحديث النبوي المشهور (الصلح جائز بين المسلمين الا ما حرم حلالا أو حلل حراما) و قد سبق بعض الكلام فيه في مباحث الشروط و يأتي نبذة منه

ص: 36

الكتابة و لا الإشارة من القادر على الكلام و تلزم فيه سائر ما يلزم في العقود من الرضا و الاختيار و القصد و التوالي و التطابق و هو عقد لازم لا ينفسخ الا بالقابل أو شرط الفسخ أو أحد الخيارات العامة كالغبن و العيب و نحوهما، و يصح مع الإنكار و الإقرار و السكوت كما في مادة (1535) الصلح ثلاثة أقسام إلى آخرها نعم يختلف عن سائر العقود اللازمة بتحمل مقدار من الجهالة لا تتحمل في سائرها كما سيأتي، و أركان الصلح خمسه- العقد، المصالح المصالح له، المصالح عنه، المصالح به، و لكل واحد شروط، اما شروط العقد فما عرفت، و لفظه الصريح صالحت أو صالحتك و مشتقاتها، و صحته بمثل تراضينا و اتفقنا و القرار بيننا و أمثال ذلك مع قصد تلك الحقيقة غير بعيدة (و حقيقته) ليست هي صرف التسالم كما يقال بل هي الالتزام بالتسالم و التعهد برفع الخصومة الموجودة أو المفروضة كما عرفت و لا يلزم تصور المتصالحين كل هذه الخصوصيات بل هي معان ارتكازية يكفي قصدها الإجمالي بقصد حقيقة الصلح و يصح الإيجاب و القبول من كل منهما فلا يختص الإيجاب من واحد و القبول من أخر كما في بعض العقود. و قد أهملت المجلة هذا البحث اعني البحث في صيغة هذا العقد و ألفاظه كما أهمله كثير من أصحابنا اما المصالح و المصالح له فلا يعتبر فيهما أكثر من الشرائط العامة في المتعاقدين سوى ان البلوغ يمكن ان يكتفى عنه هنا بالتمييز و لكن مع اذن الولي و كفاية صدور الصيغة منه مع الرشد و عدم الحجر

ص: 37

و أمثالها كما في مادة (1539) يشترط ان يكون المصالح عاقلا الى آخرها و اما المصالح عنه فهو أعم من العين و الدين و الحق و المنفعة و الدعوى أو تقرير أمر بينهما، و هو اعني المصالح عنه ركن في عقد الصلح إذ لا بد ان يصالحه عن شي ء أو على شي ء، اما المصالح به فغير لازم و يمكن تحقق الصلح بدونه كما في الصلح المفيد فائدة العارية أو الهبة، و هو اي الصلح عقد مستقل و ان أفاد فائدة البيع أو الإجارة أو الهبة أو الإبراء و انفرد الشيخ الطوسي أعلى اللّٰه مقامه بكونه تابعا لمفاده فإن أفاد فائدة البيع فهو بيع و ان أفاد فائدة الهبة فهو هبة و هكذا و تظهر الثمرة في ترتيب احكام البيع عليه و عدمها و من خيار مجلس و غيره و فساده بالجهالة و نحوها بخلافه على المشهور و في الهبة بلزوم القبض أو عدمه و لكن من المعلوم ان افادة عقد فائدة الآخر لا يقتضي وحدتهما يعنى ان وحدة المسبب لا تستلزم وحدة السبب، و على كل فيلزم في المصالح به المعلومية و عدم الجهالة و لو في الجملة فالجهالة المفسدة في البيع لا تفسد الصلح و انما تفسده الجهالة المطلقة كما يلزم كونه صالحا للملكية و مملوكا للمصالح أو مما له الولاية عليه بنحو و تجري فيه الفضولية و يقف على الإجارة اما المصالح عنه فلا تقدح فيه أيضا الجهالة و يصح حتى عن اليمين و عن الدعوى و ان كانت مجهولة نعم يعتبر في صلح الولي عن الصغير حصول الغبطة له بذلك فلو خلا عن مصلحة الصغير بطل كما في مادة «1540» إذا

ص: 38

صالح ولي الصبي عن دعواه الى آخرها، و اما- مادة (1543) فقد سبق في مباحث الوكالة ما يغني عنها فان الصلح كالبيع من بعض الجهات فان صالح للموكل كان العوض عليه ان صرح بذلك إلا إذا كان كفيلا عنه و ان قصده و لم يصرح كان للمشتري أو المصالح إلزامه بالعوض و يرجع به على الموكل و ان لم يقصده كان متبرعا، هذا كله مع ثبوت الوكالة و تحققها اما مع عدمها فهو فضولي أو متبرع كما في مادة «1544» و تحرير هذه المادة ان من صالح عن دعوى بين اثنين بغير اذن و لا طلب من المدعي عليه فان صرح ان عوض الصلح في ذمته أو في عين خارجية من أمواله فهو متبرع و يلزمه دفع العوض لان الصلح صحيح و لازم و ان عينه في مال المدعى عليه فهو فضولي موقوف على اجازته و ان أطلق و لم يعين حتى في القصد كان أيضا بحكم الفضولي و ان كان الإطلاق يقتضي ان العوض عليه فليتأمل.

ص: 39

الباب الثاني في (بيان بعض أحوال المصالح عليه و المصالح عنه و بعض شروطهما)

مادة «1545» ان كان المصالح عليه عينا الى آخرها.

يمكن ان يعطى قاعدة كلية و هي ان كلما يصح ثمنا في البيع يصح الصلح به و عليه و لا عكس فان المجهول في الجملة لا يصح ثمنا في البيع و يصح عوضا في الصلح فنقول صالحتك عن دعواك بما في قبضة يدي و لا يصح مثله في البيع.

مادة «1546» يشترط ان يكون المصالح عليه مال المصالح ..

هذا الشرط طبيعي في جميع عقود المعاوضات بل و غيرها و لكن هو شرط في نفوذها و ترتب آثارها فورا لا شرط في صحتها فهي من غير الملك صحيحة و لكنها موقوفة على اجازة المالك، و عليه فلا يصح قول المجلة هنا: لو اعطى المصالح مال غيره بدل الصلح لا يصح صلحه

مادة «1547» يلزم ان يكون المصالح عليه و المصالح عنه معلومين ..

ص: 40

قد عرفت ان المعلومية و لو في الجملة كافية في صحة الصلح في المصالح عليه و المصالح عنه سواء كانا محتاجين للقبض و التسليم أم لا نعم الجهالة المطلقة مانعة فلو صالحه على ان يعطيه و لم يعين جنسه أو مقداره بطل لان الصلح شرع لحسم مادة النزاع و مثل هذا الصلح مما يمدها و يزيدها، و لكن لو قال بدراهم بين العشرة و العشرين صح و ان كانت لا تصح في البيع و نحوه.

ص: 41

الباب الثالث في (المصالح عنه

اشارة

و يشتمل على فصلين)

الفصل الأول في (الصلح عن الأعيان)
مادة (1548) ان وقع الصلح عن الإقرار على مال معين عن دعوى مال معين فهو في حكم البيع

فكما يجري فيه خيار العيب و الرؤية و الشرط تجري دعوى الشفعة ..

عرفت ان الأصح هو ان الصلح عقد مستقل حتى في الموضع الذي يفيد فائدة البيع أو الإجارة و اشتراك عقدين في نتيجة واحدة لا يقتضي تساويهما في الاحكام و كان حق المقام بناء على كون المصالحة بين المالين بيعا ان تقول المجلة انه يجري خيار المجلس و نحوه مما يختص بالبيع اما خيار العيب و الشرط فهي من الخيارات العامة و تجري في الصلح سواء كان بيعا أو مستقلا و على كل فالحق ان الاحكام الخاصة بالبيع كالشفعة و خيار المجلس لا تجري

ص: 42

في الصلح و لا ينافي هذا انه لو ظهر البدل مستحقا يرجع المصالح له على المصالح بعوضه ان كان كليا فإنه من الأحكام العامة و يبطل الصلح ان كان العوض شخصيا فتدبره جيدا، و من هنا تعرف وجه النظر في مادة (1549) ان وقع الصلح عن الإقرار على المنفعة في دعوى المال فهو في حكم الإجارة،،، يعني لو ادعى عليه مالا و أقر به ثم صالحه عنه على سكنى سنة مثلا في داره كانت اجارة و لكن لا ثمرة هنا بين الإجارة و الصلح فافهم مادة (1550) الصلح عن الإنكار أو السكوت هو في حق المدعي معاوضة و في حق المدعى عليه خلاص من اليمين و فداء،،، الأصح أنه معاوضة في حقهما معا غايته ان المعوض من جهة المدعى هو حق اليمين و الاستحلاف و العوض من جهة المدعى عليه مال أو عقار يدفع به اليمين عن نفسه، بناء عليه لا تجري الشفعة فيه مطلقا اما لو ظهر مستحقا فالحكم ما عرفت من البطلان في الشخصي و الرجوع في الكلي فتدبره جيدا

مادة (1551) لو ادعى أحد مالا معينا كالروضة و صالح على مقدار منها،،،

هذا من الموارد التي يكون الصلح فيها مفيدا فائدة الإبراء و الإسقاط يعني ان المدعي أسقط دعوى بعضها، و رضى ببعض منها و صالحه على ذلك و هو أيضا من قبيل الصلح بلا عوض مالي أو مادي و منه يعلم تمام الكلام في المواد الأربع المذكورة في.

ص: 43

الفصل الثاني في بيان الصلح عن الدين اي الطلب و سائر الحقوق

فان جميعها مبنية على قضية الإسقاط و الإبراء و الصلح بلا عوض خارجي

الباب الرابع في بيان احكام الصلح و الإبراء

اشارة

و يشتمل على فصلين

الفصل الأول في بيان المسائل المتعلقة بأحكام الصلح

مادة «1556» إذا تم الصلح فليس لواحد من الطرفين فقط الرجوع،،، عرفت ان الصلح عقد لازم حتى فيما لو أفاد فائدة العقود الجائزة كما لو صالحه على العارية أو المضاربة أو الهبة لم يكن لأحدهما

ص: 44

الفسخ نعم يصح فيه التقايل برضاهما كما يصح في البيع لأن الحق لهما و لكن الصلح في موضع الاسقاط و الإبراء لا معنى للتقايل فيه كما نبهت عليه مادة «1558» ان كان الصلح في حكم المعاوضة إلى آخرها ثم ان من شأن العقود اللازمة عدم البطلان بالموت كما في مادة (1557) كما ان مقتضى اللزوم انه لو صالحه عن دعواه سقط حق المطالبة باليمين طبعا و عليه مادة (1559) و قد ظهر مما سبق تمام الكلام في مادة (1560) و حاصلها ان المال المصالح به إذا ظهر مستحقا فان كان كليا في الذمة و دفع المصداق فظهر انه مستحق فلا يدخل على الصلح خلل بل يبدله بمصداق آخر و ان كان شخصيا متعينا بطل.

الفصل الثاني في بيان المسائل المتعلقة بأحكام الإبراء

مادة (1561) إذا قال أحد ليس لي مع فلان نزاع و لا دعوى الى آخرها،،، حقيقة الإبراء هو إسقاط مال أو حق مالي لشخص على آخر و هو إيقاع لا عقد فلا يحتاج إلى إيجاب و قبول إلا إذا كان بطريق الصلح فإذا سقط لا يعود فلا موضع فيه للفسخ و الإقالة كما في مادة

ص: 45

(1562) إذا أبرأ أحد آخر الى آخرها و هو انما يتعلق بحق ثابت فلا يشتمل ما يثبت بعد ذلك كما في مادة (1563) ليس للإبراء شمول لما بعده،،، ثم ان إسقاط الدعوى انما يصح لأنها حق مالي اما لو لم ترجع الى مال كدعوى حق القذف أو حق الغيبة فيشكل سقوطه بالإسقاط كما يشكل المصالحة عليه بالمال نعم يظهر من بعض الاخبار سقوط حق الغيبة بالإسقاط و براءة ذمة المستغيب بإبراء المستغاب فليراجع، و لا ريب ان الإبراء يكون عاما و يكون خاصا على حسب تقيد المبرئ كما في مادة (1565) و التي قبلها (1564) و باقي مواد هذا الفصل واضحة لا مناقشة فيها سوى مادة (1570) إذا أبرأ الذي في مرض الموت أحد ورثته من دينه فلا يكون صحيحا و نافذا و اما لو أبرأ من لم يكن وارثه فيعتبر من ثلث ماله فإنه عجيب و غريب و حكم معكوس فان القريب و هو الوارث اولى من الأجنبي بالاحتساب عليه من الثلث هذا لو قلنا بان منجزات المريض من الثلث اما لو قلنا بأنها من الأصل فلا إشكال في الصحة و النفوذ مطلقا (و الخلاصة) انه لو أبرأ المريض مدينة وارثا أو غيره صح من الأصل مطلقا على القول بان منجزاته من الأصل و يصح من الثلث على القول الآخر مطلقا أيضا بل في الصورة الأولى أولى.

ص: 46

الكتاب الثالث عشر (في الإقرار)

اشارة

ص: 47

الباب الأول في (بيان بعض الاصطلاحات الفقهية)

اشارة

مادة (1572)

الإقرار:

هو اخبار الإنسان عن حق عليه لآخر، عرف فقهاؤنا الإقرار بأنه اخبار عن حق سابق لا يقتضي تمليكا بنفسه بل يكشف عن سبقه و أخصر منه انه اخبار عن حق ثابت- لإخراج الاخبار عن حق يثبت كالاخبار بأنه سوف يملكه فإنه وعد لا يجب الوفاء به فقها و ان وجب أخلاقا، ثم ان من أحكام الإسلام الضرورية نفوذ الإقرار و لزومه على المقر و لكن بعد استجماع الشرائط في المقر، و المقر له، و المقر به، و صيغة الإقرار و يتضح أكثر هذه الاعتبارات و الملاحظات من المواد الآتية، أما شرائط المقر فهي كما في مادة (1573) يشترط ان يكون عاقلا بالغا- الى قولها: و لكن الصغير المميز المأذون في حكم البالغ في الخصوصيات المأذون بها:

ص: 48

الوصية و الصدقة و نحوها من أبواب المعروف و ان لم يكن مأذونا و لازم هذا نفوذ إقراره فيها لقاعدة (من ملك شيئا ملك الإقرار به) كما انه لو كان مأذونا من الولي في بيع أو شراء و نحوهما نفذ إقراره فيها أيضا و اليه إشارة (المجلة) و أقوى شروط نفوذ الإقرار كونه صادرا عن رغبة و اختيار، فلو كان مكرها على إقراره لم يكن له اثر كما نصت عليه مادة (1575) يشترط في الإقرار رضا المقر،،، و ان لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس كما في مادة (1576) ان لا يكون المقر محجورا الى آخرها.

و كذا يشترط ان يكون المقر به محتمل الوقوع عادة فلو قال الفقير المعدم استقرض من مثله الف دينار بطل هذا الإقرار، و مثله ما لو أقر بالبلوغ و جسده لا يساعد على ذلك كما في مادة (1577) يشترط ان لا يكذب ظاهر الحال الإقرار،،، و لم تتعرض المجلة لبقية أحكام الإقرار بالبلوغ كما لم تتعرض لشي ء من أحكام الإقرار بالنسب مع انهما من أمهات مباحث الإقرار و قد استوفي فقهاؤنا أحكام كل منهما مفصلا و نحن نتعرض لكل واحد منهما موجزا فنقول: ذكر بعض فقهائنا ان الصبي أو الصبية لو أقر بأنه بالغ فان ادعاه بالاحتلام قبل منه بلا يمين و الا لزم الدور، و دفعه بان البلوغ موقوف على اليمين و اليمين موقوف على إمكان البلوغ غير تام، و ان ادعاه بالإنبات توقف على الاختبار و ان ادعاه بالسن توقف على البينة (و تحرير) هذا البحث بما هو امتن و ارصن يستدعي تمهيد

ص: 49

مقدمتين قبلا (الاولى) ان الدليل الذي يعتمد عليه في أصل حجية الإقرار هو النبوي المشهور (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) مضافا الى إشعار جملة من الآيات المجيدة: كونوا قوامين بالقسط شهداء بالحق و لو على أنفسكم) و مقتضى إطلاق النبوي المزبور ان المدار في الإقرار هو العقل لا البلوغ فلو أقر العاقل اي الرشيد المميز بشي ء نفذ إقراره و ان لم يكن بالغا و نسبة الدليل المزبور إلى أدلة رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ و عدم ترتيب اثر على تصرفاته و ان كان هي العموم من وجه فيتعارضان في الصبي العاقل و لكن لا يبعد ان الترجيح لدليل الإقرار فيخصص به عموم رفع القلم و ذلك لوجوه أقواها ان تعليق الجواز على العقل بأنه هو الملاك فان العاقل لا يعترف بما يضره كاذبا فيكون له مثل نظر الحكومة على الأدلة و مفاده ان إقرار العاقل نافذ عليه بالغا كان أو غير بالغ (الثانية) ان الاحكام التي تنفذ بالإقرار على المقر هي التي عليه لا التي له فلو أقر الصبي بالبلوغ ترتب عليه وجوب الصوم و الصلاة و النفقات و الزكاة و نحوها دون التي له كأخذ أمواله من الولي و صحة نكاحه و بيعه و شرائه و نحوها فان البلوغ بالنسبة الى هذه الآثار دعوى منه تحتاج إلى إثبات و لا فرق في ذلك بين الاستناد الى الاحتلام أو السن أو الإنبات، نعم في دعوى البلوغ بالاحتلام يمكن ان لا يكلف بالبينة لأنه من الأمور التي يعسر اطلاع الغير عليها و لكن يجري مثل هذا في السن أيضا فإنه يعسر إقامة البينة عليه

ص: 50

غالبا فيلزم تصديقه أيضا و لكن التصديق بمجرد الدعوى مشكل و اليمين دوري، و الأولى إناطة قبول مثل هذا الإقرار أو الدعوى الى نظر حاكم الشرع في القضايا الشخصية و ما يستنبطه من قرائن الأحوال فتدبره و اغتنمه (أما الإقرار بالنسب) فيعتبر فيه مضافا الى الشرائط العامة في مطلق الإقرار عدة أمور (1) ان يكون ما أقر به ممكنا عادة و لا يكذبه الحس فلو أقر بولد هو أكبر سنا منه أو مساويا أو أقل بمقدار لا يمكن تولده منه لغا الإقرار (2) ان لا يكذبه الشرع فلو أقر بولد ثابت تولده من غيره ببينة أو شياع أو نحو ذلك لغا أيضا (3) ان لا يدعيه من يمكن لحوقه به فان الولد لا يلحق بأحدهما إلا بالبينة و مع التعارض فالقرعة (4) تصديق المقربة ان كان بالغا عاقلا حيا، و يسقط في الصغير و المجنون و الميت فلو أقر ببنوة واحد منهم ثبت في حق المقر و حق أقربائه و لا يسمع إنكاره بعد البلوغ و لا المجنون بعد صحته على المشهور نعم الحكم مقصور على ولد الصلب فلا يسري الى ولد الولد و الى الأب فلا يتعدى الى الأم و كل إقرار بنسب يلزم فيه التصديق سوى الثلاثة المتقدمة و لو تصادق كبيران على نسب صح و توارثا و لا يتعدى الى غيرهما إلا في الولد الكبير فيتعدى إلى أقاربه على المشهور، ثم ان الأصحاب فرعوا على الإقرار بالنسب فروعا خطيرة و كثيرة لا مجال لذكرها هنا فلتطلب من مواضعها

مادة (1578) يشترط ان لا يكون المقر به مجهولا بجهالة فاحشة إلخ.

ص: 51

هذا باب الإقرار بالمجهول و المبهم و فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم حرروها أحسن تحرير، و خلاصته بتنقيح منا أن الإبهام اما ان يكون في المقر له أو في المقر به و على «الأول» فاما ان يكون مرددا بين افراد محصورة فيلزم المقر بالتعيين فان عين و الا بحبس حتى يعين، و اما ان يتردد بين افراد غير محصورة كما لو قال لأحد أهالي هذه البلدة على دين و فيها خلق كثير لغا هذا الإقرار و لم يكن له أي أثر (و في الثاني) يلزم بالتفسير أيضا فإن فسره بما له مالية يقبل منه و لو قليلا و الا حبس حتى يعين، و لو أبهم المقر له ثم عينه في شخص دفع له المال المقر به فان ادعاه آخر حلف المقر و الا أخذه المدعي بنكول المقر أو بالبينة، و لو عينه في شخصين اقتسماه و ان ادعى أحدهما اختصاصه به حلف المقر انه لهما و ان نكل أخذه مدعى الاختصاص كما لو أقام البينة و ان أقر به لهما و اختلفا فادعى كل منهما الاختصاص و انه له حلف المقر انه ليس له فان نكل عن يمين أحدهما اختص؟؟؟؟ حلف لهما معا اي حلف بأنه غير مختص بأحدهما اقتسماه و من هنا يستبين لك الخلل فيما ذكرته المجلة في آخر هذه المادة بقولها: و ان اختلفا فلكل منهما ان يطلب من المقر اليمين بعدم كون المال له فان نكل عن يمين الاثنين يكون المال مشتركا بينهما و ان نكل عن يمين أحدهما يكون ذلك المال مستقلا لمن نكل عن يمينه و ان حلف للاثنين يبرأ المقر من دعواهما و يبقى المال المقر به في يده (انتهى) و وجه الفساد فيه واضح فإنه إذا حلف للاثنين فاما ان

ص: 52

يحلف انه غير مختص بأحدهما بل مشترك فاللازم ان يقتسماه كما ذكرنا و ان حلف انه ليس لهذا حق فيه و لا للآخر فهذا إنكار بعد الإقرار و من قبيل تعقيب الإقرار بما ينافيه فيلزم بإقراره الأول انه لهما و على كل تقديره فلا وجه للحكم بإبقائه في يده بل ان حلف لهما أو نكل فالمال مشترك بينهما أخذا بإقراره المتقدم نعم لو حلف لأحدهما و نكل عن الآخر اختص به الذي لم يحلف له على تأمل فيه أيضا

ص: 53

الباب الثاني في (بيان وجوه صحة الإقرار)

(1579) كما يصح إقرار المعلوم كذلك يصح إقرار المجهول أيضا و لكن كون المقر به مجهولا الى آخرها،،،

الإقرار بمجهول لا تصح الجهالة فيه كالبيع و الإجارة و نحوهما هو أيضا من افراد الإقرار بمبهم يلزم المقر بتفسيره لا انه يلغو تماما كما تقول المجلة، فلو قال اشتريت هذه الدار من زيد بثمن لم أدفعه ألزمه الحاكم ببيان مقدار الثمن أو يأتي البائع ببينة على المقدار الذي يدعيه فيلزم المقر به فان لم تكن بينة و امتنع عن البيان بحبس أو تنزع الدار من يده كل ذلك بمراجعة الحاكم الشرعي و تقريره، و ما أدري إذا أقر بالبيع و الشراء لما ذا لا يجبر على بيان الثمن و إذا أقر بالسرقة أو الأمانة يجبر على بيان الامانة المجهولة و المال المسروق؟ و لما ذا اختلف الحكم مع وحدة الملاك؟ و اما لو قال بعت لفلان شيئا أو استأجرت

ص: 54

منه فإنما لا يصح إقراره و يلغو حيث لا تكون خصومة اما إذا ادعاء المقر له فاللازم ان يلزمه الحاكم بتفسيره أيضا لا محالة

مادة (1580) لا يتوقف الإقرار على قبول المقر له و لكن يكون مردودا برده الى الآخر،،،

الإقرار اما ان يكون بعين أو بدين اي كلي في الذمة فإن كان بعين و لم ينكرها المقر له أخذها طبعا و ان أنكرها لم تدخل في ملكه و تنزع من يد المقر لاعترافه بأنها ليست له و تصير مجهولة المالك مرجعها الحاكم الشرع، و ان أقر بدين لشخص فان صدقه أخذه و ان أكذبه سقط الدين و لم يكن لإقراره أثر نعم إذا كان المقر يعتقد فيما بينه و بين ربه انه مديون لذلك الشخص و انما أنكره لجهله أو نسيانه فالواجب عليه ان يدسه في أمواله فان لم يوصله في حياته دفعه الى ورثته بعد مماته و لو دفعه لحاكم الشرع مع شرح الحال له برأت ذمته، و قول المجلة انه مردود برده على إطلاقه غير صحيح

مادة (1581) إذا اختلف المقر و المقر له في سبب المقر به فلا يكون اختلافهما هذا مانعا لصحة الإقرار) إلخ،،

يختلف الحكم هنا باختلاف عبارة المقر و أسلوب البيان فيها فلو قال لك علي الف هي ثمن المبيع فقال المقر له بل هي قرض لي عليك لزمه الالف و لا يقدح الاختلاف في السبب بينهما، اما لو قال ابتعت منك كتابا و في ذمتي لك ألف هي ثمنه فقال لا ما بعتك شيئا و لكني أقرضتك ألفا فيمكن ان يقال هنا ان المقر له لا حق له في

ص: 55

إلزام المقر بالألف- فان الألف التي اعترف بها المقر أنكرها و القرض بالألف دعوى يدعيها يحتاج إلى إثباتها غايته ان المقر ملزوم فيما بينه و بين ربه ان يدفع الألف إلى حسب اعتقاده و لو بان يدسها في أمواله أو يدفعها له بعنوان الهدية ظاهرا! فقول المجلة:

فلا يكون اختلافهما هذا مانعا من صحة الإقرار- على إطلاقه غير صحيح (1582) طلب الصلح عن مال يكون بمعنى الإقرار بذلك المال و اما طلب الصلح عن دعوى مال فلا يكون بمعنى الإقرار بذلك المال الى آخرها،،، ما ذكر في هذه المادة قوي متين كالمتكرر في مادة (1583) إذا طلب أحد شراء المال في يده من آخر- يكون قد أقر بعدم كون المال له،،، فإنه و ان لم يصرح بان المال ليس له و لكنه من قبيل ما يقال: الكناية أبلغ من التصريح و قد تكون الدلالة على الشي ء بلازمه أدل عليه من الدلالة عليه بنفسه فليتدبر،،، مادة (1584) الإقرار الذي علق بالشرط باطل الى آخرها،،، ذكر فقهاؤنا رضوان اللّٰه عليهم انه لو علق الإقرار على شرط بطل فلو قال لك في ذمتي ألف ان شئت أو ان شاء زيد أو ان شاء اللّٰه كان الإقرار في الجميع لغوا إلا في الأخير إذا قصد محض التبرك و العادة، ثم اختلفوا في مثل: لك على الف ان شهد زيد، أو ان شهد زيد بالألف فهو صادق، و الأقوال في مثل هذا الفرع أو الفرض ثلاثة (1) الصحة مطلقا نظرا الى ان الإقرار إخبار جازم عن حق لازم في السابق و الحق

ص: 56

لو لم يكن ثابتا في السابق لا تصيره شهادة زيد ثابتا فهو إذا ثابت باعترافه شهد زيد أم لم يشهد و حاصله الأخذ بالإقرار و إلغاء قيده نظير تعقيب الإقرار بما ينافيه كما سيأتي (2) يلزم بإقراره ان شهد زيد لأنه إقرار على هذا التقدير و فساده واضح يظهر من سابقه (3) البطلان مطلقا و لعله الأصح ضرورة ان الإقرار إخبار جازم و مع التعليق لا جزم فلا إقرار و لعله قصد بتلك الجملة شبه التعليق على المحال لاعتقاده ان زيدا لا يشهد ابدا و لا يقدح بهذا شهادته بعد لو شهد فتدبره ثم يظهر من بعضهم الاتفاق على صحة الإقرار لو علقه على أمر محقق الوقوع كأول الشهر و طلوع الشمس غدا و أمثال ذلك و لعل وجهه عندهم انه باعتبار كونه محقق الوقوع فلا تعليق حقيقة إذ التعليق الحقيقي انما يكون على أمر يحتمل وقوعه و يحتمل عدمه لا على الأمر الواقع لا محالة، و يندفع هذا بان تحقق الوقوع لا ينافي التعليق ضرورة انه من الأمور القصدية فلو قصد ان اعترافي بالحق معلق على هذا الأمر المحقق اي عند وقوعه أكون مقرا اما فعلا فلست بمقر كان هذا هو التعليق بعينه و حقيقته، نعم لو ظهر منه بقرينة حال أو مقال يريد انه معترف فعلا بألف له مثلا و لكن وقت استحقاقها و دفعها أول الشهر أو عند طلوع الشمس صح ذلك و الزم بأدائه في ذلك الوقت اما لو خلا من القرينة فهو باطل، و على فرض قيام القرينة و الحكم بالصحة فإنما يصح في مثل له على الف أول الشهر لا في المثال الذي ذكرته المجلة و هو: ان اتى ابتداء الشهر الفلاني فإني مديون لك بكذا

ص: 57

فإنه باطل لا محالة لأن المديونية لا معنى لتأجيلها إلى أول الشهر بل المعقول ان تكون المديونية فعلا و استحقاق الدفع يكون أول الشهر اما لو نصبت قرينة على ارادة ذلك فالعبرة حينئذ بها لا بهذا اللفظ فإنه مبائن لذلك المعنى و أجنبي عنه تماما فإنه إقرار فاسد و لفظ مختل فتدبره و اغتنمه.

مادة «1585» الإقرار بالمشاع صحيح الى آخرها.

لا ريب أن الإشاعة لا تمنع من صحة الإقرار و لكن قيد: ثم توفي المقر قبل الإقرار و التسليم- قيد توضيحي و محقق للموضوع إذ بعد الإقرار و التسليم قد انتهى كل شي ء فتدبره

مادة (1586) إقرار الأخرس بإشارته المعهودة معتبر

و لكن إقرار الناطق بإشارته لا تعتبر مثلا لو قال للناطق الى آخرها.

إما إشارة الأخرس فلا إشكال في أنها تقوم مقام كلامه في كل مقام مع الإفهام، إما إشارة المتمكن من الكلام فظاهر أصحابنا عدم الاكتفاء بها في العقود و لا سيما في عقود المعاوضات أو المغابنات و كذا في الإيقاعات كالطلاق و العتق و نحوهما، أما الإقرار فحيث انه خارج عن القسمين لانه من نوع الاخبار لا الإنشاء و لذا صرح بعض فقهائنا الأساطين بأنه لا يختص بلفظ و يصح بالإشارة المعلومة و يظهر منه الاتفاق عليه عندنا و وجهه واضح فإنه لو سئل هل لفلان عليك دين بألف فخفض رأسه مشيرا به عن قوله نعم بحيث علم ذلك منه أو حصل الاطمئنان العادي صدق عرفا انه أقر بألف و يشمله

ص: 58

عموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز، و العجب من أرباب المجلة حيث اكتفوا بالإشارة و الكتابة في جملة من العقود كما مر عليك الأجزاء المتقدمة و لم يكتفوا بها هنا مع أنها أولى بالصحة و أحق لوجوه لا تختفي على المتأمل فليتدبر.

الباب الثالث في بيان أحكام الإقرار،

اشارة

و يشتمل على ثلاثة فصول

الفصل الأول في بيان الأحكام العمومية
مادة (1587) يلزم الرجل بإقراره

- و لكن إذا كذب بحكم الحاكم فلا يبقى لإقراره حكم و هو انه إلى آخرها.

هذه المادة مضافا الى تعقيدها عبارة مختلفة معنى و حكما، و حاصلها ان إقرار المرء نافذ عليه الا إذا حكم الحاكم بما يخالف إقراره فلو ان إنسانا بيده عين أقر أنه اشتراها من زيد و هي له فادعاها شخص و اثبت عند الحاكم انها له دفعت الى الشخص المحكوم له و رجع

ص: 59

على البائع بثمنه و لا يلزم بإقرار انها له لأن إقراره بطل بحكم الحاكم،،، و هاهنا موضع الوهم فان المرء مؤاخذ بإقراره و حكم الحاكم لا ينفذ عليه لانه خارج عن الدعوى فلا هو مدع و لا مدعى عليه و هو يعتقد بعدم صحة حكم الحاكم فالواجب عليه ظاهرا و واقعا ان بمضي على اعتقاده و لا يرجع بالثمن على البائع كما لو غصب العين منه غاصب أو تلفت بأحد أنواع التلف و البائع قد خرج عن العقدة بتسليم العين إلى المشتري المقر انها ملك البائع و ان الحاكم قد اشتبه في حكمه فما معنى الرجوع! نعم لو حكم الحاكم و أخذت من البائع قبل تسليمها إلى المشتري ينفسخ البيع قهرا لعدم قدرة البائع على التسليم قهرا و المانع الشرعي كالمانع العقلي و كذا لو سلمها و قصر في الدفاع عنها أو اعترف للمدعي انها له لانه قد سبب الإتلاف و لكنه هنا يضمن البدل مثلا أو قيمة لا الثمن فتدبره جيدا فإنه من التحقيقات الثمينة.

مادة (1588) لا يصح الرجوع عن الإقرار في حقوق العباد،،،

هذا غني عن البيان إذ لا معنى لنفوذ الإقرار إلا عدم قبول الإنكار و الا كان وجوده كعدمه نعم لو أبدى المقر وجهاً معقولًا لإقراره و انه أخبر بخلاف الواقع لغرض مقبول يحلف على ذلك و يبطل اقرأه، كما لو أقر بالبيع و قبض الثمن لأجل تسجيل الشهود في الورقة (و هو المعوف برسم القبالة) و كان إقراره قبل القبض لا تمام

ص: 60

الورقة و قبض الثمن بعد دفعها ففي مثل هذا لا يلزم بإقراره و يقبل إنكاره بيمينه و نظيره ما في مادة (1589) إذا ادعى أحد كونه كاذبا في إقراره- يحلف المقر له على عدم كون المقر كاذبا الى آخرها.

و لكن المتجه يمين المقر لا المقر له ضرورة ان المقر له هو يدعي التسليم و الإقباض لما تضمنه السند من الدين و المقر منكر فعليه اليمين على القاعدة المشهورة من ان اليمين على من أنكر فليتدبر.

مادة (1590) إذا أقر أحد لآخر الى آخرها،،

وجهها واضح فان المقر الأول أقر للثاني لا الثالث فلا سبيل للثالث الذي أقر له الثاني على المقر الأول.

الفصل الثاني في بيان ففي الملك المستعار

مادة «1591» إذا أضاف المقر به الى نفسه في إقراره يكون قد وهبه للمقر له الى آخرها، هذه المادة على ما فيها من التطويل الممل و التعقيد المخل، واهية المعنى و المبنى، و حاصلها- ان المقر إذا قال أموالي التي بيدي هي لفلان يحمل كلامه هذا على إرادة هبة أمواله إلى فلان و يلزمه تسليمها له و ان قال كافة الأموال المنسوبة لي هي

ص: 61

لفلان كان ذلك إقراراً بأنها لفلان يختص ذلك بالأموال الموجودة لا المتجددة في الصورتين هذا كل ما هذه المادة التي تزيد على صفحة و كلها تكرير أمثلة لا حاجة إليها، و تحرير هذا الموضوع و ما يتشعب على أصله من الفروع- انه لو أقر لغيره بعين أو بمال و لم يضفه الى نفسه فهو إقرار صحيح اتفاقا و لا حاجة الى ذكره و التعرض له أصلا إنما الكلام و البحث فيما لو أقر لغيره بعين أضافها إلى نفسه فقال داري أو أموالي لفلان و هذا الفرع محرر في كلمات فقهائنا رضوان اللّٰه عليهم و يظهر من الشهيد الثاني في روضته نسبة بطلان مثل هذا الإقرار إلى المشهور لامتناع اجتماع مالكين مستوعبين على مال واحد و الإقرار يقتضي سبق ملك المقر له على وقت الإقرار فيجتمع النقيضان ثم قال: و الأقوى الصحة لأن التناقض انما يتحقق مع ثبوت الملك لهما في نفس الأمر اما ثبوت أحدهما ظاهراً و الآخر في نفس الأمر فلا، و نسبته الى نفسه يحمل على الظاهر فإنه المطابق لحكم الإقرار إذ لا بدّ فيه من كون المقر به تحت يد المقر و يقتضي ظاهراً كونه ملكا لهو الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسة مثل لا تخرجوهن من بيوتهن و كوكب الخرقاء و لا ينافيه إقراره بأنه للغير واقعا و الحمل على الإقرار الصحيح يقتضي ذلك و يكون قرينة عليه لو لم يكن الكلام دالا عليه بنفسه انتهى ملخصا، و هذه المناظرة كما تراها قوية جدا و القول بالصحة من جهتها متعين.

اما- ما ذكرته المجلة من انه هبة فهو من التخاليط أو الاغاليط

ص: 62

المتوفرة في هذا الكتاب فإن الهبة إنشاء و الإقرار اخبار، و الإنشاء و الاخبار على طرفي نقيض و حينئذ فحق الكلام في المقام ان يقال انه إذا قال داري أو مالي لفلان فإن ظهر منه بقرينة الحال أو المقال انه يريد إنشاء الهبة و التمليك كان هبة و هي متفرعة على ملكيته أي ملكية الواهب الحقيقة لا الصورية كما في الإقرار الذي هو ضد الهبة و إذا صار هبة فالتسليم غير لازم بل بعد التسليم تصير لازمة كما عرفت في محله من ان الهبة قبل القبض ليس لها أي أثر، و ان لم يظهر انه في مقام الإنشاء يحمل الكلام على الإقرار بالمعنى الذي سبق و بالتوجيه الذي أفاده الشهيد قدس سره و نسب الى الشهيد الأول أعلى اللّٰه درجته الفرق بين قوله ملكي لفلان و داري لفلان فحكم بالبطلان في الأول و توقف في الثاني و قوى عدم الفرق و هو الحق فتدبره، و بقية مواد هذا الفصل واضحة.

الفصل الثالث في بيان إقرار المريض
اشارة

يعنى المريض بمرض الموت و هو الذي مات فيه المقر أو الموصي مطلقا فلو أقر أو اوصى في مرض يموت الإنسان فيه غالبا ثم برئ و لم يمت به لم يجر عليه شي ء من تلك الاحكام كما في مادة (1597)

ص: 63

إذا فلا صحة لتعريفه بما في المجلة مادة (1595) مرض الموت هو الذي يخاف فيه الموت في الأكثر الذي يعجز المريض فيه عن رؤية مصالحه الخارجة عن داره ان كان من الذكور و يعجز عن رؤية المصالح الداخلة فيداره ان كان من الإناث و يموت على ذلك الحال قبل مرور سنة الى آخرها.

و كل هذه القيود و البنود لا حاجة إليها و لا عبرة بها بل المراد بمرض الموت كما عرفت- المرض الذي مات فيه قبل سنة أو بعدها عجز عن مصالح بيته أو لم يعجز مات قبل سنة أو بعدها، و على كل فالتصرفات المالية من المريض لو مات في مرضه لا يخلو اما ان تكون منجزة أو معلقة على الموت فالمعلقة على الموت هي الوصية فإن حقيقتها انها تمليك مجاني بعد الموت و لا تنفذ الا بمقدار الثلث فلو زادت توقفت على اجازة الورثة اما المنجزة فنوعان (معاوضة بثمن المثل) كبيع شي ء بثمنه أو إجارة كذلك و هو نافذ إجماعا (و محاباتي) كهبة أو وقف أو عنق أو بيع أو إجارة بأقل من ثمن المثل و هذا أيضا لا إشكال في نفوذه انما الخلاف في انه ينفذ من الأصل و يخرج الثلث من الباقي أو انه يخرج من الثلث فان زاد توقف على الإجازة كالوصية،،، المشهور بين المتقدمين هو الثاني و انعقدت الشهرة بين المتأخرين على الأول و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار و لا يبعد ترجيح أخبار الأصل المتضمنة ان الإنسان أحق بماله ما دام في بدنه روح، هذا كله فيتصرفات المريض من بيع و عتق و هبة يعني عقود

ص: 64

المجانيات أو المغابنات اما اقرارات المريض بمرض الموت كما لو أقر انه باع داره قبلا أو انه مديون أريد بألف و أمثال ذلك لأجنبي أو وارث ففيه أقوال أصحها عند جماعة انه مع التهمة اي غلبة الظن بأن إقرار خلاف الواقع و انه انما يريد تخصيص المقر له بالمال المقر به حيث تشهد قرائن الأحوال بذلك كما لو أقر لزوجته الحظية عنده أو ولده العزيز و أمثال هذا فحينئذ يخرج من الثلث و الا فمن الأصل و موضع الخدشة فيه لا يخفى فان حمله على الوصية التي هي إنشاء تمليك و الإقرار إخبار حمل للكلام على ضد معناه و لو قيل ان فرض الكلام فيما لو قامت القرينة قلنا ان القرينة لو قامت فإنما تقوم على ارادة التمليك الحالي المنجز لا المعلق على الموت في الثلث فجعله منجزا في الثلث قول بلا دليل فاما وجه له و لا فرق في هذا بين ان يكون له وارث غير الزوجة أو لها وارث غير الزوج أو لا يكون فلا وجه لما في مادة (1596) إقرار من لم يكن له وارث الى قولها: يعتبر انه نوع وصية، و قد عرفت تباين الوصية مع الإقرار فكيف يحمل أحدهما على الآخر و قول أصحابنا أقرب الى التعقل حيث حملوه على الوصية و انه يخرج من الثلث مع التهمة فجعلوا التهمة كقرينة على ارادة التمليك المجاني المنجز و لكن حيث ان منجزات المريض المحاباتية تخرج عندهم من الثلث كانت كالوصية و يدل على هذا اي الخروج من الثلث مع التهمة اخبار تصلح للحجية (و الخلاصة)

ص: 65

علي هذا ان الإقرار مع التهمة من الثلث و بدونها من الأصل و لا ينافيه اختيار ان المنجزات من الأصل إذ لا مانع من ان يكون للإقرار حكم خاص في مرض الموت.

مادة «1598» إذا أقر أحد في مرض موته بعين أو دين لأحد ورثته ثم مات يكون إقراره موقوفا على إجازة باقي الورثة.

قد ظهر لك مما سبق انه لا توقف على الإجازة إلا مع زيادة المقر به على الثلث و تحقق التهمة اما لو نقصت عن الثلث أو زادت و لا تهمة فلا حاجة الى اجازة الورثة بل يلزم العمل بإقراره أجازوا أم لا و لا فرق في هذا بين كون الإقرار للوارث أو لغيره و لا بين الامانة و غيرها و لا بين أمانته عند الوارث أو أمانة الوارث و كل ما ذكر في هذه المادة فضلة من الكلام نعم الجديد أو المفيد فيها ان الورثة إذا صدقوا في حياة المقر ليس لهم الرجوع و هذا صحيح و لكن التقيد في الحياة لا وجه له فإنهم لو صدقوه بعد موته أيضا لا رجوع لهم.

مادة «1599» المراد من الوارث في هذا المبحث هو الذي كان وارثا للمريض وقت وفاته- الى آخرها.

حاصله ان المدار في الوارث على الوارث وقت الإقرار لا وقت الموت فإذا أقر في مرضه لأجنبية ثم تزوجها قبل الموت يكون إقراره لها نافذا لأنها لم تكن وارثة وقت الإقرار، اما لو كان سبب الإرث قديما كما لو أقر لأخيه في المرض و للمقر اين مات قبل أبيه و صار الميراث للأخ لا ينفذ الإقرار لأن سبب الإرث و هو الاخوة قديم اي

ص: 66

حاصل وقت الإقرار، و كل هذا تحكم و تحرض لا دليل عليه و لكن حيث ان هذا الحكم اعني عدم نفوذ الإقرار للوارث إلا بإجازة باقي الورثة ساقط عندنا من أصله فلا داعي لإطالة البحث فيه و الأصح في نظائره على الوارث حال الموت لا حال الإقرار فليتدبر.

و على هذا الملاك بنى ما في مادة «1600» إقرار المريض حال مرض موته بالإسناد إلى زمان الصحة في حكم الإقرار في زمان المرض الى آخرها.

فان المدار في الإقرار ملاحظة حاله لا حال الصحة و هو هنا صحيح و في الأول عليل.

مادة (1601) إقرار المريض بعين أو دين لأجنبي يعني لمن لم يكن وارثه في مرض موته صحيح الى آخرها.

عرفت ان هذا على إطلاقه ممنوع و انما يصح حيث لا تهمة أما معها فلا، اما حمل إقراره على الهبة أو الوصية فقد عرفت ان صيغة الإقرار تأباه لأنه اخبار و هما إنشاء نعم لو قامت القرائن القطعية على إرادته ذلك نفذ إقراره و لكن من الثلث أو الأصل كل فريق على مختاره.

مادة (1602) ديون الصحة مقدمة على ديون المرض

يعني تقدم الديون التي تعلقت بذمة من كانت تركة غريمه في حال صحته على الديون التي تعلقت بذمته في مرض موته بإقراره و هو انه تستوفى ديون الصحة منتركة المريض ثم تؤدى ديون المرض ان بقيت

ص: 67

فضلة- الى آخرها.

موضوع البحث في هذه المادة هو المدين الذي استغرقت ديونه تركته أو زادت، و حق التحرير فيه انتقال ان من استغرقت ديونه تركته اما ان يكون مفلساً اي حكم الحاكم بحجر أمواله ثم مرض مرض الموت و أقر بعين أو دين أو استقرض بعد الفلس و مات فلا إشكال في ان الغرماء المتقدمين على الحجر يختصون بوفاء ديونهم من التركة فإن زاد شي ء فهو للمتأخرين و لا اثر لمرض الموت في هذا الحكم بل يجري حتى في الصحيح إذا حجر عليه و مات أو اقتسم الغرماء أمواله في حياته فان ديونه المتجددة تبقى في ذمته و على أمواله المتجددة و لا يشاركون الغرماء السابقين و اما إذا لم يحجر عليه بحكم الحاكم فتقديم ديون الصحة على ديون المرض الثابتة المحققة استحسان محض لا دليل عليه سواء كان الثبوت بإقراره الخالي من التهمة أو بسبب آخر و سواء كان الإقرار في زمن الصحة أو المرض و في مرض الموت أو غيره و سواء كان الإقرار بعين أو دين و بالجملة فالديون بتة كلها سواء في مرتبة واحدة لا فرق بين ما كان منها في زمن الصحة أو في زمن المرض بإقرار أو بحجة اخرى، كلها تخرج من التركة ان وفت بها و ان لم تف وزعت على الغرماء بالنسبة كما في المفلس و لا يخرج من ذلك إلا الإقرار بعين أو دين مع التهمة فتدبره و اغتنمه.

و على الأصل الذي اعتمدوا عليه في هذه المادة بنوا

ص: 68

مادة «1603» إذا أقرا أحد في مرض موته بكونه قد استوفى طلبه الذي في ذمة أجنبي

ينظر الى ان هذا الطلب تعلق بذمة الأجنبي حال المرض أو حال الصحة- إلى آخرها.

تحرير هذا البحث ان من أقر بوصول حق له ثبت بتصرف مالي على غيره فلا يخلو اما ان يكون تصرفه كبيع أو قرض و إقراره معا في حال الصحة و اما ان يكونا معا حال المرض أو يكون التصرف حال الصحة و الإقرار حال المرض أو العكس أما (الاولى) فلا إشكال في نفوذ إقراره و لا يتوقف على اجازة الغرماء لو كان له غرماء و لا على غيرهم و اما (الثانية) فقد حكمت المجلة في هذه المادة بأنه يصح إقراره و لكن لا ينفذ في حق غرماء الصحة ثم فرقت بين هذه و بين الصورة الثالثة فحكمت فيها بصحة الإقرار على كل حال و ان كان له غرماء صحة و ليس لهم ان يقولوا لا نلزم بإقراره هذا، و لعل وجه الفرق عندهم بين الصورتين ان الغرماء عند مرض المديون يتعلق لهم حق في أمواله فتصرفه بالبيع أو القرض و نحوهما يكون في متعلق حقهم و إقراره بوصول عوضه اليه موقوف نفوذه على تصديقهم أو قبولهم فلهم ان لا يلتزموا بهذا الإقرار بخلاف الصورة الأولى فإن حق الغرماء في حال الصحة في ذمة المديون لا في أمواله فينفذ إقراره و لعلك تفطنت الى وجه الخدشة فيه فان المرض إذا كان يوجب تعلق الغرماء في أموال المديون فاللازم تعلق حقهم حتى لو كان التصرف حال الصحة فإن المدار على الإقرار لا على التصرف فإقراره بوصول الحق

ص: 69

إليه في حال مرضه يوجب النقص عليهم حيث لا يكون موجودا معلوما و على كل فالتفرقة لا تخلو من نظر أما (الرابعة) فهي كالأولى واضحة قطعية الصحة لأن التصرف حال المرض المتعقب بالصحة لا يبقى له اثر و ينفذ تصرفه و إقراره إذ المرض الموجب للحجر أو لتعلق حق الغرماء هو مرض الموت لا الذي تعقبته الصحة فليتدبر.

مادة (1604) ليس لأحد ان يؤدي دين غرمائه في مرض موته و يبطل حقوق باقيهم،،،

يريدون بهذه المادة معنى قصرت العبارة عن أدائه و هو انه إذا قصرت أموال المريض عن ديونه فليس له ان يدفع لواحد منهم تمام دينه و يجعل النقص و الخسران على الباقين بل لا بدّ من توزيع النقص على الجميع نعم لو كان في أمواله عين اشترها و لم يدفع ثمنها فصاحبها أحق بها و له ان يختص فيها كما سبق في محله، اما قولهم في هذه المادة: و لكن له ان يؤدى ثمن المال الذي اشتراه أو القرض الذي استقرضه حال كونه مريضا فهو واضح الضعف لأن الأموال ان كان فيها سعة فله دفع هذا الدين و غيره و ان كانت قاصرة تساوى الجميع بها فتدبرها بإمعان و باللّه المستعان.

مادة (1605) الكفالة بالمال في هذا المبحث في حكم الدين الأصلي إلى آخرها.

هذا مبني على ما تقدم منهم من الحكم الغريب المجازف و هو ان الإقرار للوارث في المرض لا ينفذ و الإقرار للأجنبي نافذ من الثلث

ص: 70

و قد قلنا انه إذا كان النفوذ من الثلث فنفوذه للوارث اولى و الأقربون اولى بالمعروف و الأصل في هذا عند فقهاء الجمهور النبوي المشهور في كتاب الوصايا و الفرائض: ان اللّٰه قد فرض لكل ذي حق حقه ألا لا وصية لوارث، و المراد منه على فرض صحته رفع الوجوب لا الجواز كما سيأتي في محله ان شاء اللّٰه.

الباب الرابع في (بيان الإقرار بالكتابة)

مادة (1606) الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان

انظر مادة (69) الكتابة اما ان يحص العلم منها للحاكم أو الشاهد أولا ففي صورة عدم حصول العلم أو الظن المتاخم لا عبرة بها قطعا و في صورة حصول العلم اما ان يحصل العلم بأنها خط فلان و توقيعه فقط من دون ان يحصل العلم بما اشتملت عليه من بيع أو إقرار بدين أو عين أو نحو ذلك أو يحصل العلم بأنها خطه و ان ما فيها حق مطابق للواقع ففي الصورة الأولى أيضا لا عبرة بها كالتي قبلها كما لا إشكال في اعتبارها و العمل عليها في الصورة الأخيرة و من هنا ظهر ان شهادة

ص: 71

الشهود ان هذا خط فلان و توقيعه لا تجدي ما لم يشهدوا على نفس الواقعة التي تضمنتها الكتابة و ظهر أيضا عدم صحة إطلاق المجلة ان الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان و الفرق بينهما عند أرباب القرائح جدا واضح، فتأمله تجده ان كنت من اهله و منه يستبين الخلل أيضا في مادة (1607) إذا أمر أحد كاتبا هو إقرار حكما بناء عليه لو أمر أحد كاتبا بقوله: اكتب لي سندا- الى آخرها.

هذا خارج عن الإقرار بالكتابة و خلط في الموضوع فإن الإقرار بالكتابة هو الخالي من لفظ أصلا اما الفرض المذكور فهو إقرار باللسان حقيقة لا حكما فإنه قال اني مديون (غايته) انه سجل إقراره و أمر بكتبه و هذا لا يخرجه عن الإقرار القولي كما هو واضح.

مادة «1608» القيود التي هي في دفاتر التجار المعتد بها هي من قبيل الإقرار بالكتابة أيضاً مثلا لو كان أحد التجار قد قيد في دفتره إلخ.

هذا ثابت في المعاملات التجارية و في عرف التجار اما عند الشرع و حكام الشرع فالمدار على ما ذكرنا من ان الكتابة إذا لم يحصل منها العلم فلا اعتماد عليها نعم لا مانع من إرجاع مثل هذه القضايا الى عرف التجار ليحكموا بها فيما بينهم على سبيل التراضي من دون تدخل الشرع فيها، و مما ذكرنا يظهر الحق الصريح و الحكم و الصحيح في مادة (1610) إذا أنكر من كتب سندا أو استكتبه و أعطاه ممضى أو مختوما الدين الذي حواه فلا يعتبر إنكاره إلى آخرها.

ص: 72

فإنه انما لا يعتبر إنكاره إذا كان خطبه و ختمه مشهورا متعارفا لو حصل العلم من خطه بوقوع ما اشتمل عليه الخط اما لو قطعنا بأنه خطه لكن لم يحصل لنا العلم بوقوع البيع منه واقعا مثلا فلا وجه لرد إنكاره ضرورة ان الإنسان قد يكتب معاملة قبل وقوعها ثم يعدل عنها و ملاك القضية هنا و في نظائرها ان الأصل في المعاملات عندنا انها لا تنعقد إلا بالإنشاء اللفظي فلو أنشأ البيع بالكتابة من دون لفظ لم ينعقد البيع و كذا سائر العقود بل و الإيقاعات و مثلها الإقرار غايته انه في العاجز عن التكلم يكفي الإشارة و كذا غير العاجز في بعض الموارد التي يصدق عرفا انه أقر كما سبق ذكره اما الكتابة فلم يعتبرها الشرع عندنا و لا العرف، هذا كله مع الأمن من التصنع و التزوير فكيف مع عدمه و إذا لم يثبت الحق بالكتابة رجعت القضية طبعا الى باب المدعي و المنكر فتدبره و اغتنمه، و مما ذكرنا يتضح الكلام في مادة «1611» إذا اعطى أحد سند دين حال كونه مرسوما الى آخرها، بل هي من قبيل سابقتها و ذكرها تكرار لا فائدة فيه كما انك عرفت الحكم في مادة «1613» إذا ظهر كيس مملو بالنقود في تركة أحد محرر عليه بخط الميت ان هذا الكيس مال فلان و هو عندي امانة يأخذه ذلك الرجل من التركة و لا يحتاج إلى إثبات بوجه آخر،،، فإنما لا يحتاج إلى الإثبات إذا حصل العلم بالواقع أو الاطمئنان بصحة ما كتب بخطه اما لو لم يحصل العلم بذلك فلا أثر للكتابة و لو علمنا بكونها بخطه و توقيعه و لا سيما مع التهمة،

و الى هنا انتهت مواد

ص: 73

المجلة المتضمنة لأحكام الإقرار الجديرة بالاعتبار،

و لكن بقي من مباحثه المهمة بحثان مهمان

اشارة

لم تتعرض المجلة لشي ء منهما و نحن استيعابا للفائدة نذكر موجزا من البحثين

[البحث الأول] في الإقرار بالمبهم
اشارة

و هو نوعان-

الإقرار بلفظ مبهم

مثل له علي مال أو شي ء أو عين أو مال حقير أو خطير أو يسير و إضراب ذلك من المفاهيم العامة المترددة بين القليل و الكثير، و حكم هذا النوع انه يلزم بالتغير فان فسره بما له مالية و لو قليلة قبل منه و ان امتنع عن التفسير أو فسره بما لا مالية له حبس حتى يبين و لو قال له علي حق ثم فسره بحق العيادة أو حق الجوار و نحو ذلك قيل يقبل منه و قيل لا- لان تلك الوجوه و ان أطلق عليها في الشرع انها حقوق لكن المتبادر عرفا من الحق الحقوق المالية و الأولى أو الأحوط رعاية المقامات فإنها تختلف باختلاف الأشخاص و الزمان و قرائن الأحوال و المرجع في أمثال ذلك الى حاكم الشرع الخبير بالعرف و أساليب البيان،،

[الثاني] الإقرار بالعدد المبهم

كما لو قال له علي كذا درهم بالجر أو بالرفع أو بالنصب أو السكون الزم بواحد فالجر على الإضافة البيانية و الرفع على البدلية و النصب على التمييز و السكون على واحد من هذه الوجوه و أشكل باحتمال ارادة الجزء فعلى الجر جزء درهم و هكذا في بقية الحركات و يلزم بتعيين الجزء، و مثل هذا لو قال كذا و كذا درهما، و كذا كذا درهما و قيل في هذين الإقرارين يلزم بأقل ما يوازنها من الاعداد أيضاً ففي المثال الأول يلزم بواحد و عشرين

ص: 74

درهما و في الثاني أحد عشر درهما، و يحصل من ضرب صور الإقرارات الثلاثة بأنواع الحركات الأربع اثنى عشر صورة و الأقوال فيها ثلاثة الحمل على الدرهم أو جزء منه في الجميع أو الحمل على أقل ما يوازنه من الأعداد كذلك أو إلزامه بالتفسير فيها اجمع، اما حمله على أقل ما يوازنه من الأعداد فهو و ان كان موافقاً لقواعد العربية و لكن العرف لا يعرف ذلك و لا يلتزم به في استعمالاته، فإلزامه بالتفسير في جميع الإقرارات المبهمة عددا أو غيره أسد و أسلم.

البحث الثاني (في تعقيب الإقرار بما ينافيه)

و هو أيضا نوعان [الأول] التعقيب بالاستثناء و له صورتان- استثناء من الجنس، و آخر من غير الجنس فان كان مستوعباً بطل مطلقا و الأصح الإقرار بالباقي و لو كان هو الأقل ان اتصل به عرفا و هو من النفي إثبات و من الإثبات نفي و عليه فلو قال له على مائة إلا تسعين لزمه عشرة لانه نفي التسعين من المائة المثبتة و لو قال الا تسعون لزمه المائة لأن [إلا] هنا وصفية بمعنى غير لا استثنائية يعني مائة موصوفة بأنها غير تسعين و هي صفة مؤكدة مثل نفخة واحدة و لا تختص الا الوصفية بالجمع المنكر كما قيل بل تصح في غيره على

ص: 75

الأصح و ورودها بقوله تعالى (لَوْ كٰانَ فِيهِمٰا آلِهَةٌ إِلَّا اللّٰهُ لَفَسَدَتٰا) لا يقتضي الاختصاص.

و لو قال ليس له علي مائة إلا تسعون يلزمه التسعون لانه استثناء من المنفي و هو بمنزلة ليس له علي الا تسعون و لو قال مائة إلا تسعين لم يثبت شي ء لأن النصب لا يكون الا من الموجب و حيث لا إيجاب تعين كون النفي مسلطا على تمام الجملة يعني ليس له علي مائة خرج منها التسعون اي ليس له علي عشرة فلم يعترف بشي ء و لا أقل من الاحتمال و الأصل البراءة فلا شي ء عليه و لو تعدد الاستثناء فان كان بعاطف كما لو قال له عشرة إلا أربعة و الا ثلاثة فالجميع الى المستثنى عنه فيلزمه الباقي سواء كان الثاني أقل من الأول أو أكثر أو مساويا نعم لو استوعب الجميع بطل ما به الاستيعاب كما لو قال له علي عشرة الا خمسة و الا خمسة بطلت الأخيرة و لزمه خمسة و مثله لو قال له؟؟؟؟

الا خمسة و الا سبعة أو إلا سبعة و الا خمسة.

و ان لم يكن بعاطف و لا مساويا لما قبله و لا أزيد رجع كل تال الى ما قبله مثل له علي عشرة الا خمسة إلا ثلاثة فيلزمه ثمانية و المرجع في كل أمثلة هذا الباب هي القاعدة المتقدمة- الاستثناء من الإثبات نفي و من النفي إثبات فإنه أثبت العشرة أولا في المثال ثم نفي بالاستثناء منها خمسة ثم اثبت بالاستثناء الثاني منها ثلاثة فلزمه ثمانية خمسة بالإثبات الأول و ثلاثة بالإثبات الثاني و هكذا مهما تعاقبت الاستثناءات بشرط ان لا يستوعب و لا ينفي شي ء فيبطل المبطل منها الأخير

ص: 76

أو الذي قبله و الضابط ان كل زوج و إثبات و كل فرد نفي فتجمع الأزواج و تطرح منها الافراد أو بحسب الزائد كما لو قال له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ثلاثة فيلزمه خمسة و عليك بالتطبيق و التحقيق فإنه رشيق و ليس بغامض و لا دقيق و باللّه التوفيق.

هذا كله في الاستثناء بالجنس اما الاستثناء بغير الجنس كما لو قال له علي عشرة دراهم الا ثوب فاللازم ان يطالب بتفسير الثوب و تعيين قيمته فان عينه بقيمة مستوعبة لم يقبل و ان فسره بما دون العشرة قبل منه و الزم بالباقي.

هذا كله في تعقيب الإقرار بالاستثناء اما تعقيبه بالإضراب بلفظ [بل] أو بغيرها كما لو قال له علي مائة بل تسعون فإنه يلزم بالمائة و المرجع في هذا الباب الى القواعد العربية المتبعة في هذه الأداة [بل] فإنها ان كانت بعد إيجاب جعلت الحكم لما بعدها و نفي ما قبلها مسكوتا عنه و حيث ان الإقرار في المثال المتقدم و أضرابه قد تحقق و يكون الإضراب شبه إنكار و لا يقبل الإنكار بعد الإقرار لذلك تعين الأخذ بالأول و هو المائة و نفي ما بعدها و هو التسعون و الضابطة ان ما بعدها ان كان داخلا فيما قبلها أو كان أكثر منه لزم الأكثر كما في المثال المتقدم و مثله له علي قفيز بل قفيزان أو درهم بل درهمان و ان كان مغايراً له بالتشخص أو الطبيعة كما لو قال له علي درهم بل ثوب أو هذا الدرهم بل هذا الدرهم لزمه الثوب و الدرهم في الأول و الدرهمان و هكذا في كل متباينين في المقر به أو المقر له كما لو قال

ص: 77

هذه الدار لزيد بل لعمرو فان الدار تدفع لزيد و يغرم قيمتها لعمرو و ان تغايرا بالإطلاق و التقييد كما لو قال له علي درهم بل هذا الدرهم لزمه المعين و لو قال له علي هذا الدرهم بل درهم لزمه المطلق اي درهم لعدم المنافاة بين المطلق و المقيد ففي الأول عين بعد الإطلاق فيتبع و في الثاني أطلق بعد التعيين و ليس هو إنكار حتى يلغو بل عدول الى ما ينطبق عليه فلا يلزم بالمعين.

كل هذا اتباعا لأصول العربية في الاستثناء و في الإضراب ففي الأول لا يعتبر إنكاراً ما لم يستوعب بخلاف الثاني و ان لم يستوعب فقول القائل له علي مائة إلا تسعين صحيح و يلزمه عشرة و قوله له علي مائة بل عشرة باطل و يلزمه بالمائة لا بالعشرة و الفرق بينهما من جهة الفرق بين الاداتين الا و بل لغة فتدبره، اما الإضراب بغير [بل] كما لو قال له علي عشرة ثمن مبيع لم أقبضه أو له على عشرة دفعتها له فالمشهور إلزامه بالعشرة و سقوط دعواه الدفع أو عدم قبض المبيع و لهم في ذلك بحث و خصام، و نقض و إبرام، ينتهي إلى أنه يؤخذ بإقراره و تطلب منه البينة على الدفع أو على انه ثمن مبيع إذ كلامه يتضمن إقراره و دعوى عين من أموال المقر له فيلزمه إثباتها و عندي فيه نظر نظراً إلى القاعدة المسلمة من ان للمتكلم ان يلحق بكلامه ما شاء و ان الكلام لا ينعقد له ظهور حتى ينتهى المتكلم منه أو يعرف انتهاؤه بالسكوت الطويل أو الانتقال الى موضوع آخر و على هذا جرت قضية الاستثناء و صح الإخراج سواء جعلناه قبل أو بعده و لا

ص: 78

ينقص بالإضراب فإنه يعد لغة و عرفا استيناف كلام و انتهاء من الكلام السابق و لذا لم يصححوا الإخراج فيه كالاستثناء في له علي مائة بل عشرة كما صححوه له علي مائة إلا تسعين و جعلوه إنكاراً بعد الإقرار، و عليه فيمكن منع كونه إقراراً يتضمن دعوى تحتاج إلى إثبات بل هو كلام واحد فاما ان يقبل كله أو برد كله و المسألة دقيقة تحتاج الى مزيد تأمل و تتبع.

ص: 79

الكتاب الرابع عشر (في الدعوى)

اشارة

(و يشتمل على مقدمة و بابين)

ص: 80

المقدمة (في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالدعوى)

كان الاولى على طريقة الفقهاء ان يعنون هذا الكتاب بكتاب (القضاء و الحكم) و هو التشريع السماوي الذي شرعه الحق لفصل الخصومات بين الخلق و حفظاً لنظام الهيئة الاجتماعية. إذ لما كان من طبيعة هذا النوع أو سائر الأنواع الحية تنازع البقاء المؤدي بالطبع غالبا على الحرص و الأثرة مضافا الى غريزة الجهل و النسيان و الغلط المستلزم كل ذلك تعادي البشر، و تمادي الشر و الضرر، صار من الختم الضروري ان تشرع قوانين لحسم تلك المشاجرات، و تخفيف تلك الويلات، و لا بد لتلك القوانين من مهيمن عليها و مضطلع بأعباء تطبيق كلياتها

ص: 81

على مصاديقها و أنواعها على افرادها و جزئياتها، فالقوانين هي أحكام الدعوى و المضطلع بها المسيطر عليها هو الحاكم و القرآن المجيد هو الأصل في تعيين الحكم و الحاكم و إلزام العمل بحكمه و الرجوع اليه:

يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ. و هذه الوظيفة هي خلافة اللّٰه في أرضه، و إذ قال ربك إِنِّي جٰاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، ثم قال جل شأنه إلزاماً و خضوعاً و التزاماً بالعمل بحكم ذلك الخليفة: فَلٰا وَ رَبِّكَ لٰا يُؤْمِنُونَ حَتّٰى يُحَكِّمُوكَ فِيمٰا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لٰا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّٰا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً، خَصْمٰانِ بَغىٰ بَعْضُنٰا عَلىٰ بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنٰا بِالْحَقِّ وَ لٰا تُشْطِطْ وَ اهْدِنٰا إِلىٰ سَوٰاءِ الصِّرٰاطِ- إلى كثير من أمثالها و البحث في هذا الكتاب يقع في أركان الحكم و مقوماته و مقدماته و شروطه، و أركانه أربعة. الدعوى. و المدعي. و المدعى عليه. و الحاكم، و الحكم نتيجة كل ذلك، و حيث ان الدعوى هي؟؟؟ المقدمات لذلك بدأت بها المجلة فقالت

ص: 82

الباب الأول في (شروط الدعوى و أحكامها و دفعها

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان شروط الدعوى)
مادة (1616) يشترط ان يكون المدعي و المدعى عليه عاقلين.

هذا خروج عن العنوان فان العنوان لبيان شرائط الدعوى لا شرائط المتداعيين، و إنما شرائط الدعوى كونها معلومة لا مجهولة و جزمية لا احتمالية و أمثال ذلك نعم لا اشكال ان شرائط المتداعيين أصالةً تكون شروطاً للدعوى تبعاً و يظهر من هذه المادة عدم اعتبار البلوغ في قبول الدعوى و يكفي كون المدعي مميزاً و هو محل نظر و ظاهر أصحابنا الاتفاق على اعتبار البلوغ فلا تسمع دعوى غير البالغ مطلقاً و لكن بعد أن استدل السيد الأستاذ (قده) لذلك بما دل من الاخبار على ان

ص: 83

أمر الصبي لا يجوز حتى يبلغ و بالإجماع قال: و لكن القدر المتيقن من الإجماع و غيره عدم سماع دعوى الصبي فيما يوجب تصرفاً في مال أو غيره مما هو ممنوع منه و الا فمقتضى عمومات وجوب الحكم بالعدل و القسط و نحوهما سماعها في غير التصرفات كما إذا ادعى على شخص انه جنى عليه أو سلبه ثوبه أو أخذ منه ما في يده و أتى بشهود فلا دليل على عدم سماع دعواه انتهى، و هو كما ترى قوي متين و يتفق مع ما ذكرته (المجلة) و لكنها أخلت ذكر باقي شرائط المدعي أو الدعوى مثل اشتراط كونه رشيداً فلا تسمع دعوى للسفيه و إن كان بالغاً و لكن قيدها بعضهم بالمال اما لو تعلقت دعواه بغير المال كحق القذف و الجناية و الزواج بل ترقى السيد رضوان اللّٰه عليه إلى سماع دعواه بالمال أيضاً لأن المسلم منعه من التصرف بالمال لا دعوى المال فإن أثبته دفعه الحاكم لوليه لا له و هو وجيه أيضاً (الشرط الثالث) و كون ما يدعيه لنفسه أو لموكله أو لمن له عليه ولاية أو كونه متعلق حصة من رهانة أو أمانة أو اعارة أو التقاط فلا تسمع الدعوى عن؟؟؟؟ بدون شي ء من تلك العلاقات نعم يجوز للأجنبي من باب الحسبة اقامة الدعوى كما لو ادعى شخص على صغار بدين على أبيهم بعد موته و الأجنبي يعلم بأن الأب قد دفع له دينه و له شهود على ذلك فله المدافعة كما له اقامة الدعوى في صورة العكس و علمه أن لأب الأيتام ديناً على شخص إذ لا قصور في العمومات عن شمولها لمثل ذلك (الشرط الرابع) ان يكون ما يدعيه امراً ممكناً فلا تسمع دعوى المحال عقلًا

ص: 84

أو عرفاً أو عادةً أو شرعاً (الخامس) ان يكون ملزماً بشي ء فلو ادعى عليه وقفاً أو هبة بلا قبض لم تسمع ضرورة ان الوقف بلا قبض ليس له اثر يلزم به لو ثبت (السادس) ان يكون ما يدعيه مما يصح ملكه فلا تصح دعوى المسلم خمراً أو خنزيراً إلا في مقام دعوى الاختصاص (السابع) أن يكون متعلق الدعوى معلوماً جنساً و نوعاً و وصفاً و قدراً في المشهور فلو ادعى عليه ثوباً أو فرسا أو كتاباً لم تسمع و عللوه بعدم الفائدة لو اعترف به و خالفهم جماعة فألزموا المدعى عليه بعد الثبوت بالتعين و الحلف على عدم الأعلى منه أو عدم العلم بما زاد و إلا يؤخذ منه القدر المتيقن مقداراً أو فرداً من حيث الوصف أو القيمة و لو كان مردداً بين ما له قيمة و ما ليس له قيمة و فسره بالثاني قبل منه مع اليمين (الثامن) صراحة الدعوى في استحقاق المدعي فلو قال هذه الدار كانت لي و هذا التمر من نخلي لم تسمع حتى يضم إليها و هو الآن لي و مثله لو قال هذه الأمة التي بيدك بنت أمتي، قالوا و لذا لو أقر شخص بيده جارية بأنها بنت أمتك لم يكن إقراراً له بالجارية بخلاف ما لو أقر له بان هذا الدقيق من حنطته و هذا الغزل من صوفه و عليه فلو أقر له بذلك لزمه الإقرار و وجه الفرق بين النوع الأول من الدعوى فلا يسمع و بين الثاني فيسمع و كذا الإقرار يظهر بالتأمل و بعد معرفة وجه الفرق بين المقامين على حقيقته يندفع إيراد السيد الأستاذ على ما ذكروه فليتدبر (التاسع) ان يكون للمدعي طرف توجه إليه المخاصمة فلو لم

ص: 85

يكن طرف موجود فعلًا و أراد إثبات موضوع بإصدار الحكم له من الحاكم ليكون دافعاً لدعوى محتملة لم يجب على الحاكم سماعها فلو سمعها لم ترتب على حكمه فلو ادعى المدعي تعاد الدعوى من رأس و استقرب السيد (قده) سماعها و ترتب الأثر على حكمه لو حكم و انه لا يجوز و هو محل نظر و لا يقاس هذا على الحكم بالهلال و الحدود التي لا خصومة فيها فليتدبر (العاشر) الجزم في الدعوى فلا تسمع الدعوى الظنية و الوهمية على المشهور و خالفهم جماعة فأجازوا سماع الاحتمالية فضلًا عن الظنية و فصل آخرون بين ما يعسر الاطلاع عليه كالقتل و السرقة و نحوهما و عن بعض تخصيص السماع بصورة احتمال الإقرار أو وجود البينة إذا ادعى المدعي أحدهما فإن حصل أحدهما نظرها الحاكم و إلا سقطت طبعاً و قد تمادى الجدال و تدافع بينهم الاستدلال في هذا المجال، و الأوجه عندي في أمثال هذه القضايا أن ترد الى نظر الحاكم فإن ظهر له من الخصوصيات المقامية و القرائن الحالية ان في ردها تضييع حق أو مشايعة باطل لزمه سماعها و إن وجدها واهية بحد ذاتها و إنها لا تنتهي إلى غاية تركها، و قد ورد في جملة من أحاديث أهل البيت سلام اللّٰه عليهم ما يدل على جواز الاستحلاف على التهمة كخبر بكر بن حبيب قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السّلام أعطيت جبة الى القصار فذهبت بزعمه فقال عليه السلام ان اتهمته فاستحلفه و في خبر آخر لا يضمن القصار الا ما جنت يداه و إن اتهمته أحلفته، نعم لا يمكن هنا رد اليمين على المدعي لعدم جزمه فيقضي

ص: 86

بمجرد النكول أو توقف الدعوى و لا يقدح في تعميم حكمها ورودها في مورد اليد المقتضية لوحدة الملاك و للأصحاب، هنا بحوث عريضة طويلة فليراجعها من أرادها.

(الحادي عشر) تعيين المدعى عليه فلو ادعى على أحد الشخصين أو الأشخاص مرددا و لم تسمع كما لو قال لي كذا على زيد أو على عمرو على الترديد لم تسمع لعدم الفائدة بذلك لو ثبت اعترافهما بان قالا نعم أخذ عليه ذلك الدين و لا يعلم التعيين فإنه لا يثبت الحق على أحدهما لجريان الأصل في جعل كل واحد منهما و يمكن ان يقال بالسماع و الرجوع الى القرعة أو التوزيع بينهما لدفع الضرر أو المصالحة جمعا بين الحقوق نعم لو كانت الدعوى على غير محصورين سقطت قطعا و مثله الكلام مع الترديد في المدعي بان قال شخصان ان لأحدنا حقا عليك.

(الثاني عشر) يشترط في سماع الدعوى حضور المدعى عليه فلا تحسم الدعوى بالحكم القطعي نعم يجوز سماع الدعوى على الغائب في سفر أو غيره قريبا أو بعيدا و لكن لو قامت الحجة لا يحكم حكما قطعيا بل الغائب على حجته كما سيأتي في محله إن شاء اللّٰه.

و في خبر جميل الغائب يقتضي عليه إذا قامت عليه البينة و يباع ماله و يقتضي عنه دينه و هو غائب و يكون الغائب على حجته إذا قدم و لا يدفع المال إلى الذي أقام البينة إلا بكفلاء إذا لم يكن مليا نعم في خبر آخر لا يقضى على غائب و المراد به لا يقضى عليه قضاء قطعيا

ص: 87

حاسما لان الدعوى عليه لا تسمع و البينة لا تقبل.

هذا ذرو من القول أو ذروة من ذروة مما ذكره فقهاؤنا في شرائط صحة سماع الدعوى ذكرناها موجزة كرءوس أقلام و قد أخلت (المجلة) بأكثرها و منه تجد الفرق بين الفقاهتين أو الثقافتين و اللّٰه ولي توفيق الجميع،،، و الى الشرط الحادي عشر أشارت المجلة في مادة (1617) يشترط ان يكون المدعى عليه معلوما الى آخرها.

و الى الثاني عشر أشارت بمادة (1618) يشترط حضور الخصم حين الدعوى الى آخرها و الى السابع بمادة (1619) يشترط ان يكون المدعى به معلوما و لا تصح الدعوى إذا كان مجهولا،،، و الى الرابع بمادة (1629) يشترط ان يكون المدعى به محتمل الثبوت الى آخرها،،، و الى الخامس بمادة (1630) اما مادة (1621) إذا كان المدعى به عينا منقولا و حاضرا بالمجلس يدعيه المدعى بقوله هذا لي مشيرا اليه،،، و ما بعدها من المواد إلى مادة (1627) فجميعها لبيان مقدار المعلومية اللازمة في الدعوى و حدودها حسب اختلاف المواضع و الأعيان التي يدعي بها فإن جملة من الأشياء يكفي فيها المشاهدة و ان لم يعلم المدعي قيمتها أو كيلها و وزنها كخاتم الزمرد و نحوه فلو كانت

ص: 88

حاضرة كفت الإشارة إليها و ان كانت غايبه كفى الوصف و بالجملة فالظاهر المستفاد من النصوص و الفتاوى أن المعلومية المعتبرة في الدعوى أوسع دائرة من المعلومية المعتبرة في البيع فتكفي المشاهدة أو الوصف حتى في المكيل و الموزون الذي لا يكفي في البيع و في الأراضي و البساتين يكفي ذكر الحدود و الجهات بل لا بد من ذكر الحدود سواء في الدعوى أو البيع إلا إذا كانت حدوده مشهورة معلومة بحيث تغني شهرتها عن ذكرها و لا يلزم ذكر مساحته أو عدد نخيله و أشجاره و لا عدد غرف الدار و مرافقها كل ذلك لكفالة المعلومية في الجملة في أمثال هذه الموارد حتى في البيع الذي هو أضيق العقود فضلا عن غيره و قد أشار الى بعض هذا في مادة «1623» إذا كان المدعى به عقارا الى آخرها.

(اما المديون) فهي مبنية على المعلومية التامة لأنها حق في الذمة لا في الخارج فلا بد من بيانه بما يرفع الإبهام كما أشارت إليه مادة «1626» إذا كان المدعى به دينا يلزم المدعى بيان جنسه و نوعه و وصفه و مقداره مثلا يلزم ان يبين جنسه بقوله ذهبا أو فضة و نوعه بقوله سكة آل عثمان أو الانگليز و وصفه بقوله سكة خالصة أو مغشوشة و مقداره بقوله ألفا،،، إلى آخرها.

مادة «1627» إذا كان المدعى به عينا فلا يلزم بيان سبب الملكية

بل تصح دعوى الملك المطلق بقوله هذا المال لي و اما إذا كان دينا فيسئل عن سببه الى آخرها.

ص: 89

فالفرق بين المقامين غير واضح و الأصح انه لا يلزم بيان السبب لا في الدين و لا في العين فتدبره.

مادة «1628» حكم الإقرار هو ظهور المقر به و ليس حدوثه بداءة

و لهذا لا يكون الإقرار سببا للملك بناء عليه لو ادعى شيئا و جعل سببه إقراره فقط لا يسمع دعواه مثلا لو ادعى ان هذا المال لي و ان هذا الرجل الذي هو ذو اليد كان قد أقر بأنه مالي تسمع دعواه و اما إذا ادعى بقوله ان هذا المال لي لأن هذا الرجل الذي هو ذو اليد كان قد أقر بأنه مالي فلا تسمع دعواه،،، الفرق بين المثالين دخول اللام في الثاني فلم يصح لانه ظاهر في التعليل و عدم دخوله في الأول فتكون الدعوى مركبة أو متعلقة بأمرين الحق و انه قد أقر به، و لكن لا تذهبن عنك الخدشة في هذه التفرقة و انما تبطل الدعوى لو صرح ان سبب ثبوت الحق هو إقراره فإن الإقرار لا يكون سببا اما لو كان مراده من اللام ان الإقرار سبب الإثبات لا الثبوت كان متجها و وجب ان تسمع الدعوى في المقامين (توضيح) هذا انك ربما لا تكون عالما بان لك حقا على فلان و لكن هو قد اعترف به فتقول ان لي عليه هذا الحق لأنه هو أقر به و هذه دعوى صحيحة وجيهة فتدبره جيدا فإنه جيد ثمين و متين.

ص: 90

الفصل الثاني (في دفع الدعوى)

مادة «1631» الدفع هو الإتيان بدعوى من قبل المدعى عليه تدفع دعوى المدعى الى آخرها.

أتقن و أحسن من هذا التطويل القاصر و البيان الفاتر ان يقال ان جواب المدعى عليه اما إقرار أو إنكار أو سكوت، أما الأمثلة التي ذكرت في هذه المادة فكلها من قبيل الإقرار و دعوى الدفع فتنقلب الدعوى و يصير المدعي مدعى عليه و المدعى عليه مدعى و عليه إثبات الدعوى اي دفع الدفع أو التحويل أو غيرهما و (بالجملة) فالمدعى عليه إذا أقر حكم عليه فلو ادعى الإيصال أو نحوه لزمه الإثبات و الا نفذ الحكم عليه و إذا أنكر فعليه اليمين ان لم يكن للمدعي بينة «اما السكوت» فان كان لعذر مشروع لصمم أو خرس أو مرض توصلوا الى إفهامه بالإشارة و ان كان لعذر مانع فعلا أمهل إلى زوال عذره و ان كان بلا عذر الزم بالجواب أو لا بالرفق و اللين ثم يتدرج الحاكم إليه بالشدة و الغلظة من مرتبة إلى أشد منها حسب مراتب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

فإن بقي مصرا على عدم الجواب فرارا من الحق و تماديا في الباطل فقد اختلفوا بين قائل بلزوم حبسه حتى يجيب، و قائل بأنه

ص: 91

يجبر عليه بالضرب و الإهانة و قيل ان الحاكم يقول له ثلاثا ان أجبت و الا جعلتك ناكلا و رددت اليمين على المدعى فان أصر رد اليمين و حكم عليه و قيل بتخير الحاكم و ينبغي ان يكون هذا هو الأصح فيكون امره راجعا الى الحاكم فان نفسيات الأشخاص مختلفة و درجاتهم متفاوتة و لكل مقام مقال و لكل رجل حال «و الغاية» انه إذا أصر على عدم الجواب بغير عذر و لم يتمكن الحاكم من التوصل إلى وسيلة لتحصيل جوابه رد اليمين على المدعي ثم يحكم على الساكت لانه اما ان يجيب بالإقرار و هو مثبت للحق و اما بالإنكار و حكم اليمين و حيث لم يحلف رد اليمين على المدعي و حكم له، اما المواد الثلاث المذكورة في هذا الفصل فكلها كما عرفت من قبيل الإقرار و دفع الدعوى بالدعوى و من قبيل الانقلاب الذي عرفت حكمه

الفصل الثالث (في بيان من كان خصما و من لم يكن)
مادة (1634) إذا ادعى أحد شيئا و كان يترتب على إقرار المدعى عليه حكم بتقدير إقراره يكون بإنكاره في الدعوى و اقامة البينة خصما.

و ان كان لم يترتب حكم على إقرار المدعى عليه إذا أقر لم يكن خصما بإنكاره مثلا-،،، تشويه البيان و سوء التعبير و شدة التعقيد أمر الفناه و عرفناه في هذا الكتاب و لكن الأمر الثقيل على الطبع

ص: 92

اللطيف هو التطويل بلا فائدة و الظاهر ان المراد بهذه المادة هو تعريف الخصم بأنه هو الذي يلزمه لو أقر حكم اى هو الذي يحكم عليه بشي ء لو أقر، و أنت خبير بان تعريف الخصم لا فائدة أصلا و لا ثمرة تترتب عليه ابدا فان كل واحد من المتداعيين خصم للآخر لا يمتاز أحدهما عن الآخر من ناحية الخصومة و أيضا لم يرد لفظ الخصم في كتاب و لا سنة حتى يلزمنا معرفته أو تعريفه و انما المهم و اللازم معرفة المدعي و المنكر و تمييز أحدهما عن الآخر حتى يلزم كل واحد منهما بوظيفته من البينة و اليمين حسب ما ورد في النبوي المشهور البينة لمن ادعى و اليمين على من أنكر، على اختلاف اساليبه الواردة في كتب الفقه و الحديث و هذه المسألة أعني قضية الضابطة لتمييز المدعي من المنكر هي من أمهات أو معضلات كتاب القضاء و قد اختلفت كلمات فقهائنا الاعلام في هذا المقام أشد الاختلاف و كثرت التعاريف و الضوابط بما يجتمع بعضها مع بعض تارة و يفرق أخرى في مورد دون مورد و محل دون آخر و المشهور من تلك الضوابط ثلاثة أو أربعة.

(1) المدعي هو من يخالف قوله الأصل و المنكر هو من يوافق قوله الأصل.

«2» المدعي من يخالف قوله الظاهر، و المنكر من يوافقه.

«3» المدعي هو الذي لو ترك يترك، و المنكر هو الذي لا يترك لو ترك.

ص: 93

(4) المدعي من لا يلزمه شي ء بإقراره و المنكر من يلزمه شي ء لو أقر و كان أصحاب المجلة أراد و هذا الوجه الأخير فقصرت عباراتهم عن القصد الصحيح حيث جعلوه ضابطة للخصم؟؟؟؟ لا يتعلق به غرض أصلا و انما المهم هو المدعي و المنكر فساء البيان و اختل الميزان و تنافرت الإطاعة و العصيان ثم ان تلك التعاريف قد تنطبق على مورد واحد متصادقة عليه و قد تتنافر في موارد اخرى (مثلا) لو ادعى زيد على شخص من غير أهل بلاده و لم نعرف له علاقة به و لا صلة معه بدين فأنكر الآخر فزيد هو المدعي على جميع التقادير المتقدمة و الشخص منكر على كل تقدير منها، و لكن لو ادعت الزوجة التي تسكن مع زوجها مع يساره و صلاحه انه لا ينفق عليها فهي منكرة على الأول و الأخير مدعية على الثاني و الثالث و ربما يتحصل فرض يختلف فيه كل فرض مع الآخر، و التحقيق المهم هنا ليس ترجيح احدى هذه الضوابط على سائرها و انما المهم شي ء أدق و أحق بالبحث و هو ان هذين اللفظين اعنى (المدعي) (و المنكر) ليس للشارع فيهما اصطلاح خاص و لا له فيهما حقيقة شرعية حتى نبحث عن ذلك المعنى المجعول و هو ما يسميه بعض (بالموضوعات المستنبطة) كالكر و المسافة و الزكاة و الصلاة و نظائرها و انما المراد به المعنى اللغوي أو العرفي و التعاريف كلها طالت أو قصرت كلها لتحديد ذلك المعنى و الكشف عنه بجملة جامعة مانعة و لننظر أولا إلى تصاريف هذه المادة اعني المدعي و لا خفاء في أنها مأخوذة من

ص: 94

الدعوى و هي مصدر أو اسم مصدر من دعا يدعو دعاه و دعوى و يرجع أصلها إلى الطلب و دعاه طلبه أو طلب منه و اليه يرجع المضاعف و هو ادعاه دعوى اي تطلب منه حقا أو شيئا إذا فالمدعي هو الذي يطلب منه غيره شيئا سواء كان طلبه موافقا للأصل أم لا موافقا للظاهر أو مخالفا فالزوجة مدعية لأنها تطلب من الزوج و ان كان في دعواها عدم الإنفاق مخالفة للظاهر من جهة يساره و سكناها معه و هذا و ان اختل في جملة من الموارد و هي باب الأمناء كالمستأجر و الودعي و المرتهن و العامل في المضاربة فإن أحد هؤلاء لو ادعى رد العين أو تلفها بغير تفريط فهو مدع قطعا مع انه لا يطلب شيئا من خصمه بل خصمه و هو الموجر و المودع يطلب شيئا منه و هو العين و لكن يمكن أيضا إرجاع هؤلاء الى ذلك الأصل فإن كل واحد من هؤلاء يطلب شيئا و هو سقوط ضمان اليد عنه لما عرفت في محله من هذا الكتاب ان عموم قاعدة تقتضي ضمان كل من تلف مال غيره في يده و لهذا الضمان مسقطات منها الرد و منها التلف بغير تفريط و غير ذلك فالمستأجر يطلب سقوط ضمان العين التي كانت بيده بحصول المسقط فهو المدعي حقيقة و الموجر منكر و هكذا «و بالمجلة» فلو رجعنا الى العرف في معنى المدعي لوجدناه مفهوما بسيطا و في غاية البساطة و ليس هو أكثر من انه هو المطالب غيره بشي ء نعم قد يقع الاشتباه كثيرا في مصاديقه أو تمييز المطالب من المطالب منه و هذا جار في أكثر المفاهيم العرفية التي لا يزال يحصل الاشتباه و الشك في جملة

ص: 95

أفراد انه من مصاديقها أم لا و هنا تظهر فطانة الفقيه و لباقة المجتهد و فراسة الحاكم، و كل وظيفة الحاكم هي تطبيق الكليات على مصاديقها و استخراج أحكامها من أدلتها، فالمقتضي يعطي احكام الكليات و الحاكم يطبقها على الجزئيات،،، فتدبر هذا و انتفع به،،، اما الأمثلة التي ذكرتها المجلة في هذه المادة فالفرق بين المثالين لعله مبني على حقوق العقد و حيث ان حقوق عقد الرسول للمرسل فيكون هو الخصم للمدعى و تسمع دعواه و بيته لانه لو أقر للزمه دفع الثمن بخلاف الوكيل فان حقوق العقد له لا لموكله و لو أقر لم يلزمه بإقراره شي ء فلذا لا تسمع الدعوى عليه و لا البينة،،، هذا خلاصة ما اعتمدته المجلة في الفرق و لا يخفى على الشادي فضلا عن الفاضل ضعفه و ان الوكيل إذا اشترى لموكله كانت حقوق العقد لموكله أيضا كالمرسل [و بالمجلة] فالوكيل و الرسول ان اشتريا لأنفسهما كان المرسل و الموكل أجنبيين و لا تتوجه الدعوى الى واحد منهما أصلا و ان اشتريا للموكل و المرسل توجهت الدعوى إليهما و سمعت بينة المدعى عليهما، اما الوصي و الولي و المتولي فحقوق العقد لهم و إقرارهم نافذ في كل ما يعود الى ما لهم الولاية عليه بعد فرض أمانتهم و عنايتهم [مادة: 1635] الخصم في دعوى العين هو ذو اليد فقط،،، الدعوى اما ان تتعلق بعين أو دين أو منفعة أو حق اما الدعوى على العين فان كانت تعلقت الدعوى على من هي في يده فعلا فلو كان ذو اليد قد اشتراها من آخر لعلة غاصب لها أو متغلب عليها اشتباها لم تتوجه على ذلك

ص: 96

الغاصب البالغ بل على المشتري المستولي على العين فعلا فإذا أثبت المدعي أنها له انتزاعها منه و يرجع بالثمن على بائعها و ان كانت بالغة تخير في الرجوع بقيمتها على البائع أو على المشتري و يرجع هو على البائع و تجد تفصيل هذه النواحي في توارد الأيادي على العين إذا تلفت في يد أحدهم و مما ذكرنا يظهر الخلل في مادة (1636) إذا خرج مستحق للمال المشتري و ادعاه نظر الى ان المشتري،،، فان الدعوى على كل حال تتوجه إلى ذي اليد بايعا كان أو مشتريا فإذا كانت لا تزال عند البائع كان هو الخصم لا يلزم حضور المشتري لأنه لم يعلم كونه مالكا و ملكيته على ملكية البائع و هي الأصل فإذا زال زال الفرع تبعا قهرا.

مادة (1637) يشترط حضور الوديع و المودع و المستعير و المعير

و المستأجر و المؤجر و المرتهن و الراهن معا عند دعوى الوديعة على الوديع الى آخرها،،، العين في يد هؤلاء أمانة مالكية فلو ادعاها مدع فالدعوى على المالك لا على المؤتمن بل و لا يشترط حضوره أصلا بل لو أراد ان يدفع الدعوى من نفسه كان متبرعا و لا تنحسم الدعوى بدفاعه بل لا بد من دفاع المالك و الحكم له أو عليه اما لو غصبها غاصب من المستعين أو من المرتهن أو المستأجر فلكل واحد منهم الدفاع بما انه أمين و الأمين وظيفته المحافظة على الامانة و الدفاع عنها بل لو لم يدافع لكان مقصرا أو ضامنا فمن هنا صح دفاعهم عن الامانة و تحققت الخصومة كما انها تصح من المالك و هو في ذلك

ص: 97

الأصل الذي اليه و به تنتهي القضية اما أولئك اعني الوعي و المستعير و المرتهن فيشكل انسجام الدعوى بدفاعهم بحيث لو صار الحكم عليهم لا يبقى مجال دفاع للمالك و تجديد النظر فيها كما لو كان الحكم عليه رأسا فتدبره فإنه جدير بذلك.

(1638) لا يكون لوديع خصما للمشترى

و هو انه إذا ادعى أحد تسليم الدار المودعة عند شخص بقوله اني اشتريت هذه الدار الى آخرها.

الفرق بين المثالين ان المدعى في المثال الأول لم يدع الوكالة فلو ادعاها فرضا لم يثبتها و في الثاني ادعاها و إثباتها، و لكن لا يذهبن عنك ان يقول وكلتك بتسليمها و إقباضها إذ لا معنى ان يوكل الإنسان على قبض ما انتقل اليه و ما صار ملكه نعم انما يصح ان يوكل الوديع في الإقباض و التسليم فتدبره.

(1639) لا يكون الوديع خصما لدائن المودع

بناء عليه إذا أثبت الدائن طلبه الذي هو في ذمة المودع في مواجهة الوديع فليس ان يستوفي الدين من الوديعة التي عنده،،، هذا صحيح و لكن قيد (في مواجهة الوديع) لا محل له بل إذا أثبت الدين في مواجهة الوديع أو غيبته لم يكن له الاستيفاء مطلقا كما ان أخذ النفقة من الدراهم المودعة للغائب لا يصح على إطلاقه بل انما يصح بحكم الحاكم مع مطالبة الزوجة مثلا و عدم باذل عنه لا مطلقا، فالأول يجب إطلاقه و الثاني يجب تقييده و هو واضح، و مادة [789] أيضا لا تفي

ص: 98

بالبيان فراجعها.

«1640» لا يكون مديون المديون خصما للدائن،،،

هذا مما لا اشكال فيه و لا ريب و لا حاجة الى بيانه فإنه من توضيح الواضحات و مثله مادة (1641) لا يكون المشتري من المشتري خصما للبائع مثلا لو باع أحد ماله لآخر و بعد القبض باعه المشتري لآخر أيضا فليس للبائع الأول ان يطلب الثمن من المشتري الثاني-،،، نعم هذا صحيح و لكن للبائع ان يفسخ بخيار تأخير الثمن و إذا انحل العقد الأول انحل الثاني طبعا فيسترجع البائع العين من المشتري الثاني و هو واضح.

مادة «1642» يصح ان يكون أحد الورثة خصما في الدعوى التي تقام على الميت أو له،،، الى آخرها.

هذا الموضوع متشعب الجهات متسع النواحي و لم توفه المجلة حقه، فنقول في تشريحه و توضيحه من جميع أطرافه- ان واحدا من جماعة لو ادعى على آخر بعين في يده أو دين في ذمته، أو ادعى شخص على واحد من جماعة كذلك فاما ان يكون السبب في الدعوى واحدا أو متعددا فإذا كان لكل واحد سبب يدعى به فلا إشكال في ان الواحد لو ادعى بسبب و اثبت لم يثبت حق الآخر الذي يدعي حصته في العين بسبب آخر مثلا لو ادعى جماعة ان العين التي بيد زيد هي لهم اجمع و لكن ملكية أحدهم بالهبة و الآخر بالشراء

ص: 99

و هكذا فإذا أثبت المدعي بالهبة حقه فيها يحتاج مدعي البيع إلى إقامة دعوى مستقلة و إثبات آخر، و اما إذا اتحد السبب فاما ان يكون هو الإرث أو يكون غيره، اما الإرث فلو ادعى أحد الورثة عينا لميتهم في يد الغير فاما ان يقر صاحب اليد له بحصة فقط أو يقر بأنها لمورثه و على الثاني يشترك الورثة فيها بأجمعهم و لكن لا يجوز له دفع حصصهم لواحد منهم الا بتوكيل منهم و الا فاللازم ان يدفع لكل واحد حصته، و لو أقر للمدعي بحصته فقط لم يثبت حق الآخرين الا بدعوى منهم مستقلة و إثبات جديد و ان لم يقر و اثبت الوارث المدعى حقه بالبينة فإن شهدت البينة بحقه فقط لم يثبت حق الآخرين و ان شهدت بالسبب بان قالت ان هذه العين لمورثهم يثبت حق الجميع و لكن لا يدفع حق كل واحد الا له أو لوكيله و لا فرق في هذا بين دعوى الدين أو العين، اما إذا كانت الدعوى على الميت بدين أو بعين هي في يد واحد منهم فإن أقر له صاحب اليد نفذ إقراره في حصته فقط و لا ينفذ على الباقين بل يحتاج المدعى الى إقامة الدعوى على كل واحد منهم مستقلا، و ان أثبتها بالبينة فقد يقال انه يمشي الحكم على الجميع و هو الذي صرحت به المجلة في هذه المادة حيث يقول: و إذا لم يقروا ثبت المدعي دعواه في حضور ذلك الوارث فقط يحكم على جميع الورثة و إذا أراد ان يأخذ طلبه الذي أثبته من التركة فليس للورثة ان يقولوا له اثبت ذلك في حضورنا أيضا- الى قوله: و ان أنكر الوارث الذي هو ذو اليد و أثبت المدعي دعواه

ص: 100

يحكم على جميع الورثة انظر مادة «78» و هي البينة حجة متعدية و الإقرار حجة قاصرة.

و لكن هذا الكلام مختل الدعام، منحل النظام، أما (أولا) فيمكن ان يقال ان البينة و الحكم إذا قام على أحد الورثة لم يكن وجه لسريانه إلى باقي الورثة مع عدم حضورهم إذ لعل لهم دفاعا غير الذي دافع به ذلك الوارث المحكوم فلا بد اما من حضورهم في الدعوى أو تحديدها بالنسبة إليهم (و ثانيا) لو فرض سريان الحكم و البينة إليهم فما الوجه في قول المجلة و لكن لهم صلاحية دفع دعوى المدعي فان معنى نفوذ الحكم ان ليس لهم بعد الحكم حق الدفع فهذه الجملة تشبه ان تكون متناقضة مع ما تقدمها و ما تأخر عنها، و الأقرب ان الحكم على أحد الورثة لا يسري الى الباقين الذين لم يحضروا و لم يوكلوا و لهم المطالبة بإعادة الدعوى بحضورهم أما مادة (78) فهي أجنبية عن هذا المعنى فراجع الجزء الأول من التحرير هذا كله في الدعوى على الميت و الورثة، و اما لو كانت الدعوى لهم على شخص فإن أقر للجميع فلا اشكال و ان أقر لواحد اختص الإقرار به و ان اثبت الحق بالبينة لزمه الحق للجميع ان شهدت البينة و الحكم به كذلك و الا اختص الحق بمن اختصت به و بالضرورة فإن الحكم انما يصدر على وزان البينة سعة و ضيقا، و مثله الكلام في دعوى واحد من جماعة بسبب واحد غير الإرث كالاتهاب و الشراء و أمثالها فإنه أيضا يدور مدار الإقرار و البينة سعة و ضيقا و من جميع ذلك

ص: 101

يتضح لك ان الإقرار و البينة متساويان من هذه الجهات و ان اختلفا بالنظر الى بعض الخصوصيات كما تقدم في محله و هذا كله مما لا ينبغي الإشكال فيه انما الاشكال و العقدة العسرة الانحلال، ان الواحد الذي يدعي بالسبب المشترك إرثا كان أو غيره إذا أقر له المدعى عليه بخصوصه أو قامت البينة عليه كذلك إرثا كان السبب أو غيره كما لو ادعى ان هذه الثياب التي بيد زيد هي له و لإخوته إرثا أو شراء فاعترف له صاحب اليد بان له ثوبا منها و دفعه اليه فهل يشترك معه اخوته حسب دعواه و اعترافه أو يختص حسب إقرار صاحب اليد مسألة مشكلة و لأصحابنا فيها خلاف يطلب من مظانه و الاشتراك أقرب عينا كان أو دينا و ليس من هذا القبيل اعتراف أحد الإخوة بأن زيدا المجهول النسب أخوهم و يشاركهم في الميراث فإنه لا يمضي إقراره إلا في حصته و لا يسرى الى إخوته الباقين اما لو اقام زيد البينة على انه أخوهم فإنه يشاركهم جميعا و ذاك لأن الإقرار حجة قاصرة و البينة حجة متعدية كما مضى في القاعدة التي مرت الإشارة إليها و هذا هو المعنى الصحيح للقاعدة لا ما تخيله أصحاب المجلة فتدبره ثم ان المجلة نبهت على القسم الثاني من أسباب الدعوى المشتركة و هو السبب غير الإرث في مادة (1643) ليس لأحد الشركاء في عين ملكوه بسبب غير الإرث ان يكون في الدعوى خصما للمدعي في حصة الآخر- و لكنها ناقصة غير مستوفاة فان الإثبات على أحدهم بحضورهم بالبينة فإنها تمضى عليهم جميعا ان شهدت البينة عليهم بنحو

ص: 102

عام و ان شهدت بنحو خاص أو كانوا غير حاضرين فالحكم لا يسري إليهم نعم لو أقر أحدهم بحق المدعي فهو مقصور على حصة ذلك المقر مطلقا.

مادة (1644) تسمع دعوى واحد من العامة إذا صار مدعيا

و يحكم على المدعى عليه في دعوى المحال التي يعود نفعها الى العموم كالطريق العام.

يعنى لو ان أحدا ادعى ان هذا الشخص قد أخذ من الطريق العام لداره أو يجلس فيه للبيع و يضر بالمارة تسمع دعواه و إذا أثبتها يحكم على المدعى بما يراه الحاكم من غرامة و غيرها مادة «1645» واضحة مادة «1646» أهالي القرية الذين يزيد عددهم على المائة يعدون غير محصورين.

الأصح إرجاع المحصور و غيره الى العرف و الظاهر ان ملاك غير المحصور ان يبلغ من الكثرة إلى مقدار يعسر عده و هذا يختلف باختلاف الأحوال و المواقع فقد تكون المائة في حال محصورة و قد تكون في حال آخر غير محصورة.

ص: 103

الفصل الرابع في (بيان التناقض)
اشارة

هذا المبحث لا عين له في كتب أصحابنا و لا اثر و لم يذكر في متون الفقه، و إهماله هو المتعين فان التناقض خصوصية في جريان المرافعة و الخصومة و يرجع حكمها الى الحاكم و يختلف ذلك باختلاف المقامات و الأحوال فقد يكون التناقض بإقرار بعد إنكار أو إنكار بعد إقرار فهو و ان تناقض و لكن الحكم يكون على إقراره في المقامين و لا أثر لإنكاره تقدم أو تأخر، و على هذا النسق الأمثلة التي ذكرتها «المجلة»: مثلا لو أراد أحد ان يشتري مالا ثم قبل الاشتراء ادعى انه ملكه لا تسمع دعواه- فان هذا ممنوع على إطلاقه بل يمكن القول بصحة سماع دعواه إذا أبدى وجها مشروعا معقولا يظهر عليه الصدق حسب المقامات مثل انه أراد شراءه تفاديا من خسة الخصومة و حفظا للكرامة ثم رأى غلاء الثمن فعدل عن ذلك و ما أشبه هذا من الوجوه الكثيرة و المعاذير المعقولة و مثل هذا ما يليه من الأمثلة فالجميع يمكن في بعض المواقع قبول الدعوى لوجه مشروع يرتفع به التناقض

ص: 104

إذا فالتناقض ليس بأمر ذي شأن يقتضي أن يعقد له عنوان، بل من خصوصيات جريان المرافعات و ليس له قاعدة كلية و حكم مطرد بل يكون مانعا تارة و غير مانع اخرى و أوضح من هذا خللا و ضعفا مادة «1648» كما انه لا يصح لأحد ان يدعي المال الذي أقر بكونه لغيره بقوله هذا مالي كذلك لا يصح ان يدعيه بالوكالة أو الوصاية عن آخر.

إذ أي مانع ان يكون كما أقر به للغير باعتبار الزمن السابق ثم انتقل الى المقر بعد ذلك غايته انه ملزم بالإثبات و هذا هو عين سماع الدعوى (فاسمعها جيدا) كما انه اى مانع من إقراره بأنه مال الغير و هو ولي عليه أو وصي عن آخر، فأين التناقض و لو صورة فضلا عن التناقض حقيقة، و هكذا مادة «1649» إذا أبرأ أحد آخر من جميع الدعاوي لا يصح له ان يدعي بعد ذلك مالا لنفسه و لكن يصح له ان يدعي بالوكالة.

فإنها أيضا قاصرة بتراء فإن الإبراء عما مضى من الحقوق في الزمان فلا مانع من دعوى حق له جديد متأخر عن وقت الإبراء و ان كان عن السابق و اللاحق فهو إبراء غير صحيح لانه من قبيل إسقاط ما لم يجب فله ان يدعي حقا جديدا بعد الإبراء و هكذا مادة «1650» إذا ادعى أحد مالا لآخر فلا يصح له بعد ذلك ان يدعي به لنفسه،،، بل يصح ان يدعيه لنفسه بدعوى انه اشتراه منه أو وهبه له

ص: 105

المالك و ما أشبه، فلأي شي ء لا تسمع دعواه؟ بل لعله قد ادعاه لآخر لغرض صحيح- كالغرض صح به ان يدعيه لآخر بعد ما ادعاه لنفسه لان الوكيل بالدعوى يضيف الملك الى نفسه في بعض الأحيان، و لا فرق في ذلك بين ان يكون عند الخصومة أو غيرها فافهمه.

مادة (1651) كما ان الحق الواحد لا يستوفي من كل واحد من الشخصين على حده بتمامه. كذلك لا يدعي الحق الواحد الذي ترتب من جهة واحدة على رجلين.

يعني كما ان الحق الذي ثبت على شخص معين لا يعقل ان يطالب غيره و لا يستوفي إلا منه كذلك الحق الذي يدعي به على شخص من جهة واحدة لا يمكن ان يدعي به من تلك الجهة على شخص آخر، و التقييد بوحدة الجهة احترازا عما لو تعددت فان الكفيل يطالب و يدعي عليه بما تكفل به مع صحة مطالبة المكفول أيضا لنفس ذلك الحق و لكن الجهة متعددة و ان كان الحق واحدا فإن أحدهما عهدة لنسبة و الأخرى عهدة غيرية و هذا و ان كان صحيحا بادي الرأي و لكن يمكن نقضه بالضمان على مذهب الجمهور من انه ضم ذمة إلى ذمة فكل واحد يصح مطالبة على البدل بحق واحد و من جهة واحدة فليتدبر.

مادة (1652) يتحقق التناقض في كلام الشخصين اللذان هما في حكم المتكلم الواحد كالوكيل و الموكل و الوارث و المورث الى آخرها.

ص: 106

كما لو ادعى الموكل ثمن مبيع و الوكيل غرامة إتلاف و نظائر ذلك و لكن قد يرتفع عند الحاكم تناقضهما ببعض الوجوه المعقولة.

مادة (1653) يرتفع التناقض بتصديق الخصم

مثلا بعد ان ادعى أحد على آخر ألفا من جهة القرض ثم لو ادعى ان المبلغ المذكور من جهة الكفالة و صدقه المدعى عليه يرتفع التناقض.

لعله لا تناقض أصلا فإن الكفالة اشتغال الذمة فهو أيضا قرض بمعناه العام نعم لو ادعى انه أخذ منه المبلغ قرضا ثم قال أخذته من غيره و قد كفله كان تداهنا فتدبره. و مثله مادة «1654» و يرتفع التناقض بتكذيب الحاكم مثلا لو ادعى المال الذي هو في يد غيره انه مالي و أنكر ذلك المدعى عليه بقوله ان هذا المال كان لفلان و انا اشتريته منه و اقام المدعي البينة و حكم بذلك يرجع المحكوم بثمن المال على البائع، و التناقض الذي رفع بين إقراره يكون المال للبائع و بين رجوعه بالثمن عليه بعد الحكم قد ارتفع بتكذيب حكم الحاكم إقراره.

فإنه لا تناقض أصلا ضرورة ان قوله هذا المال لفلان و ما اشتريته منه مبني على ظاهر اليد و قد ارتفع هذا بالبينة قبل ان يحكم الحاكم لما عرفت من ان البينة لها نظر الى الواقع و متعلقها منزل منزلة الواقع فلذلك هي حاكمة على اليد و على الإقرار و على سائر الأمارات فتدبره.

ص: 107

مادة (1655) يعفى التناقض إذا ظهرت مقدرة المدعي و كان محل خفاه مثلا إذا ادعى المستأجر على المؤجر إلى آخرها،،،

هذه بعض المعاذير التي يرتفع بها التناقض الظاهري و هناك وجوه أخرى كثيرة تجري حتى في مادة (1656) الابتدار الى تقسيم التركة إقرار بكون المقسوم مشتركا بناء عليه لو ادعى أحد إلى آخرها،، و وجه الارتفاع في الأول فضلا عن الثاني غير خفي فافهمه و تكثير الأمثلة و ان كان فيه فائدة التمرين أحيانا و لكنها قد توجب من الملل و الضجر أكثر من التمرين بالتمرين فما في مادة (1657) لو أمكن توفيق الكلام الذي يرى متناقضا و أوفقه المدعي أيضا يرتفع التناقض مثلا- الى آخرها.

جميل من حيث التنبيه على اختلاف التفاسير و أساليب الدعوى التي يختلف الحكم باختلافها من حيث التناقض و عدمه مع تقاربها بل وحدتها في بادى الرأي، فإذا قال لم تودع عندي شيئا كان مناقضا لقوله رددتها عليك اما لو قال ليس لك عندي فعلا لم يكن تناقضا و هكذا حال الأمثلة المتقدمة و هو باب جميل و ان كان فيه شي ء من التطويل و من هذا القبيل مادة [1658] فإنه بإقراره و كتابه للوثيقة و السند على نفسه فقد تم هذا الأمر من جهة فلو سعى في نقضه كان سعيه مردودا عليه،،، اما- مادة (1659) إذا باع أحد مالا في حضور آخر لشخص على انه ملكه و سلمه ثم ادعى

ص: 108

الحاضر بأنه ملكه مع انه كان حاضرا في مجلس البيع و سكت بلا عذر ينظر الى ان الحاضر هل كان من أقارب البائع أم لا- الى آخرها، فإنها مع ما فيها من التعقيد الشديد و سوء البيان، غير متجه ما فيها من التفصيل بين الأقارب و الأجانب فإن السكوت بغير عذر ظاهر في عدم علاقته به و انه ملك البائع و ربما كان السكوت كلاما فدعواه الملكية بعد ذلك يناقض اعترافه بملكية البائع التي دل عليها سكوته الذي هو بمنزلة الكلام و هذا الوجه يجري في البعيد و القريب و لا اعرف للتفصيل وجها معقولا فتدبره.

الباب الثاني في (حق مرور الزمان)

اعلم أصلحك اللّٰه ان فقهاء الإمامية رضوان اللّٰه عليهم لا يبحثون عن حكم واقعة الا من حيث دليلها الشرعي و ما يستفاد من نصوص الكتاب و السنة و احكام العقل الضروري يعني أنهم يبحثون عن أحكام الوقائع من حيث جعل الشارع الحكيم لا من حيث الجعل البشري و الاستحسانات الاعتبارية، و جعل القوانين الدولية، فان فقه

ص: 109

الإمامية بمعزل عن هذا بل هو شرعي محض لا يتعدى عن حدود الفرقان المجيد و السنة النبوية و الاحكام العقلية القطعية لا الظنية أو الاستحسانية، و حيث ان قضية مرور الزمان لا ترجع الى كتاب و لا سنة بل و لا الى عقل و لا استحسان و لا قياس، و انما هو جعل جزافي محض، و احكام اقتراحية صرفة، لذلك لا تجد لهذا البحث اعني بحث (مرور الزمان) في كتب أصحابنا عينا و لا أثرا لا في المختصرات و لا المطولات، و لعمر الحق ان عدم سماع الدعوى لقضية [مرور الزمان] لحكم جزافي جائز إذ ما المانع من سماع الحاكم دعوى قد مضى عليها مائة سنة لا ثلاثون فينظر فيها فان كانت حقا حكم بالحق و ان كانت باطلا ردها، اما التعليل بان تركه المطالبة بحقه طيلة المدة من غير عذر دليل على سقوطه و الا لطالب به فهو مدفوع بان هذا لا يقضي بعدم السماع بل اللازم ان يسمعها الحاكم ثم يسأله عن سبب تركه المطالبة في تلك البرهة فان أبدى عذرا معقولا فذاك و الا جعله بعض القرائن على بطلان حقه فإن عارضه بما هو أقوى حكم له و الا حكم عليه، (و الخلاصة) ان عدم سماع الدعوى لمرور الزمان يجحف بالحقوق و يروج دولة الباطل، و ما أكثر ما تكون للناس اعذار خفية، و موانع سرية، توجب عليهم تأخير المطالبة غير الموانع العامة كالصغر و الجنون و المرض و السفر فلو اوصدنا باب سماع الدعوى عليهم كنا قد ذهبنا بحقوقهم ظلما و عدوانا أ فليس من الظلم الفاحش ان لا تسمع دعواه و لعله محق فيها و من هذا البيان و ما

ص: 110

طويناه من أمثاله يظهر لك ان قضية مرور الزمان و سد باب الدعوى من اجله حكم جزافي لا يطابقه كتاب و لا سنة، و لا يوافقه عقل و لا قياس، و من هنا تعرف رصانة فقه الإمامية و بعد نظرهم و قوة مداركهم، إذا فلنطو هذا البحث على علامته و لنوصد بابه لأننا لا نبحث في مسألة الا من حيث دليلها الشرعي اما إذا خلت عن الدليل و كانت جعلا جزافيا، فلا ناقة لنا فيها و لا جمل و لسنا منها في خل و لا خمر. و كان الواجب على أرباب (المجلة) بما انها فقه إسلامي مأخوذ من أئمة المذاهب الأربعة ان لا يذكروا شيئا من هذا الباب في مجلتهم و اللازم على من يرغب في تحرير المجلة حذفه و اللّٰه الموفق و به المستعان.

ص: 111

الكتاب الخامس عشر (في البينات و التحليف)

اشارة

و يشتمل على مقدمة و أربعة أبواب

(المقدمة في بيان بعض الاصطلاحات الفقهية المتعلقة) بالبينات و التحليف

اشارة

المقدمة مادة «1676»

البينة:

هي الحجة القوية.

هذا تعريف باللام الأعم كما يقولون «سعدانة بنت».

فان الشياع أيضا حجة قوية و التواتر حجة قوية بل و ما دون البينة أيضا حجة قوية كخبر العدل الواحد بناء على حجيته في الجملة و كل هذه الأمارات حجة قوية فيما إذا تمتاز البينة إذا فالأصح

ص: 112

في تعريفها ان يقال انها- الشاهدان العادلان في أمر يترتب عليه حكم شرعي.

مادة «1677»

التواتر:

خبر جماعة لا يجوز العقل اتفاقهم على الكذب، و يعتبر ان يكون ذلك في جميع الطبقات فلو انتهى خبرهم الى واحد لا يكون الخبر متواتر بل الخبر عنه متواتر فيسقط و عليك بتدبره كي لا تسقط.

مادة (1678) واضحة «1679»

ذو اليد:

هو الذي وضع يده على عين بالفعل أو الذي يثبت تصرفه تصرف الملاك، ان كان المراد باليد- العضو الخاص و يراد من الوضع القبض بها صح العطف و لكن لا يعتبر هذا المعنى في اليد التي هي محل تعلق الأحكام من ضمان و دلالة على الملكية- و ان كان المراد بها الاستيلاء صح التفسير و لغا العطف فتدبره- و باقي المواد واضحة.

ص: 113

الباب الأول في (الشهادة

اشارة

و يشتمل على ثمانية فصول)

الفصل الأول في (بيان تعريف الشهادة و نصابها)
مادة «1684» الشهادة هي الأخبار بلفظ الشهادة

يعني يقول اشهد بإثبات حق أحد الذي هو ذمة الآخر،،، الا تعجبوا من شكاسة هذا التعبير و سوء هذا التفسير الذي هو كتفسير الشي ء بنفسه على حد قوله: كأننا و الماء من حولنا إلخ فإن النتيجة بعد تلك التعقيدات ان الشهادة هي قول أشهد بأن هذا له حق في ذمة هذا- مع ان الشهادة لا تنحصر بقضية الحق في الذمة بل تشمل الشهادة على العين أيضا و لا يعتبر في تحقق معناها حضور الحاكم و لا مواجهة الخصمين و انما هذه الخصوصيات معتبرة في مقام اعتبارها في الخصومة و حكم الحاكم بها لا في مقام اعتبارها بذاتها.

ص: 114

مادة (1685) نصاب الشهادة في حقوق العباد رجلان أو رجل و امرأتان

و تقبل شهادة النساء فقط في حق المال في المحال الذي لا يمكن اطلاع الرجال عليها،،، اعلم ان هذا البحث من أهم مباحث الشهادة بل هو في الدرجة الأولى، فإن حكم الحاكم بالشهادة موقوف على معرفة نصابها و هو يختلف حسب اختلاف الحقوق كما يختلف اشتراط الذكورة في بعض و عدم اشتراطها في بعض آخر و ما ذكرته (المجلة) في هذه المادة ناقص و مع نقصه مختل مضطرب و يعلم هذا من البيان الذي ننشره عليك و ذلك ان فقهاء الإمامية قسموا الحقوق قسمين (حقوق الخالق) جل شأنه «و حقوق المخلوق» و أظهر حقوق اللّٰه سبحانه هي العقوبات و الحدود التي فرضها على مرتكبي الكبائر المحرمة في الإسلام بل في عامة الشرائع و هو على قسمين قسم لا يثبت إلا بأربعة رجال أو ثلاثة و امرأتين و هو زنى المحصن الموجب للرجم و رجلين و اربع نساء و هو زنى غيره الموجب للجلد و اعتبار الأربعة منصوص في كتاب اللّٰه المجيد فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ- لَوْ لٰا جٰاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدٰاءَ و قيام النساء مقام الشاهدين، و الشاهد ثبت بالسنة و قد علل بعضهم اعتبار الأربعة بأنه شهادة على اثنين الزاني و المزني بها و الخدشة فيه واضحة، و في بعض الأحاديث أنه تعبد خاص و إيماء إلى بطلان القياس و الا فالقتل أعظم جريمة عند اللّٰه تعالى و أضر في المجتمع مع انه لم يعتبر في إثباته الأربعة و عندنا مع ذلك في هذا

ص: 115

الحكم حكمه دقيقة لا مجال لذكرها في هذا المقام و يلحق بالزنا أخواه.

اللواط و السحق و في إتيان البهائم خلاف (القسم الثاني) مالا يثبت الا بشاهدين من الرجال و هو ما عدا ما تقدم من باقي الجرائم و الجنايات كالقتل و السرقة قطعا لا مالا و شرب الخمر و الارتداد،،، و هذا مجمل حقوق الخالق اما حقوق المخلوق فهي أيضا أنواع «فمنها ما لا يثبت الا بشاهدين أيضا» و هو ما لا يقصد منه المال أصالة و ان استلزمه أحيانا تبعا كالطلاق و الخلع و الوكالة و الوصية العهدية أي الوصية إليه لا له و الأهلة و النسب اما العتق و النكاح و القصاص ففيه خلاف «و منها» ما يثبت أيضا بشاهد و امرأتين و شاهد و يمين و هو كل ما يقصد منه المال أصالة كالديون من القرض أو القراض و الغصب و عقود المعاوضات كأنواع البيوع و الإجارات و الرهن و الوصية التمليكية و الجنايات الموجبة للدية و الوقف على الأصح (و منها) ما يثبت بالرجال منفردين و بالنساء منفردات أو منضمات و ضابطته كلما يعسر اطلاع الرجال عليه من أحوال النساء كالولادة و الاستهلال و عيوب النساء الخاصة و كل مورد يثبت به الحق بشهادة النساء منفردات فلا يكفي فيه أقل من اربع و إذ لم يكمل النصاب كانت شهادتهن لغوا لا اثر لها إلا في موردين «الوصية» التمليكية فإنه يثبت بالواحدة ربع و بالاثنين نصف و بالثلاث ثلاثة أرباع و بالأربعة الكل «و الثاني» الاستهلال اي الشهادة بولادة الجنين حيا فيثبت بالواحدة ربع الميراث و هكذا، ثم ان الشهادة

ص: 116

لا تجب في شي ء من العقود و الإيقاعات لا وضعا و لا تكليفا إلا في الطلاق فإنه لا يصح بدون حضور الشاهدين العدلين و يستحب فيما عدا ذلك و يتأكد في عقود النكاح و الرجعة و لا يثبت شي ء منها عند الخصومة إلا بالبينة أو الإقرار أو الشاهد و اليمين الى آخر ما مر و يأتي إن شاء اللّٰه،،، و قد ظهر لك من هذا البيان الموجز ما في هذه المادة من الفتور و القصور أما «أولا» فالنصاب في حقوق العباد لا ينحصر في الرجلين أو الرجل و المرأتين بل يحصل بالواحد مع اليمين اي يمين المدعي «و ثانيا» فإن شهادة النساء في الجملة تقبل في المال و غيره في حقوق العباد و غيرها في ما يمكن اطلاع الرجال عليه و غيره و اما «ثالثا» فان التعبير بالمال ثم تقييده بالمحال التي لا يمكن اطلاع الرجال عليها يشبه ان يكون تهافتا فان كثيرا من المحال التي لا يمكن الاطلاع عليها لا تعلق لها بالمال أصلا كعيوب النساء الموجبة لفسخ عقد النكاح و اما «رابعا» فليس المدار في صحة شهادة النساء عدم إمكان اطلاع الرجال فان جميع موارد قبول شهادتهن كالولادة و عيوب النساء يمكن اطلاع الرجال عليها و لكن يعسر ذلك في الغالب على الرجال لانه لا يمكن فتدبره جيدا و اغتنم هذا البحث فإنه ثمين و متين نافع.

ص: 117

الفصل الثاني في (بيان كيفية الشهادة)
مادة [1687] لا تعتبر الشهادة التي تقع في خارج مجلس المحكمة

يعني لا تعتبر في حكم الحاكم بل لا بد في حكمه من استناده إلى الشهادة التي يسمعها في مجلس الخصومة امام الخصم و الحاكم، لأنها لا تعتبر مطلقا فان الحق أن البينة حجة مطلقة يجوز لكل من قامت عنده ان يعول عليها أو يجب، فمن شهدت عنده البينة ان الدار التي في يد زيد هي غصب لا يسوغ ان يشتريها منه و لا يجوز ان يدخلها باذنه و هكذا في سائر الموارد.

مادة (1688) يلزم ان يكون الشهود قد عاينوا بالذات المشهود به الى آخرها.

هذه المادة أيضا من المواد المختلة المبعثرة التي أضاع فهم المقصود منها لسوء بيانها، و تعقيد لسانها، و تشويه عبارتها، و هي أيضا من المباحث المهمة، و ما ضابطة ما يصير به الإنسان شاهدا و قد ذكر أصحابنا «رض» ان الضابط هو العلم الجازم بالمشهود به فقد قال جل شأنه «وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ» و قال صلى اللّٰه عليه و آله

ص: 118

على مثل هذه اي الشمس فاشهد أودع فإن كان المشهود به فعلا من الأفعال التي لا تدركها حاسة السمع و تدركها حاسة البصر غالبا كالقتل و السرقة و الرضاع و الولادة و نحوها لم تقبل فيه الا الشهادة المستندة إلى الرؤية عيانا و تقبل فيه شهادة الأصم، و ان كان من الأمور التي لا يدرك بحاسة البصر غالبا كالنسب و الملك المطلق و الموت و الوقف و نحوهما كفي فيه السماع المفيد للعلم من تواتر أو شياع أو استفاضة و يتحقق كل واحد من هذه الأسباب أو المسببات بتوالي اخبار جماعة لا يضمهم قيد التواطي و هي مندرجة في مراتب العلم من العلم القطعي الى الاطمئناني العادي إلى الظن المتاخم و قال شيخ الطائفة «قده» لو شهد عندك عدلان فصاعدا صرت متحملا و شاهد أصل لا شاهدا على شهادتهما لأن ثمرة الاستفاضة الظن و هو حاصل من شهادتهما و هو يشبه القياس مع وضوح المنع في المقيس و المقيس عليه فتدبره.

و ان كان المشهود به من الأقوال لزم السماع و العيان معا كصدور صيغة البيع من زيد أو القبول من عمرو أو وقوع صيغة الطلاق أو الوقف من شخص معين و هكذا أمثالها فلا بد في هذا النوع من اشتراك حاستي السمع و البصر بان يرى زيدا قد أجرى صيغة البيع أو النكاح بنفسة أو من وكله فيراه بعينه و يسمع الصيغة منه باذنه نعم لو شهد على الملكية أو كون الزوجة مطلقة أو الدار وقفا كفي السماع و الاستفاضة فتلخص ان المشهود به اما فعلا فالرؤية بالبصر و اما نسبة و اضافة فالاستفاضة و نحوها بالسمع، و اما قولا فالسمع و البصر

ص: 119

و مما ذكرنا يظهر لك ما في هذه المادة من القلق و الاضطراب.

مادة (1689) إذا لم يقل الشاهد اشهد و قال انا أعرف الخصوص الفلاني هكذا أو أخبر بذا لا يكون قد أدى الشهادة

- إلى آخرها. يظهر من هذه المادة إن أرباب المجلة يعتبرون في قبول الشهادة التلفظ بهذه المادة أو بما يشتق منها مثل اشهدوا انا شاهد و شهادتي كذا و الاقتصار على ذلك و عدم كفاية غيرها من الألفاظ التي تؤدي مؤداها و ان كان هو الموافق للاحتياط لورودها في الكتاب و السنة بهذه المادة و مشتقاتها و لكن لزومها على نحو البت و إلغاء قول الشاهد أنا اعلم ان هذه الدار ملك زيد أو ان هذا الولد ابن عمرو و عدم اعتداد الحاكم بها مشكل أما فقهاؤنا فلم أعثر على تصريح منهم باعتبار تلك الصيغة الخاصة و ان تكثر التعبير بها في كلماتهم، و الحق عدم الانحصار و ان كان هو الأحوط و الشهادة من الشهود و هو الحضور و حيث ان الحضور يستلزم العيان و الرؤية و العيان يستلزم العلم فأطلق الملزوم و أريد به اللازم و هو العلم، و يطلق الشهادة أيضا بهذا الاعتبار أيضا على الحس و منه عالم الغيب و الشهادة و لو فرضنا اعتبار هذه الصيغة الخاصة أعني الشهادة و ما يشتق منها فالتفصيل بين الإفادات الواقعة لمجرد استكشاف الحال و غيرها لا وجه له لان تقويم أهل الخبرة و الرجوع الى أرباب المهن و الحرف في أعمالهم و أحوالهم لا وجه لقبوله الا من باب الشهادة فاما ان يعتبر اللفظ الخاص في الجميع و اما ان يسقط اعتباره في الجميع و تفصيل (المجلة) لا وجه له.

ص: 120

مادة «1690» تكفي إشارة الشاهد عند الشهادة الى كل من المشهود له و المشهود عليه و المشهود به إذا كانوا حاضرين

- الى آخرها.

يراد بهذه المادة بيان انه يعتبر في الشهادة عدم الإجمال و الإبهام في شي ء من المشهود به و المشهود عليه و المشهود له فان كانت جميعها أو بعضها حاضرا في مجلس الشهادة كفت الإشارة إليها و ان كانت فلا بد من تعيينها بما يرفع الإبهام و لا ضابطة لهذا بل يختلف باختلاف المقامات فقد يحتاج الى ذكر الأب و الجد و القبيلة و قد يكفي ذكر اسم الشخص وحده لمعروفيته و شهرته و كذلك في المشهود به من حيث ذكر الحدود كما في العقار و المنازل و نحوها و كل ذلك منوط الى نظر الحاكم و استيضاحه من الشاهد حتى يحصل له اليقين بموضوع الشهادة التي يتوقف عليها الحكم الحاسم و كل ما بعد هذه من مواد هذا الفصل تبتنى على هذا الأصل أعني أصل التعيين و وضوح موضوع الشهادة عند الحاكم بجميع شئونها نعم مادة (1695) إذا ادعى أحد على آخر طلبا فان شهدت الشهود بان المدعى عليه مديون للمدعي بما ادعى به يكفي و لكن إذا سئل الخصم عن بقاء الدين الى وقت الادعاء و قالت الشهود لا ندري ترد شهادتهم.

فيها منع رد شهادتهم بل تقبل شهادتهم و يستصحب بقاء الدين في ذمة المدعى عليه الا أن يثبت سقوطه من ذمته بالأداء أو الإبراء أو نحو ذلك.

ص: 121

الفصل الثالث في (بيان شروط الشهادة الاساسية)
اشارة

جعل هذه المادة اساسية و التي قبلها المذكورة في [الفصل الثاني] غير اساسية لا يبتنى على وجه معقول بل الجميع سواء في الاعتبار فكما لا عبرة بالشهادة التي تقع خارج مجلس المحاكمة المذكورة في أول ذلك الفصل كذلك لا عبرة بالشهادة في حقوق الناس بدون سبق الدعوى المذكورة أول هذا الفصل.

مادة (1696) مضافا الى ما أشرنا إليه قبلا من ان هذه شروط الحكم حقيقة لا شروط الشهادة فإن البينة حجة مطلقا

سواء قامت عند الحاكم أو غيره، فمن قامت عنده البينة ان هذه الدار ملك زيد صح له شراؤها منه و لو لم يحكم الحاكم بذلك و كانت في يد غيره و عليه فليست هي شروط اساسية نعم هي شروط اساسية في الحكم و المخاصمة لا مطلقا، كما ان من العبث المستدرك ما في مادة «1697» فإن من الواضح الضروري ان البينة انما هي حجة في ما هو مشكوك و مجهول الحال لا فيما هو معلوم ففي مواضع العلم لا حجية لها أصلا سواء خالفت

ص: 122

العلم أو وافقته فضلا عن سقوطها فيما خالف المشاهد المحسوس فما ذكرته المجلة في هذه المادة من عدم قبول البينة إذا قامت على موت من حياته مشاهدة أو خراب دار عمارتها مشاهدة- في غاية السخافة و كذا مادة (1698) لا تقبل البينة التي قامت على خلاف التواتر ضرورة أن التواتر يفيد العلم فلا تعارضه البينة بالضرورة و كل هذا غني عن البيان فيلزم حذف هذه المواد من المجلة لأنها من الأصول الموضوعة فتدبرها.

مادة [1699] إنما جعلت البينة مشروعة لإظهار الحق

بناء عليه لا تقبل الشهادة بالنفي الصرف كقولك فلان ما فعل هذا الأمر و الشي ء الفلاني ليس لفلان و فلان ليس بمديون لفلان الى آخرها.

هذه المادة متداعية البناء من جميع أطرافها، ساقطة من كل نواحيها، فإن النفي الصرف اي المحض هو الذي لا متعلق له أصلا و هذا مما لا يعقل الشهادة عليه كالوجود الصرف اي الوجود المطلق (و ثانيا) فإن الأمثلة المزبورة ليس شي ء منها مثالا للنفي الصرف بل كلها نفي مقيد و سلب خاص ضرورة انه نفي فعل خاص عن فاعل خاص، و معلوم ان العدم و الوجود انما يخرج كل واحد منهما عن كونه محضا أو صرفا بتقيده و إضافته فالوجود انما يخرج عن الإطلاق و المحوضة بإضافته الى زيد و كذلك العدم، فما معنى جعل تلك الأمور و هي إعدام خاصة أمثلة للنفي الصرف و العدم المطلق؟ (و ثالثا) لا معنى لمقابلة النفي الصرف بالتواتر بل المقابل للنفي الصرف هو النفي المضاف

ص: 123

أى المقيد، و اى ربط للتواتر هنا، و هل هذا الا نظير تقسيم الشي ء إلى الأعم منه و الأخص فتدبره.

و كان حق التعبير ان يقال ان النفي الخاص مثل ان فلانا غير مديون لفلان و لم يسقترض منه في الوقت الفلاني لأني كنت معه في ذلك الوقت فإن أثبت ذلك بالبينة اي بشاهدين عدلين انه في الوقت الفلاني لم يستقرض أو أثبته بالتواتر حكم الحاكم بأنه غير مديون و الا فلا و من هنا تعرف الاشكال «رابعا» و هو انه لا ينحصر إثبات ذلك بالتواتر بل تكفي البينة أيضا فتقبل بينة العدلين كما تقبل بينة التواتر.

مادة (1700) يشترط ان لا يكون في الشهادة دفع مغرم أو جر مغنم الى آخرها.

هذه المادة أيضا مختلة جدا، بل ان هذا الباب اعنى باب قدح التهمة بالشهادة لجر مغنم أو دفع مغرم يلزم سده تماما إذ لا موقع له أصلا بعد اعتبار العدالة في الشاهد و كون العدالة هي تقوى اللّٰه عز شأنه التي تمنع صاحبها من ارتكاب الكبيرة و أي كبيرة أعظم من شهادة الزور فان كان الشاهد عادلا لم يشهد بالباطل و لو كان له الف مغنم أو دفع الف مغرم و الا فلا تقبل شهادته لعدم عدالته لا لقضية التهمة نعم ذكر أصحابنا اشتراط عدم التهمة في الشاهد و لكنهم لم يتسعوا فيه بهذه التوسعة التي ذكرتها «المجلة».

و هذه أيضا من المسائل التي لم يحسن تحريرها لا فقهاؤنا و لا فقهاء

ص: 124

الجمهور فبقيت مقنعة بقناع الإبهام و التخليط و منشأ الوهم عندنا انه ورد عدة اخبار عن أهل البيت سلام اللّٰه عليهم ان المتهم و الظنين لا تقبل شهادته مثل خبر ابن سنان قلت لأبي عبد اللّٰه اى الصادق عليه السّلام ما يرد من الشهود قال الظنين و المتهم قلت فالفاسق و الخائن قال كل هذا يدخل في الظنين، و بهذا البيان عدة اخبار فجعلوا ارتفاع التهمة شرطا مستقلا غير العدالة مع ان المتدبر في تلك الاخبار يجدها صريحة في ان المتهم هو الفاسق أو أعم منه و خلاصة ما تستفاد منها ان الظنين ترد شهادته و المراد بالظنين هو الذي يظن به السوء اما لظهور فسقه و خيانته أو لأنه غير محرز العدالة و هو مجهول الحال و لا يظن الخير فيه فليس المقصود منه الا بيان شرطية العدالة لا شرط آخر في قبالها فكان اللازم حسب متانة التحرير و حسن البيان ان يقال: ان العدالة شرط قبول الشاهد فلا تقبل شهادة الفاسق و هو مرتكب الكبائر المعروفة و لا الخائن و لا مجهول الحال المتهم بجر مغنم أو دفع مغرم بشهادته، و هذا هو مفاد تلك الطائفة من الاخبار، اما عدم قبول شهادة الشريك لشريكه فإنها ان كانت في المال المشترك العائد له و لشريكه فعدم قبولها لأنها من قبيل شهادة الإنسان لنفسه و هي باطلة قطعا و التبعيض غير صحيح أو غير ممكن و ان كان في مال آخر يختص بالشريك فهي مقبولة مع استجماع الشرائط من عدالة و غيرها و يلحق به شهادة الوكيل لموكله لان الوكيل كالاصيل، و مثله الوصي على مال لموصيه أو القيم على مال لليتيم و انما ترد شهادة هؤلاء بناء على انهم

ص: 125

فرع بمنزلة الأصل و ان كان فيه للمناقشة مجال خصوصا في الوصي و القيم و منه أيضا شهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية فإنه يدفع عن نفسه ضررا فهو من قبيل شهادة المرء لنفسه و شهود بعض القافلة على قاطع الطريق عليهم أو اللصوص الناهبين لأموالهم إلا إذا كان ممن لم يؤخذ منه شي ء فهؤلاء لا تقبل شهادتهم و ان كانوا عدولا لاتحاد الشاهد و المشهود له و لو بالضميمة،،، أما النسب فغير قادح أصلا في الشهادة بعد إحراز العدالة و كذلك السبب فتقبل شهادة الزوج لزوجته و عليها كالعكس كما تقبل شهادة الأرحام بعضهم لبعض مطلقا حتى الأب على ولده و له اما شهادة الولد على أبيه فقد اختلف فيها أصحابنا فطائفة ذهبت الى القبول على العموم و اخرى إلى عدمه لأخبار خاصة تدل على ذلك، ففي بعض الاخبار لا تقبل شهادة الولد على والده و لعل أكثر أصحابنا على هذا، و لكن ذلك الخبر معارض مضافا الى العمومات بأخبار أقوى منه سندا و أكثر عددا، ففي خبر داود بن الحصين انه سمع الصادق سلام اللّٰه عليه يقول: أقيموا الشهادة على الوالدين و الولد و لا تقيموها على الأخ في الدين بالضر قلت و ما الضر قال إذا تعدى صاحب الحق خلاف ما أمر اللّٰه و رسوله و مثل ذلك ان يكون لرجل على آخر دين و هو معسر و قد أمر اللّٰه بإنظاره حتى يتيسر قال فنظرة الى ميسرة و يسألك أن تقيم الشهادة و أنت تعرفه بالعسر فلا يحل لك ان تقيم الشهادة، و مثله خبر ابن سويد أقم الشهادة و لو على نفسك أو الوالدين و الأقربين فإن خفت على أخيك ضيما فلا، و فوق

ص: 126

هذا كله قوله تعالى كُونُوا قَوّٰامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدٰاءَ لِلّٰهِ وَ لَوْ عَلىٰ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ، و مناقشات صاحب الجواهر «ره» في هذه الوجوه ضعيفة ليست بشي ء، نعم ان كان شي ء يتأبد به خبر عدم القبول- فهو الوجه الاعتباري و هو ان شهادة الولد على أبيه توجب حزازة في نفس الأب و قد تنجر إلى النفرة الموجبة لانحلال النظام العائلي و حدوث الفتن و المفاسد و كل ذلك مما يعلم حرص الشارع الحكيم على عدم وقوعه، و من المعلوم ان الشهادة انما يجب أداؤها حيث لا يستلزم ضررا على الشاهد و حيث ان الغالب في شهادة الولد على أبيه هو ترتب شي ء من الإضرار و المفاسد و لا سيما مع حاجة الولد لأبيه في الغالب فلعل الشارع منع تلك الشهادة درء لتلك المفاسد و يكون كتخصيص عقلي و شرعي لعموم الآية و الروايات فتدبره جيدا و لا تتسرع إلى المناقشة فيه قبل تدبره، و مما ذكرنا ظهر لك ان جميع الأنواع التي ذكرتها المجلة في هذه المادة و حكمت بعدم قبول شهادتهم- هم مقبولو الشهادة عندنا مع عدالتهم حتى شهادة الصديق لصديقه مهما بلغت الصداقة بينهما لا كما في مادة (1701) من عدم قبولها إذا وصلت صداقتهما إلى مرتبة تصرف أحدهما في مال الآخر،،، نعم لا تقبل الشهادة كما عرفت حيث تكون من قبيل شهادة الإنسان لنفسه أو الفرع لأصله الموجب لاتحاد الشاهد و المشهود له حقيقة أو حكما و يكون شاهدا و مدعيا كما في مادة «1703»

ص: 127

و مادة «1704»،،، اما- ما ذكره في هذه المادة من عدم صحة شهادة الحاكم المنفصل عن بلدة على الحكم الصادر منه قبل العزل و اما إذا شهد بعد العزل على إقرار من أقر في حضوره قبل العزل فتعتبر شهادته- فلعل وجهه ان الشهادة في الصورة الأولى شهادة لنفسه أو إقرار منه و في الصورة الثانية شهادة على فعل الغير و إقراره فيقبل و أنت خبير بان اعتراف الحاكم بحكمه لا تنطبق عليه أوصاف الشهادة و شروطها و لا صفات الإقرار و انما هو اخبار صرف عن أمر وقع منه فلا خصومة حتى يكون شهادة و لا يلزمه بذلك حق حتى يكون إقرارا فتدبره.

بقي في المقام شي ء و هو قضية العداوة المذكورة في مادة (1702) يشترط ان لا يكون بين الشاهد و المشهود عليه عداوة دنيوية

و تعرف العداوة الدنيوية بالعرف،،، و ذكرها أيضا جماعة من أصحابنا في جملة شروط الشاهد و ذكروا أن العداوة الدينية لا تقدح فالمسلم تقبل شهادته على غيره و غيره لا تقبل شهادته لأن الإسلام شرط عام في الشاهد. اما العداوة الدنيوية فذكروا في ضابطتها- ان يعلم من حال أحدهما سروره بمساءة الآخر و مساءته بسروره أو يكون قد وقع بينهما تقاذف، و غير خفي أن سرور الرجل بمساءة الآخر و بالعكس دليل على البغضاء و الشحناء الكاشف عن الحقد و الحسد بينهما و هو من أكبر الكبائر و أعظم المحرمات التي تطاردها الشريعة الإسلامية بكل حول و قوة فأين تكون العدالة حينئذ؟ اما .. تقييد بعضهم بأنها حيث

ص: 128

لا تنافي العدالة فهو افتراض محض لا حقيقة له في التحصل و الخارج و على كل فالركن الأعظم و الشرط الأهم في الشاهد هو العدالة المذكورة في مادة «1705» يشترط في الشاهد ان يكون عادلا الى آخرها و كان حق هذا الشرط تقديمه على سائر الشروط و لكن المهم في المقام تعريف العدالة فقد اختلف في حقيقتها و التعريف عنها فقهاؤنا أشد الاختلاف و ألقوا فيها بالخصوص رسائل مستقلة فبين قائل انها ملكة نفسانية تمنع من ارتكاب الكبائر و الإصرار على الصغائر، و هذا هو تعريفها المعروف و ينكشف ذلك بطول المعاشرة و المزاولة معه فيستدل عليها بآثارها كما يستدل على سائر الملكيات النفسانية من الشجاعة و الكرم و أضدادها بآثارها، و لما كان الوقوف على ذلك من أشق الأمور و أصعبها عدل عنه آخرون و عرفوها بحسن الظاهر يعني ان لا تجده قد ارتكب المعصية في وقت اي يكون متسترا ظاهر الصلاح سواء كانت عنده تلك الملكة النفسانية أم لا، اما (المجلة) فقد جاءتنا بتعريف غريب لا يتحصل الا للباري جل شأنه و ملائكته المقربين و هو ان تكون حسناته غالبة على سيئاته و لا يخفى ان هذا لا ينكشف تماما الا يوم القيامة يوم تنصب الموازين و تنشر الدواوين و يقوم الناس للحساب بين يدي رب العالمين،،، و الا فأي شخص يستطيع أن يحصى إعمال الآخر و يميز بين حسناته و سيئاته و يزنها وزنا صحيحا فيعرف أنها متساوية أو إحداهما تزيد على الأخرى، «هذا أولا» و «ثانيا» ان التفريع المذكور

ص: 129

في المجلة لا ينطبق على هذا التعريف حيث قالت: بناء عليه لا تقبل شهادة من اعتاد حالا و حركة تخل بالناموس و المروة كالرقاص و المسخرة و لا تقبل شهادة المعروفين بالكذب،،، و بهذه الأمثلة قد خرجت القضية عن مسألة الحسنات و السيئات و صار الناس كلهم عدولا الا افرادا معدودة و هم الرقاصون و المضحكون و المعروفون بالكذب فأين الحسنات و السيئات إذا و ربما أرادوا بهذا جعل الضابطة حسن الظاهر فقصرت عبارتهم أو عربيتهم عن ذلك، و يظهر الفرق في مجهول الحال، فإنه عادل بمقتضى التفريع و ليس بعادل على حسن، الظاهر و هنا يجي ء حديث الواسطة و هل هما ضدان وجوديان أو نقيضان يتقابلان بالسلب و الإيجاب و الأول أرجح أو أصح، و خلاصة التحقيق عندنا ان فقهاء الفريقين رضوان اللّٰه عليهم لو تركوا الخوض في هذه المواضيع الى العرف فهو اعرف بها و أوصل إليها من تعاريفهم الفنية و صناعاتهم العلمية التي تبعد الطريق إلى معرفة هذه الموضوعات الا ترى ان العرف في كل بلد اعني أهالي كل بلدة يعرفون أهل الصلاح فيهم و التقوى كما يعرفون الفسقة الفجرة المتجاهرين بالمعاصي نعم يبقى في البين مجهولو الحال فيلزم الحاكم البحث عن حالهم بشهود التزكية و التعريف حتى يحصل له الاطمئنان بأنه رجل صادق اللهجة لا يتعمد ارتكاب المعصية و لا يتهاون بحرمات اللّٰه عز شأنه و على كل فان بعض الفقهاء في باب العدالة قد ضيقوا واسعا ففي كثير من الأحاديث النبوية و اخبار

ص: 130

أئمتنا صلوات اللّٰه عليهم جميعا ما معناه أو لفظه تقريبا: من حدثكم فلم يكذبكم و وعدكم فلم يخلفكم و عاملكم فلم يظلمكم و ائتمنتموه فلم يخنكم فقد ظهرت مروته و حرمت غيبته و وجبت عدالته، و في هذا القدر من البحث في العدالة كفاية نسأله تعالى ان يجعلنا و حكامنا من أهل العدل و العدالة فإن عدالة الحكام و الوكلاء أهم من عدالة الشهود، و هي اليوم فيهم أو في العموم على أوسع معانيها أعز من الإكسير، و لا يحصل القليل منها في الكثير، و لا حول و لا قوة إلا باللّه

الفصل الرابع في (موافقة الشهادة للدعوى)

مادة (1706) تقبل الشهادة ان وافقت الدعوى و الا فلا،،، هذا مما لا ريب فيه، و لكن ربما يأتي المناقشة في بعض الأمثلة المذكورة هنا كالمثال الأخير فإن المديون إذا ادعى انه قد ادعى الدين و شهد الشهود أن الدائن قد أبرأه فقد اختلفت الشهادة عن الدعوى ضرورة أن الأداء غير الإبراء (و بالجملة) اللازم مطابقة الشهادة للدعوى تماما نعم لا يضر اختلاف التعبير مع وحدة المفاد و وضوح الحال كما

ص: 131

لو ادعى ان الدار لي و شهد الشهود انها ملكه أو ادعى ان هذه دابتي اغتصبها فلان و شهد الشهود أنه أخذها منه قهرا و هكذا، اما لو اختلف الموضوع في الشهادة و الدعوى و لو بالعموم و الخصوص و القلة و الكثيرة ففي قبولها مجال للتأمل، و منه يظهر وجه الإشكال في مادة (1707) فإن الاختلاف بالسنة و السنتين و الالف و الخمسمائة ليس اختلافا في التعبير فقط بل اختلاف في الموضوع فتدبره.

و لعل هذا الاختلاف لا يقدح في بعض ظروف الدعوى و تشخيص ذلك منوط بنظر الحاكم الذكي و على هذا الأساس يبتنى ما في مادة [1708] من كون الدعوى أقل مما شهدت به الشهود فان تشخيص المقبول من المردود و إمكان التوفيق و عدمه كله منوط الى لباقة الحاكم و لوذعيته أو تخلص المدعي أو وكيله من ورطة الاختلاف و مثله الكلام في اختلاف الشهادة و الدعوى بالإطلاق و التقييد المذكور في مادة «1709» من دعوى المدعي الملك المطلق و شهادة الشهود الملك المقيد و لا يجب على الحاكم السؤال عن السبب و لو سأل فاختلف و قال ملكته بسبب آخر غير ما ذكرته الشهود أمكن الصحة في مقام كما يمكن الرد في آخر و هو أيضا موكول الى بعد نظر الحاكم و دقته و لذا كان القضاء من أصعب الأشياء (و القاضي على شفا) و مما ذكرنا يظهر أيضا وضوح المناقشة في مادة (1710) التي خلاصتها ان المدعي إذا ادعى الملك المقيد و شهدت الشهود بالمطلق تقبل شهادتهم، و لكن لو صرح البائع بقوله اشتريته من فلان و شهد

ص: 132

الشهود على الملك المطلق فلا تقبل شهادتهم، فإن الأصح القبول و ما ذكروه من التعليل لعدم القبول عليل إلى الغاية ضرورة أن مصب الدعوى تختلف فتارة يكون الموضوع ملك البستان و عدمه من غير نظر الى قضية المنافع و الزوائد أصلا، فهذا لا يضر فيه قضية تقدم التاريخ و عدمه أو الإطلاق و التقييد من هذه الجهة نعم لو كان مصب الدعوى هو النماء اى نماء السنة السابقة أو السنتين فالمشتري يدعي تقدم البيع ليكون نماء تلك السنة له و البائع يدعي تأخره كي يكون له و هنا لو اختلفت الشهادة عن الدعوى بالإطلاق و التقييد لم تقبل و لم تنفع فتدبره جيدا، نعم ما في مادة «1711» من الاختلاف في السبب قادح قطعا لاختلاف الموضوع بين الشهادة و الدعوى بالتباين.

الفصل الخامس في (بيان اختلاف الشهود)

كما يلزم اتفاق الشهادة و مطابقتها للدعوى كذلك يلزم اتفاق شهادة الشهود في أنفسهم بالنسبة إلى شهادتهم فلو اختلفوا فشهد أحدهم بألف من الذهب و الآخر بألف من الفضة لم تقبل كما في مادة

ص: 133

(1713) أو اختلفا في نوع المشهود به أو مقداره أو وصف من أوصافه المحسوسة كاللون لم تقبل أيضا كما في مادة «1714» و مادة «1715» المتضمنتين اختلافهما في اللون أو المقدار، أما- مادة «1713» المطولة فليس لها حقيقة محصلة، فان الفعل و القول سواء في إمكان أن يكررا، و كما لا معنى لتكرير الفعل كأداء الدين الواحد و الغصب و نحوه فكذلك لا معنى لتكرير بيع الشي ء الواحد مرة في الدار و اخرى في الحانوت، فالأصح ان كل هذه الاختلافات سواء في الفعل أو القول قادحة في الشهادة و لا يتم النصاب بالشاهدين المختلفين في خصوصيات الشهادة إلا ما يعود الى اختلاف التعبير أو الإطلاق و التقييد كما لو شهد انه باع و شهد الآخر انه باع في الحانوت اما الخصوصيات المتباينة فلا تقبل معها الشهادة مطلقا الا إذا حصل للحاكم اليقين بالوحدة من بعض قرائن الأحوال التي لا تنضبط بضابطة و ليس لها قاعدة عامة.

ص: 134

الفصل السادس في (تزكية الشهود)
مادة «1716» إذا شهدت الشهود و سأل الحاكم المشهود عليه بقوله ما تقول في شهادة هذين أ هما صادقان أم لا

- الى آخرها.

تحرير هذا البحث كما يحق له و يستوفي عامة نواحيه. ان البينة إذا شهدت عند الحاكم فاما ان يكون عالما بعد التهما أو عالما بفسقهما أو مجهولي الحال عنده فان كان عالما عمل بمقتضى علمه قبولا أو ردا و لا حاجة الى السؤال و المراجعة لأنه مكلف بالعمل بعلمه نعم لو كان مستند علمه الاستصحاب فللمدعي أو المدعى عليه ان يراجع الحاكم في إثبات تبدل الحال السابق من فسق إلى عدالة أو من عدالة إلى فسق فيطلب الحاكم البينة على ذلك و ان كان جاهلا بحالهما سأل من المدعى عليه فان اعترف بصدقهما فهو إقرار بتعبير آخر و ان اعترف بعدالتهما فقط فهو أيضا كالاعتراف اما لو اعترف بعدالتهما و ادعى انهما أخطئا أو نسيا فإن أثبت ذلك أبطلها الحاكم و الا أمضاها، و ان قال هما شاهدا زور طلب من المدعي تزكيتهما فان زكاهما كان على

ص: 135

الحاكم ان يعرف المدعى عليه ان له حق الجرح فان جاء بينة على الجرح تقدمت على بينة التعديل على المشهور لان الجارح يقول اعلم و المعدل يقول لا اعلم و أنت خبير بان هذا غير مطرد فان المعدل قد يشهد أيضا بالإيجاب و نفي ما يقوله الجارح فلو قال الجارح رأيته يشرب الخمرة بالأمس في المحل الفلاني و المعدل يقول انه في هذا الوقت كان عندي و في بيتي، و الحاصل لا طائل في هذا البحث أصلا فإنه يختلف باختلاف الخصوصيات الزمانية و المكانية و الأشخاص و غير ذلك فإرجاعه إلى نظر الحاكم ان كان من أهل النظر أصح و أصلح،،، اما طريقة التزكية فهي كما في مادة «1717».

تزكى الشهود من الجانب الذي ينسبون إليه يعني ان كانوا من طلبة العلوم يزكون من مدرس المدرسة و من معتمد أهاليها إلى آخرها لعل الأصل في هذا ما روي في بعض الاخبار من ان النبي صلى اللّٰه عليه و آله كان إذا شهد عنده شاهد يرسل شخصين لا يعلم أحدهما بالآخر يسألان قبيلتهما عن حالهما فان جاءا بمدح و ثناء حكم و ان جاءا بشين ستر عليهما و دعا الخصمين الى الصلح و ان لم يكن لهما قبيلة سأل الخصم عن الشاهدين فان زكاهما حكم و إلا طرحهما،، و من المعلوم ان سؤال القبيلة و مدرس المدرسة و معتبري التجار و نحو ذلك انما هو من جهة انه هو الطريق المتعارف و لأنهم هم المطلعون على حاله في الغالب لا ان طريق التزكية منحصر فيه كيف و قد يتفق بل كثيرا ما يتفق ان يكون للشاهد أصدقاء مختصون به لازموه في

ص: 136

سفر أو حضر فاطلعوا على دخيلة أمره، و خفي سره، بما لم يطلع عليه مدرسة و لا قبيلته، و بالجملة فهذا أمر موكول الى المدعي و هو الملزوم بإثبات تزكيته بأي نحو كان، و اللازم عندنا تزكيته مطلقا سواء كانت في السر أو العلن نعم تزكية السر اولى صيانة عن هتك الذمة و أوقع في براءة المزكي من المراعاة لحالة الخجل و الحياء فاللازم الاكتفاء اما تطلبهما معا فهو لمزيد الاحتياط و التوثق و لو كانت لازمة فهي موكولة إلى نظر الحاكم فله أو عليه ان يتحرى أحد الطرق الموصلة إلى حصول الثقة بهما سواء كان بالنحو المذكور في مادة «1718» من الورقة المستورة أو غيرها و كلما ذكر في هذه المادة و ما بعدها ليس فيه أمر محتم لازم و لا شي ء منصوص عليه و انما هي أمور غالبة و طرق متعارفة فقد يرى الحاكم أو المدعي في إثبات التزكية أو المدعى عليه في إثبات الجرح طريقا غير هذه الأوضاع المحررة في هذه المواد فلا داعي لإطالة البحث فيها، نعم ما في مادة «1724» لا يشتغل الحاكم بتزكية الشهود الثابتة عدالتهم في ضمن خصوص عنده الى آخرها.

و محصلها ان الحاكم إذا ثبت عنده عدالة شاهدين ثم شهدا عنده بأمر مخصوص غير ذلك المورد فلا حاجة الى تزكية ثانية إلى ستة أشهر و يحتاج إليها بعد المدة المزبورة، و لكنك خبير بأنه لا حاجة الى التزكية الجديدة عنده مطلقا لمكان الاستصحاب نعم للمدعى عليه حق الجرح و إثبات عروض الفسق إذا ادعاه و هذا أمر آخر غير

ص: 137

قضية التزكية، نعم لو رفعت خصومة إلى حاكم آخر و شهد أحدهم عنده و هو لا يعرفه احتاج الى تعديله، و كل هذا واضح كوضوح مادة (1724) إذا طعن المشهود عليه قبل التزكية أو بعدها الى آخرها.

مادة «1725» إذا عدل بعض المزكين الشهود و جرحهم بعض لم يحكم الحاكم بشهادة أولئك الشهود لانه يرجح طرف الجرح.

مرت الإشارة الى ان المشهور ان الجرح مقدم على التعديل لأن التزكية ترجع الى اني لا ادري و الجرح يرجع الى أنه يدري و من يعلم حجة على من لا يعلم و قد عرفت المناقشة فيه و انه على إطلاقه غير مسلم.

مادة «1726» إذا مات الشهود أو غابوا بعد أداء الشهادة في المعاملات فللحاكم ان يزكيهم و يحكم بشهادتهم.

لعل وجهه استصحاب وجوب العمل بشهادتهما و هو في صورة موتهما لا يخلو من نظر و الإطلاقات منصرفة عن الأموات، و لكن أصحابنا أرسلوا هذا الحكم إرسال المسلمات ففي (الشرائع) ما نصه:

لو شهدا و لم يحكم بهما فماتا حكم بهما و كذا لو شهدا ثم زكيا بعد الموت و كذا قال رحمه اللّٰه فيما لو شهدا عادلين ثم فسقا قبل الحكم فإن العبرة بعد التهما حال الشهادة لا حال الحكم.

ص: 138

تذنيب في (تحليف الشهود)

مادة «1727» إذا ألح المشهود عليه على الحاكم بتحليف الشهود بأنهم لم يكونوا كاذبين و كان هناك لزوم لتقوية الشهادة باليمين فللحاكم ان يحلف الشهود و له ان يقول لهم ان حلفتم قبلت شهادتكم و الا فلا.

هذا الحكم استحساني جزافي و الشاهد لا يمين عليه أصلا فإنه اما ان يكون عادلا فعدالته كافية في حصانته و مناعته عن تطرق الكذب، و اما ان يكون فاسقا و الفاسق كما لا يتحرج عن الكذب لا يتحرج عن اليمين الكاذبة و اما ان يكون مجهول الحال فهو غير مقبول الشهادة أصلا، فأين موضع فائدة اليمين؟ فليتدبر.

ص: 139

الفصل السابع في (رجوع الشهود عن الشهادة)

تحرير هذا البحث ان الرجوع عن الشهادة اما قبل الحكم أو بعده قبل الاجراء أو بعده و بعد الاجراء و التنفيذ، ثم الحكم في صورة الرجوع اما ان يكون متعلقا بمال أو نكاح أو طلاق أو حد أو دية أو قصاص في نفس أو طرف، فان كان الرجوع قبل الحكم سقطت الشهادة و لا سبيل للحكم لأن الشهادة قتلت نفسها و لا يدري أ صدقوا في الأولى أو الثانية، و هو المصرح به في مادة (1728) إلى قوله و يعزرون و التعزير هنا غير معلوم الوجوب نعم لو كان فيها قذف كشهود الجرح أقيم عليهم الحد، و ان كان الرجوع بعد الحكم قبل الاجراء، و كان المتعلق مالا أو نكاحا و طلاقا نفذ الحكم و غرما المال و ان كان قصاصا أو حدا سقط لان الحدود تدرأ بالشبهات و الرجوع يوجب الشبهة قطعا، و يعزر الشاهد أو يحد طبعا، و الى بعض هذه النواحي أشارت (المجلة) مادة «1729» و التي أحالت عليها و هي مادة (80) فقد أشارت الى

ص: 140

عدم نقض الحكم و هذا انما هو في المال فقط إجماعا و في الطلاق و النكاح على الأشهر، اما في الحدود و القصاص فلا نفوذ إجماعا أيضا اما لو كان الرجوع بعد الحكم و الاجراء فإن كان المحكوم به مالا فالغرامة بلا اشكال عينا أو دينا، و ان كان نكاحا أو طلاقا نفذ فلو شهدا ان زيدا طلق زوجته و حكم الحاكم و تزوجت نفذ فان كان بعد دخول الأول بها فلا غرامة لأن المهر قد استقر بالدخول و ان كان قبل الدخول غرم للأول نصف المهر الذي دفعه للزوجة، و قيل بل يبطل الثاني و تعود إلى الأول و يغرم الشاهدان برجوعهما ما دفعه الثاني من مهر و غيره و هو قوى، و ان كان قصاصا أو حدا و رجعا بعد استيفائه فإن قالا تعمدنا اقتص منهما ان رجعا معا و يرد الفاضل كما لو اشتركا في قتله و ان كان الراجع واحدا اقتص منه و يرد الفاضل إلى أوليائه و ان قالا أخطأنا يؤخذ منهما الدية و من أحدهما النصف و لو كانوا ثلاثة فمن كل واحد الثلث و هكذا لو شهدوا بالزنا و رجم المحكوم ثم رجعوا فان كان عمدا تخير بين قتلهم و رد فاضل الدية و ان كانوا فالدية و ان اختلفوا في الإقرار بالعمد و الخطأ جرى على كل حكمه،،، و مما ذكرنا يظهر لك ان الأصح فيما لو زاد الشهود على النصاب اشتراكهم في الغرامة لو رجعوا أو رجع أحدهم خلافا لمادة (1730) إذا رجع بعض الشهود على الوجه المذكور أيضا فإن كان باقيهم بالغين نصاب الشهادة إلى آخرها،،، فان الحكم فعلا قد استند إليهم اجمع و ان كان الحق يثبت بما دونهم.

ص: 141

الفصل الثامن في (التواتر)

مادة «1732» لا اعتبار لكثرة الشهود يعني لا يلزم ترجيح شهود الطرفين لكثرتهم بالنسبة إلى شهود الطرف الآخر الا ان تكون كثرتهم بلغت درجة التواتر،، التواتر الذي هو عبارة عن اخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب عادة مفيد للعلم بالضرورة و بعد العلم لا موضع للشهادة مهما كثر الشهود كما في مادة (1733) إذ الظن لا يزاحم العلم بل لا يعقل حصول الظن بما يخالف العلم بل الظن الشخصي لا يعقل مزاحمته لظن آخر بخلافه نعم الظنيان يتعارضان كما في تعرض البينتين و نحوه و قد يكون من بعض المرجحات الترجيح بالكثرة كما لعله يأتي قريبا إن شاء اللّٰه. و باقي مواد هذا الفصل اتضحت مما ذكرنا.

ص: 142

الباب الثاني في (الحجج الخطية و القرينة القاطعة

اشارة

و فيه فصلان)

الفصل الأول في (الحجة الخطية)

ملاك هذا الفصل حصول العلم و اليقين فان حصل القطع من الخط أو من دفاتر الحكومة لزم العمل بها و الا فلا. و منه يعلم حكم-

الفصل الثاني (القرينة القاطعة)

فان القرينة إذا أفادت العلم و اليقين فهو الحجة و الا فلا اثر لها و خروج شخص من الدار مدهوشا و بيده سكين ملوثة بالدم و وجد

ص: 143

في الدار شخص مذبوح في الوقت كل ذلك لا يفيد اليقين بأنه القاتل و انما هو الظن و العلم البدوي لا المستقر و الا فكثيرا ما تأتي الصدف بالغرائب و العجائب و على كل حال فما ذكره من المثال لا يجوز فيه المبادرة إلى الحكم بكونه قاتلا كما يظهر من «المجلة» و لا إهماله و إرساله فيطل دم المسلم بل يلزم توقيفه مع مزيد التحري و التحقيق حتى تنجلي الحقيقة و ليس هذا من العبرة بالوهم كما في مادة «74» بل الأخذ بالورع و الاحتياط في قضية الدماء فليتدبر.

الباب الثالث في (بيان التحليف)

مادة «1743» أحد أسباب الحكم اليمين أو النكول عنه الى آخرها.

سند هذا النبوي المشهور إنما أقضي بينكم بالبينات و الايمان و أحاديث أخرى قريبة منه مما يدل على ان فصل الخصومات اما بالبينة من المدعي أو اليمين من المنكر اما قول المجلة هنا: و لكن إذا ادعى أحد على آخر بقوله أنت وكيل فلان و أنكر الوكالة فلا يلزم تحليفه

ص: 144

فلا ربط له بالمقام ضرورة ان أصل الدعوى هنا غير مسموعة لأنها لا تلزم حقا للمدعي على المدعى عليه و قد سبق ان هذا أهم الشروط في سماع الدعوى و من هنا يتضح عدم صحة ما ذكروه في المثال الثاني و هو ما إذا ادعى شخصان مالا في يد آخر بان كلا منهما قد اشتراه و أقر المدعى عليه بأنه باعه لأحدهما و أنكر دعوى الآخر فلا يتوجه عليه اليمين، فان عدم توجه اليمين هنا ممنوع و ليست هي إلا كدعوى شخص على آخر انه قد اشترى ماله الذي بيده و أنكره صاحب اليد و ليس للمدعي بينة أ فلا يلزمه اليمين؟ و هكذا لو ادعى اثنان و اعترف لواحد و أنكر الآخر فان لمن أنكره ان يطالبه ضرورة أنه يدعيه بحق لازم و هو تملك العين المخصوصة فاللازم ان يدفعه بحجة شرعية و ليس الا اليمين و كذا الاستيجار و الارتهان و أمثالها.

مادة «1743» إذا قصد تحليف أحد الخصمين يحلف باللّه تعالى بقوله و اللّٰه و باللّه مرة واحدة،

لعل من المتفق عليه في جميع مذاهب المسلمين ان اليمين بغير اللّٰه عز شأنه لا اثر له فلا تنحسم به خصومة و لا تجب فيه كفارة بل هو فوق ذلك محرم ذاتا عند جمع من الفقهاء و هو ظاهر جملة من الاخبار التي تنهى عن الحلف بغير اللّٰه بل المنع من الحلف بغيره [اما ان تحلف باللّه و الا فدع] كما لا إشكال في كفاية المرة الواحدة نعم قد يترجح في نظر الحاكم في بعض الخصومات تغليظ اليمين زمانا أو مكانا أو ألفاظا بصيغة مخصوصة فيها تهويل على المنكر

ص: 145

عساه يعترف بالحق تفاديا من تلك اليمين كما ان له تحليف اليهود و النصارى بتوراتهم و انجيلهم و مقدساتهم و كنائسهم و نحو ذلك.

مادة «1745» تجري النيابة في التحليف و لكن لا تجري في اليمين.

تقدم في باب الوكالة ان اليمين و النذر و العهد من الأمور التي لا يتحقق فيه الوكالة فلا يصح ان يوكل وكيلا في استماع الدعوى عنه أو الحكم عوضا منه نعم له ان يوكل في التحليف وكيلا عنه فيحلف المنكر بحضوره و يبلغ الحاكم بذلك حتى يحكم إذا تمت بقية الموازين و لكن ليس للحاكم ان يحلف الا بطلب المدعي تحليف خصمه لانه حق له نعم له التحليف بغير طلب في موارد ذكرت (المجلة) أنها أربعة.

مادة «1746» الأول. اليمين المعروفة بيمين الاستظهار

و هي الدعوى على الميت بدين إذا أثبته المدعي بشهود و يلزم الحاكم تحليف المدعي الذي أقام البينة انه لم يستوف ذلك الحق بنفسه أو بوكيله من الميت و لا أبرأه و لا احاله و لا رهن عليه (الثاني) إذا ظهر لمال مستحق و اثبت دعواه حلفه الحاكم على انه لم يبع هذا المال و لم يهبه لأحد (الثالث) إذا أراد المشتري رد المبيع لعيبه حلفه الحاكم انه لم يرض بالعيب قولا أو دلالة بتصرف كتصرف الملاك (الرابع) تحليف الحاكم الشفيع عند الحكم بالشفعة بأنه لم يسقط حق شفعته بوجه من الوجوه، هذا ما ذكرته (المجلة) من الموارد التي

ص: 146

يصح أو يلزم على الحاكم التحليف من دون طلب أحد و لكن لا صحة لشي ء منها عند الإمامية و لا يلزم اليمين في شي ء من هذه الموارد الا اليمين الاستظهارية في الدعوى على الميت بدين أو عين للنص الخاص و ربما يتسرى الحكم بتنقيح المناط أو منصوص العلة الى كل من هو كالميت كالدعوى على الطفل أو المجنون أو الغائب غيبة منقطعة على تأمل في الشمول أيضا و هل يسرى وجوب ضم اليمين الى المدعي على الميت إذا كان هو أحد الورثة و الى المدعي إذا كان وصيا أو قيما على الصغير و هل تجب حتى مع العلم بعدم الوفاء و الإبراء أو حتى مع شهادة البينة ببقاء الدين الى موته و هل تجب يمين ثانية في مورد ثبوت الحق بالشاهد و اليمين و هل تقبل الإسقاط أم لا و هل تجب مع إقرار الميت و هل تجب مع دعوى الوصية العهدية أو التمليكية بعد إقامة البينة أم لا،،، كل هذه مسائل معضلة و مباحث مشكلة لم تتعرض المجلة لشي ء منها مع اهميتها، اما المواضع الثلاثة المذكورة في هذه المادة فلا نص و لا قاعدة تقتضي لزوم اليمين فيها و لا سيما في الموضع الثاني الذي أثبت المدعي دعواه فما وجه لزوم اليمين عليه بعد الإثبات؟

و انما اليمين حسب القاعدة العامة على المنكر لا على المدعي الا ما خرج بالنص و مثله الموضعان فان الرد بالعيب حق للمشتري و إذا ادعى البائع رضاه بالعيب فعليه الإثبات و ان عجز كان له طلب اليمين لا للحاكم على حد سائر الخصومات و كذلك الشفيع له حق الشفعة فإذا ادعى المشتري انه أسقط حقه لم يقبل منه الا بإثبات ذلك فإذا تكونت بينهما

ص: 147

خصومة كان حالها حال سائر الخصومات و لا شي ء هنا مخالف للقواعد العامة كما في يمين الاستظهار فتدبرها جيدا.

مادة «1747» إذا حلف المدعى عليه بطلب الخصم قبل ان يكلفه الحاكم فلا تعتبر يمينه،،،

حق اليمين كما عرفت للمدعى و لكن بشرط ان يطلب من الحاكم تحليف المدعى عليه فلو حلفه مباشرة لم تكن اليمين حاسمة للدعوى الا ان يجري بينهما عقد صلح على ان يسقط المدعي دعواه بيمين المدعى عليه فتسقط الدعوى و تكون اليمين حاسمة قهرا،،، ثم ان من احكام اليمين انها لا تجوز الا على المعلوم المتيقن فان كان المحلوف عليه من فعله أو تركه امكنه اليمين لانه معلوم له لو كان من فعل غيره فان كان معلوما له جاز الحلف عليه أيضا و إذا لم يكن معلوما فلا يسوغ الحلف الا على عدم العلم بذلك الفعل لا على عدمه واقعا، و مما ذكرنا يظهر لك القصور في مادة «1748» إذا حلف أحد على فعله الى آخرها.

مادة «1749» اليمين اما بالسبب أو بالحاصل،،،

هذا الاصطلاح و التقسيم لا اثر له و لا فائدة فيه نعم اليمين تارة تتعلق بالسبب مثل الحلف على وقوع عقد البيع أو الهبة و اخرى تتعلق بالنتيجة كالحلف على ان هذه الدار ملك زيد و لا شك ان هذه أقوى فلو تعارضتا كان نظير تعارض بينة السبب مع بينة النتيجة حيث تقدم الثانية على الاولى قطعا كما يأتي في محله إن شاء اللّٰه.

ص: 148

مادة «1750» إذا اجتمعت دعاوي مختلفة يكفي فيها يمين واحدة و لا يلزم التحليف لكل واحدة على حده،،،

عرفت ان اليمين حق المدعي فإذا تعددت دعاويه أو تعدد المدعون.

على شخص واحد فإن رضي أو رضوا جميعهم بيمين واحدة فهو و الا فلكل واحد ان يلزمه بيمين مستقلة كم له إلزامه عن كل دعوى بيمين

مادة «1752» إذا كلف الحاكم من توجه اليه اليمين- و نكل عنها صراحة إلى آخرها،،،

النكول يحصل بقوله لا احلف فيقال له:

رد اليمين على المدعي فان قال لا أرد أو سكت بلا عذر صارنا كلا و صح الحكم عليه.

لاحقة

مادة «1753» إذا قال المدعي ليس لي شاهد ثم أراد ان يأتي بشهود أو قال ليس شاهد سوى فلان و فلان ثم قال لي شهود أخر لا يقبل قوله.

انما لا يقبل إذا لم يبد وجها معقولا و عذرا مقبولا اما لو أبدى ذلك فاللازم القبول و هو واضح.

ص: 149

الباب الرابع في (بيان ترجيح البينات و التحالف

اشارة

و يشتمل على أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان التنازع بالأيدي)

مادة «1754» يلزم إثبات وضع اليد بالبينة في العقار المتنازع فيه و لا يحكم بتصادق الطرفين،،،، اعلم ان هذه المباحث اعني مباحث اختلاف الأيدي و تعارض البينات من أهم و أعضل مباحث القضاء، و مواد «المجلة» فيها مع أنها ناقصة بتراء غير مستوفية مشوشة غير منقحة و لا موضحة، و تحرير

ص: 150

هذه المشكلات بأسلوب جلي و مستوعب يستدعي «أولا» تمهيد مقدمة و هي ان اليد التي هي امارة على الملكية شرعا و عرفا- عبارة عن السلطنة و الاستيلاء على العين الخارجية و تعرف هذه السلطنة و الاستيلاء بآثارها و هي تختلف أشد الاختلاف باختلاف الأعيان و الأجناس و الزمان و المكان و الأوضاع فاليد على الدراهم اى السلطنة و الاستيلاء يحصل بوضعها في جيبه أو كيسه أو صندوقه أو محفظته و أمثالها و اليد على الدابة يحصل بركوبه عليها و وضعها في اصطبله و ندوده، و اليد على الدار بسكناه فيها و إيجارها و عمارتها، و اليد على العقار بزرعه و استغلال عائدة و هكذا كل شي ء بحسبه فان علم ذلك حكمنا بملكية صاحب اليد و صح لنا ان نشتري منه و لا يجوز لنا التصرف إلا باذنه و ان لم يعلم انه هو صاحب اليد كالدابة في الطريق أو الثوب الملقى فان ادعاه شخص و لم يعارضه آخر فهو محكوم بأنه له لقاعدة المدعي بلا معارض المستفادة من جملة من الاخبار و ان عارضه معارض فسيأتي حكمه في المقاصد، إذا تمهدت هذه المقدمة و عرفت معنى حقيقة اليد الدالة على الملكية- فاعلم انه لو تنازع اثنان أو أكثر في عين يدعي كل واحد منهم انها له فلا يخلو من اربع صور «الاولى» ان تكون في يدهما معا اي ان كل واحد منهما له الاستيلاء و هي تحت سلطتهما و تصرفهما معا كدار يسكنانها معا أو دابة في اصطبلهما و هكذا و النزاع في هذه الصورة يتصور على نوعين «الأول» ان يدعي أحدهما الاختصاص بها اجمع و الثاني ان يتعرف له بنصف منها و ان له

ص: 151

النصف الثاني فقط، و هذا من أوضح موارد المدعي و المنكر فان اتى مدعي الكل ببينة حكم له بالكل و لا فيحلف الثاني و تكون العين بينهما على المناصفة (الثاني) ان يدعي كل منهما الاختصاص بها اجمع و هذا القسم من المشكلات فقد يجعل من باب التداعي فاما ان تقوم البينة لأحدهما فيحكم له بالكل أو لا بينة لكل منهما فيتحالفان و تكون العين لهما بالمناصفة أو تكون لكل واحد منهما بينة فيتعارضان، ثم اما ان يتحالفا و تبقى العين لهما أيضا مناصفة أو تنصف بلا تحالف و الأول أصح و أحوط، و قد يجعل من باب المدعي و المنكر فإن أقام مدعي الكل البينة حكم له بالعين اجمع و الا حلف المعترف على ان النصف له و حكم له به و هذا هو الأقوى، و الضابط الفارق بين باب التداعي و باب المدعي و المنكر أن المتنازع عليه ان كان في يد أحدهما فهو المنكر و الآخر مدع و ان لم يكن في يد أحدهما أو لا يد عليه فهو باب التداعي و التحالف و تظهر الثمرة في عدم لزوم حلف مدعي الكل و تقديم بينته مع التعارض على القول بتقديم بينة الخارج (الصورة الثانية) ان تكون في يد أحدهما فقط و الآخر يدعي الكل أو النصف و هذا أيضا باب المدعي و المنكر و حكمه واضح (الثالثة) ان لا يكون لأحدهما يد عليها بل هي في يد ثالث و لا يخلو اما ان يقر بان العين لهما أو مختصة بأحدهما المعين أو غير المعين أو يقربها لشخص ثالث أو يقول لا ادري، و في الاولى ان كان كل منهما يدعي الاختصاص و كانت لأحدهما بينة حكم له بالكل و ان لم يكن بينة أو كانت

ص: 152

لكل منهما فهو من باب التداعي اما على الكل أو على النصف ان كان أحدهما يدعيه فقط و حينئذ فللمدعي الكل تحليف صاحب اليد ثم يتحالفان و تكون العين لهما معا بالمناصفة كما لو كانت في يدهما معا.

(و في الثانية) يصير المقر له هو صاحب اليد و تجري بينه و بين الآخر أحكام المدعي و المنكر و مع عدم البينة له تحليفهما معا كما لو أقربها لشخص ثالث فيصير هو صاحب اليد و هما مدعيان عليه،،، اما لو أقر لواحد منهما غير معين أو قال لا ادري فلهما تحليفه على عدم العلم فان بينة منفردة حكم منفردة و الا تحالفا و تكون لهما بالمناصفة و هذا هو المورد الذي لا تثبت اليد فيه الا بالبينة اعني المورد الذي لا تعلم اليد فيه لأحدهما و لا يعترف بها صاحب اليد لواحد منهما أو لكليهما فيحتاج الحكم باليد إلى البينة أو اعتراف الخصم له بذلك من غير فرق بين العقار و غيره بل هو مطرد في جميع الخصومات على جميع الأعيان و لا يظهر وجه معقول للفرق بين تصادق الخصمين فلا يقبل و لا يصير الآخر صاحب اليد باعتراف خصمه له و بين ما لو قال له اشتريته منك أو غصبته مني ضرورة عدم الفرق بين الاعتراف بأنه صاحب اليد رأسا أو باللازم كما في المثالين فتدبره (الصورة الرابعة) ان لا تكون لأحدهما يد عليها و لا لغيرهما كالشاة في الفلاة و الشرب في الطريق و هذا أيضا من أوضح أمثلة باب التداعي فالبينة إن اختصت بأحدهما فهي له و الا فالتحالف و التنصيف، و مما ذكرنا ظهر تمام ما في مادة (1755)- مع القصور

ص: 153

عدم استيفاء جميع الصور فتدبرها.

الفصل الثاني في (ترجيح البينات)
اشارة

هذا هو المبحث الثاني من مهمات مباحث القضاء و تجري فيه الصور الأربع المتقدمة في المبحث السابق و من المعلوم اختلاف اللحاظين في المبحثين فان الملحوظ هناك إثبات صاحب اليد بالبينة و الملحوظ هنا إثبات الملكية بها فالبحث هناك عن إثبات الطريق و هاهنا عن إثبات غاية الطريق و ليس ثبوت اليد حاسما للدعوى بل لا بدّ من إثبات كونها يد ملك لا يد عدوان (و بالجملة) فالبحث عن الامارة غير البحث عن ذي الامارة، و حيث ان قضية تعارض البينات من مشكلات القضاء و أهم مباحثه فلا بد من تمهيد مقدمة أيضا تشتمل على أمرين مهمين.

(الأول) ان أصحابنا اختلفوا في ان الأصل و القاعدة في الحجتين المتعارضتين هل هو التساقط و الرجوع الى الأصول في موردهما أو الى حجة أخرى في موردهما ان كانت؟، أم القاعدة

ص: 154

تقتضي عدم السقوط عن الحجية إلا بالمقدار الذي لا يمكن العمل بهما فاللازم بعد تعذر العمل بهما بتمام مؤداهما أما التبعيض أو التخيير لانه عمل بهما في الجملة بقدر الإمكان- وجهان بل قولان- و لعل التساقط بعد التكافؤ و عدم المرجح من جميع الوجوه هو الا وجه لانصراف أدلة الحجية عن المتصادمين «أولا» و لزوم التهافت للتمانع بينهما ثانيا و التبعيض و التخيير يحتاج الى دليل غير دليل نفس الحجية كما ورد في الخبرين المتعارضين بعد تكافئهما من جميع الوجوه الأمر بالتخيير في المعتبرة المستفيضة القائلة: إذا فتخير. اما مع وجود المرجحات فلا إشكال في حجية الراجح و سقوط المرجوح فان حجية البينة كحجية خبر العدل ليس من باب الموضوعية و السببية بل من باب الطريقية فالراجح أقرب الى الواقع فيتعين «الثاني» هل وظيفة المنكر خصوص اليمين كما ان وظيفة المدعي ابتداء هي البينة يعني لو طلب المنكر تقديم بينة تفاديا من اليمين هل يقبل منه أم لا يقبل منه الا اليمين- وجهان بل قولان من ان ظاهر أدلة «البينة على المدعي. و اليمين على من أنكر» هو انحصار وظيفته باليمين فكما ان المدعي لا يقبل منه الا البينة فكذلك المنكر لا يقبل منه الا اليمين و التفصيل قاطع للشركة مضافا الى جملة من الاخبار صريحة بذلك كخبر منصور: رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها فأقام البينة انها ولدت عنده و لم يهب و لم يبع و جاء الذي في يده بالبينة مثلهم عدول انها ولدت عنده لم يهب و لم يبع فقال عليه السلام حقها للمدعي و لا

ص: 155

اقبل من الذي في يده بينة لان اللّٰه تعالى أمر ان يطلب البينة من المدعي فان كانت له بينة و الا فيمين الذي هو في يده هكذا أمر اللّٰه عز و جل،، و قريب منه الرضوي و غيره،،، و من ان المنكر لما كان هو صاحب اليد غالبا و قوله موافق للأصل أيضا اكتفي منه باليمين تسهيلا و رخصة لا عزيمة بخلاف المدعي و لذا تعينت عليه البينة مضافا الى عمومات إذا شهد عندك العادلان فصدقهما و أمثالها و خبر منصور و الرضوي و غيرهما لضعف أسانيدها و اعراض الأكثر عنها لا يصلح لتخصيص تلك العمومات مضافا الى معارضتها بأخبار اخرى صريحة في قبول بينة المنكر و هذا هو الأصح،،، إذا تمهد هذان الأمران فلنشرع في حكم تعارض البينتين في كل واحدة من الصور الأربع فنقول (1) ما إذا كانت العين في يد رجل و ادعاها آخر و اقام كل منهما البينة انها له و قد اختلف فقهاؤنا في تقديم اي البينتين على الأخرى أشد الاختلاف حتى انتهت الأقوال إلى تسعة أو أكثر و منشأ ذلك اختلاف الاخبار فبين قائل بتقديم بينة الداخل اي صاحب اليد و قائل بتقديم بينة الخارج و بين قائل بالتفصيل بين التي ذكرت السبب فتقدم الى غير ذلك من التفصيلات المبسوطة في الموسوعات و الذي يستفاد من مجموع الأدلة في هذه الصورة بعد الجمع بين الاخبار هو لزوم الرجوع الى المرجحات المنصوصة و هي الأكثرية و الأعدلية و ما يلحق بها من متانة الشاهدين و شدة حفظهما و نحو ذلك مما له مدخلية في قوة الظن بأن الحق معهما لا بقضية

ص: 156

ذكر السبب و عدمه مما لا مدخلية له بقوة الظن فان تساويا من جميع تلك الجهات فالترجيح لبينة صاحب اليد و يدل على ذلك صريح جملة من الاخبار كخبر غياث ان أمير المؤمنين عليه السلام اختصم اليه رجلان في دابة كلاهما أقام البينة أنه أنتجها فقضى بها للذي هي في يده و قال لو لم يكن في يده جعلتها نصفين و مثله خبر جابر ان رجلين تداعيا دابة و اقام كل منهما بينة انها دابته أنتجها فقضى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله للذي في يده و لكن في آخر خبر إسحاق ابن عمار فان كانت في يد أحدهما و أقاما جميعا بينة قال اقضى بها للحالف الذي هو في يده، و القاعدة تقتضي تقييدا لا و اين بهذا الخبر فتكون العين المتنازع فيها لمن هي في يده بعد يمينه و هذا يوافق ما اخترناه من ان القاعدة تقتضي تساقط البينتين المتعارضتين و يتوجه على صاحب اليد و هو المنكر اليمين و يحكم له بها و لكن هذا مع تساوي البينتين في العدد و درجة العدالة اما مع تفوق احدى البينتين على الآخرى عددا أو عدالة فلا يبعد الترجيح بالأكثرية و الأعدلية كما صرحت به بعض الاخبار بل و في بعضها الترجيح بذكر السبب مثل ان الدابة نتجت على مذوده أو انه تملكه بالشراء الا ان الاعتداء بهذا مشكل كما ان بعض الاخبار قد اشتمل على ذكر القرعة ففي صحيحة الحلبي في شاهدين شهدا على أمر واحد و شهد آخران على غير الذي شهدا قال عليه السلام يقرع بينهما فأيهما قرع فعليه اليمين و مثلها أخبار أخرى و هذا أيضا طرح للبينات و رجوع الى اليمين و القرعة

ص: 157

و الظاهر عدم لزومها معه بل هي لمزيد التوثق و الاحتياط و كيف كان فالأصح ما ذكرنا من انهما مع التكافؤ يسقطان و يحلف من في يده العين و يأخذها، اما- ما ذكره الشهيد «قده» في اللمعة من انه لو كانت احدى البينتين أقدم قدمت و علله في (الروضة) بقوله لثبوت الملك بها سابقا فيستصحب و على هذا جرت (المجلة) مادة «1760» بينة من تاريخه مقدم اولى مثلا إذا ادعى على العرصة إلى الآخر، فهو انما يصح على المبنى الذي ذكرناه من سقوط البينتين مع التعارض و يرجع الى الاستصحاب و هذا انما يتم حيث لا يد لأحدهما اما مع اليد فلا حاجة الى الاستصحاب بل لا يجري الاستصحاب مع اليد معارضا لها أو موافقا لأنها امارة و لا مجرى للأصل مع الأمارة أصلا كما حقق في محله و كيف كان فتعبير الشهيد كعبارة المجلة لا يلائم ما اخترناه من السقوط بل هو ظاهر أو صريح في ان الاستصحاب مرجح للبينة الموافقة على الأخرى و هذا يتسق على الأصول القديم اما على ما حققه فلاسفة الأصوليين من سقوط الأصل كلية مع الامارة بينة أو غيرها مخالفا أو موافقا بل يموت تماما نعم إذا تعارضت فسقطت يحيا و يلزم الرجوع اليه كما ذكرنا فهو مرجع لا مرجح فتدبره،،، هذا كله إذا كان المتنازع عليه في يد أحدهما اما لو كان في يدهما معا كما في مادة «1756» فقد عرفت انه على نوعين لان كلا منهما اما ان يدعي الكل و اما ان يكون أحدهما الذي يدعي ذلك و الآخر يعترف بالاشتراك يعنى انه يدعي النصف فالباب في كلا

ص: 158

الصورتين باب التداعي لا باب المدعي و المنكر، اما الاولى فواضح ضرورة ان كلا منهما يدعي الكل و الكل في يده حسب الفرض و هو ممكن ببعض الاعتبارات و اما «الثانية» فالنصف متفق عليه بينهما أنه لمدعي الكل انما النزاع في النصف الثاني فمدعي الكل يدعي انه له مع ذلك النصف و الآخر يدعي انه له و المفروض انه في يدهما و قد عرفت ان المائز لباب التداعي عن باب المدعي و المنكر هو كون المتنازع في يدهما أو لا يد لأحدهما عليه فهو باب التداعي و ان كان في يد أحدهما بالخصوص فهو باب المدعي و المنكر و عليه فلا وجه لتقديم بينة الاستقلال اي بينة مدعي الكل كما في «المجلة» و لا للاشتراك إذا ادعى أحدهما النصف بل اللازم «أولا» الرجوع الى المرجحات من الأكثرية و الأعدلية و غيرهما فيعمل بالراجحة منهما فان تكافأتا من جميع الوجوه سقطتا فان كان هناك أصل من استصحاب أو غيره عمل به و الا فالتحالف فان حلف أحدهما و نكل الآخر فهي للحالف و ان حلفا معا اشتركا فيها مناصفة في الصورة الاولى و قسم النصف بينهما في الثانية، و هكذا الكلام فيما لو لم تكن عليها يد أصلا لا لهما و لا لغيرهما و أقام كل منهما البينة،، و هي «الثالثة» و كذلك ظهر حكم الصورة «الرابعة» و هي ما لو كانت في يد ثالث فإنه إن أقربها لهما كانا كما لو كانت في يدهما معا، و ان أقربها لواحد فهو صاحب اليد و عليه اليمين للآخر مضافا الى يمين من صارت له اليد حديدا و ان أنكرهما كان لهما عليه اليمين فإن أقر بها لثالث فهو

ص: 159

صاحب اليد و يختصمان معه و ان قال لا ادري فحكمها كما لو لم يكن لا حديد عليها أصلا،، هذا خلاصة التحقيق في هذا المقام، و هذا هو العلم المشذب و الفقه المحرر و لو رجعت الى موسوعات الفريقين في هذه المباحث و مؤلفاتهم لما زادتك الا حيرة و ارتباكا، و لنرجع الى التعليق على بقية مواد هذا الفصل.

مادة «1757» بينة الخارج أولى في دعوى الملك المطلق الذي لم يبين فيها تاريخ-،،،

و مثاله ما لو ادعى ان الدار التي في يد زيد هي له- يعني و اقام كل منهما بينة ترجح بينة الخارج و تنتزع الدار من يد زيد، و هذا مبني على ما عرفت من ان الخارج وظيفته البينة و ذو اليد وظيفته اليمين و لا تسمع بينته و أوضحنا لك ان الحق خلاف هذا و ان بينة الداخل أحق بالتقديم لاعتضادها باليد و العمل بالامارتين المتفقين اولى من العمل بأمارة واحدة مخالفة و انما جعلت البينة حجة من جهة كونها طريقا الى الواقع لا من باب التعبد و الموضوعية و لا شك ان اليد امارة على الواقع و الأمارتان المتعاضدتان أقرب الى الواقع من الأمارة الواحدة المخالفة، و ان شئت ان تقول بناء على تساقط الحجتين المتعارضتين ان البينتين تساقطتا بالتعارض و بقيت اليد حجة بلا معارض و احترزت «المجلة» بقيد الدعوى في الملك المطلق و الذي لم يبين فيها تاريخ عن ذات السبب و المؤرخة فإنهما مقدمتان عندهم كما أوضحت ذلك في مادة (1758) ترجح بينة الخارج أيضاً على بينة

ص: 160

ذي اليد في دعاوي الملكية المقيدة بسبب قابل للتكرار و هي التي لم يبين فيها التاريخ كالشراء لكونها في حكم دعوى الملك المطلق و لكن إذا ادعى كلاهما بأنهما تلقيا الملك من شخص واحد ترجح بينة ذي اليد. ثم ذكرت المثال و خلاصته انه الخارج لو ادعى حانوتا في يد شخص و قال اشتريته من زيد فان قال ذو اليد انا اشتريته من بكر قدمت بينة الخارج و ان قال انا اشتريته من زيد قدمت بينته و لا اعرف لهذا التفصيل وجها مقبولا، بل اللازم النظر إلى أقوى البينتين كثرة و وثاقة فترجح، و إذا تكافأتا من جميع الوجوه فان قلنا بأن القاعدة التساقط ترجح قول ذي اليد بيمينه لانه منكر و المدعي لا حجة عنده لسقوط بينته بالتعارض، و الا فالترجيح لبينة الداخل لاعتضادها باليد فتكون أمارتان في مقابل واحدة و لا حاجة الى اليمين لان العمل استند إلى البينة و اليد مرجح لا مرجع فتدبره.

و مثله الكلام في مادة (1759) بينة ذي اليد أولى في دعاوي الملكية المقيدة بسبب غير قابل للتكرر كالنتاج- فلو تنازع الخارج و ذو اليد في مهر و اقام كل منهما بينة انه مولود من فرسه ترجح بينة ذي اليد.

قد عرفت ان ترجيح ذي اليد لانه ذو يد لا لأن بينته شهدت بالسبب و الا فكلاهما قد شهدتا بالسبب فليس ترجيح ذي اليد الا ليده فيطرد في كل ذي يد سواء شهدت بالسبب أم لا و مثله ما لو شهدت إحداهما بالمطلق و الأخرى مقيدة بالسبب فان الترجيح لذي

ص: 161

اليد الا ان تكون بينة الخارج أكثر عددا و أقوى وثاقة فإنها تقدم على اليد و يعرف وجهه بالتدبر فيما ذكرناه، نعم قد يكون لإحدى البينتين شبه الحكومة على الأخرى و كالتفسير لها كما لو شهدت بينة ذي اليد انه ورثها من أبيه و شهدت الأخرى بأن أباه اغتصبها من المدعي أو من أبيه أو اشتراها و لم يدفع ثمنها فلا إشكال حينئذ بتقديم بينة الخارج كما نص عليه خبر أبي بصير.

مادة «1760» بينة من تاريخه مقدم أولى- إلى آخرها.

تقدم الكلام فيها و انه لا وجه للترجيح هنا الا الاستصحاب و هو لا يصلح مرجحا للبينة كما لا يصلح معارضا،،،

مادة «1761» لا يعتبر تاريخ الدعوى في النتاج

و ترجح بينة ذي اليد كما ذكر آنفا. الا انه إذا لم يوافق من المدعى به تاريخ ذي اليد و وافق تاريخ الخارج ترجح بينة الخارج- و هذا غني عن البيان فان بينة ذي اليد على هذا التقدير تصبح معلومة الكذب بالوجدان فالخارج كذبها و صدق بينة الخارج و كذلك لو خالف تاريخ كليهما فان الوجدان حينئذ قد كذبهما معا و تبقى اليد سليمة عن المعارض فيحلف لانه منكر و يحكم له باليمين و عليه بالنكول اما لو لم يكن التاريخ معلوما فقد حكمت المجلة أيضا بتهاتر البينتين و تبقى العين في يد ذي اليد،، و هذا غير موافق لما حكمت في المواد السابقة من ان بينة الخارج مقدمة في دعوى الملك المطلق و هذا الفرض يرجع اليه بعد سقوط التاريخ و عدم العلم بتاريخ النتاج

ص: 162

و الأصح ان كان ترجيح لإحدى البينتين فهو و الا فالترجيح لبينة ذي اليد و الاولى ان يحلف أيضا.

مادة «1762» بينة الزيادة أولى فلو اختلف البائع و المشتري في مقدار الثمن أو المبيع ترجح بينة مدعي الزيادة،،،

و هذا واضح بناء على تقديم بينة الخارج اما على العكس فالأمر بالعكس فتدبره.

مادة «1763» ترجح بينة التمليك على بينة العارية،

فلو قال أعطيته لك عارية و قال بل بعته لي أو وهبته ترجح بينة البيع أو الهبة،،، هذا المسألة ذات شقوق و شعوب و هي مسألة مشكلة و سيالة ذات أشباه و نظائر و فيها فقاهة و فن، و تحريرها كما يجب- ان التنازع في العارية و البيع اما ان يكون بعد تلف العين عند مدعي البيع أو مع وجودها في يده فان كان بعد التلف فاما ان يكون مع دعوى تسليم الثمن من مدعي البيع أو مع اعترافه بعدم التسليم و على كلا التقديرين يلزمه التسليم لأصالة عدمه في الأول و لاعترافه بأنه لازم عليه في الثاني و لكن مدعي العارية لا يستحقه من جهة إنكاره للبيع و العارية غير مضمونة إلا بالتعدي و الأصل عدمه فلا يجوز له أخذ الثمن نعم على مدعي البيع ان يدسه في أمواله أو يدفعه الى حاكم الشرع ان لم يتمكن من إيصاله اليه و يشبه ان يكون كمجهول المالك (و بالجملة) فأصالة عدم الضمان و أصالة عدم البيع تقضي بعدم استحقاق مدعي العارية عوض العين التالفة و لكن اعتراف مدعي البيع يقضي

ص: 163

بوجوب تسليمه الثمن و ان كان الآخر لا يستحقه حسب اعترافه و مثل هذا كثير في الفقه، اما مع وجود العين في يد مدعي البيع و عدم تلفها فأصح ما يجري من الأصول هنا هو استصحاب ملكية مدعي العارية الذي يعترف مدعي البيع انها كانت له و يدعي انتقالها منه اليه و الأصل عدم الانتقال و بقاء تلك الملكية فيجب عليه ردها اليه لا يقال ان يد مدعي البيع الفعلية تعارض الاستصحاب و هي مقدمة عليه لأنها امارة و الاستصحاب أصل لأنا نقول ان هذه اليد الفعلية لا اثر لها لأنها فرع عن يد سابقة باعتراف المدعي أي مدعي البيع فيكون أصالة بقاء الأصل حاكم على الفرع فتدبره.

هذا من حيث مجاري الأصول و حيث لا بينة أصلا،،، اما لو كانت فاما ان تكون لواحد منهما فقط فلا اشكال ان العمل عليها و ان كانت لكل واحد بينة فان كان لواحدة منهما مرجح فالعمل عليها و ان تكافأتا و قلنا بالتساقط فالمرجع هو الأصل الذي عرفته و يصبح مدعي البيع هو المدعي و عليه الإثبات و حيث سقطت بينته بالتعارض فالآخر هو المنكر و يحكم له بالعين بعد يمينه و إذا قلنا بعدم التساقط فان جعلنا المدار في الداخل و الخارج على اليد الفعلية فمدعي البيع هو الداخل و تقدم بينته عند من يقول بتقديم بينة الداخل كما هو الأصح لاجتماع أمارتين البينة و اليد في قبال امارة واحدة، و الخارج هو مدعي العارية فتقدم بينته عند من يقول بتقديم بينة الخارج، كأصحاب المجلة و ان قلنا بان المدار على اليد السابقة و هي يد مدعي العارية انعكست

ص: 164

القضية و انقلب الحكم فتدبر.

كل هذا التحقيق و اغتنمه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب.

مادة (1764) ترجح بينة البيع على بينة الهبة و الرهن و الإجارة و بينة الإجارة على بينة الرهن

- الى آخرها.

هذا أيضا فرع على الأصل الذي اعتمدوا عليه من تقديم بينة الخارج و حيث ان مدعي البيع قوله مخالف للأصل أعني أصالة عدم الانتقال أو أصالة عدم استحقاق الثمن على المدعى عليه فهو الخارج بناء على ان كل من يخالف قوله الأصل خارج فتقدم بينته، و لكن التحقيق ان هذا الفرع و نظائره مما يتفق فيه المتداعيان على كون العين كانت لأحدهما و انتقلت الى الآخر لكن تنازعا في أنها انتقلت.

بعوض أو بغير عوض كالبيع و الهبة أو اتفقا على انتقال المنافع و تخاصما هل انتقالها مع العين أو مستقلة كالبيع و الإجارة أو البيع و العارية على القول بأنها تمليك المنافع نعم الحق ان المرجع في كل هذه الفروض الى ان قاعدة احترام مال المسلم هل مقتضى انه لا ينتقل الا بعوض الا ما خرج أو انها لا افتضاء لها من هذه الجهة و لا يستفاد منها الا ان احترام مال المسلم يقتضي ان لا ينتقل عنه و لا يتصرف فيه أحد إلا برضاه فلا تفيد أكثر من أمثال قولهم عليهم السلام لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه من الكتاب و السنة فان قلنا ان الأصل هو عدم الانتقال بالعوض فالقول لمن يدعي البيع و الا فالقول لمن يدعي الهبة اما النزاع في البيع أو الرهن فلا ريب ان الأصل عدم الانتقال فيكون

ص: 165

القول مع منكره و كذا في البيع و الإجارة فإن مدعي البيع يدعي انتقال العين و المنفعة و المنافع متفق على انتقالها و الأصل عدم انتقال العين فقول مدعي الإجارة موافق للأصل و بمعرفة الموافق للأصل من المخالف يعرف الداخل و الخارج و منه يعلم حكم النزاع في انه رهن أو إجارة فإن الأصل عدم انتقال المنافع فالقول مع مدعي الرهن و من كل هذا ظهر ان المجلة في مادة «1765» شذت أو اشتبهت في القاعدة التي بنوا عليها من تقديم بينة الخارج ضرورة أن المعير الذي يدعي التقييد و التعيين باستعماله أربعة أيام فقط يخالف قول الأصل أعني أصالة عدم التقييد فيكون هو الخارج و تقدم بينته و لكنهم حكموا بتقديم بينة المستعير الموافق للأصل و دعوى ان القول قول المعير في نوع ما يملكه من المنافع لغيره فيكون قوله موافقا للأصل- مردودة بأن الأصل و ان اقتضى الرجوع إليه في تعيين قصده و لكن ذاك حيث لا يكون دليل اجتهادي كظواهر الألفاظ من إطلاق و تقييد يعين بهما المراد فتدبره جيدا و لا تغفل كغفلتهم في هذه المادة و مادتي «1766» و «1767» فان الأصل لما كان هو الصحة و العقل فمدعيهما موافق للأصل فيكون داخلا و اللازم على قاعدتهم ان ترجح بينة الخارج و هو مدعي المرض و الجنون،،،

مادة «1768» إذا اجتمع بينة الحدوث و القدم

- الى آخرها إذا تنازع اثنان في ان المسيل حدث منذ خمسين سنة أو عشر سنين فقد مر عليك غير مرة ان أصالة تأخر الحادث تقتضي الحدوث

ص: 166

و بناء على تقديم بينة الخارج تقدم بينة القدم المخالفة للأصل فحكم المجلة بتقديم بينة الحدوث فيه خروج عن قاعدتهم فتدبره جيداً و لا تغفل.

مادة «1769» إذا أظهر الطرف الراجح العجز عن البينة

- لعله يريد بالطرف الراجح من يوافق قوله الأصل أو العكس و على كل حال فالأمر فيهما واضح.

الفصل الثالث في (القول لمن. و تحكيم الحال)
مادة «1771» إذا اختلف الزوج و الزوجة في أمتعة الدار التي سكناها- الى آخرها.

هذه المسألة أيضا من مهمات مسائل الخصومات و هي قضية تنازع الزوج و الزوجة في أمتعة البيت و هي و ان كانت معنونة بعنوان الزوج و الزوجة و لكنها كثيرة الاشتباه و النظائر كثيرة الدوران و عامة البلوى، و ربما يطرد حكمها في كل شريكين أو أكثر في محل

ص: 167

لو تنازعا على ما في ذلك المحل من متاع أو آلات أو نحو ذلك كالنجار و الحداد لو اشتركا في العمل في حانوت واحد و تنازعا على بعض آلات مختصة أو مشتركة و قد تكثرت الأقوال و تضاربت الأفكار في تنازع الزوجين على الأمتعة فبين قائل بأن لكل واحد منهما ما يخصه و المشترك يقسم بينهما بعد التحالف و قيل الكل للزوج و قيل الكل للزوجة و قيل المرجع الى العرف مطلقا و قيل هما فيه سواء مطلقا فان حلف أحدهما فهو له و ان حلفا أو نكلا قسم بينهما و نسب الى الصدوق «قده» القول بان ما يختص الرجل له و ما يخص المرأة و المشترك لها فهذه خمسة أقوال،،، و سر هذا الخلاف و ملاك الارتباك هو ان متاع البيت لما كان تحت استيلاء الزوجة و الزوج معا فيكون الجميع في يد كل منهما فلو تنازعا كان من قبيل تعارض اليدين و تدخل في قضية تنازع اثنين على مال بأيديهما فإذا سقطت اليد بالتعارض فان كانت لأحدهما بينة فلا ريب في ان العمل يكون عليها و ان كانت لكل منهما بينة يرجع الى المرجحات فيعمل بالراجحة و ان تكافأتا لم يكن مجال لتقديم بينة الداخل أو الخارج بعد فرض ان كل واحد له يد على المجموع فكلاهما داخلان فتشكل المسألة و كذا لو لم يكن بينة أصلا،،، اما اخبار أهل البيت سلام اللّٰه عليهم في هذه العقدة فهي كثيرة و مختلفة المفاد ظاهرا و من طريقها أو ظريفها حديث ابن «1» الحجاج البجلي قال سألني أبو عبد اللّٰه اي الصادق «ع» «1» عبد الرحمن بن الحجاج البجلي الكوفي سكن بغداد و هو-

ص: 168

كيف قضاء ابن أبي ليلى «1» قلت قضى في مسألة واحدة بأربعة وجوه في التي يتوفى عنها زوجها فيجي ء اهله و أهلها في متاع البيت فقضى فيه بقول إبراهيم النخعي ما كان من متاع الرجل فللرجل و ما كان من متاع النساء فللمرأة و ما كان من متاع يكون للرجل و المرأة قسمه بينهما نصفين. ثم ترك هذا القول فقال المرأة بمنزلة الضيف في منزل الرجل، لو ان رجلا أضاف رجلا فادعى متاع بيته كلف البينة كذلك المرأة تكلف البينة و الا فالمتاع للرجل و رجع الى قول آخر فقال القضاء ان المتاع للمرأة الا ان يقيم الرجل البينة على ما أحدث في بيته ثم ترك هذا القول و رجع الى قول إبراهيم الأول فقال عليه السّلام القضاء هو الأخير و ان كان قد رجع عنه المتاع متاع المرأة الا ان يقيم الرجل البينة قد علم من بين لا بيتها يعني جبلي متى ان المرأة تزف الى بيت زوجها بمتاع و مثله صحيحته الأخرى و بينهما تغيير يسير و في آخرها: أ رأيت إن أقامت بينة كم كانت تحتاج فقلت شاهدين- من خواص أصحاب الإمام الصادق و ولده موسى الكاظم [ع] و كان راويا لهما و وكيلا عنهما سلام اللّٰه عليهما و أدرك الإمام الرضا عليه السلام و مات في أيامه أي بعد المائتين و هو من أجل رواتنا رضوان اللّٰه عليهم «1» محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قاضي الكوفة أيام بني أمية و بني العباس و كان يفتي بالرأي قبل أبي حنيفة و له معه مناظرات و منافرات و كان أبوه من أكابر التابعين وجده أبو ليلى من الصحابة اسمه يسار من ولد احيحة ابن الجلاح توفي سنة 148.

ص: 169

فقال لو سألت بين لابتيها يعني الجبلين و نحن يومئذ بمكة لأخبروك أن الجهاز و المتاع يهدى علانية من بيت المرأة إلى بيت زوجها فهي التي جاءت به و هذا المدعي ان زعم انه أحدث فيه شيئاً فليأت عليه بالبينة، و في صدرها استثناء الميزان و انه للرجل، و في جملة من الاخبار ان لكل منهما ما يخصه و المشترك بينهما يقسم، هذا موجز ما في المسألة من الأقوال و الاخبار الواردة فيها.

و الذي ارى ان الفقهاء رضوان اللّٰه عليهم و ان أطنبوا في هذا البحث و لكنهم لم يوفوا هذا الموضوع حقه من التحرير و التحقيق و نحن بلطفه تعالى نوضحها لك بأسلوب بكر من البيان يتجسم به روح الحقيقة حتى تلمسها بيدك و تبصرها بعينك مجردة عن كل غطاء و غشاوة و ذلك بعد مقدمتين «الاولى» ان كل أحد يعلم باختلاف التقاليد و العادات بين طبقات البشر في قضية الزوج و الزوجة من حيث الجهاز و المتاع و ما تأتي به معها من بيت أبيها إلى بيتها الجديد فبين طائفة تأتي الزوجة و لا شي ء معها سوى ثياب بدنها التي عليها مظلومة محرومة من كل شي ء حتى من مهرها الذي يستهلكه لنفسه أبوها أو أخوها الذي يتولى أمرها و هؤلاء يرون ان البنت كالبهيمة المملوكة تباع و تشترى و لا شي ء لها من الحقوق المدينة و تزويجها عبارة عندهم عن بيعها كما تباع البقرة فتورث هي كسائر الأموال المنقولة و لا تعطى من الإرث شيئا و هؤلاء هم أكثر الأعراب من أهل القرى و الرساتيق و سكان الصحراء البوادي و هذا هو الظلم الفظيع

ص: 170

و الشنشنة الخبيثة التي جاء الإسلام لمحوها و تكرر في الكتاب الكريم تفنيدها و التوبيخ عليها و لكن على رغم العدل و الانصاف ما أجدى كل ذلك شيئاً و لا يزال القوم الى اليوم متمادين في ذلك الضلال و سوء الحال و لا نزال نبذل جهودنا معهم في الوعظ و الإرشاد و لا سامع و لا مجيب إلا في القليل النادر، و حيث ان أوضاع هذا الكون اعني عالم الكون و الفساد في الغالب على طرفي نقيض بين الإفراط و التفريط- فهناك طائفة أخرى و لا سيما في المدن و العواصم على ضد ذلك تحمل الزوجة معها من بيت أبيها ادارة بيت كاملة من العرش و الفرش و الأواني و القدور الى الخيط و الإبرة و قد يتفق انها تكتسح بيت أبيها و لا تترك فيه شيئاً بل تتركه فقيرا، لا يملك دانقا و لا قطميرا و بين هذين الطرفين طبقات مختلفة العادات و الحالات و للفقر و الغنى دخل شديد و يد قوية في ذلك، فاحتفظ بهذا و اجعله على بالك «الثانية» ان محور قضية تنازع الزوج و الزوجة و نظائرهما تدور في الحقيقة و بعد دقة النظر على قضية اليد فقط لا على المختص بالرجال و المختص بالنساء، فمعرفة صاحب اليد هنا في الدرجة الاولى و معرفة الاختصاص في الدرجة الثانية، و معرفة صاحب اليد في الغالب سهلة التناول قريبة المأخذ فان كلا من الزوجة و الزوج على الأكثر لا بدّ و ان يكون له في البيت شي ء يختص به من غرفة أو صندوق أو خزانة يضع فيها ثيابه أو أوراقه أو نقوده أو كل ذلك و كذلك الزوجة و هذا جد واضح كما لإشكال أيضا في ان في البيت

ص: 171

متاعا كثيرا لا يختص بأحدهما و لا يد لأحدهما عليه كالفراش و السجاد و الأواني و نحو ذلك إذا تمهد هذا- اتضح لك ان اللازم على الحاكم حين ترفع إليه حادثة من هذه المشاجرات ان ينظر أولا الى ان المتنازع فيه هل هو في يد الزوج أو الزوجة و في تصرف اى واحد منهما فيحكم بأنه هو المنكر و على الآخر إقامة البينة سواء كان ذلك الشي ء من مختصاته أو مختصات الطرف الآخر فان الحلي كالسوار و القلادة التي لا شك ان من مختصات النساء قد يصوغها الزوج من ماله و يضعهما في صندوقه أو في خزائنه أو يدفعها أحيانا للزوجة للزينة ثم يسترجعهما منها فكونه من مختصات الزوجة لا يلزمه ان يكون ذلك ملكها أو في يدها كما ان بعض مختصات الرجل كالسيف أو الدرع فيكون ملكاً للمرأة و خزانتها إما بالإرث من أبيها أو غير ذلك من الأسباب فإذا عرف الحاكم انه في يدها و تحت استيلائها و تصرفها يحكم على الآخر بإقامة البينة فإن عجز عن الإثبات حكم لصاحب اليد بيمينه بل ينبغي ان يكون هذا النحو خارجا عن موضوع البحث و ان كانت كلماتهم في قضية الاختصاص مطلقة فإن عجز الحاكم عن معرفة صاحب اليد المالكة لاشتراك تصرفهما فيه أو لكونه في يدهما معا أو في خزانتهما المشتركة بينهما كمكينة الخياطة الموجودة في غرفتهما المشتركة و كل منهما يستعملها أحيانا أو نحو ذلك من الآلات حتى المصاغ كالمنطقة و الخاتم سواء كان من صياغة الزوج أم لا فهنا تأتي قضية النظر في المختص و المشترك

ص: 172

فان كان من مختصات الرجل كالسيف و الرمح و نحوهما جعلنا الاختصاص امارة على انه له و انه هو صاحب اليد المالكة و كذلك ما إذا كان من مختصات المرأة كالاقراط و الأسورة فإن اختصاص النساء بشي ء امارة على انه ملك الزوجة و في يدها و ان كان من صياغة الزوج و هذه اليد الانتفاعية أو الاستعمالية دليل على اليد المالكية فان لم يكن هناك اختصاص بل هو في حيازة كل منهما و كل منهما له اليد الانتفاعية به و هو صالح للنساء و الرجال كالافرشة و التخوت و الصناديق و الأواني فاللازم النظر هناك إلى قضية ما ذكرنا من العادات و التقاليد في جهاز المرأة و ما تحمله من بيت أبيها إلى بيت زوجها كما أشارت إليه رواية البجلي من ان القضاء هو الأخير و لعل عادة أهل الحرمين مكة و المدينة كعادة بغداد و ما يلحقها ان الزوجة تأتي في الغالب بإدارة كاملة كما ذكرنا و هذه هي (المرحلة الثالثة) في سير نظر الحاكم و تحريه دقة نظره لاصابة الحق و إذا لم ينجع كل ذلك اي لم يكن يد و لا اختصاص و لا عادة و تقاليد و كان الشي ء في يدهما الاستعمالية معا من دون يد مالكية لأحدهما و تأتي «المرحلة الرابعة» و تكون القضية من باب التداعي مثل تداعي شخصين ما بيدهما أو بيد ثالث أولا يد لأحد عليه أصلا يتحالفان فيأخذه الحالف فان حلفا أو نكلا قسم بينهما هذا كله حيث لا بنية أو قبل النظر إلى البينة يعني حيث يراد تعيين المدعي من المنكر و تمييز الخارج من الداخل و تشخيص أن القضية من باب المدعي أو من باب التداعي

ص: 173

و على هذه المراحل الأربع تنزل الأخبار المختلفة و كل واحد منها ناظر إلى جهة فالتقسيم للتداعي و كل المتاع للرجل حيث لا بد للزوجة و لا عادة و هو للمرأة كله فيما هنالك عادة كما استشهد الامام عليه بمن بين لابتيها فكل واحد له ما يختص به حيث لا بد و لا عادة و هذه هي الوجوه الأربعة التي تقلب فيها رأي القاضي ابن أبي الى و ارتبك منها و لم يستقر على واحد منها و لو ساعدته العناية لعرف ان لكل واحد من تلك الوجوه موضوعا يخصه لا انه يفتي به بقول مطلق و في جميع الأنحاء إذ لا شك انه لا وجه للرجوع الى الاختصاص مطلقا حتى في مقام كون اليد و الاستيلاء لأحدهما كما لا وجه له أيضا فيما إذا كانت العادة أنها تأتي بجميع الإناث من بيت أبيها فإنها تكون حينئذ هي صاحبة اليد على كل ما في البيت و الزوج هو المدعي و عليه البينة كما قال الامام عليه السلام و هذه هي الظهورات العرفية المتبعة أعني ظهور الأحوال و الأفعال الذي هو كظهور الأقوال فتدبره جيدا و اغتنمه، اما لو كان في البين بينة فان كانت لأحدهما فقط زوجا أو زوجة حكم له بها مطلقا في جميع الوجوه المتقدمة مع الاختصاص و عدمه و مع اليد و عدمها الى آخر ما سبق و ان كانت لكل واحد منهما بينة فان كان لأحدهما يد و استيلاء أقوى من الآخر على ما عرفت من كونه في صندوقه أو في خزانته الخاصة به أو اختصاص أو عادة كان بالضرورة هو المنكر اي الداخل و الآخر هو المدعي أي الخارج و هنا يجي ء الارتباك و اختلاف المذاهب و الآراء فأصحاب المجلة

ص: 174

يقدمون بينة الخارج ففي مختصات النساء يحكمون بها للرجل و العكس بالعكس كما نصت عليه هذه المادة التي نحن فيها، اما عندنا فالأصح كما سبق مفصلا تقديم بينة الداخل لاعتضادها باليد ففي مختصات الزوجة تقدم بينتها و تحكم لها و في مختصات الرجل تقدم بينته و ان لم تكن يد و لا اختصاص و لا عادة يعرف بها الداخل من الخارج و المدعي من المنكر فان كان لإحدى البينتين ترجيح بكثرة أو وثاقة قدمنا الراجحة و ان تكافأتا من جميع الجهات فان حلف أحدهما فقط فللحالف و ان حلفا معا أو نكلا فالتقسيم،،، هذه هي الحقيقة الناصعة، و الطريقة الجامعة، التي تمنعت على أفكار فطاحل العلماء و القضاء من الصدر الأول إلى اليوم و المنة للّٰه وحده.

مادة (1773) إذا أراد الواهب الرجوع عن الهبة و ادعى الموهوب له تلف الموهوب فالقول له بلا يمين.

لا وجه له بل كل من يكون القول له فإنما يحكم له بعد يمينه و يمكن إعطاء قاعدة كلية و هي ان كل من يكون القول قوله فلا بد معه من اليمين بل يمكن ان يقال في هذا الفرع ان القول ليس له بل للواهب لان قوله يوافق أصالة عدم التلف و استصحاب بقاء العين و كل من يدعي خلاف الأصل فعليه الإثبات بالبينة، و ليس هو بأمين كالودعي حتى يقبل قوله و ان خالف الأصل كما في «1774»، (1775) إذا اعطى من له ديون مختلفة لدائنه مقدارا من الدين فالقول قوله في

ص: 175

كونه أعطاه محسوبا من باقي الدين.

هذه المادة بظاهرها لا محصل لها و لعل مرادهم انه إذا كان عليه ديون مختلفة اي بعضها عليها رهن و بعضها بلا رهن فادعى المديون انه قصد دفع الدين الذي عليه رهن يصدق لأنه أعلم بقصده و هو من الأمور التي لا تعلم الا من قبله و هو صحيح متجه، (1776) إذا انقضت مدة إجارة الرحى و أراد المستأجر حط حصته من الأجرة مدة انقطاع الماء- و وقع بين الآخر و المستأجر اختلاف و لم تكن هناك بينة الى- آخرها.

هذا أيضا من المواضع التي اشتبهت المجلة فيه حيث جعلت القول قول المستأجر ان المدة عشرة لا المؤجر القائل أنها خمسة فان المرجع هنا استصحاب بقاء الماء الا بالمقدار المتعين انقطاعه فيها و هو الخمسة فقول المؤجر هو الموافق للأصل و مدعي الزيادة عليه الإثبات و هكذا إذا كان الاختلاف في أصل الانقطاع فان القول قول منكره مطلقا سواء كان موجودا حال الخصومة أو منقطعا بعد ان كان حال الإيجار موجودا فيستصحب الى زمن اليقين بانقطاعه فتعود المسألة الأولى نعم لو لم يكن موجودا حال الإيجار انعكس الحكم فتدبره و منه يعلم مادة «1777» و هو ما إذا اختلفا في طريق الماء انه قديم أو حادث فان المرجع إلى أصالة تأخر الحادث اي استصحاب عدمه الى زمن اليقين بحدوثه من غير فرق بين وجود الماء في المسيل حال الخصومة أو عدم وجوده بعد العلم بوجوده سابقا و انما الشك في قدمه

ص: 176

و حدوثه نعم لو كان للحدوث أثر شرعي بعنوانه الخاص يشكل إثبات ذلك الأثر باستصحاب عدمه الا على القول بالأصول المثبتة فتدبره.

الفصل الرابع في (التحالف)

باب التحالف هو باب التداعي على عين ليس لأحدهما يد عليها و لا يكون قول أحدهما موافقا بل الكل مخالف و حينئذ فإن اختص أحدهما بالبينة حكم له بها و ان كان لكل واحد بينة و لم يكن مرجح لأحدهما فاما ان يحلف أحدهما فقط فيحكم له أو يحلفان معا فان كان النزاع على عين قسمت بينهما و ان كان على عقد يحكم بفسخه و يترادان هذا هو القاعدة العامة في باب التداعي و لكن تنازع البائع و المشتري في مقدار الثمن ليس من هذا القبيل فان من يدعي الزيادة مدع و خصمه منكر فهو باب المدعي و المنكر و الأول يخالف قوله الأصل بخلاف الثاني فذكره هنا وضع للشي ء في غير محله و في غير بابه نعم لو تنازعا في الجنس و ان المبيع فرس أو شاة و الثمن فضة أو ذهب و العقد بيع أو صلح و هكذا كان من باب التداعي و بعد التحالف

ص: 177

الفسخ كما عرفت- هذا كله في البيع اما لو كان النزاع في الإجارة ففي مادة «1779» إذا اختلف المستأجر قبل ان يتصرف في المأجور الى آخرها.

و مادة «1780» و حاصلهما ان المؤجر و المستأجر لو تنازعا في قدر الأجرة فاما ان يكون قبل التصرف في العين المأجورة أو بعده فإن أقام أحدهما البينة حكم له بها و ان أقاما البينة حكم ببينة الخارج عندهم و هو المؤجر المدعي للزيادة المخالف قوله للأصل و ان لم يكن بينة أصلا حلف المستأجر أي منكر الزيادة و ان نكل حكم عليه و ليس هذا من باب التداعي و التحالف فذكره هنا لا وجه له أصلا كما لا وجه لقولها: يحلفان معا- بل يحلف المنكر فقط اى منكر الزيادة كما عرفت و لا مجال للفسخ هنا أصلا و قد اشتبهت المجلة هنا اشتباها مريبا و مثله ما لو اختلفا في المدة أو المسافة و قول المجلة: و يبدأ بتحليف المؤجر في صورة التحالف اشتباه واضح، إذ لا تحالف في المقام أصلا، و لا فرق في كل ما ذكرنا بين كون النزاع بعد التصرف أو قبله فتدبره، و منه ظهر حكم مادتي «1781: 1782» نعم أصابت المجلة شاكلة الصواب في مادة «1783» ليس في دعوى الأجل يعني كونه مؤجلا أولا و في شرط الخيار و في قبض كل الثمن أو بعضه تحالف، و في هذه الصور الثلاث يحلف المنكر،،، و لكن أوضح من هذه الصور كلها النزاع في المقدار من حيث الأقل و الأكثر لا في البيع و الإجارة فقط بل في جميع العقود و المعاملات القائل بالزيادة

ص: 178

مدعي و النافي لها منكر نعم لو كان النزاع في ان المبيع أو المأجور الدابة أو الدار مثلا أو الثمن دراهم أو دنانير و نحو ذلك فهو باب التداعي و التحالف و ما ادري كيف اشتبه هذا الأمر الواضح على أصحاب المجلة فخلطوا بل غلطوا هذا الغلط الذي لا يخفى على واسط الطلب فضلا عن أفاضلهم و العصمة للّٰه وحده و منه التوفيق.

و تحصل من جميع الذي تلوناه انه كلما كان النزاع في الأقل و الأكثر أو الإطلاق و التقييد أو النفي و الإثبات فهو باب المدعي و المنكر- ان أثبته المدعي حكم له و الا حلف المنكر و انتهت الخصومة و كلما كانت الخصومة بين متباينين فهو باب التداعي و التحالف فتدبره و اغتنمه.

ص: 179

الكتاب السادس عشر (في القضاء

اشارة

و يشتمل على مقدمة و أربعة أبواب)

المقدمة (في بيان الاصطلاحات الفقهية المتعلقة بالقضاء)

اشارة

مادة «1784»

القضاء:

يأتي بمعنى الحكم و الحاكمية.

الفرق بين الحكم و الحاكمية جهة اعتبارية فان الحاكمية أهلية الشخص لإصدار الحكم و الحكم هو القول الصادر لحسم الخصومة و لا اثر يترتب على هذا في مقام العمل أصلا.

مادة «1785»

الحاكم:

هو الذات الذي تعين و نصب من قبل السلطان لحسم الدعاوي و المخاصمات- إلى آخرها.

ص: 180

هذا عند جمهور المذاهب على الظاهر اما عند الإمامية فهو منصب الهي و صفة نفسانية كمالية تخوله تلك الأهلية اي أهلية الحكم و القضاء بين الناس و لا دخل للسلطان فيه أصلا، لا نصبا و لا عزلا، تنصبه الفضيلة و الامانة، و تعزله الرذيلة و الخيانة، يٰا دٰاوُدُ إِنّٰا جَعَلْنٰاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّٰاسِ بِالْحَقِّ. وَ لٰا تَتَّبِعِ الْهَوىٰ.

مادة «1786»

الحكم:

عبارة عن قطع الحاكم المخاصمة- إلى آخرها.

هذا اصطلاح لا اثر له عملي لا عندهم و لا عندنا، اما بقية المواد هنا فهي أشبه بالمهزلة و الفضول مثل ان المحكوم عليه هو الذي حكم عليه و هلم سحلا.

ص: 181

الباب الأول في (الحكام

اشارة

و يحتوي على أربعة فصول)

الفصل الأول في (بيان أوصاف الحاكم)

مادة (1792) يلزم ان يكون الحاكم حكيما فيهما مستقيما و أمينا مكينا متينا.

مادة «1793» يلزم ان يكون الحاكم عالما بالمسائل الفقهية واقفا عليها و على أصول المحاكمة مقتدرا على حسم الدعاوي الواقعة تطبيقا لها.

هذه الأوصاف على الجملة معتبرة في الحاكم و لكن لو امعنا النظر في كثير منها لم يجد لها معنى محصلا و لا تجدها الا فارغة جوفاء مثلا

ص: 182

لزوم كون الحاكم حكيما، فما المراد بالحكيم هنا هل هو العالم بعلم الحكمة التي هي معرفة حقائق الأشياء على ما هي عليه على حسب الطاقة البشرية كما يقول أربابها، أو الحكمة بمعنى وضع كل شي ء في محله كما هو عند أهل العرف و اللغة، أو الحكمة بمعنى الطب كما هو عند العوام حيث يطلقون الحكيم على الطبيب، كل هذا ليس بلازم في الحاكم الشرعي إذا فما هو المراد، و مثله- كونه مكينا و متينا.

«و بالجملة» فما ذكرته المجلة من أوصاف الحاكم أكثرها فارغة لا محصل لها، و انما الأوصاف المفهومة المعلومة اللازمة فيه إجماعا هي ستة «1 و 2» البلوغ و العقل- فلا يصح قضاء الصبي و ان كان مميزا و جامعا للشرائط الأخر، و لا المجنون مطلقا و لو في حال إفاقته على الأصح و لو كان جامعا أيضا «3 و 4» الإسلام و الايمان «5 و 6» الوصفان الركنيان بل و أهم أوصاف الحاكم و هما- الاجتهاد- و هو كما مرت الإشارة إليه ملكة استنباط الأحكام الفرعية من أدلتها الشرعية التفصيلية، و هو مقام الفتوى و استخراج الحكم الإلهي الكلي من الأدلة العامة و الخاصة، و القضاء أصعب منه بكثير فإنه مقام تطبيق تلك الأحكام الكلية على مصاديقها الجزئية حسب الحوادث و الوقائع المتجددة و هذا الشرط الذي هو أعظم الشروط و أهم الأوصاف ألغاه و أهمله الجمهور من اتباع أرباب المذاهب و منهم أصحاب (المجلة) و لعل ذلك من جهة انسداد باب الاجتهاد عندهم و لم يكتفوا بإهمال هذا الشرط فقط بل أهملوا ما هو أهم

ص: 183

و الزم منه و هو الوصف (السادس) الذي هو الركن الأعظم من أوصاف القاضي و الحاكم الا و هو العدالة التي عرفت انها ملكة نفسانية تردع صاحبها عن ارتكاب الكبيرة و الإصرار على الصغيرة و الإتيان بشي ء من منافيات المروة و قد اعتبر القرآن المجيد بالعدالة في الحاكم و الشاهد في عدة آيات: يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ، اثْنٰانِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ، وَ أَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ،،، نعم و لكن القوم و لا سيما في هذه العصور قد أهملوا هذين الشرطين و من أجل إهمال هذين الشرطين المهمين في القضاء الذي هو من أهم المناصب و أشقها بل و أشقاها بل هو المجلس الذي لا يحل إلا نبي أو وصي أو شقي، نعم من أجل إهمال هذين الركنين صار يتولى القضاء و الحاكمية في هذه العصور- الصبية و الولدان من الناشئين الذين لم يخوضوا بعد غمار الحياة و تحنكهم التجارب و لا نصيب لهم من العلم الا ما عرفوه من بعض الكليات التي تلقنوها في بعض مدارس الحقوق فأين الاجتهاد و اين العدالة و اين الحنكة و التجارب و الممارسة في معرفة التشخيص و التطبيق؟

و كيف يؤتمن أمثال هؤلاء على اعراض الناس و أموالهم و حقوقهم بل و دمائهم فلا حول و لا قوة و لا شهامة و لا فتوة نسئله تعالى تسديدا أولياء الأمور و إصلاحهم فإذا صلحوا صلح كل شي ء إن شاء اللّٰه،،، و قد أشارت المجلة الى الوصفين الأولين من الأوصاف الستة المتقدمة في مادة (1794) يلزم الحاكم ان يكون مقتدرا على تمييز الناس بناء عليه لا يجوز قضاء الصغير و المعتوه و الأعمى و الأصم الذي لا يسمع

ص: 184

صوت الطرفين القوي.

اما العمى و الصمم فلم يتفق أصحابنا على اعتبار خلو الحاكم منهما و لعل الأشهر عدم اشتراط ذلك إذ رب بصيرة تغني عن الف بصر كما هو الغالب في العميان و قد شاهدنا و شاهد غيرنا منهم العجائب نعم اعتبر جماعة من أصحابنا شرائط و أوصاف أخر في الحاكم منها «ان يكون ذكرا» فلا يصح قضاء المرأة و ان جمعت بقية الشرائط و الظاهر هو انه اتفاقي عند عامة المسلمين و لعل المجلة لم تصرح به لوضوحه (و منها) ان لا يكون أمياً أي يلزم ان يكون كاتبا «و منها» طهارة المولد فلا يصح قضاء ولد الزنا و ان كان مجتهدا عادلا «و منها» الحرية فلا يصح قضاء العبد و ان اذن له المولى و كان جامعا للشرائط و هو محل نظر «و منها» زيادة تضلعه في أحكام القضاء و طول ممارسته بها بالبحث و التدريس، و لا ماس بهذا الشرط «و منها» ان يكون حافظا اي لا يكون كثير السهو و النسيان، و يغني عن هذا ان يكون له كاتب عدل ثقة أمين، و هو اليوم في نفس الحكام نادر فكيف بكتابهم.

ص: 185

الفصل الثاني في (بيان آداب الحاكم)

هذه الأوصاف المذكورة في هذا الفصل كلها قد ذكرها أيضا فقهاؤنا و التزموا باشد من ذلك في أدب الحاكم و لكن كل واحد منها أدب مستحسن و اخبار أهل البيت في حث الحاكم على التزام العفة و النزاهة و العدل كثيرة و لكن كل واحد منها ليس بحيث لو أخل به يكون حكمه باطلا إذا كان جامعا للشرائط الركنية المتقدمة، و أهم ما في هذه الأوصاف متانة الحاكم و رزانته في سائر أحواله فضلا عن مجلس الحكم و يليه في الأهمية عدم قبول الهدية و الدعوة، فإنها قد تكون في حقيقتها رشوة، و هي من أعظم الكبائر على الدافع و الآخذ و هي من السحت الذي ذكره الباري عز شأنه في كتابه المجيد بأسوإ الذكر، و يتسق بهذه الآداب أدب التسوية بين الخصمين في كل الأحوال و الملاحظات حتى بالسمع و البصر و الوجه و اللسان بل و بالميل القلبي ان كان مستطاعا فلا يسمى أحدهما باسمه و الآخر بكنيته و ان كان أحدهما من الشرف في أعلى الطبقات و الآخر في أدنى

ص: 186

الطبقات فان جميع الناس إمام الحق سواء و اللّٰه الموفق و به المستعان

الفصل الثالث في (بيان وظائف الحاكم)
مادة (1800) الحاكم وكيل من قبل السلطان لإجراء المحاكمة و الحكم،،،

عرفت من مطاوي أبحاثنا السابقة ان القضاء و الحاكمية عندنا معشر الإمامية منصب الهي لا دخل له بالسلطان و لا بغيره ينصبه العدل و جامعية الشرائط و يعزله زوال بعض الصفات الركنية من العقل و العدالة و الاجتهاد فلا يتقيد بزمان و لا مكان بل له الحكم في كل مكان و كل زمان و حكمه لا يرد إلا إذا تبين عنده أو عند حاكم آخر خطوة أو تقصيره فينقض حكمه، نعم من الواجبات على السلطان العادل في زمن سلطانه و نفوذ أمره أن ينصب قاضيا حاكم لحسم الخصومات في كل بلد و لكن ليس معنى ذلك انه إذا نصب حاكما في بلد لا يجوز الترافع عند حاكم آخر جامع للشرائط نعم لو منع السلطان من الرجوع الى غير منصوبه لمصلحة سياسية جاز ذلك و حرم الرجوع الى غيره لانه حسب الفرض امام مفترض الطاعة، و يترتب

ص: 187

على ما ذكرنا ان الحاكم ليس له ان يستنيب في الحكم اي يجعل نائبا عنه قريبا أو بعيدا لعذر أو لغير عذر إذا كان النائب غير جامع للشرائط اما لو كان جامعا فلا حاجة الى النيابة لأهليته بذاته نعم له ان يوكل غيره ممن يعتمد عليه في بعض مقدمات الحكم مثل سماع شهادة الشاهدين الذين يعرفهما الحاكم و يعرف عدالتهما فينقل له نص شهادتهما و يعمل هو اي الحاكم بما تقتضيه الموازين، و عليه فأكثر مواد هذا الفصل لا محل لها على حسب أصول الإمامية و قواعدهم فإنه لا نصب و لا عزل و لا نائب و لا منوب و لا مجال للبحث في جملة منها خصوصا مثل ما في مادة «1811» يجوز ان يستفتي الحاكم من غيره عند الحاجة.

إذ ما وجه استفتائه من الغير بعد اعتبار كونه مجتهدا.

اما لو تنازع الخصمان فيمن يرجعون اليه لحل خصومتهم في بلد يتعدد حكامه فقد رجحت المجلة مادة «1803» الحاكم الذي اختاره المدعى عليه،،، و لكن المشهور عند فقهائنا ترجيح من يختاره المدعي و ربما يدعي عليه الإجماع عندنا لكونه هو صاحب الحق الذي له ان يدعي و له ان يترك، و ناقش السيد الأستاذ (قده) فيه بأن للمدعى عليه ان يسبق الى حاكم آخر بعد الدعوى و يطلب منه ان يخلصه من دعوى المدعي، و هي مناقشة واضحة الضعف، و اي معنى لطلب ان يخلصه من الدعوى قبل ان يدعي صاحب الحق و يشكل الدعوى عند حاكم و اما إذا شكلها المدعي عند أحد الحكام

ص: 188

فقد صار هو الأسبق و لزم على المدعى عليه الموافقة الا ان يرفضها الحاكم الأول و هو خارج عن الفرض، و التحقيق عندنا في هذا ان المدعي إذا سبق الى حاكم و رفع اليه دعواه فان وافقه المدعى عليه فهو و ان خالفه و اختار غيره فان كانا متساويين أو من اختاره المدعي اعلم و أشهر فلا إشكال في ان الترجيح لمن اختاره المدعي و ان انعكس الأمر لا يبعد ترجيح من يختاره المدعى عليه- هذا إذا سبق المدعي اما لو تنازعا قبل سبقه أو كانا متداعيين فمع تساوي الحاكمين يتعين الرجوع الى القرعة و الا فالترجيح للأعلم الأشهر فتدبره فإنه ثمين و متين.

مادة [1808] يشترط ان لا يكون المحكوم له أحد أصول الحاكم

أو أحد فروعه أو زوجته أو شريكه في المال الذي سيحكم به أو أجيره الخاص أو متعلقه الذي يتعيش بنفقته، بناء عليه ليس للحاكم ان يسمع دعوى أحد هؤلاء و يحكم له، اعلم أولا انه لا إشكال في ان الحاكم لو كان هو أحد الخصمين لم يكن معنى لإرجاع الخصومة اليه ليحكم فيها له أو عليه حتى بتوكل غيره للمرافعة فإنه مع مخالفته للذوق و الاعتبار خلاف الأدلة فإنها ظاهرة بل بعضها صريح في لزوم الرجوع الى الغير فلو كان هو شريكا في المال المتنازع عليه وجب الرجوع الى حاكم آخر، اما أصوله و فروعه اعني آباءه و أولاده صاعدين و نازلين و زوجته و أجيره الخاص و من يتعيش بنفقته فالاعتبار و الذوق بل و الدليل يساعد أيضاً على عدم صحة الرجوع اليه فيما لو كانت للغير مع

ص: 189

أحدهم خصومة إذا كان له ولاية خاصة شرعية كولايته على الصغار من فروعه أو عرفية كولايته على زوجته و أجيره لأنه يرجع ذلك الى نفسه اما لو كانت له ولاية عامة كولاية حاكم الشرع على الأيتام و المجانين الذين لا ولي لهم و الغائبين الذين لا وكيل لهم و الأوقاف المنحلة التولية ففيه لفقهائنا قولان- نفوذ حكمه لهم لما في الحديث من ان كل قاض ولي الأيتام، و ظاهر ولايته عليهم نفوذ حكمه لهم و قيل لا ينفذ لانه هو الخصم و الخصم لا يكون حكما، و فصل آخرون بين ما إذا كان هو الخصم فلا أو كان القيم أو الوكيل على شؤنهم قبل الخصومة غيره و لو من ذلك الحاكم فيجوز و القول بالنفوذ مطلقا قوي و التفصيل لا بأس به و هو أحوط، أما فروعه الكبار و أصوله و زوجته الذين لا ولاية له عليهم فلا دليل على عدم صحة الرجوع اليه لو كانت لهم أو عليهم خصومة سوى ما عرفت من الذوق و الاعتبار، ثم لو حكم لشريكه قالوا نفذ في حصة شريكه دون حصته و هو مشكل.

مادة (1812) يلزم على الحاكم ان لا يتصدى للحكم إذا تشوش ذهنه بما يمنع صحة التفكر كالغم و الغصة و الجوع و غلبة النوم.

هذا الشرط و ان لم يذكروه في عداد الشروط الركنية و لكنه مثلها في الأهمية و لو صدر منه حكم في حال من هذه الأحوال وجب عليه اعادة النظر فيه، كما انه لا يجوز التأخير في الحكم أو في النظر في الخصومة إلا لعذر مشروع كإعطاء القضية حقها من التأمل و الفحص

ص: 190

و لكن بنحو لا يؤدي الى الإخلال بالحقوق بالتاجيلات المتتابعة الموجبة لتضييع العمر و تعطيل اشتغال المتخاصمين كما نشاهده في هذه الأزمنة التعيسة، و كل ذلك تابع لمقدار المروة و الانصاف في الحكام و هما قليلان في الكثير منهم بل معدومان.

الفصل الرابع (فيما يتعلق بصورة المحاكمة)

مادة (1815) يجري الحاكم المحاكمة علنا و لكن لا يفشي الوجه الذي يحكم فيه قبل الحكم، هذا راجع الى نظر الحاكم ان وجد مصلحة في الإفشاء أفشى و الا فلا،، ثم ان باقي مواد هذا الفصل بعضها تقدم ذكرها و الباقي واضح لا تعليق عليه و كذلك مواد الفصل الأول من الباب الثاني و لا سيما مادة (1832) للحاكم ان يحكم بالبينة التي أقيمت في مواجهة أحد الورثة إذا غاب عن مجلس الحكم على الوارث الآخر الذي أحضر في الدعوى التي توجه خصومتها الى جميع الورثة و لا حاجة الى إعادة البينة،،، فإنها مع أنها مشوهة الصورة معقدة التعبير إلى الغاية قد تقدمت في المباحث السابقة فراجعها،،

ص: 191

الفصل الخامس في (بيان الحكم الغيابي)

ملخص المواد المذكورة في هذا الفصل ان المدعي إذا استدعى من الحاكم إحضار المدعى عليه طلب حضوره ان كان في البلد أو قريباً منه بان يحضر بنفسه أو بوكيل عنه فان امتنع يجبر و لو بتوسط السلطان على الحضور أو إرسال الوكيل فان لم يمكن إجباره ينذر ثلاث مرات بورقة دعوة مخصوصة فان لم يجب أفهمه الحاكم انه سينصب وكيلا عنه و ينظر ثم يحكم ثم ينصب الوكيل و ينظر في الدعوى و يحافظ الوكيل على حقوق من وكل عنه و يدافع عنه حسب ما يستطيع ثم يحكم الحاكم له أو عليه حسب الموازين و لكنه لا يخرج عن كونه حكما غيابياً له الاعتراض عليه و نقضه إذا حضر قبل تنفيذه هذا عند أرباب «المجلة» أما أصحابنا فبمجرد امتناعه و إصراره بعد الإنذار يسقطون حق حضوره و لا يلتزمون بنصب وكيل عنه بل ينظرها الحاكم و يحكم عليه بالحكم الغيابي و لكن ما ذكروه من نصب وكيل عنه حسن و موافق للاحتياط ثم يبلغ الحكم إليه فإن اعترض سمع و الا نفذ عليه الحكم ان لم يكن له دعوى صالحة لدفع الدعوى.

ص: 192

الباب الثالث في (رؤية الدعوى بعد الحكم)

مادة «1837» الدعوى التي حكم بها و اعلم بها موافقا لأصولها المشروعة- لا تجوز رؤيتها و سماعها تكرارا.

يعني لا يجوز طلب تجديد المرافعة لا عند ذلك الحاكم و لا عند غيره و لعل هذا متفق عليه في الجملة إنما الكلام في جوازه مع اتفاق الطرفين بين مجوز و مانع و الجواز أقرب لأن الحرام رد حكم الحاكم و تجديد النظر فيها ليس يرد، و لو ترافعا عند غيره لم يجب عليه البحث عن صحة ذلك الحكم و لكن يجوز له ذلك فان وجده صوابا أو لم يتبين خطؤه أمضاه ان كان يعتقد أهليته كما يجوز له إمضاؤه من غير فحص و لا يجوز له الا إذا علم علما قطعيا بفساده لمخالفته إجماعا أو نص أية أو خبراً متواترا صريح الدلالة و لا يجوز له نقضه في غير هذا و ان كان مخالفا لرأيه في المسائل الاجتهادية النظرية بل و ان كان مخالفا لدليل قطعي نظري كإجماع على طريقة الكشف أو خبر محفوف بالقرائن و الأمارات إذ مثل هذا يختلف باختلاف الانظار فرب شخص يستفيد العلم من امارة لا يستفيد الظن منها غيره فالحكم

ص: 193

استند إلى أمثال هذا لا يجوز نقضه، و منه يعلم مادة «1738» إذا ادعى المحكوم عليه بان الحكم ليس موافقا لأصوله المشروعة- و طلب استيناف الدعوى بحق الحكم فان كان موافقا- يصدق و لا يستأنف و مثلها (1839)- يدقق الإعلام فإن كان موافقا- يصدق و الا ينقض.

و تحرير هذا البحث ان الأصل المستفاد من العمومات و الأدلة القطعية ان حكم الحاكم الجامع للشرائط لا يرد و ان الراد عليه راد على اللّٰه عز شأنه فيجب العمل به مهما أمكن حتى على الحكام الآخرين فضلا عن سائر المكلفين إلا إذا علم فساده و عدم مطابقته للأصول الشرعية فلو ادعى المحكوم عليه ان الحكم الذي عليه هو من هذا القبيل لا محيص من إجابته و رفع القضية إلى حاكم أو حكام آخرين لينظروا فيه و يفحصوه و يمحصوه فان كان موافقا يعذروه و الا نقضوه، و لعل الأول من قبل ما يسمى اليوم بالاستئناف و الثاني بالتمييز و كذلك لو ادعى المحكوم عدم أهلية الحاكم للحكم بفسق أو عدم اجتهاد أو تقصير في مقدمات النظر في الدعوى أو فسق الشهود في كل هذه الصور يصح المحكوم مدعيا و عموم البينة على المدعي يقتضي سماع دعواه فاما ان يثبتها فبنقض الحكم أو يعجز فيبقى الحكم على ما كان، هذا هو مقتضى القواعد و لكن منع بعضهم من سماع هذه الدعاوي استناداً الى ان فتح هذا الباب موجب للطعن في الحكام فيحصل فتق يعسر رتقه في الإسلام و هو معارض بان سده

ص: 194

أيضا قد يوجب غدرا في الحقوق و حيفا لا يمكن تلافيه و على تقدير السماع ففي دعوى عدم الأهلية يكون المحكوم له مدعيا و عليه إثبات الأهلية، و في دعوى الفسق أو الجور أو الخطأ و فسق الشهود فالمحكوم عليه هو المدعي و عليه الإثبات الا ان يكون هو الذي اختار ذلك الحاكم للمرافعة فيلزمه الالتزام بحكمه و حمله على الصحة كما انه لو دفع الدعوى قبل الحكم أو بعده و أثبت امرا يوجب سقوط تلك الدعوى يبطل الحكم طبعا كما في مادة (1840) يصح دفع الدعوى قبل الحكم و بعده الى آخرها.

و بقي في المقام أمر مهم لم تتعرض له المجلة و هو ما يترتب على تبين بطلان حكم الحاكم فنقول: انه إذا تبين بطلان الحكم فاما ان يكون قبل العمل به فلا شي ء و اما ان يكون بعده فان كان في حد من قتل أو قطع أو غيرهما أو في مال أو في عقد أو حل عقد (ففي الأول) إذا لم يكن مقصرا فلا قصاص عليه و يلزم الدية من بيت المال لتخير المشهود: ما أخطأت القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين الا ان المحكوم عليه لو كان عالما بفساد دعواه و أغرى الحاكم بالحكم كان عليه القصاص للتسبب الذي هو هنا أقوى من المباشر، و في [الثاني] ان كان المال موجودا استرد و ان كان تالفا فان كان المحكوم له قد استهلكه ضمن، و ان كان غيره فمع علمه يضمن أيضا للتسبب أيضا و الا فقيل ان ضمانه على بيت المال و هو مشكل لاختصاص الخبر المتقدم بالدم و نحوه نظراً لقاعدة لا يطل دم امرء مسلم، و حينئذ لا ضمان

ص: 195

على المحكوم له و لا على الحاكم لعدم تقصيره حسب الفرض و هو مأذون شرعا، و خبر عبد الرحمن بن الحجاج في قضية ربيعة الرأي و قول الأعرابي له انه في عنقك و تصديق الامام الصادق سلام الهّٰ عليه للأعرابي و قوله «ع» كل مفت ضامن غير صريح بما نحن فيه بل لعل المراد منه المفتي المقصر كربيعة الرأي و الحاصل هو قضية في واقعة لا يمكن إطراء العمل به، و منه ظهر انه لو ثبت كون الحاكم مقصراً أو جائرا متعمدا في القضاء أو مقدماته كان الضمان عليه نفسا أو مالا- إلا إذا كان المحكوم له هو المباشر مع علمه فان الضمان عليه لان المباشر هنا أقوى من السبب، اما العقد فينفسخ و لو كان نكاحا فهو شبهة و الطلاق و نحوه يبطل و تعود الحالة الاولى اما لو كان الحكم في مال و كان مقصرا فمع وجوده يسترد و مع تلفه يتخير المحكوم عليه بين الرجوع على الحاكم لانه مسبب و على المحكوم له ان كان هو المتلف و على المتلف ان كان غيره.

الباب الرابع في (بيان المسائل المتعلقة بالتحكيم)

مادة «1841» يجوز التحكيم في دعاوي المال المتعلقة بحقوق الناس،،، قاضى التحكيم هو خصوص الحاكم الذي تراضى الخصمان على

ص: 196

حكمه مطلقا و تخصيصه بالمال لا وجه له بل لو تراضيا عليه في دعوى قتل أو عرض أو نكاح أو طلاق جاز بل أصل تشريعه في الكتاب المجيد في تخصم الزوجين و نشوز كل منهما أو أحدهما على الآخر فابعثوا حكما من أهلها و حكما من اهله،،، و قد اعتبر أصحابنا رضوان اللّٰه عليهم في قاضي التحكيم جميع الشروط في مطلق القاضي النافذ الحكم سوى التولية من الامام في أيام حضوره بسط يده حتى قال بعض اعلام علمائنا ما نصه: و اعلم ان قاضي التحكيم لا يتصور في حال الغيبة لأنه ان كان مجتهدا نفذ حكمه بغير تحكيم و الا لم ينفذ حكمه مطلقا إجماعا و انما يتحقق مع جمعه للشرائط حال حضوره عليه السلام و عدم نصبه- و قد تحرر من ذلك ان الاجتهاد شرط في القاضي في جميع الأزمان و الأحوال و هو موضع وفاق. و هل يشترط في نفوذ حكمه تراضى الخصمين به بعده قولان أجودهما العدم عملا بإطلاق النصوص انتهى.

و أقول ان هذا الكلام الأخير موضع عجب إذ بعد فرضه مجتهدا جامعا للشرائط فما معنى اعتبار رضاهما بحكمه بعد الحكم؟ فان حكم المجتهد نافذ على كل أحد و ان لم يتراضيا و يلتزما بالانقياد لحكمه فكيف و قد رضيا به و التزما بتحكيمه و لا معنى لتحكيمه الا التزامهما بالعمل بحكمه فتدبره و ان كان واضحا، و مما ذكرنا ظهر انه لا وجه على أصولنا لما في مادة (1842) حكم المحكم لا يجوز و لا ينفذ إلا في حق الخصمين اللذين حكماء- الى آخرها، بل لازم

ص: 197

فرضه مجتهدا جامعا فحكمه نفوذ حكمه على كل أحد كسائر أحكامه اما بقية مواد هذا الباب فهي صحيحة و واضحة،،، و اعلم ان ما ذكرناه في القضاء من المباحث تبعا للمجلة أو استدراكا عليها و ان كانت واسعة و جامعة و لكنها من باب التمثيل بالنسبة الى ما ذكره فقهاؤنا في المبسوط من مؤلفاتهم كقطرة من نهر، أو جرة من بحر، و قد بقيت أبحاث مهمة في الحكم و القضاء و الحاكم كقضية جواز أخذ الأجرة له أو الارتزاق من بيت المال، و احكام الشهادة و الشهود كشهادة الفرع و نحو ذلك لم نتعرض لها تبعا لإهمال المجلة لها، كما أنها أهملت بعض الكتب المهمة من المعاملات مثل كتاب القرض اى الدين، و غير المهمة مثل السبق و الريبة، و كان عزمنا عند الشروع في تأليف هذه المجموعة ان نتوسع في مباحثها و نستدرك ما فات المجلة على وجه مبسوط بحيث يكون مجموعة ستة أجزاء أو ثمانية و لكن ظروف الحرب القاسية، و أزمة الورق العانية بل أزمة كل شي ء هي التي حالت بيننا و بين ذلك العزم فقصرناه على أربعة أجزاء و قد عزمنا بتوفيقه تعالى و معونته ان تجعل لهذا الجزء الأخير ملحقا نستدرك به ما فان (المجلة) من الكتب المهمة العامة البلوى التي يحتاجها القضاة و المحامون و الحكام أشد الحاجة، و هي ما يسمونها اليوم «بالأحوال الشخصية» و ان لم يتضح وجه التسمية و لكنها جد جديرة بالعناية لعموم الابتلاء بها لعامة البشر و هي النكاح و ما ينضم فيه من الهور و العيوب و الأولاد و النفقات و غيرها و الطلاق

ص: 198

و ما يلتحق به من الخلع و المبارأة و الظهار و الإيلاء و العدد و غيرها و الوصية و الدين و الوقف كل ذلك على سبيل الإيجاز في مواد و فصول على نهج ترتيب المجلة- و هذا فراغ واسع كان في ثقافتنا و فقهائنا لعل الباري أراد ان يوفقنا لسده و القيام بما فيه الكفاية منه إن شاء اللّٰه و ما توفيقي إلا باللّه عليه توكلت و اليه أنيب

ص: 199

ص: 200

ص: 201

(استدراك) تقدم في مادة (1784) صفحة (179) من هذا الجزء و مادة (1786) ان الحكم عبارة عن قطع الحاكم المخاصمة و ذكرنا فيما سبق هذه المادة ان الحكم هو القول الصادر لحسم الخصومة و كلا التعبيرين غير سديد لأنهما يشعران بان الحكم

ص: 202

مخصوص بما تسبقه خصومة مع ان الحكم أعم من ذلك و لا يلزم في حقيقة تحقق خصومة معه كما في الحكم بالأهلة و النسب و الوقف في بعض فروضه و كثير من أمثال ذلك، فالأصح في الإشارة إلى حقيقة الحكم و جوهر معناه العام انه تشخيص موضوع أو وصف ذي أثر شرعي ممن له أهلية ذلك شرعا، فالحكم بالهلال مثلا تشخيص موضوع ذي أثر شرعي و هو ان اليوم المعين هو أول يوم من شهر رمضان فيجب على الناس صيامه أو انه أول يوم من شهر شوال فيجب عليهم إفطاره و يحرم صيامه، و كذا الحكم بان الشخص المعين هو ابن فلان فيرث كل منهما الآخر الى كثير من أمثال هذا مما لا خصومة فيه أصلا، و كذلك الحكم في موارد الخصومة كما لو حكم عن هذا المال لزيد و الدار لعمرو بعد التخاصم أو ان خالد مشغول الذمة لفلان بألف دينار و هكذا سائر موارد الخصومة و الحكومة فإن مرجع الجميع الى تعيين موضوع أو وصف موضوع سواء قارنه أو سبقته خصومة أم لا فتدبره جيداً

الجزء الثاني القسم الثالث

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

[المدخل]

الحمد للّٰه و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى «و بعد» فهذا هو [الجزء الخامس] الذي عزمنا بتوفيقه تعالى ان نلحقه بالاجزاء الأربعة التي استوفينا بها (تحرير المجلة) و يتكفل هذا الجزء أيضا بما لم تذكره المجلة أصلا و يستدرك ما فاتها من عقود الأنكحة و الطلاق و اقسامه و احكامه و العدد و النفقات و أنواعه و توابعه كالظهار و اللعان و الإيلاء ثم الوصية و الدين و الوقف، إذاً فهو يشتمل على خمسة كتب «1» النكاح «2» الطلاق و أنواعه و توابعه «3» الدين «4» الوصية «5» الوقف

كتاب النكاح

اشارة

تمهيد و مقدمة في مبدأ الحياة العائلية و تكوين الأسرة من المعلوم لكل ذي لب ان مبدأ الحياة الزوجية هو اقتران الرجل بالمرأة و به تتكون الأسرة بالاسرة تتكون الأمة و بالأمم

ص: 3

تتكون القافلة البشرية.

و حذراً من الانتشار و الفوضى و ضياع الغرض المقصود منه جعلت له الشرائع السماوية حدوداً و قيودا كي لا يكون ذلك الاقتران عطلا كقران البهائم تضيع فيه الأنساب و لا تتكون الأسر منه و العائلات فاللازم «أولا» معرفة حقيقة هذا القرآن و جوهر معنى الزواج بأسلوب بكر لم يسبق اليه، فنقول: لعل أصح تعبير و أقربه إلى الكشف عن هذه الحقيقة الغامضة و العلاقة الخاصة ان يقال: انها كمال ثانوي طبيعي للإنسان، و إيضاح هذا يحتاج الى فضل بيان- هو ان الإنسان ذكرا كان أو أنثى يكاد يكون بالنظر الى وجوده الشخصي و هيكله المحسوس قد خلق ناقصا في حد ذاته يعني خلق نصفا خداجا، و شقا محتاجا، فهو لأجل الغاية التي خلق من أجلها في حاجة ماسة إلى شق آخر يستكمل به و يعتدل بانضمامه إليه كي يحصل له بذلك الاعتدال و التوازن فهو مثل كفة الميزان واحد مصراعي الباب ما لم يقترن بالكفة الثانية و المصراع الآخر لا ينال حظه من التوازن و الاستقامة، و لا يترتب عليه الفائدة و الثمرة المقصودة منه فاعتداله و توازنه منوط بضم عدله اليه و اقتران شقه الثاني به حتى يكمل وجوده، و يعتدل وزنه، و الا بقي شقا مائلا، و نصفا عاطلا، و لأجل أن يندفع الى طلب استكماله و يرغب و يجتهد في تحصيل اعتداله- أودع الصانع الحكيم في غريزة نوعه تلك الحالة الغريبة بل الجذوة الملتهية الى القران الجنسي

ص: 4

المودع في غريزة كل حيوان بل كل حي فضلا عن الإنسان، و لكن الإنسان بالأخص لا يكمل و لا يتم الا بتلك العلاقة و الإضافة التي هي من مقولة (الجدة) من المقولات العشر المعروفة و ليست الحكمة و الغاية من الاقتران للإنسان هي حفظ النوع و بقاء النسل فقط كما يقال بل هو أحد الغايات كما في سائر الحيوانات بل هنا ما لا يقل عن هذه الغاية- نعم هنا غاية سامية اخرى و هي ان الإنسان الذي يقولون انه مدني بالطبع- لشد ما يحتاج الى التعاون طلبا للحياة السعيدة و لا يحصل ذلك الا بالاسرة و العائلة إذاً فالزوجية سعادة الحياة، و كمال طبيعي للإنسان، و من هنا تجد عامة الشرائع السماوية فضلا عن اندفاع عامة البشر بطباعها اليه- قد ندبت اليه و جعلته ناموسا من نواميسها و أصلا من أصولها بين مغال جعله واجبا كما عن الموسوية، و متساهل به كما ترى من المسيحية التي جعلت الرهبانية و التبتل و عزلة أحد الجنسين عن الآخر عبادة و زلفى و حفظ اللّٰه الشريعة الإسلامية المقدسة فقد جاءت وسطا بين هاتيك الشريعتين كما هو شأنها في كل تشريعاتها و أحكامها فلم تجعل له حكما عاما باتا بل أعطت كل فرد حريته حسب ظروفه و أحواله الشخصية فقد يكون راجحا في حق واحد الى حد الوجوب و في حق آخر مرجوحا الى حد الحرمة و قد يكون لآخرين مستحبا أو مكروها، و لا تحسب ان حرمته أو وجوبه أو رجحانه تثبت له من حيث ذاته و حسب صرف طبيعته فان حكمه من هذه الناحية الرجحان

ص: 5

ابدا، و انما تتعاور عليه تلك الاحكام من حيث العوارض و الأحوال المكتنفة بالشخص الخاص فلا يحرم الا على العاجز الذي لا يقدر على اعاشة عياله و هو مع ذلك غير شديد الرغبة، أو المريض بالأمراض السارية الذي قد تنشأ منه أسره تضر بالمجتمع فيمنع من التوالد دفعا للضرر العام، كما انه لا يجب الا على الشخص الصحيح المتمكن الذي يخشى لو ترك عقد النكاح ان يقع في السفاح، و هناك البلاء المبرم عليه و على الأمة به، [عافى اللّٰه شبابنا من ذلك البلاء، و حرسهم من تلك الأدواء] اما إذا تجرد من تلك الخصوصيات فهو راجح شرعا و عقلا بأعلى مراتب الرجحان، و من هنا تعرف ان الزواج يقع برزخا بين المعاملات و العبادات فمن حيث انه محبوب للّٰه عز شأنه و قد حث عليه بل أمر به الكتاب العزيز و السنة النبوية التي تقول: من تزوج حفظ نصف دينه بعد قوله تعالى وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ، و فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ، فهو عبادة و من حيث لزوم العقد فيه و جواز الفسخ بالعيوب و لزوم المهر و النفقة و حلية الاستمتاع بإزاء ذلك أشبه المعاوضات و المعاملات و ان لم يكن منها تماما، و ظهر أيضا من كل هذا ان عقد النكاح و الطلاق الذي هو حلّ له متعاكسان من حيث ذاتهما حكما فذاك محبوب ابدا و هذا مبغوض ابدا و لا يقع شي ء منهما مباح ابدا اي لا يقع واحد منهما بحد الوسط بل كل منهما اما راجح واجبا أو مستحبا، أو مرجوح حراما أو مكروها، و فرض التعادل بالكسر و الانكسار نادر بل معرفته مستحيلة

ص: 6

عادة، و علة الحدوث علة البقاء طبعا فافهم و ما ذكرناه في التعبير عن تلك النسبة الخاصة بأنها كمال طبيعي للإنسان لم نجده لأحد مع انه حقيقة ارتكازية، و قد عرفت ان الشرائع السماوية جعلت لحدوث تلك العلاقة أسبابا خاصة إذا لم تنتظم بحدود و قيود جاءت الفوضى و انحلت روابط الهيئة الاجتماعية و تداعت دعائمها من اسها، و عاد الإنسان بهيمة و الشرائع تريد ان تجعله ملاكا، فلا بد إذاً لحصول تلك العلاقة الخاصة التي يصير بها الفرد زوجا، و الإنسان الناقص كاملا- من أسباب خاصة تكون كالعلة الموجودة كما ان لها بعد تحققها و وجودها أحكاما تترتب عليها تكون كالعلة المبقية لها، و لا تتحصل تلك الإضافة الخاصة بين الحر و الحرة إلا بالزواج و عقد النكاح اما بين غيرهما فتحصل به و بسبب آخر و هو ملك اليمين إذا فحلية الوطء لا تحصل شرعا إلا بأمرين الزواج- و الملك: و الحافظون فروجهم الا على أزواجهم أو ما ملكت ايمانهم، و لكل واحد منهما مرتبة قوية. و اخرى ضعيفة، فمرتبة النكاح الضعيفة- العقد المنقطع، و مرتبة الملك الضعيفة التحليل و كل منهما ثابت بالدليل، و قد أقمنا في مؤلفاتنا الشهيرة المنشورة البراهين القاطعة على مشروعية العقد المنقطع بآية: فما استمتعتم به منهن و عدم نسخها لا بكتاب و لا سنة، نعم و مرتبة النكاح القوية هو العقد الدائم كما ان مرتبة الملك القوية هو ملك الرقبة، و حيث ان ملك اليمين موقوف على الرق و قد أبطلوه في هذه العصور و لا يقع

ص: 7

الا نادراً و كان في زمن التشريع كثيرا و من اجله كثر يومئذ اتخاذ الإماء و الجواري، و اقتناء أمهات الأولاد و السراري، و اتسع ذلك باتساع الفتوح الإسلامية، و بالطبع ان كثرة الابتلاء تستدعي كثرة الاحكام و من هنا تكثرت الفروع في الشرع و توفرت الاحكام للعبيد و الجواري و عقد الفقهاء لذلك أبوابا و كتبا مطولة و أبحاثا مفصلة، مثل كتاب نكاح الإماء و العقد عليهن و الوطي بملك اليمين و التحليل و احكام أمهات الأولاد و كتاب التدبير و العتق و المكاتبة و ما الى ذلك من مهمات كتب الفقه التي لا موضوع لها اليوم الا من ناحية علمية، لا تصل إلى ناحية عملية، و أصبح البحث عنها أشبه بالفقه التاريخي و حيث اننا لا نريد بكتابنا الا ما يحتاج إليه في مقام العمل لم نتعرض لذكر شي ء منها الا ما يجي ء عفوا و يأتي استطرادا إذاً فالمهم من كتاب النكاح نوعاه الدائم- و المنقطع فهاهنا ثلاث مراحل

المرحلة الاولى (في الأحكام المشتركة بين النوعين و لا بد من تمهيد مقدمة)

اشارة

اعلم ان لفظ الزواج و النكاح صار كل واحد منهما عند الشرع و المتشرعة اسما للعقد الذي تحدث منه تلك العلقة الخاصة التي يعبر عنها بالزوجية، و من هنا قيل ان كل ما ورد في القرآن لفظ

ص: 8

النكاح و ما يشتق منه فالمراد به العقد الا في قوله تعالى فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ، فان المراد منه الوطي عن عقد، و معنى هذا ان النكاح صارت له حقيقة شرعية في العقد بحيث متى أطلق أو وجد مستعملا في الكتاب و السنة يحمل على العقد الا ان تقوم قرينة على خلافه من آية أو رواية أو إجماع كما في الآية المتقدمة و القرينة أعم من المتصلة و المنفصلة، و سواء صحت تلك الكلية أم لا فقد وهم بعض أهل العصر في محاضرات له فجعل المراد من النكاح في قوله تعالى وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ هو الوطء و المراد منه في قوله تعالى حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ هو العقد- مع ان القضية معكوسة اتفاقا ..

و حيث اتضح ان النكاح هو العقد فاللازم ذكر صيغته و ألفاظه و شروطه و اقسامه و احكامه و ما يترتب عليه من الآثار المشتركة بين نوعيه اعني العلاقة المرسلة المطلقة و هي الزوجية الدائمة و العلاقة المفيدة المحدودة و هي الزوجية المنقطعة أي المتمتع بها و استيعاب البحث في العقد يستدعي النظر في أركانه العاقد و المعقودة و المعقود له اما المهر فليس من أركان العقد بل في حاشيته و من لوازمه ففي هذه المرحلة فصول.

ص: 9

الفصل الأول (في العقد)
«1» عقد النكاح عبارة عن الإيجاب من طرف الزوجة و القبول من طرف الزوج

و صيغته المتفق عليها زوجت أو أنكحت و يصح عند الإمامية بصيغة متعت و يشترط فيها وقوعها بهيئة الماضي و مع قصد الإنشاء و التنجيز و المطابقة بين الإيجاب و القبول و الموالاة بينهما و الاختيار

«2» لا يقع عقد النكاح بالمعاطاة قطعا

بل هو الزنا المحض

«3» تقوم إشارة الأخرس مقام العقد

إذا كانت مفهمة عن مراده

«4» لا ينعقد عقد النكاح بالهبة و التمليك و الإباحة

و الإجارة و لا بشي ء من العقود مهما كانت.

«5» لا يلزم تقدم الزوجة بالإيجاب

أو من يقوم مقامها بل يصح ان يقول تزوجتك بكذا فتقول قبلت

«6» المشهور اعتبار العربية في العقد

فلا تكفي الترجمة مهما كانت و هذا هو الأحوط و ان كان الأقوى صحة عقد كل قوم بلسانهم.

الفصل الثاني (في العاقد)
«7» يشترط في طرفي العقد [البلوغ و العقل]

ان يكون كل واحد منهما

ص: 10

سواء كان موجبا أو قابلا لنفسه أو لغيره عاقلا بالغا قاصدا مختارا ان كان لنفسه غير محرم و لا عابث و لا هازل

«8» لا يعتبر في العاقد من حيث أجزاء صيغة العقد رشد و لا اختيار و لا حرمة و لا ذكورية

فيصح عقد السفيه لغيره مطلقا و لنفسه بإجازة الولي كما يصح عقد المكره على اجراء العقد لغيره و كذلك عقد العبد اما عقده لنفسه فموقوف على اجازة المالك، و للمرأة ان تعقد لنفسها و لغيرها

«9» للموجب ان يرجع عن إيجابه قبل لحوق القبول

فلو رجع فلا اثر للقبول بعده و كذا لو جن أو أغمي عليه، و الإيجاب قبل اتصال القبول به كالعقد الجائز بعد تمامه يجوز نقضه اختيارا و ينتقض بالجنون و الإغماء قهراً و بالنوم و الغفلة على الأحوط، كما ان الأحوط بقاؤهما معا على الشرائط إلى تمام العقد.

ثم ان العاقد ان عقد لنفسه فتلك الشرائط كافية و ان عقد لغيره فاما ان يكون وليا أو وكيلا أو أجنبيا ففي هذا الفصل ثلاثة مقاصد

(الأول في أولياء العقد)
(10) أولياء العقد في الدرجة الأولى الأب و الجد للأب معا

ان كانا موجودين و الا فالموجود منهما و في الدرجة الثانية منصوبهما و في الثالثة أي عند فقد الجميع فحاكم الشرع.

(11) الأب و الجد ولي إجباري بجعل الهي

و لكن بشرط ان يكونا عاقلين رشيدين مسلمين حرين فلو كان أحدهما سفيها أو مجنونا أو كافرا اختصت الولاية بالآخر و لو كان أحد الموانع في كل واحد

ص: 11

منهما فالولاية لحاكم الشرع.

(12) ولاية الأب و الجد انما هي على الصغيرين مطلقا

فلو بلغ الصبي عاقلا رشيدا زالت ولايتهما عنه و لو عرضه الجنون بعد ذلك أو السفه كانت الولاية عليه لحاكم الشرع و كذا الصبية.

[13] الكبيرة إذا كانت عاقلة رشيدة

فإن كانت ثيبا فلا ولاية لأحد عليها و ان كانت بكرا فأقوال الفقهاء فيها كثيرة من حيث زوال ولاية الأب و الجد عليها و عدم زوالها و أصحها ان صحة العقد موقوف على رضاها و رضا وليها فلا يصح الا برضاهما معا و لو تشاحا فحاكم الشرع.

«لا يجوز للولي أن يعضل الكبيرة مطلقا اى يمنعها من التزويج بالكفو نعم له منعها من المتعة ان كان غير لائق بشأنه».

«15» ولاية كل من الأب و الجد مستقلة

فلو سبق أحدهما بالعقد الصحيح نفذ و ليس للآخر فسخه و لو اقترنا بطلا معا مع التنافي

«16» ولاية الأب و الجد أشبه بالحكم فلا تسقط بالإسقاط

و لا تقبل الانتقال بالمصالحة عليها بمال نعم يصح فيها التوكيل من كل واحد منهما في حياته كما يصح نصب قيم عليه بعد وفاتهما فان عدل ثبت و الا عزله الحاكم و نصب غيره.

«17» حاكم الشرع هو الولي على الصغيرين حيث لا ولي إجباري و لا منصوبة

فان شاء الحاكم ان يتولى أمرهما بنفسه جاز و الا نصب قيما عليهما و إذا وجد الغبطة في العقد لهما صح.

ص: 12

«18» المشهور عند الفقهاء ان عقد الولي للصغير لازم

فإذا بلغ ليس له فسخه مطلقا و عندنا انه انما يلزم مع الغبطة للصغير فلو بلغ أو بلغت و وجدت عدم المصلحة له أو لها في ذلك العقد رفعت أمرها إلى الولي العام فإن أثبتت ذلك كان لها أو له الفسخ و لا مهر لانه فسخ لإطلاق.

(ولاية المولى على مملوكه)

«19» المالك له الولاية على مملوكه عبدا أو جارية

و ولايته مقدمة حتى على ولاية الأب و الجد و الحاكم من غير فرق بين الذكر و الأنثى و هي ولاية سلطنة و قهر اما بقية الأولياء فولايتهم ولاية غبطة و مصلحة و رعاية و حسبة حتى الأبوين فليس لهم التزويج الا بمهر المثل فما زاد من طرف الزوجة أو نقص من طرف الزوج مع رعاية الغبطة و المصلحة بخلاف المولى مع مملوكه.

«المقصد الثاني في الوكيل»
[20] يصح للذكر و الأنثى أو وليهما ان يوكلا معا أو أحدهما أجنبيا على العقد

فان عينا شخصا أو مهراً أو وقتا أو شرطا تعين عليه ما عيناه و لو أخل بشي ء منه وقع فضولياً، و ان كانت الوكالة مطلقة و الأمر مفوض اليه لزم عقده كيف ما أوقعه و ليس للموكل نقضه إلا إذا كان بدون مهر المثل أو خلاف المصلحة لأن الإطلاق

ص: 13

ينصرف الى الصالح.

«21» يلزم على الوكيل هنا تعيين الزوج و الزوجة في متن العقد

لأنهما الركنان كما يلزم تعيين الثمن و المثمن في البيع اما المهر فان عينه أحدهما أو كلاهما تعين ذكره في العقد أيضا و الا فله ان يعينه حسب ما يرى إذا لم ينقص عن مهر المثل

«22» صيغة العقد بالوكالة

أن يقول الوكيل عن الزوجة للزوج زوجتك موكلتي فلانة على مهر كذا فيقول قبلت الزواج لنفسي بالمهر المذكور و ان كان العقد مع وكيل الزوج يقول زوجت موكلتي فلانة من موكلك فلان على مهر كذا فيقول قبلت لموكلي فلان بالمهر المزبور و لو قال قبلت و قصد لموكله و لم يذكره لفظا فالأقرب الصحة.

«21» للموكل زوجا أو زوجة أن يعزل الوكيل

قبل ان يوقع العقد اما بعد وقوعه فلا اثر للعزل

«22» لو وكل أحدهما على العقد من شخص معين

ثم عقد الموكل نفسه على غيره صح و بطلت الوكالة طبعا

«23» لا يجوز في الوكالة المطلقة ان يتزوجها الوكيل الا مع القرينة على الرضا

أو عموم في اللفظ و الا فهو فضولي موقوف على الإجازة و يجوز هنا اتحاد الموجب و القابل كما في غيره من العقود

«24» إذا زوجها أحد الوكيلين من شخص و الآخر من آخر صح السابق

و ان اقترنا بطلا مع التنافي و الا تأكد و مع الشك فقيل بالبطلان و قيل بالقرعة، و الطلاق ثم تجديد العقد هو الأحوط:

ص: 14

(المقصد الثالث) (في الفضولي)
«25» كل عقد صدر من غير الزوج و الزوجة و لا من وليهما أو وكيلهما فهو فضولي

يتوقف على اجازة المعقود له فإن أجاز صح و الا بطل

«26» يشترط التطابق بين العقد و الإجازة

فلو وقع العقد على مهر و الإجازة على مهر آخر أو وقع على شرط فأجازه بشرط آخر أو بغير شرط لم يصح

«27» يشترط في العاقد الفضولي جميع الشروط المتقدمة في مطلق العاقد

من البلوغ و القصد و العقل و غيرها فلو فقد واحداً منها لم يصح و لم تنفع الإجازة

«28» لو زوج بزعم كونه وكيلا أو وليا

و لم يكن كذلك واقعاً لم ينفذ عقده إلا بالإجازة و لو عقد بزعم كونه فضوليا فانكشف انه ولي أو وكيل نفذ بلا اجازة

الفصل الثالث (في المعقود له)
«29» المعقود له زوجا أو زوجة ان كان كبيراً اعتبرت فيه بقية الشرائط

من الغفل و الرضا و الاختيار و غيرها و ان كان صغيراً و الولي يعقد له لم يعتبر فيه شي ء بل يكفي اجتماع الشروط

ص: 15

في الولي و العاقد نعم يعتبر في الزوجين مطلقا شروط اخرى

«30» أهم الشروط بين الزوجين عدم وجود سبب من أسباب الحرمة بينهما

و أسباب التحريم كثيرة أعظمها و أهمها ثلاثة- النسب- المصاهرة الرضاع إذاً فهاهنا ثلاثة مقاصد.

(المقصد الأول) (في النسب)
اشارة

قال جل شأنه. وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً و صهرا و النسب علاقة تحدث بين اثنين بسبب تولد أحدهما من الآخر أو تولدهما من ثالث و المحرم منه هو العناوين السبعة المذكورة في كريمة قوله تعالى. حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُ الْأَخِ وَ بَنٰاتُ الْأُخْتِ.

«31» الام كل امرأة ولدتك أو ولدت من ولدك

فتدخل الجدات من الطرفين و ان علون «البنت» كل أنثى ولدتها و ان نزلت (الأخت) كل أنثى ولدها من ولدك بلا واسطة،،، (العمة) أخت كل ذكر ولدك و ان علا «الخالة» أخت كل أنثى ولدتك و ان علت، و (بنات الأخ و بنات الأخت) الإناث اللاتي ولدن ممن ولد معك و ان نزل، و الضابطة المختصرة الجامعة لهذه العناوين ان تقول: يحرم على الإنسان كل قريب له الا بنات العمومة و الخؤولة

«32» يكفي في تحقق النسب هنا أي في باب التحريم مجرد الولادة

ص: 16

و لو عن زنا فلو ولدت بنت من الزنا حرمت عليه كبنته من الحلال لأنها خلقت من مائه و كذا سائر العناوين المتقدمة و لا يثبت بالزنا شي ء من آثار النسب غير هذا.

«المقصد الثاني» (في المصاهرة)
«33» المصاهرة علاقة تحدث بين شخص و جماعة آخرين بسبب العقد فقط

أو هو و الدخول و يحرم به مؤيداً دواما و انقطاعا ثلاثة أصناف «1» زوجة الأب و ان علا لأم أو أب على الابن و ان نزل لابن أو بنت «2» زوجة الابن على أبيه (وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ) أي دون من يتبناه الرجل من أولاد غيره- العادة التي أبطلها الإسلام «3» أم الزوجة و ان علت لأب أو أم.

(34) يحرم مؤبداً بالعقد مع الدخول صنف واحد و هو الربيبة

اي بنت زوجته من غيره فلو عقد على الام و فارقها قبل الدخول لم تحرم عليه بنتها لقوله تعالى وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ

(35) يلحق بالمصاهرة الوطء فتحرم أم الموطوءة و بنتها على الواطئ و لو بالزنا

فمن وطئ امرأة بشبهة أو زنا فليس له ان يتزوج أمها أو بنتها و ليس لابنه و لا لأبيه ان يتزوجها، اما مملوكة الأب فلا تحرم على الابن و كذا العكس إذا لم يكن قد وطأ أو لمس أو

ص: 17

نظر بشهوة بنحو الاستفراش

(36) انما يحرم الوطء إذا سبق العقد

اما لو لحقه فلا اثر له فمن تزوج امرأة ثم زنى بها أبوه أو ابنه أو زنى هو بأمها أو بنتها أو وطأ أخاها اثم إثما فظيعا و لكن لا تحرم زوجته عليه لقاعدة (الحرام لا يحرم الحلال) بخلاف الرضاع كما سيأتي و سر الفرق دقيق

(37) لا فرق في الوطء المحرم هنا بين الوطء في القبل أو الدبر

و في النوم أو اليقظة و الاختيار أو الاضطرار حلاله أو حرامه كالوطي في الحيض أو الإحرام مع بلوغها و عدمه.

«المقصد الثالث» (في الرضاع)
(38) المذكور من الرضاع في الكتاب الكريم نوعان

(وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ) و لكن السنة النبوية ضربت في الرضاع قاعدة كلية و هي من جوامع الكلم.

(الرضاع لحمة كلحمة النسب) و أوضحته بفريدة اخرى.

(يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فالأول ناظر الى جعل الموضوع و الثاني إلى الحكم فتدبره.

«39» اختلف أرباب المذاهب في المقدار المحرم من الرضاع

أي الذي يحصل به العنوان الرضاعي المماثل للعنوان النسبي من

ص: 18

العناوين السبعة- بين مقل و مكثر فبين من اكتفي بالمسمى و قدره بما يفطر به الصائم و لكن لا قائل بهذا من الإمامية نعم ينسب إلى الإسكافي من قدماء أصحابنا المتوفى سنة 381 الاكتفاء في التحريم برضعة واحدة و في أخبارنا ما يشهد له بل للأعم و لكن انعقد الاجتماع على عدم نشر الحرمة بأقل من العشر فقيل عشر رضعات كاملات متواليات و قيل خمسة عشر رضعة و قيل غير ذلك

«40» الشارع الحكيم جعل للرضاع المحرم ثلاث علامات

«الكم» و هو العدد الخاص عشرة و هو الأحوط و خمسة عشر رضعة و هو الأصح (الكيف) و هو ما شد العظم و أنبت اللحم و تشخيصه موكول الى العرف (الزمان) و هو يوم و ليلة- فمتى حصل احدى هذه الحالات انتشرت الحرمة و لكن بشروط خاصة

«41» يلزم ان يكون اللبن عن حمل من نكاح صحيح

فلو در اللبن من غير حمل أو عن حمل من نكاح غير صحيح شرعا فلا حرمة

«42» ان يمتصه الرضيع من الثدي مباشرة

فلو شربه من غير الثدي فلا اثر له مهما كان

«43» ان يكون الرضاع في حولي المرتضع

فلا اثر له بعد الحولين أصلا، اما ولد المرضعة فلا يعتبر فيه ذلك و في النبوي: لا رضاع بعد فطام و لا يتم بعد احتلام

«44» اتحاد الفحل

فلو رضع من امرأة واحدة مقدارا و أكمل النصاب منها من لين فحل آخر لم يحرم

«45» اتحاد المرضعة

فلو ارتضع من مرضعتين و لو كان من لبن فحل واحد فلا حرمة

«46» توالي الرضعات

ان لا يفصل بين رضعة

ص: 19

و اخرى رضاعة من امرأة أخرى و لا يقدح الفصل بالأكل و الشرب

«47» ان تكون كل رضعة كاملة يرتوي بها الصبي

و ان تكون خالصة لم يمتزج معها شي ء فلو مازجها مائع آخر حال الارتضاع لم يؤثر

(48) إذا تحققت الشرائط المزبورة تحقق الموضوع و هو العناوين الرضاعية

المطابقة للعناوين النسبية فصار الفحل أبا و المرضعة اما و بناتهما أخوات و أولادهم أخوه إلى آخر ما تقدم في النسب من العم و العمة و غيرهما ثم تجي ء الأحكام و هي حرمة النكاح كما في النسب

(49) يترتب أيضا حكم آخر لا من جهة العنوان النسبي بل لدليله الخاص و هو انه يحرم على أب المرتضع جميع بنات صاحب اللبن

و هو غير أب لهن بل أب لأخيهن و ليس هو من العناوين النسبية و في بعض الاخبار التعليل بأنهم صاروا بمنزلة ولدك، و كذا لا ينكح أب المرتضع في أولاد المرضعة ولادة على الأصح و رضاعا على قول

(50) لا يحرم على اخوة المرتضع نسبا اخوته الرضاعيون

إذ لا أخوة بينهم و انما هم إخوة أخيهم و ليس هو بعنوان نسبي الا على عموم المنزلة

(52) لو رضع غلام من لبن فحل الرضاع المحرم و ارتضع آخر منها من لبن فحل آخر

حرم كل من الرضيعين على المرأة و أصولها و حواشي نسبها و على الفحل الذي رضع من لبنه كذلك لكن لا يحرم أحد الرضيعين على الآخر لعدم اتحاد الفحل فالإخوة من الام الرضاعية لا توجب التحريم و ان أوجبته من ناحية الأب الرضاعي فلو ارتضعا من لبن فحل واحد نشرت الحرمة بينهما و ان كان رضاعهما من زوجته

ص: 20

إذا أكمل كل منهما نصابه من واحدة و هذا معنى قولهم (اللبن للفحل)

(52) إذا ارتضع صبي من امرأة الرضاع المحرم من لبن فحل واحد

حرم عليه أولادها النسبيون و لو من فحل آخر لأنهم اخوته من امه دون الرضاعيين من الفحل الآخر فاخوة الأمومة تحرم نسبا لا رضاعا الا على عموم المنزلة

(53) بناء على قاعدة لا ينكح أب المرتضع في أولاد صاحب اللبن

- لو ارتضع الطفل من لبن جده لأمه سواء كان من جدته لامها أو غيرها حرمت امه على أبيه لأنها من أولاد صاحب اللبن الذي ارتضع منه، و قد عرفت ان الرضاع سابقه و لا حقه سواء في التحريم فيحرم حدوثا و استدامة

(54) إذا شك في تحقق الرضاع المحرم

لشبهة حكمية أو موضوعية فلا اثر له حتى يحصل اليقين بتحققه بجميع حدوده و قيوده بالمشاهدة أو البينة أو بشهادة أربع نساء أو رجل و امرأتين أو إقرار المرضعة و تعدية الحكم الى غيرها بإقرارها لا يخلو من نظر،،، هذا موجز من أهم أسباب التحريم المؤبد و هي النسب و المصاهرة و الرضاع التي جمعتها كريمة «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ إلى قوله تعالى و حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ»،،، و هذه الآية من شموس البلاغة فإنها لم تقتصر على ذلك حتى ذكرت حرمة الجمع أيضا و ان تجمعوا بين الأختين و بقي عدة أمور أخرى من أسباب التحريم نذكرها ضمن المواد الآتية

«55» طلاق الزوجة تسع طلقات

يتخللها نكاح زوجين ففي الطلقة التاسعة تحرم عليه مؤبدا

ص: 21

«56» وقوع الملاعنة بين الزوج و الزوجة يوجب التحريم المؤبد

أيضا كما سيأتي في محله

«57» وطأ الذكر رجلا كان أو غلاما

يوجب تحريم الزواج بامه و ان علت و بنته و ان نزلت و أخته مؤبدا إذا سبق العقد اما اللاحق فالحرام لا يحرم الحلال

«58» من عقد على صغيرة

فوطأها قبل التسع فأفضاها حرمت عليه ابدا و بقيت على زوجيته و عليه نفقتها الى ان تموت

«59» من عقد على امرأة في عدتها

فإن وطأها في العدة حرمت عليه ابدا عالما كان أو جاهلا و سواء كانت العدة رجعية أو غيرها و ان لم يطأها فإن عقد عليها مع علمه انها في العدة حرمت عليه أيضا أبدا و ان كان جاهلا لم تحرم عليه و له ان يعقد عليها ثانيا بعد خروجها من العدة و كذلك العقد على ذات البعل و الزنا بذات العدة أو ذات البعل كل ذلك موجب للتحريم الأبدي

(60) يحرم على المحرم ان يعقد على امرأة محلة

كانت أو محرمة و يحرم على المحرمة أن تعقد نفسها في الإحرام على محل أو محرم فلو عقد المحرم عالما حرمت عليه ابدا و له مع الجهل اعادة العقد بعد الإحرام.

الفصل الرابع (في أسباب التحريم الغير المؤبد)
اشارة

و هي اما مقيدة. أو موقتة. أو حرمة جمع، فهاهنا ثلاثة أنواع

ص: 22

(الاولى حرمة الجمع)
[61] يحرم الجمع بين الأختين بالعقد مطلقا دائما أو منقطعا

فلو عقد على امرأة لم يصح ان يعقد على أختها حتى يطلقها و تخرج من العدة ان كان رجعيا و يجوز جمع الأختين بالملك لكن لو وطأ واحدة حرمت عليه الثانية حتى يخرج الاولى عن ملكه.

(62) يحرم ان يجمع بين خمس زوجات بالدائم

فلو كان عنده اربع بطل العقد على الخامسة حتى يطلق واحدة منها و تخرج من العدة ان كان رجعيا اما المنقطع و ملك اليمين فلا حد لهما.

[63] لو أسلم الكافر على أكثر من اربع

تخير أربعا و حرم عليه الزائد.

(الثانية الموقتة)
(64) إذا طلق الرجل زوجته ثلاث مرات

بينها رجعتان حرمت عليه في الثالثة موقتا الى ان يعقد عليها غيره و يطأها فإن طلقها الثاني حلت بالعقد ثانيا على الأول.

(الثالثة الحرمة المقيدة)
(65) لا يجوز للحر ان يتزوج المملوكة إلا بشرطين

عدم الطول اي عدم القدرة على زواج الحرة، و خوف العنت أي المشقة كما في الآية الشريفة و مع عدم الشرطين فقيل يجوز مطلقا و قيل بالتفصيل فيجوز متعة لا دواما و هو حسن.

ص: 23

(66) يحرم عقد الأمة على الحرة إلا بإذن الحرة

فلو عقد بدونه كان للحرة الخيار بين اجازته و فسخه و ليس لها فسخ عقد نفسها اما العكس و هو دخول الحرة على الأمة فهو جائز فإن كانت الحرة عالمة فلا خيار لها و ان كانت جاهلة ثم علمت بعد العقد تخيرت بين فسخ عقد نفسها و بين الصبر على البقاء مع الأمة و ليس لها فسخ عقد الأمة و لا يجب عليه أعلامها بأنه متزوج بامة فلو أخفاه عليها ابدا صح و لا اثم و لو اقترن عقد الحرة و الأمة كان حكمه حكم سبق الأمة.

(67) لا يجوز عقد بنت أخ الزوجة أو بنت أختها

إلا برضا العمة و الخالة و ان علتا حرتين أو أمتين أو ملفقتين عالمتين أو جاهلتين أو مختلفتين دائمتين أو منقطعتين مسلمتين أو كافرتين أو مختلفتين نسبيين أو رضاعيين، و لو اقترن العقد ان نفذ عقد العمة و توقف الثاني على رضاها، و لو سبق عقد بنت الأخ أو الأخت جاز إدخال العمة أو الخالة عليها و لا خيار للداخلة و لا المدخول عليها لا في عقد نفسها و لا في عقد الأخرى.

[68] اعتبار الحكم إذن شرعي لا حق شخصي

فلا يسقط بالإسقاط نعم لو اشترطه ضمن عقد العمة و الخالة صح و كان كالاذن منهما

- 69- لو طلق العمة أو الخالة فإن كان بائنا جاز العقد على بنت الأخ و الأخت بغير اذن

و ان كان رجعيا لم يجز حتى تنقضي العدة و من هذا النوع ما تزول الحرمة بزوال الوصف و هو شرط الكفاية و الحرمة هنا تدور مدار اختلاف الدين.

ص: 24

- 70- الكفر مانع من صحة عقد المسلم على الكافرة المشركة

و المشرك ممنوع من العقد على المسلمة سواء كان الكفر أصليا أو ارتداديا فلو أسلمت زوجة الكافر فان كان قبل الدخول زالت العصمة بينهما و ان كان بعده انتظرته مدة العدة فإن أسلم بقيا على الزواج كما لو أسلما معا و الا بانت منه و لها المهر.

- 71- المسلم لا يحل له ان يتزوج المشركة

بعد قوله تعالى- وَ لٰا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ- وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ و لو أسلم الكافر على زوجة مشركة قبل الدخول بانت منه و المشهور على تنصيف المهر و القاعدة تقتضي السقوط لانه فسخ لإطلاق و بعد الدخول يقف على العدة فإن أسلمت فهي زوجته و الا بانت منه و استقر المهر،- اما الكتابية- يهودية أو نصرانية بل و مجوسية فإن أسلم دونها فهي على نكاحه قبل الدخول و بعده دائما و منقطعا كتابيا أو غيره- و اما في الابتداء- فقيل بالحرمة و قيل يجوز منقطعا لا دائما و قيل يجوز مطلقا و هو مقتضى ظاهر قوله تعالى في سورة المائدة التي لا نسخ فيها الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ الى قوله عز شأنه وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، و يمكن حمل النواهي في السنة على التنزيه

- 72- لو تزوج المسلم مسلمة

كتابية كان للمسلمة الخيار في عقد نفسها إلا إذا كان برضاها على ما في بعض الاخبار.

- 73- الارتداد من الزوج أو الزوجة

ان كان قبل الدخول

ص: 25

انقطعت العصمة بينهما مطلقا فان كان منها فلا مهر و ان كان منه فلها النصف، و ان كان بعد الدخول استقر المهر فان كان منها وقف على انقضاء العدة و هي عدة الطلاق فان عادت الى الإسلام فيها و تابت بقيت على زوجيته و الا بانت منه، و ان كان منه فان كان مليا فالانتظار و ان كان فطريا بانت منه في الحال و اعتدت عدة الوفاة

(74) اختلاف المذهب لا يمنع من صحة العقد مع الحكم بإسلام الطرفين

فيجوز للإمامي ان يتزوج بمخالفة من اي مذهب كان من مذاهب المسلمين، اما تزويج الغير بالإمامية ففيه خلاف، و الأصح انه يختلف باختلاف الأحوال فقد يرجح و قد يحرم فعلى الأولياء مراعاة الخصوصيات و الظروف فإنهن ودائع و أمانات و لا تعطي الأمانة الا الى من يحفظها «إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِلىٰ أَهْلِهٰا

«75» المعروف اعتبار الكفاية في الزواج

و هي نوعان شرعية و عرفية أما الشرعية فهي المساواة في الدين كما عرفت، و اما العرفية فهي المساواة في الحسب و النسب و الثروة و الشرف و أمثالها أما الأولى فقد عرفت لزومها في صحة العقد و اما الثانية فليست شرطا و الزواج في شريعة الإسلام على الإسلام و المؤمن كفو المؤمن نعم ورد في السنة حرمة تزويج شارب الخمر و الاعتبار يساعده فان شارب الخمر لا يؤتمن على الحرة، و لا يحفظ الوديعة و مثله المقامر،

«76» إذا خطب المؤمن القادر على الإنفاق الغير المتجاهر بالكبائر استجب إجابته

بل قيل تجب و لو كان ادنى نسبا و أقل

ص: 26

ثروة و الفقر غير مانع بل العناء في الغنى أكثر منه في الفقر.

(77) يحرم خطبة المزوجة قطعا

و لو معلقا على الطلاق تصريحا أو تلويحا و كذا خطبة المطلقة الرجعية و لو معلقا على انقضائها بل و البائنة و كذا يحرم الخطبة على خطبة الغير كما يحرم الدخول في سوم المؤمن نعم لو ردت الاولى جازت الثانية.

«78» الإجماع و الاخبار على بطلان نكاح (الشغار)

و فسروه بمعان كثيرة و القدر المتيقن في الحرمة هو ان يتزوج امرأتان برجلين على ان يكون مهر كل واحدة نكاح الأخرى يعني المبادلة في النساء.

هذا مختصر أسباب التحريم التي يشترط خلو المتعاقدين منها و حينئذ فالذكر البالغ الرشيد له ان يعقد لنفسه و لا ولاية لأحد عليه و الأنثى البالغة بإكمال التسع إذا كانت رشيدة لها ان تعقد لنفسها بإذن الولي ان كانت بكرا و الا كان لها الاستقلال و بعد انتهاء مباحث العقد و العاقد و المعقود له و شرائط كل واحد منها مما يتعلق بصميم العقد فاللازم بيان ما يتعلق بتوابع العقد و احكامه و حواشيه و آثاره المشتركة بين نوعيه الدائم و المنقطع كالمهر فإنه و ان كان لازما في الجملة و لكنه ليس من الأركان التي يبطل العقد بدونه.

ص: 27

الفصل الخامس (بتكفل ببيان احكام المهور)
(79) المهر هو ما يجعل للزوجة في عقد زواجها

مما هو مال عينا أو دينا أو حقا أو منفعة و ليس هو عوض البضع أو عوض الاستمتاع بل المعاوضة في باب النكاح كما عرفت غير مرة بين ذات الزوجين و انما المهر كهدية و طيبة خاطر للزوجة و لذا يكره المماكسية فيه و التغالي و يستحب فيه اكيداً التساهل و المهاودة و لحرص الشارع الحكيم على التسهيل في هذا المقام اكتفي من المهر حتى بتعليم السورة و قراءة الفاتحة و لكن الاعتدال بمهر السنة و هو خمسمائة درهم أي خمسة و عشرون دينارا.

(80) إذا تراضى الزوجان على مهر قليلا كان أو كثيرا

لزم و ان لم يذكرا مهراً أصلا فإن كان العقد متعة بطل إذ لا متعة إلا بمهر مسمى، و المنقطع كثير الشبه بالمعاوضات و ان لم يكن منها، و ان كان دواما فان شرطا عدم المهر بطل العقد لانه يرجع الى الهبة و لا هبة في النكاح، و لمفوضة البضع مطالبة الزوج بتعيين المهر فان امتنع لها ان تمنع عنه نفسها فان تراضيا على قدر لزم قل أو كثر و الا رجعا الى حاكم الشرع فيفرض أقل الأمرين من مهر المثل و مهر السنة و لو دخل بها قبل التعيين تعين مهر المثل، اما مفوضة المهر

ص: 28

فهو التزويج على حكمه أو حكمها و لكن ليس لها ان تحكم بأكثر من مهر السنة

(81) المهر مطلقا تملكه الزوجة بالعقد

و يستقر بالدخول فلو مات قبل الدخول أو طلقها كان لها نصفه ان كان قد تعين و الا فلها المتعة على الموسع قدره و على المقتر قدره، و لها ان لا تمكنه من نفسها حتى يدفعه لها،،،

(82) يلزم تعيين المهر بما يرفع الجهالة و لو في الجملة

فلو أبهمه كلية كالشي ء و النصيب و نحوهما بطل و لا يلزم فيه تمام المعلومية التي تلزم في البيع و نحوه من اعتبار الكيل في المكيل و الوزن في الموزون و هكذا بل تكفي المشاهدة ان كان عينا و الأوصاف في الجملة ان كان كليا ككونه دراهم أو ثيابا أو غيرها مع بيان العدد و لو جعله ثوبا أو دابة فالخيار للزوج و يجوز جعله أو بعضه مؤجلا كما يجوز ترديده و تعليقه كما لو قال ان تزوجت عليك فألف و الا فنصفها، و مهر المثل مهر أقرانها، و لو عقد الأب لولده على مهر و أطلق فهو عليه الا ان يقيده على الولد من أهلها و بلدها

(83) لو تزوجها على كتاب اللّٰه و سنة نبيه جاز

و ان لم يعلما به حال العقد و كذا لو تزوجها على مهر أمها أو أختها بل في بعض الاخبار ان الرجل على عهد رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و آله و سلّم كان يتزوج على القبضة من الحنطة و ما يحسن من القرآن

(84) لو وهبها المدة في المنقطع قبل الدخول كان لها النصف

كالإطلاق في الدائم و ان كان بعد الدخول استحقته بأجمعه كالدائم و كذلك حكم موته قبل الدخول و بعده

(85) لو أبرأته من المهر قبل الدخول أو وهبته له يرجع عليها بنصفه

ص: 29

لأن الإبراء استيفاء و كذا لو خالعته بالمهر فيستحقه اجمع بالخلع و يستحق نصفه بالطلاق قبل الدخول على ما ذكروا و فيه للتأمل مجال، و لو تنازعا في قبضه فالقول قولها و في المقدار قوله.

الفصل السادس (في أحكام العيوب الموجبة للفسخ)
(86) عقد النكاح لازم إذا وقع صحيحاً جامعا للشرائط

لا يمكن فسخه و لا الإقالة فيه بل و لو شرطا خيار الفسخ فيه بطل الشرط و نفذ العقد على الأصح و قيل يبطلان معا، نعم لا يصح الفسخ فيه الا بأمرين (الأول) العيوب الموجبة لخيار الفسخ و هي ثلاثة أقسام- 1- العيوب المشتركة- 2- ما يخص الزوج- 3- ما يخص الزوجة

(87) العيوب

المشتركة (3) الجنون مطلقا و لو أدواريا (2) (الجذام) مطلقا و لو قليلا (3) البرص كذلك (ما يخص الزوج) أيضا ثلاثة- الخصاء و هو سل الأنثيين و بحكمه الوجاء و هو رضهما بحيث تبطل قوتهما، و العنن و هو عدم الرجولية خلقه أو عرضا و الجب و هو قطع آلة الرجولية (ما يخص الزوجة) أربعة الإقعاد و القرن- عظم في محل الوطي يمنع منه (العضل) لحم يمنع من الوطي، «الرتق» التحام موضع الوطي بحيث يمنع منه.

ص: 30

[88] كل هذه العيوب انما توجب حق الفسخ إذا كانت مجهولة

و موجودة قبل العقد اما الحادث بعده فلا الا العنن و الجنون فإنهما يوجبان الفسخ مطلقا

«89» شرط العنة ان لا يقدر على الوطي منها و من غيرها قبلا و دبرا

و شرط الجب ان لا يبقى من الآلة مقدار الحشفة و لا تفسخ في العنة حتى ترفع أمرها لحاكم الشرع فيمهلها سنة كاملة تكون معه في الفصول الأربعة فإذا عجز كان لها الفسخ

(90) الفسخ ان كان قبل الدخول فلا شي ء لها من المهر

إلا في العنن فان لها النصف و ان كان بعد الدخول أخذته اجمع و القول قول منكر العيب بيمينه، و الخيار في العيوب فوري و هو فسخ لإطلاق

«91» الثاني من موجبات الفسخ خيار الشرط لا شرط الخيار

فمن تزوج امرأة شرط كونها حرة فبانت مملوكة أو تزوجت بشرط كونه حرا فظهر مملوكا كان له أولها الخيار فان فسخ بعد الدخول استحقت المهر و يرجع به على المدلس مطلقا باستثناء مهر المثل عوض استمتاعه بها و ان كان قبله فلا شي ء لها، و كذا لو اشترط كونها بكرا فظهرت ثيبا، و كل شرط موافق لكتاب اللّٰه عز شأنه لها أم عليها فهو لازم و يجب على كل منهما الوفاء به و لكن لو خالف لم يوجب الفسخ كما لو شرطت ان لا يخرجها من بلدها أو منزلها اما لو شرطت ان لا يتزوج عليها أو لا يقسم لضرتها فهو باطل، و هذه العيوب كما توجب الفسخ في الدائم توجبه أيضا في المنقطع.

ص: 31

الفصل السابع (في الأولاد)
«92» شروط لحوق الولد بالزوج بالدائم و المنقطع ثلاثة

«الدخول» و يكفي كونها فراشا له فضلا عن الخلوة و لو اختلفا فيه فادعته و أنكره أو أنكر ولادتها فالقول قولها مع الخلوة و قوله مع عدمها «2» مضي أقل الحمل و هو ستة أشهر هلالية من حين الوطي في الولد التام الذي ولجته الروح، و في غيره يرجع الى المتعارف في مثله «3» عدم تجاوز أقل الحمل و هو سنة من حين الوطي فلو غاب عنها أكثر من سنة أو اعتزلها لم يلحق به، و لو نفي الولد مع اعترافه بتحقق شرائط اللحوق به لم ينتف الا باللعان، و لو زنت فالولد للفراش و للعاهر الحجر، و لو طلقها و تزوجت بآخر فاولدت فان كانت الشرائط لواحد منهما الحق به و ان لم تكن لواحد انتفي عنهما و ان كانت لكل واحد منهما فالقرعة، و الولد يلحق بأشرف الأبوين في الإسلام و من أقر بمجهول انه ولده لحق به مع الإمكان و كذا العكس.

«93» يجب إرضاع الأم ولدها اللباء

و هو أول حليبها بأجرة على الأب و يستحب ان ترضعه المدة و هي حولان كاملان و يجوز الزيادة و النقيصة بشهرين أو ثلاث و هي أحق بإرضاعه بالأجرة التي يطلبها الغير فان طلبت الزيادة جاز ان ينتزعه منها

ص: 32

و يدفعه الى غيرها و لا تجبر الحرة على إرضاعه

«94» الحضانة للأم حق تربية ولدها مدة الرضاع ذكرا كان أو أنثى

فإذا انتهت مدة الرضاع فهي أحق بالبنت الى بلوغها سبع سنين و الأب أحق بالابن بعد السنتين الى بلوغه، و لا تثبت لها الحضانة إلا بشروط العقل و الإسلام و الحرية و لو طلقها فتزوجت سقطت حضانتها و لو طلقها الثاني عادت و لو مات الأب فهي أحق بولدها الى بلوغه و إذا مات الأبوان فالحضانة للجد و إذا فقد فللأقرب فالأقرب و الظاهر انه لا أجرة للحضانة بل هو إرفاق بالأم نعم يلزم على الأب بذل لوازم التربية كاجرة غسل الثياب و نحوها.

و حيث انتهى الكلام من الأحكام المشتركة بين المتعة و الدوام فلنذكر ما يخص كل واحد منهما.

المرحلة الثانية (فيما يخص العقد الدائم من الاحكام)

«95» يختص الدائم بأحكام لا تجري في المنقطع
اشارة

و هي خمسة بل ستة- الإرث- فالدائم ترث مطلقا و المنقطعة لا ترث مع الإطلاق قطعا و هل ترث بالشرط الأصح العدم- النفقة- تستحقها الزوجة بالعقد الدائم مع عدم النشوز مطلقا و لا تستحقها المنقطعة بإطلاق العقد و هل تستحقها بالشرط- الأصح نعم.

(القسم) للزوجة الدائمة مع إطلاق العقد مضاجعة ليلة من اربع

ص: 33

و تستحق الوطء مرة في أربعة أشهر، اما المنقطعة فلا تستحق شيئا منهما مع الإطلاق اما مع الشرط فالأصح الاستحقاق إذا لم يزاحم حق الدائميات و للزوجة الدائمة إسقاط ليلتها أو هبتها لإحدى ضراتها أو مصالحة الزوج عليها.

(النشوز) إذا امتنع الزوج عن أداء حقوق الزوجة و هي النفقة و حق المضاجعة و المواقعة

و لم يعاشرها بالمعروف صار ناشزا و لها ان تمنع نفسها عنه فان لم يرتدع رفعت أمرها إلى حاكم الشرع فاما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، كما انها لو امتنعت عن أداء حقه و هو تمكينه من نفسها للمواقعة متى شاء الا لعذر مشروع أو لم تعاشره بالمعروف فتعبس في وجهه و تخرج من غير اذنه و تغلظ كلامها معه و ما أشبه ذلك صارت ناشزا و سقطت نفقتها فيتدرج معها بالمراتب الثلاث المذكورة في الآية الشريفة فعظوهن و اهجروهن في المضاجع و اضربوهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا. و يلزم ان لا يكون الضرب مبرحا و لا جارحا.

(الشقاق) و هو النشوز من الطرفين و الكراهة من الجانبين

و الحكم هنا التحكيم كما ذكره الكتاب المجيد، فابتغوا حكما من من اهله و حكما من أهلها فإن قدرا على الإصلاح فهو و الا فرقا بينهما مع الاذن، و من مختصات العقد الدائم الطلاق- فإنه لا يأتي بالمنقطع بل ينتهي بانتهاء المدة أو بهبتها.

«96» النفقة تجب للزوجة الدائمة مطلقا

و للمطلقة الرجعية في

ص: 34

عدتها دون البائن و المتوفى عنها زوجها نعم المطلقة بائنا إذا كانت حاملا وجبت النفقة لها أو له حتى تضع و لا نفقة للصغيرة حتى تبلغ و لا للناشزة حتى تطيع

«97» الواجب من النفقة هو ما تحتاج اليه من طعام و إدام و كسوة

و مسكن و خادم حسب شأنها في جميع ذلك كما و كيفا و جنسا و وصفا و يجب أيضا ما يتوقف عليه التزيين و التنظيف كالصابون و نحوه

«98» نفقة الزوجة حق مالي لها

و ان كانت غنية فلو أخل به يوما أو أياما كان دينا عليه في ذمته يجب عليه ان لم تكن ناشزا ان يؤديه لها و يصح المصالحة عليه و إسقاطه كسائر الديون و يجوز ان تطلب كفيلا به حاضرا كان الزوج أو مسافرا

(99) لا ولاية للزوج على زوجته في شئونها الخاصة

فلو أرادت أن تبيع شيئا من أموالها و كانت رشيدة فلا حق للزوج و لا لغيره في معارضتها حرة كانت أو مملوكة فإن ولاية المملوك لمالكه و ولاية الحرة لأبيها أو جدها أو الحاكم مع صغرها نعم له منعها عن كل ما يوجب خللا في شرفه و المس بناموسه كالخروج من غير اذنه و معاشرة من لا يليق به معاشرتهم من نساء أو رجال و لو خالفته نشزت بل له ان يمنعها عن الخروج حتى الى بيت أمها و أبيها الا ان يكون ذلك موجبا للعقوق و هو إيذاء الوالدين فيأذن لها حسب المتعارف في الأسبوع مرة و نحو ذلك و لو منعها عن مباح أو مستحب لا يخل بشي ء من شئونه لم يجب عليها الامتناع عنه كما لا يجب عليها الخدمة و الطبخ و نحو ذلك اما الواجب فلا إشكال في

ص: 35

عدم اثر لمنعه عنه، و يجب عليها متابعته في السفر و الحضر و المسكن

«100» جرت عادت الفقهاء هنا بمناسبة نفقة الزوجة ذكر من تجب على الإنسان نفقتهم

و ان لم يكن له دخل بكتاب النكاح و هي نفقة الأقارب و هم نوعان الآباء و الأبناء صعودا و نزولا، و المملوك إنسانا أو حيوانا، و لا تجب لمن عدا أولئك من الأقارب مهما كانوا نعم تستحب خصوصا للوارث و انما تجب على العمودين و تستحب في غيرهم بشرطين- الأول- يسار المنفق بان يكون عنده ما يزيد على نفقته و نفقة زوجته يوما و ليلة- الثاني- فقر المنفق عليه كذلك و العجز عن الاكتساب و كونه حرا، و الواجب قدر الكفاية من الإطعام و الكسوة و المسكن و لا يجب تزويجه و لا الإنفاق على زوجته و لا سائر لوازمه نعم هو من أفضل أنواع البر

«101» يترتب وجوب النفقة على الآباء و الأبناء حسب ترتبهم في القرابة

فيتقدم الأب على أب الأب و الابن على ابن الابن منفقا و منفقا عليه و الأب و الابن في نية واحدة فمن كان فقيرا و له أب و ابن غنيان اشتركا في الإنفاق عليه بالسوية و من كان غنيا و له أب و ابن فقيران أنفق كذلك عليها و الأنثى كالذكر في وجوب النفقة عليها ولدا أو اما و لكن لا يجب على الام ان تنفق على أولادها إذا كان أبوهم غنيا نعم لو كان فقيرا أو مفقودا وجب عليها ان لم يكن لهم جد غني أيضا، و الإنفاق على الأقارب إرفاق و وجوب تكليفي محض فلو عصى لم يقضه إذ لم تشتغل به الذمة كما لا يصح المصالحة عنه و لا إسقاطه.

ص: 36

[102] الملك لذي روح يوجب نفقته على المالك فتجب على المولى نفقة للعبد مطلقا

حتى المدبر و أم الولد دون المكاتب مطلقا فان نفقته في كسبه و على البهيمة مطلقا مأكولة اللحم و غيرها

(103) كل من وجبت النفقة عليه لزوجة أو قرابة أو مملوك ان قام بالواجب فهو

و الا وجب على حاكم الشرع إجباره فان لم يمكن باع شيئا من أمواله و أنفق إلا في الإنسان المملوك فإنه يوكل نفقته الى كسبه إن أمكن و في البهيمة يخيره بين ذبحها ان كانت مأكولة اللحم و بين الإنفاق عليها

المرحلة الثالثة (فيما يخص العقد المنقطع من الأحكام)

اشارة

الأركان التي يتقوم بها عقد المتعة أمران- المهر- فلو لم يعين المهر في متن العقد بطل و من هذه الجهة أشبه عقود المعاوضات و ما هو منها- الثاني- الأجل فلو أخل به في ذات العقد قيل يبطل رأسا و قيل ينقلب دائما و به رواية و العمل بها مشكل و تطبيقها على القواعد أشكل، و الرواية ضعيفة، و الاحتياط بالطلاق و تجديد العقد لا يترك، و بهذين الركنين ينفرد المنقطع عن الدائم الذي لا أجل فيه و لا يضر به عدم ذكر المهر كما عرفت

«104» يختص المنقطع عن الدائم أيضا بأمور

(1) عدم وقوع الطلاق فيه و لا اللعان و لا التوارث حتى مع الشرط بل و لا الخلع و لا الظهار «2» عدم استحقاق

ص: 37

النفقة (3) عدم القسم (4) عدة غير الحامل بعد الوطء و انقضاء الأجل أو هبة المدة حيضتان و لو كانت لا تحيض و هي في سن من تحيض فنصف عدة الدائم خمسة و أربعون يوما اما الحامل فعدتها وضع الحمل و عدة الوفاة كالدائم أربعة أشهر و عشر ان كانت حرة و الا فنصفها و في الحامل أبعد الأجلين مطلقا، «5» جواز العزل عنها و عدم جوازه في الدائم و لكن الولد يلحق به حتى مع العزل

(105) ذكر بعضهم انه لا يجوز العقد عليها في أثناء المدة

و الأصح عندنا جوازه دواما و متعة و هو هنا كالبيع أو الإجارة للعين المستأجرة.

(خاتمة) (في التنازع)

(106) إذا اختلفا في الزوجية قدم قول منكرها بيمينه

و لكن يلزم مدعيها بإقراره و هذا من المقامات التي تنفك الاحكام ظاهرا و ان كانت متلازمة واقعا فلو كانت هي المنكرة جاز لها ان تتزوج بغيره و لكن تجب عليه النفقة ظاهرا و لا يتزوج بأختها و لا الخامسة و هكذا سائر الاحكام و كذلك لو انعكس الأمر و لو تزوجت و اقام البينة ظهر فساد العقد

[107] لو ادعى زوجية امرأة و ادعت أختها زوجيته

فإن أقامت بينة فالعقد لها و ان أقامها ثبت قوله و ان

ص: 38

أقام كل منهما البينة فالحكم لبينته بناء على تقديم بينة الداخل الا ان يكون لبينتها مرجح داخلي أو خارجي كدخول بها أو تقدم تاريخ أو أكثرية عدد فتقدم بينتها.

(تتمة)

المرأة إذا ادعت أنها خلية صدقت و جاز العقد عليها من غير فحص حتى مع العلم بأنها كانت ذات زوج و ادعت موته أو طلاقه أو لم تذكر شيئا سوى أنها خلية فلو ادعى آخر انها زوجته لم يصدق إلا بالبينة و ينكشف فساد العقد و يجري عليه حكم الشبهة.

ص: 39

الكتاب الثاني (في الطلاق و العدد و توابعه)

اشارة

الطلاق حل عقدة الزوجية الدائمة المقتضية للبقاء بذاتها و ببيان اجلى ان الزوجية الدائمة حبل مستمر و الطلاق قطع له من أثنائه فهو كالفسخ في البيع الذي هو رفع بل قطع لحبل الملكية المستمرة من حين الفسخ لا من حين العقد على الأصح فالتعبير عنه بالقطع اولى من التعبير بالرفع، و هو اي الطلاق من حيث بقائه و إمكان رفعه و بعبارة أبلغ من حيث تنجز أثره و تعليقه- قسمان- رجعي- و بائن- فهاهنا مرحلتان-

(الاولى) (في الرجعي)

اشارة

و يقع البحث فيه من حيث أركانه الثلاثة، الصيغة، و المطلق و المطلقة، ثم من حيث اقسامه و احكامه بعد تمامه ففي هذه المرحلة مقصدان

(الأول) في أركانه
اشارة

و فيه فصول.

ص: 40

الفصل الأول (في الصيغة)
مادة «108» الطلاق و ان كان بذاته معنى إضافيا

و نسبة قائمة بطرفين و لكنه شرعا من الإيقاعات التي يكتفي وقوعها من طرف واحد و لا يقع إلا بصيغة خاصة و هي أنت طالق أو زوجتي فلانة طالق أو زوجة موكلي طالق فلا يكفي شي ء من مشتقاتها مثل أنت مطلقة و طلاق و طلقتك و أطلقك و هكذا فضلا عن مثل أنت بائن و حرام و خلية و برية و اعتدي و أمثالها و لا يقع بالكتابة و لا بالإشارة الا من الأخرس العاجز و لا يقع بالتخيير لها بل هو من خصائصه صلى اللّٰه عليه و آله.

«109» يشترط في الصيغة التنجز

فلو علقها بشرط أو صفة بطلت مطلقا و لو قيدا لواحدة بالثلاث فقال أنت طالق بالثلاث لغت الثلاث و وقعت واحدة عندنا و تقع ثلاثة عند القوم فتحتاج الى محلل و لو قال ان كنت زوجتي فأنت طالق صح على الأصح.

الفصل الثاني (في المطلق)
«111» لا يصح الطلاق الا من الزوج أو وكيله

- أما الولي

ص: 41

فالمشهور انه يصح تزويجه و لا يصح طلاقه و الأصح عندنا انه مع المصلحة يصح طلاقه كما صح تزويجه، و يعتبر في المطلق زوجا أو وكيلا أو وليا «أمور» البلوغ فلا يصح طلاق الصبي و ان بلغ عشرا أو اذن له الولي- العقل فلا يصح طلاق المجنون مطبقا أو أدواريا إلا في حال إفاقته- الاختيار فلا يصح طلاق المكره- القصد فلا طلاق لهازل أو ساه أو نائم أو سكران بل يعتبر القصد عن روية و حال طبيعي فلا يصح طلاق الغضبان و المتهيج.

«الثالث» (في المطلقة)
(112) لا يقع الطلاق إلا بالزوجة الدائمة

- الطاهرة من الحيض و النفاس إلا إذا كانت غير مدخول بها أو حاملا إذا اجتمع الحيض و الحمل و الا من الغائب الذي لا يعلم حيضها حين الطلاق مع علمه بانتقالها من طهر المواقعة أو سافر في طهر لم يواقعها فيه و مثله المحبوس- و ان يطلقها في طهر لم يواقعها فيه، و يسقط طبعا هذا الشرط في الصغيرة و اليائسة و الحامل اما المسترابة و هي التي واقعها فلم تحض في ذلك الشهر فاسترابت بالحمل فلا يجوز طلاقها الا بعد التربص ثلاثة أشهر فإن ظهر الحمل في أثنائها طلقها و الا طلقها بعد الثلاث.

ص: 42

(113) يشترط تعيين المطلقة

فلو قال احدى زوجاتي طالق لغا و كذا لو قال زوجتي سلمى طالق و عنده زوجتان بذلك الاسم أو قال إحداكن طالق.

الفصل الرابع (في شروطه الركنية)

«114» لا يصح الطلاق بعد استجماعه لعامة الأوصاف المتقدمة إلا بحضور شاهدين عدلين يسمعان الصيغة و يعتبر اجتماعهما عند الإنشاء و ان يكونا غير الزوج و الزوجة و غير الوكيل فلو طلق الوكيل بحضور الزوج فلا بد من شاهدين آخرين و يعتبر عدالتهما الواقعية عند المطلق بل و عند الزوج فلو علم بفسقهما أو علما بفسق أنفسهما فلا اثر للطلاق و لا تقبل فيه شهادة النساء و لا يحل به المهر المؤجل.

«المقصد الثاني» (في أقسامه و احكامه)
«115» الطلاق كما عرفت بائن- و غير بائن

و غير البائن- بدعي. و رجعي. و عدي. فالبدعي ما اختل فيه أحد الشروط السابقة كطلاق الحائض أو الطلاق ثلاثا بلا رجعة بينها، و الرجعي، هو

ص: 43

مطلق الطلاق الصحيح مما للمطلق فيه الرجوع سواء رجع أم لا (و العدي) قسم منه و هو ان يطلق على الشرائط ثم يرجع في العدة و يطأ ثم يطلق في طهر آخر، و له حكم خاص و هو انه كما يحرم في كل ثالثة حتى تنكح زوجا غيره نحرم الحرة أيضا في التاسعة حرمة مؤبدة كما تقدم و الأمة في السادسة.

«116» إذا تجرد الرجوع عن الوطء بان طلق و رجع

ثم طلق و رجع و هكذا أو تركها بعد الطلاق حتى خرجت من العدة و تزوجها بعقد جديد ثم طلق- لم تحرم في التاسعة و لوالي مائة مرة نعم يلزمها المحلل في كل ثلاث خلافا لابن بكير أحد رواة أئمتنا (ع) فإنه قال إذا تزوجها بعقد جديد هدم ما قبله و لو مائة مرة و حلت له بلا زوج و قد انفرد بهذا الرأي

«117» يشترط في المحلل البلوغ و الوطي قبلا

بالعقد الصحيح الدائم، و كما يهدم الثلاث يهدم ما دونها و لو ادعت حصول المحلل و كانت ثقة صدقت بلا يمين.

(118) الرجعة كما تحصل بالقول تحصل بالفعل

بل و بالإشارة حتى من القادر على الكلام و لا يشترط فيها الاشهاد و لا أعلامها نعم لو ادعى بعد العدة رجوعه فيها لزمه الإثبات بالبينة فإن عجز فاليمين عليها، و إنكار الطلاق في العدة رجوع.

ص: 44

«المرحلة الثانية» (في الطلاق البائن و توابعه)

اشارة

(و فيها فصول)

الفصل الأول (في أنواع البائن و العدد)
[119] و هي ستة، طلاق غير المدخول بها قبلا و لا دبرا و اليائسة

و هي التي انقطع حيضها طبيعة ببلوغ الخمسين أو الستين و الصغيرة و هي التي لم تكمل التسع، و المختلعة و المبارات مع عدم الرجوع بالبذل، و المطلقة ثلاثا بينها رجعتان و لو بعقد جديد.

[120] تجب العدة شرعا بأسباب

(وفاة الزوج) فتعتد الحرة مطلقا حرة أو امة صغيرة أو كبيرة أو يائسة أو غير مدخول بها بأربعة أشهر و عشرة أيام، و الأمة بنصفها الا الحامل فما بعد الأجلين و أم الولد كالحرة و كذلك المدبرة و المفقود زوجها الذي لا يعرف خبره إذا حصل العلم لها أو الظن المتاخم بموته

(121) العدة في الطلاق و الفسخ بعد الوطي في مستقيمة الحيض ثلاثة أطهار

أحدها ما بقي من الطهر الذي طلقت فيه و لو لحظة ان كانت حرة و الا فطهران كذلك فتبين الحرة برؤية الدم الثالث و الأمة برؤية الثاني، فأقل ما تنقضي به عدة الحرة سنة و عشرون يوما و لحظتان و الأمة ثلاثة عشر

ص: 45

و لحظتان و ليست اللحظة من العدة بل هي كاشفة فلا تصح فيها الرجعة، و يصح فيها عقد الغير، و ان كانت غير مستقيمة الحيض أو هي في سن من تحيض و لا تحيض فعدة الحرة ثلاثة أشهر و الأمة نصفها و عدة الحامل وضع الحمل و لو سقطاً و الذمية كالحرة، و المسترابة قد تبلغ عدتها تسعة أشهر أو أكثر

«122» إذا مات الزوج في أثناء عدة الطلاق

فان كان رجعيا استأنفت عدة الوفاة و ورثته و ان كان بائنا أتمت عدة الطلاق، و لا إرث و يجب على المتوفّى عنها زوجها «الحداد» و هو ترك الزينة و لبس السواد مدة العدة و لا نفقة لها بل تجب للمطلقة الرجعية كما كانت زوجة، و لا تخرج من منزلها إلا لضرورة، و لو طلق بائنا في مرض الموت بغير طلب منها و مات قبل ان تتزوج ورثته إلى سنة و لا ترث البائن إلا هنا، و لا يرثها هو لو ماتت.

(123) تعتد المطلقة من حين وقوع الصيغة و المتوفّى عنها زوجها من حين بلوغ الخبر،

فلو تزوجت بعد عدة الطلاق و تبين انه كان قد توفي في العدة اعتدت ثم عادت لزوجها الثاني.

خاتمة الطلاق (و فيها أمران)

«1» قد عرفت ان الطلاق و لا سيما مع التئام الأخلاق مكروه

ص: 46

أشد الكراهة و ما أحل اللّٰه شيئا أبغض إليه من الطلاق و ان العرش ليهتز منه و تتأكد الكراهة في المريض فان فعل صح و توارثا في الرجعي لو مات في العدة و ترثه هي حتى في البائن إلى سنة كما سبق «2» ذكر الفقهاء ان الغائب إذا لم يعرف خبره و لم يكن لزوجته من ينفق عليها ترفع أمرها إلى الحاكم فيؤجلها و يطلبه اربع سنين فان وجده و الا طلقها و اعتدت عدة الوفاة و جاز لها ان تتزوج فان جاء في العدة فهي له و الا فلا سبيل له عليها تزوجت أم لا، و قصروا طلاق الحاكم الشرعي على هذه الصورة و بتلك الكيفية مع ان الأدلة العامة و الخاصة متوفرة في ان له الولاية على طلاقها في صور أخرى كثيرة يجمعها لزوم الضرر و المشقة الشديدة من بقائها على زوجية ذلك الزوج كالغائب المعلوم محله و لكنه ممتنع عن بذل النفقة لها اما عصيانا أو عجزا بل يأتي ذلك حتى في الحاضر الممتنع كذلك و في المسجون المحكوم بالسجن المؤبد أو خمسة عشر سنة بل و أقل إذا لم يكن عنده مال ينفق عليها الحاكم منه و لا يحصل لها باذل دينا على الزوج أو تبرعا و لا تقدر على اعاشة نفسها بالوسائل الشريفة اللائقة بحالها، بل يجوز للحاكم طلاقها فيما لو كان الزوج مريضا بإحدى الأمراض المعدية كالسل و الجذام و نحوها بعد ثبوت ذلك بشهادة الأطباء و عرضها على الحاكم، و الحاصل إذا ثبت عند حاكم الشرع العسر و المشقة الشديدة الضرر على الزوجة من بقائها في حبالة ذلك الزوج و طلبت الطلاق الزم الحاكم الزوج بان يطلقها فان امتنع

ص: 47

و أصر على الامتناع جاز للحاكم طلاقها و تعتد ثم لها ان تتزوج بعد عدة الطلاق أو الوفاة.

الفصل الثاني (في الخلع و المبارات)
اشارة

و هما من أقسام الطلاق البائن و الأصل فيه قوله تعالى في سورة البقرة (وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّٰا أَنْ يَخٰافٰا أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).

(124) الكراهة ان كانت من الزوج فالطلاق بيده

و ان كانت من الزوجة فلا سبيل لها الى الخلاص منه الا بان تبذل له ما ترضيه سواء كان بمقدار ما أخذت منه من المهر أو أكثر أو أقل على ان يطلقها بالبذل و هو الخلع، و ان كانت الكراهة منهما معا و كان كل منهما يكره الآخر فالمباراة و لا يجوز له ان يأخذ منها أكثر مما أعطاها مهرا.

(125) صيغة الخلع ان يقول خالعتك أو خلعتك على كذا فأنت طالق

و يجوز الاكتفاء بالأولى و الأحوط إتباعه بالطلاق، اما في المبارات فلا بد منه فيقول بارأتك على كذا فأنت طالق و يقول الوكيل خلعت فلانة بكذا بحسب وكالتي عن زوجها و مثله في المبارات و لا بد من قبول الزوجة أو وكيلها بعد الصيغة بلا فصل و يكفي طلب

ص: 48

ذلك منها قبلها و كلما يصح مهرا يصح فدية و لو بانت مستحقه للغير بطل الخلع ان كانت عينا

«126» إذا تم الخلع أو المبارات فلا رجوع للزوج

نعم لها الرجوع بالبذل في العدة فإذا رجعت جاز له الرجوع بها لان الطلاق يعود رجعيا ان شاء رجع و ان شاء ترك و كذا لو لم تدفع البذل اما لو لم يكن لها عدة كالصغيرة و نحوها فلا رجوع لكل منهما لانه بائن طبعا

«127» إذا تنازعا في قدر الفدية أو جنسها

حلفت مع عدم البينة و لو قالت هي على ذمة فلان أو دفعتها لك و أبرأتني فعليها البينة و الا فاليمين عليه.

الفصل الثالث (في الظهار و الإيلاء
اشارة

و الأصل فيها الآيتان في سورة المجادلة و سورة البقرة.

(128) الظهار فعال من الظهر

و المراد به تشبيه من يملك نكاحها بإحدى محارمه و هو محرم تكليفا و تترتب عليه احكام وضعا و أركانه الصيغة و المظاهر و المظاهرة و يتبعه الشروط و الأحكام.

(129) الصيغة أن يقول لزوجته أنت أو فلانة على أو مني كظهر أمي أو أختي أو بنتي

و هكذا من سائر المحارم و لا يقع الا من الزوج اما من الزوجة فلا اثر له و يصح تحديده بوقت كالشهر و السنة فيحل له الوطي بعدها و تعليقه بانقضاء الشهر فيحل الوطي قبله

ص: 49

و على شرط فلو لم يحصل فلا اثر له.

(130) المظاهر يعتبر فيه البلوغ و كمال العقل

و الاختيار و القصد و ان لا يكون سكرانا أو مغمى عليه أو في حال غضب و يصح من الكافر

(131) المظاهرة يعتبر فيها شرائط المطلقة

من الطهارة و عدم المواقعة في ذلك الطهر و ان يكون مدخولا بها و لا يقع بالمتمتع بها و لا الموطوءة بالملك

«132» الشروط حضور شاهدين

عدلين كالطلاق و ان لا يكون في إضرار و لا بصفة اليمين.

«133» الاحكام، إذا وقع الظهار بالأوصاف المزبورة حرم عليه وطئها حتى يكفر

فلو وطئ قبلها لزمه كفارتان واحدة للظهار و اخرى للوطي و لو كرر تكررت و لا كفارة على الوطي جهلا أو نسيانا و لو طلقها حتى خرجت من العدة جاز له ان يتزوجها بعقد جديد و لا كفارة، و يجب عليه بعد الظهار المبادرة الى أحد أمرين اما التكفير و العود، أو الطلاق فان لم يفعل رافعته الى حاكم الشرع فنظره ثلاثة أشهر فاما ان يكفر و يعود أو يطلق و يجبره على ذلك لو امتنع و عليه نفقتها و لو عجز عن الكفارة أجزأه الاستغفار.

(134) كفارة الظهار كبرى مرتبة

العتق فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فان لم يجد فإطعام ستين مسكينا، و كل ذلك منصوص عليه في القرآن المجيد في أول سورة المجادلة.

و كذلك «الإيلاء» مصدر آلى يولي إيلاء إذا حلف و المراد به هنا الحلف على ترك وطي الزوجة مطلقا أو في مدة خاصة.

ص: 50

«135» لا ينعقد الإيلاء إلا بالحلف باللّه عز شأنه

فلو حلف بالعتاق و الطلاق أو بغيرها كان لغوا و لا ينعقد إلا في إضرار فلو حلف لصلاح فلا إيلاء كما لو كان الوطي مضراً به أو بها أو باللبن و لا ينعقد الا على تركه أبدا أو مطلقا أو أكثر من أربعة أشهر.

(136) يعتبر في الحالف ما يعتبر في المظاهر،

و في المرأة الزوجية الدائمة و الدخول، و إذا تم الإيلاء فللزوجة مرافعته لحاكم الشرع فينظره أربعة أشهر من حين المرافعة فإن رجع و كفر و الا خيره الحاكم بين العود أو الطلاق فان امتنع حبسه و ضيق عليه حتى يكفر و يفي ء أو يطلق و لو دافع حتى انقضت المدة اثم و لا كفارة و الكفارة هنا كفارة يمين.

الفصل الرابع (في اللعان)
«137» اللعان المباهلة بين الزوجين لإزالة حد أو نفي ولد

و هو منصوص عليه في سورة النور بعدة آيات، و يلزمه بيان السبب و الشرائط و الاحكام و الكيفية.

(138) سبب اللعان أمران
(أحدهما) نسبة الزنا إلى الزوجة

المحصنة المدخول بها مع دعوى المشاهدة و عدم البينة، و المراد بالمحصنة العفيفة فلو رمى المشهورة بالزنا و لو مرة فلا لعان و لا يجوز القذف الا

ص: 51

مع المعاينة لذات العمل لا بالسماع و لو من الشياع أو الظن

(ثانيهما) إنكار من ولد على فراشه بالشرائط المعتبرة في لحوق الولد به

و ان سكت حال الولادة و لم ينفه ما لم يسبق الاعتراف به صريحا

«139» لو قذفها بالزنا

أو أنكر الولد و اقام البينة فلا حد و لكن لا ينتفي الولد الا باللعان

«140» يشترط في الملاعن البلوغ و العقل

لا الحرية و لا الإسلام، و الأخرس لو عرف اللعان كفت إشارته المفهمة، و يشترط في الملاعنة دوام الزوجية و الدخول و لا تكفي الخلوة و ان أرخيت الستور و البلوغ و العقل و السلامة من الصمم و الخرس فلا لعان بقذف الصغيرة أو المجنونة و لو قذف الصماء أو الخرساء حرمت عليه ابدا بلا لعان

«141» أما الكيفية

فهي أن يقول الزوج اشهد باللّه اني لمن الصادقين فيما قلته على هذه المرأة أربع مرات ثم يعظه الحاكم فان رجع حد و الا قال (أَنَّ لَعْنَتَ اللّٰهِ عَلَيْهِ إِنْ كٰانَ مِنَ الْكٰاذِبِينَ) ثم تقول المرأة أربع مرات (أشهد إِنَّهُ لَمِنَ الْكٰاذِبِينَ) ثم يعظها الحاكم فان اعترفت رجمها و الا قالت «أَنَّ غَضَبَ اللّٰهِ عَلَيْهٰا إِنْ كٰانَ مِنَ الصّٰادِقِينَ» و الواجب التلفظ بهذه الكلمات حال قيامها و بدنة الرجل و تعيينه للمرأة و النطق بالعربية مع القدرة و يجوز الترجمة مع التعذر و ان يكون كل ذلك بمحضر الحاكم و يستحب حضور أربعة شهود

(142) يترتب على تحقق اللعان بالنحو المتقدم عدة احكام

(1) سقوط حد القذف عنه و سقوط حد الزنا عنها فلو نكلت بعد أداء الزوج شهاداته الخمس

ص: 52

حدت حد الزنا أقرت أو أنكرت، و بطلان الزوجية و نفي الولد عنه لا عنها و إذا أكذب الرجل نفسه في الأثناء يحد و تبقى الزوجية و يلحق الولد به اما إذا أكذب نفسه بعد لعانها فلا يرتفع الا سقوط الحد فيحد و لا تحل له و لا يرث الولد و الولد يرثه، و لو أكذبت نفسها بعد لعانها فإن أقرت أربعا حدث و لا تحل له و لا يلحق به الولد

الكتاب الثالث (في الدين)

اشارة

و هو القرض الذي هو أفضل من الصدقة فإن درهمها بعشرة و درهم القرض بثمانية عشر و من شكا إليه أخوه المسلم و لم يقرضه حرم اللّٰه عليه الجنة، و ثوابه و الحث عليه في الشرع الإسلامي عظيم و اجره لا يحصى، و يلزم النظر في أركانه- الدائن و المدين و ما يصح دينه و العقد.

«143» عقد الدين هو ما ينشأ به تمليك عين مضمونة بالمثل أو القيمة

و يكفي فيه كلما دل عليه في الإيجاب و القبول، و الغالب فيه المعاطاة و لا اثر للعقد وحده بدون القبض كالهبة و الوقف و لا بد من اقباض المقرض فلو قبضه المقترض بدون إقباضه أو إذنه لغا و لو كان في يد المقترض لغا و لا حاجة الى إذن جديد و بالقبض

ص: 53

يملكه المقترض و لا يقف على التصرف إلا في المعاطاة.

«144» القرض على الأصح من العقود اللازمة

فلو طلب المقرض رد العين بعد إقباضها لم يجب على المقترض ردها بل يثبت عليه المثل في المثليات أو القيمة في القيميات، و المدار على القيمة وقت الأداء لا وقت القبض و لو دفع العين لم يلزم بغيرها قهرا.

(145) يعتبر في المتداينين البلوغ و العقل و الاختيار

و في الدائن فقط عدم الحجر بفلس أو سفه و ان يكون مالكا لما يقرضه أو وكيلا أو وليا و تجري الوكالة و الولاية في المقترض أيضا فيقترض للمولى عليه أو الموكل مع الغبطة.

[146] يعتبر فيما يصح إقراضه كونه معلوما بالمشاهدة فيما يكفي فيه ذلك

و بالكيل و الوزن و العدد فيما شأنه ذلك، فلو أقرضه كيس طعام غير معلوم الكيل و لا الوزن أو صبره كذلك لم يصح و لم يملكها المقترض

«147» كلما تتساوى أجزاؤه في القيمة و المنفعة

و تتقارب صفاته يصح قرضه و يثبت في الذمة مثله كالحنطة و الشعير و الذهب و الفضة و نحوها و ما ليس كذلك كالجواري و اللئالي تثبت في الذمة قيمة.

الاحكام

«148» كل قرض يشترط فيه ما يجر

نفعا عينا أو منفعة أو صفة ربويا أو غيره كركوب دابة أو عارية متاع

ص: 54

أو نحوه فهو ربا يحرم وضعا و تكليفا لا يجوز للمقترض التصرف فيه و هو مضمون عليه لقاعدة ما يضمن .. و لا يضر اشتراط الرهن فيه و الأجل أو الكفيل

«149» لو باعه الشي ء بأضعاف

بشرط ان يقرضه صح و لكن لو أقرضه بشرط ان يشتري منه زائدا عن قيمته أو يهبه لم يصح، و لو أجل الحال بزيادة فهو ربا سواء كان قرضا أو صداقا أو ثمن مبيع أو نحو ذلك و لو كان بصلح أو جعالة و لو اشترطه في عقد آخر فسد فان الشرط لا يحلل الحرام نعم يصح اشتراطه في البيع و لو كان بأضعاف القيمة و هو من الحل للتخلص من الربا

«150» يجوز تعجيل المؤجل بإسقاط بعضه بإبراء أو صلح

و هو المسمى بصلح الحطيطة و ليس من الربا و كذا يجوز الصلح على تعجيل بعض بزيادة الأجل في الآخر

(151) لو تبرع المقترض

بإعطاء الزيادة للمقرض من غير شرط جاز، فان خير القرض ما جرّ نفعا، و انما يأتي الربا من الشروط و خير الناس أحسنهم قضاء، و اقترض النبي بكرا فرد بازلا،

(152) لا تصح قسمة الدين

فلو كان لاثنين أو أكثر مال على اثنين أو أكثر فنقاسماه بان يكون لأحدهما ما في ذمة زيد و للآخر ما في ذمة عمرو لم يصح و كان الحاصل لهما و التالف عليهما

«153» يصح بيع الدين المؤجل بحال على من عليه و على غيره

بزيادة و نقيصة من غير جنسه أو من غير الربوي و الا فلا بد من المساواة، و كذا يجوز بيع الحال بحال على غيره مع المساواة ان كان ربويا و مطلقا في غيره، اما بيع

ص: 55

المؤجل بالمؤجل فمع المساواة مشكل، مع عدمه أشكل.

«154» لو فقد الدائن اجتهد المديون في طلبه

فان وحده و الا فإن حصل اليقين بموته و لو حسب العادة بعدم بقائه و اختفى خبره في تلك المدة و انه لو كان لبان دفع الدين لورثته و ان لم يكونوا أو تعسر دفعه الى حاكم الشرع.

(155) قيل ان من لا يستطيع الوفاء عادة يحرم عليه الاستقراض

و الأصح جوازه مع نية الوفاء سواء علم المقرض بفقره أم لا و ان كان الاولى الترك و لا سيما مع عدم الضرورة اما مع عدم نية الوفاء فلا إشكال في حرمته مطلقا فإنه سرقة و اختلاس و لا يملك المقترض المال في هذه الصورة و يحرم عليه التصرف به.

(156) من كانت في ذمته دراهم قرضا أو ثمن مبيع أو مهرا أو غير ذلك فسقطت المعاملة بها

فان بقيت لها قيمة يعتد بها فهي اللازمة عليه و ان لم يبق لها قيمة فما يساويها قبل السقوط، اما لو نقصت أو زادت فالعين الا ان تكون الزيادة فاحشة، و لعل المشهور لزوم العين مطلقا حتى مع السقوط مطلقا و هو بعيد.

ص: 56

الكتاب الرابع (في الوصية)

(257) الوصية نوعان

- تمليكية و عهدية و ترجع الاولى الى الثانية و هي اسم مصدر من أوصاه المزيد أو وصاه المضاعف اي عهد إليه يعني جعل الأمر في عهدته أو عهد على نفسه بأمر و الى هذا تعود التمليكية فاصل الوصية العهد و التعهد.

«158» الوصية العهدية إعطاء شخص سلطة بعد الموت على حقوقه الخاصة به لآخر،

و هي التي ندب إليها الشارع و قال هي حق على كل مسلم و من لم يحسنها عند موته كان نقصا في مروته و الأصل فيها قوله تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ- إلى قوله عز شأنه فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.

و يعبر عن هذه السلطة تارة بالولاية و اخرى بالاستنابة أو الوكالة بعد الموت و قد تجب إذا كان عليه واجبات من ديون للمخلوق أو الخالق لا يأمن أن تؤديها الورثة أو برد ودائع أو محافظة على مال قصير و نحو ذلك مما يعود الى كل ما له السلطة عليه في حياته و ما يعود الى حقوقه الشخصية حياً و ميتاً و منه تمليكه بعض أمواله لشخص آخر بعد الموت و هي الوصية التمليكية المعبر عنها بأنها تمليك مجاني بعد الموت

ص: 57

فالتمليك منجز و لكن التملك معلق على الموت اما لو قال ادفعوا له أو ملكوه بعد موتي فهي من العهدية و استيفاء البحث في الوصية يستدعي قطع مرحلتين.

(الاولى) (في الوصية التمليكية)

اشارة

و اللازم النظر في أركانها الأربعة. و الموصي. و الموصى له. و الموصي به. و الوصية

(159) الوصية عند المشهور عقد يحتاج إلى إيجاب و قبول

و الحق انه برزخ بين العقد و الإيقاع كالوكالة و نظائرها فإذا أوجب الموصي و قبل الموصى له صارت عقداً و إذا لم يقبل و لم يرد حتى مات الموصى لزمته و صارت إيقاعا، و الثمرة ضئيلة.

(160) يكفي في الإيجاب من الموصي كلما دل على التمليك بعد الموت

حتى الكتابة و الإشارة من القادر فضلا عن العاجز فلو وجد كتاب بخطه أو خاتمه ان فلانا وصي أو ان داري مثلا لفلان بعد موتي و علم انه أراد ذلك كفي، و اللفظ الصريح لفلان بعد وفاتي كذا أو أعطوه بعد وفاتي كذا أو أوصيت له بكذا.

(161) كذلك يكفي في القبول كلما دل عليه من لفظ أو فعل أو إشارة

بل يكفي عدم الرد الى موت الموصي فتملك الموصى له المال قهراً و لو رد في الحياة ثم قبل ملك بالموت اما لو قيل بعد الرد

ص: 58

و الموت فالمشهور انه لا يملك و كذا لو رد بعد الموت لم ينفع القبول بعده و في الفرق تأمل.

«162» يعتبر في الموصي الكمال بالعقل و البلوغ

فلا تصح من المجنون و لا من الصبي إلا إذا بلغ عشراً و كان رشيدا و لا من المغمى عليه و لا من السكران، و الاختيار و الحرية، ان كانت الوصية بمال و عدم السفه و الفلس الا مع اجازة المولى أو الولي أو الغرماء و من أحدث بنفسه ما يوجب هلاكه من جرح أو شرب سم و نحوها ثم اوصى لم تنفذ وصيته و لعله لدلالته على السفه و لو عوفي و استمر عليها نفذت:

[163] يعتبر في الوصي اي الموصى له- الوجود حال الوصية،

فلو اوصى لميت أو معدوم أو لما تحمله هذه المرأة أو لمن يولد لفلان بطل ان كانت تمليكية و ابتدائية اما لو كانت تبعية كما لو اوصى بها لولده الموجود و لمن يولد له صحت كما يصح في الوقف أو عهدية كما لو اوصى بصوم أو صلاة عن ذمة ميت صحت أيضا كما تصح للحمل الموجود تمليكا و لا تستقر الا بانفصاله حيا كالإرث فلو ولدته ميتا انكشف بطلانها و المدار على حين الولادة لا حين الوصية و لو تعدد قسمت بالسوية و لو اختلفوا بالذكورية و الأنوثية و لو مات بعد الولادة انتقلت الى ورثته إرثا لا وصية.

(164) يعتبر فيه التعيين أيضا فلو أوصى لأحد الرجلين بطل

ان كان على التمليك اما على العهدية فلا مانع و يكون المعهود اليه

ص: 59

مخيرا في تعيين المعهود له، و لو اوصى لنكره أو كلي كفقير أو الفقير صح و تكون عهدية و التخيير للوصي في المصداق.

(165) يعتبر فيه الحرية أيضا

فلا تصح الوصية لعبد غيره بناء على عدم ملكية العبد و لا تجدي هنا اجازة المولى، و تصح الى مملوكه فتنصرف الى عنقه فان ساوت قيمته فلا شي ء له و ان نقصت سعى بالباقي للورثة و ان زادت كان له الزائد كل ذلك حيث لا تزيد الوصية على الثلث و الا وقفت على اجازة الورثة في الزائد.

(166) لا تصح الوصية في المعصية أو ما يؤدي الى الإعانة على الإثم

كالوصية للفاسق الذي يستعين على الغش أو الظالم الذي يستعين بها على الظلم أو عمارة البيع و الكنائس و نحوها و تصح الوصية للذمي و ان كان غير رحم لا للحربي و ان كان رحما.

(167) إذا اوصى لذكور و إناث و أطلق فالتسوية

و ان قال على كتاب اللّٰه فبالتفاوت و ان فضل اتبع حتى لو فضل الأنثى و لو اوصى للأخوال و الأعمام و فضل اتبع و ان أطلق فالتسوية و ان قال على كتاب اللّٰه فللأعمام الثلثان و للأخوال الثلث، و لو اوصى في سبيل اللّٰه فليجمع اعمال الخير و التعيين الموصي و الوصية لقرابته و عشيرته و قومه و أرحامه و هكذا مرجعها الى العرف، و الى الفقراء ينصرف الى فقراء ملته، و الجار ساكن الدار مالكا أو غيره و يرجع في تعيينه الى العرف.

(168) يعتبر في الموصى به كونه مملوكا له و لو بنحو الاستحقاق

ص: 60

أو الاختصاص و قابلا للانتقال فلو اوصى بمال الغير عن نفسه بطل و عن الغير وقف على الإجازة و لا تصح بالوقف و لا بأم الولد و لا بحق القصاص و نحوه من الحقوق كما لا تصح بما ليس فيه منفعة محللة مقصودة للعقلاء اما لخسته كحبة حنطة أو لحرمة الانتفاع به كآلات اللهو و القمار

«178» لا يشترط وجود الموصى به حال الوصية

فتصح بما ستحمله الدابة أو الشجرة و بمنافع الدار في المستقبل مؤبدة أو موقتة و تخرج المنافع من الثلث بتقويم العين مساوية المنفعة ثم تقوم بمنافعها و يكون التفاوت هو الموصى به، و لا يعتبر فيه القدرة على التسليم فتصح بالعبد الآبق و المال الضائع بلا ضميمة، و لا التعيين فتصح بالجزء المشاع و بالكلي و لو في المعين كصاع من صبرة أو صاع من حنطة، و لا المعلومية- فتصح بأحد العبدين أو بما في الصندوق و بالقسط و النصيب و القليل و الكثير و التعيين للوصي أو الوارث بما شاء ان لم يعلم إرادته لمقدار معين و كذا لو اوصى بالعشر من ماله أو الجزء أو السهم.

«المرحلة الثانية» (في الوصية العهدية)

اشارة

بمعنى الوصية إليه لا الوصية له و اللازم أيضا النظر في أركانها الأربعة الوصية و الموصي و الوصي و متعلق الوصية.

ص: 61

(169) تتحقق الوصية هنا أيضا بكل ما دل عليها من لفظ و غيره

و اللفظ الصريح جعلتك وصيا على أداء ديوني و إخراج ثلثي و قيما على الصغار من ولدي أو أنت وصي عني و أمثال ذلك، و القبول كما سبق و يكفي عدم الرد فتكون إيقاعا.

(170) يعتبر في الموصي جميع ما تقدم من البلوغ و العقل و الرشد و الاختيار و الحرية

فلا تصح من الصغير إلا إذا بلغ عشراً و اوصى بمعروف و لا من المجنون و لا من السفيه و لا من المكره و لا من العبد و لا ممن أحدث بنفسه ما يوجب هلاكه.

[171] يعتبر في الموصى إليه أي الوصي

مضافا الى ما يعتبر في الموصى له من الوجود و الكمال بالعقل و البلوغ و الرشد و الاختيار و الإسلام و القدرة على القيام بالوصايا بل و العدالة على الأحوط و ان كان الأقوى كفاية الوثوق بأمانته و قيامه بالواجب في الوصية و ان كان غير عدل في نفسه، فلا تصح الوصية إلى معدوم و لا الى المجنون و لا لصغير الا مع ضم كبير اليه فيتصرف و إذا كبر الصغير ليس له حق الاعتراض إذا كان الكبير قد جاء بالوصايا على وجهها كما لا تصح الوصية إلى السفيه و المكره و الكافر مطلقا و العاجز الذي لا يقدر على العمل و لو توكيلا أو استئجارا كالمريض المدنف و الشيخ الهرم و الضعيف رأياً و تدبيراً و أمثال ذلك و من لا يوثق بأمانته و قيامه بالواجب.

(172) انما تصح الوصية في ثلث أمواله و حقوقه المالية

ص: 62

كحق الخيار و نحوه و كافة حقوقه الشخصية مثل ولايته على أولاده الصغار و شئون تجهيزه كدفنه و تكفينه و الصلاة عليه و وفاء ديونه و رد ودائعه و المطالبة بها و إضراب ذلك.

(173) لا تنفذ وصيته الا بالثلث

فلو أوصى بأكثر وقفت على اجازة الورثة و لو لم يكن له وارث إلا الامام كان له ان يوصي بجميع ماله حيث شاء من وجوه البر و لا تتوقف على إجازة الإمام أو نائبه، و كذا تنفذ وصيته في عامة أمواله فيما لا يزاحم الورثة في جهته المالية كما لو قسم أعيان أمواله على ورثته و خص كل واحد منهم بعين بمقدار حصته و خص ثلثه في دار أو بستان و نحوها مما لا تزيد على الثلث أو باع عينا بثمن المثل منجزا أو بخيار أو اوصى ببيعها بعد موته بثمن المثل فان الجميع نافذ:

[174] كما ان الوصية برزخ بين العقد و الإيقاع كذلك هي برزخ بين الجواز و اللزوم

فما دام الموصي حيا فلكل منهما الرجوع حتى بعد قبول الموصى له أو اليه اما لو رد في حياة الموصي و بلغه و استمر الى ان مات الموصي فلا وصية و ان قبل بعد الرد و بلغ الموصي و لم يعدل الى غيره الى ان مات لزمته الوصية، و لو اوصى شخصا أو اوصى له و لم يعلمه الى ان مات لزمته حتى مع علم الموصي بأنه لو أعلمه لرد، و لو رد و لم يبلغ رده الى الموصي لزمته أيضا.

(175) كل تصرف مالي منجز يخرج من مجموع المال

حتى في مرض الموت و حتى المحاباة كالهبة و العتق و نحوها و كل تصرف

ص: 63

مالي معلق على الموت كالتدبير و الوقف و الإبراء و النذر و نحو ذلك تخرج من الثلث، و كل تصرف يقصد منه حرمان الورثة أو بعضهم أو يجحف بحقهم فهو باطل و يعلم قصد الحرمان بقرائن الأحوال بنظر الحاكم و اللّٰه العالم.

(176) كذلك يخرج من مجموع التركة سواء كان قد أوصى أم لا

- تجهيزاته الواجبة من كفن و غيره حتى السدر و الكافور و تقدم على كل شي ء حتى الديون للخالق أو المخلوق ثم تخرج من الأصل أيضا حقوق المخلوق التي في ذمته قرضا أو غيره مع حقوق المخلوق التي فرضها الخالق كالخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات و الجميع في رتبة واحدة و إذا لم تف التركة وزعت بالنسبة كغرماء المفلس و منها حجة الإسلام و ما وجب من النذر من المستحبات المالية أو الموقوفة على بذل مال كالحج و الزيارة و ما وجب عليه بالإجارة من صوم أو صلاة و نحوهما، فالحقوق المالية تخرج من الأصل اتفاقا مطلقا (و اما الحقوق البدنية) كالصوم و الصلاة فقد يقال ان المشهور خروجها من الثلث فلو لم يوص سقطت و الأصح انها تخرج من الأصل أيضا إلا ان يوصي بخروجها من الثلث اما المستحبات فتخرج من الثلث اتفاقا لو اوصى بها أو نذر الوصية بها.

(177) إذا اوصى و أطلق و انصرف الى إرادة إخراج الثلث

و ان لم يصرح به و إذا صرح أو لم يصرح بمصارف الثلث فاللازم الرجوع الى حاكم الشرع حتى يوزعه على الحقوق المالية

ص: 64

و البدنية ان كانت عليه كما هو الغالب و لم يخرجها الورثة من الأصل كما هو المتعارف و إذا لم يكن عليه واجبات يوزعها الوصي بنظر حاكم الشرع في المستحبات فإنه أعرف باختلاف المقامات و رعاية المناسبات و تشخيص الأهم فالأهم، و إذا لم يف الثلث بالواجبات تعين أخذ التتمة من الأصل.

«178» إذا اوصى بوصايا متعددة

فإن تناقضت كما لو قال ثلثي لزيد ثم قال لعمرو فالعمل على الأخيرة و يكون عدولا و الا تعين العمل بالجميع، و ان كان فيها واجب و مستحب قدم الواجب و ان تأخر بالذكر و ان كانت كلها مستحبات و لم يف بها الثلث و لم تجز الورثة قدم الأهم فالأهم فإن تساوت قدم الأول فالأول فإن تساوت كما لو قال لكل واحد من أرحامي مائة وزع عليهم و ان لم يمكن فالقرعة كما لو علم الترتيب و اشتبه.

«179» الثلث الذي يتعين لإخراج الوصايا منه يخرج من مجموع ما يملكه الميت قبل الوصية

أو بعدها حتى من الحقوق كحق التحجير و الشفعة و الخيار و القصاص و أرش الجنابة إذا كان وليا على المجني عليه فمات قبل الاستيفاء و أمثال ذلك بل و حتى ما يملكه أو يدخل في حكم ملكه بعد الموت كدية الخطأ بل و العمد مع الصلح اما دية قطع رأسه فهي له أجمع، كالجنابة عليه بعد موته و ما يملكه بسبب سابق على الموت كما لو نصب شبكة للصيد أو لاحق كما لو أبرأه الغرماء أو تبرع متبرع بوفاء دينه.

ص: 65

(181) ما يتلف من التركة قبل إخراج الثلث

ان كان بتفريط الورثة فالضمان عليهم و ان كان بتقصير الوصي فعليه و الا فالتلف على الجميع حتى الثلث بالنسبة فيلحق النقص بالوصايا على نسبتها أيضا.

(182) إذا اوصى بما زاد على الثلث و أجاز الورثة لم يكن لهم الرد بعد ذلك مطلقا

حتى في حياة الموصي و لو أجاز البعض فقط نفذ في حصته كما يجوز للجميع اجازة البعض أو البعض البعض، اما الرد فلا اثر له في حياة الموصي و لهم الإجازة بعد موته و لو وقع بعد موته فلا اجازة بعده و هي تنفيذ لفعل الموصي لا ابتداء عطية من الوارث فلا تجري عليها أحكام الهبة من اعتبار القبض و جواز الرجوع و ينتقل الملك فيها من الموصي الى الموصى له لا من المجيز فلو كان ممن ينعتق عليه لم ينعتق بالإجازة، و هي كاشفة لا ناقلة، و لا عبرة بإجازة الصبي و المجنون اما السفيه و المفلس ففيه خلاف و العدم أقرب.

«183» لو اوصى بحرمان بعض الورثة من الإرث ولدا أو غيره لغت وصيته

نعم يمكن حرمانه من الثلث ان تركه للورثة.

«184» إذا مات الموصى له في حياة الموصي

فإن رجع الموصي كان المال له و لورثته و لا حق لورثة الموصي له أصلا و ان لم يرجع فالقاعدة و ان اقتضت البطلان و لكن المشهور انتقال حق القبول للورثة لرواية قاصرة الدلالة و السند و العمل على المشهور أرجح بناء على ان القبول حق فينتقل الى وارثه و ان كان لا يخلو من نظر، و ان مات بعد الموصي انتقل المال الموصى به الى ورثة الموصي له بناء على الانتقال

ص: 66

بموت الموصي مطلقا و لو قبل القبول و القبض، و المدار على الوارث حين موت الموصي لا الموصى له و من الموصي ينتقل إليهم لا الى مورثهم ثم إليهم و ان كان الانتقال اليه ثم إليهم لا يخلو من وجه و يظهر الأثر في وفاء ديونه منه و ثلثه و استحقاق الزوجة منه و عدمه لو كان أرضا و غير ذلك من الثمرات.

«185» الوصي أمين

فلا يضمن ما يتلف بيده بغير تقصير منه، و لو كان له دين على الميت جاز ان يستوفيه من دون بينة و لا مراجعة حاكم و كذا يقضي ديونه التي يعلم بها و رد ودائعه إلى أهلها ورد المغصوب و العارية إلى مالكه، و ان يشتري بالقيمة العادلة لنفسه و ان يقترض من التركة و ان يأخذ أجرة المثل لعمله ان كان مما له اجرة عرفا و الاولى للغني ان يستعفف و للفقير ان يأكل بالمعروف و الأحوط في جميع ذلك مراجعة الورثة في أكثر تلك الموارد كوفاء الديون و نحوها دفعا للتهمة، و هو كالوكيل لا يجوز له ان يتعدى ما نص عليه الموصي و ما حدده فان تعدى ضمن و مع الإطلاق فلا يتجاوز المتعارف و حيث لا متعارف عمل برأيه طبق المصلحة و ليس له ان يوصي الى غيره الا إذا صرح له الموصي بذلك و الا فالوصية بعده لحاكم الشرع كما انه لو فسق أو خان فالأحوط بل لعله أقوى رجوع الأمر إلى الحاكم فاما ان يضم إليه أمينا و اما ان يعزله الا ان يكون الموصي قد اشترط عدالته فينعزل بالخيانة و الفسق قهرا و يستقل الحاكم بها.

ص: 67

«186» يجوز بل يجب للولي على الصغار أو القاصرين لسفه و نحوه ان يجعل وليا عليهم بعد موته

و لا تصح من الأب مع وجود الجد الجامع لشرائط الولاية و لا من الجد مع وجود الأب كذلك و لا من الام و لا سائر الأرحام و إذا فقدا و لم يعينا قيما فالولاية لحاكم الشرع لا غير و له الإنفاق عليهم بالمعروف و القول قوله في الإنفاق و قدره مع بقائه على الامانة و لا يضمن الا مع التقصير في قدره و تلفه و ما أنفق منه كل ذلك بيمينه إذا نازعوه بعد كبرهم و لا يدفع لهم أموالهم إلا بعد ثبوت بلوغهم و رشدهم، و لو ادعى الدفع فانكروه فالقول قولهم بيمينهم.

«187» عرفت ان منجزات المريض عند المشهور محاباة

و غيرها تخرج من الأصل و لا تتوقف على اجازة الورثة و كذلك إقراراته مع عدم التهمة، و عندنا ان المقامات تختلف فالأولى بل الأحوط الرجوع في مثل هذه المقامات الى حاكم الشرع لتشخيص ان التصرف على حقيقته أو الغرض منه الحرمان أو شي ء آخر فيعطي لكل نوع حكمه.

«188» قد عرفت رجحان الوصية أو وجوبها

و لكن الأرجح أو الأوجب للمؤمن ان يكون هو وصي نفسه و لا يتكل على غيره من قريب أو بعيد فيأتي بكل ما يمكن تنجيزه من وفاء ديونه و أداء الحقوق التي عليه من خمس أو زكاة أو مظالم أو غيرها و يقضي فوائته من الصوم و الصلاة مع التمكن ورد الأمانات إلى أهلها

ص: 68

فإن تعذر عليه شي ء من ذلك أو كله عهد به موضحا و مفصلا إلى ثقة أمين و لا يوصي وصية مجملة مبهمة تستوجب حيرة الوصي و حاكم الشرع كما هو المتعارف في هذا الزمان خصوصا عند الاعراب و اللازم على أهل العلم المترددين عليهم ان يعلموهم و يوضحوا لهم شئونها و ما يلزم بيانه و ما يصح مما لا يصح فيها فان اللّٰه عز شأنه ما أوجب على الجهال ان يتعلموا حتى أوجب على حملة العلم ان يعلموا، و ليكن هنا ختام مباحث الوصية سائلين من الحق تقدست عظمته ان يختم لنا بالحسنى و يجعلنا من خيرة الأوصياء و الموصين و العلماء العاملين و هو حسبنا و نعم الوكيل

ص: 69

(الكتاب الخامس) (في الوقف)

اشارة

و قد جرت عادة الفقهاء على التعبير عن هذا العمل الخيري بهذا العنوان الذي لم يرد التعبير به في الكتاب الكريم أصلا، و لا في السنة و الحديث الا نادرا و انما التعبير الشائع عنه في السنة و أحاديث الأئمة سلام اللّٰه عليهم هو الصدقة و الصدقة الجارية، و في أوقاف أمير المؤمنين و الزهراء سلام اللّٰه عليهم هذا ما تصدق به علي و فاطمة و وردت أخبار كثيرة في فضله و الحدث عليه و لكن بعبارة (الصدقة الجارية) و انه لا ينفع ابن آدم من بعده الا ثلاث ولد صالح و علم ينتفع به و صدقة جارية و قد استفاض هذا المضمون في اخبار أهل البيت (ع) و لكن المؤسف ان هذا المشروع الخيري قد انعكس و صارت الأوقاف الخيرية العامة اكلة و العوبة بأيدي المتنفذين يستغلونها لأنفسهم و ينفقون أكثرها في شهواتهم، و لا حسيب و لا رقيب و لا سامع و لا مجيب، أما الأوقاف الخاصة فقد صارت من أقوى أسباب الفتن و الفساد و البغضاء و الشحناء بين الأقارب و من أشد دواعي تقاطع الأرحام و إثارة الدعاوي و الخصومات بل كثيرا ما ينجر الى خراب الوقف و اضمحلاله فضلا عما يترتب عليه من تلف الأموال بل و النفوس، كل ذلك من الجهل الفاشي و غلبة الحرص و الاستبثار

ص: 70

و مصارع العقول (كما يقال) تحت بروق المطامع، فلا حول و لا قوة و قد عرفت في بعض الأجزاء المتقدمة- ان التمليك المجاني ان كان لا بقصد القربة فهو الهبة و ان كان بقصد القربة أو لزومها فهو الصدقة بمعناها العام و هي نوعان منقول و هو واجب و مستحب فالواجب الزكاتان زكاة الأموال المنوه عنها بقوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ الى آخرها، و زكاة الأبدان المشار إليها بقوله عز شأنه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّٰى وَ ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّٰى، و الصلاة في الكتاب الكريم دائما أو غالبا مقدمة على الزكاة إلا في هذا المقام لأن الفطرة يجب تقديمها على صلاة العيد، اما المستحب فهي الصدقة المتعارفة كإعطاء درهم أو كسرة خبز و نحوها للفقير، و اما غير المنقول كالدار و العقار و نحوها و هي أيضا نوعان فإنه إذا أخرج العين من ملكه و ملكها لغيره بقصد القربة و الدوام فهو الوقف و ان لم يملك القربة بل ملك المنافع فقط مدة معينة فهو الحبس و فروعه من العمرى و الرقبى و السكنى- هذا على طريقة المشهور من ان الوقف إخراج عن الملك و تمليك للغير و جعلوا الفرق بينه و بين الحبس كالفرق بين البيع و الإجارة و من أجل هذا وقعوا في محاذير أشكل عليهم التفصي عنها، و التحقيق عندنا ان الوقف ليس إخراجا عن الملك و لا تمليكا للغير بل هو تقييد الإنسان ملكيته المطلقة، فأنت حين تملك دارك تملكها ملكية مطلقة صالحة للنقل و الانتقال حسب إرادتك فتبيعها أو تهبها و تفعل بها ما تشاء و حين أوقفتها أو وقفتها قيدت

ص: 71

ملكيتك فلا تقدر على بيعها و لا رهنها و لا اي تصرف بتعلق برقبتها فهذه ملكية واقفة مقيدة و تلك متحركة مطلقة لان المالك قيد نفسه و منعها بالوقف عن التصرف فيها من حيث النقل لا انه أخرجها عن ملكه نعم ملك منافعها لغيره فالوقف من هذه الجهة مثل التحبيس و أنواعه و هذا المعنى هو المطابق تماما لما في الحديث النبوي (حبس الأصل و سبل المنفعة) نعم يفترق الوقف عن الحبس من وجهين (الأول) انه في الوقف منع نفسه عن التصرف بالعين مع بقائها في ملكه بخلافه في التحبيس فإنه بتصرف بها كيف شاء (الثاني) انه ملك المنافع للغير في الوقف ملكية دائمة في التحبيس ملكية موقتة و بهذا التحقيق تنحل جملة من المشكلات التي سيأتي الإشارة إلى بعضها،، ثم ان مطلق الوقف على نوعين خاص- و عام- فالخاص ما كان على افراد معينين متعاقبين و العام ما كان على الجهات العامة كالقناطر و المساجد و المدارس و يلحق بالعام ما كان على كلي كالفقراء و طلاب العلوم.

و اللازم النظر في أحكام الوقف المشتركة بين جميع أنواعه و بيان أركانه الأربعة صيغة الوقف- الواقف. و الموقوف، و الموقوف عليه، ثم الأحكام العامة فهنا خمسة فصول.

ص: 72

الفصل الأول (في الوقف و صيغته و شروطه)

«189» المشهور اعتبار الصيغة الخاصة في الوقف

فلا يصح بدونها و اللفظ الصريح هو وقفت أو تصدقت و اختلفوا في كفاية مثل حبست و أبدت و الأصح كفاية كل لفظ يدل عليه و لو بالقرينة مع قصد معناه و لا يلزم العربية و لا الماضوية و تكفي الجملة الاسمية مثل قول القائل داري وقف قاصداً بها الإنشاء، و كذا لو قال حبست داري و قصد الوقف مع القرينة.

«190» بناء على اعتبار الصيغة فلا يصح الوقف بالمعاطاة

كما لو دفع الدار قاصدا انها وقف عليه نعم ذكر بعض الفقهاء انه لو بنى مسجدا و اذن للناس بالصلاة فصلى فيه مسلم صح الوقف و صار مسجدا و كذا في القناطر و الخانات و أمثالها من الخيرات العامة و كذا في مثل الحصر و البواري و كل ما يلزم للمساجد و المشاهد من الآلات و الأصح عندنا انها وقف عملي على الجهة و يصح بهذا النحو من المعاطاة في مثل هذه الأشياء و لا يطرد في غيرها.

(192) المشهور ان الوقف عقد يتوقف على الإيجاب و القبول،

و القبول في الوقف الخاص يكون من المتولي و في الأوقاف العامة من حاكم

ص: 73

الشرع، و الأصح عدم لزومه و ان كان هو الأحوط و الوقف على الصغير يكفي فيه قبول وليه.

«192» المشهور اعتبار القربة في صحة الوقف

و خالف فيه السيد الأستاذ قدس سره للإطلاقات و الأقوى عندنا اعتبارها لما عرفت من ان الوقف صدقة و الصدقة قوام حقيقتها بالقربة و بها تمتاز عن الهبة فقصد القربة في جميع أنواع الوقف لازم و هي ممكنة حتى من الكافر.

«193» من شروط الوقف الركنية الإقباض

و قد عرفت ان جميع التمليكات المجانية لا تحصل و لا تصح الا بالقبض و هو شرط الصحة فلو أوقف و مات الواقف أو الموقوف عليه قبل القبض لم يكن لوقفه اي اثر و يكون ميراثا ففي الخبر كل ما لم يسلم فصاحبه بالخيار و كل ما سلم فلا خيار فيه، و لا يشترط في القبض الفور فيصح و لو اقبضه بعد مدة طويلة.

«194» إذا أوقف على أولاده الصغار يكفي نية القبض عنهم

ان كان الوقف بيده و الا احتاج الى قبض جديد و لو كان الوقف بيد الموقوف عليه أو وكيله أو وليه كفي، و لو وقف مسجدا أو مقبرة كفى في لزومه صلاة واحدة و دفن ميت واحد بقصد كونه مسجدا أو مقبرة، و الوقف على الجهات العامة لا بد فيه من قبض المتولي أو حاكم الشرع أو وكيله.

(195) من شروطه الركنية أيضا الدوام

بمعنى عدم توقيفه بمدة قلت

ص: 74

أو كثرت و هو داخل في حقيقة بمعنى جعل الملك واقفا لا يتحرك ابدا و هو المائز بينه و بين الحبس الذي هو إيقاف منافعه مدة معينة

(196) أو وقف على من ينقرض غالبا

كما لو وقف على أولاده الصلبيين و لم يذكر من بعدهم فقيل يكون وقفا منقطع الآخر و قيل حبساً ثم يعود اليه أو الى ورثته و قيل يبطل رأسا و خيرها أوسطها و بشكل عوده بناء على المشهور من خروجه عن ملك الواقف و ينحل على طريقتنا.

(197) و من شروطه أيضا التنجيز

فلو علقه على شرط كقدوم زيد أو صفة كأول الشهر لم يصح على المشهور نعم لو علقه على صفة حاصلة كيوم الجمعة فإذا قال ان كان هذا يوم الجمعة فهو وقف صح

(198) ذكروا ان من شروطه إخراج نفسه من الوقف

و استدلوا باخبار لا دلالة فيها و حيث ان حقيقة الوقف هو تغيير نحو الملكية فلا مانع من جعل ملكه واقفا عليه و على جماعة مخصوصة لا ينتقل عنه و عنهم الى غيره فان تم الإجماع فهو و الا فلا مانع.

(199) لو وقف على أولاده أو على جهة عامة

و اشترط أداء ديونه من غلة الوقف فالمشهور البطلان و كذا لو اشترط إدرار مئونته لأنه يعود الى الوقف على النفس و اللازم هنا التفصيل بين ما لو وقفه ان عليهم و على إيفاء ديونه فيبطل الثاني فقط و ان وقفه عليهم و اشترط يؤدوا دينه أو يقوموا بنفقته فالصحة، و لو اشترط إدرار مئونة عياله أو وفاء دينهم صح و لو كانوا واجبي النفقة، و لا فرق بين كون الديون

ص: 75

للناس أو حقوقا شرعية كالخمس و الزكاة و الحج و نحوها سواء اشترط أدائها في حياته أو بعد مماته و كذا لو اشترط الزيادة أو قرائه القرآن عنه أو على قبره و الوقف في جميع هذه الصور وقف خاص و ليس من الوقف العام الخيري.

(200) إذا عين الواقف متوليا خاصا و لو نفسه تعين

و ان لم يجعل متوليا فالولاية في الوقف العام لحاكم الشرع و في الخاص للموقوف عليهم فان تشاحوا و لم يتفقوا رجع الأمر أيضا الى الحاكم و يجوز ان يعين مقدارا من غلة الوقف للمتولي و لو نفس للواقف و ليس هو من الوقف على النفس بل على العنوان و هو حق التولية زاد عن اجرة عمله أو نقص و لو عين له مقدارا كمائة درهم و لم تزد علة الوقف على ذلك لوحظ اجرة أمثاله و أخذ بالنسبة و حق التولية جزء من الوقف لا استثناء من الوقف.

(201) لا مانع من وقف العين من حيث بعض منافعها دون بعض

فيوقف النخيل مثلا من حيث ثمرها لا من حيث حطبها و كربها و البقرة من حيث لبنها لا من حيث حرثها و الكتاب من حيث المطالعة لا الاستنساخ فتبقى ما عدي الجهة الموقوفة على ملكه و لكن لا حق له في بيع العين و ان كانت أكثر منافعها مملوكة له، و الوقوف على ما يقفها أهلها واف بصحة ذلك.

(202) الوقف على الجهات العامة كالمدارس و المنازل و الفنادق للمسافرين و نحوها

يجوز للواقف الانتفاع بها كسائر الناس اما الوقف

ص: 76

على العنوان مثل الفقهاء و الفقراء و طلبة العلوم ان كان منهم أو دخل فيهم فان كان الوقف على التوزيع أشكل دخولهم على المشهور و ان كان على نحو الجهة و المصرف جاز على الأصح و كذا لو وقفه على امام المسجد و نحوه و صار هو امام المسجد.

«203» و لو اشترط في الوقف عوده اليه عند حاجته فالمشهور صحة الشرط

و قيل بالبطلان و قيل يصح حبسا و هو الأصح بناء على اعتبار التأييد في الوقف و بناء على عدمه فالأول و في بعض الاخبار دلالة على الثاني و لا يبعد حمله على الحبس لا البطلان مطلقا

الفصل الثاني (في شروط الواقف) [204] يشترط فيه البلوغ و العقل

و الاختيار و الحرية و عدم كونه محجورا لفلس أو سفه، و في بعض الاخبار صحة وقف من بلغ عشرا كصحة وصيته و هو مع ثبوت رشده متجه، و يصح وقف الكافر إذا حصلت منه نية القربة حتى لو كان على البيع و الكنائس و بيوت النيران و أمثالها.

الفصل الثالث (في شرائط العين الموقوفة)

(205) يشترط في الموقوف ان يكون مما يمكن الانتفاع

ص: 77

به مع بقاء عينه فلا يصح وقف شي ء من المنافع مثل سكنى الدار و ركوب الدابة و لا وقف الأعيان التي لا ينتفع بها إلا بإتلافها كاعيان المأكولات قاطبة و المشروبات أيضا و لا يصح وقف الدين مع بقائه على هذا العنوان و لا وقف الكلي في ذمة الواقف لعدم الانتفاع به الا بتشخيصه، و مناقشة السيد الأستاذ قدس سره في ملحقات العروة واضحة الضعف، و لا حاجة الى الإجماع بل في الأصل و القاعدة كفاية.

(206) لا يصح وقف المجهول مطلقا

فلو قال وقفت شيئا أو دارا أو عبدا لغا و لا وقف عبد من عبدين و دار من دارين و لا وقف الكلي في المعين كمائة ذراع من هذه الأرض كل ذلك للأصل و عدم عموم يصلح لشمول مثل هذه الفروض النادرة و المعلومية و عدم الجهالة معتبرة في جميع العقود و مناقشات الأستاد لا محل لها.

(207) لا تضر الإشاعة في صحة الوقف إجماعا

مطلقا سواء وقف مشاعا في المعين أو مشاعا في المشاع نعم لا يصح الإبهام كما لو وقف حصته في داره.

(208) من شروط الموقوف ان يكون صالحا للملكية

فلا يصح للمسلم وقف الخنزير مثلا و لو على الكافر نعم لا يصح من الكافر على الكافر و كذا لا يصح وقف الأعيان التي لا قيمة لها اما لكرامته كالحر أو لخسته كالكلب و الحشرات و ما يلحق بها من المستقذرات و ان يكون مملوكا له فعلا فلا يصح وقف مال الغير الا على نحو

ص: 78

الفضولية ان قلنا بعمومها.

(209) من شروطه أيضا إمكان الإقباض عادة لا إمكانه ذاتا

فلا يصح وقف الطير في الهواء و ان كان مالكا له إذا كان مما لا يعود عادة و لا العبد الآبق كذلك و لو مع الضميمة و ان صح بيعه معها و لا العين المغصوبة التي لا يقدر عادة على ردها لا هو و لا الموقوف عليه

[210] يعتبر في الموقوف أيضا ان يكون مما يبقى بعنوانه زمانا يعتد به

فلا يصح وقف مثل الورد و الريحان و أمثالها مما لا تبقى الا زمنا قليلا.

(211) يعتبر فيه أيضا ان لا يكون مما يحرم اقتناؤه

و يجب إتلافه كالأصنام و آلات القمار و اللهو، و ان تكون المنفعة المقصودة بالوقف محللة فلا يجوز وقف الدار أو الدكان لبيع الخمر أو آلات القمار فيه و الدابة لحمل الخمر و الخنزير عليها.

(212) يصح وقف الدراهم و الدنانير إذا أمكن الانتفاع بها منفعة محللة مع بقاء عينها

و لكن لا يصح بعد وقفها الشراء بها و لا اقراضها و لا رهنها لان الوقف لا يصلح للنقل و الانتقال نعم يصح إعارتها و إجارتها و نحو ذلك مما لا يوجب نقل عينها.

(213) يصح وقف ما لا منفعة فيه فعلا و لكنه مستعد لها

كالفسيل المغروس و نحوه نعم لا يصح وقف الخضراوات و نحوها مما لا ينتفع به الا بجذاذه

(214) يشترط في العين الموقوفة ان لا تكون متعلقة حق للغير

فلا يصح وقف العين المرهونة و لا أم

ص: 79

الولد و لا المكاتب و يجوز وقف المدبر و يكون رجوعا.

الفصل الرابع (في شروط الموقوف عليه)

(215) يعتبر ان يكون موجودا حال الوقف

فلا يصح على المعدوم الذي يمكن وجوده كمن يولد له من هذه المرأة فضلا عن المعدوم الذي لا يمكن عادة وجوده و لا على الموجود الذي صادف موته حين الوقف بل ظاهرهم الإجماع على عدم صحة الوقف على الحمل مع أنهم أجازوا الوصية له.

اما المعدوم فلعدم أهليته للملكية لأنها عرض لا بد له من موضوع موجود مضافا الى عدم إمكان القبض و كذلك الحمل و للمناقشات هنا مجال واسع و لكنك عرفت ان الأصل في كل مورد من موارد الشك عدم الصحة أو العمومات قاصرة، و هذه الفروع نادرة، لم يرد بها سيرة و لا سنة فالعمل بها هو المشهور من عدم الصحة متعين.

(216) لو وقف على موجود و معدوم صح في الموجود و بطل في المعدوم بمقدار حصته،

و لو وقف على موجود و بعده على معدوم أو بدء بالمعدوم بطل في المعدوم بلا إشكال أما الموجود فقولان و لو قيل بالصحة حبسا في الأول بل و في الثاني كان له وجه.

(217) يجوز الوقف على المعدوم تبعا للموجود

فلو قال وقفته

ص: 80

على أولادي الموجودين و على من يولد لي صح بل لو قال و هم بعد وجودهم مقدمون في الوقف على الموجودين صح أيضا كما يصح على أولاده نسلا بعد نسل و بطنا بعد بطن فيكون وقفا على الطبقات تشريكا أو ترتيبا، هذا هو الشرط الأول من شروط الموقوف عليه اعني الوجود

[218] (الشرط الثاني) ان يبتدأ الوقف بمن له أهلية التملك حين الوقف

فلا يجوز الوقف على المملوك بناء على عدم ملكيته و لا على الحربي و لا المرتد الفطري بناء على عدم أهليتهم للتملك و في الجميع نظر، و عدم جواز الوصية له كما في صحيحة محمد ابن قيس «لا وصية لمملوك» لا يقتضي عدم جواز الوقف عليه الا على القياس الفاسد.

(219) «الثالث» التعيين فلا يصح الوقف على أحد الشخصين أو أحد المسجدين،

و هو شرط في عامة العقود بل و في عامة الإيقاعات لأن معانيها كالاعراض الخارجية التي لا تتحصل إلا في موضوعات متعينة ذهنا أو خارجا و مفهوم أحدها لا يتعين فيه أصلا فما اختاره الأستاد قدس سره من الصحة غير سديد.

«220» «الرابع» ان لا يكون موقوفا عليه لصرفه في المعصية

أو مع العلم بأنه يستعين به على المعصية.

«221» يجوز وقف المسلم على الكافر بعنوانه الخاص

لا من حيث كفره إذا لم يكن فيه اعانة له على المعاصي أو مساعدة على الكفر سواء كان رحما أم لا ذميا أو غيره لانه من البر و الإحسان

ص: 81

المحبوب شرعا لمطلق الإنسان بل حتى للحيوان المؤيد ذلك بكريمة قوله تعالى لٰا يَنْهٰاكُمُ اللّٰهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيٰارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ و لا تعارضها آية لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ فإن النهي عن المودة من حيث المحادة لا من حيث البر و الإحسان أو تأليف القلوب و نحوها من الجهات الراجحة عقلا و شرعا اما الوقف عليهم بالعناوين العامة كالفقراء أو الغرباء و نحو ذلك مما علم قصد الواقف العموم فلا ينبغي الإشكال فيه.

الفصل الخامس (في الاحكام

اشارة

و فيه مقصدان)

«المقصد الأول» (في الألفاظ التي تقع في كلام الواقفين
اشارة

و هي تتعلق بجهة الموضوع و لا بد من)

تمهيد مقدمة

اعلم ان المدار في الألفاظ التي يستعملها الواقف أو الموصي أو الواهب في إنشاء الوقف و الوصية و الهبة و نحوها انما هو على ما قصده المتكلم من اللفظ لا على ما هو الموضوع لغة أو عرفا فإذا كان معنى الفقر مثلا لغة أو شرعا هو من لا يملك قوت سنة و قصد الواقف منه

ص: 82

في صيغة الوقف خصوص من لا يملك قوت يومه فالوقف يختص بما قصده من لفظ الفقير لا ما هو مدلوله شرعا أو لغة و هذا هو المعيار لا في الوقف و أخواته فقط بل عليه المدار في سائر العقود حتى البيع و الإجارة و أضرابها و لعله يندرج في قولهم العقود تابعة للقصود، هذا إذا علم مراد المتكلم و قصده من اللفظ حقيقة أو مجازا أو غلطا، اما حيث لا يعلم المراد فهنا تأتي قضية الوضع لغة أو عرفا فان كان للفظ عرف خاص للمتكلم حمل عليه و الا فالعرف العام و الا فالمعنى اللغوي كل ذلك حيث لا قرينة حال أو و مقال تعين مراد المتكلم و إذا كان له معنى شرعي و معنى لغوي مثلا و تردد معنى اللفظ بينهما و لا قرينة صار مجملا يرجع في القضية إلى الأصول الموضوعية أو الحكمية و لو وقف على الفقير و تخيل ان معناه لغة أو عرفا هو من لا يملك قوت يومه و كان معناه في الواقع عند العرف أو اللغة من لا يملك قوت شهره مثلا فان قصد الوقف على المعنى الذي نخيله تعين و ان قصد الوقف على المعنى الواقعي و تخيله هو من لا يملك قوت يومه من باب الخطأ في التطبيق فالوقف يكون على ما هو معناه واقعا لا ما تخيله فليس المدار على الواقع مطلقا كما في عبارة السيد الأستاد «قده» بل يختلف الحال باختلاف نحو القصد و اتجاهه فتدبره فإنه نافع في كثير من الموارد.

(222) من وقف على الفقراء انصرف اللفظ الى فقراء ملته

فالمسلم لفقراء المسلمين و هكذا بل الى فقراء مذهبه فالإمامي إلى فقراء

ص: 83

الإمامية و هكذا الا ان يكون ظهور حال أو مقال في إرادة عموم الفقراء كما هو مقتضى وضعه و كذا لو وقف على فقراء قرية أو بلد فان لم يكن فيها من أبناء مذهبه أحد مع علمه كان قرينة على العموم و مع عدم علمه فالأرجح العموم أيضا و الأحوط الانتظار.

«223» الوقف على العنوان ان كان افراده محصورة

فالظاهر ارادة التوزيع بالاستيعاب و ان كانت غير محصورة فالظاهر ان الوقف على الجهة و بيان المصرف فيجوز حينئذ دفعه الى واحد أو اثنين الا ان يكون المال كثيرا عرفا فاللازم صرفه على جماعة معتد بها و ان لم يلزم الاستيعاب و لا المساواة بين الافراد كما في المحصورين و لو كان للمتولي ولاية مطلقة فله الترجيح بالفضل و الفقر فيأخذ بقاعدة (المعروف على قدر المعرفة).

(224) إذا وقف على المسلمين فهو لكل من يدين بدين الإسلام

من جميع المذاهب في الفروع و الأصول فيشمل الأشعرية و المعتزلة و الإمامية و الظاهرية كما يشمل المذاهب الأربعة أو الخمسة في الفروع الا من أنكر ضروريا من ضروريات الذين كوجوب الصلاة أو الحج أو محبة أهل البيت سلام اللّٰه عليهم أو غالى فيهم فاتخذهم أربابا فإن هؤلاء شر من أولئك فالجميع من النواصب و الغلاة كفار و ان انتحلوا الإسلام و شهدوا الشهادتين نعم يشمل المستضعفين من النساء و الأطفال حتى المحكوم بإسلامهم بالتبعية و لو كان الواقف ناصبيا أو خارجيا أو مغاليا فلا يبعد شموله لأبناء نحلته

ص: 84

و خصه بعض علمائنا بالمحقين من المسلمين إذا كان الواقف منهم و فيه نظر، و لو وقف على الشيعة اختص اليوم بالإمامية و ان كان في الاصطلاح القديم يشمل الزيدية و غيرهم ممن يقول بامامة علي و أولاده عليهم السلام كالاسماعيلية و غيرهم و ان لم يقل بالاثني عشر نعم لو كان الواقف من غير الإمامية يشمل أبناء نحلته قطعا و في شمول غيرهم تأمل أقربه الشمول.

(225) إذا وقف في سبيل اللّٰه انصرف الى جميع أنواع الخيرات و المبرات و وجوه البر

و لا يختص بالجهاد و يكون التخصيص و الترجيح لبعض دون بعض منوطا بنظر المتولي و لو استعان بمراجعة حاكم الشرع لتعيين الأهم فالأهم كان أولى

(226) إذا وقف على أرحامه أو أقاربه دخل كل من هو من عشيرته و أسرته عرفا

و إذا قال الأقرب فالأقرب فعلى طبقات الإرث و إذا وقف على اخوته دخل إخوة الأب و الام و الاخوة من كل منهما و لا يدخل أولادهم و كذا الأعمام و الأخوال و الأجداد و الجدات و لو وقف على أولاده فالذكور و الإناث بل و الخنثى و الجميع بالسوية الا ان يقول على ما فرض اللّٰه فيجري مجرى الإرث و له ان يفضل الإناث على الذكور و لو وقف على البنين أو البنات لم تدخل الخنثى و لو وقف عليهما دخلت بناء على عدم كونها طبيعة ثالثة و لو قال على أولادي اختص بالصلبي و قيل يعم ولد الولد و الأصح الاعتماد على القرائن و الا فالأخذ بالمتيقن لو تحقق الإجمال و لو قال على أولادي

ص: 85

و أولاد أولادي تسلسل في عقبه، و لو قال على أولادي فإذا انقرضوا و انقرض أولاد أولادي فعلى الفقراء فهو وقف على الأولاد و أولاد الأولاد تشريكا و بعد انقراضهم اجمع يكون للفقراء و لو وقف على من ينسب اليه لم يدخل أولاده عند المشهور، و الإرجاع الى ما عند العرف اولى و هو يختلف باختلاف الأحوال و المحال و كذا لو قال على الهاشميين أو العلويين و كذا لو قال على العلماء ففي بعض البلدان لا ينصرف الا الى فقهاء الشرع و في غيرها الى غيرهم أو الأهم منهم.

«227» لو وقف على زيد و الفقراء

فله النصف و قيل الثلث أو الرابع نظرا إلى أقل الجمع و الأول أقرب اما لو وقف على زيد و أولاد عمرو و هم محصورون فعلى الرءوس و يحتمل النصف و كذا لو وقف على أولاد زيد و أولاد عمرو يحتمل الفرق بين هذا و بين قوله أولاد زيد و عمر ففي الأول التنصيف و في الثاني على الرءوس و الظاهر في هذه الموارد ان الوقف على التوزيع المقتضى للتسوية لا المصرف.

(228) لو وقف على الجيران فالأخبار في التحديد مختلفة

أربعين ذراعا أو أربعين دارا من كل جانب و الأصح إرجاعه إلى العرف و مع الشك فالأخذ بالمتيقن و الجار هو ساكن الدار لا مالكها و القسمة مع الإطلاق بالسوية.

(229) الوقف على المساجد و المراقد يصرف في تعميرها

مع

ص: 86

الحاجة و الا ففي مصالحها من فرش و ضياء و نحوه و إذا عين مصلحة تعينت و الوقف على ميت حيث يصح ففي واجباته أو الخيرات عنه

«230» إذا وقف على أولاده فإن عين ترتيبا أو تشريكا تعين

و إذا أطلق فالتشريك و المساواة حتى بين الذكور و الإناث نعم لو قال على أولادي ثم على أولادهم فالظاهر الترتيب بينهما بل مطلقا، و لو قال على أولادي طبقة بعد طبقة أو نسلا بعد نسل و بطنا بعد بطن فقيل هو قيد الوقف فيقتضي الترتيب و قيل للأولاد فالتشريك و الغالب ان الواقفين يريدون منه التأبيد بقرينة قولهم بعدها الى ان يرث اللّٰه الأرض و من عليها و لا يدل على تشريك و لا ترتيب و على كل فان ظهر مراد الواقف تعين و مع الشك فالإطلاق يقتضي التشريك و الإهمال يقتضي الأخذ بالمتيقن و هو الترتيب و إعطاء الطبقة الأولى نصيبهم على فرض التشريك و قسمة الباقي بينهم و بين الطبقة المتأخرة بناء على الصلح القهري متجه، و لو قال في صورة الترتيب من مات فنصيبه لولده فاللازم مشاركته لأعمامه و يصير ترتيبا و تشريكا فالولد يشارك عمه و لا يشارك أباه، و لو تردد الموقوف عليه بين شخصين أو عنوانين فالقرعة أو القسمة بينهما لقاعدة الصلح القهري و هو القاعدة في كل مال مردد بين شخصين أو أشخاص محصورة هذا بعض الكلام في الموضوعات.

ص: 87

المقصد الثاني (في الاحكام)
اشارة

و فيه فصول

الفصل الأول (في المتولي)
«231» سبق ان للواقف ان يجعل التولية لنفسه مباشرة أو تسبيبا عند الوقف

و ان يجعل متوليا من بعده متسلسلا و منقطعا و إذا لم ينصب متوليا في صيغة الوقف فهل التولية له أو للموقوف عليهم أو للحاكم أقوال و الأصح بناء على بقاء العين على ملكيته انها له و على انتقالها فللموقوف عليهم و مع التشاح فللحاكم هذا في الوقف الخاص اما العام فلا إشكال في أنها للحاكم الشرعي مطلقا و لكن الانتفاع بمثل الخانات و المساجد و القناطر و الشجر للاستظلال لا يحتاج الى استيذانه و انما له الولاية على إصلاحها و حفظ شؤنها و ما يوجب بقائها نعم في مثل المدارس و الفنادق و نحو ذلك لا بد من استيذانه أيضا

«232» يجوز ان يجعل التولية لاثنين أو أكثر اشتراكا أو استقلالا

فعلى الأول لا يتصرف أحدهما إلا بموافقة الآخر و على الثاني ينفذ تصرف السابق و مع الاقتران و التنافي يبطلان معا و إذا مات أو جن أحدهما يلزم الحاكم ان يضم بدله الى الآخر و على الثاني لا يلزم و لكنه الأحوط و مع الشك في الاستقلال أو الاشتراك

ص: 88

فإن أطلق فالاستقلال و مع العدم فالاشتراك و الأحوط الرجوع الى الحاكم أيضا.

«233» ليس للمتولي أن يجعل متوليا في حياته و لا بعد مماته

إلا إذا جعل الواقف له ذلك في صيغة الوقف و لا يشترط في المتولي العدالة الا ان يشترطها الواقف نعم لو ظهر عجزه أو ثبت عند الحاكم خيانته عزله و نصب أمينا، و يجوز للمتولي توكيل غيره الا إذا اشترط الواقف المباشرة، و لا يجب على من جعله الواقف متوليا القبول بل له الرد و لكن إذا قبل لزمه العمل، و لا يجوز للواقف ان يجعل التولية لمن يعلم بخيانته و عدم أمانته و لو جعله متوليا رجع الأمر إلى الحاكم.

الفصل الثاني (فيما يصح للواقف شرطه)
«234» إذا شرط إدخال من يريد في الوقف فالمشهور الصحة

و لكن إذا شرط إخراج من يريد فالبطلان و الأصح الصحة في المقامين لعموم الوقوف على ما يقفها أهلها و لبعض الأخبار الخاصة، نعم لا يجوز ذلك بدون الشرط في عقد الوقف لانه تغيير للوقف بعد تحققه و لكن في جملة من الاخبار ان له ذلك و هي مع اعراض المشهور معارضة بما هو أقوى منها فالمنع متعين.

ص: 89

(235) الوقف لا يدخله شرط الخيار

فلو شرط في الوقف ان له ان يرجع متى شاء بطل نعم له ان يشترط في الموقوف عنوانا كالفقر أو العدالة فإذا زال العنوان زال الوقف عنه و إذا لم يبق لذلك العنوان مصداق صار نظير منقطع الآخر فيرجع للوارث أو ورثته و صرفه في وجوه البر أو وقف آخر برضاهم اولى.

(236) الشروط في الموقوف عليه ترجع الى عنوان الوقف

فيزول الوقف بزوالها و كذلك الشروط في العين الموقوفة فلو وقف البستان بهذا العنوان أو النخلة ما دامت مثمرة ثم انقطع ثمرها أو زال وصف البستان عن العين زال الوقف و التحقيق في أمثال هذا انه ان ظهر منه اعتبار العنوان على نحو الشرطية صريحا أو دلالة فالوقف يزول بزوالها و ان أطلق فعرصة البستان باقية على الوقفية و كذلك الجذوع و لذا قالوا إذا انهدمت الدار لم تخرج العرصة عن الوقف لأنها من جملة الموقوف فينتفع بها على وجه آخر من زرع و غيره و لا فرق عندنا بين كون لأرض خراجية أو غيرها، و كذلك المسجد إذا انهدم لا تخرج عرصته عن المسجدية و تجري جميع احكام المسجد عليه.

«237» المسجدية عندنا تحرير

و هو معنى آخر غير الوقف فإنه قد يعود ملكا بأسباب و لكن الحر لا يعود الى الرق ابدا و كذلك المساجد و المشاهد و المشاعر لا تعود ملكا بوجه من الوجوه و من الغريب جدا ما ذكره الأستاد «قده» من صحة جعل

ص: 90

منفعة الأرض المستأجرة مائة سنة مثلا مسجدا و كذا جعل الأرض مسجدا إلى مدة ثم تزول المسجدية مع ان من القواعد المسلمة انه لا وقف إلا في ملك و انه لا يصح وقف المنافع و ان الوقف يقتضي التأبيد هذا في الوقف و هو أهون من المسجدية التي هي تحرير مؤبد، و أغرب من ذلك تصريحه بجواز بيع المسجد في صورة خرابه أو عروض مانع من الصلاة فيه و إذا غصبه غاصب لا يمكن انتزاعه منه و انه يجوز إخراجه عن المسجدية لو غلب عليه الكفار فيباع صونا لحرمته الى آخر ما أفادا على اللّٰه مقامه و كل هذا مخالف للقواعد المسلمة التي تكاد تكون من أصول المذهب و خلاف ما هو المعلوم من طريقة الشرع ضرورة أن كفران النعم، و طغيان الأمم و تمرد الناس عن احكام الشرع الشريف و الدين الحنيف، لا يغير الأحكام الكلية و النواميس الثابتة الأبدية هذا إلى الإجماعات المحصلة فضلا عن المنقولة على عدم جواز بيع المساجد و عدم زوال المسجدية ابدا نعم يمكن في تلك الفروض النادرة و أمثالها مراجعة حاكم الشرع الذي هو الولي العام لتخريج صورة يطبقها على القواعد من دون الخروج عليها و الاصطدام بها و اللّٰه العالم و الحاكم و به المستعان.

«238» الأوصاف كشروط في الموقوف عليه

و عناوين يزول الوقف بزوالها كما لو قال وقفته على أولادي الفقراء أو العلماء أما الأفعال فإن جعلها أوصافا فهي كذلك و لو جعلها شروطا كانت إلزاما فلو قال على أولادي المصلين فتارك الصلاة خارج و لو

ص: 91

قال بشرط ان يصلوا فالتارك عاص للّٰه عز شأنه و للواقف و لكنه غير خارج عن الوقف.

«239» إذا جهل مصرف الوقف

فان كان مرددا بين أطراف محصورة فاما التوزيع على نحو الصلح القهري أو القرعة و مع عدم الانحصار يجرى عليه حكم مجهول المالك من التصدق بغلته مع مراجعة الحاكم على الأصح، اما لو علم المصرف و تعذر صرفه فيه فان كان وقفا خاصا و التعذر من جهة انقراض الموقوف عليه و كان الوقف على من يقرض غالبا بطل الوقف و رجعت العين الى الواقف أو إلى ورثته و ان كان على من لا ينقرض عادة فاتفق الانقراض أو كان وقفا على الجهات العامة صرفت غلته في وجوه البر بنظر الحاكم أيضا

«240» إذا آجر المتولي الوقف لمصلحة العين الموقوفة مدة طويلة

و مات أهل الطبقة الأولى لم يكن للثانية فسخها بل و لا لمن بعدها، اما لو آجرها هو أو الطبقة المتقدمة لفائدتهم ثم ماتوا لم تنفذ في بقية المدة و لا يقاس هذا على مالك العين لو آجرها مدة طويلة و مات في أثنائها نعم تنفذ مع الإجازة و تبطل بالرد و يرجع المستأجر على ورثة البطن الموجر بالنسبة و تقدير أهل الخبرة.

الفصل الثالث (في عدم جواز بيع الوقف و صور الاستثناء)
(241) من المعلوم ان أظهر خواص الوقف و أهم احكامه عدم جواز انتقاله بوجه من الوجوه

ص: 92

و بأي سبب من الأسباب العادية و لا يباع و لا يوهب و لا يرهن و لا يقسم و لكن ليس ذلك على سبيل العلية التامة كما في المسجدية التي عرفت انها كالمشاعر مثل مني و عرفات و نظائرها و كل هذا تحرير من الخالق يوم خلق السماوات و الأرض أو من المخلوق المالك و إمضاء مالك الملك، و قد عرفت ان الحر لا يعود رقاً ابدا، اما الوقف فعدم عوده مالكا على نحو الاقتضاء اي له ذلك بحسب طبيعته و اقتضاء ذاته و لا مانع من عروض سبب أقوى فيرفع ذلك الاقتضاء و يرده إلى أصله من جواز الانتقال أو القسمة أو التبديل و لكن لا يجوز ذلك الا بعد قيام الدليل القاطع و الا فالأصل في جميع موارد الشك هو عدم صحة النقل و الانتقال في مطلق الوقف بخلاف الحبس بأنواعه الثلاثة كما سبق و يأتي إن شاء اللّٰه، و بالجملة فالوقف قيد للملك و قد تعرض أمور ترفع ذلك القيد عنه فاللازم ذكر تلك الأمور التي سطع فيها الدليل الثاقب من نص أو إجماع، و هي أمور تذكر ضمن المواد التالية

[242] خراب العين الموقوفة بحيث لا يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها

كالدار الخربة التي لا يمكن سكناها و لا تعميرها و الحصير البالي و الحيوان المذبوح و أمثال ذلك فإن أمكن بيع البعض و تعمير الباقي به تعين و الا فاللازم بيعها اجمع و حينئذ فإن أمكن ان يشتري بالثمن عينا و لو أقل من تلك العين و توقف على نحو الوقف الأول تعين و الا فإن كان خاصا وزع على الموقوف و ان كان

ص: 93

عاما ففي وجوه البر.

«243» (الثاني) سقوطها عن الانتفاع المعتد به بوجه لا يرجى عوده

كما لو صارت البستان أرضا لا ينتفع بها منفعة يعتد بها بحيث لو بيعت و بدلت بعين اخرى كان أنفع أو مثل منفعة البستان و جواز البيع هنا غير بعيد و ان كان خلاف المشهور، و اما قلة المنفعة فغير مسوغ للبيع عندهم أصلا.

«244» «الثالث» أداء بقائه إلى خرابه علما عاديا أو ظنا قريبا منه

بحيث يصل الى حال لا يمكن الانتفاع به أصلا أو منفعة لا يعتد بها سواء كان للخلف بين أربابه أو لسبب آخر فإن بقائه في هذه الصور مناف للغرض من بقائه فأدلة المنع منصرفة عنها كل هذا مع العجز عن إمكان تحصيل صورة لبقائه مع الانتفاع به من إجارته مدة لا يخشى عليه منها أو بيع بعض و إصلاح الباقي به.

«245» الرابع وقوع الخلف بين أربابه اختلافا لا يؤمن معه من تلف النفوس و الأموال مطلقا

أو تلف خصوص الوقف فيرجع الى الاولى و (الضابطة) ان كل مورد يكون بقاء الوقف مستلزما لنقض الغرض من بقائه فاللازم الحكم بجواز بيعه كما في الصور المتقدمة و الحكم بصحة البيع في غير ذلك مشكل نعم هنا ثلاث صور لجواز البيع و لكنها من قبيل التخصص و الخروج الموضوعي لا التخصيص (الاولى) ما إذا اشترط الواقف في صيغة الوقف بقاء العنوان كما سبق ذكره فيما لو وقف البستان و اشترط انها وقف ما دامت

ص: 94

بستانا فإنها بزوال هذا العنوان يزول الوقف من أصله و تعود ملكا و إذا باعها فقد باع ملكا لا وقفا و خرج موضوعا لا حكما (الثانية) إذا اشترط في صيغة الوقف ان له ان يبيعه عند قلة المنفعة أو كثرة الخراج أو عند ما يكون بيعه أعود أو عند حاجة الموقوف عليهم و قد يستدل له بحديث وقف أمير المؤمنين عليه السلام ملكه في عين يتبع حيث يقول: و ان أراد الحسن ان يبيع نصيبا من المال ليقضي به الدين فيفعل ان شاء و لا حرج عليه و ان شاء جعله شروى الملك الى قوله: فان باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثا في سبيل اللّٰه و يجعل ثلثا في بني هاشم و عبد المطلب و ثلثا في آل أبي طالب- و بقاعدة الوقوف على ما يقفها أهلها و لكن لا دلالة في شي ء منهما اما الحديث فلا ينبغي الريب في ان الامام عليه السلام لم يقصد الوقف و كيف يعقل اجتماع الوقف مع تجويز البيع للحسن متى شاء لا لحاجة و لا لضرورة بل تشهيا و كيفا و بالجملة فما تضمنه الحديث لا يقول به أحد في الوقف و أقصى ما يقوله القائل هو جواز البيع عند الحاجة لا مطلقا و الحديث صريح فيما هو أوسع من ذلك فلا محيص من حمله على إرادة الصدقة بالمعنى العام لا الوقف بمعناه الخاص و منه يعلم الجواب عن قاعدة الوقوف- فتدبره.

(الثالثة) ما لو اشترى حصة مشاعة من ملك فوقها و شفع الشريك فيها فان الوقف يبطل و لو جعلها مسجدا و قلنا بجوازه فلا شفعة و إذا وقع بيع الوقف فاللازم ان يشتري بثمنه المتولي ملكا و يوقف

ص: 95

على نحو الوقف السابق و ذلك في الأربع الاولى اما لو زال الوقف كما في الصورتين الأخيرتين ففي الصورة الاولى و الثالثة ترجع ملكا للواقف أو لورثته و في الثانية يكون حسب الشرط.

«246» لا ريب ان تعمير الوقف مقدم على حقوق الموقوف عليهم

و لكن لو دار الأمر بين مراعاة البطن الموجود و مراعاة سائر البطون لو كما احتاج الوقف الى التعمير و توقف على إيجاره مدة طويلة فهل يقدم تعميره بإجارته و حرمان البطن الموجود منها مراعاة للبطون اللاحقة أو يترك تعميره و تدفع الأجرة للموجود مراعاة لحقه وجهان أصحهما تقديم التعمير حفظا للوقف الذي بقاؤه أهم من حق البطن الموجود و لا فرق في ذلك بين اشتراطه تقديم التعمير أو عدم اشتراطه

«247» الأغراض و المقاصد قد تحور الألفاظ و الجمل عن مداليلها

و قد توسعا و تضيقها مثلا لو وكله على شراء الطعام و علم الوكيل ان ليس غرض الموكل الا الربح و التجارة و ان شراء الطعام فيه خسارة فاحشة و ان الربح في شراء الغنم جاز له مخالفة نص الوكيل في شراء الطعام و ليس للموكل اعتراضه بعد معرفة القصد و الغرض و ثبوت ذلك نعم لو لم يعلم الغرض و لم يجز التعدي و مثل هذا قد يأتي في الوقف فإذا علم ان غرض الواقف بقاء هذه العين لخصوصية فيها لكونها دار آبائه أو كتابا أثريا يريد حفظه لم يجز بيعه إلا إذا كان بقاؤه يستوجب تعجيل تلفه اما لو علم ان ليس غرضه بقاء ذات هذه العين بل الغرض ماليتها و انتفاع الموقوف عليهم بمنافعها

ص: 96

و غلتها فلو قلت منفعة العين عما كانت عليه و كان بيعها أعود و أنفع يمكن القول بجواز بيعها و استبدالها بالانفع و الأعود و لعل هذا وجه ما انفرد به الشيخ المفيد «قده» من جواز البيع لتبديله بما هو أنفع و أصلح و هو وجيه و ربما يحمل عليه بعض الاخبار و لكن لا يصح هذا الا بعد عرض القضية على حاكم الشرع و إحاطته بالموضوع ثم حكمه بالجواز و العدم، و على هذا يتفرع جواز وقف مالية الشي ء من حيث المالية لا من حيث العين و لكنه لو صح فليس هو من الوقف المصطلح و لا من الحبس المعروف بل هي معاملة أخرى و نوع من الصدقة بمعناها العام يمكن دعوى شمول العمومات لها على تأمل واضح

الفصل الرابع «في قسمة الوقف و إيجاره»
«247» إذا كان المال مشتركا بين الوقف و الملك جاز إفراز الوقف عن الملك اتفاقا على قواعد القسمة المقررة في بابها،

اما قسمة نفس الوقف بين أربابه فالمشهور عدم الجواز مطلقا و استقوى السيد الأستاد (قده) الجواز مطلقا و فصل بعض فأجازها مع تعدد الواقف و الموقوف عليه كما لو اشترك أخوان في دار فوقف كل منهما حصته على أولاده،،، و إذا نظرنا إلى طبيعة الوقف و الأدلة لم نجد فيها ما يمنع القسمة مطلقا و الملاك الذي صح به قسمة الوقف عن الملك يجري

ص: 97

أيضا في قسمة الوقف بين أربابه، و دعوى انه خلاف وضع الواقف غير مفهومة و عهدتها على مدعيها، نعم لو ظهر من الواقف أو علم من حاله ارادة عدم تغييره أو اشترط بقائه على هيئته اتجه المنع و حيث ان الغالب في الواقفين الرغبة في ذلك فالأحوط احتياطا لا يترك عدم القسمة إلا لمثل الأسباب الموجبة للبيع، و إذا استلزمت القسمة رداً فان كان من الوقف لم يصح و ان كانت من الملك للوقف صحت و صار الملك وقفاً و ان كان من مال الموقوف عليه فله ما يقابله

(248) لا يجوز إيجار الوقف مدة طويلة يخشى عليه من تغلب الأيدي و ترتب أثر الملكية عليه،

هذا مع الإطلاق و لو شرط الواقف ان لا يوجر أكثر من سنة أو سنتين فآجر المتولي أو المرتزقة أكثر من ذلك بطل الزائد و لا تجدي الحيلة بإيجاره عقوداً متعددة سنتين سنتين لانه خلاف غرض الواقف، و ان وافق لفظه و هو من جملة الشواهد على ان الأغراض تقيد الألفاظ

الفصل الخامس «فيما يثبت به الوقف»
(249) يثبت الوقف بالشياع المفيد للعلم و بإقرار المالك أو ذي اليد و بالبينة الشرعية،

و في ثبوته بالشاهد الواحد و يمين المدعي خلاف و حيث ان دعوى الوقف ترجع الى المال من حيث تمليك

ص: 98

المنفعة فاللازم ثبوته بذلك بل و بشهادة النساء منضمة الى الرجل و إذا كانوا جماعة فاللازم حلفهم جميعاً و لا يكفي حلف الطبقة الموجودة بل تحلف المتأخرة أيضا عند وصول النوبة إليها و من لا يحلف فلا حق له، و لا أثر للإنكار بعد الإقرار إلا إذا استند الى وجه معقول عند الحاكم

(250) لا يثبت الوقف بمجرد الكتابة على ظهر كتاب

أو في ورقة ما لم يحصل العلم بصحتها أو يحكم حاكم شرع فيها.

(251) سيرة الطبقات على نحو مخصوص حجة

إذا لم يعلم مخالفتها لجعل الواقف، فان جعل الواقف كنص الشارع، فلو كان وقف لم تعلم كيفيته و عمل المرتزقة على نحو خاص من ترتيب أو تشريك أو في صرفه بمصرف معين وجب العمل على ذلك ما لم يعلم الخلاف

«252» لو ادعى الواقف بعد الوقف و الإقباض كيفية مخصوصة أو شرطا

فان حصل العلم بصدقة فالعمل عليه و الا فلا اثر له لانه صار أجنبياً و إقراره إقرار بحق الغير،

«253» لو باع المتولي أو الموقوف عليهم العين الموقوفة

فإن كان بإمضاء أحد حكام الشرع فهو نافذ و دليل على حصول المسوغ و ان كان بدون ذلك فهو محتاج إلى إثبات المسوغ فيجوز للطبقة اللاحقة انتزاعه من المشتري الى ان يثبت و لا اثر لليد هنا لأنها يد وقف فلا تنهض حجة على ضده كما لا يجدي الحمل على الصحة فإنه إنما ينفع في الأعمال المرتبة على الوقف لا فيما يضاد الوقف و ينافيه

(254) لو تعارضت يد الملكية الفعلية مع ثبوت الوقف سابقا

ص: 99

فهل يحكم بالوقفية و ينتزع من يد المتصرف أولا بل يحتاج إلى إثبات الوقفية فعلا، و المعروف عند الفقهاء في أمثالها ترجيح اليد الفعلية على الاستصحاب نعم لو أقر ذو اليد بأنها كانت وقفا و عرض المسوغ فاشتراها هو أو مورثه لزمه الإثبات و تؤخذ منه الى ان يثبت

الفصل السادس (في الوقف المجهول)
(255) إذا لم يعلم الوقف على الذكور فقط أو على الأعم منهم و من الإناث

أو علم الأعم و لم يعلم التشريك أو الترتيب فان ثبت إطلاق في كلامه أو كتابته بان قال هو وقف على أولادي و لم يعلم انه قيده بالذكور أو بالترتيب أم لا فالإطلاق يقتضي شموله لهما كما يقتضي التشريك و هكذا كلما شك في قيد و عدمه فالأصل العدم اما إذا لم يحرز الإطلاق فاللازم الرجوع الى الأخذ بالقدر المتيقن فالنصف الذكور متيقن و النصف الثاني مردد بينهم و بين الإناث فاما القرعة و اما القسمة بين الفريقين كما هو القاعدة في كل مال مردد بين اثنين على قاعدة العدل و الصلح القهري و هذا هو الأصح فيكون للذكور ثلاثة أرباع الغلة و للإناث الربع و مثله الكلام في الترتيب و التشريك، نعم لو علم ان مراده من الوقف على أولاده المصرف لا التوزيع و الاستيعاب كان الذكور هو القدر المتيقن و كذلك

ص: 100

الطبقة الاولى في الشك بين الترتيب و التشريك فيلزم الاقتصار عليها، و لو كان الشك على نحو الانحصار كما لو علم انه وقف على الذكور فقط أو الإناث فقط فقد يقال هنا بتعيين القرعة و لكن الأصح عندنا أيضا قسمته على الفريقين و القسمة هنا بالسوية بقاعدة العدل أيضا كما سبق.

(256) كل شخص يشك في انه من الموقوف عليه في وقف عام أو خاص

لاعتبار قيد أو خصوصية فالأصل عدم كونه منهم فلو شك مثلا ان المدرسة موقوفة على طلبة الفقه أو على عموم الطلاب فلا يجوز لغير طالب الفقه ان يسكن فيها و هكذا.

(257) إذا وقف كتباً أو داراً على المشتغلين من ولده فاتفق عدم وجود مشتغل فيهم

فان كان يرجى حصول مشتغل فيهم بقي وقفا و يؤجر الى ان يحصل المشتغل و يدفع له و ان كان لا يرجى صار من المنقطع الآخر و الأصح ان ترجع القضية إلى الحاكم فاما ان يجعله وقف لسائر المشتغلين أو في وجوه البر أو غير ذلك من المصالح العامة أو يرده ملكا لبعض الخصوصيات المقامية،

(258) إذا كانت بعض الأعيان الزكوية وقفا

كالأنعام الثلاثة أو النخيل لم يجب الزكاة فيها على الموقوف عليهم حتى لو بلغت حصة كل واحد منهم النصاب اما ثمراتها فان كانت موقوفة مع أمهاتها فكذلك و الا وجبت فيها الزكاة إذا بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب، أما الأوقاف العامة كالوقف على الفقراء، فان كان

ص: 101

على نحو الشركة و الاستيعاب ففي عائدها الزكاة عند حصول تمام الشرائط لكل واحد منهم و ان كان على نحو المصرف فلا يجب إلا إذا بلغت حصة كل واحد منهم النصاب بعد القسمة و القبض مع اجتماع الشرائط و إذا انحصر الموقوف عليهم في عدد معين كواحد يكون هو المالك فتجب عليه الزكاة إذا اجتمعت الشرائط.

الفصل السابع (في الحبس و أنواعه)
(259) أنواع الحبس ثلاثة. رقبى، و عمرى، و سكنى،

و الجميع يشترك في ان فائدتها التسليط على المنفعة مجانا مع بقاء الملك للمالك و يفترق بعض عن بعض ببعض الخصوصيات و التحبيس يعم الجميع فالسكنى تختص بما يسكن من دار و نحوها و هي من حيث الأمد عامة و العمرى و الرقبى خاصان من حيث الأمد و الوقت، فالعمرى ما قرنت بعمر أحدهما أو عمر أجنبي و الرقبى ما قرنت بأمد يرتقب انتهاؤه، و هما عامان من حيث الموضوع فيعمان ما يسكن و غيره كالعبد و الدابة و الفرش.

(260) يشترط في هذه الأنواع مضافا الى الشرائط العامة

من العقل و البلوغ و الرشد و الاختيار و الملك و عدم الحجر- الإيجاب و القبول و القبض ان كان على شخص أو أشخاص اما على الجهات العامة كما لو حبس عبده على خدمة المساجد أو المشاهد فلا يعتبر

ص: 102

قبول و لا قبض بل يتحقق بالإيجاب مع النية و قصد التقرب، فيقول في الإيجاب أسكنتك داري مدة عمرك أو مدة عمري أو عشر سنين فان لم يعين و أطلق صحت و كان للمالك الفسخ و الرجوع متى شاء

الاحكام
اشارة

إذا تمت الشرائط كان كل واحد منها لازما إلى الأمد المجعول في الصيغة فان كان زمانا معيناً كعشر سنين و مات المالك في أثنائها انتقلت العين الى ورثته مسلوبة المنفعة بقية المدة و ان مات المحبس عليه انتقلت بقية المدة إلى ورثته، و ان كان الأمد عمر المالك فمات انتهى التحبيس و انتقلت الى ورثته و كذلك ينتهي بموت المحبس عليه و ان كان الأمد عمره و في صورة العكس تنتقل العين مسلوبة المنفعة و تنتقل المنفعة لوارث المحبس عليه و في صورة الإطلاق و عدم تعيين أمد تبطل بموت كل واحد منهما.

(261) إطلاق السكنى يقتضي سكناه بنفسه و من جرت عادته بالسكنى معه

كزوجته و ولده و خادمه و ضيفه و ليس له ان يسكن معه أجنبياً و لا بأجرة و لا مجانا، و للمالك ان يتصرف في رقبة العين المحبسة بأنواعها كيف شاء من أنواع التصرف بيعاً و هبة و غيرهما اما الرهن فمشكل و اما الإجارة فإن كان بالنسبة الى ما بعد الأمد فجائز و اما بالنسبة إلى مدة الحبس التي نقل المنفعة فيها الى غيره فباطل إلا إذا ملكه المنفعة مطلقا فهو فضولي.

ص: 103

خاتمة تشتمل على ثلاث كلمات لناشر هذا الكتاب

(الاولى) ان هذا الجزء الخامس المتضمن لما يسمونه اليوم (الأحوال الشخصية)

قد كتبه مؤلفه سماحة الامام على نحو الإيجاز و الادماج و بأساليب المتن و فيه فروع كثيرة و مواد غريزة يحتاج الى الشرح و البسط و الاستنباط و التحليل مع الإشارة إلى المدارك و الدليل فيكون من أنفس الكتب في بابه و قد استوفى هذا الجزء على اختصاره عامة أبواب الأحوال الشخصية عدا كتاب الإرث و لعل سبب إهماله ان عامة مسائله متفق عليها بين الإمامية و فقهاء المذاهب و مواضع الخلاف محدودة معروفة- كمسألة العول و التعصيب و الحبوة و حرمان الزوجة من الأرض و أمثالها مما لعله لا يبلغ العقد الأول مضافاً الى كثرة ما الف فقهاء الإمامية في الفرائض و المواريث من الرسائل الموجزة و المبسوطة فضلا عما اشتملت عليه كل المتون و الشروح المستوعبة لسائر كتب الفقه من أول العبادات إلى أخر الحدود و الديات و قد ألفت في هذا العصر رسائل مخصوصة في الفرائض و المواريث مثل رسالة (أحسن الحديث في الوصايا و المواريث) لحجة الإسلام العلامة إلا وحد

ص: 104

الشيخ احمد آل كاشف الغطاء «قده» شقيق سماحة الإمام فإنه على و جازته من أحسن ما رشحت به أقلام الاعلام من المتأخرين و أوسع من هذا و اجمع ما ألفه معالي الوزير الحاج محمد حسن كبه دام علاء في كتابه الواسع (الأحكام الشرعية) فإنه يغادر صغيرة و لا كبيرة من فروع المواريث الا أحصاها مع الإتقان و حسن التحرير و وضوح الجداول و متانتها التي تسهل المصاعب و تقلل المتاعب و تحلل المسائل الحسابية من أقرب الطرق و أسهلها و قد طبع هذا الأثر الجليل سنة 1350 في مطبعة العمارة و طبعت رسالة «أحسن الحديث» المتقدمة في مطابع النجف سنة 1341 فمن أراد الإيجاز كفته هذه الرسالة و من أراد البسط فعليه بذلك الكتاب.

«و القصارى» ان هذا الجزء الخامس الملحق (بتحرير) المجلة قد حوى على اختصاره تحقيقات عميقة و مباحث رشيقة هي من مبتكرات رشحات يراعه الفياض، و بذلك على ذلك مقدمة كتاب النكاح فقد أبدع فيه غاية الإبداع و أبدى الحكمة في مشروعيته و فلسفة الاهتمام به و الوجه في تسمية الرجل المتزوج زوجا و قد كان فردا أوضح كل هذا باجلى وجه و أعلى بيان فطالعه بدقة و إمعان، حتى تتذوق حلاوته.

(الكلمة الثانية)

ان سماحة المؤلف ذكر في اخريات الجزء الأول كالوعد بان يتعرض في الاجزاء التالية لبعض القواعد العامة التي ذكرها

ص: 105

(نجيم المصري) في كتاب (الأشباه و النظائر) و لكن كان هذا في بداية العمل يوم كان البناء على توسعة هذا المؤلف إلى ستة أجزاء أو ثمانية و حيث ان الأوضاع العالمية و أزمة قلة الحاجات و ارتفاع أسعارها ارتفاعا فاحشا و فوق الحسبان قد حالت دون تلك الأماني و اقتصر على ذكر الأهم فالأهم من تحرير المجلة و ملحقها و على العلات فقد تدارك ذلك و القى علينا نبذة من القواعد التي استنبطها من متفرقات أبواب الفقه و كلمات الفقهاء و لم ينفق أو يتوفق لاستخراجها و جمعها سواه، و نحن إكمالا للفائدة و حرصا على جميع عوارفه و طرائفه نذكرها هنا سردا كي تنضم الى القواعد التي استدركها على المجلة و أوردها في اوليات الجزء الأول و لكن أكثرها مسطورة في كتب فقهاء الإمامية، اما هذه فأكثرها من مبتكراته و قد يوجد بعضها في كتب بعضهم و نحن نذكرها غفلا من غير تعليق و لا تنسيق و هي قواعد نفيسة و نافعة يستريح إليها الفقيه و المتفقة في استخراج حكم كثير من الفروع الجزئية التي ينطبق عليها قاعدة من تلك القواعد الكلية و التخريج و التطبيق، موكول الى أهل الفضل و التحقيق، و هي أيضا محتاجة إلى الشرح و التوضيح.

1 الدواعي لا تقيد الأسباب 2 كل وقف زال نفعه، جاز بيعه 3 كلما جاز إجارته جاز وقفه و مالا فلا 4 كل من ادعى مالا بلا معارض فهو له و ان لم يكن له

ص: 106

5 كل من يقبل قوله فلا بد معه من اليمين إلا في موارد 6 حكم التحالف فسخ أو تراد أو تقسيم 7 الحرام لا يحرم الحلال 8 الرضاع يحرم سابقا و لاحقا 9 كل مقبوض بإذن الشارع أو المالك لا يضمن إلا بالتعدي و كل مقبوض بدون أحدهما مضمون مطلقا 10 الضمان اشغال ذمة نفسه عن الغير، و الحوالة اشغال ذمة الغير عن نفسه 11 لا يمين على المدعى الا في ثلاثة مواضع، الاستظهار، اليمين المردودة القسامة 12 كل وطي بلا عقد و لا زنا فمهر المثل و مع العقد و التسمية فالمسمى و الا فمهر المثل، الزاني باغي و لا مهر لبغي 13 كل عقد أو وطي لذات بعل أو معتدة مع العلم بالحكم و الموضوع يوجب التحريم الأبدي بخلاف العقد وحده مع الجهل 14 كل طلاق ليابسه أو صغيرة أو قبل الدخول فلا عدة له 15 كل من مات عنها زوجها فعليها العدة مطلقا 16 كل مال مردد بين افراد فإن كانت محصورة فالقرعة أو القسمة صلحا قهريا و الا فهو مجهول المالك 17 كل وصي ليس له ان يوصى لغيره الا مع اذن الموصى

ص: 107

17 كل وصي ليس له ان يوصي غيره الا مع اذن الموصي 18 كل وقف و مال ميت لا ولي له فالولاية لحاكم الشرع 19 الولاية في كل حسبة لحاكم الشرع أو مأذونه.

20 كل متولي ينعزل بالخيانة.

21 كل من نصبته الامانة عزلته الخيانة 22 كل قاصر فولايته لأبيه وجده الا من عرض له السفه أو الجنون بعد بلوغه فولايته لحاكم الشرع.

23 ولاية الأب و الجد عرضية ينفذ السابق و مع الاقتران و التنافي فالبطلان.

و إذا ألحقنا هذه القواعد بالقواعد التي استدركها سماحة الامام على المجلة الجزء الأول و هي اثنان و ثمانون يبلغ المجموعة مائة قاعدة و خمس، و بضميمة الملخص من المائة قاعدة المذكورة في أصل المجلة البالغة خمس و أربعين بعد إرجاع بعضها الى بعض و حذف المكرر يبلغ المجموع مائة و خمسين قاعدة كلية يرجع إليها الفقيه في كثير من الفروع و يستريح إليها و تجد هذه القواعد قليلة الألفاظ كثيرة المعنى غزيرة المادة و هي تشبه ما وجدناه له في بعض مجاميعه من الكلمات القصار المبنية على الحكم العالية و المعارف السامية و فصاحة الأسلوب و براعة اللفظ- مثل قوله دامت بركاته- لو لا سبق الوجود على العدم لما وجد شي ء.

ص: 108

و هذه الجملة تنطوي مع و جازتها على أقوى براهين التوحيد و اسمى قواعد الفلسفة العالية و إثبات الصانع يعرف ذلك اهله و مثل قوله يستطيع الإنسان ان يصير ملكا، و لا يستطيع الملك ان يصير إنسانا.

و مثل قوله: القوة في الحق و ليس الحق في القوة.

و أعلى من هذا قوله دام ظله: الحق اعمى حتى تأتي القوة فتقوده.

و قد ابتكر هذا المعنى ابتكاراً و صاغه أبدع صياغة و أصاب به هدف الحقيقة.

و مثل قوله: خلق اللّٰه الأكل للإنسان و ما خلق الإنسان للأكل.

و قوله: النعم إذا شكرت كثرت، و إذا كفرت فرت.

الى كثير من نظائر هذا مما لا مجال لإحصائه هنا، و انما ذكرنا هذا القبس من ذلك النور على سبيل النموذج و الطليعة و كل مؤلفاته تشهد بما منحه اللّٰه من براعة الإنشاء و سحر البيان الذين بذ فيه السابق و اللاحق و تفرد بذلك في عصره و حيث ان جميع مؤلفاته ممتعة و عالية وجدنا من تمام الفائدة و كمال المنفعة الإشارة الى كل واحد منها و بيان المطبوع منها و غير المطبوع و تاريخ طبعه و البلد التي طبعت فيه كل ذلك في ضمن هذه:

ص: 109

«الكلمة الثالثة»

اشارة

و رتبناه على أبواب العلوم

الباب الأول مؤلفاته في علم الحكمة و الفلسفة و القصائد

(1) الآيات البينات يشتمل على ثلاث رسائل رد الطبيعية، نقض فتاوى الوهابية، مزخرفات البهائية.

طبع في مطابع النجف سنة 1345 «2» الدين و الإسلام.

طبع الأول و الثاني منه في مطبعة دار السلام بغداد سنة 1329 ثم صودر القسم الأكبر منهما أيام سلطة الأتراك و ولاية ناظم باشا على العراق ثم طبع ثانيا في صيدا الأول ثم الثاني في ما بعد الثلاثين و الف و ثلاثمائة.

«3» الدين و الإسلام الجزء الثالث و الرابع لم يطبعا و أكثر موادهما موجودة.

«4» أصل الشيعة و أصولها طبع في صيدا مرتين و نفذت نسخهما و لو طبع عشر مرات لنفذ لشدة الطلب. و يوشك ان يطبع الطبعة الثالثة «5» المراجعات الريحانية جزءان طبع الأول في بيروت و الثاني في صيدا حدود 1331 «6» التوضيح جزءان طبع الأول في صيدا و الثاني في بغداد

ص: 110

سنة 1347 «7» الميثاق العربي الوطني طبع في النجف فهذه عشرة مجلدات مطبوعة كلها في الحكمة و العقائد و أصول المعارف.

اما غير المطبوع منها.

«11» الدروس الدينية. رتبه دروساً في العقائد لطلاب مدرسته و أشار فيه الى الأدلة بأسلوب بديع.

«12» حواشي على الاسفار و الهداية الاثرية.

«13» حواشي على العرشية و رسالة الوجود له أيضا.

(الباب الثاني) مؤلفاته في علم الفقه و الأصول.

المطبوع منها.

«1» حاشية مفصلة على تبصرة العلامة طبعت في بغداد سنة 1338 يسعى جماعة من الذين رجعوا اليه بالتقليد في ذلك العهد.

«2» سؤال و جواب في الفتاوى الفقهية طبعت في النجف سنة 1350 ثم طبعت ثانيا سنة 1355 «3» وجيزة الاحكام دورة فقه تامة و كمتن من المتون الفقهية و رسالة عملية للمقلدين طبعت في النجف سنة 1360 «4» حاشية على عين (الحياة) الفارسية لأخيه المرحوم حجة الإسلام الشيخ احمد رضوان اللّٰه عليه طبعت في الهند

ص: 111

سنة 1345 «غير المطبوع» شرح مبسوط على «العروة الوثقى» لاستاذه حجة الإسلام آية اللّٰه السيد محمد كاظم الطباطبائي برز منه الى المبيضة مجلدان كتاب الطهارة و كتاب الصلاة فيه تنقيح و تحرير للأدلّة الفقهية بأسلوب بكر و تحرير بديع.

«6» حاشية مبسوطة على مكاسب الشيخ الأعظم الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره في المكاسب المحرمة و البيع و الخيارات.

«7» حواشي و فتاوى على العروة الوثقى أيضاً يرجع إليها المقلدون.

«8» حواشي على كتاب (سفينة النجاة) لأخيه المتقدم و هو كتاب جليل دورة فقه تام و قد علق عليه سماحة الامام و هو مجلدان كبيران طبع الأصل في النجف سنة 1338 و لم يطبع التعاليق عليه الى الآن.

«9» رسائل متفرقة في جملة من مشكلات الفقه.

(علم الأصول) غير المطبوع «1» (تنقيح الأصول) متن على نحو الكفاية و فيه تحرير جديد لفن الأصول.

ص: 112

«2» حواشي على رسائل الشيخ المرتضى الأنصاري أعلى اللّٰه مقامه.

«3» حواشي على كفاية أستاذه آية اللّٰه الخراساني أعلى اللّٰه مقامه.

«4» رسالة في الجمع بين الأحكام الظاهرية و الواقعية و مراتب الحكم.

«5» حواشي على القوانين و الفصول.

(فن الأدب و علوم العربية) «1» سحر بابل و ترجمة الاعلام و الأفاضل طبع في صيدا سنة 1331 و المقدمة و جميع ما فيه من التراجم هي من قلمه الفياض و كذلك تعاليق السيد الحبوبي المطبوع في بيروت بذلك التاريخ و وساطة القاضي الجرجاني.

غير المطبوع «2» مغني الغواني عن الأغاني اختصر كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصبهاني عشرين جزءاً في مجلد واحد كبير و اختار منه كل ما فيه من شعر بديع و قصة رائعة بحذف الأسانيد و المكررات و قدم له مقدمة بارعة و الحق به فوائد جليلة، و في الحق انه كنز من كنوز الأدب و هو موجود في مكتبته العامة مبيضا بقلمه الفنان.

«2» مجموعة منتخبة من شعره الذي أنشد في عصر الشبيبة قبل ان يراهق و سماه (الأحسن من شعر الحسين)

ص: 113

«3» منتخب من شعره في سفره و حضره الذي أنشأه بعد العشرين من عمره الى الثلاثين و سماه (العصريات و المصريات) «4» (نهزة السفر و نزهة السمر) رحلته الى سوريا و الحجاز بقصد الحج سنة 1339 و هي مجموعة مشحونة بالفوائد العلمية و المطارح الأدبية.

«5» تعاليق على أمالي السيد المرتضى المطبوع في مصر الطبعة القديمة.

«6» تعاليق على أدب الكاتب لابن قتيبة و شرحه للسيد البطليوسي فيها تحقيقات نفيسة في العربية.

«7» مجموعة فيما اختاره من الإشعار القديمة و الحديثة و الخطب البليغة و الكلمات القصار من الأئمة المعصومين من فارسي و عربي ابتدأ بجمعها سنة 1320 و قال في مقدمتها بعد الحمد و البسملة، هذه الكناشة مما جمعه بقلمه العبد محمد الحسين آل كاشف الغطاء عند التماس ترويح النفس و إجمام الخاطر، و تحميض الذوق مما لم اعتمده قصدا، و لا قصدته ثواً و انما جاء عفواً، و حصل اتفاقا فاني كنت عند سير بعض الاسفار و تقليب بعض المؤلفات الأدبية، إذا استحسنت شاردة أو ظفرت بنادرة من أبيات حكمة أو عظة بالغة أو نسيب يلعب بالالباب قيدت شاردها حذراً من ان تند عن الخاطر الى آخر ما نمق تراعه.

ص: 114

«8» مجموعة ثانية ابتدأ بجمعها سنة الثلاثين بعد الالف و الثلاثمائة عند سفره الى مصر و الحجاز و فيها مضافا الى الشعر الرائق العالي تحقيقات دقيقة و مباحث عميقة في الحكمة و العرفان و التصوف باللغتين العربية و الفارسية.

«9» ثالثة مبوبة ذات فصول و عناوين سماها طرائف الحكم «10» رحلته إلى إيران لزيارة الامام الرضا عليه السلام سنة 1352 «11» رسالة سماها (عقود حياتي) ذكر فيها ترجمة حياته و ما شاهد فيها من الحوادث المهمة من العقد الأول إلى بدء العقد السابع.

«12» مجموعة كبيرة واسعة سماها (دائرة المعارف الصغرى) جمع فيها أنفس ما سئل عنه في الحكمة و الكلام، و أسرار الشرائع و الاحكام و فلسفة الإسلام مضافا الى الفتاوى الفقهية التي سئل عنها مع أجوبتها الضافية، و هذه المجموعة من أنفس مجاميعه و هي بحر متلاطم الأمواج.

(الكتب التي ترجمها من الفارسية إلى العربية) «1» كتاب (فارسي هيئة) في الهيئة القديمة و كان يدرس في النجف بعد (تشريح الأفلاك) للشيخ البهائي نقله إلى العربية أحسن نقل حتى كأنه من رأسه.

«2» رحلة (ناصر خسرو) العلوي من وطنه بلخ الى

ص: 115

الحجاز سنة 437 و تمام سفره الى سبع سنوات مر على عواصم الإسلام كمصر و سوريا و فلسطين و وصفها أبدع وصف و قد ترجمها سماحته باختصار.

«3» رسالة (حجة السعادة. في حجة الشهادة) تأليف (صنيع الملك) ألفها بطلب مخدومه (السلطان ناصر الدين شاه) حيث اقترح عليه ان يشرح له وضعية العالم و الممالك و الأمم في سنة احدى و ستين التي وقعت فيها حادثة الطف مع ذكر الشهادة و وصفها من كتب الأجانب فجمع و اتفق و أبدع فيما جمع.

و قد نقل سماحته جملة مهمة منها مع المحافظة على الأصل.

(الخطب)

لو جمعت جميع خطبه التي ارتجلها في المجتمعات العامة و النوادي الحافلة و الجموع المحتشدة، لجاءت بأكبر كتاب يشتمل على أكثر من مائة خطبة و كان سماحته إذا رقى المنبر ينصب مثل السيل المنحدر بأفصح بيان يخترق الاسماع الى القلوب و يخلب الألباب و لا ينقطع بأقل من الساعتين أو ثلاث ففي سفره الى المؤتمر الإسلامي في القدس لم يدخل عاصمة من عواصم الإسلام إلا و اجتمع الناس عليه و خطب عليهم الخطب البليغة من بغداد و الشام و بيروت و صيدا و صور و حيفا و جنين و القدس ذهابا و إيابا و خطب عند رجوعه من المؤتمر في الحسينية الكبرى في الكرخ الليلة الرابعة من شهر رمضان زهاء أربعة ساعات و كان ذلك النادي الحسيني قد غص بالمستمعين

ص: 116

من أكابر الرجال ثم خطب في كربلاء كذلك و في النجف في المسجد الهندي ثم في شوال في مسجد الكوفة و على هذا المنوال سفره الى إيران لزيارة الامام الرضا عليه السلام فقد خطب في همدان و شيراز و المحمرة و عبادان و البصرة و الناصرية و الديوانية و الحلة و لكن من الأسف انه لم يطبع من تلك الخطب النفيسة إلا النزر القليل نذكرها فيما يلي:

(خطبة فلسطين التاريخية) طبعت في بيت المقدس رجب سنة 1350 (خطبة الاتحاد و الاقتصاد) في جامع الكوفة طبعت منفردة في النجف شوال سنة 1350 ثم طبعت هي و خطبة فلسطين في البصرة ثانيا.

(الخطب الأربع) طبعت في النجف في مطبعة الراعي سنة 1353 (نبذة من السياسة الحسينية) ألقاها كخطبة في بيان الحكم و الاسرار التي توخاها سيد الشهداء سلام اللّٰه عليه بحمل عيالاته المخدرات و تعريضهن للسبي و هي فريدة في بابها و قد طبعت في النجف مرتين و نفذت.

ثم في هذه السنوات الأخيرة تدافع تيار علمه بهذه الاصداف المشحونة بالليالي المكنونة و هو كتاب (تحرير المجلة) الذي

ص: 117

هو «حقه» مفخرة من مفاخر هذا العصر شرع في الجزء الأول سنة 1359 ثم تلاه الثاني سنة 1360 و الثالث 1361 و أتم الرابع و الخامس سنة 1362 و كان الطبع و النشر مساوقا للتأليف فكان تمام تأليفه مع تمام طبعه.

و من يتدبر في الأوضاع العالمية هذه السنوات و ارتباك الأفكار فيها و قلق النفوس و ذهول الألباب و تعسر عموم الحاجات خاصة أدوات الطبع و لوازمه من الورق و غيره لا يشك بأن تأليف مثل هذه الموسوعة و سرعة نشرها في هذه الظروف القاسية ممتدين من عناية ازلية و مدفوع بيد غيبية و ان همم الرجال تقلع الجبال، نعم و من يتدبر كثرة مؤلفاته التي تربو على الثمانين مما ذكرناه و ما لم نذكره لعدم عثورنا عليه فان له مؤلفات هو حريص على كتمانها حسب الظروف، نعم من يستقصي تلك النفائس الجليلة مع كثرة إشغاله اليومية من تدريس و فتوى و حل الخصومات و المرافعات من النجف و خارجه و اقامة الجماعة و أمثال ذلك من الأعمال التي لا محيص له عنها، و لا معول على سواء فيها.

و الشهرة بلاء. و قديما قيل: لا يزال الرجل لنفسه فإذا عرف كان لغيره، من نظر الى هذه النواحي من المواهب و أنصف يتجلى له ان هذه الشخصية المباركة من الطراز الأول من الأساطين كالشيخ المفيد و السيد المرتضى و الشيخ الطوسي الذين لم تزل آثارهم منشورة، و خدماتهم للدين مشكورة، و في بعض الكتب

ص: 118

السماوية: (من ثمارهم تعرفونهم) و هذه آثاره النافعة، و ثماره اليانعة. سارت مسير الشمس في أقطار الأرض. فهو أدام اللّٰه بركات وجوده من افذاذ الدهر و نوابغ العالم و اليه المفزع في المشكلات. و يحق ان تكون له الزعامة الدينية. و تقصر عليه المرجعية العامة في عموم المسلمين فضلا عن هذه الطائفة. و ما ذكرنا ذلك الا مصارحة بالحق و خدمة للحقيقة. و اللّٰه الموفق للصواب و منه المبدء و اليه المآب.

صفحة سطر خطأ صواب 31 11 العدة أو العدة الرجعية أو

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.